منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48351
العمر : 71

الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها   الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Emptyالأحد 21 فبراير 2016, 1:59 am

الفصل الثالث:

الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها.
تمهيد:
إن الأصل في هذه المسألة هو حديث الأحرف السبعة الذي أجمع الحفاظ على تواتره، إذ روي عن أزيد من عشرين صحابياً ذكرهم ابن الجزري في مؤلف أفرده لتتبع طرق هذا الحديث، وكان أيضاً الإمام ابن كثير قد عرض جميع طرقه ورواياته في كتاب فضائل القرآن وتناوله بالشرح المفصل الإمام ابن حجر في الفتح.

ولا يسعنا في هذا المقام أن نذكر جميع روايات الحديث وطرقه بمختلف ألفاظها إذ القصد هنا ليس دراسة هذا الحديث إسناداً ومتناً، وإنما القصد معرفة المُراد بالأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات القرآنية.

ونكتفي بعرض أشهر رواياته وهي:
أولا: عن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم): فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكدت أساوره  في الصلاة، فتصبَّرت حتى سلّم فلببتُهُ بردائه، فقلت: مَنْ أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: كذبت، أقرأتنها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال: "أرسله اقرأ يا هشام" فقرأ القراءة التي سمعت، فقـال رسـول الله (صلى الله عليه وسلم): "كذلك أنزلت اقرأ يا عمر"، فقرأت التي أقرأني فقال: "كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه".

ثانيا: ماروي عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كنت في المسجد فدخل رجل يُصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقرآ فحسَّن النبي (صلى الله عليه وسلم) شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأني أنظر إلى الله -عز وجل- فرقاً، فقال لي: "ياأبَيْ، أرْسِلَ إليَّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليَّ الثانية: اقرأه علي حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمتي، فرد إلي الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم أغفر لأمتي، اللهم أغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليَّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام".
 
ومِمَّا يستفاد من حديث الأحرف السبعة ما يلي:
1- ليس للأحرف السبعة أصل ولا مرجع غير الوحي الذي نزل به جبريل -عليه السلام- على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتجلى ذلك من خلال تعقيب النبي (صلى الله عليه وسلم) على قراءة عمر وقراءة هشام بقوله: "كذلك أنزلت".

2- الخلاف الدائر بين الأحرف السبعة كائن في كيفية القراءة بها, وهو ما وقعت بسببه حادثة عمر مع هشام، وظهر ذلك في قول عمر: فإذا هو يقرأ بحروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله.

3- الحكمة الكبرى من إنزال الأحرف السبعة, ومشروعية القراءة بها تكمن في التيسير على الأمة، والرحمة بهم حيث فيها الشيخ والعجوز والغلام والرجل الذي لا يكتب، وحيث كانت الأمة العربية آنذاك قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف كبير في لهجاتها وكيفيات أدائها ونبرات أصواتها ودلالات بعض ألفاظها.
وهذه الحكمة ظاهرة في قوله -تعالى-: "فاقرؤوا ما تيسر منه"، وهي أظهر في الرواية الأخرى للحديت: "..إن ربي أرسل إليَّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، ولم يزل يزيدني حتى بلغ سبعة أحرف".

4- العدد سبعة مُراد على الحقيقة العددية فهو العدد الكائن بين الستة والثمانية، وليس يُراد به مطلق الكثرة في الآحاد كما تطلق السبعين ويراد بها الكثرة في العشرات، وكما يراد بالسبعمائة الكثرة في المئات.

وتجلى ذلك من خلال تعيين العدد سبعة على إثر الخلاف الدائر بين عمر وهشام فالحال هنا حال بيان وتفصيل للفصل في هذا الخلاف لا حال تعميم وإجمال، وأيضآ من خلال دلالة حديث أبَيْ الصريحة على أن الاستزادة من الأحرف أتت حرفآ حرفآ حتى وصلت إلى سبعة حروف وهذا ما يفهم منه أن عدد السبعة مراد لذاته حقيقة.

5- لا ميزة لحرف على حرف آخر، ولا فضل لأحد الحروف على غيره فكلها من عند الله -تعالى- فلا يجوز منع أحد من القراءة بأحدها وهو ما يدل عليه لفظ الحديث: "فاقرؤوا ما تيسر منه" فكله ميسر مقروء به.

وللعلاقة الوطيدة بين هذا الحديث والقراءات القرآنية اقترن اسم القراءات بالأحرف السبعة حتى تبادر إلى ذهن بعض الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع عينها، وهو ما أجمع الأئمة على فساده وبطلانه.

وبناءً على ما جاء في الحديث من جواز القراءة بالأحرف السبعة وحكمة إنزالها، وما دار من خلاف بين الصحابة في ذلك كثر الخلاف بين العلماء في تحديد المُراد بالأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات، فذهب كلٌ برأي لا يوافق فيه الآخر.

وما عنيناه في هذا الفصل إبراز جهود الإمام ابن الجزري في هذه المسألة من خلال آرائه في المباحث التالية:
المبحث الأول: المراد بالأحرف السبعة.
المبحث الثاني: اشتمال المصحف العثماني على الأحرف السبعة.
المبحث الثالث: علاقة القراءات بالأحرف السبعة.

-----------------------------------
المبحث الأول: المـراد بالأحـرف السبعــة.
قبل الخوض في معرفة المراد بالأحرف السبعة عند الأئمة يجدر بنا أن نعرف الحرف لغة إذ من خلال ذلك يمكننا إدراك المناسبة بين المعنى اللغوي للحرف والمراد الاصطلاحي به، وبناء عليه يمكن ترجيح الرأي الأنسب من جملة الآراء الواردة في معناه.

إن الأصل في الحرف أن يطلق على الجانب والشق والحد وأطلق أيضاً على الناقة الضامرة أو المهزولة أو العظيمة كما أطلق على ميل الماء واستعمل في الحرف من الهجاء.

قال في اللسان:
"والحرف في الأصل: الطرف والجانب وبه سُمي الحرف من الهجاء، وحرفا الرأس شقاه، وحرف السفينة والجبل جانباها"  ومن ذلك ما جاء في حديث ابن عباس: "أهل كتاب لا يأتون النساء إلا على حرف"، أي على جانب ويطلق أيضاً على الوجه من القراءة قال ابن منظور: "وكل كلمة تقرأ على الوجه من القرآن تسمى حرفاً تقول: هذا في حرف ابن مسعود أي في قراءة ابن مسعود". 

ومن ذلك أيضاً قول الله -تعالى-: "ومِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ اللهَ على حرف" أي على وجه واحد، ومذهب واحد.

ويُراد بالحرف أيضاً الكلمة والخطبة والقصيدة، قال ابن قتيبة: "والحرف يقع على المثال المقطوع من حروف المعجم وعلى الكلمة الواحدة، ويقع على الكلمة بأسرها، والخطبة كلها والقصيدة بكاملها، ألا ترى أنهم يقولون: قال الشاعر كذا في كلمته، يعنون في قصيدته". 

والحاصل أن لفظ الحرف لفظ مشترك، يطلق ويراد به معان عدة ولا يمكن تحديد أي منها إلا ماعينته القرائن أو ناسب المقام.       
وبعد هذا العرض للمعنى اللغوي للحرف نود معرفة أثر ابن الجزري في مسألة المُراد بالأحرف السبعة من خلال المطالب التالية:

المطلب الأول: أراء العلماء في المراد بالأحرف السبعة.
قبل معرفة رأي الإمام ابن الجزري في مفهوم الأحرف السبعة نحاول معرفة أراء سابقيه فيها لننظر ما أضافه في هذه المسألة وبما أسهم.

لقد اختلف الأئمة في المراد بالأحرف السبعة اختلافاً كثيراً وتباينت أقوالهم تبايناً كبيراً حتى غدا بعضهم إلى جعل هذه المسألة من المُشكل الذي لا يُعرف معناه، ومن المُتشابه الذي لا يُعلم تأويله إلا الله -تعالى-، وكان الإمام القرطبي قد نقل عن الإمام ابن حبان أن جملة ما قيل في هذه المسألة خمسة وثلاثين قولاً، وذهب الإمام السيوطي إلى أنها أربعون قولاً، عدها واحداً واحداً في كتاب الإتقان.

غير أن هذه الأقوال على كثرتها فإن أغلبها لا يجد دليلاً يسنده ولا حجة تقيمه، ولا يقوي إلا القليل منها، ولذا فإنا نكتفي في هذا المقام بعرض ما قوي دليله وظهرت حجته، ونضرب صفحاً من تلك الأقوال الضعيفة.

وما له دليل يقوي وحجة تظهر يمكننا إجماله في المذاهب التالية:
المذهب الأول: القول بأن الأحرف السبعة هي سبع لغات.
ذهب فريق من العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة التي جاءت في الحديث هي لغات سبع، ووقع الخلاف بينهم في تحديد هذه اللغات السبع وكيفية تواجدها في القرآن الكريم.

أ- منهم مَنْ رأى أن هذه اللغات متفرقة في القرآن، بعضه نزل بلغة قريش وبعض على لغة هذيل وبعض على لغة هوزان... وينسب هذا الرأي إلى كل من أبي عبيد القاسم بن سلام والإمام الزهري والبيهقي.
 
قال أبو عبيد:
"ليس المُراد أن كل لغة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع متفرقة فيه، فبعض بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل... وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيباً". 

ودليل القوم فيما ذهبوا إليه أن عثمان بن عفان -رضي الله عليه- قال لنُسَّاخ المُصحف حين أمرهم بذلك: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإن القرآن نزل بلسانهم ففعلوا".

وإذا ما سلّمنا بصحة هذا القول فإنه يلزمنا القول بما يلي:
1- إن الكلمة القرآنية الواحدة لم تنزل إلا على لغة واحدة فقط، وقد تنزل الكلمات الأخرى بلغات أخرى على أن يقتصر نزول الكلمة على لغة واحدة، وهذا ما نجده يتنافى والواقعة التي كانت بين عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم حيث اختلفا في قراءة كلمات قرأها أحدهما على وجه وقرأها الآخر على وجه آخر والنزول كان بهما.

2 - إن الأعرابي في ذلك العهد كان يقرأ القرآن بلغات مختلفة، مرة يقرأ كلمة بلغته لأنها نزلت بها، ومرة يقرأ بلغة أخرى لأن ما قرأه نزل كذلك، وهذا ما يتنافى مع حكمة التيسير المقصودة من إنزال القرآن على سبعة أحرف، إذ أن العرب لا تمزج لغتها بلغة غيرها.

قال ابن عبد البر:
"وأنكروا على مَنْ قال إنها لغات لأن العرب لا تُركّب لغة بعضها بعضاً، ومحال أن يُقرئ النبي (صلى الله عليه وسلم) أحداً بغير لغته".  

ب- ومنهم مَنْ رأى أن هذه اللغات السبعة تكون في الكلمة الواحدة بحيث تتفق في المعني وتختلف في الألفاظ نحو: أقبل، وهلم، وتعال، وإليَّ...

قال ابن جرير الطبري:
"الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن هن لغات سبع في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني كقول القائل: هلم، وأقبل، وإليَّ، وقصدي... ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن كالذي روينا آنفاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعَمَّنْ روينا ذلك عنه من الصحابة أن ذلك بمنزلة قولك: هلمَّ وتعال، وأقبل، وقوله: "ما ينظرون إلا زقية: و"إلا صيحة"، ودليله في ذلك حديث أبي بكرة: "إن جبريل -عليه السلام- قال: يا محمد اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده، فاستزاده، حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كلٌ شافٍ كافٍ، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك: تعال، وأقبل، وهلم، واذهب، وأسرع، وأعجل". 

واختلف أصحاب هذا المذهب في تعيين هذه اللغات وتحديدها فذهب أبو علي الأهوازي إلى أن هذه اللغات كلها في بطون قريش، وحكى ابن عبد البر عن بعضهم أنها: هذيل وكنانة وقيس وضبية وتيم الرباب، وأسـد بن خزيمة وقريش.
 
ونسب السيوطي إلى أبي حاتم السجستاني قوله: نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوزان وسعد بن بكر.

واعترض على هذا القول بأن: أقبل، وهلم، وتعال،... ليست بألفاظ قرآنية جاءت بها قراءات، ولا هي بوجه للأحرف السبعة وأجيب عن هذا بأن المُراد من إيرادها في الحديث ضرب مثل للحروف التي أنزل بها القرآن لا غير.

واعترض عنه أيضاً بأن هذا التفسير يجعل الأحرف محصورة في نوع واحد فقط من أنواع الاختلاف فهو ما اتفق معناه واختلف لفظه في حين نجد أن القراءات المتواترة والتي لاشك أنها من الأحرف السبعة أتت بضروب أخرى لم يشملها هذا القول، ومن ذلك: "ننشزها"، و"ننشرها" لفظهما متغاير ومعناهما متغاير، وهو ما يدل على فساد هذا القول.

ونجد أيضاً أن مُفاد هذا القول أن كل ما في المُصحف العثماني هو حرفٌ واحدٌ فقط، أما بقية الحروف الستة قد تركت ولم تكتب في المصحف بأمر عثمان بن عفان، وهذا قول لا يسلم به، ونجد أيضاً تحديد هذه اللغات التي ذكرت هو تحديد اجتهادي لا نص فيه، ولذا نجدهم اختلفوا فيه.

قال ابن الجوزي:
"والذي نراه أن التعين من اللغات على شئ معين لا يصح لنا سنده ولا يثبت عند جهابذة النقل طريقه بل نقول: نزل القرآن على سبع لغات فصيحة من لغات العرب". 
يتبع إن شاء الله...



الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 10 يونيو 2021, 5:30 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48351
العمر : 71

الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها   الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Emptyالخميس 25 فبراير 2016, 5:42 pm

المذهب الثاني: القول بأن الأحرف السبعة هي أوجه
ذهب جماعة من أهل العلم إلى القول بأن الأحرف السبعة هي أوجه سبعة يقع بها التغاير والاختلاف بين الكلمات القرآنية، واختلف أصحاب هذا المذهب في تعين ما يقع به التغاير والاختلاف بين هذه الأوجه.


وجملة ما قيل في ذلك ما يلي:
أولاً: قول أبي حاتم السجستاني
رأى الإمام أبو حاتم أن أوجه التغاير والاختلاف بين الأحرف السبعة تتمثل في الآتــــي:
1- إبدال لفظ بلفظ آخر وذلك نحو: "فاسعوا" قرئت: "فاقضوا" في قوله تعالى: "فاسعوا إلى ذكر الله" و "كالعهن المنفوش" قرئت كالصوف.

2- إبدال حرف بحرف آخر وذلك نحو: "الصراط" حيث وقع في القرآن يقرأ بالصاد وبالسين وبإشمام الصاد زايا.

3- تقديم كلمة أو حرف أو تأخيرهما نحو: "فيَقتلون ويُقتلون"  قرئت: "فيُقتلون ويَقتلون"، ونحو: بئيس في قوله تعالى: "بيئس"  قرئت: "بيئس".

4- زيادة حرف أو نقصانه نحو: وصّى، وأوصى في قوله تعالى: "وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب".

5- اختلاف حركات البناء نحو: "ميسُرة" بضم السين، و "ميسرة" بفتح السين في قوله تعالى: "فَنَظِرَةٌ إلى ميسَرة".

6- اختلاف حركات الإعراب نحو: "المجيد" بضم الدال، و "المجيد" بكسر الدال في قوله تعالى: "ذو العرش المجيد".

7- إشباع الصوت بالتفخيم والترقيق والإمالة والإظهار والإدغام نحو: "من يرتدد منكم" (من يرتد) و "الكبرى" قرئت بالفتح والإمالة والتقليل حيث وقعت.

ثانيـاً: قول ابن قتيبة
ذهـب الإمام ابـن قتيبـة إلـى أن أوجه الاختلاف بين الأحرف السبعة تكمن فيما يلي:
1- الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها بما لا يغير معناها ولا رسمها ومثال ذلك: "يجازي" و"نجازي" في قوله تعال: "وهل يجازى إلا الكفور".

2- الاختلاف في إعراب الكلمة وحركة بنائها بما يغير معناه ولا يغير رسمها وذلك نحـو: "باعد" و "بـعّـد" بتشـديد العـين فـي قوله تعالى: "قالوا ربنا باعد بين أسفارنا".

3- الاختلاف في الكلمـة بما غير رسمها لا معناها وذلك نحو: "العهن" في قوله تعالى: "كالعهن المنفوش" قرئت: (كالصوف).

4- الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها لا رسمها نحو: "ننشرها" قرئت في المتواتر "ننشزها" لدى قوله تعالى: "فانظر إلى العظام كيف ننشرها".

5- الاختلاف في الكلمة بما يزيل رسمها ومعناها نحو: "طلح" و"طلع" في قوله تعالى: "وطلع منضود".

6- الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو قوله تعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق" قرئت: "وجاء سكرة الحق بالموت".

7- الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو قوله تعالى: "وما عملت أيديهم" قرئت: "وما عملته أيديهم".

ثالثاً: قول أبي طاهر بن أبي هشام 
ذهب الإمام أبو طاهر إلى أن الأحرف السبعة هي الأوجه الخلافية الواقعة في قراءات القرآن وهي:

1- الاختلاف من حيث الجمع والتوحيد نحو: "كتب" و"كتاب" في قوله تعالى: "وكتابه وكانت من القانتين". 

2- الاختلاف من حيث التذكير والتأنيث نحو: "ولا تقبل" و "لا يقبل" في قوله تعالى: "ولا يقبل منها شفاعة". 

3- الاختلاف في إعراب الكلمة نحو: "المجيدُ" برفع الدال وكسرها في قوله تعالى: "ذو العرش المجيد".

4- الاختلاف في تصريف الكلمة نحو: "يعرُشون" بضم الراء وكسرها في قوله تعالى: "وما كانوا يعرشون".

5- الاختلاف في الأدوات التي يتغير بتغيرها الإعراب نحو: "لكن" في قوله تعالى: "ولكن الشياطين كفروا"، قرئت: "لكن" بالتخفيف.

6- الاختلاف في اللغات واللهجات نحو: تحقيق الهمز وتسهيله، والفتح والإمالة وما بينهما، والإدغام والإظهار... وهو ما يسمى بأصول القراءات.

7- الاختلاف في اللفظ باتفاق الرسم وذلك نحو: "نشرها" و"ننشرها" في قوله تعالى: "فانظروا إلى العظام كيف ننشرها".
 
رابعاً: قول أبو الفضل الرازي
ذهب الإمام الرازي إلى حصر أوجه الخلاف بين الأحرف السبعة في الآتي:
1- اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع كالاختلاف في جنتهم وجنتيهم في قوله تعالى: "وبدلناهم بجنتيهم جنتين"، ونحو: "كتابه" و"كتبه" في قوله تعالى: "وكتابه وكانت من القانتين".
 
2- الاختلاف في تصريف الأفعال من حيث زمانها وما تسند إليه نحو: "واتخـذوا" بكسـر الخـاء وفتحهـا فـي قـوله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".

3- الاختلاف في وجوه الإعراب نحو: "لا يُضَارَ" بفتح الراء وضمها في قوله تعالى: "لا يضار كاتب ولا شهيد".
 
4- الاختـلاف مـن حيث الزيـادة والنقـص نحو: قوله تعالى: "هو الغني الحميد"، قرئت: (الغني الحميد).

5- الاختلاف من حيث التقديم والتأخير نحو قوله تعالى: "وجاءت سكرة الموت بالحق" قرئت: (وجاءت سكرة الحق بالموت).

6- الاختلاف بإبدال حرف بآخر أو كلمة بكلمة وذلك نحو: "فتبينوا"، و"فتثبتوا" في قوله تعالى: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا".

7- الاختلاف في اللغات واللهجات كالإدغام والإظهار والفتح والإمالة.

خامساً: قول أبي الحسن السخاوي
قال الإمام السخاوي: "....وجملة ذلك سبعة أوجه:
1- كلمات تقرأ بكل واحدة في موضع أخرى نحو ما ذكرته.

2- أن تزيد كلمة في أحد الوجهين وتترك في الوجه الآخر نحو: "تحتها"، و "من تحتها"، "تجري من تحتها"، ونحو: "فإن الله هو غني حميد"، قرئت: "فإن الله الغني الحميد".
 
3- زيادة حرف ونقصانه نحو: "بما كسبت" قرئت "فبما كسبت".

4- مجيء حرف في موضع حرف نحو: "نقول"، و "يقول"، "وتتلوا"، و"تبلوا".

5- تغير حركات إما بحركات أخرى أو بسكون نحو: "فتلقى آدم من ربه كلمـات"، قرأت بضم الميم وفتحها وبضم التاء وفتحها ونحو: "وليحكم أهل الإنجيل"، قرئت بكسر اللام وسكونها.

6- التشديد والتخفيف نحو: "تساقط عليك" قرئت بتخفيف السين وتشديدها، و "بلد ميت"، قرئت بتشديد الياء مكسورة وبإسكانها ونحو ذلك.

7- التقديم والتأخير كقوله عز وجل: "قاتلوا وقتلوا"، و "قتلوا وقاتلوا".

ومن أهم ما استند إليه أصحاب هذا المذهب ما يلي:
1- تأويلهم للحرف بالوجه استنادا لقوله تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حرف"، أي على وجه واحد كما ذكره المفسرون.

2- مما يجعل هذا القول سائغا قولهم: حرف أبي وحرف بن مسعود... ويقصدون بذلك الوجه الذي قرأ به.

3- ما دل عليه حديث عمر السابق من أن خلافه مع هشام كان في أوجه القراءات التي صوبها وأمضاها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسمى ذلك أحرفا فقال: "إنما أنزل القرآن على سبعة أحرف".

ومن المآخذ التي أخذت على هذا المذهب الآتي:
1) - تأويل الأحرف بالأوجه فيه تكلف كبير وتعسف في فهم الأحرف.

2) - إن الأوجه الخلافية التي ذكرت على أنها أوجه الاختلاف بين الأحرف السبعة يمكن أن يزاد فيها كما يمكن الإنقاص منها، فهي ليست ثابتة على الحد الذي ذكروه، ولذا نجدهم اختلفوا في تعين هذه الأوجه.

المطلب الثاني: مذهب ابن الجزري
ذهب الإمام ابن الجزري إلى مناصرة أصحاب المذهب الثاني القائلين بأن الأحرف السبعة هي الأوجه التي يقع بها الاختلاف والتغاير بين القراءات غير أنه خالفهم في تحديد وتعيين بعض الأوجه وتتجلى تفصيلات رأيه من خلال قوله: "ولازلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله علي بنا يمكن أن يكون صواباً -إن شاء الله- وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها.


فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك: 
1- إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو: "البخل" بأربعة "ويحسب" بوجهين.

2- أو بتغير في المعنى فقط نحو: "فتلقى آدم من ربه كلمات". "وادَّكر بعد أمة" وأمه.

3-وإمـا فـي الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو: "تبلـوا" و"تتـلو" و"ننجيك ببدنك لتكون لمَنْ خلفك" و"ننجيك ببدنك".

4- أو عكس ذلك نحو: "بصطة وبسطة، والصراط والسراط".

5- أو بتغيرهما نحو: "أشد منكم" ومنهم، ويأتل، ويتأل، و"فامضوا إلى ذكر الله".

6- وإما في التقديم والتأخير نحو: "فيقتلون ويقتلون"، "وجاءت سكرة الحق بالموت".

7- أو في الزيادة والنقصان نحو: "وأوصَى" و"وصَّى"، "والذَّكر والأنثى".
فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها".

ويجمل ابن الجزري صور الاختلاف بين الأحرف السبعة في نوعين فقط هما:
- ما اختلف لفظه واتفق معناه .
- ما اختلف لفظه ومعناه معا.


ولا يعتبر اختلاف اللهجات أحد صور الاختلاف بين الأحرف حيث يجعله مما تتنوع به صفة اللفظ فقال: "وبقي ما اتحد لفظه ومعناه مما تتنوع صفة النطق به كالمدات وتخفيف الهمز... فهذا عندنا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا".

 
وخلص ابن الجزرى إلى هذا الرأي بعد استبعاده لجملة من الأمور هي:
أ- استبعد أن يكون المقصود بالأحرف أن يقرأ كل منها على سبعة أوجه لقلة وقوع ذلك في أحرف القرآن فقال: "أما المقصود بهذه السبعة فقد اختلف العلماء في ذلك مع إجماعهم على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات يسيرة نحو: أف، وجبريل، وأرجه، وهيهات وهيت".

ب - واستبعد أيضاً أن تكون الأحرف السبعة هي القراءات السبع، ذلك لأن زمن الأحرف السبعة ليس هو زمن ظهور القراء السبعة.

قال ابن الجزري:
"مع إجماعهم على... وعلى أنه لا يجوز أن يكون المراد هؤلاء السبعة القراء المشهورين، وإن كان يظنه بعض العوام، لأن هؤلاء السبعة لم يكونوا خلقوا ولا وجدوا، وأول من جمع قراءتهم أبو بكر بن مجاهد  في أثناء المائة الرابعة".

ج- واستبعد كذلك أن يكون لفظ "السبعة" في الحديث يراد به الكثرة في العشرات لتعارض ذلك مع ما جاء في حديث أبي بكرة: "فنظرت إلى ميكائيل فسكت ، فعلمت أنه قد انتهت العدة".

قال ابن الجزري:
"وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص بل المراد بالسبعة حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص بل المراد السعة والتيسير، والعرب يطلقون لفظ السبع والسبعين والسبعمائة ولا يريدون حقيقة العدد لا يزيد ولا ينقص، بل يريدون الكثرة والمبالغة من غير حصر قال: "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" و: "إن تستغفر لهم سبعين مرة" وقال: "في الحسنة: "…إلى سبعمائة ضعف إلـى أضعاف كثيرة"… وهذا جيد لولا أن الحديث يأباه فإنه ثبت في الحديث من غير وجه أنه لما أتاه جبريل بحرف واحد، قال له ميكائيل: استزده، وأنه سأل الله التهوين على أمته فأتاه على حرفين فأمره ميكائيل بالاستزادة وسأل أمته التخفيـف فأتاه بثلاث ولم يزل كذلك حتى بلغ سبعة أحرف، وفي حديث أبي بكرة: "فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة" فدل ذلك على إرادة حقيقة العدد وانحصاره".

د- واستبعد أن يكون المراد بالأحرف السبعة لغات سبع، ذلك لأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفت حروفهما وهما قريشيان يتكلمان لغة واحدة.

قال ابن الجزري في معرض رده على القائلين بأن الأحرف هي لغات القبائل:
"وهذه الأقوال مدخولة لأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح وكلاهما قرشيان من لغة واحدة، وقبيلة واحدة".

هـ واعتبر أن يكون المراد بالأحرف السبعة معاني الأحكام كالحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال والإنشاء والخبر أو كالناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمجمل والمبين، والمفسر وغير ذلك من هذه المعاني وسبهها غير صحيح لأن خلاف الصحابة لم يقع في أحكام أو تفسير ما في القرآن وإنما خلافهم كان في كيفية القراءة.

قال ابن الجزري:
"وقال بعضهم المراد بها معاني الأحكام… وهذه الأقوال غير صحيحة فإن الصحابة الذين اختلفوا وترافعوا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) كما ثبت في حديث عمر وهشام وأبي ابن مسعود وعمرو بن العاص وغيرهم لم يختلفوا في تفسيره ولا أحكامه وإنما اختلفوا في قراءة الحروف".

وفي هذا الصدد يوجه ابن الجزري ما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- بأن ما ذكر في الحديث من المعاني السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي ذكرت في الأحاديث الأخرى، وليس يجمع ببن الأمرين إلا العدد "سبعة.

 قال ابن الحزري:
"أن يكون قوله: حلال وحرام إلى آخره لا تعلق له بالسبعة الأحرف ولا بالسبعة الأبواب بل إخبار عن القرآن، أي هو كذا وكذا، واتفق كونه بصفات كونه بصفات سبع كذلك".

وما نلاحظ في مذهب ابن الجزري أنه لم يكن وليد الصدفة ولا محض تقليد ومحاكاة لأراء السابقين وإنما هو ناتج عن إمعان نظر وكثرة تفكير واستشكال دام أزيد من ثلاثين سنة.

ونلاحظ أيضاً أن مذهب ابن الجـزري كان نتيجة لاستقراء جميع القراءات: الصحيحة والشادة والضعيفة والمنكرة ولم يجد بينها وجه اختلاف لم يندرج تحت أحد أنواع الاختلاف السبعة التي ذكرها.
يتبع إن شاء الله...



الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 10 يونيو 2021, 5:30 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48351
العمر : 71

الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها   الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Emptyالخميس 25 فبراير 2016, 11:37 pm

وقد يعترض عليه في ذلك بأن القرآن لا يثبت بالشاذ والضعيف، ولا وجه لذلك الاعتراض للاعتبارات الآتية: أولها:
على فرض صحة الاعتراض فإن الاختلاف في الأحرف هو أصل لاختلاف القراءات والأحرف لم تثبت كلها في المصحف العثماني، إما لنسخ بعضها في العرضة الأخيرة أو لأنها افتقدت بعض أركان القراءة المقبولة وعليه فإنها لم تثبت بما يقطع أنها قرآن، ولا نجد من الأمثلة لأوجه الخلاف بين هذه الأحرف إلا تلك القراءات الشادة التي صح سندها.

ثانيهما:
إن الأمثلة التي ساقها ابن الجزري كشواهد على أوجه الخلاف الواقع بين الأحرف السبعة كانت من القراءات المتواترة، ولا نجد مثالاً مستقى من قراءة شاذة أو ضعيفة إلا وكان معه أمثلة من القراءات المتواترة.

ثالثها:
إن غاية ما يُفهم من قول ابن الجزري: "إني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها، وضعيفها ومنكرها..."، أن حتى تلك القراءات الشاذة والضعيفة والمنكرة لم يخرج الاختلاف فيها عن  تلك الأوجه السبعة التي ذكرها ولا يفهم أبداً من قوله أن بعض تلك الأوجه ليس لها مرجعاً سوى تلك القراءات المنكرة أو الضعيفة.

المطلب الثالث: مقارنة بين قول ابن الجزري والمذهب الثاني
إن أقوال هذا المذهب متداخلة من حيث الأوجه الخلافية للأحرف السبعة فمنها ما اتفق على لفظه ومنها ما ليس فيه إلا إعادة للصياغة بصورة أدق وأشمل، وليس بينها من الفوارق إلا قليلاً ونتج ذلك من إفادة المتأخر من المتقدم في عرض هذه الأوجه الخلافية.

وما وافق فيه ابن الجزري أصحاب هذا المذهب وجهان من أوجه الاختلاف بين الأحرف السبعة هما:
- الاختلاف من حيث الزيادة والنقصان.
- الاختلاف من حيث التقديم والتأخير.


وأهم ما خلفهم فيه ابن الجزري نبينه في الآتي:
اختلف ابن الجزري مع أبي حاتم السجستاني في مجال استنباط أوجه الخلاف بين الأحرف السبعة، حيث جعل أبو حاتم أصل استنباطها اللغات العربية، واعتبر اللغات أصلاً للأحرف حيث نزلت الأحرف بالغات المعروفة وظهر ذلك في قوله: "ثم إني تدبرت الوجوه التي تتخالف بها العرب فوجدتها على سبعة أنحاء لا تزيد ولا تنقص وبجميع ذلك نزل القرآن"، وجاء في قوله الذي نقله عن السبوطي تحديد اللغات فقال:"نزل بلغة قريش وهذيل والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر".
 
وأما الإمام ابن الجزري فقد كان استنباطه لأنواع الاختلاف بين الأحرف السبعة من خلال استقرائه للقراءات بجميع أنواعها.


قال ابن الجزري:
"إني تتبعت القراءات صحيحها و شاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها"
ولا شك أن اعتماد الاختلاف بيـن القراءات في انبساط أوجه الخلاف بين الأحرف السبعة أصدق وأحق من الاعتماد علـى اختلاف اللغات، لأن اختلاف القراءات اختلاف ثابت بالنص والرواية، وهو الذي يحتكم إليه عند إثبات القراءات القرآنية، وأما اختلاف اللغات لا يثبت قراءة إذا انفرد ولم يوافق رواية صحيحة.

واختلف أيضاً مع الإمام الرازي في مسألة عد اختلاف اللهجات كأحد أنواع الاختلاف بين الأحرف السبعة، حيث جاء ذلك صريحا في قول أبي الفضل بينما نجد ابن الجزري لم يفرده بنوع مسقل بل أدرجه ضمن النوع الأول.

وظن البعض أن ابن الجزري قد أهمل هذا النوع من الاختلاف فراحوا يعترضون عليه بشدة ومن هؤلاء الإمام الزرقاني الذي قال: "ولكن من العجب العاجب أن هذين الإمامين الجليلين   اللذين اعترفا صراحة باختلاف اللهجات وطرق الأداء على هذا الوجه، فأتاهما أن ينظماه في سلك الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن تيسيرا على الأمة والعصمة لله وحده".

وقال الدكتور حسن عتر مسايرا الزرقاني:
"أما ابن الجزري فقد تتبع القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها، فوجد اختلافها يرجع إلى سبعة أوجه رأي أنها السبعة المرادة بالحديث ولم يعد منها اختلاف اللهجات لأنها ليس مما يؤدي إلى اختلاف يتنوع فيه اللفظ والمعنى".

وقال الدكتور القاري أيضا:
"إن ابن قتيبة وابن الجزري لم يذكرا اختلاف اللهجات ضمن تلك الأنواع السبعة مع أن معظم أوجه الاختلاف في أحرف القرآن هو من هذا النوع" وجاء نحو ذلك عن الدكتور مناع القطان. 

لكن من الجدير بالملاحظة أن ابن الجزري لم يفته أن يبين رأيه في هذه المسألة حيث اعتبر الخلاف الكائن بين اللهجات ليس إلا اختلافا في صيغ أداء اللفظ الواحد.

فقال:
"...وأما اختلاف الإظهار والإدغام والروم والتفخيم والترقيق والمد والقصر والإمالة والفتح والتحقيق والتسهيل والإبدال والنقل مما يعبر عنه بالأصول، فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا".

ومع هذا الإقرار من ابن الجزري فإنه يستدرك على قوله بأن هذا النوع يمكن أن يكون من النوع الأول الذي ذكره، أي مما تختلف فيه الألفاظ من حيث الحركات دون التغير في الصورة ولا في المعنى، وذلك لأن الفتح والإمالة والإشمام والترقيق والتفخيم ليست إلا حركات فرعية تعود في أصلها إلى الحركات الأصلية فالإمالة مثلاً ما هي إلا حركة فرعية بين الحركتين الأصليتين الفتحة والكسرة، والإشمام ليس سوى حركة فرعية تعود في أصلها إلى الحركتين الضمة والكسرة والاختلاس والروم ليس هما إلا بعضي الحركة.
 
قال ابن الجزري:
"...فليس هذا من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ... ولئن فرض فيكون من الأول".

ولا يفهم من تعليقه على ابن قتيبة بأنه قد فاته ما فات غيره فلم يجعل اختلاف اللهجات أحد أنواع الاختلاف بين الأحرف السبعة إلا أنه مقر أنه منهما فقد قال بعد ما ذكر قول ابن قتيبة: "على أنه فاته كما فات غيره أكثر أصول القراءات كالإدغام والإظهار والإخفاء والإمالة والتفخيم وبين بين والمد والقصر وبعض أحكام الهمز، كذلك الروم والإشمام على اختلاف أنواعه وكل ذلك من اختلاف القراءات وتغاير الألفاظ مما اختلف فيه الأيمة القراء وقـد كانـوا يترافعـون بـدون ذلك إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ويرد بعضهم على بعض... ولكن يمكن أن يكون هذا من القسم الأول فيشمل الأوجه السبعة على ما قررناه."

وقد صرح في موقع حديثه عن شكل المصحف العثماني أن اختلاف اللهجات هو من الاختلاف الواقع بين الأحرف السبعة فقال: "وجردوا المصاحف عن النقط والشكل لتحتمله صورة ما بقي من الأحرف السبعة كالإمالة والتفخيم والإدغام والهمز والحركات وأضداد ذلك مما هو في باقي الأحرف السبعة...".
 
ويبدو من خلال هذا التصريح ومن خلال استدراكه على قوله أثناء تعليقه على قول ابن قتيبة: بأنه فاته ما فات غيره أنه يعتبر اختلاف اللهجات اختلافا ضمنيا يتضمنه الوجه الأول من الأوجه التي تختلف بها الأحرف السبعة وألا عبرة بقول من تعجب من إسقاط ابن الجزري لهذه المسألة وأن الخلاف الذي بينه وبين الرازي في هذه المسألة ليس خلافاً جوهرياً وإنما غاية ما فيه أن الرازي ذكر هذا الوجه صراحة وأفرد له نوعاً مستقلاً وأما ابن الجزري لم يصرح بذلك وجعله مما يتضمنه أحد الأوجه التي ذكرها.

يتبع إن شاء الله...



الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 10 يونيو 2021, 5:31 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48351
العمر : 71

الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها   الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Emptyالخميس 25 فبراير 2016, 11:43 pm

المبحث الثاني: اشتمال المصحف العثماني على الأحرف السبعة
لبحث هذه المسألة رأيت أن أضع بين أيدينا جملة من الحقائق المُسَلّمَة التي من شأنها أن تساعد على فهم إشكالها وتعين على إدراك الصواب من الأقوال التي قيلت فيها.

وجملة هذه الحقائق هي:
1- إن المصحف العثماني ليس نسخة واحدة أو نسخاً متطابقة ليس بينها اختلاف وتغاير من حيث الرسم، وإنما هو مجموعة من النسخ المتطابقة في أغلب مرسومها والمختلفة في بعض منه وهي في مختلف عددها ورجح ابن الحزري أنها سبعة.

ومن بين أمثلة الاختلاف الحاصل بينها ما يلي:
أ- رسم قوله تعالى :"تجري تحتها الأنهار"  في المصحف المكي بزيادة "من" أي: "تجري من تحتها الأنهار"، وقال ابن الجزري مؤكداً ذلك: "كذلك هي في المصاحف المكية"، وهو على خلاف المصاحف الأخرى التي حذفت منها "من".

ب- رسم قوله تعالى: "وهو الذي يسيركم في البر"، في المصحف الشامي بالياء والنون بعدها أي "ينشركم" وقال ابن الجزري في ذلك: "كذلك هي في مصاحف أهل الشام"، وهو ما خلت منه المصاحف الباقية التي سقطت منها النون بعد الياء.

ج- رسم قوله تعالى: "وتوكل على العزيز الرحيم"، في مصاحف أهل المدينة والشام بالفاء بدلاً من الواو وقال ابن الجزري: "كذلك هي في مصاحف المدينة والشام" وهو غير ما جاء في بقية المصاحف حيث جاءت بالواو في "فتوكل"، وكان ابن الجزري قد نص على جميع تلك الاختلافات والمفارقات بين نسخ المصاحف العثمانية في كتابة النشر.

2- إن رسم المصحف العثماني كان رسماً احتمالياً لا رسماً تحقيقياً، بحيث يتسع لأكثر من لفظ، وذلك لأنه أخلي من النقط والشكل، ولهذا رسمت جميع الحروف المشتركة كالنون والياء والتاء والباء في رسم واحد وكالجيم والحاء والخاء أيضاً وكالسين والشين كذلك.

قال الإمام أبو عمرو الداني فيما رواه بسنده عن يحي بن كثير:

"كان القرآن مجرداً في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه النقط على التاء والياء، قالوا: لا بأس به، هو نور له، ثم أحدثوا فيه نقطاً عند منتهى الآي ثم أحدثوا الخواتم والفواتح".  

وذكر علة ذلك فقال:
"إنما أخلى الصدر من المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله -تعالى- لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءوا منها, فكان الأمر على ذلك إلي إن أحدث الناس ما أوجب نقطها وشكلها".

3- الاختلاف بين الأحرف السبعة من حيث الرسم نوعان:
منها ما يظهر في الرسم كزيادة حرف أو كلمة أو نقصان ذلك وكإبدال حرف بحرف آخر ليس على صورته، وهذا ما يستحيل جمعه في رسم واحد، ومنها الاختلاف الذي لا يظهر في الرسم كصور أداء اللفظ وهيئات النطق وهذا ما يجمعه رسم موحد ولا يضبط إلا بالتلقين والمشافهة.

4- المصحف العثماني كُتِبَ على ما استقر في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعرض ما نزل من القران على جبريل –عليه السلام– مرة كل عام، وفي السنة الأخيرة التي قُبِضَ فيها عارضه مرتين، وسميت الثانية منهما العرضة الأخيرة، وهي التي استقرت عليها قراءة الصحابة -رضي الله عنهم-.

روى الحاكم عن سمرة -رضي الله عنهم- قال:
عرض القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عرضات فيقولون: إن قراءتنا هذه العرضة الأخيرة".

وقال عبد الرحمان السلمي:
كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة كانوا يقرؤون القرءة العامة وهي القراءة التي قرأها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده الصديق في جمعه، وولاه عثمان كتابة المصحف".

المطلب الأول: أراء مَنْ سبق ابن الجزري في المسألة
اختلف العلماء سلفا في هذه المسالة فذهبوا مذاهب ثلاثة نوردها في الآتي:

المذهب الأول: المصحف العثماني لا يشمل إلا على حرف واحد
ذهب جماعة من الفقهاء والمفسرين والقراء إلى أن المصحف العثماني لا يشتمل إلا على حرف واحد فقط من الأحرف السبعة، ويشتهر هذا القول عن الإمام ابن جرير الطبري ووافقه جماعة منهم: الإمام الطحاوي وابن حبان وابن عبد البر وأبو طاهر بن أبى هاشم والشاطبي والحموي ابن أبي الرضا.

ورجح ابن تيميه هذا المذهب ونسبه إلى جمهور العلماء من السلف والأئمة فقال:

إن قول جمهور العلماء من السلف والأئمة، إن الأحاديث والآثار المستفيضة تدل على هذا القول"، وحجتهم في ذلك إن قصد الخليفة عثمان بن عفان ومراده من هذا الجمع توحيد الأمة وجمع كلمتهم فلا يختلفوا في القرآن، وما فعل عثمان ذلك إلا عندما جاءه خبر اختلاف قراء الأمصار في حروف القرآن حتى كاد بعضهم أن يكفر بعضاً لأجل ذلك.

قال الطبري مبيناً رأيه:
"...وجمعهم على مصحف واحد وحرف واحد وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه، وعزم على أن كل مَنْ عنده مُصحف مُخالف للمُصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك هو الرشد والهداية".

وقال أبو طاهر مؤيداً الطبري ومبرزاً القصد من الاقتصار على كتابة المصحف على حرف واحد: "فثبتت الأمة على حرف واحد من السبعة التي خيروا فيها، وكان سبب ثباتهم على ذلك ورفض الستة ما أجمع عليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين خافوا على الأمة تكفير بعضهم بعضاً أن يستطيل ذلك القتال وسفك الدماء وتقطيع الأرحام فرسموا لهم مصحفاً أجمعوا عليه".

وقال ابن أبو الرضا الحموي مدللاً صحة وظهور هذا المذهب: "الأول أظهر إذ لو جعله مشتملا على الأحرف السبعة لم يزل الخلف، ومقصوده بجمعه إزالته". 

المذهب الثاني: المصحف العثماني يشتمل على الأحرف السبعة جميعاً
ذهب فريق من العلماء -قُرَّاء وفقهاء ومتكلمين- إلى القول بأن المصحف الذي كتبه عثمان -رضي الله عنه- كان مشتملاً على الأحرف السبعة جميعها.

وأقوى دليل استدلوا به على صحة هذا الرأي أن الأمة لا يمكنها أن تجمع على إضاعة شيء من الوحي أو إهماله، وفي كتابة المصحف على حرف واحد مضيعة للحروف الستة.

ومن أدلتهم أيضاً أن عثمان -رضي الله عنه- ما قصد بجمعه المصحف إلا الحفاظ على القران من الدخيل الذي ليس منه خاصة بعد ما فشا اللحن وكثر الغلط فيه بسبب الأعاجم الذي ما كانوا يجيدون العربية فاختلفوا فيه.

وقد كان الأمام أبو بكر الباقلاني قد أوضح أن عثمان لم يخل المصحف من الأحرف الستة وإنما أخلاه من المنسوخ تلاوة ومن المضاف تفسير وتأويلاً، وهذا ليس من القرآن فقال: "لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ومنسوخ تلاوته كتب مع مثبث رسمه ومفروض قراءته وحفظه، خشية دخول الفساد والشبهة على مَنْ يأتي بعد".

وأوضح ذلك أكثر في معرض رده على الشيعة الدين اتهموا عثمان بتضييع الأحرف الستة أن ما اختلف فيه بين قراء الأمصار ولم يثبته عثمان في المصحف هو ما لم يثبت أنه قرآن فقال: "ليس الأمر في هذا على ما وصفتم لأن القوم عندنا لم يختلفوا في هذه الحروف المشهورة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي لم يمت حتى علم من دينه أنه أقرأ بها وصوب المختلفين فيها وإنما اختلفوا في قراءات ووجوه أخر لم تثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم تقم بها حجة وكانت تجيء مجيء الآحاد، ومالا يعلم ثبوته وصحته، وكان منهم مَنْ يقرأ التأويل مع التنزيل… فإما أن يستجيز هو أو غيره من أئمة المسلمين المنع من القراءة بحرف ثبت أن الله أنزله ويأمر بتحريقه والمنع من النظر فيه والانتساخ منه، ويضيق على الأمة ما وسعه الله تعالى ويحرم من ذلك ما أحله الله ويمنع ما أطلقه وأباحه فمعاذ الله أن يكون ذلك كذلك".

واستدل الإمام السخاوي لهذا المذهب بما ثبت من خلاف بين نسخ المصحف العثماني مما يدل على أنها روعي فيها الحروف السبعة، وأن الموافقة لا يمكنها أن تحصل لعثمان لو أنه أراد أن يغير شيئاً في هذه الأحرف فقال مبيناً ذلك في معرض رده على الإمام الطبري: "...وأما قوله: إنما كتب حرفاً واحداً من تلك الأحرف السبعة فغير صحيح، فقد كتب في بعض المصاحف "وأوصَي" وفي بعضها "ووصَّى"، وكتب في بعضها: "وقالوا اتخذ الله"، وفي بعضها: "قالوا اتخذ الله"... وكتب في المدني والشامي "يرتدد" وفي غيرهما "يرتد" والذي لا شك فيه أن عثمان –رحمه الله– كتب جميع القرآن بجميع وجوهه ولم يغادر منه شيئاً، ولو ترك شيئاً لم يوافق عليه، وقد جاء بعده علي –عليه السلام– ولم يزد على ما كتبه حرفاً واحداً".
 
وهذا المذهب مذهب وجيه واستدلاله قوي لولا أنه يتعارض مع ما ثبت من قراءات صحيحة عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لم يرد لها وجهاً في المصحف العثماني.

المذهب الثالث: المصحف العثماني يشمل بعض الأحرف السبعة
ذهب الجمهور من الأئمة -فقهاء وقراء- إلى أن المصحف العثماني كُتِبَ على ما ثبت في العرضة الاخيرة مشتملاً على ما يحتمله رسمها من الاحرف السبعة، وعلى هذا تكون المصاحف العثمانية مشتملة على بعض الأحرف لا كلها.

قال مكي بن أبي طالب مبيناً هذا الرأي:
"…. فالمُصحف كُتِبَ على حرف واحد، خطه محتمل لأكثر من حرف، إذ لم يكن منقوطاً ولا مضبوطاً، فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية".
 
وقال أبو شامة مؤيد هذا القول:
"والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) وفيه بعض ما اختلفت فيه الأحرف السبعة لا جميعها، كما وقع في المصحف المكي: "تجري من تحتها الأنهار"، في آخر براءة، وفي غيره بحذف "من".

وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابتة في بعضها دون بعض وعدة هاءات وعدة لامات ونحو ذلك". 

والحق أن الاستدلال بما وقع من اختلاف وتغاير بين نسخ المصحف العثماني هو دليل يخدم هذا المذهب الثاني حيث إن غاية ما يدل عليه هذا الاختلاف أن المصحف العثماني يشتمل على أكثر من حرف واحد وأما كونه يشتمل على سبعة أحرف فيحتاج لدليل آخر.

المطلب الثاني: مذهب ابن الجزري
لم يكن للإمام ابن الجزري رأي جديد في المسألة وإنما بذل كل جهده في ترجيح المذهب الثالث والانتصار له وحشد الأدلة الدالة عليه وتجلى ذلك من خلال قوله في معرض عرضه لمذاهب الخلاف في المسالة فقال: "....وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على العرضة الأخيرة التي عرضها النبي (صلى الله عليه وسلم) على جبريل متضمنة لها لم تترك حرفاً منها قلت: وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له".

وتبين من خلال هذا القول أن ابن الجزري يعتبر ما يلي:
أ- إن هذا القول هو قول الجمهور من السلف والخلف وعلماء الأمة فهو ليس قولاً شاذاً.

ب- إن المصحف العثماني يشتمل على العرضة الأخيرة كاملة قطعا، وهذا يعني أن ما ثبت في غير العرضة الأخيرة لا يقطع بوجوده في المصحف العثماني.

ج- إن المصحف العثماني يشتمل من الأحرف السبعة ما احتمل رسمها رسم العرضة الأخيرة ووافق خطها.

وبيَّن الجزري أن أكثر ما رسم في المصحف العثماني هو الأمور التالية:
أ- ما استقر في العرضة الأخيرة التي شهدها بعض الصحابة كأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود.

ب- ما ثبت عند الصحابة صحته عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بطريق مستفيض ولم يعلم أنه نسخ في العرضة الأخيرة.

ج- لفظ لغة قريش التي كانت أساس الرسم العثماني وما احتملها من اللغات الأخرى.

قال ابن الجزري:
"...فكتبوا المصاحف على لفظ لغة قريش والعرضة الأخيرة، وما صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) واستفاض دون ما كان قبل ذلك مما كان بطريق الشذوذ والآحاد من زيادة ونقصان وإبدال وتقديم وتأخير وغير ذلك".

وأما ما لم يثبت في المصحف ولم يعتبر وأسقط منه أمور ثلاثة تستفاد من كلام ابن الجزري السابقة ومن غيره وجملة ذلك ما يلي:
أ- ما ثبت نسخه في العرضة الأخيرة.

ب- ما لم يصح أو صح ولم يستفض عند الصحابة -رضي الله عنهم-.

ج- ما أضيف تأويلاً وتفسيراً مع كلام الله في مصاحف أصحابها وأشار ابن الجزري لذلك فقال: نعم كانوا ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قرآنا فهم آمنون من الالتباس وربما بعضهم يكتبه معه".
يتبع إن شاء الله...



الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 10 يونيو 2021, 5:32 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48351
العمر : 71

الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها   الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Emptyالخميس 25 فبراير 2016, 11:49 pm

- وللتدليل على صحة المذهب المختار ساق ابن الجزري نوعين من الأدلة:
1-النوع الأول:
أدلة تفيد نفي حصر ما اشتمله المصحف العثماني في حرف واحد.

2- النوع الثاني:
أدلة تفيد نفي اشتمال المصحف العثماني على كل الأحرف.

ومن أهم الأدلة التي ساقها للنوعين ما يلي:
1- القراءات الصحيحة التي وردت عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- التي يقطع بأنها من الأحرف السبعة ولم يكن لها أثر في المصحف العثماني دليل على أنه لم يشتمل إلا على بعض الأحرف لا جميعها، ومن الأمثلة على تلك القراءات ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرأ: "واليل إذ يغشى والنهار إذ تجلى والذكر والأنثى".

قال ابن الجزري:
"إذ قلنا إن المصاحف العثمانية محتوية على جميع الأحرف السبعة التي إنزلها الله -تعالى- كان ما خالف الرسم يقطع بأنه ليس من الأحرف السبعة وهذا قول محظور لان كثيراً مما خالف الرسم قد صح عن الصحابة -رضي الله عنهم- عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

2- تعمَّد الصحابة تجريد المصحف العثماني من النقط والشكل يجعل الرسم الواحد يحتمل أكثر من وجه للقراءة وهو دليل على أن المصحف محتمل لأكثر من حرف واحد وهو بهذا يحتمل أكثر من لغة واحدة، حيث كان الأصل أن يكتب المصحف بلغة قريش.
 
قال ابن الجزري:
"...وجرَّدُوا المصاحف عن النقط والشكل لتحتمله صورة ما بقي من الأحرف السبعة كالإمالة والتفخيم والإدغام والهمز والحركات وأضداد ذلك مما هو في باق الأحرف السبعة غير لغة قريش، وكالغيب والجمع والتثنية وغير ذلك من أضداده مما تحتمله العرضة الأخيرة إذ هو موجود في لغة قريش وغيرها". 

3- النسخ الذي حصل لبعض حروف القرآن والتغيير فيها في العرضة الأخيرة وهو ماثبتت صحته عند ابن الجزري دليل على أن المصحف العثماني لم يشتمل على الأحرف السبعة كلها فقال: "ولا شك أن القرآن نسخ منه وغير فيه في العرضة الاخيرة فقد صح النص بذلك عن غير واحد من الصحابة وروينا بإسناد صحيح عن زر بن حبيش قال: "قال لي ابن عباس أي القراءتين تقرأ؟ قلت: الاخيرة، قال: فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يعرض القرآن على جبريل –عليه السلام– في كل عام مرة قال: فعرض عليه القرآن في العام الذي قُبضَ فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) مرتين فشهد عبد الله -يعني ابن مسعود- ما نُسخ منه وما بُدّل".

4- الاختلاف الحاصل بين المصاحف العثمانية دليل على أنها ليست حرفاً واحداً بل هي أكثر من ذلك، منه ما ثبت في العرضة الأخيرة ومنه ما ثبت عند الصحابة من غيرها، فقال: "إن الصحابة كتبوا في هذه المصاحف ما تحققوا أنه قرآن وما علموه استقر في العرضة الأخيرة وما تحققوا صحته عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مما لم ينسخ وإن لم يكن داخلاً في العرضة الأخيرة ولذلك اختلفت المصاحف بعض الاختلاف.

المطلب الثالث: إشكالات يطرحها مذهب ابن الجزري
بالرغم من وجاهة ما ذهب إليه ابن الجزري وصحة ما استدل به ودقة ما استنتجه في ترجيح المذهب الثالث إلا أنه ثمة جملة من الاعتراضات تظل قائمة على هذا الرأي، وهي جديرة بأن تناقش.

وجملتها ما يلي:
أولاً: القصد من جمع عثمان أو الغاية الكبرى من نسخه المصحف توحيد الأمة التي اختلف قراء أمصارها في قراءات القرآن فكفروا بعضهم بعضـا بسـبب ذلك الاختلاف، هذا القصد وهذه الغاية يطرحان إشكالاً واعتراضاً قويين على قول ابن الجزري من حيث أن صنيع عثمان لم يوحد الأمة المختلفة إذ ظل المصحف مشتملاً على بعض الأحرف ولم يقتصر على حرف واحد، ولم يحصل بذلك التوحيد المقصود.

والجواب على ذلك على وجهين:
أ ـ إن ما قصده عثمان من كتابة المصحف هو جمع الأمة وتوحيدها على ما ثبت من القرآن في العرضة الأخيرة، وهي مشتملة على بعض الأحرف، ولم يصح عنه أنه منع من قراءة ما وافقها من القراءات الأخرى التي ثبتت صحتها واستفاضتها عند الصحابة -رضي الله عنهم- ولم يثبت عنه أنه منع من قراءة شيء من ذلك، والمصحف الذي كتبه يشهد لذلك حيث أن رسمه محتملاً لأوجه عدة من القراءة، وحيث اختلفت نسخه بعض الاختلاف في بعض الحروف.

كل هذا يؤكد أن غاية عثمان وقصده ليس جمع الأمر على حرف واحد وإنما جمع الأمة على ما صح من القراءة ووافق العرضة الأخيرة وترك ما ثبت نسخه ولم يقع في العرضة الأخيرة أو ما لم يصح أو صح ولم يستفض نقله أو ما أدرج تأويلاً وتفسيراً وهو ما اختلف فيه قراء الأمصار وكفروا بعضهم بعضاً بسببه، وكان الإمام الباقلاني قد أوضح ذلك في قول نقلناه عنه سابقاً.

ب- إن عمدة هذا الإشكال وأساسه قول الإمام الطبري ومَنْ نحا نحوه بأن المصحف العثماني لم يشتمل إلا على حرف واحد فقط من السبعة وبهذا يقع قصد عثمان من توحيد الأمة، وما ينبغي إدراكه هو أن الامام الطبري لم يقل بهذا القول إلا تماشياً مع اختياره في مفهوم الأحرف السبعة حيث يرى أن المراد بالأحرف اللغات التي أنزل بها القرآن فيما اختلف لفظه واتفق معناه نحو: هلمَّ وأقبل وتعال وإليَّ.

وعلى رأي الطبري هذا فإنه لا يستقيم إلا القول بأن المصحف جمع على حرف واحد فقط: لأنه لا يوجد خلاف في المصحف من هذا القبيل الذي ذهب إليه الطبري.

ونجد من جهة أخرى أن الإمام الطبري يُقر بالخلاف الوارد بين القراءات القرآنية إلا أنه يعتبر ذلك خلافاً في الحرف الواحد، ولا علاقة له باختلاف الاحرف فقال: وما اختلف فيه القراء عن هذا بمعزل، لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرجون عن خط المصحف على الحرف الواحد. 

وكان الإمام مكي بن أبي طالب قد علّق على قول الطبري هذا مبرراً ما ذهبنا إليه فقال: "يذهب الطبري إلى أن الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن إنما هي تبديل كلمة في موضع كلمة يختلف الخط بها ونقص كلمة وزيادة كلمة أخرى، فمنع خط المصحف المجمع عليه ما زاد على حرف واحد، لأن الاختلاف لا يقع إلا بتغير الخط في راي العين، فالقراءات التي في أيدى الناس كلها عنده حرف واحد من الأحرف السبعة التي نص عليها النبي (صلى الله عليه وسلم)".

ولو أن الطبري رأى رأي ابن الجزري في المراد بالأحرف السبعة لما وسعه إلا أن يقول بأن المصحف يشتمل على بعض الأحرف.

ثانياً: القول بأن المصحف العثماني لم يشتمل إلا على بعض الأحرف السبعة يُفضى إلى اتهام عثمان ومَنْ وافقه من الصحابة بإهمال بعض ما أنزل الله -تعالى- الأمة مأمورة بحفظ كل القرآن، ومعاذ الله أن يُفرّط عثمان ومَنْ معه في حرف من حروف القرآن>


ويُجاب على هذا الإشكال من وجهين:
أ - ما أجاب به الإمام الطبري بأن القراءة على الأحرف السبعة لو تكن واجبة على الصحابة -رضي الله عنهم- وإنما كانت جائزة مرخص فيها -فقط- والأخذ بالأحرف السبعة لم يكن من قبيل العزيمة وإنما كان من قبيل الرخصة إذ الواجب القراءة بحرف واحد فقط، ولما رأى عثمان وأصحابه اقتتال قراء الأمصار بسبب الاختلاف في الأحرف اختار منها حرفاً واحداً جمع الأمة عليه، ولم يكن بهذا قد ترك واجباً ولا فعل محظوراً حيث أن فعله لا يعدو أن يكون اختياراً لحرف من تلك الأحرف المرخص فيها. 

وقد أجيب على هذا بأن عثمان وأصحابه -رضي الله عنهم- لا يسعهم فعل ذلك إذ لا يمكنهم أن يمنعوا القراءة بما أحلَّ اللهُ ورخَّصه لعباده، ولا يُقال إن عثمان اختار وجهاً من أوجه الرخصة وحمل الناس عليه ولا خطر في ذلك، إذ الاختيار في الرخصة جائز؛ لأن هناك فرق بين أن تلغي الرخصة وبين أن تفرض فلا يجوز غيره؛ إذ الرخصة ليست ملزمة لكن لا يجوز إلغاؤها أو الإنكار على مَنْ أخذ بها.

وقد أوضح الدكتور القارئ هذا الأمر في معرض رده على قول الطبري فقال:
"...إن التخيير كان في القراءة بوجه من تلك الأحرف حسبما يتيسر للقارئ ويسهل عليه، ولم يكن التخيير في نقل الأحرف، بل كانت الأمة ملزمة بنقلها جميعاً، لأن كل حرف منها بمنزلة الآية ولم يكن عثمان أو الصحابة مفوضين في إلغاء شيء منها.

وهناك فرقٌ واضحُ بين أن يكون المُكلّف مُخيراً بين الأخذ برخصة الفطر في السَّفر والعزيمة مع الصّيام، وبين أن يلغى هذه الرخصة فيحرم على نفسه وعلى الأمة الفطر ويحمل الناس على الصيام".

ب- وأجاب البعض أن رخصة الأحرف السبعة كانت أول الإسلام ثم نسخت آخره.

قال الامام الطحاوي:
"إن ذلك كان في وقت خاص لضرورة دعت إليه لأن كل ذي لغة كان يشق عليه أن يتحول عن لغته، ثم لمَّا كثُر الناسُ والكُتَّابُ ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم الأحرف السبعة وعاد ما يقرأ به إلى حرف واحد.

ويرد على هذا بما يلي:
1- سبب رخصة الأحرف السبعة لازال قائماً في عهد عثمان وفي غيره، فلم تنسخ رخصة وعلة وجودها لا تزال قائمة.

2- لم يثبت دليل بأن رخصة الأحرف السبعة نسخت في آخر الأمر، وبالتالي لا يمكن التسليم بذلك إلا إذا قيل: إن نسخها كان بإجماع الصحابة وعندها يكون الجواب أن الإجماع لا ينسخ قرآنا ثابتاً بالقطع.

وعلى هذا الذي قدمنا فإن الإشكال الثاني يظل على قول ابن الجزري قائماً إذ القول بأن المُصحف لا يشتمل الإ على بعض الأحرف السبعة يعني إهمال البعض الآخر.

وبالرغم من أن هذا الإشكال يظل قائماً على مذهب ابن الجزري إلا أنه لا يقوى على ترجيح مذهب القائلين بأن المصحف يشتمل على كل الأحرف السبعة ولا يمنع من أن يظل مذهب ابن الجزري أرجح المذاهب لقوة استدلاله ودقة استنتاجه.
 
المبحث الثالث: علاقة القراءات بالأحرف السبعة
يظهر من خلال حديث الأحرف السبعة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يُلقن أصحابه الحروف السبعة فلقن هذا حرفاً وذاك حرفاً وذلك حرفاً... ولما انتشروا في البلاد وتفرَّقُوا فيها وقَصَدَهُمُ النَّاس للقراءة، أخذوا عنهم تلك الحروف دون تمييز بعضها عن بعض، ودون معرفة حد كل حرف وضابطه، وكان الواحد منهم يتلقى عن عدد من الصحابة -رضي الله عنه- فتداخلت الأحرف ببعضها في قراءاتهم.

ومن هنا استشكل العلماء العلاقة بين القراءات والأحرف السبعة فهل القراءات هي كل الأحرف أم هي بعضها أم هي حرف واحد منها؟ وهذا ما حاولنا معرفته وإيضاح رأي ابن الجزري فيه.

المطلب الأول: بطلان القول بأن القراءات السبع هي الأحرف السبعة
هناك وهم توهمه بعض الناس في هذه المسألة لابد من بيانه قبل الحديث عن تفصيلات المسالة ومعرفة رأي ابن الجزري فيها، لقد توهموا أن الأحرف السبعة التي جاءت في الحديث هي تلك القراءات التي اشتهرت عن القراء السبعة في مطلع القرن الرابع الهجري وأن كل قارىء منهم التزم بحرف منها وما قيل ذلك إلا للتوافق العددي بين هذه القراءات وتلك الأحرف.

والغريب في الأمر أن هذا الوهم كان –قديماً– عند العوام من النَّاس وأما في العصور المتأخرة -خاصة عصرنا هذا- نجده في أفكار بعض المثفقين والمشتغلين بالثقافة الإسلامية والمنتسبين إلى العلوم الشرعية.

وكان العلماء من القراء –قديماً وحديثاً– قد أجمعوا على فساد هذا القول واعتباره وهماً وقع فيه العامة من الناس.

ولم يعبأ ابن الجزري بهذا القول ولم يكلف نفسه عناء الرد عليه لأنه قول لم يقل به عالم فقال: "ونحن لا نحتاج إلى الرد على مَنْ قال: إن القراءات السبع هي الأحرف السَّبعة فإن هذا القول لم يقل به أحد من العلماء لا كبير ولا صغير، وإنما هو شيء تعب العلماء قديما وحديثا في حكايته والرد عليه وتخطئة أنفسهم، وهو شيء يظنه جهله العوام لا غير، ونحن لا نتعب أنفسنا كما أتعب مَنْ قبلنا أنفسهم في ذكره والرد عليه".
 
وجاء عن مكي بن أبي طالب من قبل، مثل ذلك حيث اعتبره غلطاً عظيماً، فقال: "فأما مَنْ ظنَّ أن قراءة كل واحد من هولاء القُرَّاء كنافع وعاصم وأبي عمرو أحد الحروف السبعة التي نص النبي (صلى الله عليه وسلم) عليها فذلك منه غلط عظيم".

وهو ما جاء عن أبي شامة أيضاً، حيث اعتبره قول بعض الجهلة فقال: "ظنَّ قومٌ أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل". 

ونسب الرازي هذا القول إلى قوم أغبياء فقال:
"ومَنْ ذهب إلى أن الأحرف السبعة، إنما هي الأحرف المضافة إلى الأئمة السبعة الذين جمعهم ابن مجاهد فمَنْ بعده في كتب القراءات وأن كل حرف من الأحرف المُنزلة هو ما أخذ به واحد منهم، وهذا مذهب دون الوسط تعلق به قومٌ أغبياء من القراء والعوام".
يتبع إن شاء الله...



الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 10 يونيو 2021, 5:32 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48351
العمر : 71

الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها   الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها Emptyالخميس 25 فبراير 2016, 11:54 pm

والسبب الرئيس في مبعث هذا الوهم ومنشأ هذا الظن:
هو ما فعله ابن مجاهد حين ألف كتابه (السَّبعة في القراءات)، وحصر فيه القراءات الصحيحة في قراءات سبع، فتوافق العدد "سبعة" الوارد في الأحرف بما فعله من تسبيع القراءات فوقع الوهم وظنَّ العوام الذين لا علم لهم بدقائق المسألة أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع، والذي زاد هذا الوهم استحكاماً في أّذهان العامة ما كان مشتهراً من قولهم: حرف نافع وحرف ابن كثير.. وكانوا يقصدون بذلك قراءاتهم.

ولذا فإننا نجد كثيراً من العلماء تحاملوا على ابن مجاهد فوجهوا له انتقاداتهم في هذا الاختيار.

قال أبو الحسن عمار المهدوي:
"لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل مَنْ قلَّ نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل".

ويمكن توجيه عمل ابن مجاهد بأنه أثبت قراءات هؤلاء السبعة لأنها توافقت مع منهجه الذي التزم به في تأليف كتابه، حيث اشترط صحة القراءة، واشتهار القارئ بالضبط والأمانة مع تفرغه للإقراء وطول العمر، وهذا لم يحصل له إلا في القراءات السبع فلا يلام -إذا- بانه أوقع الناس في شُبهه ظنوا من خلالها غير الحقيقة.

ويكفي للتدليل على بطلان هذا الوهم وفساد هذا الظن أن نعلم ان هذه القراءات السبع المشهورة بأسماء أصحابها والتي اختاروا حروفها بناءً على ما صحَّ لديهم من روايات القراءات ما ظهرت في شكلها الحالي إلا في القرن الثاني للهجرة فأين هي من الأحرف السبعة التي ورد حديثها في أيام النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان خلاف الصحابة فيها آنذاك؟ وعليه فاننا نقرر أن القراءات شيء وأن الأحرف شيء آخر، غير أن العلاقة بينهما لا تنعدم، وهي ما أردنا تفصيله وبيانه خلال هذا المبحث.

المطلب الثاني: أراء من سبق ابن الجزري
اختلف الأئمة العلماء قبل ابن الجزري في هذه المسألة فذهبوا مذاهب ثلاثة بناء على أرائهم في مسالة اشتمال المصحف العثماني على الأحرف السبعة.

المذهب الاول: القراءات حرف واحد
ذهب الإمام الطبري وتبعه جماعة منهم ابن عبد البر والداوودي وغيرهم إلى أن القراءات القرآنية التي تلقها الصحابة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وكتبوها في المصحف العثماني وتناقلها التابعون بعد ذلك وصار عليها مدار القراءة في كل زمان هي حرف واحد من السبعة.

قال الإمام الطبري:
"لا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية".
 
وقال ابن أبو الرضا الحموي:
"الصواب أن القراءات السبع على حرف واحد من السبعة."

وقال ابن عبد البر:
"وهذا الذي عليه الناس اليوم في مصاحفهم وقراءتهم حرف من بين سائر الحروف لأن عثمان جمع المصاحف عليه ثم قال: "وهذا الذي عليه جماعة من الفقهاء فيما يقطع به".

وسبب قولهم بهذا ما ذهبوا إليه من أن المصحف العثماني لم يشمل إلا على حرف واحد فقط، ولايمكن القراءة بغيره من الأحرف، وكنا قدمنا سابقاً توجيه الطبري لاختلاف القراءات على أنه اختلاف في الحرف الواحد.

المذهب الثاني: القراءات هي كل الأحرف
ذهب طائفة من اهل الكلام وبعض القراء إلى أن القراءات الثابتة عن الأئمة القراء هي بمجوعها مجموع الأحرف السبعة، وأن الأحرف السبعة لا زالت تنقل نقلاً متواتراً إلى اليوم.

قال الإمام الجعبري:
"إن القرآن وصل إلينا متواتراً بأحرفه السبعة التي نزل بها القرآن على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).  

وحجة هؤلاء قولهم بأن الصحابة من بعدهم ليس لهم أن يدعوا شيئا من القرآن ولا ينقلونه الى من بعدهم، ولو انهم فعلوا ذلك لكانوا مخطئين وعصاة.

قال ابن الجزري موضحاً هذا السبب:
"..إن من عنده أنه لا يجوز للأمة ترك شيء من الأحرف السبعة يدعي أنها مستمرة النقل بالتواتر إلى اليوم، وإلا تكون الأمة جميعها عصاة مخطئين في ترك ما تركوا منه كيف وهم معصومون من ذلك".

المذهب الثالث: القراءات هي بعض الأحرف
ذهب جماعة من القراء منهم مكي بن أبي طالب والرازي والمهدوي وغيرهم إلى أن القراءات القرآنية هي بمجموعها بعض الأحرف السبعة.

قال مكي:
"وإن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن".

وقال أبو العباس المهدوي:
"وأصح ما عليه الحُذَّاق من أهل النظر في معنى ذلك أن ما نحن عليه في وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن".
 
وعمدة هؤلاء في هذا القول أنه لا قراءة إلا بما في المصحف العثماني وهذا المصحف لم يشتمل إلا على بعض الأحرف السبعة، فعلى هذا يكون مجموع القراءات بعض الأحرف.

المطلب الثالث: مذهب ابن الجزري
يذهب ابن الجزري الى بحث هذه المسالة من وجهين اثنين هما:
أولاً: ما الذي تمثله القراءات بالنسبة للأحرف السبعة؟
ثانياً: ماالقدر الموجود من الأحرف في القراءة الواحدة؟


فأما بالنسبة للوجه الأول فاننا نجده يذهب إلى القطع بصحة مذهب القائلين إن القراءات التي قرأ بها الأئمة القُرَّاء لا تمثل إلا بعض الأحرف السبعة من غير تعين لهذا البعض.

قال ابن الجزري:
"الذي لا شك فيه أن قراءة الأيمة السبعة والعشرة والثلاثة عشر وما وراء ذلك بعض الأحرف السبعة من غير تعيين".

ودليله في ذلك المصحف العثماني الذي رسم على حرف واحد، ونظرآ لتجريده من النقط والشكل احتمل حروفاً أخرى غير معينة.

وما احتمله الرسم من القراءات الصحيحة كثير إلا أنه لا يمكن الجزم بأن تلك القراءات المحتملة لخط المصحف هي بقية الحروف السبعة ذلك لأن القراءات التي احتملها الرسم العثماني هي ما كان من قبيل الإدغام والأظهار والإمالة والفتح والتسهيل والنقل والإبدال وأما ما كان من قبيل الزيادة والنفصان وإبدال كلمة بأخرى فهذا قطعا لم يحتمله رسم المصحف، وهي من الأحرف السبعة بلا شك، ومن ثمة كان القول بان القراءات هي بعض الأحرف قولاً معتبراً.

قال ابن الجزري مبيناً هذا الاستدلال:
"قلت المصحف كتب على حرف واحد لكن لكونه جُرّدَ من النقط والشكل احتمل أكثر من حرف إذ لم يترك الصحابة إدغاماً ولا إمالةً ولا تسهيلاً ولا نقلاً ولا نحو ذلك مما هو من باقي الأحرف السبعة، وإنما تركوا ما كان قبل ذلك من زيادة كلمة ونقص أخرى ونحو ذلك مما كان مباحا لهم القراءة به".

وأما بالنسبة للوجه الثاني فإنه يذهب إلى أن الأحرف السبعة متفرقة في كل قراءة وفي كل رواية، بمعنى أن كل قراءة اشتملت على الأحرف السبعة في مجموعها حيث يقرأ في موضع بحرف وفي موضع آخر بحرف اخر.

ولا يعني هذا أن الأحرف السبعة محصورة في قراءة بعينها، ولا يصح هذا القول على اعتبار أن الحرف هي أوجه التغاير والاختلاف بين القراءات.

قال ابن الجزري مبينا ذلك من خلال جوابه على سؤال طرحه فقال:
"وهل هذه السبعة الأحرف متفرقة في القرآن، فلا شك عندنا أنها متفرقة فيه بل وفي كل رواية وقراءة باعتبار ما قررناه في وجه كونها سبعة أحرف، لا أنها منحصرة في قراءة ختمة او تلاوة رواية". 

ويمثل لذلك بما يوضح الأمر ويجليه فيقول: "فَمَنْ قرأ ولو بعض القرآن بقراءة معينة اشتملت على الأوجه المذكورة فإنه يكون قد قرأ بالأوجه السبعة التي ذكرناها دون أن يكون قرأ بكل الأحرف السبعة".

ويجيب علو قول أبي عمرو الداني الذي ذهب إلى القول بأن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها بأنه صحيح بناء على ما ذهب اليه في أن الأحرف هي اللغات المختلفة فقال: "واما قول أبي عمرو الداني أن الأحرف السبعة ليست متفرقة في القرآن كلها ولا موجودة في ختمة واحدة بل بعضها… فإنه صحيح على ما أصله من أن الأحرف هي اللغات المختلفات، ولا شك أن من قرأ برواية من الروايات لا يمكنه أن يحرك الحرف ويسكنه في حالة واحدة أو يرفعه وينصبه أو يقدمه ويؤخره، فدل ذلك على صحة ما قاله".

ونخلص من هذا:
أن ابن الجزري يرى أن القراءات التي نقلت عن الأئمة القراء لا تمثل إلا بعضا من الأحرف السبعة، ذلك لأن بعضها أهمل فلم يكتب في المصحف العثماني، وما احتمله المصحف لا يشملها، وأن تلك الأحرف موجودة بمجموعها في كل قراءة وفي كل رواية إلا أن هذا لايعني حصرها في قراءة معينة، وهذا الذي راه ابن الجزري كان مبنيا على ما ذهب إليه في المراد بالأحرف السبعة بأنها أوجه الاختلاف بين القراءات.

المطلب الرابع: علاقة القراءات المشتهرة اليوم بقراءات الأئمة القراء
 يذهب الإمام  ابن الجزري بعد مناقشة علاقة القراءات التي كانت على عهد الأئمة القراء بالأحرف السبعة إلى مناقشة مسألة أخرى ذات صلة قوية بهده المسالة ألا وهي علاقة القراءات التي كانت في زمانه  والتي استمرت حتى عهدنا بالقراءات التي كانت على عهد الأئمة العشر والأربعة عشر والتي كانت على عهد الصحابة والتابعين.

ويقرر أن القراءات التي كانت قبل عهد التدوين  قد اعتراها  تقلص كبير فلم يبقى منها إلا القليل  فيقول: إن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة والثلاثة عشر بالنسبة الى ما كان مشهورا في الإعصار الأولى، قل من كثر  ونزر من بحر".

ويستنج هذا من كثرة ألآخدين عن هولاء الأئمة والذين لم تصلنا جميع قراءاتهم  وخلافاتهم  في أحرف القراءة  ويكشف عن ذلك بقوله: "..وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أوليك الأئمة  المتقدمين من السبعة وغيرهم كانوا أمما لا تحصى، وطرائق لا تستقصى. والذين أخذوا عنهم أيضا  أكثر وهلم جرا".
 
ويرد ابن الجزري سبب تقلص القراءات وإهمال الكثير  منها واندثار بعضها  إلى قصور مناهج حركة  تدوين القراءات.

حيث نجد الذين اشتغلوا بالتأليف في علم القراءات لم يكن غرضهم جمع القراءات كيف كانت وإنما كان همهم انتقاء ما صح عندهم منها وما وافق تلك الشروط التي وضعها كل منهم في مصنفه، فكم من قراءة  لم تنقل ولم تثبت في المؤلفات  إلا لأنها لم تخضع لتلك الشروط التي وضعت كضابط لقبول القراءة في القرن الثالث الهجري.

ولما كانت مناهجهم في ضبط القراءات متباينة اختلفت مؤلفاتهم في القراءات التي اشتملت  عليها.

فهذا أبو عبيد القاسم بن سلام أول من ألف في القراءات حاول جمع ما رآه مقبولاً عنده من القراءات فاجتمع لديه خمساً وعشرين قراءة، ثم توالى المؤلفون بعده فكان من أولئك أحمد بن جبير بن محمد الكوفي جمع قراءات خمسة من الأئمة من كل مصر واحد، وكان الطبري قد جمع في كتابه أزيد من عشرين قراءة واقتصر أبو بكر ابن مجاهد على سبعة أئمة في كتابه السبعة في القراءات ونحا نحوه أبو عمرو الداني الذي لم يزد على سبعة قراء وغيرهم كثير.

ومن خلال عرض ابن الجزري لهذه المسالة نستنج ما يلي: أولاً:
إن القراءات التي لم تحظ بالتدوين ولم تنقل إلينا كثيرة، ويرجع عدم نقلها وإثباتها في المصنفات إلى أنها لم توافق مناهج المؤلفين التي على أساسها اعتمدوا القراءة.

ثانياً:
إن القراءات التي دونت وحوتها المؤلفات لم تكن مقبولة كلها حيث رد بعضها لأنها لم تحقق شروط قبول القراءة ، وما رد منها ولم يقرأ به لا يجزم بكونه أنه ليس من القراءات التي كانت على عهد الصحابة و التابعين.

ومن خلال هاتين الملاحظتين يتضح أن القراءات المشهورة التي بين أيدينا الآن ليست هي كل القراءات التي قرأ بها الصحابة والتابعون وأقرأ بها الأئمة القراء ولا تعدو إلا أن تكون بعضاً منها.

ونخلص في الأخير:
أن من القراءات ما اندثر ولم يصل ذكره وأن سبب ذلك عدم صمود الكثير منها أمام عوامل التصحيح وشروط القبول، فكم من قراءة صحيحة لم توافق رسم المصحف العثماني وكم من قراءة صحيحة لم تستفض ولم تشتهر، وكم من قراءة قبلت عند البعض وردها آخرون، ناهيك عن تلك القراءات التي ردها بعض النحاة لمخالفتها قواعدهم النحوية وأصولهم اللغوية.



الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الثالث: الأحرف السبعة وعلاقة القراءات بها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث: الفصل الأول: القراءات وتواترها
» مقارنة بين الأحرف السبعة والقراءات السبع
» النوع السابع: الأحرف السبعة والقراءات.
» الفصل الثاني: القراءات المتواترة وطرقها عند ابن الجزري
» الفصل الأول: مؤلفاته في القراءات المتواترة والشاذة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: رســـالة دكـتـــوراه-
انتقل الى: