أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الـوجـــيز فــي التـربــــية الأربعاء 21 أكتوبر 2015, 8:33 am | |
| الاهتمام بالطفل فيما بعد السنوات الست الأولى من حياته: في هذه المرحلة يصبح الطفل أكثر استعداداً للتعلم المنظم فهو يتقبل التوجيه بشكل أكثر، ويكون أكثر انسجاماً مع أقرانه في اللعب، فيمكننا القول بأنه أكثر إدراكاً وحرصاً على التعلم واكتساب المهارات فيمكن توجيهه بشكل مباشر لذا فإن هذه الفترة من أهم الفترات في تعليم الطفل وتوجيهه.
وسوف نتحدث بمشيئة الله تعالى عن أهم الجوانب التي لابد للمربين من الحرص عليها في هذه المرحلة وهي: أولا: تعريف الطفل بخالقه بشكل مبسط: فيعرف الطفل بالله عز وجل بطريقة تناسب إدراكه ومستوى تفكيره. - فيعلم أن الله واحد لا شريك له. - ويعلم أنه الخالق لكل شيء فهو الخالق للأرض والسماء والناس والحيوانات والأشجار والأنهار وغيرها ويمكن أن يستغل المربي بعض المواقف فيسأل الطفل وهم في نزهة في بستان أو في البرية عن خالق الماء والأنهار والأرض والأشجار وغيرها ليلفت نظره إلى عظمة الله، - ويعلم الطفل محبة الله ويرغبه فيها وذلك بلفت نظره إلى ما أسبغه الله عليه وعلى ذرية من النعم فيقال له مثلاً من الذي أعطاك السمع والبصر والعقل؟ من الذي أعطاك القوة والقدرة على الحركة؟ من الذي أعطالك وأسرتك الرزق والطعام؟ وهكذا يلفت نظره للنعم الظاهرة ويحث على محبة الله وشكره على هذه النعم الغامرة، وهذا الأسلوب ورد في القرآن حيث أن الله في آيات عديدة يلفت نظر العباد إلى نعمه عز وجل مثل قوله تعالى: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه}، وقوله عز من قائل: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض}، وقوله تعالى: {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.
ثانياً: تعليم الطفل بعض الأحكام الواضحة ومن الحلال والحرام: فيعلم الطفل ستر عورته والوضوء وأحكام الطهارة ويعلم أداء الصلاة، وينهي عن المحرمات والكذب والنميمة والسرقة والنظر إلى ما حرم ألقه وبالجملة يؤمر بما يؤمر به الكبار من التزام شرع الله وينهي عما ينهي عنه الكبار مما لا يحل حتى يشب على ذلك ويألفه ومن شب على شيء شاب عليه، ويحرص على تعليمه العلم فكما يقول سفيان الثوري: ينبغي للرجل أن يكره ولده على العلم فإنه مسئول عنه.
ثالثا: تعليم الطفل تلاوة القرآن: فإن القرآن هو النهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالخير كل الخير أن يعود الطفل قراءة القرآن بصورة صحيحة ويبذل الجهد والطاقة في تحفيظه إياه أو جزء كبير منه ويشجع على ذلك بشتى الوسائل، فليحرص الوالدان على أن يلتحق الطفل ولداً كان أو بنتاً بأحد مدارس تحفيظ القرآن، فإن لم يتيسر ذلك فليحرص على التحاقه بأحد حلقات تحفيظ القرآن المنتشرة -ولله الحمد- وقد روى أبو داود عن معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا".
وقد كان السلف يحرصون على تعليم أبنائهم القرآن وتحفيظهم إياه فهذا هو الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي يخبرنا عن الإمام النووي عليهم رحمة الله جميعا فيقول: رأيته وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يُكْرهُونَهُ على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم ويقرأ القرآن في تلك الحالة، فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، فأتيت معلمه فوصيته به وقلت له: إنه يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع به الناس، فقال لي: أمنجم أنت؟ فقلت لا وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم".
رابعا: تعليم الطفل حقوق الوالدين: فيعود الطفل على احترام والديه وطاعتهما وبرهما فيشب على ذلك ويألفه، وكثيرا من حالات العقوق وتعدي الأبناء على حقوق آبائهم إنما حصلت نتيجة لتقصير الآباء في تربيه الأبناء وتعويدهم على البر منذ الصغر قال الله تعالى: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهُما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أنفه ثم رَغِمَ أنفه ثم رَغِمَ أنفه مَنْ أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة".
وهذه قصة شاب بار بوالده أوردها صاحب (عيون الأ خبار): قال المأمون رحمه الله: لم أر أحداً أبر من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من بره أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء مسخن، وهما في السجن فمنعهما السجان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل -حيث أخذ أبوه مضجعه- إلى قمقم كان يسخن فيه الماء، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح، فعل كل هذا براً بأبيه ليتوضأ بالماء الساخن.
خامسا: ربط الطفل بالقدوات العظيمة في الإسلام: وقدوتنا الأولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شخصيات الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم ومن تبعهما بإحسان ممن ضربوا أروع الأمثلة في مناحي الحياة المختلفة، فيربط الطفل بهم ويعلم من أخبارهم وقصصهم ليقتدي بجميل فعالهم ويتأسى بصفاتهم الحسنة من شجاعة وفداء وصدق وصبر وعزة وثبات على الحق وغيرها من الصفات، وينبغي أن تتناسب القصة أو الموقف الذي يروى للطفل مع إدراكه وأن لا تكون مملة وأن يركز فيها على الجوانب الحسنة فتبرز وتوضح ليسهل على الطفل استيعابها.
فمثلا لو روي للطفل قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك اليهودي الذي كان يطالب الرسول صلى الله عليه وسلم بدين كمثال على حسن خلقه: يروى أن يهودياً كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً فأراد أن يطلب دينه فبل حلول أجله، فاعترض رسول الله في طريق المدينة وقال: إنكم بني عبد المطلب قوم مطل (مُمَاطِلُون)، ورأى عمر ذلك فاشتد غضبه وقال: ليأذن لي رسول الله فأقطع عنقه، فقال النبي: أنا وصاحبي أحوج إلى غير هذا يا عمر، مُرْهُ بحُسن التقاضي ومُرْنِي بحُسن الأداء ثم التفت إلى اليهودي وقال: يا يهودي إنما يحل دينك غداً.
وهذه قصة في الشجاعة وقوة التحمل عن معاذ بن عمرو قال: جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني، فلما أمكنني، حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي، فطرح يدي وبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامه يومي وإني لأسحبها خلفي، آذتني وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها"، وتاريخ المسلمين مليء بالشخصيات العظيمة والقصص الرائعة المعبرة أصدق تعبير عن الفضائل والمعاني الجميلة.
سادسا: تعليم الطفل الآداب الاجتماعية العامة: مثل آداب السلام والاستئذان وآداب البصر والأكل والشرب وآداب الحديث والمعاملة مع الآخرين فيعلم كيفية يعامل والديه الكبار وأصدقاء والده ومعلميه وأقرانه ومن يلعب معهم، ويعلم كذلك ترتيب غرفته والمحافظة على نظافة البيت، وترتيب ألعابه، وكيف يلعب دون أن يزعج الآخرين، وكيف سلوكه في المسجد وفي المدرسة، وكل هذه الأمور وغيرها إنما يعتمد في أخذها على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الدرجة الأولى ومن سيرة السلف الصالح رحمهم الله تعالى ثم من كتابات المتخصصين في التربية والسلوك.
سابعا: تنمية جانب الثقة في النفس وتحمل المسئولية عند الطفل: حيث إن أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد فلابد من إعدادهم وتدريبهم على تحمل المسئوليات والقيام بالأعمال التي لابد لهم من القيام بها في المستقبل، ويمكن أن تحقق ذلك في نفوس الأطفال عن طريق بناء ثقتهم في أنفسهما واحترام ذواتهم وإعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن آرائه وما يدور في خلده وتشجيعه على القيام بشؤونه الخاصة بل وتكليفه بما يناسبه من أعمال البيت مثل أن يكلف بشراء بعض مستلزمات البيت من البقالة المجاورة للمنزل وتكليف البنت بتنظيف بعض الأواني أو العناية بأخيها الصغير، ويتدرج مع الأطفال في التكاليف شيئا فشيئا حتى يتعودوا على تحمل المسؤوليات والقيام بالأعمال المناسبة لهم، (ومن تحميل الطفل المسئولية) أن يتحمل تبعة ما يقوم به من أعمال فيعلم أنه هو المسئول عما يرتكبه من أخطاء ويطالب بإصلاح ما قد أفسده والاعتذار عن أخطائه.
وانظر إلى هذه القصة التي تعبر عن الثقة بالنفس: روى الحافظ ابن عساكر أن عبد الله بن الزبير كان يلعب مع بعض أترابه من الصبيان، فمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففر الصبية خوفاً من الفاروق وبقي ابن الزبير لا يريم فأقبل عليه عمر وقال له: مالك لم تفر مع أصحابك يا غلام؟ فرد عليه عبد الله ببساطة وبراءة: يا أمير المؤمنين!... لست مذنباً فأخافك.. وليست الطريق ضيقةً فأوسع لك فيها!.
وإذا تربى الأطفال على الثقة بالنفس أمكنهم تحمل المسئوليات الجسام كما كان أبناء الصحابة يسعون جاهدين ليكونوا مع المجاهدين في سبيل الله ويبكي أحدهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُجزه ليقاتل مع الجيش فيرق الرسول صلى الله عليه وسلم لحاله ويُجيزه فيكون في النهاية من شهداء المعركة، ويُؤَمِّرُ الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة ابن زيد على جيش فيه أبو بكر وعمر مع صغر سنه لأنه كفؤ لهذه الإمارة، فأين أبناؤنا اليوم من هذه القمم الشامخة.
الاهتمام بالناشئ في مرحلة المراهقة: في هذه المرحلة يسرع نمو الجسم ويأخذ العقل في الاتساع وتقوى عواطف الناشئ وتشتد اشتداداً كبيراً وتتيقظ الغريزة الجنسية، وتعتبر هذه المرحلة تمهيد لمرحلة البلوغ.
وعلى المربي أن يهتم بالأمور التالية في تعامله مع المراهق: 1- أن يشعر الناشئ أو المراهق بأنه قد أصبح كبيراً سواء كان صبياً أو فتاةً لأنه يطالب بأن يعامل معاملة الكبار وأن لا يعامل على أنه صغير.
2- يعلم الناشئ أحكام البلوغ ويروى له بعض القصص التي تنمي جانب التقوى والابتعاد عن الحرام في نفسه.
3- يشجع الناشئ على أن يشارك في تحمل بعض أعباء البيت كممارسة عملية تشعره بأنه قد أصبح كبيراً.
4- يحرص المربي على مراقبة المراهق وإشغال وقته بما ينفع وربطه بأقران صالحين.
أخطاء المُربين: وهذه بعض الأخطاء التي تصدر عن كثير من المربين أسأل الله أن يعيننا على تجنبها ويهدينا للصواب:
1- مخالفة قول المربي لفعله: وهي من أهم الأخطاء حيث يتعلم الطفل من أبويه أموراً ثم يجد أنهما يخالفان ما علماه وهذا السلوك له أثره السيئ على نفس الطفل وسلوكه ويكفينا قول الله عز وجل في إنكار هذا الأمر: {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون} فكيف يتعلم الصدق مَنْ يرى والده يكذب؟ وكيف يتعلم الأمانة مَنْ يرى والده يغش؟ وكيف يتعلم الطفل حُسن الخلق وهو يرى مَنْ حوله يسب ويفحش في القول ويُسيء خلقه؟
2- عدم اتفاق الوالدين على منهج محدد في تربية الطفل: فقد يتصرف الطفل أمام والديه تصرفاً معيناً فتكون النتيجة أن الأم تمدح وتشجع والأب يحذر ويتوعد فيحتار الطفل أيهما على صواب وأيهما على خطأ، فهو لا يستطيع بإدراكه المحدود أن يتعرف على الصواب من الخطأ فتكون نتيجة ذلك تذبذب الطفل وعدم وضوح الأمور بالنسبة له، في حين أنه لو كان الوالدان متفقين على منهج موحد ولم يظهرا للطفل هذا الاختلاف لما كان هذا الخلل.
3- ترك الأطفال فريسة لجهاز التلفاز: إن لوسائل الإعلام تأثيرا بالغا في سلوكيات الطفل ومكتسباته ومن أخطر هذه الوسائل التلفاز الذي لا يكاد يخلو منه بيت وله تأثير واسع على الصغار والكبار والمثقفين ومحدودي الثقافة.
يقول الباحث (بلومري): إن أغلب الأطفال، وكثير من الكبار يميلون إلى أن يقبلوا دون أي تساؤل جميع المعلومات التي تظهر في الأفلام، وتبدو واقعية ويتذكرون تلك المواد بشكل أفضل.. فتتغذى أفكارهم بتلك القيم الهابطة، إن كثيراً من المربين لا يكترثون لإدمان صغارهم مشاهدة التلفاز مع أن لهذا الأمر أثراً بالغاً على أخلاقهم وفطرتهم حتى ما يسمى ببرامج الأطفال فإنها مليئة بالغث من الأفكار التي يستقيها الطفل من خلال مشاهدتها (فإن كثيراً من أفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) تتضمن قصص الحب والغرام.. حتى بين الكلاب أو الحيوانات الأخرى، ألم تر القطة -في تلك البرامج- على أعلى مستوى من الأناقة.. تتزين برموش طويلة وعيون كحيلة جميلة.. وكعب عال.. تتمايل لتخطف قلب القط)، والتركيز في إظهار الاقتتال لأجل أنثى، والسُّكْرُ -أيضاً- والتدخين واللصوصية والاحتيال والكذب وغيرها من الصفات غير الأخلاقية.. فكل تلك العروض تقتحم عالم الصغار وتلطخ الفطرة البريئة تلطيخاً بحجة أنها (برامج أطفال)، إذاً فلابد من حماية أبنائنا من هذا الجهاز المدمر ولاشك أن هذا الأمر ليس سهلاً ولكنه ليس مستحيلاً أيضاً إذا أردنا أن نحافظ على أخلاق أبنائنا ونعدهم لحمل رسالة دينهم وأمتهم، أعاننا الله على ذلك.
4- ترك مسؤولية التربية للخادمة أو المربية: إن من أخطر الأخطاء وأكثرها شيوعاً في مجتمعاتنا ظاهرة تشاغل الأم عن دورها الأساسي وهو رعاية بيتها وأطفالها واشتغالها بأمور هي لاشك أقل أهمية من أمر تربية الأولاد مثل اشتغالها بالعمل خارج المنزل أو الإسراف في الزيارات وحضور الحفلات أو مجرد التكاسل وعدم مباشرة شؤون الأطفال بنفسها مع أن لهذا أثراً كبيراً على نفسية الطفل والقيم التي يتلقاها إذ أن (الأطفال الصغار هم أول مَنْ يتضرر بخروج الأم للعمل خارج المنزل، إنهم يفقدون الحنان والعطف، فالأم إما أن تتركهم في رعاية امرأة أخرى كالخادمة وإما أن تذهب بهم إلى دور الحضانة، وفي جميع الحالات فهم يفقدون عطف الأمومة، وفي ذلك خطر كبير على نفسية الطفل وعلى مستقبله، إذ ينمو وهو فاقد للحنان، وفاقد الشيء لا يعطيه، فيقسو على أفراد مجتمعه فيعيش المجتمع الضياع والتفكك والقسوة، ولا يخفى أن الآخرين لا يهتمون بتهذيب الطفل وتعويده على الأخلاق الفاضلة كما يهتم به أهله، وفي ذلك ما فيه من البلاء على الطفل وعلى مجتمعه، وقد تكون هذه الخادمة كافرة فيتلقى الطفل ما عندها من انحراف عقدي، أو أنها منحرفة أخلاقيا فيتأثر الطفل كذلك، فلنحرص إذا اضطررنا لجلب الخادمة على أن تكون مسلمة طيبة وأن نحرص على أن لا تمكث مع الطفل إلا فترات قصيرة جداً عند الاضطرار.
5- إظهار المُربي عجزه عن تربية الطفل: وهذا يقع كثيراً عند الأمهات مع وقوعه عند الآباء أحياناً، فتجد أن الأم مثلاً تقول: إن هذا الولد أتعبني، أنا لا أقدر عليه، لا أدري ماذا أصنع معه، والطفل يستمع إلى هذا الكلام فيشعر بالفخر لإزعاجه والدته ويتمادى في هذا الأمر لأنه يشعر أنه يثبت وجوده بهذه الطريقة.
6- الإسراف في العقاب والثواب: أ- العقاب: إن العقاب أمر مشروع وهو من وسائل التربية الناجحة والتي قد يحتاجها المربي أحيانا ولكن هناك من يصرف في استخدام هذه الوسيلة إسرافاً كبيراً ممَّا يجعل هذه الوسيلة ضارة تعطي نتائج عكسية فنسمع عمَّن يحبس أطفاله في غرفة مظلمة، ومن الآباء مَنْ يربط أبناءه ويقيدهم إذا ارتكبوا ما يزعجه، والعقوبة تتدرج من النظرة ذات المعنى إلى العقوبة بالضرب وقد لا يحتاج المربي إلى أكثر من نظرة فيها شيء من الاستياء أو كلمة عاتبة وقد يضطر إلى العقاب بالضرب ولكن هذا هو العلاج الأخير فلا يلجأ إليه إلا إذا استنفدت بقية الوسائل.
وهناك ضوابط لعملية العقاب بالضرب منها: - أن لا يلجأ للضرب إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى. - أن لا يضرب وهو في حالة غضب شديد مخافة الإضرار بالولد. - أن يتجنب الضرب في الأماكن المؤذية كالوجه والرأس والصدر. - أن يكون الضرب في المرات الأولى من العقوبة غير شديد وغير مؤلم وأن لا يزيد على ثلاث ضربات إلا للضرورة وحيث لا تتجاوز عشر ضربات.
- أن لا يضرب الطفل قبل أن يبلغ العاشرة. - إذا كان الخطأ للمرة الأولى يعطى الطفل فرصة ليتوب ويعتذر عما فعل ويتاح المجال لتوسط الشفعاء ليحولوا -ظاهراً- دون العقوبة مع أخذ العهد عليه. - أن يقوم المربي بضرب الولد بنفسه ولا يترك، هذا الأمر لأحد الأخوة أو لأحد رفاق الولد لأن هذا يتسبب في كراهية الطفل لمَنْ يتولى عقابه من الأطفال الآخرين وأن يحقد عليه. - إذا ناهز الولد سن البلوغ والاحتلام، ورأى المربي أن العشر ضربات غير كافية لردعه فله أن يزيد عليها.
ب- الثواب: وهو كذلك من وسائل التربية ولكن ينبغي أن يكون بقدر أيضاً وأن لا يسرف في استخدامه لأن ذلك الطفل سيصبح مادياً لا يفعل الأشياء الحسنة إلا بشرط المكافأة فينبغي أن يعود على فعل الخير لذاته ويشجع على ذلك أحياناً.
7- محاولة ضبط الطفل أكثر من اللازم: بحيث لا تتاح له الفرصة للعب والمرح والحركة، وهذا يتعارض مع طبيعة الطفل وقد يضر بصحته إذ أن هذا اللعب مهم لنمو الطفل بصورة جيدة إذ أن (اللعب في المكان الطلق الفسيح من أهم الأمور التي تساعد على نمو جسم الطفل وحفظ صحته)، فينبغي أن يتجنب الأب زجر الأولاد عند مبالغتهم في اللعب بالتراب أثناء النزهة على شاطئ البحر أو في الصحراء، وذلك لأن الوقت وقت ترفيه ولعب وليس وقت انضباط، وليس ثمة وقت ينطق فيه الأولاد بلا قيود إلا في مثل هذه النزهات البريئة، فلابد من التغافل عنهم بعض الشيء.
8- تربية الطفل على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته: وهذا حادث عند كثير من الآباء للأسف، مع أن له أثراً سيئاً على مستقبل الطفل ونظرته للحياة فإن مَنْ يتربى على عدم الثقة بنفسه واحتقار ذاته سوف ينشأ على الجُبن والخَور وعدم القدرة على مواجهة أعباء الحياة وتحدياتها حتى بعد أن يصبح راشداً، فينبغي إذا أن نعد أبناءنا للقيام بأمور دينهم ودنياهم وذلك لن يكون إلا بتربيتهم على الثقة بالنفس والاعتزاز بالذات بدون غرور أو تكبر، والحرص على ربط الولد بمعالي الأمور وإبعاده عن سفسافها.
وإليك هذا المثال: قحطت البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت القبائل إلى هشام ودخلوا عليه، وفيهم "درواس بن حبيب" وعمره أربع عشر سنة، فأحجم القوم وهابوا هشاماً، ووقعت عين هشام على درواس فاستصغره، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إليَّ إلا وصل، حتى الصبيان؟! علم درواس أنه يريده، فقال يا أمير المؤمنين: إن دخولي لم يُخل بك شيئاً ولقد شرفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، وإن الكلام نشر، والسكوت طي، ولا يعرف الكلام إلا بنشره، فقال هشام: فانشر لا أباً لك!! وأعجبه كلامه، فقال يا أمير المؤمنين: أصابتنا ثلاث سنين: فسنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، إن كانت لله ففرقوها على عباد الله المستحقين لها، وإن كانت لعباد الله فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يُضيعُ أجر المحسنين، واعلم يا أمير المؤمنين: أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به، فقال هشام: ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذراً، وأمر أن يُقَسَّمَ في باديته مئة ألف درهم، وأمر لدرواس بمئة ألف درهم، فقال يا أمير المؤمنين: أرددها إلى أعطية أهل باديتي فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم؟ فقال: ما لك من حاجة تذكرها لنفسك؟ قال: مالي من حاجة دون عامة المسلمين، فانظر إلى ثقة هذا الغلام وجرأته في الحق.
خاتمة: قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، وقال عز مَنْ قائل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيبُ دعوة الدَّاع إذا دعان}، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة"، إن للدعاء أهمية بالغة جداً في تربية الأولاد بل في جميع أمور الحياة والله عز وجل هو الموفق والهادي، فقد يبذل المسلم قصارى جهده في محاولة إصلاح أبنائه ولا يوفق إلى ذلك، وعلى العكس قد يصلح من الأبناء مَنْ تربى في وسط منحرف وبيئة سيئة، بل وقد يصلح منهم مَنْ ينشأ دون والدين يهتمان بتربيته، إذاً فالهداية أولاً وأخيراً من الله وهو القائل عز وجل: {إنك لا تهدي مَنْ أحببتَ ولكنَّ اللهَ يَهدي مَنْ يشاء}، فيجب علينا جميعاً أن لا نغفل هذا الجانب وأن نتضرع إلى الله ونبتهل إليه أن يُصلحنا وذرياتنا فإنه الهادي إلى سواء السبيل، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. |
|