ملحق: النظام السياسي وأسلوب صنع القرار في إيران
عقب قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وانهيار مؤسسات نظام حكم الشاه السابق، اتجهت الثورة الإيرانية إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أسس ومحددات جديدة تخدم أهدافها في إقامة نظام حكم إسلامي شيعي، وفق توجهات الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإيرانية الإسلامية، حيث تم وضع دستور جديد (دستور عام 1979)، يحدد أطر العمل السياسي بالبلاد، وينظم العلاقة بين أركان الحكم الثلاثة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وقد استند في جوهره لنظرية الولاية بالمذهب الشيعي، وبما أفرز نظام حكم يتسم بالخصوصية والتباين عن النظم المتعارف عليها بجميع دول المنطقة بوجه خاص، وباقي دول العالم بوجه عام، حيث تتداخل فيه سلطات المؤسستين الدينية والسياسية، رغم واقع استقلال كل منهما من الناحية التنظيمية والإدارية، ويحول هذا النظام دون منازعة أحد أركان الحكم لسلطة ولاية الفقيه (المرشد).
المؤسسات الدستورية ونظام الحكم
أولاً: مستوى قيادة الدولة
1. مجلس الخبراء (الأوصياء)
أ. يعد أعلى سلطة دستورية في إيران، حيث يضطلع بأهم دور سياسي وهو اختيار (الولي الفقيه)، ويتابع أداؤه ويمتلك صلاحية إعفائه من منصبه حالة إخلاله بشروط الولاية.
ب. يتشكل من 86 عضواً، جميعهم ينتمون للمؤسسة الدينية، يمثلون جميع المحافظات الإيرانية تمثيلاً نسبياً، طبقاً لتعداد السكان، ويجري اختيارهم بالانتخاب المباشر لدورة مدتها ثماني سنوات. والمجلس الحالي انتخب في يناير 2007.
ج. ينعقد المجلس مرة واحدة سنوياً بمدينة (قم)، مقر الحوزة العلمية الشيعية، أو بالعاصمة طهران، لمدة تراوح بين 5 – 15 يوم، إلا أنه يُدعى للانعقاد في الحالات الطارئة طبقاً للموقف.
د. يجب توفر عدة شروط بالأفراد المرشحين لعضوية المجلس، أهمها التأهيل العلمي بالحوزة الدينية بمدينة قم، وامتلاك رؤية سياسية واجتماعية صائبة، والإلمام بالتطورات الجارية داخلياً وخارجياً، والإيمان بنظام الجمهورية الإسلامية، وحسن السير والسلوك.
هـ. رئيس المجلس الحالي "آية الله قمي مشكيني"، وينتمي للتيار المحافظ.
2. الولي الفقيه (المرشد العام)
أ. يمثل قمة نظام الحكم في إيران، ويسيطر على سلطات الدولة ومقدراتها كافة بحكم صلاحياته السياسية والدينية، نائباً عن الإمام الغائب أو المهدي المنتظر.
ب. يجري انتخابه من بين رموز المؤسسة الدينية (مراجع التقليد بالحوزات العلمية)، بواسطة مجلس الخبراء، لفترة ولاية غير محددة (ما لم يتم إعفاؤه من جانب مجلس الخبراء لإخلاله بشروط الولاية، وفقاً للمادتين 107، 111 من الدستور.
ج. يتمتع بصلاحيات واسعة وفقاً للدستور، يتمثل أبرزها في الآتي:
(1) التصديق على تعيين رئيس الجمهورية، بعد انتخابه من قبل الشعب، وكذا حق إعفائه من منصبه إذا ما قرر المجلس الأعلى للقضاء إدانته بالتقصير فى مهام وظيفته.
(2) اعتماد أسماء المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية والتصديق على نتائجها.
(3) إصدار القرارات الخاصة بتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
(4) تعيين 50% من أعضاء مجلس صيانة الدستور، الذي يُعد أحد أهم المجالس التشريعية الثلاثة (مجلس الشورى - مجلس صيانة الدستور - مجلس تشخيص مصلحة النظام)، لدوره الرقابي على مجلس الشورى.
(5) إصدار القرارات السيادية، كقرار الحرب والسلم وتعبئة القوات.
(6) تعيين كل المذكورين في التفصيل الآتي وإعفاؤهم وقبول استقالاتهم:
(أ) رئيس السلطة القضائية وكبار المسؤولين بها.
(ب) قاده القوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري.
(جـ) قيادات الأجهزة الإعلامية.
(د) ممثلوه بأجهزة الدولة كافة.
(7) يُعد القائد الأعلى للقوات المسلحة.
(8) يقوم على تحديد السياسات العامة للدولة بعد التنسيق مع مجلس الأمن القومي بذات الشأن.
(9) التدخل لاحتواء الخلافات بين السلطات الثلاث (التشريعية - التنفيذية - القضائية).
(10) تفويض بعض صلاحياته لممثليه بأجهزة الدولة المختلفة.
3. مجلس الأمن القومي
أ. يُعد المجلس هو المسؤول الرئيس عن رسم السياسة العامة للدولة بالتنسيق مع مرشد الجمهورية (الولي الفقيه).
ب. يتولى المجلس المسؤولية المباشرة عن الملفات الهامة وفى مقدمتها الملف النووي.
ج. لا تكون قرارات المجلس ملزمة إلا بعد تصديق مرشد الجمهورية.
د. يضم في عضويته ممثل عن مرشد الجمهورية، ورئيس الجمهورية، ووزراء الداخلية - المخابرات - الدفاع، وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.
هـ. رئيس المجلس الحالي "علي لاريجاني" المسؤول عن الملف النووي الإيراني.
ثانياً: السلطة التشريعية
تتسم بتعدد المرجعيات التشريعية خلاف المتعارف عليه بمختلف دول العالم، حيث تتكون من عدد ثلاثة مجالس تتباين في تشكيلها وأسلوب اختيار أعضائها وطبيعة مهامها، الأمر الذي استهدف عدم انفراد أحد هذه المجالس بسلطة التشريع والرقابة، على النحو الآتي:
1. مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)
أ. يتكون من 270 عضواً، يتم انتخابهم بالاقتراع المباشر لدورة مدتها أربع سنوات، يمثلون جميع المحافظات الإيرانية طبقاً للوزن النسبي لتعداد السكان، ويضاف للمجلس عضو مع كل زيادة في تعداد السكان مقدارها مليون فرد.
ب. تتمثل مهامه في تشريع القوانين فى إطار الدستور ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.
ج. لا تكتسب أي قرارات أو قوانين صادرة عن المجلس الصفة الدستورية إلا بموافقة "مجلس صيانة الدستور" عليها.
د. حال اختلاف مجلس الشورى مع مجلس صيانة الدستور بشأن إحدى القضايا، تحال إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام للبت فيها والفصل بين المجلسين بشأنها.
2. مجلس صيانة الدستور
أ. يتكون من 12 عضواً مشكلين في فئتين رئيستين كالآتي:
(1) الفئة الأولى:
الفقهاء بواقع ستة أعضاء، يختارهم المرشد العام (الولي الفقيه)، من رموز المؤسسة الدينية بالتنسيق مع مجلس الخبراء.
(2) الفئة الثانية:
رجال القانون بواقع ستة أعضاء، يختارهم مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) من أعضاء السلطة القضائية وبموجب ترشيح من رئيسها.
ب. يغلب على طبيعة مهام المجلس الصفة الرقابية حيث يتولى مراجعة القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، من حيث مدى تطابقها مع أحكام الشريعة الإسلامية وفقه المذهب الشيعي من ناحية، وعدم مخالفتها لأحكام الدستور من ناحية أخرى، ثم إجازتها أو حجب صدورها.
ج. جرى تقنين نظام التصويت داخل المجلس بما يعطى السيطرة لرجال الدين على قراراته (أعضاء الفئة الأولى)، حيث يختصون وحدهم بالتصويت على المسائل الفقهية، في حين يشتركون مع رجال القانون (أعضاء الفئة الثانية) في التصويت على باقي القضايا، على أن لا تُجاز إلا بموافقة 75% من الأعضاء، وبما يستلزم موافقة ثلاثة أعضاء على الأقل من الفقهاء لإجازة أي قرار.
د. رئيس مجلس صيانة الدستور الحالي هو "أحمد جنتى" أحد رموز المؤسسة الدينية وينتمي للتيار المحافظ.
3. مجلس تشخيص مصلحة النظام
أ. يتشكل من رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بالإضافة إلى بعض رموز المؤسسة الدينية، ويمكن ضم أعضاء آخرين لعضوية المجلس بصورة مؤقتة (نيابيين - وزراء - خبراء)، طبقاً للموقف وطبيعة القضية المعروضة عليه لبحثها.
ب. حدد الدستور مهام المجلس فى الفصل بين مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) من ناحية، ومجلس صيانة الدستور من ناحية أخرى، فيما استحكم بينهما من خلاف بشأن إحدى القضايا على أساس المصلحة العليا للدولة.
ج. طُوِّر دور المجلس (دون إجراء تعديل دستوري)، ليكون بمنزلة هيئة استشارية عليا للمرشد العام (الولي الفقيه)، ويشارك في صنع القرار وترسيم السياسات العامة للدولة، إلى جانب مهامه السابقة.
د. رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الحالي هو الرئيس السابق حجة الإسلام "هاشمي رافسنجاني".
ثالثاً: السلطة التنفيذية
وفقاً للدستور وطبيعة نظام الحكم في إيران، فإن السلطة التنفيذية لا تتعدى صلاحياتها تسيير الإجراءات الإدارية، ولا ترقى تلك الصلاحيات إلى درجة رسم السياسات العامة للدولة.
وتنقسم للآتي:
1. رئيس الجمهورية
أ. ينتخب بالاقتراع المباشر لفترة رئاسية مدتها أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متعاقبتين.
ب0 يٌعد الرجل الثاني في هيكل النظام السياسي بإيران بعد المرشد العام من الناحية الدستورية، إلا أن حقائق الوضع تشير لعكس ذلك، حيث لا تتعدى الصلاحيات الدستورية الممنوحة له صلاحيات رئيس الوزراء بالنظم الديموقراطية المتعارف عليها.
ج. يخضع لمسائلة مجلس الشورى وسلطة المرشد العام
د. يُعد المسؤول الأول عن تطبيق الدستور
هـ. يتولى تسمية الوزراء، بينما يقوم مجلس الشورى بالتصديق على تعيينهم، عدا وزيري الدفاع والخارجية، حيث يعينهم المرشد.
و. تتبعه مباشرة بعض المؤسسات الرئاسية مثل منظمة الطاقة الذرية، ومنظمة التخطيط والميزانية، ومنظمة الحفاظ على البيئة، ومنظمة الشؤون الإدارية.
ز. الرئيس الحالي هو "محمود أحمدي نجاد"، وتنتهي فترة رئاسته الثانية في يونيه 2013.
2. الحكومة
أ. تضم في عضويتها 22 وزارة، روعي في اختيار وزرائها التوازن بين القوى السياسية الإيرانية (المحافظون – الإصلاحيون – احتفاظ المرشد بتسمية وزراء الدفاع – الخارجية)، وكذا تمثيل الأقاليم الإيرانية المختلفة والأقليات بها.
ب. لا يوجد منصب لرئيس الوزراء، منذ عام 1989، إذ ألغي مع بداية تولى الرئيس السابق "هاشمي رافسنجاني" للحكم.
رابعاً: السلطة القضائية
1. تتكون من رئيس السلطة القضائية الذي يختاره المرشد العام من رجال الدين، ومستويات مختلفة من الأجهزة القضائية التي تعمل تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى، بالإضافة إلى (القضاء الخاص - القضاء العسكري - القضاء الإداري - محكمة رجال الدين).
2. يستمد القانون الإيراني أحكامه من الشريعة الإسلامية (المذهب الشيعي).
3. تتمتع السلطة القضائية بنفوذ هائل وتعد معقلاً للتيار المحافظ ورجال الدين.
4. تتسم السلطة القضائية بإيران عن مثيلاتها بباقي الدول فى أنها تمتلك حق إقامة الدعوى دون الحاجة لإجراء من السلطة التنفيذية.
5. تمتلك جهاز شرطة خاص (شرطة قضائية)، وجهازاً لتنفيذ الأحكام (سجون مستقلة)، بما يمكنها من تنفيذ الأحكام دون الرجوع لوزارة الداخلية.
6. رئيس السلطة القضائية الحالي "آية الله صادق لاريجاني"، أحد رموز المؤسسة الدينية.