وقال - صلى الله عليه وسلم -:
((إن الدين يسر)) (1).
سادسًا: كيفية طهارة المريض على النحو الآتي:
1 - يجب على المريض أن يتوضأ من الحدث الأصغر: (نواقض الوضوء)، ويغتسل من الحدث الأكبر: (موجبات الغسل).
2 - يجب أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة بالماء قبل الوضوء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستنجي بالماء (2).
والاستجمار بالحجارة، أو ما يقوم مقامها يقوم مقام الاستنجاء بالماء، ويقوم مقام الحجارة ما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حُرمة: كالخشب، والخرق، والمناديل، وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على الصحيح (3)؛ لقوله - صلّى الله عليه وسلّم -: ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن...
------------------------------------------------------------------
(1) البخاري، كتاب الإيمان، بابٌ: الدين يسر، برقم 39 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) متفق عليه من حديث أنس - رضي الله عنه -، البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالماء، برقم 150، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، برقم 271.
(3) انظر: المغني لابن قدامة، 1/ 213.
================================
... فإنها تجزئ عنه)) (1).
ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار أو ما يقوم مقامها فأكثر؛ لحديث سلمان - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع (2) أو بعظم)) (3).
فإن لم تكفِ ثلاثة أحجار زاد رابعًا، وخامسًا حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع الاستجمار على وتر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((ومن استجمر فليوتر)) (4).
والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة ثم يتبعها بالماء؛ لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر المحل، فيكون أبلغ في الطهارة، وهو مخير بين الاستجمار بالحجارة، أو الاستنجاء بالماء أو الجمع بينهما وهو الأفضل، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر.
------------------------------------------------------------------
(1) أبو داود، من حديث عائشة رضي الله عنها برقم 40، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 10، وتقدم تخريجه في الطهارة في آداب قضاء الحاجة.
(2) الرجيع: الروث والعذرة.
(3) مسلم، برقم 262، وتقدم تخريجه في الطهارة، في آداب قضاء الحاجة.
(4) متفق عليه: البخاري، برقم 162، ومسلم، برقم 237، وتقدم تخريجه في الطهارة، آداب قضاء الحاجة.
=================================
والاستنجاء يكون من الخارج الرطب من السبيلين:
كالبول والغائط، أما النوم، والريح، وأكل لحم الإبل، ومس الفرج فلا يُستنجى منها؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة من السبيلين (1).
3 - إذا كان المريض لا يستطيع الحركة؛ فإنه يوضئه شخص آخر، وإذا كان عليه حدثٌ أكبر ساعده في الغُسل، ولا ينظر إلى عورته.
4 - فإن كان المريض لا يستطيع أن يتطّهر بالماء؛ لخوفه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض، أو لعجزه، أو خوف زيادة المرض أو تأخر برئه؛ فإنه يتيمم؛
------------------------------------------------------------------
(1) انظر: فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، 12/ 236.
=================================
لقول الله تعالى:
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (1).
وكيفية التيمم:
أن ينوي رفع الحدث، ثم يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح جميع وجهه، بباطن أصابعه، ثم يمسح كفيه براحتيه؛ لقول الله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (2).
ولقوله تعالى:
{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (3).
------------------------------------------------------------------
(1) سورة النساء، الآية: 29.
(2) سورة النساء، الآية: 43.
(3) سورة المائدة، الآية 6.
==================================
5 - فإن لم يستطع أن يتيمَّم بنفسه؛ فإنه يُيَمِّمُهُ مَنْ عنده من المرافقين أو الحاضرين، يُحضر التُّراب الطّاهر ثم يُيَمِّمُهُ به.
6 - مَنْ به جروح أو كسر أو مرض يضرُّه استعمال الماء؛ فإنه يتيمَّم سواء كان محدثًا حدثًا أصغر أو أكبر، لكن لو أمكنه أن يغسل الصحيح من جسده أو أعضائه وجب عليه ذلك وتيمَّمَ للباقي؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)؛ ولقوله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (2).
7 - إذا كان في بعض أعضاء الطّهارة جُرحٌ يستطيع أن يغسله بالماء غسله، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه بالماء مسحًا، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضًا فإنه يشد عليه جبيرة أو لاصقاً ويمسح عليها، فإن عجز فحينئذ يتيمَّم عنه بعد الطهارة.
------------------------------------------------------------------
(1) سورة التغابن، الآية: 16.
(2) سورة البقرة، الآية: 286.
=================================
أما إذا كان الجرح مستورًا بجبس أو لزقة أو جبيرة، أو ما أشبه ذلك ففي هذا الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل، ولا يشترط لبس الجبيرة على طهارة على القول الراجح، وليس للمسح على الجبيرة توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فيقدر بقدرها، ويمسح عليها في الحدث الأكبر والأصغر (1).
والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفيه عن التيمُّم، فلا يجمع بين المسح والتيمُّم إلا إذا كان هناك عضو آخر لم يستطع المسح عليه (2).
8 - إذا تيمَّم لصلاةٍ وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى؛ فإنه يصلّيها بالتيمُّم الأول؛ ولا يعيد التيمُّم للصلاة الثانية؛ لأنه لم يزل على طهارته ولم يحصل ما يبطلها من نواقض الطهارة؛ لأن التيمُّم لا يبطل إلا بما يبطل الوضوء.
------------------------------------------------------------------
(1) انظر: ما تقدم في الطهارة: المسح على الجبائر.
(2) انظر: فتاوى العلامة ابن باز،12/ 240،وفتاوى العلامة ابن عثيمين،11/ 155، 172.
===================================
9 - يجب على المريض أن يُطهر بدنه وثيابه، وموضع صلاته من النَّجاسات، فإن عجز عن شيء من ذلك ولم يجد مَنْ يقوم بتطهير النجاسة صلّى على حسب حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، ولكن لو استطاع أن يُبدّل ثيابه النَّجِسَةَ بثيابٍ أخرى طاهرةٍ أو يفرش على الفراش النَّجس فراشًا طاهرًا وجب عليه ذلك.
10 - لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطّهارة، بل يتطهَّر بقدر ما يستطيع، ويطهّر بدنه وثوبه والبُقعة التي يُصلي عليها؛ فإن عجز عن استعمال الماء تيمَّم، فإن عجز عن استعمال التيمُّم سقطت عنه الطّهارة وصلّى على حسب حاله (1).
11 - المريض المُصاب بسَلَس البَوْل، أو استمرار خروج الدم، أو الرّيح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضّأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبًا طاهرًا إن تيسر له ذلك، ويحتاط لنفسه احتياطًا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه، أو مكان صلاته، وله أن يفعل في وقت الصلاة ما تيسر من صلاة، وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت فعليه أن يعيد الوضوء أو التيمم إن عجز عن الوضوء.
------------------------------------------------------------------
(1) انظر: ما تقدم في الطهارة: التيمم، ومن يجوز له التيمم، ونواقض التيمم ومبطلاته، وفاقد الطهورين: الماء والتراب. وانظر: فتاوى العلامة ابن باز، 12/ 239، وفتاوى العلامة ابن عثيمين، 11/ 156.
===============================
لأن النَّبي - صلَّى اللهُ عليه وسلّم - أمر المُستحاضة أن تتوضَّأ لوقت كل صلاة (1)؛ ولقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)، وهذا فيه الدلالة على يُسر الشَّريعة وسماحتها (3).
سابعًا: كيفية صلاة المريض على النَّحو الآتي:
1 - يجب على المريض الذي لا يخاف زيادة مرضه أن يصلي الفريضة قائمًا.
------------------------------------------------------------------
(1) تقدمت الأدلة في الطهارة في أحكام السلس والاستحاضة، وانظر فتاوى العلامة ابن باز، 12/ 240.
(2) سورة التغابن، الآية: 16.
(3) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز، 12/ 235 - 241، ومجموع فتاوى ورسائل العلامة ابن عثيمين، 11/ 154 - 156.
================================
لقول الله تعالى: {وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ} (1).
2 - إنْ قَدَرَ المريضُ على القيام بأن يتكئَ على عصا أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام؛ لحديث وابصة - رضي الله عنه - عن أم قيس رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسنَّ وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه (2)؛ ولأنه قادر على القيام من غير ضرر؛ لحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((صلّ قائمًا...)) (3).
3 - إنْ قَدَرَ المريضُ على القيام إلا أنه يكون مُنحنيًا على هيئة الرَّاكع؛ كالأحدَب، أو الكبير الذي انحنى ظهره وهو يستطيع القيام لزمه القيام؛ لحديث عمران - رضي الله عنه - المتقدم.
4 - المريضُ الذي يقدرُ على القيام لكنه يعجز عن الركوع أو السجود لا يسقط عنه القيام، وعليه أن يصلي قائمًا ويومئ بالركوع قائمًا إن عجز عنه، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن تقوّس ظهره فصار كأنه راكع زاد في انحنائه قليلاً، ثم يجلس فيومئ بالسجود جالسًا إن عجز عنه ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما يمكنه.
------------------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة، الآية: 238.
(2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا، برقم 948، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 264، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 319.
(3) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
==================================
لقول الله تعالى:
{وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ} (1)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين رضي الله عنهما: ((صَلّ قَائِمًا)) (2)؛ ولأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به (3).
5 - المريضُ الذي يزيد القيام في مرضه، أو يشُق عليه مشقة شديدة، أو يضرُّه، أو يخاف زيادة مرضه يُصلي قاعدًا؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (4).
------------------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة، الآية: 238.
(2) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه.
(3) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 572، 575، 576، والشرح الكبير، لعبد الرحمن بن قدامة، 5/ 13، والإنصاف للمرداوي مع الشرح الكبير، 5/ 5.
(4) سورة التغابن، الآية: 16.
=================================
ولقوله - عز وجل -:
{لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (1).
ولقوله - سبحانه وتعالى -:
{يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2).
ولقوله سبحانه:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3).
ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما وفيه:
((صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا...)) (4).
ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال:
سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فرس فجُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلّى بنا قاعدًا (5).
وقد أجمع العلماء على أن مَنْ لا يطيق القيام له أن يصلي جالسًا (6).
6 - الأفضل للمريض إذا صلَّى جالسًا أن يكون مُتربعًا في موضع القيام، والصحيح أنه إذا ركع يركع وهو متربع.
------------------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة، الآية: 286.
(2) سورة البقرة، الآية: 185.
(3) سورة الحج، الآية: 78.
(4) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه.
(5) متفق عليه: البخاري، برقم 689،ومسلم، برقم 411،وتقدم تخريجه في الإمامة في الاقتداء.
(6) المغني لابن قدامة، 2/ 570، والشرح الكبير، 5/ 6، والإنصاف، 5/ 6.
================================
يتبع إن شاء الله...