|
| الشّرك قديماً وحديثاً | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الشّرك قديماً وحديثاً الثلاثاء 08 مارس 2016, 3:35 am | |
| الشرك قديماً وحديثاً فضيلة الشيخ الدكتور: سفر بن عبدالرحمن الحوالي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
-------------------------------- الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مما كان ينبغي أن نتحدث عنه نماذج من حياة السلف الصالح ممن غلب عليهم جانب الرجاء أو عُرفوا به؛ لنعرف الفرق بين الرجاء الإيماني الشَّرعي، وبين مجرد الغرور والأماني وترك الطاعة, لكن كما هو معلوم أن هذا الكتاب -شرح الطحاوية - مجموع من عدة كتب ونقول، وإضافات للمؤلف -رحمه الله تعالى- فنقصه شيء من الترتيب, وشيء من تجميع الموضوعات أو الجزئيات المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد، فالرجاء مثلاً: تكلم عنه المصنف هنا, ثم أدخل فيه الأَسْبَابَ التي تسقط العقوبة ولها علاقة بالرجاء, ثم بعد ذلك أتبعه فقرة أخرى, وهي قوله: ''والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام'' فعاد فذكر الخوف والرجاء والمحبة أيضاً, وذكر كلاماً للهروي ؛ فلذلك يحسن أن نؤخر بقية الكلام في الرجاء إلى حيث أخره المصنف رحمه الله في الفقرة القادمة إن شاء الله.
وها هنا موضوع عظيم جداً، وهو وإن جاء به المصنف رحمه الله تعالى ضمن الكلام عن الرجاء, فإنه باب عظيم، بل إنه أعظم أبواب العقيدة كلها، وهو يستحق الحديث عنه لذاته دون أن يكون تابعاً لأي موضوع آخر, بل كل موضوع في العقيدة فهو تابع له، وهو معرفة الشرك وخطره وضرره، وبالمقابل معرفة التوحيد الذي هو حق الله تبارك وتعالى على العبيد.
أهمية التَّوحيد التَوحيد هو أعظم ما دعا إليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" [النحل: 36]، وقال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء: 25].
وكلُّ نبيٍ بعثه الله تبارك وتعالى, وقصَّ علينا ما جرى بينه وبين قومه, نجد أن أعظم وأول ما يدعو قومه إليه هو قوله: "اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" [الأعراف: 65]، فنوح وهود وصالح وشعيب دعوا إلى هذا، وكذلك دعا إليه موسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، وكذلك دعا إليه عيسى عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" [آل عمران: 51].
حتى جاء داعية التوحيد الأعظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فجاهد الناس جهاداً عظيماً على هذه الكلمة -كلمة التوحيد- وعلى ترك الشرك، ونبذ عبادة ما سوى الله تبارك وتعالى، ونبذ اتخاذ الأنداد من دون الله أو مع الله عز وجل، والمصنف هنا إنما ذكر الشرك ليبين من الذي لا يرجو رحمة الله، فالذي لا يرجو رحمة الله هو المُشرك، أما مَنْ عداه فإنه وإن كان من أهل الكبائر فإن له أملاً ورجاءً في رحمة الله, ولا يجوز أن يقطع هذا الأمل.
خطورة الشرك أما الذين لا أمل لهم، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: "أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ" [هود: 16]، فهم المشركون؛ لأن أعمالهم لا تقبل أبداً، كما قال تبارك وتعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ" [النور: 39]، وقال سبحانه: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً" [الفرقان: 23]، وقال تعالى: "كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ" [إبراهيم: 18]، فلا تُقبل أعمالهم؛ لأن الشرك هو أقبح القبائح وأعظم الذنوب وأكبر الجرائم والكبائر, وهو الذي يحبط الأعمال كلها, ولا يقبل معه أيّ عمل من الأعمال كائناً ما كان، وإن كان صلاةً أو صياماً أو صدقةً أو دعوةً أو جهاداً أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر, مهما بلغ جهد مَنْ يجتهد, ومهما كانت عبادته, ومهما توسَّل إلى الله تبارك وتعالى بأي نوع من أنواع القُرُبات وهو مُشرك, فلا يقبل الله تبارك وتعالى منه صَرفاً ولا عدلاً.
والمصنف رحمه الله تعالى يقول هنا: وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" [النساء: 48]، فالمُشرك لا تُرجى له المغفرة لأن الله نفى عنه المغفرة'' لا تُرجى له، ولا يرجوها لنفسه، ولا يرجوها أحدٌ له مهما كانت قرابته أو صلته، فهذا عبد الله بن عبد المطلب أقرب قريب لأعظم رسول وحبيب, فهو أبو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ومع ذلك لم تنفعه تلك القرابة, ولن يشفع له النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة، كما جاء في صحيح مسلم قال: {أبي وأبوك في النار} وكذلك عَمُّه أبو طالب.
وإنما شفاعته له أن يُخَفِّفَ عنه العذاب, وليس أن يخرج من النار، كما قال تعالى: "إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" [المائدة: 72]، فهذا الشرك بابه عظيم, وشأنه جلل, وهو خطير, ولابد من معرفته والحذر منه, والتنبه له: كبيرُه وصغيرُه، دقيقُه وجليلُه.
ومن أوفى ما كتب في هذا الموضوع الكتاب الذي أشرنا إليه سابقاً, وهو الجواب الكافي لابن القيم -رحمه الله-، الذي له عنوان آخر هو: الداء والدواء، والكتاب في الأصل هو جواب لسؤال عن كبيرة من الذنوب التي تأتي من قِبَلِ الشَّهوة وأسبابها، لأن الذنوب إما أن تأتي من قِبَلِ الشَّهوة أو من قِبَلِ الشُّبهة، والذنوب الشَّهوانية مرجعها إلى مرض القلب، وأعظم مرض يصيب القلب من جهة الشَّهوة مرض العشق.
فناسب أن يستطرد رحمه الله في الكلام على الذنوب وخطرها وضررها، فتوسع في ذلك إلى أن أتى على الذنوب التي لا يُرجى معها خير أبداً وهو الشرك، لأنه إذا كانت الفواحش التي دون الشرك مثل الخمر والزنا والعقوق والنميمة وظلم الناس توعد الله عليها بما توعد، فما بالكم بالذنب الأعظم الذي ترجع إليه هذه الذنوب جميعاً؟! والذي لا ينفع معه عمل صالح كما تقدم؟!
التوحيد هو الحكمة من خلق الإنسان يقول ابن القيم في الجواب الكافي: ''إن الله أرسل رُسُله وأنزل كتبه وخلق السموات والأرض ليُعْرَفَ ويُعْبَدَ ويُوَحَّد, ويكون الدين كله لله، والطاعة كلها له''، هذه قاعدة عظيمة، هذا الذي من أجله خلق الله تبارك وتعالى الثقلين, وأنزل كتبه, وأرسل رسله، والذي كثير من المسلمين قد يتكلم في كل شيء إلا هنا قال: ''ويكون الدين كله له, والطاعة كلها له, والدعوة له وإليه كما قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56].
وقال تعالى: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ" [الحجر: 85]، وقال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً" [الطلاق: 12]''.
فالمقصود أن يَعلم الناس صفات رب العالمين، وأن يعرفوه، وأعداء التوحيد يتهاونون في الأسماء والصفات, ولا يريدون أن يُعَرِّفوا الناس بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا أن يُحببوا رب العالمين إلى العالمين, ولكن أهل السنة والجماعة من عقيدتهم أن أعظم شيء في هذا الدين أن يعرف الناس رب العالمين ويوحدوه، والاستدلال على ذلك جلي في كتاب الله؛ فأعظم سورة في كتاب الله هي الفاتحة, وهي تعريف بالله كما بيَّنا فيما مضى، وأعظم آية في كتاب الله آية الكرسي؛ وهي أيضاً تعريف بالله وبصفاته، قال: ''وكما قال تعالى: "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ"، فعلل مرة أخرى "لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [المائدة: 97]، ''فالذي لا يعلم ذلك لا خير فيه ولا في عبادته، وإنما شرعت هذه الشرائع, وفرضت هذه الفرائض؛ ليُعْرَفَ الله تبارك وتعالى, ويعبد وحده لا شريك له، قال: ''فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر كما قال تعالى: "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ" [الأعراف: 54]، ''أي القصد والغرض والحكمة من خلق العباد ومن الأمر -من أمرهم ونهيهم- لأن الله تعالى لم يتركهم سدى، ومعنى سدى: لا يُؤمر ولا يُنهى، بل إنما خلقهم ليأمرهم وينهاهم، فيقول إن القصد من ذلك: أن يُعرف بأسمائه وصفاته، ويُعبد وحده لا يُشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض كما قال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" [الحديد: 25].
فأخبر سبحانه أنه أرسل رُسُله, وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقِوامه، وإن الشرك هو أعظم الظلم كما في قول العبد الصالح لقمان الحكيم: "يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" [لقمان: 13]، فأعظم أنواع الظلم هو الشِّرك، كما أن أعظم أنواع الأمر بالمعروف الأمر بالتوحيد، لما قال الله تبارك وتعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ" [الحج: 41]، فأعظم ما يؤمر به هو توحيد الله عز وجل، وأعظم منكر يجب أن ينهى عنه هو الشرك بالله عز وجل: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" [النحل: 90]، فأعظم العدل توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثم بعد ذلك العدل فيما ولِّيَّ الإنسان عليه حتى في بيته، وكل إنسان له ولاية بقدر حاله، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته}، ولهذا كان: {المقسطون على منابر من نور عن يمين الرَّحمن وكلتا يديه يمين}؛ لأنهم يعدلون في أهليهم وما ولّوا.
قال: ''فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر''، أي ما كان منافياً لما خلق الله تعالى من أجله الناس، وأمرهم به فهو أكبر الكبائر.
قال: ''وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له'' يعني تتفاوت الكبائر بحسب قربها من الشرك، وكل معصية ترتكب فإنها تمس العقيدة بقدر ذلك الذنب وتلك المعصية؛ ولهذا فإن أعظم الذنوب التي تأتي الإنسان من جهة الشبهة والبدعة أعظم من التي تكون من جهة الشهوة؛ لأنها أقرب إلى الشرك، فمن هنا كانت أخطر من الذنوب التي لا يقترن بها شبهة ولا بدعة؛ على أن البدع درجات, كما أن الذنوب الشهوانية العملية أيضاً درجات, وقد نبهنا على هذا فيما مضى.
يقول: ''فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر تفاصيله, تعرف به حكمة أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحَرَّمَه عليهم، وتَفَاوُت مراتب الطاعات والمعاصي''.
عواقب الشّرك على الإنسان فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود، كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحَرَّمَ اللهُ الجنة على كل مشرك، وأباحَ دَمَه ومالَه لأهل التوحيد، فالذي رفض وأبى واستكبر أن يكون عبداً لرب العالمين يستحق من العقوبة أن يكون عبداً لمن يعبد رب العالمين.
وهذا مما يدل على فضل التوحيد وأهله، وعلى إهانة الله تبارك وتعالى للشرك وأهله، فلا مُكرِم لهم, ولا قيمة لهم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كائناً ما كان، وأما هذه المنظمات الدولية التي ترفع عقيرتها بالمناداة بحقوق الإنسان زاعمة أنه لا رق في هذا القرن, ولم يعلموا لجهلهم أن أعظم الحقوق على الإطلاق هو حق الله على عباده بأن يُعبد وحده ولا يُشرك معه من أحد, لأنه هو الذي من أجله خُلق الإنسان, ومن أجله قامت السَّماوات والأرض وبه قامت.. أما أن يكون من حقوق الإنسان -كما جاء في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان- أنه يجوز للإنسان أن يغير دينه كما يشاء, ولايحق لأحدٍ منعه؛ فهذا الميثاق إضاعة لأكبر وأعظم حق, وهو حق الله تبارك وتعالى.
نعم أعطى الإسلام الحرية للإنسان ابتداءً في الدخول في هذا الدين: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" [البقرة: 256]، لكن بعد ذلك ليس له الرجوع عنه، وإن ارتد قُتل.
فهذا الدين دين الحرية الحقة, الذي يحرر الإنسان من الشهوات, ومن عبادة الشيطان, ومن عبادة الأنداد والبشر والأحبار والرهبان والكهان والأباطرة وغير ذلك؛ مِمَّنْ ادعى الربوبية أو الألوهية مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهؤلاء لما تركوا القيام بعبودية الله, استحقوا أن يكونوا عبيداً لِمَنْ قام بحق العبودية لله وهم المؤمنون، ولذلك إذا ترك المؤمنون التوحيد, سُلِّط الكافرون عليهم عقوبةً لهم, ولأنهم عرفوا الحق وتركوه, وتنكبوا طريقه.
يقول: ''وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملاً، أو أن يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقبل له فيها رجاء، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جَعَلَ له من خَلْقِهِ نداً، وذلك غاية الجهل به كما أنه غاية الظلم منه، وإن كان المشرك لم يظلم ربه، وإنما ظلم نفسه'' أعظم وأسوأ صفتين في الإنسان واحدة منها تكفي وإذا اجتمعتا فلا شر أكبر منهما، كما قال الله تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" [الأحزاب: 72]، غاية الجهل أن يجعل مع الله نداً، وغاية الظلم أن يُسقط حق الله ويُعطيه لغير الله -أي الشرك- فإذا اجتمع الظلم والجهل, فكل شر في الدنيا خَطَرَ على بَالِكَ فهو آتٍ من قِبَلِ الظلم أو الجهل، فالمشرك جاهلٌ بالله لأنه ما قَدَرَ الله حق قدره ولهذا عَبَدَ معه غيره, وهو ظالمٌ لنفسه أشد الظلم، لأنه يصرف حق الله الخالص ويُعطيه لغيره من عبد مخلوق مثله فيكون كما قال فرعون وقومه: "وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ" [المؤمنون: 47].
والمقصود أن أصل الشر والبلاء يأتي من قِبَلِ العابدين لا المعبودين من دون الله فهم أسماء سمَّاها العابدون، ولو لم يعبدوهم ما كانوا شيئاً؛ فلو قال قوم فرعون لفرعون حين قال: " أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات: 24]، لو قالوا: لا، أنت بشر مثلنا ما فعل شيئاً، فما بالك بالحجارة وغيرها، فالسبب العابدون، ولذا لا ينفعهم يوم القيامة أن يقولوا: "رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا" [الأحزاب: 67]، لأنه لولا هذا الجاهل ما تفرعن المُتفرعن.
ثم يبين بعد ذلك أقسام الشرك يقول: ''الشرك شركان -وهذا من حيث الأصل- شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته, والآخر: شرك يتعلق بعبادته ومعاملته'' الأول: في أسمائه وصفاته وأفعاله، أي فيما هو من خصائصه تبارك وتعالى، أما الثاني: فهو في معاملته وفي عبادته، وفيما يتقرَّب العباد به إلى الله عز وجل، يقول: ''وإن كان صاحبه -يعني النوع الثاني من الشرك-.
يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله'' ولذلك أهل الكلام من الأشعرية والمعتزلة وأشباههم ماذا يقولون في تعريف التَّوحيد؟ يقولون: التَّوحيد أن تعتقد أن الله واحدٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، أي اعتقاد أنه واحد ليس مُرَكَبَاً ولا مُبَعَضَاً وليس اثنين ولا ثلاثة، وهو واحدٌ في ذاته, واحدٌ في أسمائه, واحدٌ في صفاته, واحدٌ في أفعاله، ومعلومٌ أن هذا ليس هو التَّوحيد, بل هذا جزء من التَّوحيد، ويجب أن يُكَمَّل بأن يُعْبَدَ وحده لا شريك له ويُتَقَرَّبَ إليه وحده لا شريك له, فيكون إخلاصُك ورجاؤك ويقينُك ومحبتُك وإنابتُك ورغبتُك ورهبتُك وصلاتُك وصيامُك وحجُك ونذرُك كُلُهُ لله. يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشّرك قديماً وحديثاً الثلاثاء 08 مارس 2016, 3:42 am | |
| شرك التَّعطيل قال: ''الشرك الأول -المتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته- نوعان: أحدهما: شرك التعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: "وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 23]، ''وليس هذا كما يقوله المتنطعون من أهل الكلام: إنه سؤال عن الماهية، أي أخبرني عن ماهيته, وكلام فرعون إنما هو على سبيل إنكار الرب سبحانه، بل زعم أنه هو: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات: 24]، ولهذا قال: "يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً" [غافر: 36 - 37]، وهذا الكلام منه إنما هو على جهة الجُحُود, وإلا فهو مقر بالله باطناً؛ كما قال تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً" [النمل: 14].
ولهذا قال له موسى عليه السلام: "قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ" [الإسراء: 102]، أي أنك تعلم يا فرعون أن الله تعالى هو الذي أنزل هذه الآيات وهذا الدين، ففي الحقيقة أن فرعون يعلم أن اللهَ هو الرَّبُّ وحده، ولا يستطيع أحد أن يدَّعي أنه رب العالمين، لكنها الشَّهوات والمُلك والغُرور: "إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ" [الملك: 20]، وكذلك أن أتباعه كانوا لا عقول لهم، فاستخفَّ بهم؛ كما قال الله تعالى: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ" [الزخرف: 54]، فالأمة الفاسقة المتحللة الضالة التي تميل إلى الإباحية والفساد وإضاعة الأوقات، يستخفها المجرمون الكذابون.
ثم قال: ''والشرك والتعطيل متلازمان, فكل مُشرك مُعطل'' التعطيل لغةً: هو الإخلاء أو الإفراغ، وشرعاً: هو إنكار صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأسمائه، وكل مُشرك مُعطل, وكل مُعطل مُشرك، وتفسير ذلك أنه لما أشرك بالله عطَّل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, عطّل أسماءه وصفاته، وعطله مما هو له من خصائص ذاته، وكذلك كل مُعطل مُشرك؛ لأنه لما ترك هذه الخاصيَّة من خصائص الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فإنه قد أشرك معه غيره، وغالباً ما يجعلون بعض هذه الصفات في غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قال: ''لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقراً بالخالق سبحانه وصفاته ولكنه عطَّل حق التَّوحيد'' وهذا هو كحال أكثر الناس اليوم يُقرُّون بالإيمان بالله لكنهم مُضيعون لحقه.
أقسام التَّعطيل قال: ''وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل, وهو ثلاثة أقسام: القسم الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه'' أي تعطيل الخلق عن الخالق كما في قوله تعالى: "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" [الطور: 35]، واعجباً لِمَنْ يرى المخلوقات أمام عينيه, ثم يقول: لا خالق لها!! فهذا وأمثاله عَطَّلُوُهَا عن خالقها, أي عن الله تبارك وتعالى.
لذلك فالذين يُشركون بالله من الشّيوعيين أو المُلحدين أو الغربييّن لابد أن يجعلوا خالقاً غير الله في الحقيقة، وفي اللفظ يقولون: هذه لا تحتاج إلى خالق، والذي جعلهم يهربون من افتراض وجود خالق أنهم إذا قالوا الله أو الرَّب فالمقصود به عندهم هو البابا -صاحب الكنيسة- المكون من ثلاثة أقانيم، الذي تجسَّد في شكل إنسان, وصُلب على الصَّليب, ثم صعد إلى السَّماء، وغير ذلك ممَّا يحكُونه, فلا يمكن أن يكون هذا الذي خلق السَّماوات والأرض، فما كان لهم حلٌ إلا أن يقولوا: إنه ليس لها خالق!! وخاصة إذا كان هذا الرَّبُّ الذي تذكره الأناجيل المُحرَّفة, ويدَّعيه البابا وأتباعه, الإيمان به مقرون بالعنف وبالقوة وبالسيطرة, فإذا خالف أحدهم أي شيء من كلام رجال الدين, قالوا عنه: كافر وزنديق، حلال الدم والمال, فكان الإلحاد لهم أسهل، فعطَّلوها عن الخالق ثم افترضوا الطبيعة، ولكن الطبيعة هي المخلوقات، فتوقف بعضهم (كالربوبيون أو المألهون) وبعضهم قال لا أدري، وهم (اللاأدريون)، واليوم لا تجد عالماً في الطبيعة إلا يؤمن بخالق لكن ليس مثلنا فهم (الربوبيون).
ثم قال: ''والثاني: تعطيل الصَّانع'' أو الخالق، وورد الصانع في حديث: {الله خالق كل صانع وصنعته} وفي قوله تعالى: "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" [النمل: 88]، فيُطلق لفظ الصَّانع على الله, والأفضل أن يُقال الخالق، قال: ''تعطيل الخالق عن كماله بتعطيل أسمائه وصفاته'' هذا النوع الثاني من أنواع التَّعطيل، فهؤلاء لا ينكرون وجوده ولا أنه هو الخالق، لكن ينكرون أسماءه وصفاته ويعطّلونه منها, كما يقول أهل الكلام: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا أنه يغضب، ولا يرضى، ولا ينزل يقولون: حتى لا نقع في التشبيه فينفون صفات الله ويعطلونها, ويثبتون شيئاً شبيهاً بالعدم أو هو العدم.
''والثالث: تعطيل معاملته عمَّا يجب على العبد من حقيقة التَّوحيد'' وذلك يكون بالشرك الكلي أو الجزئي.
والكلي: كأن يعبد غير الله سُجوداً وصلاةً وصياماً وغير ذلك، والجزئي أن يقع في الرّياء مثلاً أو في صرف بعض الأنواع لغير الله في بعض الأحيان، أو في بعض الحالات.
فهذه ثلاثة أقسام من أقسام التَّعطيل، الأول: إنكاره، والثاني: إنكار أسمائه وصفاته، والثالث: إنكار عبادته وحقوقه.
قال: ''ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون ما ثَمَّ خالقٌ ومخلوقٌ، ويقولون: ما هنا شيئان بل الحق المُنَزَّهُ هو عين الخلق المُشبه'' كمثل جماعة محمود محمد طه وأمثاله، وهم من غُلاة الصُّوفيَّة الذين يقولون: لا ثمَّة خالق ولا مخلوق، والخالق عين المخلوق والمخلوق عين الخالق -والعياذ بالله- هؤلاء بلغوا من الكفر إلى حدٍ لا تستسيغه العقول، وقد قابلني أحدهم لكن ليس هنا، بل في بلاد الحُريَّة، وكان المسجد مليءٌ بالنَّاس، فجاء يقول: إنه هو الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- قلت: كيف تقول هذا، ألست مسلماً؟
قال: بلى أنا مسلم، وهذا هو حقيقة التَّوحيد، فالنَّصارى كفرت لأنها جعلت الآلهة ثلاثة؛ لكن نحن نقول: كل شيء هو الله.
وهذا كما لقَّنهم شيخُهم المَخدُوع الهَالك، فالنَّصارى كفرت لذلك، وفرعون كفر لأنه قال: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات: 24]، وكان عليه أن يقول: إنه هو وشعبه كلهم رب، نعوذ بالله من هذا الكفر.
وهذا الكفر هو شر وأقبح أنواع الكفر عند جميع أهل الملل.
كل مَنْ يعبد الله ويعرف الله، حتى اليهود يعتبرونهم كفاراً, ويوجد في اليهود بعض الحلولية والاتحادية, والنَّصارى عندهم الذي يزيد على الثلاثة كافر, وعند البوذيين والهندوس هذه النحلة كافرة، ومع ذلك يدعون أنهم هم أهل التوحيد -والعياذ بالله- وبالطبع فـالجهمية الذين عطلوا صفات الله وأسمائه -كما ذكرنا- نوع من أنواعهم، هذا النوع الأول: شرك التعطيل.
شِرْكُ مَنْ جعل مع الله إلهَاً آخر، وأقسامه يقول: ''والنوع الثاني شِرْكُ مَنْ جعل معه إلهَاً آخر, ولم يعطّل أسماءه وربوبيته وصفاته كشرك النَّصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة'' ويقصد شرك الأنداد، فهؤلاء لم يعطّلوا أسماءه وصفاته, لكن قرنوا به غيره، فهم يرون أن الله عظيم وجليل وقدير وسميع وبصير, لكن يقولون: هذه الصّفات للرَّبِّ يَسُوع, ويسوع هذا ابنه أو الأقنوم الثاني, تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!!
ثم قال: ''ومن ذلك شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة'' كما قال الله تعالى: "وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ" [النحل: 51]، فالمجوس جعلوا الإله إلهين: إله النور وهذا خيرٌ كله، وإله الظُّلمة وهو شرٌ كله.
ثم قال: ''وشرك القدريَّة الذين يقولون: إن العبد يَخْلُقُ أفعاله''.
وذكر من ذلك الشرك: شركَ الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّه، ففرعون قال: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" [النازعات: 24]، والذي حاجَّ إبراهيم في ربه، ما ادَّعى الرُّبُوبيَّةَ المُطلقة, لكنه ادَّعى صفةً من صفات ربِّ العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فقال: "إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ" [البقرة: 258]، إبراهيم عليه السلام أراد أن يُعَرِّفَهُ بربِّ العالمين، بالصّفَةِ التي لا يشترك فيها معه غيره، فكان مدخل إبراهيم عليه السلام أفضل وأكثر وسيلة للإقناع (يُحيي ويُميت) لكن جاء الرجل من باب المغالطة قال: أنا أحيي وأميت، فجاء إبراهيم عليه السلام من باب الإلزام, ولو شاء لقال له: إن إحياء الله من العدم, أما أنت فلم تحيه من العدم!!
وهنا تتبين قاعدةٌ من قواعد مجادلة المشركين والمجرمين وهي أنه ليس شرطاً أن تردَّ على الكلمة بنفس الكلمة, وأحسن من ذلك أن تأتي بشيء واضح جداً, يدمغ به قول الخصم, كما قال بعدها: "إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ" [البقرة: 258]، مع أن هذا الرجل لم يقل مثل ما قال فرعون: "أنا ربكم الأعلى"، إنما قال: ما يفعله الله أنا أفعله، لكن الخليل عليه السلام جاء بشيء لا يمكن أن يأتي به فقال: "إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ" [البقرة: 258]، فلم يستطع: "فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ" [البقرة: 258].
إذاً: هناك نوع من أنواع المجادلة العظيمة التي علَّمنا اللهُ إيَّاها من خلال ما قصَّه عن إبراهيم عليه السَّلام ومن يعبد الكواكب ويعبد النار.
ثم يقول رحمه الله: ''ومنهم مَنْ يزعُم أن معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم مَنْ يزعم أنه أكبر الآلهة'' وهذا الكلام الذي نحن نحكيه واقعٌ في الغرب عند الذين يدَّعون أنهم أهل العُقُول وأهل الحضارة، فاليونان جعلوا لكل شيء إلهاً أو ربّاً! -تعالى الله عمَّا يُشركون- فالجمال له إله، والمطر له إله، والجبال لها إله، والنور له إله، والشمس لها إله، والشِّعر له إله، فأيُّ شيء تتصوره في بالك فله عندهم إله، ثم قالوا إن هذه الآلهة تتصارع، هذا الإله يُصارع هذا الإله، وغير ذلك من الأساطير الخُرافية التي توجد في تواريخهم وعقيدتهم.
فمع هذه الوثنية المُنحطَّة التي يترفَّع عنها العقل تنسب إليهم الفضائل والحضارات والعلم! ثم ينقل هذا إلى بلاد المسلمين، مثل "فينوس" آلهة الجمال، و"أبوللو" إله الشِّعر، و"أطلس" إله العالم الذي يقولون عنه أنه يحمل العالم على ظهره، فتستخدم وتطلق عندنا، ولا يتحرَّجون أن يقولوا: آلهه، أو إله غير الله، ونحن المسلمين نقول: لا إله إلا الله, وهو شعارنا وكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) ولا تطلق هذه على أحد غير الله تبارك وتعالى.
الشّرك في العبادة وأما النوع الثاني من أنواع الشرك فهو: الشرك في عبادته وحقوقه ومعاملته، يقول رحمه الله: ''فهو أسهل من الذي قبله وأخف -قال: فإنه يصدر مِمَّنْ يعتقد أنه لا إله إلا الله, وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله, وأنه لا إله غيره ولا ربَّ سواه'' فهذا أخف من حيث أن فاعله قد وقع في اللبس؛ كما قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ" [الأنعام: 82]، أي بشرك العبادة، فهذا مُقِرٌ أنه لا إله إلا هو، ولا خالق ولا نافع ولا ضار إلا هو سبحانه، بل هو مؤمن بأسمائه وصفاته, لكنه غير مُخلص لله تعالى في معاملته وفي عبوديته، بل يعمل لنفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنـزلة والجاه عند الناس تارة، قال: ''فلله من عمله نصيب, ولنفسه من عمله نصيب, ولشيطانه من عمله نصيب'' وهذا هو الشرك الأصغر أجارنا الله منه.
قال: ''وهذا هو الذي قال النَّبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه فيما رواه ابن حبان في صحيحه، قال: {الشِّرْكُ في هذه الأمَّة أخفى من دبيب النَّمل, قيل: وكيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم'' لأنه لابد أن نقع فيه, فنستغفر ممَّا لا نعلم، ونستجير ونستعيذ ممَّا نعلم.
ثم قال: ''فالرّياء كله شرك قال تعالى: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً" [الكهف: 110]، وهذا الشّرك في العبادة يُبطل ثواب العمل'' فلو صلّى لغير الله أو حجَّ أو زكَّى لغير الله، فهذا كافر مُشرك لا شك فيه، لكن إذا صلّى مُرَاءَاةً من أجل الناس، ومن أجل أن يُقال عنه مُصَلٍ أو يُثْنَى عليه بخير، وبعض الناس -والعياذُ بالله- ابتُلوا بهذا الابتلاء، كما يذكر العلماء مثالاً: أنَّ أعرابياً كان يُصلّي فدخل عليه بعض السَّلف فحسَّنَ صلاته، فقال هذا العالم: (أعرابيٌّ ويصلّي هذه الصَّلاةَ الخَاشعة!!) فلمَّا سلَّم الأعرابي قال: (ومع ذلك أنا صائم)!! -عافانا الله وإيَّاكم من هذا البلاء- فلا يأمن الإنسان على نفسه أبداً أن يكون من هؤلاء، مِمَّنْ يُحِبُّ أنْ يُحْمَدَ بما لَمْ يفعل، ويُراءُون النَّاس، ومن علاماتهم أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً.
والمؤمن في باطنه مع ربه خير منه في ظاهره، أما أن يُذْكَرَ الإنسان بالخير, ويُثْنَى عليه بما هو فيه، فتلك عاجِلُ بُشرى المؤمن، لكن لا يعمل من أجلها، فهناك فرق بين أن يعمل من أجل حصول هذه البشرى، وبين أن تُقال عنه؛ ولا شك أن الإنسان لا يريدُ أنْ يُقال عنه السُّوء, ويَأْلَمُ إذا قيلت عنه مقالة في عِرْضه أو دينه أو في إيمانه ولا تُرضيه، لكن هذا أمر وذاك أمر آخر، فهذا يُحبط العمل؛ كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: {أنا أغنى الشُّركاء عن الشّرك، مَنْ عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه وأنا منه بريء}.
أقسام الشّرك باعتبار مغفرته وعدم مغفرته ثم قال: ''هذا الشّرك ينقسم إلى أكبر وأصغر'' الشّرك في المعاملة والعبودية ينقسم إلى أكبر وأصغر، ومغفور وغير مغفور، ''النوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر وليس شيء منه مغفور'' النوع الأول شرك منه كبير، وشرك منه أكبر, ولا شيء منه أصغر، أما هذا النوع فمنه أكبر, كَمَنْ يُصلّي لغير الله أصلاً, أو كمن يكون رياؤه في أصل الدين، كالمنافقين الذين يشهدون أنه لا إله إلا الله رياءً، أما الذي يشهد أن لا إله إلا الله, وآمن بالله, وصدَّق بالرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالقرآن عن حق, فرياؤه في بعض عبادته: (في جهاده أو في صلاته أو في دعوته) فهذا يدخل في الكبائر, وقد يُحبط العمل وقد لا يُحبطه, وذلك بحسب قوته, وهذا الذنب مغفور, وليس معنى قولنا مغفور: أنه لا يؤاخذ عليه، كلا! بل نقصد أنه داخل تحت المشيئة؛ بخلاف الشّرك الأكبر، فإن الله تعالى لا يغفره.
ثم ذكر بعد ذلك شيئاً من أنواع هذا الشرك، مثل: شرك الألفاظ, وشرك الإرادات, وشرك النيَّات إلى آخر ما ذكره رحمه الله تعالى ممَّا بيَّن به حقيقة هذا الذنب العظيم. نسأل اللهَ أن يُعافينا وإياكم والمُسلمين من ذلك. والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
| | | | الشّرك قديماً وحديثاً | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |