أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} (آسية بنت مزاحم) الثلاثاء 13 ديسمبر 2016, 11:47 pm | |
| {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} (آسية بنت مزاحم)
"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-).
واللهِ إن القلبَ ليرتجف وأنا أهَمُّ بالكتابة عن هذه الملكة العظيمة، فنحن الآن على موعدٍ مع الصِّدِّيقَةِ الوليَّة، والرَّاضية المرضيَّة، والمؤمنة التقيَّة، الراسخة الثابتة الأبيَّة، الزاهدة الصَّفيَّة، الشهيدة الهنيَّة.
نحن الآن على موعدٍ مع البطلة التي انتصرت بإيمانها على أقوى جبَّارٍ عرفته الأرض في التاريخ من لدن آدمَ إلى أن يرث اللَّهُ الأرض ومَنْ عليها.
نحن الآن على موعد مع أقوى إنسانة خلقها اللهُ في الدُّنيا، نحن الآن على موعد مع إنسانة عجزت كلمات الشُّعراء على تخليد سيرتها، فخلَّدها رَبُّ الشُّعراء في كتابه بكلماته.
نحن الآن على موعد مع زينة الملكات، وسيّدة السيّدات، ورمز الأبيَّات، نحن الآن مع موعدٍ مع الأم الرحيمة والبطلة العظيمة "آسيةَ بنتَ مُزاحم" امرأة عدوَ اللَّهِ فرعون!
وآسيةُ -رحمها اللَّه- لم تكن مجرد زوجة عادية لرجلٍ عادي، بل كانت ملكة متوَّجة لديها من الذهب والمجوهرات ما لا يُحصى ولا يُعد، نحن نتحدث عن ملكة من ملكات مصر القديمة التي كانت جنَّةُ اللَّهِ في أرضه.
آسيةَ بنت مزاحم رحمها اللَّه تركت كل ذلك في سبيل اللَّه، والحقيقة أن سر اختياري لهذه السيدة الطاهرة لأطلق عليها لقب أقوى إنسانة في التاريخ لا ينبع من كونها انتصرت على فرعون الجبَّار فحسب، بل إنني أعتقد أن سر عظمة وقوة آسية ينبع من من انتصارها على نفسها!
فلقد تركت هذه البطلة الذهب والمجوهرات وقصور فرعون، مضحيَّة بذلك بأعظم كُنُوز الحضارة الفرعونية في سبيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لتنتصر هذه البطلة العملاقة على نفسها، ثم تنتصر بعد ذلك على فرعون!
لقد انتصرت على الرجل الذي قال للناس أنا ربكم الأعلى! فباعت آسية بذلك دُنياها من أجل آخرتها، تركت قصرها، أو لنقل قصورها، من أجل أن تسكن في بيتٍ بجوار اللَّه، لتكون جارةً للَّه!
وآسية هي آسية بنت مزاحم بن عبيد الديان بن الوليد، وهي ترجع لأصول عربية من جزيرة العرب!
وكان أبوها يحكم مملكة من الممالك التي خضعت للحكم المصري في عصر الدولة الفرعونية الحديثة، وكان من عادة الملوك أن يُصاهروا بعضهم البعض، فتزوجها فرعون ليجعلها أثيرة إلى قلبه دون زوجاته الأخريات على الرغم من كونها امرأة عقيم!
لذلك ما إن رأت آسية التابوت الذي ألقت به أم موسى في النيل حتى تعلّق قلبها به، ولنتحوَّل الآن إلى نهر النيل، ولنتخيَّل أخت موسى وهي تَمُدُّ الخُطَى لتُراقب ذلك التابوت الذي قذفت به أمُّها في مياه النيل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)} [القصص].
وكأني بقول اللَّه تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)}، فكما أن موسى خرج من بيت فرعون، فما يدرينا... لعل اللَّه يُخْرجُ لنا من بيت أشد أعداء الإِسلام في هذا الزمان مَنْ يُعِيدُ إحياء هذا الدين كما خرج موسى الذي كان يسمى موسى بن فرعون ليعيد إحياء أمته بعده 300 عامٍ من الذل والهوان!
ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل هناك من نسائنا مَنْ هي مثل أم موسى التي تخلَّت عن رضيعها من أجل طاعة اللَّه؟
وهل هناك من نسائنا امراة صابرة مثل آسية بنت مزاحم؟ أتعلمون على ماذا صبرت الملكة آسية التي تعودت على الفُرُشِ الحريرية والوَسائد الذهبية؟
لقد خيَّرها عدو اللَّه فرعون ما بين الكفر أو العذاب فاختارت هذه البطلة بكل ثقة وبكل إيمان العذاب على الكفر، وأبت أن تعطي الدنيَّة في دينها.
لذلك أشرف فرعون شخصيًا على تعذيبها حيث عَزَّ عليه أن تخرج زوجته على عقيدته، لتتبع عدوه موسى، فأمر بإنزال أشد أنواع العذاب عليها، حتى تعود إلى ما كانت عليه، لكنها بقيت مؤمنة مُحتسبة صابرة.
فأمر فرعون جنوده أن يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد، لتنهال السياط على جسدها، وهي صابرة مُحتسبة على ما تجد من أليم العذاب، ثم أمر المجرم فرعون بوضع رحًى على صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة.
وقبل أن يتم تنفيذ ذلك جاءها فرعون ليعرض عليها العفو مقابل أن تكفر باللَّه، فنظرت إليه نظرة استحقار، ثم نظرت في السماء وهي مُعَلَّقَة بين الأوتاد الأربعة فدعت اللَّهَ بأعجب دُعاءٍ دَعته امرأة في التاريخ فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}.
فاختارت هذه البطلة الجوار قبل الدار، اختارت أن تكون جارة للَّه! فقالت: {عِنْدَكَ} قبل {بَيْتًا}، فكان لها ذلك!
فارتفعت روحها إلى بارئها، تُظَلِّلُهَا الملائكة بأجنحتها, لتسكن في الجنة، لتستحق هذه البطلة العظيمة أن تكون من أعظم نساء التاريخ على الإطلاق لتكون بذلك سيدة من سيدات أهل الجنة!
ولكن هل انتهت قصة ذلك المُجرم فرعون عند ذلك الحد؟ وهل انتهى ظلمه وعذابه للناس بعد أن قتل زوجته بيديه؟ أم أن هناك مزيدًا من الضحايا لهذا المُجرم؟ فما هي قصة تلك الأم البطلة التي عذَّبها فرعون مع أبنائها؟ وما هو سر تلك الرَّائحة الطيبة التي اشتمَّها رسولُ اللَّه في ليلة الإسراء والمعراج؟ يتبع... يتبع إن شاء الله... |
|