اليوم الخامس عشر: إياك والكسل والفتور
بقلم: الشيخ عوينات محي الدين
من طبيعة النفوس البشرية أنها قد تصاب بالملل، وقد يعتريها السآمة، وقد تمرض بالفتور والكسل. ومعرفة هذه الطبيعة تجعل المسلم مستعداً لما يتجدد على نفسه من أحوال .
وشهر رمضان شهر مليء بالطاعات والخيرات من صيام وقيام وأذكار وصدقات وغيرها من وجوه البر، وها نحن قد صرنا بفضل الله تعالى في منتصف الشهر الكريم، فأحببت أن أذكر إخوتي بما يقيهم آفة الفتور والكسل التي قد يصاب بها المسلم بعد اجتهاده في العبادة.
والفتور مرض يتسم بالتسلل الخفي حينما يريد أن يدس داءه في قلب المسلم أو عقله ، ولقد تنوعت في هذا الزمان وسائل الفتور ، وتعددت صوره ، فهو قد يأتي في شكل شئ من الكآبة والضيق أحيانًا، أو الحيرة و الشرود، أو الخوف و القلق، أو الانطواء و العزلة، أو نحو ذلك .
والفتور : هو انكسار وضعف وخور، وهو حتماً لا يصيب إلا من كان له نصيب عظيم من الاجتهاد والتشمير، فهذا الانكسار غالباً تقدمه صلابة وشدة، ولهذا قال علماء اللغة : ( فتر : أي سكن بعد حِدّة، ولان بعد شِدّة ).
فالفتور إذًا مرض يصيب الأقوياء ، ويترصد لكل من يتطلع إلى الكمال في دينه ، وعلى هذا فإن الأمر يزداد خطورة ؛ إذ أن أهم المقصودين هنا هم شريحة أهل الإيمان من العاملين المنتجين ، والمبدعين المتفوقين ، الذين تنهض عليهم الأمة ، وتنقاد لهم سفينتها .
وإذا أردت أخي أن تعرف : هل أنت مصاب بالفتور أم لا ؟ فعليك أن تنظر في نفسك عن بعض الأعراض والمظاهرالآتية:
• حينما تشعر بقسوة في قلبك فلم يعد فيه الخشوع الذي كنت تحس به من قبل ، وتشعر بجمود في عينك فلم تعد تبكي من خشية الله تعالى كما كانت.
• حينما تجد نفسك متهاون في الطاعات ، وليس لديك الحرص الشديد على اكتساب الحسنات، وتجد نفسك تفرط في أداء النوافل بل تضيع الفرائض.
• حينما ترى من نفسك إقبالاً على المعاصي وارتكاباً لها، ومجاهرة في فعلها، وقد قل حياؤك من ربك فجعلته أهون الناظرين إليك.
• حينما لا تجد في قلبك الغضب والحمية عندما ترتكب الفواحش والمحرمات، أو تهان المقدسات، أو تراق دماء المسلمين، أو يعم الفساد وتخرب البلاد.
• حينما لا تجد لديك الدافع للشكر على السراء، ولا للصبر على الضراء، ولا للمداومة على الذكر والاستغفار.
• حينما تشعر أن بينك وبين الناس وحشة وقطيعة خاصة أهل الإيمان منهم، وتجد فساداً في علاقاتك بزوجتك وأولادك وأرحامك.
• حينما تشعر بأن هموم العالم قد تراكمت على رأسك، والانقباض يسيطر على نفسك.
عندما تجد فيك هذه الأعراض أو بعضها تعلم أنك مصاب بمرض الفتور، وحينئذ ابدأ في البحث عن الدواء، فإن الله تعالى لم ينزل داءً إلا جعل له دواءً.
وأدوية هذا المرض المدمر للإنسان تكون بعون الله تعالى في اتباع الخطوات الآتية:
• الأولى: أن يسأل الله بصدق وإخلاص إصلاح حاله ويكثر من التضرع ومناجاة الله ويداوم على ذلك ويتخير الأوقات والأماكن الفاضلة ،وكان من أذكار النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال .
• الثاني : أن يتفقه في دين الله القدر الذي يرفع الجهل عنه، ويكشف الشبهات، ويدفع الوساوس والخطرات، ويحميه من الشهوات.
• الثالث: أن يحرص على الرفقة الصالحة، والاختلاط بأهل الإيمان، وتلك الخلطة هي التي التي تصلح قلبه، وتحفظ دينه، وتقوي نشاطه في الخير.
• الرابع : أن يبتعد عن البيئة الفاسدة وأهل الشهوات بكل وسيلة ، ولذلك أرشد الشارع الحكيم التائب من المعصية بتغيير بيئته والانتقال من مكان المعصية والغفلة.
• الخامس : أن يحرص على علاج المشكلة والحالة التي ألمت به من أول الأمر، ولا يهملها حتى تتفاقم ، وينبغي له إذا شعر ببداية التغير والفتور البحث عن الأسباب وإيجاد الحلول لذلك.
• السادس : أن يعرض مشكلته على أهل الاختصاص من العلماء والتربويين والأطباء النفسيين، ويتواصل معهم حتى يناقشوا حالته ويشخصوها، ويوجدوا الحلول المناسبة لها ويرفعوا من معنوياته ومستواه النفسي بإذن الله .
• السابع : أن يجتهد في تحصيل أسباب زيادة الإيمان وصلاح القلب ورقته من الذكر والتوبة وتلاوة القرآن وزيارة القبور ومدارسة السيرة وغير ذلك.
• الثامن : أن يستعين بالله ويتوكل عليه ويستعيذ من شر الشيطان وشركه ، ويوقن أن الشفاء بيد الله وأن الله قادر على إصلاح حاله في أي وقت، وإنما الخلل أتى من جانبه ، فليحسن الظن بربه ويعظم الرجاء به .
ومع كل هذه الأسباب فلا تزال فرصة رمضان موجودة ، ولا زال نصف الشهر باق بإذن الله تعالى، فلنجتهد في سباق الخير، ولنجاهد أنفسنا حتى يرزقنا الله الهداية والتوفيق
" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وذريته أجمعين