أولاً - أحكام الجنـائز:
(1) - ما يجب على المريض.
1 - على المريض أن يرضى بقضاء الله، ويصبر على قدره، ويحسن الظن بربه، ذلك خير له.
2 - وينبغي عليه أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمة ربه.
3 - ومهما اشتد به المرض، فلا يجوز له أن يتمنى الموت، فإن كان لابد فاعلاً فليقل اللهم أحيينى ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفنى إذا كانت الوفاة خيراً لي.
4 - وإذا كان عليه حقوق فليؤدها إلى، أصحابها، إن تيسر له ذلك، وإلا أوصى بذلك.
5 - ولابد من الإستعجال بمثل هذه الوصية.
6 - ويجب أن يوصي لأقربائه الذين لا يرثون منه.
7- وله أن يوصي بالثلث من ماله، ولا يجوز الزيادة عليه، بل الأفضل أن ينقض منه.
8 - ويشهد على ذلك رجلين عدلين مسلمين، فإن لم يوجدا فرجلين من غير المسلمين على أن يستوثق منهما عند الشك بشهادتهما حسبما جاء بيانه فى القران.
9- وأما الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون من الموصي، فلا تجوز، لأنها منسوخة بآية الميراث، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم البيان في خطبته في حجة الوداع فقال لا وصية لورث. 10- ويحرم الإضرار في الوصية، كأن يوصي بحرمان بعض الورثة من حقهم من الإرث، أو يفضل بعضهم على بعض فيه. 11- والوصية الجائرة باطلة مردودة.
12- ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الإبتداع في دينهم، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز، كان من الواجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك.
(2) تلقين المحتضر:
13 - فإذا حضره الموت، فعلى من عنده أمور:
أ - أن يلقنوه الشهادة،
ب - أن يدعوا له،
ج - ولا يقولوا في حضوره إلا خيراً،
14 - وليس التلقين ذكر الشهادة بحضرة الميت وتسميعها إياه، بل هو أمره بأن يقولها خلافا لما يظن البعض.
15 - وأما قراءة سورة (يس) عنده، ّوتو جيهه نحو القبلة فلم يصح فيه حديث، بل كره سعيد بن المسيب توجيهه إليها، وقال: " أليس الميت امرأً مسلماً!؟ "
16- ولا بأس في أن يحضر المسلم وفاة الكافر ليعرض الإسلام عليه، رجاء أن يسلم.
(3) ما على الحاضرين بعد موته:
17 - فإذا قضى وأسلم الروح، فعليهم عدة أشياء:
أ، ب- أن يغمضوا عينيه، ويدعوا له أيضاً،
ج- أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه،
د- وهذا في غير من مات محرماً، فإما المحرم، فإنه لا يغطى رأسه ووجهه،
هـ- أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته،
و- أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه، ولا ينقلوه إلى غيره، لانه ينافي الإسراع المأمور به،
ز - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه، فإن لم تفعل، وتطوع بذلك بعضهم جاز، وينتفع الميت بقضاء الدين عنه ولو كان من غير ولده، وأن القضاء يرفع العذاب عنه،
(4) ما يجوز للحاضرين وغيرهم:
18- ويجوز لهم كشف وجه الميت وتقبيله، والبكاء عليه ثلاثة أيام،
(5) ما يجب على أقارب الميت:
19- ويجب على أقارب الميت الذين يبلغهم خبر وفاته أمران:
الأول: الصبر والرضا بالقدر، والصبر على وفاة الأولاد له أجرعظيم،
الأمر الثاني: مما يجب على الأقارب: الاسترجاع، وهو أن يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)،
20- ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها، حداداً على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة أشهر وعشراً،
21- ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاءً للزوج وقضاءً لوطره منها، فهو أفضل لها، ويُرجى لهما من وراء ذلك خيرٌ كثيرٌ كما وقع لأم سُلَيم وزوجها أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما،
(6) ما يحرم على أقارب الميت:
22- لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كان ولا يزال بعض الناس يرتكبونها إذا مات لهم ميت، فيجب معرفتها لاجتنابها، فلابد من بيانها:
أ- النياحة وهو الأمر الزائد على البكاء،
ب- ضرب الخدود،
ج- شق الجيوب،
د- حلق الشعر،
هـ- نشر الشعر،
و- إعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلة حزناً على ميتهم، فإذا مضت عادوا إلى حلقها! فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر، يضاف إلى ذلك أنه بدعة،وأما أصل إعفاء اللحية اتباعا للنبى صلى الله عليه وسلم كما هو واضح فسنة واجبة قصر الكثيرون بها،
ر - الإعلام عن موته على رؤوس المنائر ونحوها، لانه من النعي،
(7) النعي الجائز:
23 - ويجوز إعلان الوفاة إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده مَنْ يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه ونحو ذلك، وإذا كان هذا مسلماً، فالصياح بذلك على رؤوس المنائر يكون نعياً من باب أولى، ولذلك جزمنا به في الفقرة التي قبل هذه، وقد يقترن به أموراً أخرى هي في ذاتها محرمات أخر، مثل أخذ الأجرة على هذا الصياح! ومدح الميت بما يعلم أنه ليس كذلك،
24- ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس أن يستغفروا للميت، واعلم أن قول الناس اليوم في بعض البلاد: "الفاتحة على روح فلان" مخالف للسنة المذكورة، فهو بدعة بلا شك، لاسيما والقراءة لا تصل إلى الموتى على القول الصحيح إن شاء الله تعالى،
(8) علامات حسن الخاتمة:
25 - ثم إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة -كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه- فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له، ويا لها من بشارة،
الأولى: نطقه بالشهادة عند الموت،
الثانية: الموت برشح الحبين،
الثالثة: الموت ليلة الجمعة أو نهارها،
الرابعة: الإستشهاد في ساحة القتال،
(تنبيه):
ترجى هذه الشهادة لمَنْ سألها مخلصاً من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة،
الخامسة: الموت غازياً في سبيل الله،
السادسة: الموت بالطاعون،
السابعة: الموت بداء البطن،
الثامنة: الموت بالغرق،
التاسعة: الموت بالهدم،
العاشرة: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها،
الحادية عشرة: الموت بالحرق،
الثانية عشرة: الموت بذات الجنب، وهو ورم حار يعرض فى الغشاء المستبطن للأضلاع،
الثالثة عشر: الموت بداء السل،
الرابعة عشر: الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه،
الخامسة عشر: الموت في سبيل الدفاع عن الدين،
السادسة عشر: الموت فى سبيل الدفاع عن النفس،
السابعة عشرة: الموت مرابطا في سبيل الله،
الثامنة عشر: الموت على عمل صالح،
وينبغى أن لا تجزم بالشهادة على أحد إلا ما ورد الشرع بوصفه بذلك، فقد بوب البخارى باباً فى صحيحه بعنوان (باب لا يقول فلان شهيد)،
فهذا مما يتساهل فيه كثير من الناس فيقولون الشهيد فلان والشهيد فلان.. وإن كان لابد فاعلاً فليقل أحسبه شهيداً ولا أزكيه على الله،
(9) ثناء الناس على الميت:
26 - والثناء بالخير على الميت من جمع من المسلمين الصادقين، أقلهم اثنان، من جيرانه العارفين به من ذوي الصلاح والعلم موجب له الجنة -بفضل الله تعالى– الوفاة عند الكسوف،
27 - وإذا اتفق وفاة أحد مع انكساف الشمس أو القمر، فلا يدل ذلك على شئ، واعتقاد أنه يدل على عظمة المتوفي من خرافات الجاهلية التي أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات صابنه ابراهيم عليه السلام،
(10) غسل الميت:
28 - فإذا مات الميت وجب على طائفة من الناس أن يبادروا إلى غسله،
29- ويراعى فى غسله الأمور الأتية:
أولاً: غسله ثلاثاً فأكثر على ما يرى القائمون على غسله،
ثانياً: أن تكون الغسلات وتراً،
ثالثاً: أن يقرن مع بعضها سدر، أو ما يقوم مقامه في التنظيف، كالأشنان والصابون،
رابعاً: أن يخلط مع آخر غسلة منها شئ من الطيب، والكافور أولى، إلا المحرم فإنه لا يجوز تطييبه،
خامساً: نقض الضفائر وغسلها جيداً،
سادساً: تسريح شعره،
سابعاً: بجعله ثلاث ضفائر للمرأة وإلقاؤها خلفها،
ثامناً: البدء بميامنه ومواضع الوضوء منه،
تاسعاً: أن يتولى غسل الذكر الرجال، والأنثى النساء إلا الزوجان فإنه يجوز لكل منهما أن يتولى غسل الآخر،
عاشراً: أن يغسل بخرقة أو نحوها تحت ساتر لجسمه بعد تجريده من ثيابه كلها، فانه كذلك كان العمل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم،
حادي عشر: ويستثني مما ذكر في (رابعاً) المحرم، فإنه لا يجوز تطييبه،
ثاني عشر: ويستثنى أيضاً مما ورد في (تاسعاً) الزوجان فإنه يجوز لكل منهما أن يتولى غسل الأخر، إذ لا دليل يمنع منه، والأصل الجواز،
ثالث عشر: أن يتولى غسله مَنْ كان أعرف بسنة الغسل، لاسيما إذا كان من أهله وأقاربه،
30 - ولمن تولى غسله أجر عظيم بشرطين اثنين:
الأول: أن يستر عليه، ولا يحدث بما قد يرى من المكروه،
الثاني: أن يبتغي بذلك وجه الله، لا يريد به جزاءً ولا شكوراً ولا شيئاً من أمور الدنيا،
31 - ويستحب لمَنْ غسَّله أن يغتسل،
32 - ولا يشرع غسل الشهيد قتيل المعركة، ولو اتفق أنه كان جنباً،
(11) تكفين الميت:
33 - وبعد الفراغ من غسل الميت، يجب تكفينه، لامر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث المحرم الذي وقصته الناقة،
34 - والكفن أو ثمنه من مال الميت، ولو لم يخلف غيره،
35 - وينبغي أن يكون الكفن طائلاً سابغاً يستر جميع بدنه وأن يكون حسناً، والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره، وتوسطه، وليس المراد به السَّرف فيه والمُغالاة، ونفاسته،
36 - فإن ضاق الكفن عن ذلك، ولم يتيسر السابغ، ستر به رأسه وما طال من جسده، وما بقي منه مكشوفا جعل عليه شئ من الاذخر أو غيره من الحشيش،
37 - وإذا قلت الأكفان، وكثرت الموتى، جاز تكفين الجماعة منهم في الكفن الواحد، ويقدم أكثرهم قرآناً إلى القبلة، وجاز أن يقسم الثوب الواحد بين الجماعة، فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة، وأن لم يستر إلا بعض بدنه،
38 - ولا يجوز نزع ثياب الشهيد الذي قتل فيها، بل يدفن فيها،
39 - ويستحب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه،
40 - والمحرم يكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما،
41 - ويستحب في الكفن أمور:
الأول: البياض،
الثاني: كونه ثلاثة أثواب،
الثالث: أن يكون أحدها ثوب حبرة وهو ما كان من البرود مخططاُ إذا تيسر،
الرابع: تبخيرة ثلاثاً، إلا المُحرم فلا يبخر،
42 - ولا يجوز المغالاة في الكفن، ولا الزيادة فيه على الثلاثة لانه خلاف ما كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إضاعة للمال وهو منهى عنه لاسيما والحي أولى به،
43 - والمرأة في ذلك كالرجل، إذا لا دليل على التفريق،
(12) حمل الجنازة واتباعها:
44 - ويجب حمل اجنازة واتباعها، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين،
45 - واتباعها على مرتبتين:
الأولى: اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها،
والأخرى: اتباعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها،
وكل منهما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
46 - ولا شك في أن المرتبة الأخرى أفضل من الأولى،
47 - وهذا الفضل في اتباع الجنائز، إنما هو للرجال دون النساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباعها، وهو نهى تنزيه،
48 - ولا يجوز أن تتبع الجنائز بما يخالف الشريعة مثل رفع الصوت واتباعها بالبخور،
49 - ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة، لانه بدعة،
وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الألات الموسيقية أمامها عزفاً حزيناً كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية تقليداً للكفار،
50 - ويجب الإسراع في السير بها، سيراً دون الرمل،
51 - ويجوز المشي أمامها وخلفها، وعن يمينها ويسارها، على أن يكون قريباً منها، إلا الراكب فيسير خلفها،
52 - وكلاً من المشي أمامها وخلفها، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً،
53 – لكن الأفضل المشي خلفها،
54 - ويجوز الركوب بشرط أن يسير وراءها لكن الأفضل المشي، لأنه المعهود عنه صلى الله عليه وسلم،
55 - وأما الركوب بعد الانصراف عنها فجائز، بدون كراهة،
56 - وأما حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز، وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات، فهذه الصورة لا تشرع البتة،
57 - والقيام لها منسوخ، وهو على نوعين:
أ - قيام الجالس إذا مرت به،
ب - وقيام المشيع لها عند انتهائها إلى القبر حتى توضع على الأرض،
58 - ويستحب لمَنْ حملها أن يتوضأ،
( 13 ) الصلاة على الجنازة:
59 - والصلاة على الميت المسلم فرض كفاية،
60 - ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما:
الأول: الطفل الذي لم يبلغ،
الثاني: الشهيد، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد، ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة عليهما بدون وجوب،
61 - وتشرع الصلاة على من يأتي ذكرهم:
الأول: الطفل، ولو كان سقطا (وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه)،
الثاني: الشهيد،
الثالث: من قتل فى حد من حدود الله،
الرابع: الفاجر المنبعث في المعامي والمحارم، مثل تارك الصلاة والزكاة مع اعترافه بوجوبهما، والزاني ومدمن الخمر، ونحوهم من الفساق فإنه يصلي عليهم، إلا أنه ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليهم، عقوبة وتأديبا لأمثالهم،
الخامس: المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه، وإنما ترك رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة عليه في أول الأمر،
السادس: من دفن قبل أن يصلى عليه، أو صلى عليه بعضهم دون بعض، فيصلون على قبره، على أن يكون الإمام فى الصورة الثانيه ممن لم يكن صلى عليه،
السابع: من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه، صلاة الحاضر، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي،
62 - وتحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وإنما يتبين كفرهم،
بما يترشح من كلامتهم من الغمز في بعض أحكام الشريعة وأشتهجانها، وزعمهم أنها مخالفة للعقل والذوق!،
63 - وتجب الجماعة في صلاة الجنارة كما يجب في الصلوات المكتوبة، بدليلين الأول: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها،
الأخر: قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموتي أصلي"، فإن صلوا عليها فرادى سقط الفرض، وأثموا بترك الجماعة،
64 - وأقل ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة،
65 - وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع،
66 - ويستحب أن يصفوا وراء الإمام ثلاثة صفوف فصاعداً وأقل ما يسمى صفاً رجلان، ولا حد لأكثره,
67 - وإذا لم يوجد مع الإمام غير رجل واحد، فإنه لا يقف حذاءه كما هو السنة في سائر الصلوات بل يقف خلف الإمام،
68 - والوالي أو نائبة أحق بالإمامة فيها من الولي،
69 - فإن لم يحضر الوالي أو نائبه، فالأحوط بالامامة أقررهم لكتاب الله، ثم على الترتيب الذي ورد ذكره أحاديث الإمامة
ويؤمهم الأقرأ ولو كان غلاما لم يبلغ الحلم،
70 - إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء، صلي عليها صلاة واحدة، وجعلت الذكور -ولو كانوا صغاراً- مما يلي الإمام، وجنائز الإناث مما يلي القبلة،
70 - ويجوز أن يصلى على كل واحدة من الجنائز صلاة، لأنه الأصل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أحد،
72 - وتجوز الصلاة على الجنازة في المسجد،
73 - لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الغالب على هديه فيها،
74 - ولا تجوز الصلاة عليها بين القبور،
75 - ويقف الإمام وراء رأس الرجل، ووسط المرأة،
76 - ويكبر عليها أربعاً أو خمساً، إلى تسع تكبيرات، كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأيها فعل أجزأه، والأولى التنويع، فيفعل هذا تارة، وهذا تارة، كما هو الشأن في أمثاله مثل أدعية الاستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الإبراهيمية ونحوها، وإن كان لابد من التزام نوع واحد منها فهو الأربع لأن الأحاديث فيها أكثر،
77 - ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى،
قلت:
ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى، فلا نرى مشرعية ذلك،
78 - ثم يضع يده اليمني على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم يشد بينهما على صدره، وأما الوضع تحت السرة فضعيف اتفاقاً،
79 - ثم يقرأ عقب التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة، ولا يشرع دعاء الاستفتاح،
80 - ويقرأ سراً،
81 - ثم يكبر التكبيرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم،
وأما صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة فلم أقف عليها في شئ من الأحاديث الصحيحة، فالظاهر أن الجنازة ليس لها صيغة خاصة، بل يؤتى فيها بصيغة من الصيغ الثابتة في التشهد في المكتوبة،
82 - ثم يأتي ببقية التكبيرات، ويخلص الدعاء فيها للميت،
83 - ويدعوا فيها بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأدعية وقد وقفت منها على أربعة:
أ - " اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت (وفي رواية: كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً (وفي رواية: زوجة) خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار"،
ب – "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم مَنْ أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده"،
ج – "اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك الغفور الرحيم"،
د - "اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسناً فزد في حسناته، إن كان مسيئاً فتجاوز عنه". ثم يدعوا بما شاء الله أن يدعوا،
84 - والدعاء بين التكبيرة الأخيرة والتسليم مشروع،
85 - ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه، والأخرى عن يساره،
86 - ويجوز الإقتصار على التسليمة الأولى فقط،
87 - والسنة أن يسلم في الجنازة سراً، الإمام ومَنٍ وراءه في ذلك سواء،
88 - ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها وهى حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، إلا لضرورة،
14 - الدفن وتوابعه:
89 - ويجب دفن الميت ولو كان كافراً،
90 - ولا يدفن مسلم مع كافر، ولا كافر مع مسلم، بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين، والكافر في مقابر المشركين، كذلك كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر إلى عصرنا هذا،
91 - والسنة الدفن في المقبرة، لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته عليه الصلاة والسلام،
92 - ويسثني مما سبق الشهداء في المعركة، فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر،
93 - ولا يجوز الدفن في الأحوال الأتية إلا لضرورة:
أ- الدفن في الأوقات الثلاثة المنهى عنها حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب،
ب- فى الليل،
94 - فإن اضطر لدفنه ليلاً، جاز ولو مع استعامل المصباح والنزول به في القبر، لتسهيل عملية الدفن،
95 - ويجب إعماق القبر، وتوسيعه وتحسينه،
96 - ويجوز في القبر اللحد -وهو الشق في عرض القبر من جهة القبلة- والشق -وهو الضريح وهو أن يحفر إلى أسفل كالنهر- لجريان العمل عليهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأول أفضل،
97 - ولا بأس من أن يدفن فيه اثنان أو أكثر عند الضرورة، ويقدم إفضلهم، ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال، وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها، وهي خلفه، ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب.
98 - ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى -الرجال دون النساء لأمور:
الأول: أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم،
الثاني :أن الرجال أقوى على ذلك،
الثالث: لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شئ من أبدانهن أمام الأجانب وهو غير جائز،
99 - وأولياء الميت أحق بإنزاله، وهم الأب وآباؤه، والإبن وأبناؤه: ثم الإخوة الأشقاء، ثم الذين للأب، ثم بنوهم، ثم الأعمام للأب والأم ثم للأب ثم بنوهم، ثم كل ذي رحم محرمة،
100 - ويجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته،
101 - لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة، وإلا لم يشرع له دفنها، وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور،
102 - والسنة إدخال الميت من مؤخر القبر،
103- ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها، على هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض، 104 - ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسول الله، أو: ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم"،
أو يقول: "بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم"،
105 - ويستحب لمَنْ عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعاً بعد الفراغ من سد اللحد،
وأما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الأولى (منها خلقناكم)، وفي الثانية (وفيها نعيدكم)، وفي الثالثة (ومنها نخرجكم تارة أخرى) فلا أصل له في شئ من الأحاديث،
106 - ويُسن بعد الفراغ من دفنه أمور:
الأول: أن يرفع القبر عن الأرض قليلاً نحو شبر، ولا يسوى بالأرض، وذلك ليتميز فيُصان ولا يُهان،
الثاني: أن يُجعل مسنماً،
الثالث: أن يُعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله،
الرابع: أن لا يُلقن الميت التلقين المعروف اليوم، لأن الحديث الوارد فيه لا يصح بل يقف على القبر يدعو له بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بذلك،
107 - ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن تذكير الحاضرين بالموت وما بعده،
108 - ويجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك،
109 - ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه، والعبد لا يدري أين يموت، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت، فهذا يكون بالعمل الصالح،
(15) – التعزية:
110 - وتشرع تعزية أهل الميت،
111 - ويعزيهم بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم على الرضا والصبر، مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، إن كان يعلمه ويستحضره، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع، مثل "إن لله ما أخذ، و (لله) ما أعطي، وكل شئ عنده إلى أجل مسمى فلتصبر، ولتحتسب"، وهذا الحديث أحسن ما يعزي به،
أو الدعاء للميت تصبيراً للحى ومواساة له (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)،
وكذا: (اللهم اخلف فلان في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، -ثلاث مرات-)،
112 - ولا تحد التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها،
113 - وينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما:
أ- الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد،
ب- اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء،
114 - وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لاهل الميت طعاما يُشبعهم،
115 - ويستحب مسح رأس اليتيم وإكرامه،
(16) ما ينتفع به الميت:
116 - وينتفع، الميت من عمل غيره بأمور:
أولا: دعاء المسلم له، إذا توفرت فيه شروط القبول،
ثانيا: قضاء ولي الميت صوم النذر عنه، لا صوم الفرض بل تتصدق عنه بكل يوم نصف صاع، (لأن فرض الصيام جار مجرى الصلاة، فكما لا يُصلي أحدٌ عن أحدٍ، ولا يسلم أحد عن أحد فكذلك الصيام، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدين، فيقبل قضاء الولي له كما يقضي دينه، وهذا محض الفقه، وطرد هذا أنه لا يحج عنه، ولا يزكي عنه إلا إذا كان معذوراً بالتأخير كما يطعم الولي عمَّن أفطر في رمضان لعذر، فأما المفطر من غير عذر أصلاً فلا ينفعه أداء غيره لفرائض الله التي فرَّط فيها، وكان هو المأمور بها أبتلاءً وامتحاناً دون الولي، فلا تنفع توبة أحدٍ عن أحدٍ، ولا إسلامهُ عنه، ولا أداء الصلاة عنه ولا غيرها من فرائض الله تعالى التي فرط فيها حتى مات)،
ثالثا: قضاء الدين عنه من أي شخص ولياً كان أو غيره،
رابعا: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه إن كانا مسلمين مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شئ، لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها)،
خامسا: ما خلفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية،
يتبع إن شاء الله...