{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً}
لماذا كان العربي في عداء مع الأنثى؟
-----------------------------------
إذا بُشّرَ بها اسودَّ وجهه وهو غضوب يقول تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ [58] يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58 ـ 59]، ولماذا يمقت كثير منا الأنثى؟ وينشرح صدره للذكر كأن ذلك من الفطرة وما هو من الفطرة في شيء.
فما هي مبررات العربي قبل الإسلام لمقت الأنثى وقد يصل الأمر إلى قتلها؟ لقد مقت العربي قبل الإسلام الأنثى لأنها لا تقاتل الأعداء، ولا تشن الغارات، ولا تمتطي الجياد، ولا تكسب المال، وقد تجر العار وتجلب الهوان، فأدَّى ذلك إلى بغض بغيض، فداس الرجل على مشاعر الأبوة وحمل وليدته بين يديه ودفنها حية تتنفس ثم يعود إلى أهله وقد دفن العار كما توهم، ولقد جاء القرآن مستنكرًا ومستغربًا ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ [8] بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8 ـ 9].
وهنا نسأل كيف كان حال الأنثى بعد الإسلام؟
لقد كرم الإسلام الأنثى [المرأة] ورفع قدرها فهي الأم والزوجة والأخت والبنت، وعندما جاء الإسلام حرم قتل الأنثى وشن من الأحكام ما يضمن حقوقها ويحفظ حياتها ويرفع شأنها، وحث الرجال على حمايتها ورعايتها وضع الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن رزق بناتًا فرباهن وأحسن تربيتهن وكن بابًا من أبواب دخول الجنة والمغفرة له.
ـ وكانت حكمة الله في بقاء الإناث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون الذكور كأنه نوع من أنواع التكريم لتلك الأنثى التي كانت بالأمس تنتقل من رحم الأم إلى حفرة القبر دون اعتبار لإنسانيتها وكرامتها، وكان هذا أول إكرام للمرأة في خير بيت -بيت النبوة- فمنح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بناته من حبه وعطفه ما لا يمكن وصفه.
فماذا قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في فضل رعاية البنات؟
1ـ رعاية البنات حجاب من النار:
كما جاء في الحديث المتفق على صحته من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: [[مَنْ ابتُليَ من هذه البنات بشيءٍ فأحسن إليهنَّ كنَّ له سترًا من النَّار]].
قال القرطبي في تفسيره:
سمَّاهُنَّ بلاءً لِمَا ينشأ عنهنَّ من العار أحيانًا.
2ـ رعاية البنات تكون سببًا في الحشر مع الرسول يوم القيامة:
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [[مَنْ عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضمَّ أصابعه]]. [رواه مسلم].
3ـ رعاية البنات تكون سببًا في دخول الجنة:
فعن جابر -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [[مَنْ كان له ثلاث بناتٍ يؤويهنَّ ويكفيهنَّ ويرحمهنَّ فقد وجبت له الجنَّة البتة، فقال رجلٌ: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين]]. [أحمد والبخاري في الأدب المفرد].
ولكن انتبه أيها الأب... وأيها الراعي:
هذه الأحاديث مُقيَّدةٌ بقيود ليفوز العبد بهذا الجزاء الجميل.
فما هي الشُّروط والقيود التي قُيّدَ بها هذا الأجر العظيم؟
الشروط اجتمعت في قوله -صلى الله عليه وسلم-: [[فأحسن إليهنَّ]]، وقد جاءت الروايات تفصّل هذا الشَّرط الجامع وهو الإحسان.
فكيف تُحسن إلى البنات؟
قال -صلى الله عليه وسلم-: [[يؤويهنَّ ويكفيهنَّ ويرحمهنَّ]].
إذن شُروط الإحسان إلى البنات ثلاثة:
الإيواء والكفاية والرحمة.
1ـ الإيواء:
ما المقصود بالإيواء؟
الإيواء يكون على ثلاثة وجوه:
وأولها: إيواؤها إلى أم صالحة تقيَّة عفيفة
تصونهنَّ وتحفظهنَّ وتكون قدوةً لهنَّ وفي ذلك يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: [[فاظفر بذات الدِّين تربت يداك]].
ثانيها: إيواؤها في خدرها:
أي تعليمها أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة أو طاعة وهذا معنى قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن}، فأمر النّساء بالقرار في البيت فهو أستر لهنَّ وأحفظ لحياتهنَّ.
ثالثها: الإيواء في بيتٍ عامر بالذكر والطاعة والعمل الصالح.
فبعض النساء لا يخرجن من البيت ولكن بيوتهنَّ عامرة بالاختلاط بين أولادهن وبين أبناء الأقارب بدون حجاب ولا غطاء، وكذلك الاختلاط بالسائق والخادم إن وجدا، وبعض النساء لا يخرجن من البيوت ولكن بيوتهنَّ عامرة بأجهزة الفساد فتشاهد البنات الفساد وتتعلم الحرام ممَّا يفسد عليها دينها ودنياها.
عزيزي الأب..
إن الإيواء الحقيقي يكفون في خدر ساتر يحافظ على عرضك ويصونه.
[2] الكفاية:
كيف يكفي الأب البنات؟
المراد قد فسره -صلى الله عليه وسلم- في رواية مسلم بقوله:
[[مَنْ عال جاريتين حتى تبلغا]].
قال النووي -رحمه الله-:
[[عالهما]] قام عليهما بالمئونة والتربية.
ويفسره أيضًا: قوله -صلى الله عليه وسلم-:
[[وكسَاهُنَّ من جدته]].
فكفاية المرأة حاجتها الضرورية من طعام ولباس ومئونة هي من الواجبات ومن أعظم القُرُبات التي يتقرَّب بها الرجال إلى الله، وانتبه أيها الأب فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: يكفيهنَّ، ولم يقل يطغيهنَّ كما يفعل بعض الآباء فيُبالغ في توفير طلبات ابنته كلما اشتهت اشترى لها، فقد يكون هذا الإغداق مُهلكاً للفتاة وسببًا في نُشوزها على بعلها لأنها تفتقد ما نشأت عليه.
[3] الرحمة:
كيف يرحم الأب البنات؟
أن يعطف عليهنَّ ويشفق عليهنَّ ولا يضربهنَّ إلى غير ذلك من معاني الرَّحمة وهذا ما يتبادر إلى الذّهن. ولكن الرَّحمة الحقيقية بالبنات هي:
أولاً: رحمتهنَّ بتجنيبهنَّ النَّار
وذلك بتربيتهنَّ على شعائر الإسلام وإقام الصَّلاة والحجاب والسّتر والعفاف، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
ثانيًا: رحمة غرائزهن ومشاعرهن:
فمن الآباء من لا يرحم مشاعر بناته ولا يراعى غرائزهنَّ فيُدخِلُ في بيته ما يثير الشَّهوات ويُحرك المشاعر من مجلّات هابطة وقنوات ساقطة، فتقع البنات في صراع داخلي بين شهوتها وغريزتها وبين دينها وخوفها من ربها كالرَّجل الذي يعرض ألذ المأكولات على بناته وهنَّ جياع ثم لا يطعمهنَّ أرحيمٌ هو أم جبار؟
ـ ومن مظاهر عدم رحمة مشاعر البنات تأخير زواجهنَّ إلى أن يبلغن سنًا كبيرةً أو عضل البنات، يعني منع تزويج البنات بغير سببٍ مشروع.
فاتقوا الله أيها الآباء وأحسنوا إلى بناتكم.
عزيزي الأب...
ما بالك إذا بُشّرتَ بالولد شكرت وحمدت وصلّيت وسجدت ولم تسعُك الدُّنيا من فرحتك، وكأنه حامي ظهرك ومعين حياتك، ولم تعلم أن هناك من الذّكور مَنْ يقصم الظّهر ولا يُعين على نوائب الدَّهر، ويكون معه ضيق الرّزق، وإذا بُشّرتَ بالأنثى عبست وبسرت وحملت هموم الدُّنيا على رأسك وأنت لا تعلم أن الخير يلازُمها -غالبًا- والرزق يتّسع بوجودها دائمًا، وهي زهرة البيت العطرة ومنبع الحنان والوفاء وسببٌ من أسباب دخول الجنَّة إن أحسنت تربيتها.
ألا يستحق ذلك أن تُعيد النَّظر وأن تقبل الهبة من اللهِ بطيب نفسٍ لأنَّه من سُوءُ الخُلُق أن تستقبل هبة اللهِ بغضاضةٍ ونفور، ويخفى عليك حالُ كثير من النَّاس مِمَّنْ يُنفقُونَ الأموَال الطّائلة لإنجاب طفلٍ أيًا كان نوعه؟.
فاحمد الله على هذه الهبَة وهبة الرّزق من اللهِ ولا تنسى قوله تعالى:
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [49] أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}
[الشورى: 49 ـ 50].