أين تكمن الصعوبة في فهم المصطلح؟
د. محمد أحمد القرشي
وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف
الإمارات العربية المتحدة
------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين البشير النذير والسراج المنير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:
فإن أكثر ما يتألم به الإنسان عندما يضع المعروف عند غير أهله؛ كما في المثل: (زرع أترجة وعند الحصاد وجد حنظلاً) وهو حال كثير ممن يحسب على العلم من الأساتذة فيجد بعد برهة من الزمن أن ما بذله من جهد فى سبيل إيصال العلم قد ذهب سدى سيما فى عصرنا الحاضر الذى كثرت فيه الملاهى والمشاغل والأهم من ذلك عدم وجود النية الخالصة والرغبة الصادقة عند الطالب فى تلقى العلم الشرعى ومنه الحديث الشريف وعلومه.

فينتهى الأمر فى كثير من الأحيان فى آخر المطاف كما ذلك التائه الذى ضل السبيل فسأل سائلاً؛ فقال له: أترى ذلك الجمل الذى بقرب الجبل؟ قال وأين الجبل؟

هذا ما يجده كثير ممن قام بتدريس (مصطلح الحديث) يسأل الأستاذ الطالب عن إسناد الحديث فيقول: أى حديث؟وعلى هذا فقس.

السؤال المطروح هنا، أين تكمن الصعوبة فى فهم المادة؟ وهل المادة صعبة جدا حتى يستصعبها كثير من طلاب العلم خاصة طلاب الجامعات والكليات؟ من السبب فى ذلك؟ هل هو الأستاذ؟ أو الطالـب؟ أو المـادة العلمية؟ أو الجميع، الأسـتاذ والطالـب بالإضافـة إلى المادة العلمية؟ أم أن هناك سببا آخر؟

أقول وبالله التوفيق إضافة إلى العناصر الثلاثة هناك عنصر آخر لم يكن فى أسلافنا ولعله السبب الأهم فيما يجده كثيرمن طلاب العلم من الصعوبة فى فهم المادة ألا وهو: أنظمة وقوانين ولوائح بعض الجامعات والكليات وقبل ذلك مناهج التعليم الدراسية وأقصد بذلك المناهج المدرسية وأيضاً مقررات بعض الجامعات والكليات.

كما هو معلوم أن العلماء المصنفين وضعوا شروطاً (آداب) للأستاذ وأُخر للتلميذ وهذه الشروط (الآداب) لابد وأن تتوافر فى الأستاذ والتلميذ فإن اختل شرط واحد اختلت الشروط الأخرى وعندئذ تنزع البركة من العلم ودخل الجميع فى متاهات ومشكلات علمية ثم يبدأ القيل والقال وكثرة السؤال عن السبب فى ذلك.

وندوتنا هذه ما كانت لتُنظم ولا لتُعقد إلا بسبب مخالفة هذه الشروط، خاصة من قبل الطالب فكانت النتيجة التى نراها بحسرة وندامة.

وإنى إذ أقدم هذاالبحث المتواضع لأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعله فى ميزان من جلست فى حلقاتهم على الركب من المشايخ الكرام، الأحياء منهم والأموات، إنه سميع مجيب.
وقد اشتمل هذا البحث المتواضع بعد هذه المقدمة على أربعة مباحث وخاتمة.

المبحث الأول:- الشيخ الأستاذ:
وضع العلماء المصنفون شروطا وقواعد (الآداب) للأستاذ لتكون نبراسا لهم ولطالب العلم.

ومن هذه الشروط والقواعد(الآداب):-
1- تصحيح النيه كما قـال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى..) فيجب أن تكون نية الأستاذ خالصة لله تعالى لا تشوبها أى شائبة وذلك بأن ينوى نشر العلم وبث الفوائد الشرعية.

2- قبل الجلوس فى حلقة العلم يصلى ركعتي الإستخارة.

3- أن يستقبل القبلة عند جلوسه فى حلقة العلم إن إمكن.

4- تطهير القلب من أعراض الدنيا وحطامها كحب المنصب والسيادة والسمعة والرياء والجدال والحسد والغيبة والنميمة وقول الزور، والكذب والتنافس على المال والجاه.

5- الإبتعاد عن مواضع الشبهات.

6- التحلي بالأخلاق الفاضلة وحسن السمت وما كان عليه السلف الصالح، والظهور بالمظهر الحسن من اللبس والتطيب وتسريح اللحية، والإستياك والجلوس بوقار وهيبة والتلطف مع الجلساء وتوقير الأفاضل بالسن والشرف والصلاح ويتقى المزاح وكثرة الضحك.

7- أن يفتح الأستاذ مجلسه بتحميد الله وبالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابـه ويترضى عن أئمة المسلمين ويختمه أيضا بالتحميد والصلاة مع الدعاء للمسلمين.

لذلك فإن الإخلال بهذه القواعد سيؤثر بلاريب تأثيرا كبيرا على طالب العلم فتنزع البركة من العلم أولا؛ ثم يجد الطالب صعوبة فى فهم المادة فيجب على الأستاذ أن يعض على هذه القواعد بالنواجذ ويطبقها بحذافيرها وهذا ما رأيته فى كثير من مشايخي وغيرهم من المشايخ ولله الحمد.

المبحث الثانى:- الطالب:
فكما وضع أصحاب الشأن قواعد وشروطاً (آداب) للأستاذ وضعوا قواعد وشروطاً (آداب) للطالب ليتمكن من فهم العلم وحفظه.

منها:-
1- إخلاص النيه لله تعالى فى طلب العلم بأن يقصد به وجه الله تعالى والعمل به ونشره.

2- الإبتعاد عن أى مطلب دنيوى من خلال العلم من جاه ومنصب ومال وغير ذلك.

3- أن يطهر قلبه من غش ودنس وغل وحسد وسوء نية وخلق.

4- أن يتخلق بالخلق الفاضلة كالتواضع والظهور بالمظهر الحسن من لبس وطيب وغيرهما.

5- أن يعمل بما سمعه من أستاذه.

6- أن يوقر أستاذه ولا يضجره.

7- ألا يستحي من السؤال.

8- ألا يتكبر ولا يحتقر غيره من أقرانه أو من هم دونه في العلم أو السن.

9- أن يترك العشرة السئية كأصحاب سوء وجهل.

10- أن يحفظ بصره من النظر إلى المحرمات ويبتعد عن سائر المعاصى.

11- أن يكون مطعمه ومشربه حلالاً.

ويبدو للعبد الفقير كاتب هذه الأسطر أن المشكلة تكمن فى الغالب في طلاب العلم الذين يلتحقون ببعض الجامعات والكليات لا لنيل العلم الشرعى على وجه الخصوص بل لنيل الشهادة الجامعية والتى تسمى بالإجازة.

وذلك لأسباب عديدة:-
1- يلاحظ أن أكثر الجامعات والكليات الشرعية تقبل الطالب المتقدم للإلتحاق بها دون أن تحدد النسبة المئوية للنجاح (المعدل) للقبول كما هو الحال فى الكليات الأخرى وإن حددت فبنسبة ضئيلة لا تتعدى الستين في المئة.

2- السعى لنيل ترقية أو درجة فى مكان عمله من خلال الحصول على مثل هذه الشهادة.

فإن كانت نية الطالب هى الحصول على الشهادة فلا يختلف اثنان أنها ليست خالصة لوجه الله تعالى ومن ثم يقع الطالب فى براثن الدنيا وزينتها الزائفة من حب المال والجاه، فتشب النفس على السعى للحصول على حطام الدنيا بأى طريقة شاء.

المبحث الثالث: المادة العلمية:
يلاحظ أن لوائح وقوانين وأنظمة بعض الجامعات والكليات لا تساعد على إيصال العلم الشرعى إلى طلابه على الوجه المطلوب وذلك لأسباب كثيرة.

منها:
أن بعض الكليات الشرعية تقرر كتابا مختصرا في علوم الحديث وقد رأيت ذلك عند تدريسي مادة علوم الحديث في أكثر من كلية وكان اختصارالكتاب مخلا ومهملا لكثير من مصطلحات علوم الحديث ولتعريفاتها؛ ولعل السبب في ذلك الوقت المقرر لتدريس المادة في الجامعات والكليات ومنها عدم تطبيق كثير من المصطلحات تطبيقا عمليا كالمصافحة والمساواة والموافقة والبدل والشاهد والمتابع والادراج وغيرها فيجد الطالب صعوبة بالغة فى فهمها واستيعاب مضامينها، وقد رأى العبد الضعيف كاتب هذه الأسطر مثالا حيا لذلك فقد ناقشني أحد طلبة العلم من الذين يحكمون على الأحاديث صحة وضعفا؛ فاتضح لي فى نهاية الأمر أن هذا الطالب لم يفهم تلك المصطلحات أثناء الدراسة كالمصافحة والمساواة فلفهم المادة يجب أن تطبق المصطلحات تطبيقا عمليا كل مصطلح على حدة.

ولا مانع من ذكر مثال واحد فقط للتطبيق العملى:-
المصافحة:
هي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المصنفين؛ وسميت المصافحة لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا.

ولتطبيق هذا المصطلح تطبيقا عمليا نرجع إلى كتب المتأخرين كالمشيخات والبرامج والأثبات فعلى سبيل المثال يقول النجيب الحرانى: بعد أن روى حديثاً بإسناده: (ومن حيث العدد كأننى سمعته من النسائى وصافحته به).
                    عبد اللطيف الحرانى    النسائى
أبو شجاع الحرانى    محمد بن عبد الله بن يزيد 
أبوالحسن بن عبدالسلام    عبد الله بن يزيد 
أبو محمد بن هزار مرد    عثمان بن عمرو 
أبو القاسم بن حبابه    سعيد البغوى
إبراهيم على بن الجعد    ابن الهاد شعبة
أبو إسحاق أبو إسحاق    البراء البراء
فإسناد عبداللطيف الحراني المتكون من أبي شجاع إلى البراء يستوي مع الإسناد المتكون من النسائي إلى البراء في العدد فكأن عبداللطيف سمع من النسائي وصافحه من حيث العدد
فإن طبق مثل هذه الأسانيد تطبيقاً عملياً فإنني أرى أن الطالب لا يجد صعوبة فى فهم هذا المصطلح وكثير من كتب المختصرات تكتفي بتعريفات هذه المصطلحات دون ذكر أمثلة تطبيقية ولو أجلت هذه المصطلحات إلى المستويات العليا لكان أفضل.

المبحث الرابع: أنظمة ولوائح وقوانين بعض الجامعات والكليات:

إن أنظمة ولوائح وقوانين الجامعات والكليات لا تناسب بأى حال من الأحوال العلوم الشرعية بدءا من الجلوس فى القاعات الدراسة لسويعات معدودة فى الفصل الدراسى الواحد حيث لا تتعدى الساعات المعتمدة لأى مادة 30 ساعة دراسية ومنها المصطلح فأنى للطالب من فهم المادة فهما جيدا وكيف يتمكن من استيعابها خلال هذه المدة الوجيزة مقارنة بمن يقرأ على شيخ فى حلقته التقليدية؛ فإن قارنا بين الطالب الذي يدرس في الكلية والطالب الذي يدرس في الحلقة التقليدية للشيخ وجدنا أن الطالب الذي يدرس في الكلية يخرج بحصيلة مقدارها 30 ساعة دراسية في مادة علوم الحديث في 4 سنوات بينما الطالب الذي يدرس على الشيخ في حلقته التقليدية يخرج بحصيلة مقدارها 1000 ساعة دراسية في مادة علوم الحديث بمعدل 5 ساعات في الأسبوع في 4 سنوات.

فهل هناك وجه للمقارنة بين الحلقات التقليدية وبين قاعات الجامعات والكليات؟

الخاتمة:ـ أسأل الله حسنها ـ
أسجل فيها بعض المقترحات:
1- زيادة عدد الساعات المعتمدة لمادة الحديث.
2- تخصيص كتاب من كتب العلماء القدامى للتدريس.
3- تطبيق المصطلحات الحديثية تطبيقا عمليا وعلى وجه الخصوص دراسة الأسانيد والتخريج.
4- حث الطلاب على إخلاص النية لله تعالى.
5- رفع معدل القبول بحيث لا يقبل من كان معدله أقل من 80%.
6- إقامة الندوات والمؤتمرات بصفة دورية لمعرفة مكامن الخطأ أولا بأول.
7- حث الطلاب على التمسك بالسنة الشريفة وعلى العمل بما سمعوا.
8 ـ اجراء مقابلة شخصية لكل طالب يتقدم لأي كلية شرعية لمعرفة خلفيته الشرعية و مدى رغبته في طلب العلم كما هو الحال في بعض الجامعات كجامعة أم القرى بمكة المعظمة.