وقال -صلى الله عليه وسلم-:
«إن في الجنة بحر العسل وبحر الخمر وبحر اللبن وبحر الماء ثم تنشق الأنهار بعد» [رواه الترمذي والدارمي].
وقال تعالى:
"وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" [البقرة: 25]، وقال تعالى: "أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ" [الكهف: 31].
أخي الحبيب:
لطف الله بي وإياك:
هل تعلم أن من أنهار الجنة نهراً أعطاه الله لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ترده أمته يوم القيامة فَمَنْ كان من أهل الصلاح والاتباع شرب منه شربةً لا يظمأ بعدها ومَنْ كان من أهل الشقاوة ذادته الملائكة عنه فلا يشرب منه شيئاً.
قال -صلى الله عليه وسلم-:
«أعطيت الكوثر فإذا نهر يجري على ظهر الأرض حافتاه قباب اللؤلؤ» [رواه أحمد].
وفي رواية:
«هو نهر أعطانيه الله في الجنة ترابه مسك ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور» [رواه أحمد].
فوا لهفي على شربة منه يوم الفزع الأكبر تروي في عرصات القيامة وتقي الظمأ إلى الأبد، وأعاذني الله وإياك أخي الحبيب أن نكون ممن يذادون عن حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيا لشقاء مَنْ كان هذا حاله ومَنْ تبرأ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: «سُحقاً سُحقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي».
أنهارها من غير أخدود جرت
سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا
مفجرة وما للنهر من نقصان
[النونية، ابن القيم].
كيف بك أخي الحبيب:
بأقوام يتمتعون بأنهار الجنة قبل يوم القيامة؟!! وهم الشهداء!! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم بكرةً وعشياً» [رواه أحمد والطبراني والحاكم]، جعلنا الله وإياكم أحبتنا مِمَّنْ يردون هذه الأنهار ويتقلبون في نعيمها.
عيـونها:
أخي الحبيب:
إن من كمال النعم التي أعطاها الله لعباده في الجنة تلكم العيون التي يفجرها لهم زيادة في المتعة واللذة: "إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا" [الإنسان: 5 - 6].
"إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ" [المطففين: 22 - 28].
"وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا" [الإنسان: 17 - 18]، فيا لها من لذة ويا لها من نعم متتالية: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ" [الحجر: 45]، "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ" [المرسلات: 41].
مساكنها:
أخي الحبيب:
وفقني الله وإياك:
إن مقيل الجنة ليس مثله مقيل ومساكنها ما أبهاها وأطيبها من مساكن: "وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ" [التوبة: 72]، "أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا" [الفرقان: 75]، "لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ" [الزمر: 20].
وقال -صلى الله عليه وسلم-:
«إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها اللهُ تعالى لِمَنْ أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام» [صحيح الجامع الصغير/ الألباني].
وقال -صلى الله عليه وسلم-:
«إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مُجوفة طولها ستون ميلاً للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً» [رواه مسلم]، فانظر أخي هداني الله وإياك إلى هذا النعيم وما لا يدرك كنهه إلا الله تعالى.
أبوابها:
أخي الحبيب:
أخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبل الهداية:
إن للجنة ثمانية أبواب أعدها الله لأوليائه كما أخبر النبي الصادق -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: "جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ" [ص: 50]، "يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" [الرعد: 23 - 24].
أخي الحبيب:
كيف بك لو دعيت من أبوابها!!
بل من باب واحد، ولكن أولياء الله تسمو نفوسهم إلى الاستزادة من نعم الله وفضله، فهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه عندما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبواب الجنة قال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، ما على مَنْ دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟: قال -صلى الله عليه وسلم-: «نعم وأرجو أن تكون منهم» [متفق عليه].
لله درك يا أبا بكر ورضي الله عنك هكذا أحبتي هِمَمُ الصالحين، بينما يفكر غيرهم في نيل لذات الدنيا وحطامها الفاني يفكرون في النعيم الباقي والدرجات العالية فما أشرفها من همة.
أخي الحبيب:
هل فكرت يوماً في سعة هذه الأبواب وكثرة مَنْ يردها من الناس جعلني الله وإياك في ذلك الجمع.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفس محمدٍ بيده إنَّ ما بين المِصراعين من مصاريع الجنة أو ما بين عضادتي الباب كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى» [متفق عليه].
وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: لقد ذكر لنا أنَّ ما بين المصارعين من الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وأنه لكظيظ من الزحام. مشكاة المصابيح.
نور الجنة
أخي الحبيب:
إن نور الجنة ليس كالنور والضياء الذي نعرفه بل هو فوق ذلك كله وأعلى من أن نتخيله قال القرطبي: "قال العلماء وليس في الجنة ليل ونهار وإنما هم في نور دائم أبداً وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجاب وإغلاق الأبواب ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب. ذكره أبو الفرج ابن الجوزي" [التذكرة].
وقال ابن تيمية:
"والجنة ليس فيها شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار لكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قِبَلِ العَرْشْ" [مجموع الفتاوى].
فهنيئا لمَنْ أبصر بذلك النور وتأمل بذلك الضياء، جعلنا الله وإياكم أحبتنا منهم.
ريحها:
أخي الحبيب:
ريح الجنة يجدها المتقون منذ أن فارقوا هذه الدنيا فيأتيهم من روحها وريحانها في قبورهم ما ينسيهم كدر الدنيا ونعيمها الزائل.
قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً» [رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم].
فيا لشقاء مَنْ حُرمَ ريحها وريحانها ويا لهناء مَنْ استنشق روحها وريحانها، بل إن أولياء الله الصادقين يحسون بريحها في الدنيا كأنهم يستنشقونه حقيقة، أما رأيت أنس بن النضر بن مالك رضي الله عنه قال يوم أحد لسعد بن معاذ رضي الله عنه: "يا سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد" فقاتل رضي الله عنه حتى قتل.
فهنيئا لأصحاب هذه البصائر، أبصروا إذ عمى الناس واهتدوا إذ ضل الناس، فرضي الله عن أنس وإخوانه الذين تزخرفت الجنة للقياهم وتزينت للقائهم جمعنا الله وإياكم أحبتنا بهم في دار كرامته.
أشجارها:
أخي:
رزقني الله وإياك الزهادة في الدنيا:
ما أحلى وأشهى ثمار الجنة، وما أورق ظلالها وما أجمل حدائقها "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا" [النبأ: 31 - 32]. "فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ" [الرحمن: 52]. "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ" [المرسلات: 41 - 42]، "وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ" [الواقعة: 20]، "فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ" [الرحمن: 68]، "مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ" [ص: 51].
أخي الحبيب:
إنَّ ثمر الجنة لا مشقة في التقاطه، فمتى ما اشتهيته دنا منك حتى يصبح في متناول يدك، لا شوك يؤذيك إذا التقطته ولا يتأبى عليك: "وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا" [الإنسان: 14]، "مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ" [الرحمن: 54].
فيا لها من لذَّة: "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [البقرة: 25].
ظلها:
أما الظّل فما أورفه من ظلٍّ: "وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا" [النساء: 57]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة واقرءوا إن شئتم»: "وَظِلٍّ مَمْدُود" [رواه البخاري].
طعامها:
أحبتي:
يكفيكم في وصف طعامها وما أعدَّه الله لأوليائه من المطاعم الفاخرة أن الله تعالى قال عن ذلك: "كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ" [الحاقة: 24]، "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [الزخرف: 71]، "وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ" [الواقعة: 21 - 22].
وفي وصف الكوثر قال -صلى الله عليه وسلم-: «فيه طير أعناقها كأعناق الجزر» (الإبل) قال عمر: "إنَّ هذه لناعمة" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أكلتها أنعم منها» [رواه الترمذي].
فيا لها من لذَّة فاقت كل لذَّة! ويا له من شبع للجائعين في الله وللزاهدين في ملذات الدنيا الفانية! يأكلون أشهى المطاعم ويشربون أحسن المشارب، وأهل النار يأكلون الزقوم ويشربون من الحميم، أعاذني الله وإياكم من هذه الحال.
أعزائي:
تفنى الدنيا وتفنى لذاتها من طعام وشراب، بل إن لذة الطعام والشراب في الدنيا لتزول قبل بلعه ثم تخرج قذرا!.. أين هذا من لذة طعام الجنة وشرابها؟ فهي لذَّة لا تزول وترشح أجسامهم من فضلاتها طيبًا ومسكًا، فوا لتعاسة المحرومين! ويا لشقاء المجرمين!
خمورها:
إخوتي أحبائي:
إن من فضائل الله المتتابعة على أوليائه أن جعلهم ينتشون من خمور الجنة جزاء لهم وفاقا على طاعتهم لربهم في تحريمه لخمر الدنيا، وشتان ما بين الخمرين! فخمر الدنيا كريهة مرَّة مسقمة للأبدان سالبة للعقل، لذتها ناقصة وشرها كثير أما خمر الجنة فطيبة جميلة لذيذة لا يصيب شاربها ألم ولا مرض لذتها كاملة.
"يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ" [الصافات: 45 - 47].
فيا لذة الشاربين لها المنتشين لكؤوسها، ويا لسعادة الذين صرفوا أنفسهم عن خمور الدنيا ورشفوا من كؤوس دار البقاء.
يتبع إن شاء الله...