60
" سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي , فأوحى الله إلي يا محمد إن أصحابك
عندي بمنزلة النجوم في السماء , بعضها أضوأ من بعض , فمن أخذ بشيء مما هم عليه
من اختلافهم فهو عندي على هدى " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 147 ) : موضوع .
رواه ابن بطة في " الإبانة " ( 4 / 11 / 2 ) و الخطيب أيضا و نظام الملك في
" الأمالي " ( 13 / 2 ) , و الديلمي في " مسنده " ( 2 / 190 ) , و الضياء في
" المنتقى عن مسموعاته بمرو " ( 116 / 2 ) و كذا ابن عساكر ( 6 / 303 / 1 ) من
طريق نعيم بن حماد حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن
# عمر بن الخطاب # مرفوعا .
و هذا سند موضوع , نعيم بن حماد ضعيف , قال الحافظ : يخطئ كثيرا ,
و عبد الرحيم بن زيد العمي كذاب كما تقدم ( 53 ) فهو آفته و أبوه خير منه .
و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية السجزي في " الإبانة "
و ابن عساكر عن عمر , و قال شارحه المناوي : قال ابن الجوزي في " العلل " : هذا
لا يصح نعيم مجروح , و عبد الرحيم قال ابن معين : كذاب , و في " الميزان " :
هذا الحديث باطل , ثم قال المناوي : ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر أخرجه ساكتا
عليه و الأمر بخلافه فإنه تعقبه بقوله : قال ابن سعد : زيد العمي أبو الحواري
كان ضعيفا في الحديث , و قال ابن عدي : عامة ما يرويه و من يروي عنه ضعفاء ,
و رواه عن عمر أيضا البيهقي , قال الذهبي : و إسناده واه .
قلت : و روى ابن عبد البر عن البزار أنه قال في هذا الحديث : و هذا الكلام لا
يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم , رواه عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن
سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم , و ربما رواه
عبد الرحيم عن أبيه عن ابن عمر , كذا في الموضعين : ابن عمر , و الظاهر أن لفظة
( ابن ) مقحمة من الناسخ في الموضع الأول و إنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد
الرحيم بن زيد , لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه , و الكلام أيضا
منكر عن النبي صلى الله عليه وسلم , و قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
بإسناد صحيح : " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي , عضوا عليها
بالنواجذ " , و هذا الكلام يعارض حديث عبد الرحيم لو ثبت , فكيف و لم يثبت ?!
و النبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه .
ثم روى عن المزني رحمه الله أنه قال : إن صح هذا الخبر فمعناه : فيما نقلوا عنه
و شهدوا به عليه , فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به , لا يجوز عندي غير هذا ,
و أما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا , و لا
أنكر بعضهم على بعض , و لا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه فتدبر .
قلت : الظاهر من ألفاظ الحديث خلاف المعنى الذي حمله عليه المزني رحمه الله ,
بل المراد ما قالوه برأيهم , و عليه يكون معنى الحديث دليلا آخر على أن الحديث
موضوع ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم , إذ كيف يسوغ لنا أن نتصور أن النبي
صلى الله عليه وسلم يجيز لنا أن نقتدي بكل رجل من الصحابة مع أن فيهم العالم
و المتوسط في العلم و من هو دون ذلك ! و كان فيهم مثلا من يرى أن البرد لا يفطر
الصائم بأكله ! كما سيأتي ذكره بعد حديث .
و أما حديث ابن عمر فهو :
61
" إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 149 ) : موضوع .
ذكره ابن عبد البر معلقا ( 2 / 90 ) و عنه ابن حزم من طريق أبي شهاب الحناط عن
حمزة الجزري عن نافع عن # ابن عمر # مرفوعا به , و قد وصله عبد بن حميد في
" المنتخب من المسند " ( 86 / 1 ) : أخبرني أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب به ,
و رواه ابن بطة في " الإبانة " ( 4 / 11 / 2 ) من طريق آخر عن أبي شهاب به , ثم
قال ابن عبد البر : و هذا إسناد لا يصح , و لا يرويه عن نافع من يحتج به .
قلت : و حمزة هذا هو ابن أبي حمزة , قال الدارقطني : متروك , و قال ابن عدي :
عامة مروياته موضوعة , و قال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بالموضوعات حتى كأنه
المتعمد لها , و لا تحل الرواية عنه , و قد ساق له الذهبي في " الميزان "
أحاديث من موضوعاته هذا منها .
قال ابن حزم ( 6 / 83 ) : فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلا , بل لا شك أنها
مكذوبة , لأن الله تعالى يقول في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم : *( و ما ينطق
عن الهوي , إن هو إلا وحي يوحى )* , فإذا كان كلامه عليه الصلاة و السلام في
الشريعة حقا كله و واجبا فهو من الله تعالى بلا شك , و ما كان من الله تعالى
فلا يختلف فيه لقوله تعالى : *( و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا
كثيرا )* , و قد نهى تعالى عن التفرق و الاختلاف بقوله : *( و لا تنازعوا )*
,فمن المحال أن يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع كل قائل من الصحابة
رضي الله عنهم و فيهم من يحلل الشيء , و غيره يحرمه , و لو كان ذلك لكان بيع
الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب , و لكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء
بأبي طلحة , و حراما اقتداء بغيره منهم , و لكان ترك الغسل من الإكسال واجبا
بعلي و عثمان و طلحة و أبي أيوب و أبي بن كعب و حراما اقتداء بعائشة و ابن عمر
و كل هذا مروى عندنا بالأسانيد الصحيحة .
ثم أطال في بيان بعض الآراء التي صدرت من الصحابة و أخطأوا فيها السنة , و ذلك
في حياته صلى الله عليه وسلم و بعد مماته , ثم قال ( 6 / 86 ) : فكيف يجوز
تقليد قوم يخطئون و يصيبون ? ! .
و قال قبل ذلك ( 5 / 64 ) تحت باب ذم الاختلاف : و إنما الفرض علينا اتباع ما
جاء به القرآن عن الله تعالى الذي شرع لنا دين الإسلام , و ما صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى ببيان الدين ... فصح أن الاختلاف لا
يجب أن يراعى أصلا , و قد غلط قوم فقالوا : الاختلاف رحمة , و احتجوا بما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ,
قال : و هذا الحديث باطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية .
أحدها : أنه لم يصح من طريق النقل .
و الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يأمر بما نهى عنه , و هو عليه
السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسره , و كذب عمر في تأويل تأوله
في الهجرة , و خطأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العدة , فمن المحال الممتنع
الذي لا يجوز البتة أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ .
فيكون حينئذ أمر بالخطأ تعالى الله عن ذلك , و حاشا له صلى الله عليه وسلم من
هذه الصفة , و هو عليه الصلاة و السلام قد أخبر أنهم يخطئون , فلا يجوز أن
يأمرنا باتباع من يخطيء , إلا أن يكون عليه السلام أراد نقلهم لما رووا عنه
فهذا صحيح لأنهم رضي الله عنهم كلهم ثقات , فمن أيهم نقل , فقد اهتدى الناقل .
و الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول الباطل , بل قوله الحق ,
و تشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد و كذب ظاهر , لأنه من أراد جهة
مطلع الجدي , فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد , بل قد ضل ضلالا بعيدا و أخطأ خطأ
فاحشا , و ليس كل النجوم يهتدى بها في كل طريق , فبطل التشبيه المذكور و وضح
كذب ذلك الحديث و سقوطه وضوحا ضروريا .
و نقل خلاصته ابن الملقن في " الخلاصة " ( 175 / 2 ) و أقره , و به ختم كلامه
على الحديث فقال : و قال ابن حزم : خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط .
و روي هذا الحديث بلفظ آخر :
62
" أهل بيتي كالنجوم , بأيهم اقتديتم اهتديتم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 152 ) : موضوع .
و هو في نسخة أحمد بن نبيط الكذاب , و قد وقفت عليها , و هي من رواية أبي نعيم
الأصبهاني قال : حدثنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريان المصري المعروف
باللكي - بالبصرة في نهر دبيس قراءة عليه في صفر سنة سبع و خمسين و ثلاث مئة
فأقر به قال - أنبأنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط أبو جعفر
الأشجعي بمصر - سنة اثنتين و سبعين و مئتين قال - حدثني أبي إسحاق بن إبراهيم
ابن نبيط , قال : حدثني أبي إبراهيم بن نبيط عن جده # نبيط بن شريط # مرفوعا .
قلت : فذكر أحاديث كثيرة هذا منها ( ق 158 / 2 ) , و قد قال الذهبي في هذه
النسخة : فيها بلايا ! و أحمد بن إسحاق لا يحل الاحتجاج به فإنه كذاب .
و أقره الحافظ في " اللسان " .
قلت : و الراوي عنه أحمد بن القاسم اللكي ضعيف .
و الحديث أورده ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 2 / 419 ) تبعا لأصله " ذيل
الأحاديث الموضوعة " للسيوطي ( ص 201 ) و كذا الشوكاني في " الفوائد المجموعة
في الأحاديث الموضوعة " ( ص 144 ) نقلا عن " المختصر " لكن وقع فيه نسخة نبيط
الكذاب فكأنه سقط من النسخة لفظة ( ابن ) و هو أحمد بن إسحاق نسب إلى جده ,
و إلا فإن نبيطا صحابي .
63
" إن البرد ليس بطعام و لا بشراب " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 153 ) : منكر .
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 347 ) و أبو يعلى في " مسنده "
( ق 191 / 2 ) و السلفي في " الطيوريات " ( 7 / 1 - 2 ) و ابن عساكر
( 6 / 313 / 2 ) من طريق علي بن زيد بن جدعان عن # أنس # قال : مطرت السماء
بردا فقال لنا أبو طلحة : ناولوني من هذا البرد , فجعل يأكل و هو صائم و ذلك في
رمضان ! فقلت : أتأكل البرد و أنت صائم ? فقال : إنما هو برد نزل من السماء
نطهر به بطوننا و إنه ليس بطعام و لا بشراب ! فأتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبرته بذلك فقال : " خذها عن عمك " .
قلت : و هذا سند ضعيف , و علي بن زيد بن جدعان ضعيف كما قال الحافظ في
" التقريب " , و قال شعبة بن الحجاج : حدثنا علي بن زيد و كان رفاعا يعني أنه
كان يخطيء فيرفع الحديث الموقوف و هذا هو علة هذا الحديث , فإن الثقات رووه عن
أنس موقوفا على أبي طلحة خلافا لعلى بن زيد الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فأخطأ , فرفعه منكر , فقد أخرجه أحمد ( 3 / 279 ) و ابن عساكر ( 6 / 313 /
2 ) من طريق شعبة عن قتادة و حميد عن أنس قال : مطرنا بردا و أبو طلحة صائم
فجعل يأكل منه , قيل له : أتأكل و أنت صائم ? ! فقال : إنما هذا بركة ! و سنده
صحيح على شرط الشيخين , و صححه ابن حزم في " الإحكام " ( 6 / 83 ) و أخرجه
الطحاوي من طريق خالد بن قيس عن قتادة , و من طريق حماد بن سلمة عن ثابت ,
كلاهما عن أنس به نحوه , و رواه البزار موقوفا و زاد : فذكرت ذلك لسعيد بن
المسيب فكرهه , و قال : إنه يقطع الظمأ , قال البزار : لا نعلم هذا الفعل إلا
عن أبي طلحة , فثبت أن الحديث موقوف ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ,
و إنما أخطأ في رفعه ابن جدعان كما جزم بذلك الطحاوي .
و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 3 / 171 - 172 ) مرفوعا ثم قال :
رواه أبو يعلى و فيه علي بن زيد و فيه كلام , و قد وثق , و بقية رجاله رجال
الصحيح , و أورده السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " ( ص 116 ) من رواية
الديلمي بإسناد يقول فيه كل من رواته : أصم الله هاتين إن لم أكن سمعته من فلان
و لكن ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 1 / 159 ) رد عليه حكمه عليه بالوضع
و نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال في " المطالب العالية " : إسناده ضعيف , ثم
ختم ابن عراق كلامه بقوله : و لعل السيوطي إنما عنى أنه موضوع بهذه الزيادة من
التسلسل لا مطلقا , والله اعلم .
قلت : و هذا الحديث الموقوف من الأدلة على بطلان الحديث المتقدم : " أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " , إذ لو صح هذا لكان الذي يأكل البرد في رمضان
لا يفطر اقتداء بأبي طلحة رضي الله عنه , و هذا مما لا يقوله مسلم اليوم فيما أعتقد .