أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: خطبة الجمعة: فضل العشر الأواخر وليلة القدر الجمعة 01 يوليو 2016, 3:04 pm | |
| خطبة الجمعة فضل العشر الأواخر وليلة القدر إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فضل العشر الأواخر من رمضان والتقرب فيها إلى الله بالطاعة. عباد الله: هذه عشركم، وهذا شهركم، وهذا وقتكم في عبادة ربكم، هذه فرصتكم، وهذه غنيمتكم، وقد تفضل الله عليكم بإحيائكم إلى بلوغ وقتكم هذا، فدخلتم في أفضل عشر في السنة، في أفضل عشر ليالٍ في السنة، وهي هذه الليالي، فمن عرف قدر النعمة عمل لها، الذي يعرف قدر نعمة الله عليه ببلوغ هذه العشر سيهتم بها، والذي لا يعرف ستمر عليه كبقية الليالي والأيام، لما علم ربنا قصر أعمارنا بالنسبة إلى من قبلنا، جعل لنا هذه الليلة التي عبادتها أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة، خير من ألف شهر، فأي نعمة أعظم من نعمة المضاعفة؟ ونعمة بلوغ وقت المضاعفة الذي أنتم فيه الآن؟
عباد الله: إن عبادته تعالى والتقرب إليه هي وظيفتنا، والتي لأجلها خلق الخلق، ولذا فإن القيام بهذه والوظيفة في هذا الوقت مكسب عظيم، عندما تقبل يا عبد الله على ربك، عندما تناجيه، وتناديه، وترفع يديك وتدعوه، وتلجأ إليه، وتظهر الافتقار، تظهر الحاجة، فإن ربك يحب من يقبل عليه، ويتضرع إليه، ويناشده، ويلح عليه، ويسأله بأسمائه، وصفاته، وقلبه منكسر يقول: أبوء لك بنعمتك علي يعني: أعترف، وأبوء بذنبي فاغفر لي، ويسأل ويثني: فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
هذا ما يريده الرب، الدعاء: هو العبادة، "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي" سورة غافر60. يعني: عن دعائي؛ لأن ترك سؤال الله كبر، ترك الدعاء كبر، وأما الإقبال على الله تواضع، والناس يتبرمون من الإلحاح، والله يحب الملحين.
يا عبد الله يا مسلم: اعرف شرف زمانك، واعرف قدره، هذا أوان الصلاة، والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، هذا هو السوق فماذا عملنا؟ يا مسلم: تفكر في نفسك، أين التنافس في الخيرات؟ أين المسارعة؟ أين المسابقة؟ عندما يتنوع الذكر على اللسان، فتارة تسبيحاً، وتارة تهليلاً، وتارة تكبيراً، وتارة تحميداً، عندما يتنوع الذكر على اللسان، يرضى الرحمن، وعندما تتعدد الحاجات بالسؤال، فإن الله سبحانه وتعالى يرضى بذلك، عندما تقبل عليه فتقرأ كلامه، عندما تخاطبه بكلامه ، عندما تقبل عليه وأنت تذكر هذه الكلمات، وأنت تتلو، وواجبك نحو نفسك لا يقل عن واجبك نحو أهلك، "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" سورة طـه132.
نبحث أحياناً عن بيئة، وفرصة لتربية الأهل، ونقول في أنفسنا: ماذا نعمل مع الأولاد؟ ماذا نعمل مع الزوجات؟ فهذه فرصة عظيمة، ونبينا صلى الله عليه وسلم ما كان يترك أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه في هذه العشر، فإذا جاءت اعتكف، ولذلك (شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) [رواه البخاري2024]. فليست العبادة هنا عبادة فردية، نفسك ونفسك فقط، لا، وأيقظ أهله، هذه المسؤولية نحو الأهل، "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" سورة التحريم6. (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) [رواه البخاري893].
عندك أبناء، عندك بنات، عندك زوجة، عندك أقارب، عندك جيران، يا مسلمون: هذا أوان الإقبال على الله، وتذكر المسؤولية الجماعية (من يوقظ صواحب الحُجَرات كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) [رواه البخاري5844].
من صواحب الحجرات؟ إنهن زوجاته عليه الصلاة والسلام.
يا مسلم يا عبد الله: الناس يعيشون في غفلة في الخارج، العالم يعيش في غفلة، العالم مشغول بالأولمبيات، (أيقظوا صواحب الحُجَر) [رواه مالك3385].
وأنت مشغول في طاعة الرحمن، إنه الغبن العظيم عندهم، وإنه الشرف العظيم عندنا، مشغولون بألعاب، ناس مشغولون بمسلسلات، وملهيات، وناس مشغولون بصف الأقدام في رضا الرحمن، ناس مشغولون بإضاعة الأوقات، والصفق بالأسواق، وناس مشغولون بالإقبال على الله، والانطراح بين يديه، والبكاء بحضرته، وتلاوة كلامه، والإلحاح عليه، والسؤال، والتكرار، شتان –والله- بين هؤلاء، وهؤلاء، هؤلاء أهل الجنة، وهؤلاء الله أعلم بمصيرهم.
يا مسلم يا عبد الله: هذا هو معدن اللذة، هذا هو أوان السعادة؛ لأن قوله تعالى: "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ" سورة الإنفطار13. ليس في الجنة فقط "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم" سورة الإنفطار13.
تشمل الدنيا أيضاً؛ لأن هناك نعيماً في الدنيا من لم يذقه لم يذق نعيم الجنة، إنه نعيم الأنس بالله، إنه نعيم الإقبال على الله، إنه نعيم ذكر الله، إنه نعيم تلاوة كلام الله، إنه نعيم التوبة إلى الله، إنه نعيم الاعتكاف في بيوت الله، إنه نعيم عظيم وأنت تذكره، وتتوب إليه، عندما يقول الله تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ" السحر: قبل الفجر، ومنه أخذ اسم السحور "وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" سورة الذاريات15-18.
فهذا السحور إعانة على القيام لصلاة الفجر، وإعانة على الصيام؛ لأنه يتأخر قبل الفجر فيكون عدة للصيام، ومخالفة لأهل الكتاب (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) [رواه مسلم1096].
وهذا السحور بركة، كما قال في الحديث: (البركة في ثلاثة: في الجماعة والثريد والسحور) [رواه البيهقي في شعب الإيمان7114].
وهذا السحور يعين على العبادات الأخرى، كالاستغفار في الأسحار، عندما يقول الله تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ" سورة الذاريات15-17.
قد يقول قائل: الآن الناس قليلاً من الليل ما يهجعون، وربما لا ينامون أصلاً في الليل، لكن ماذا يفعلون بالليل؟ هذا هو السؤال، فإذا قال قائل: اشتركنا مع المذكورين في الآية: قَلِيلًا "مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ" ونحن الآن لا ننام أصلاً، لكن ماذا يفعلون؟ وماذا نفعل؟ "كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ"؛ لأنهم قائمون يصلون "كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ"؛ لأنهم مشغولون بالاستغفار بالأسحار، "كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ"؛ لأنهم مقبلون على الله في اعتكافهم، وفي صلاتهم، إن الرجل ليصلي في الليل فيجعل الله في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط فيقول: إني لأحب هذا الرجل، ما يعرف السبب، بسبب أن هذا الرجل من عباد الرحمن، يطيع الله سبحانه وتعالى، هذه مكافأة معجلة.
يا عباد الله: يدخل بعض الناس في القيام، فإن أطال الإمام جاء الملل، والطفش، لماذا؟ بينما لو جلس ساعة ونصف متواصلة، على فلم لا يكاد يحس بمرور الوقت، من الأسرار في ذلك: أنه حصلت لذة الفلم، والمتابعة، والإثارة، لكن ما حصلت اللذة في الصلاة، بسبب عدم تذوق معاني الأذكار، عدم تذوق معاني الآيات، فإذا كان لا يعرف ما معنى: "الصَّمَدُ" ولا يعرف ما معنى: "لِإِيلَافِ" ولا يعرف ما معنى: "غَاسِقٍ" ولا يعرف ما معنى: "وَقَبَ" ولا يعرف ما معنى: "وَاصِبًا" ولا يعرف ما معنى: "يَهِدِّي" ولا يعرف ما معنى... ولا معنى... فكيف سيجد اللذة؟
وبالتالي: تكون هذه الآيات عندما تقرأ عليه كأنها ألغاز، طلاسم، أو أنها تمر مروراً عابراً، ربما يعرف شيئاً من المعنى، لكن تغيب عنه أشياء، ثم هذا السرحان في الصلاة، وإبليس ينقله من وادٍ إلى وادٍ، وصاحبنا لا يقاوم إبليس في الصلاة، فكيف ستحصل اللذة التي لو ذاقها لنسي لذة الأفلام، والغرام، هنا السر الذي لأجله يحصل عند بعض الناس ملل، وسآمة من العبادة، لكن لو ذاق لذتها، بلذة الإقبال على الله، ولذة تذوق معاني كلام الله، وهو يسمعه يتلى عليه؛ لكان له شأن آخر، لكان الغرف من هذا المعين، لكان التفهم لهذه الآيات، لكان الربط بين هذه وهذه، وبين هذه والواقع، لكانت هذه الآيات بلسماً، وعلاجاً ينزله على مشكلاته النفسية، الناس تعيش تأزماً من الديون، تعيش تأزماً من كثرة الطلبات، تعيش تأزماً من قلة الوارد، تعيش تأزماً من الخلافات، والنزاعات، مشكلات عائلية، وجيرانية، وفي الوظيفة.
يا عباد الله: لا نحتاج إلى أطباء نفسانيين في الواقع إذا كنا نعرف كيف نعالج أنفسنا بالقرآن، لكن الآن يقولون لك: العيادات مزدحمة، والمواعيد متأخرة، لما يكون هناك لذة في قيام الليل، تعيش من خلالها أنك بحضرة الملك، والكبراء في الدنيا يحتاج الأمر للدخول عليهم إلى شفعاء، ووسطاء، أنت ما تدخل مباشرة إذا كان لا يوجد أحد يدخلك، ويرتب لك الموعد، وينسق لك المقابلة، ويتوسط لك من أجل الدخول، ثم قد تنال من هذا المسؤول دقيقة، أو دقيقتين، أو خمس.
يا أخي: الله تدخل عليه بلا واسطة، الله تدخل عليه بلا شفيع، "لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" سورة الأنعام51.
الله تدخل عليه مباشرة، الله عز وجل تدخل عليه بدون مواعيد، الله تدخل عليه وتطيل كما شئت يا أخي، ساعة، ساعتين، عشر، هل يوجد أحد يردك؟ هل يوجد أحد يقيمك؟ هل يوجد أحد يخرجك؟ هذه النعمة من الذي يستشعرها اليوم؟
إذا تعبت في الصلاة، اذكر قدوتك محمد بن عبد الله، لما كانت رجلاه، وقدماه تتفطران، وتتشققان من طول القيام، مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر.
يا مسلمون: نحتاج أن نعيش مع الله، نحتاج أن نعيش مع كلامه، نحتاج إلى تطهير القلب قبل تطهير البدن، نحتاج أن نحس بقيمة الليالي هذه.
تعريف الاعتكاف وبعض أحكامه. الاعتكاف لماذا جعل؟ ما هو تعريف الاعتكاف؟
قالوا: الاعتكاف ليس له إلا شرط واحد فقط، لزوم المسجد لطاعة الله، إذن الاعتكاف: هو اللزوم، هو الانقطاع، التفرغ التام، هذا الاعتكاف، وقد تقول: عندي وظيفة ما أستطيع أن أعتكف يوماً وليلة وأربع وعشرين ساعة، اعتكف ليلة يا أخي، لا أستطيع الليل كله، قال بعض العلماء: حتى لو دخلت بعد إفطارك، وقبل العشاء، لصلاة العشاء والتراويح، وجلست إلى القيام، وانصرفت بعد ذلك للسحور، هذا الوقت كم ساعة؟
تربية النفس تحتاج إلى تدرج، بعض الناس عندهم ما شاء الله لا قوة إلا بالله قدرة على النقلات الفورية، فليغتنموا ذلك، هذه فرص متى ستعود؟ بعد سنة، وما يدرينا أننا من الأحياء؟ الناس يموتون يا عباد الله، كل يوم إسعافات، وصلاة جنازة، وطوارئ مستشفيات، وثلاجات أموات، فما يدرينا أننا هنا، أو لسنا هنا في العام القادم، ولذلك لما نوطن أنفسنا على اللبث في المسجد لطاعة الله، ولا يخرج الإنسان إلا لحاجة الإنسان، وبعيد عن اللذات الآن "وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" سورة البقرة187.
وأنت في المسجد ماذا عندك غير التفرغ لتلاوة كلامه، والتفرغ لدعائه، والتفرغ لمحاسبة نفسك، والتفرغ للتوبة، والتفرغ للتفكر في آلائه، وآياته، وكتابه، والتدبر فيه، فما أعظم هذه النعمة، وما أعظم هذه الجنة المعجلة في الدنيا، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام اعتكف، وأصحابه اعتكفوا.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، أعنا على ذكرك وشرك وحسن عبادتك. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية: الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، وصاحب لواء الحمد، والحوض المورود، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى أصحابه، وذريته الطيبين، وأزواجه، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
فضل ليلة القدر الليلة الشريفة العظيمة. عباد الله: هذه الليلة الشريفة العظيمة "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" سورة القدر1. قال الله متعجباً: "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" سورة القدر2.
والله سبحانه وتعالى يتعجب، وهذه من صفاته وأفعاله، يعجب ربك من راعي غنم برأس شظية في جبل، ما عنده أحد، يؤذن، ويقيم الصلاة، عجب الله من رجل، وامرأته، قدما طعام صبيانهما للضيف، وباتا طاويين، قال الله في هذه السورة: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ" ما أدراك: تعجبية، استفهام للتعجب، "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" ما أدراك ما ليلة القدر في شرفها، في الملائكة الهابطة فيها، والصاعدة، ما أدراك ما ليلة القدر في ثوابها، ما أدراك ما ليلة القدر في فضلها، وشرفها، ما أدراك ما ليلة القدر في أفعال هؤلاء العابدين فيها، وما استودعوه فيها من أعمالهم، وصلاتهم، وإقبالهم "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" سورة القدر3.
فعلاً من حرم خيرها فقد حرم، ولا يحرم خيرها إلا محروم، ولذلك أي فرصة تلوح، أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) [رواه الترمذي3513].
إذن سؤال الله العفو، لما أمرنا نبينا قال: (تحروا ليلة القدر) [رواه البخاري2017]. التحري: الترقب، التحري: التشوف، التحري: الانتظار، التحري: الوقوف في حالة طوارئ، التحري يحتاج إلى تفرغ، أنت تتحرى الشيء فتترقبه، وتنظره وتنتظر ما فيه، تتحرى، كيف تتحرى؟ بأن تتفرغ لعبادة لعلك تصيبها، لعلك تصيب بركتها، خيرها، أجرها، ما فيها من هذه الفضائل العظيمة، تحروها في الأوتار، تحروها في العشر كلها، ومن اعتكف العشر كلها أصابها قطعاً، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر.
"سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" سورة القدر5. سالمة من العذاب، سلام هي لأصحابها، وأهلها، سلام، ما فيها مكدرات، ولا منغصات، ولا آلام، ولا عذاب لأهلها؛ لأنهم سيذوقون نعيماً عظيماً لم يخطر لهم ببال، مواسم، أعطاك الله في كل سنة من عمرك، عمر رجل معمر، تخيل أن عندك في كل سنة ثلاثٍ وثمانين سنة أدخلت في هذه السنة، لو عشت خمسين سنة تترقب ليلة القدر، وتعمل لها، فأنت قد أعطيت في كل سنة، في كل رمضان، في كل عشر ليالٍ أخيرة منه، عمر رجل معمر عمره ثلاثٌ وثمانون سنة، أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة أدخلت في حياتك في كل رمضان، هب أنك تعيش ستين، سبعين، ثمانين، في كل سنة من هذه السنوات السبعين أعطيت ثلاثاً وثمانين سنة مدخلة، رصيد إضافي فيها، "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" سورة القدر3.
ليست مساوية للألف، "خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" فمن عرف الفضل أقبل، وبذل، وعمل، من عرف الفضل صبر، من عرف الفضل تحمل، من عرف الفضل جاهد نفسه، وهكذا ليصيبها، يتحراها لإصابتها، فإذا أصابها بدعاء، بتلاوة، بصلاة، باعتكاف، بتوبة، بمناشدة لربه، أصابها، فيا حظ من أصابها.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، واجعلنا ممن صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً، واجعلنا ممن قامه إيماناً واحتساباً.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وفقنا لما يرضيك، وباعد بيننا وبين أسباب سخطك وغضبك يا رب العالمين، قنا شر أنفسنا، وأصلح شأننا، وذات بيننا، واجمع على الحق كلمتنا، وآتنا سؤلنا، ارحم موتانا، واشف مرضانا، واقض ديوننا، واستر عيوبنا، وأعفنا، وارزقنا الصحة والعافية، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نسألك جنات نعيم، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى، اللهم أدخلنا الجنة بلا حساب ولا عذاب يا وهاب، يا غافر الذنب اغفر ذنوبنا، يا قابل التوب اقبل توبتنا، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا.
اللهم لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، نحن المساكين وأنت صاحب الفضل العظيم، فاقبلنا يا أرحم الراحمين، ولا تردنا خائبين، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا العتق من النار، وأن تضع عنا الأوزار، يا رحيم يا غفار، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وتقبل توبتنا، وثبت حجتنا، وآتنا صحائفنا بأيماننا، وبيض وجوهنا يوم العرض عليك يا ربنا، اللهم أوردنا حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
كيف يصوم المسلمون في بورما والشام؟ نحن نعيش في نِعَمْ، وإخواننا في بورما يقفون طابوراً طويلاً ينتظر كل واحد دوره في الإحراق، يحرق الأول والثاني ينظر، يقدم الثاني للإحراق والثالث ينظر، يُلقى بالطفل في الماء المغلي أمام أمه، أما الشام وما أدراك ما الشام؟ فقد عدى عليه الظلمة اللئام.
يا مسلم يا عبد الله: تخيل في حلب مليون نازح منها إلى خارجها، وسبعمائة ألف خرجوا من بيوتهم إلى حدائق، ومدارس، وشوارع، هائمين على وجوههم، فضلاً عن بقية مدنها الآن التي ترزح تحت القصف، والحصار، والعدوان، أراد الله أن يعرف الناس من هم الباطنية، الذين صنعهم اليهود، وأعداء الإسلام، ومالؤوهم، وغذوهم، وربوهم، ودعموهم لذبح المسلمين، من ذهب نسأل الله أن يكون شهيداً، ومن بقي نسأل الله أن يعينه على بلواه، لكن يا عباد الله: القلب يتفطر حزناً والله، ونحن نرضى بقضاء الله وقدره، ولكن لا بد أن نسعى في رفع، ودفع هذه المصائب في الدين والدنيا، هذا واجب، خصوصاً عندما ترى أيام الشهر الفضيل هذه تتوالى، ولياليه الشريفة تمر، وأنت تفكر في حال هؤلاء، كيف يصومون؟
عندما تأتي أسئلة من بعض البلدان، من بعض الأماكن، هل يجوز الصيام بلا إفطار، ولا سحور؟ ما معنى ذلك؟ السيل قد بلغ الزبى، الأمر قد بلغ حده.
اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تعين إخواننا المظلومين يا رب العالمين، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، اللهم أطعم جائعهم، واحمل حافيهم، وآو شريدهم، واشف مريضهم، وأبرئ جريحهم، وارحم ميتهم، وارفع شهيدهم، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تكشف الضر عنهم، يا كاشف الضر، يا مزيل البلوى، يا مجيب دعوة المضطرين دعوناك لإخواننا فاستجب دعاءنا، اللهم إنا نسألك أن تطعمهم من جوعهم، وأن تؤمنهم من الخوف الذي نزل بهم، يا أرحم الراحمين، هم عبادك وأنت ربهم، إلى من تكلهم؟ إلى عدو يتجهمهم؟ أو إلى من خذلهم؟
اللهم إنا نسألك أن تعينهم، وأن تنصرهم، اللهم سدد رميهم، واجمع على الحق كلمتهم، اللهم إنا نسألك أن تنزل عليهم السكينة، والصبر، وبرد اليقين يا رب العالمين، اللهم اقصم ظهور الجبارين، وعاجلهم بنقمتك يا قوي، اللهم خذهم أخذاً شديداً، اللهم خذهم أخذاً وبيلاً، اللهم خذهم أخذاً أليماً، اللهم انتقم منهم، عجل بزوالهم، فرق شملهم، وشتت جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم اجعل أمرهم في سفال، وشأنهم إلى زوال، اللهم إنا نسألك أن تنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، وأنت القوي العزيز، الجبار، المتكبر، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اجعلهم آية، اللهم اجعلهم عبرة، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تغفر لنا، وآبائنا، وأمهاتنا يا رب العالمين، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا يوم يقوم الحساب، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. |
|