حرف الخاء
خُبْزٌ: ثبت فى ((الصحيحين))، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((تكونُ الأَرضُ يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً واحدةً يَتَكَفَّؤُها الجبَّارُ بيده كما يَكْفُؤُ أَحَدُكُم خُبْزَتَه فى السَّفَر نُزُلاً لأهل الجنَّةِ)).
وروى أبو داود فى ((سننه)): من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، قال: ((كان أحبَّ الطعامِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الثريدُ مِن الخُبز))، والثريدُ من الحَيْس.
وروى أبو داود فى (سننه) أيضاً، من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَدِدْتُ أنَّ عندى خُبْزَةً بَيضاءَ من بُرَّةٍ سَمْراءَ مُلَبَّقَةٍ بسَمْنٍ ولَبنٍ))، فقام رجلٌ من القوم فاتخذه، فجاء به، فقال: ((فى أىِّ شىءٍ كان هذا السَّمْنُ))؟ فقال: فى عُكَّةِ ضَبٍّ. فقال: ((ارفَعْهُ)).
وذكر البيهقى من حديث عائشة رضى الله عنها ترفعه: ((أكرِمُوا الخُبْزَ، ومِنْ كرامتِه أن لا يُنتظرَ به الإدامُ)). والموقوف أشْبَهُ، فلا يثبت رفعُه، ولا رفعُ ما قبله.
وأما حديثُ النهى عن قطع الخبز بالسكين، فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المروىُّ: النهى عن قطع اللَّحم بالسِّكِّين، ولا يَصِحُّ أيضاً.
قال مُهَنَّا: ((سألتُ أحمد عن حديث أبى معشرٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تقطعوا اللَّحْمَ بالسِّكِّين، فإن ذلك من فِعْلِ الأعاجِم)). فقال: ليس بصحيح، ولا يُعرف هذا، وحديثُ عمرو بن أُميَّةَ خلاف هذا، وحديثُ المغيرة يعنى بحديث عمرو بن أُمية: كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم يحتزُّ مِن لحم الشاة. وبحديث المغيرة أنه لمَّا أضافه أمَرَ بِجَنْبٍ فشُوِىَ، ثم أخذَ الشَّفْرَةَ، فجعل يَحُزُّ.
فصل
فى أنواع الخبز
وأحمدُ أنواع الخبز أجودُها اختماراً وعجناً، ثم خبزُ التَّنُّور أجودُ أصنافه، وبعدَه خبزُ الفرن، ثم خبزُ المَلَّة فى المرتبة الثالثة، وأجودُه ما اتُّخِذَ من الحنطة الحديثة.
وأكثرُ أنواعه تغذيةً خبزُ السَّميد، وهو أبطؤها هضماً لِقلَّة نخالته، ويتلُوه خبز الحُوَّارَى، ثم الخُشْكَار.
وأحمدُ أوقات أكله فى آخِر اليوم الذى خُبِزَ فيه، والليِّنُ منه أكثر تلييناً وغذاءً وترطيباً وأسرع انحداراً، واليابسُ بخلافه.
ومزاج الخبز من البُرِّ حار فى وسط الدرجة الثانية، وقريبٌ من الاعتدال فى الرطوبة واليُبُوسة، واليُبسُ يَغْلِبُ على ما جفَّفَتْه النارُ منه، والرطوبة على ضده.
وفى خبز الحِنْطة خاصيَّةٌ، وهو أنه يُسمِّن سريعاً، وخبز القطائف يُوَلِّد خلطاً غليظاً، والفَتيتُ نفَّاخ بطىءُ الهضم، والمعمول باللَّبن مسدِّد كثير الغذاء، بطىء الانحدار.
وخبزُ الشعير بارد يابس فى الأُولى، وهو أقل غذاءً من خبزَ الحِنْطة.
خَلٌ: روى مسلم فى ((صحيحه)): عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سأل أهلَه الإدَامَ، فقالوا: ما عندنَا إلا خَلٌ، فدعا به، وجعل يأكُلُ ويقول: ((نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ، نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ)).
وفى ((سنن ابن ماجه)) عن أُمِّ سعد رضى الله عنها عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم:
((نِعْمَ الإدَامُ الخَلُّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فى الخَلِّ، فإنه كان إدامَ الأنبياء قبلى، ولَمْ يَفْتَقِر بيتٌ فيه الخَلُّ)).
الخَل: مركَّب من الحرارة، والبرودة أغلبُ عليه، وهو يابس فى الثالثة، قوىُّ التجفيف، يمنع من انصباب المواد، ويُلطِّف الطبيعة، وخَلُّ الخمر ينفع المعدة الملتهبة، ويَقْمَعُ الصَّفْرَاء، ويدفع ضَرَر الأدوية القتَّالة، ويُحَلِّل اللَّبنَ والدم إذا جَمَدا فى الجوف، وينفع الطِّحَالَ، ويدبغ المَعِدة، ويَعقِلُ البطن، ويقطعُ العطش، ويمنع الورمَ حيث يُريد أن يحدث، ويُعين على الهضم، ويُضاد البلغم، ويُلطِّف الأغذية الغليظة، ويُرِقُّ الدم.
وإذا شُرِب بالملح، نفع من أكل الفُطُر القتَّال، وإذا احتُسى، قطع العلق المتعلق بأصل الحنَكِ، وإذ تُمضمض به مُسَخَّناً، نفع من وجع الأسنان، وقوَّى اللِّثَة.
وهو نافع للدَّاحِس، إذا طُلِىَ به، والنملةِ والأورام الحارة، وحرق النار، وهو مُشَهٍّ للأكل، مُطيِّب للمَعِدة، صَالح للشباب، وفى الصيف لسكان البلاد الحارة.
خِلاَلٌ: فيه حديثان لا يَثبُتان، أحدهما: يُروى من حديث أبى أيوب الأنصارىِّ يرفعه:
((يا حَبَّذَا المُتَخَلِّلونَ من الطَّعَام، إنه ليس شىءٌ أشدَّ على المَلَكِ من بَقيَّةٍ تَبْقَى فى الفم من الطَّعَامِ))، وفيه واصلُ بن السائب، قال البخارى والرازى: منكر الحديث، وقال النسائى والأَزْدِى: متروك الحديث.
الثانى: يُروى من حديث ابن عباس، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبى عن شيخ روى عنه صالحٌ الوُحَاظىُّ يقال له: محمد بن عبد الملك الأنصارى، حدَّثنا عطاءُ عن ابن عباس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَخَلَلَ باللِّيط والآس، وقال: ((إنهما يسقيان عُروقَ الجُذَام))، فقال أبى: رأيتُ محمد ابن عبد الملك وكان أعمى يضعُ الحديث ويكذب.
وبعد.. فالخِلالُ نافع لِلِّثة والأسنان، حافظ لصحتها، نافع من تغير النكهة، وأجودُه ما اتُّخِذَ من عيدان الأخِلة، وخشب الزيتون والخِلاف، والتخللُ بالقصب والآس والرَّيحان والباذروج مُضِرٌ.
حرف الدال
دُهْنٌ: روى الترمذى فى كتاب ((الشمائل)) من حديث أنس بن مالك رضى الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ دُهْنَ رأسِهِ، وتسريحَ لِحيته، وُيكْثِرُ القِنَاعَ كأن ثَوْبَه ثَوْبُ زَيَّاتٍ)).
الدُّهن يسد مسامَ البدن، ويمنع ما يتحلَّل منه، وإذا استُعْمِلَ بعد الاغتسال بالماء الحار، حسَّنَ البدنَ ورطَّبَهُ، وإن دُهن به الشَّعر حسَّنه وطوَّله، ونفع من الحَصْبَةِ، ودفع أكثر الآفاتِ عنه.
وفى الترمذى: من حديث أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعاً: ((كُلُوا الزِّيْتَ وادَّهِنُوابه)).. وسيأتى إن شاء الله تعالى.
والدُّهْن فى البلاد الحارة كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن، وهو كالضرورى لهم، وأما البلادُ الباردة، فلا يحتاجُ إليه أهلُها، والإلحاح به فى الرأس فيه خطرٌ بالبصر.
وأنفع الأدهان البسيطة: الزيت، ثم السمن، ثم الشَّيْرَج.
وأما المركَّبة: فمنها بارد رطب، كدُهن البنفسج ينفع من الصُّداع الحار، ويُنوِّم أصحاب السهر، ويُرطِّبُ الدماغ، وينفعُ مِن الشُّقاق، وغلبة اليبس، والجفاف، ويُطلَى به الجرب، والحِكَّة اليابسة فينفعُها، ويُسَهِّلُ حركة المفاصل، ويصلح لأصحاب الأمزجة الحارة فى زمن الصيف، وفيه حديثان باطلان موضوعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدُهما: ((فضلُ دُهن البَنَفْسَج على سائر الأدهان، كَفَضْلى على سائرِ الناس)). والثانى: ((فضلُ دُهن البنفسَج على سائر الأدهان، كفضل الإسلام على سائر الأديان)).
ومنها: حارٌ رطب، كدُهْن البان، وليس دُهنَ زهره، بل دُهن يُستخرج من حبٍّ أبيض أغبرَ نحو الفُسْتق، كثيرِ الدُّهنية والدسم، ينفع من صلابة العصب، ويُليِّنه، وينفع من البَرَش، والنَّمَش، والكَلَفِ، والبَهَقِ، ويُسَهِّلُ بلغماً غليظاً، ويُلين الأوتار اليابسة، ويُسخِّن العصب، وقد رُوى فيه حديث باطل مختلَق لا أصل له: ((ادَّهِنُوا بالبانِ، فإنه أحظى لكم عند نسائكم)).ومن منافعه أنه يَجلو الأسنان، ويُكسبَها بهجةً، ويُنَقِّيَها من الصدأ، وَمَن مسح به وجهَه وأطرافه لم يُصبه حصىً ولا شُقاق، وإذا دهن به حِقْوَه ومذَاكِيره وما والاها، نفع من برد الكُليَتَين، وتقطير البَوْل.
حرف الذال
ذَرِيرَةٌ: ثبت فى ((الصحيحين)): عن عائشة رضى الله عنها قالت: ((طَيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيدى، بذَرِيرَةٍ فى حَجَّةِ الوَدَاع لِحَلِّه وإحرامِهِ)).
تقدم الكلام فى الذَّريرة ومنافعها وماهِيتها، فلا حاجة لإعادته.
ذُبَابٌ: تقدَّم فى حديث أبى هريرة المتفق عليه فى أمره صلى الله عليه وسلم بِغَمْسِ الذُّباب فى الطعام إذا سقط فيه لأجل الشِّفَاء الذى فى جناحه، وهو كالتِّرْياق للسُّمِّ الذى فى الجناح الآخر، وذكرنا منافع الذُّباب هناك.
ذَهَبٌ: روى أبو داود، والترمذى: ((أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّص لعَرْفَجَةَ ابن أسعدَ لَمَّا قُطع أنفُهُ يومَ الكُلاب، واتَّخَذَ أنفاً من وَرِقٍ، فأَنْتَن عليه، فأمَرَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يَتَّخِذَ أنفاً من ذَهبٍ)). وليس لعَرْفَجَةَ عندهم غيرُ هذا الحديث الواحد.
الذهبُ: زينةُ الدنيا، وطِلَّسْمُ الوجود، ومفرِّح النفوس، ومقوِّى الظُّهور، وسِرُّ اللهِ فى أرضه، ومزاجُه فى سائر الكيفيات، وفيه حرارةٌ لطيفة تدخل فى سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفُها.
ومن خواصه أنه إذا دُفِنَ فى الأرض، لم يضره الترابُ، ولم يَنقُصه شيئاً، وبُرَادتُهُ إذا خُلِطت بالأدوية، نفعتْ من ضعف القلب، والرَّجَفَان العارض من السوداء، وينفع من حديث النَفْس، والحزن، والغم، والفزع، والعشق، ويُسمِّن البدن، ويُقوِّيه، ويُذهب الصفار، ويُحسِّنِ اللَّون، وينفع من الجُذَام، وجميعِ الأوجاعِ والأمراض السَّوْدَاوِيَّةِ، ويَدخل بخاصيَّة فى أدوية داء الثعلب، وداء الحية شُرباً وطِلاءً، ويجلو العَيْن ويُقوِّيها، وينفع من كثير من أمراضها، ويُقوِّى جميع الأعضاء.
وإمساكُهُ فى الفم يُزيل البَخر، وَمَن كان به مرض يَحتاج إلى الَكىِّ، وكُوِىَ به، لم يتنفطْ موضِعُهُ، وَيَبرأْ سريعاً، وإن اتَّخذ منه ميلاً واكتَحَلَ به، قَوَّى العَيْن وجَلاها، وإن اتَّخذ منه خاتمٌ فَصُّه منه وأُحمىَ، وكُوِىَ به قَوَادِمُ أجنحةِ الحمَام، ألِفَتْ أبراجَها، ولم تنتقِلْ عنها.
وله خاصيَّة عجيبة فى تقوية النفوس، لأجلِها أُبِيحَ فى الحرب والسِّلاحِ منه ما أُبيح، وقد روى الترمذى من حديث مَزِيدَة العَصَرى رضى الله عنه، قال: دخل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الفَتْح، وعلى سيفِهِ ذَهَبٌ وفِضةٌ.
وهو معشوقُ النفوس التى متى ظَفِرَتْ به، سلاها عن غيره من محبوباتِ الدنيا، قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ}[آل عمران : 14].
وفى ((الصحيحين)): عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لابنِ آدَمَ وادٍ من ذَهبٍ لابْتَغَى إليه ثانياً، ولو كان له ثانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ، وَيتوبُ اللهُ عَلى مَن تابَ)).
هذا وإنه أعظم حائلٍ بيْنَ الخلِيقةِ وبيْنَ فوزِهَا الأكبر يومَ مَعَادها، وأعظمُ شىء عُصِىَ اللهُ به، وبه قُطِعَتِ الأرحامُ، وأُرِيقتِ الدِّماءُ، واستُحِلَّتِ المحارمُ، ومُنِعَتِ الحقوق، وتَظَالَمَ العباد، وهو المُرَغِّب فى الدنيا وعاجِلِها، والْمزَهِّد فى الآخرة وما أعدَّه اللهُ لأوليائه فيها، فكم أُمِيتَ به من حقٍّ، وأُحيِىَ به من باطلٍ، ونُصِرَ به ظالمٌ، وقُهِرَ به مظلومٌ.
وما أحسن ما قال فيه الحَرِيرىُّ:
تَبَّاً لَهُ مِنْ خَـادِعٍ مُمَـــاذِقِ أصْفَرَ ذِى وَجْهَيْـنِ كالْمُنَافِـقِ
يَبْـدُو بوَصْفَيْنِ لِعَينِ الرَّامِـقِ زِينَة مَعشُوقٍ وَلَوْنِ عاشِــــقِ
وَحُبُّهُ عِنْدَ ذَوِى الْحَقَائِـــقِ يَدْعُو إلى إرْتِكَابِ سُخْـطِ الْخالِقِ
لَوْلاَهُ لَمْ تُقْطَعْ يَمينُ السَّـارِقِ وَلاَ بَدَتْ مَظْلِمَةٌ مـن فاسِــقِ
وَلاَ اشْمأَزَّ باخِلٌ مِنْ طَــارِقِ وَلاَ اشتكى الْمَمْطُولُ مَطْلَ الْعَائِقِ
وَلا اسْتُعِيذَ من حَسُودٍ رَاشِـقِ وَشَرُّ ما فِيهِ مِنَ الْخَـــــلاَئِقِ
أنْ ليْسَ يُغْنِى عَنْكَ فى الْمَضَـايِقِ إلاَّ إذَا فَرَّ فِــــرَارَ الآبــِقِ
حرف الراء
رُطَبٌ: قال الله تعالى لمريَمَ: {وَهُزِّى إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِّى عَيْناً }[مريم : 25].
وفى ((الصحيحين)) عن عبد الله بن جعفر، قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ)).
وفى ((سنن أبى داود))، عن أنس قال: ((كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ على رُطَباتٍ قَبْلَ أن يُصَلِّىَ، فإنْ لم تكُنْ رُطباتٍ فتمراتٍ، فإن لم تكن تَمَراتٍ، حَسَا حسْوَاتٍ من ماءٍ)).
طبْعُ الرُّطَبِ طبعُ المياه حار رَطب، يُقوِّى المعدة الباردة ويُوافقها، ويزيد فى الباه، ويُخصِبُ البدنَ، ويوافق أصحابَ الأمزجة الباردة، ويَغذُو غِذاءً كثيراً.
وهو مِن أعظم الفاكهة موافقةً لأهلِ المدينة وغيرِها من البلاد التى هو فاكهتُهم فيها، وأنفعها للبدن، وإن كان مَن لم يَعْتَدْهُ يُسرعُ التعفُّن فى جسده، ويَتولَّدُ عنه دم ليس بمحمود، ويحدث فى إكثاره منه صُدَاعٌ وسوداءٌ، ويُؤذى أسنانه، وإصلاحُه بالسَّكنْجَبِين ونحوه.
وفى فِطر النبى صلى الله عليه وسلم من الصوم عليه، أو على التمر، أو الماء تدبيرٌ لطيفٌ جداً، فإن الصوم يُخلى المعدة من الغذاء، فلا تَجِدُ الكبدُ فيها ما تَجذِبُه وتُرسله إلى القُوَى والأعضاء، والحلوُ أسرع شىء وصولاً إلى الكبد، وأحبُّه إليها، ولا سِيَّما إن كان رطباً، فيشتدُّ قبولها له، فتنتفع به هى والقُوَى، فإن لم يكن، فالتمرُ لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن، فحسواتُ الماء تُطفىء لهيبَ المعدة، وحرارة الصوم، فتنتبهُ بعده للطعام، وتأخذه بشهوة.
رَيْحانٌ: قال تعالى: {فَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ }[الواقعة : 88]. وقال تعالى: { وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ}[الرحمن : 12]
وفى ((صحيح مسلم)) عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((مَن عُرِضَ عليه رَيْحَانٌ، فَلا يَرُدَّهُ، فإنَّه خَفيفٌ المَحْمِلِ طَـيِّبُ الرَّائِحَةِ)).
وفى ((سنن ابن ماجه)): من حديث أُسامةَ رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا مُشَمِّرٌ للجَنَّةِ، فإنَّ الجَنَّةَ لا خَطَرَ لها، هى وربِّ الكَعْبَةِ، نُورٌ يَتَلأْلأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وقَصْرٌ مَشِيدٌ، ونَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ فِى مَقَامٍ أَبَداً، فى حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فى دُورٍ عالية سليمة بهيَّة))، قالوا: نعمْ يا رسول الله، نحن المشمِّرون لها، قال: ((قولوا: إنْ شاء الله تعالى))، فقال القوم: إنْ شاء الله.
الرَّيحان كلُّ نبت طيِّب الريح، فكلُّ أهل بلد يخصونه بشىء من ذلك، فأهلُ الغرب يخصونه بالآس، وهو الذى يعرِفُه العرب من الرَّيحان، وأهلُ العراق والشام يخصُّونه بالحَبَق.
فأما الآسُ، فمزاجُه بارد فى الأُولى، يابس فى الثانية، وهو مع ذلك مركَّب من قُوَى متضادة، والأكثرُ فيه الجوهرُ الأرضىُّ البارد، وفيه شىءٌ حار لطيف، وهو يُجفِّف تجفيفاً قوياً، وأجزاؤه متقاربةُ القُوَّة، وهى قوةٌ قابضة حابسة من داخل وخارج معاً.
وهو قاطع للإسهال الصفراوىّ، دافع للبخار الحار الرَّطب إذا شُمَّ، مفرِّح للقلب تفريحاً شديداً، وشمُّه مانع للوباء، وكذلك افتراشُه فى البيت.
ويُبرىء الأورام الحادثة فى الحالِبَيْن إذا وُضع عليها، وإذا دُقَّ ورقُه وهو غَضٌ وضُرِبَ بالخل، ووُضِعَ على الرأس، قطع الرُّعاف، وإذا سُحِقَ ورقه اليابس، وذُرَّ على القروح ذواتِ الرطوبة نفعها، ويُقوِّى الأعضاء الواهية إذا ضُمِّدَ به، وينفع داء الداحِس، وإذا ذُرَّ على البثورِ والقروحِ التى فى اليدين والرِّجْلين، نفعها.
وإذا دُلِكَ به البدنُ قطع العَرَق، ونشَّفَ الرطوباتِ الفضلية، وأذهب نَتْنَ الإبط، وإذا جُلس فى طبيخه، نفع من خراريج المَقْعدة والرَّحم، ومن استرخاء المفاصل، وإذا صُبَّ على كسور العِظام التى لم تَلتحِمْ، نفعها.
ويجلو قشورَ الرأس وقروحَه الرَّطبة، وبُثورَه، ويُمسِكُ الشعر المتساقط ويُسَوِّدُه، وإذا دُقَّ ورقُه، وصُبَّ عليه ماء يسير، وخُلِطَ به شىءٌ من زيت أو دُهن الورد، وضُمِّدَ به، وافق القُروح الرَّطبة والنملة والحُمْرة، والأورام الحادة، والشرى والبواسير.
وحَـبُّه نافع من نفْث الدم العارض فى الصدر والرِّئة، دابغٌ للمَعِدَة وليس بضارٍّ للصدر ولا الرئة لجلاوته، وخاصيتُه النفعُ من اسْتِطلاق البطن مع السُّعال، وذلك نادر فى الأدوية، وهو مُدِرٌ للبَوْل، نافع من لذع المثانة، وعضِّ الرُّتَيْلاء، ولسْع العقارب، والتخلل بعِرْقه مُضِر، فليُحذَر.
وأما الرَّيحانُ الفارسىُّ الذى يُسمَّى الحَبَق، فحارٌ فى أحد القولين، ينفع شمُّه من الصُّداع الحار إذا رُشَّ عليه الماء، ويبرد، ويرطب بالعرض، وباردٌ فى الآخر، وهل هو رطب أو يابس ؟ على قولين. والصحيحُ: أنَّ فيه من الطبائع الأربع، ويَجْلِبُ النوم، وبزره حابس للإسهال الصفراوىِّ، ومُسَكِّن للمغص، مُقَوٍّ للقلب، نافع للأمراض السوداويَّة.
رُمَّانٌ: قال تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن : 68]
ويُذكر عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً: ((ما مِن رُمَّانٍ من رُمَّانِكم هذا إلا وهو مُلقَّحٌ بحبَّةٍ من رُمَّانِ الجَنَّةِ)) والموقوفُ أشْبَهُ. وذكر حَربٌ وغيره عن علىٍّ أنه قال: ((كُلُوا الرُّمَّانَ بِشحْمِه، فإنه دباغُ المَعِدَةِ)).
حلوُ الرُّمَّان حار رطب، جيدٌ للمَعِدَة، مقوٍ لها بما فيه من قبْضٍ لطيف، نافع للحلق والصدر والرِّئة، جيدٌ للسُّعال، وماؤه مُلَيِّن للبطن، يَغْذى البدن غِذاءً فاضلاً يسيراً، سريعُ التحلُّل لرِّقَّته ولطافته، ويُولِّد حرارة يسيرة فى المعدة وريحاً، ولذلك يُعين على الباه، ولا يصلح للمَحْمُومين، وله خاصيَّة عجيبة إذا أُكل بالخبز يمنعه من الفساد فى المعدة.وحامضه بارد يابس، قابض لطيف، ينفع المَعِدَة الملتهبة، ويُدِرُّ البَوْل أكثرَ من غيره من الرُّمَّان، ويُسكِّنُ الصَّفْراء، ويقطع الإسهال، ويمنع القىء، ويُلطِّف الفضول، ويُطفىءُ حرارة الكبد، ويُقَوِّى الأعضاء، نافع من الخَفَقان الصَّفراوى، والآلام العارضة للقلب، وفم المعدة، ويُقوِّى المَعِدَة، ويدفع الفُضول عنها، ويُطفئُ المِرَّة الصفراء والدم
وإذا استُخرجَ ماؤه بشَحْمه، وطُبِخَ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم، واكتُحِلَ به، قطع الصفرة من العَيْن، ونقَّاها من الرطوبات الغليظة، وإذا لُطخ على اللِّثَة، نفع من الأَكلة العارضة لها، وإن استُخرج ماؤهما بشحمهما، أطلَق البطن، وأحْدَر الرُّطوباتِ العَفِنَةَ المُرِّية، ونفع مِن حُميَّات الغب المُتطاوِلة.
وأما الرُّمَّان المزُّ، فمتوسط طبعاً وفعلاً بين النوعين، وهذا أمْيَلُ إلى لطافة الحامض قليلاً، وحَبُّ الرُّمَّان مع العسل طِلاءٌ للداحِس والقروح الخبيثة، وأقماعُه للجراحات، قالوا: ومَن ابتلع ثلاثةً من جُنبُذِ الرُّمَّان فى كل سنة، أمِنَ مِنَ الرَّمد سنته كلَّها.
حرف الزاي
زَيْتٌ: قال تعالى: {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}[النور : 35]
وفى الترمذىِّ وابن ماجه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كُلُوا الزَّيتَ وادَّهِنُوا به، فإنَّه من شَجَرَةٍ مُبَارَكةٍ)).
وللبَيْهَقِى وابن ماجه أيضاً: عن ابن عمر رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائْتَدِمُوا بالزَّيتِ، وادَّهِنُوا به، فإنه من شَجَرَةٍ مُبَارَكةٍ)).
الزَّيْتُ حار رطب فى الأُولى، وغَلِط مَن قال: يابسٌ، والزَّيت بحسب زيتونه، فالمعتصَرُ من النَّضيج أعدلُه وأجوده، ومن الفَجِّ فيه برودةٌ ويُبوسة، ومن الزيتون الأحمر متوسطٌ بين الزَّيتَيْن، ومن الأسود يُسخِّن ويُرطِّب باعتدال، وينفع من السُّموم، ويُطلق البطن، ويُخرج الدود، والعتيقُ منه أشد تسخيناً وتحليلاً، وما استُخْرِجَ منه بالماء، فهو أقلُّ حرارةً، وألطفُ وأبلغ فى النفع، وجميعُ أصنافه مليِّنة للبَشْرة، وتُبطىءُ الشَيْب.
وماء الزَّيتون المالح يمنع من تنفُّط حرق النار، ويَشُد اللِّثَةَ، وورقهُ ينفع من الحُمرة، والنَّملة، والقُروح الوَسِخة، والشَّرَى، ويمنع العَرَق، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا.
زُبْدٌ: روى أبو داود فى ((سننه))، عن ابنَىْ بُسْرٍ السُّلَميَّيْن رضى الله عنهما، قالا: دخل علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقدَّمنا له زُبداً وتمراً، وكان يُحِبُّ الزُّبدَ والتَّمْرَ.
الزُّبد حار رطب، فيه منافعُ كثيرة، منها الإنضاجُ والتحليل، ويُبرىء الأورامَ التى تكون إلى جانب الأُذُنَيْن والحالِبَيْن، وأورام الفم، وسائر الأورام التى تَعرِضُ فى أبدان النِّساء والصبيان إذا استُعمِلَ وحده، وإذا لُعِقَ منه، نفع في نفْث الدَّم الذى يكون مِن الرئة، وأنضَجَ الأَورام العارضة فيها
وهو مُلَيِّن للطبيعة والعصب والأورام الصلبة العارضة من المِرَّة السوداء والبلغم، نافعٌ من اليُبس العارض فى البدن، وإذا طُلِىَ به على منابت أسنان الطفل، كان معيناً على نباتها وطلوعها، وهو نافع من السُّعال العارض من البرد واليبس، ويُذهب القُوباء والخشونة التى فى البدن، ويُلَيِّن الطبيعة، ولكنه يُضْعف شهوة الطعام، ويذهب بوخامته الحلو، كالعسل والتمر، وفى جمعه صلى الله عليه وسلم بين التمر وبينه من الحكمة إصلاحُ كل منهما بالآخر
.زَبيبٌ: رُوى فيه حديثان لا يَصِحَّان. أحدهما: ((نِعْمَ الطعامُ الزَّبِيبُ يُطيِّبُ النَّكْهَةَ، ويُذيبُ البلغم)). والثانى: ((نِعْمَ الطعامُ الزَّبيبُ يُذهبُ النَصَبَ، ويَشُدُّ العَصَبَ، ويُطفىء الغضَبَ، ويُصفِّى اللَّونَ، ويُطيِّبُ النَّكْهةَ)). وهذا أيضاً لا يصح فيه شىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد.. فأجودُ الزَّبيب ما كَبُر جسمه، وسَمِن شحمه ولحمه، ورَقَّ قشره، ونُزِع عَجَمُه، وصَغُرَ حَبُّه.وجُرْم الزبيب حارٌ رطب فى الأُولى، وحَـبُّه بارد يابس، وهو كالعنب المتَّخَذ منه: الحلوُ منه حار، والحامضُ قابض بارد، والأبيضُ أشد قبضاً من غيره، وإذا أُكِلَ لحمُه، وافق قصبة الرِّئة، ونفع من السُّعال، ووجع الكُلَى، والمثَانة، ويُقَوِّى المَعِدَة، ويُلَيِّن البَطْن.
والحلو اللَّحمِ أكثرُ غِذَاءً مِن العنب، وأقلُّ غِذاءً من التِّين اليابس، وله قوةٌ منضِجة هاضمة قابضة محلِّلة باعتدال، وهو بالجملة يُقَوِّى المَعِدَة والكَبِد والطِّحال، نافعٌ من وجع الحلق والصدر والرِّئة والكُلَى والمثانة، وأعدلُه أن يؤكل بغير عَجَمه.
وهو يُغذِّى غِذاءً صالحاً، ولا يسدِّد كما يفعل التَّمَرُ، وإذا أُكل منه بعَجَمِه كان أكثر نفعاً للمَعِدَة والكَبِدْ والطِّحال، وإذا لُصِقَ لحمُه على الأظافير المتحركة أسرع قلعَها، والحلوُ منه وما لا عَجَمَ له نافعٌ لأصحاب الرُّطوبات والبلغم، وهو يُخصب الكَبِدَ، وينفعُها بخاصيَّته.
وفيه نفعٌ للحفظ: قال الزُّهْرى: مَن أحبَّ أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيبَ. وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس: عَجَمُه داء، ولحمُه دواء.
زَنْجَبِيلٌ: قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً}[الإنسان :17]
وذكر أبو نُعيم فى كتاب ((الطب النبوى)) من حديث أبى سعيد الخُدرىّ رضى الله عنه قال: أهدى ملك الرُّوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جَرَّةَ زَنجبيلٍ، فأطعمَ كلَّ إنسان قطعة، وأطعمنى قطعة.
الزنجبيل حارٌ فى الثانية، رطب فى الأُولى، مُسْخِّن مُعين على هضم الطعام، مُلَيِّن للبطن تلييناً معتدلاً، نافع من سدد الكَبِدِ العارِضةِ عن البرد والرُّطوبة، ومن ظُلمة البصر الحادثة عن الرُّطوبة أكلاً واكتحالاً، مُعين على الجِمَاع، وهو مُحلِّل للرياح الغليظة الحادثة فى الأمعاء والمَعِدَة.
وبالجملة.. فهو صالح للكَبِد والمَعِدَة الباردتَى المزاج، وإذا أُخِذَ منه مع السكر وزنُ درهمين بالماء الحار، أسهلَ فُضولاً لَزِجَةً لُعابية، ويقع فى المعجونات التى تُحلِّل البلغم وتُذيبه.
والمُزِّىُّ منه حارٌ يابس يهيج الجِمَاع، ويزيدُ فى المَنِىِّ، وُيسخِّن المَعِدَة والكَبِد، ويُعين على الاستمراء، ويُنشِّف البلغم الغالب على البدن، ويزيد فى الحفظ، ويُوافق برْدَ الكَبِد والمَعِدة، ويُزيل بلتها الحادثة عن أكل الفاكهة، ويُطيِّب النَّكْهة، ويُدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة.
حرف السين
سَـنا: قد تقدَّم، وتقدَّم ((سَنُّوت)) أيضاً، وفيه سبعة أقوال:
أحدها: أنه العسل. الثانى: أنه رُبُّ عُكَّة السَّمْن يخرج خططاً سوداءَ على السَّمْن. الثالث: أنه حَبٌ يُشبه الكَمُّون، وليس بكمون. الرابع: الكمونُ الكِرَمْانىُّ. الخامس: أنه الشِّبِتُّ. السادس: أنه التَّمْر. السابع: أنه الرَّازْيَانج.
سَفَرْجَلٌ: روى ابن ماجه فى ((سننه)): من حديث إسماعيل ابن محمد الطلحى، عن نقيب بن حاجب، عن أبى سعيدِ، عن عبد الملك الزُّبيرى، عن طلحة بن عُبيد الله رضى الله عنه قال: دخلتُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وبيدِه سَفَرْجَلة، فقال: ((دُونَكَها يا طَلْحَةُ، فإنها تُجِمُّ الفُؤادَ)).
ورواه النسائىٌّ من طريق آخرَ، وقال: ((أتيتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وهو فى جماعةٍ من أصحابه، وبيده سفرجلة يُقلِّبُها، فلمَّا جلستُ إليه، دحَا بها إِلىّ ثم قال: ((دُونَكَها أبا ذَرٍ؛ فإنَّها تَشُدُّ القَلْبَ، وتُطيِّبُ النَّفْسَ، وتَذهَبُ بِطَخَاءِ الصَّدْرِ))
وقد رُوى فى السفرجل أحاديثُ أُخر، هذه أمثَلُها، ولا تصح.
والسفرجل بارد يابس، ويختلفُ فى ذلك باختلاف طعمه، وكلُّه بارد قابض، جيد للمَعِدَة، والحلوُ منه أقلُّ برودة ويُبساً، وأمْيَلُ إلى الاعتدال، والحامِضُ أشدُّ قبضاً ويُبساً وبرودة، وكُلُّه يُسَكِّن العطشَ والقىء، ويُدِرُّ البَوْل، ويَعقِلُ الطبع، وينفع من قرحة الأمعاء، ونفْث الدَّم، والهيْضَة، وينفعُ من الغَثَيان، ويمنع من تصاعُدِ الأبخرة إذا استُعْمِلَ بعد الطعام، وحُرَاقةُ أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء فى فعلها.
وهو قبل الطعام يقبض، وبعده يُليِّن الطبع، ويُسرع بانحدار الثفل، والإكثارُ منه مُضِرٌ بالعصب، مُولِّد للقُولَنْج، ويُطْفىء المِرَّة الصفراء المتولدة فى المعدة.
وإن شُوِىَ كان أقلَّ لخشونته، وأخفَّ، وإذا قُوِّرَ وسطُه، ونُزِعَ حبُّه، وجُعِلَ فيه العسلُ، وَطُيِّنَ جُرمُه بالعجين، وأُودِع الرماد الحارَّ، نفع نفعاً حسناً.
وأجودُ ما أُكِلَ مشوياً أو مطبوخاً بالعسل، وحَـبُّه ينفع من خشونة الحلق، وقصبة الرِّئة، وكثير من الأمراض، ودُهنه يمنع العَرَق، ويُقَوِّى المَعِدَة، والمربَّى منه يُقَوِّى المَعِدَة والكَبِد، ويشد القلب، ويُطيِّب النَّفَس.
ومعنى تُجِمُّ الفؤاد: تُريحه. وقيل: تفتحُه وتوسعه، مِن جمام الماءِ، وهو اتساعه وكثرته، والطَّخاء للقلبُ مِثلُ الغَيْم على السماء. قال أبو عُبيدٍ: الطَّخاء ثِقَلٌ وغَشْى، تقول: ما فى السماء طخاءٌ، أى: سحابٌ وظُلمة.
سِوَاكٌ: فى ((الصحيحين)) عنه صلى الله عليه وسلم: ((لَوْلا أن أَشُقَّ على أُمَّتى لأَمَرْتُهُمْ بالسِّواكِ عند كُلِّ صلاةٍ)).
وفيهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قامَ من اللَّيل يَشُوصُ فَاهُ بالسِّوَاكِ.
وفى ((صحيح البخارى)) تعليقاً عنه صلى الله عليه وسلم: ((السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ)).
وفى ((صحيح مسلم)): أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دَخَلَ بيته، بدأ بِالسِّوَاكِ.
والأحاديثُ فيه كثيرة، وصَحَّ عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبى بكر، وصَحَّ عنه أنه قال: ((أكْثَرْتُ عَلَيْكُم فى السِّوَاكِ)).
وأصلح ما اتُخِذَ السِّواكُ من خشب الأراك ونحوه، ولا ينبغى أن يُؤخذ من شجرة مجهولة، فربما كانت سُماً، وينبغى القصدُ فى استعماله، فإن بالغ فيه، فربما أذهب طَلاَوةَ الأسنان وصقالتها، وهيأَها لقبولِ الأبخرة المتصاعدة من المَعِدَة والأوساخ، ومتى استُعمل باعتدال، جلا الأسنان، وقوَّى العمود، وأطلق اللِّسَان، ومنع الحَفَر، وطيَّب النَّكهة، ونقَّى الدِّمَاغ، وشَهَّى الطَّعام.
وأجود ما استُعمل مبلولاً بماء الورد، ومن أنفعه أُصولُ الجَوْز. قال صاحب ((التيسير)): ((زعموا أنه إذا استاك به المستاك كلَّ خامسٍ من الأيام، نقَّى الرأس، وصفَّى الحواسَّ، وأحَدَّ الذهنَ))
وفى السِّوَاك عدة منافع: يُطيِّب الفم، ويشد اللِّثَةَ، ويقطع البلغم، ويجلو البصرَ، ويُذهب بالحَفَر، ويُصحُّ المَعِدَة، ويُصفِّى الصوت، ويُعين على هضم الطعام، ويُسَهِّل مجارى الكلام، ويُنَشِّطُ للقراءة، والذِّكر والصلاة، ويطرُد النوم، ويُرضى الرَّبَّ، ويُعْجِبُ الملائكة، ويُكثر الحسنات.
ويُستحَبُّ كلَّ وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والانتباهِ من النوم، وتغيير رائحة الفم، ويُستَحب للمفطر والصائم فى كل وقت لعموم الأحاديث فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاةٌ للرَّبِّ، ومرضاتُه مطلوبة فى الصوم أشدَّ من طلبِها فى الفِطر، ولأنه مَطْهَرَةٌ للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله.
وفى ((السنن)): عن عامر بن ربيعة رضى الله عنه، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما لا أُحْصى يَستاكُ، وهو صائمٌ.
وقال البخارىُّ: قال ابن عمرَ: يستاكُ أول النَّهار وآخره.
وأجمع الناسُ على أنَّ الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً، والمضمضةُ أبلغُ مِنَ السِّواك، وليس لله غرضٌ فى التقرُّب إليه بالرائحة الكريهة، ولا هى من جنس ما شُرِعَ التعبُّدُ به، وإنما ذكر طِيب الخُلوف عند الله يوم القيامة حثّاً منه على الصوم؛ لا حثاً على إبقاء الرائحة، بل الصائمُ أحوجُ إلى السِّوَاك من المْفطرِ.
وأيضاً فإنَّ رضوان الله أكبرُ من استطابتِه لخلوف فم الصائم.
وأيضاً فإنَّ محبَّته للسِّوَاك أعظمُ من محبته لبقاء خُلوف فم الصائم.
وأيضاً فإنَّ السِّوَاك لا يمنعُ طيبَ الخُلُوفِ الذى يُزيله السِّوَاكُ عند الله يوم القيامة، بل يأتى الصائمُ يوم القيامة، وخُلوفُ فمِه أطيبُ من المسك علامةً على صيامه، ولو أزاله بالسِّوَاك، كما أنَّ الجريحَ يأتى يوم القيامة، ولونُ دم جُرحه لونُ الدم، وريحُه ريحُ المسك، وهو مأمور بإزالته فى الدنيا.
وأيضاً فإنَّ الخُلوف لا يزولُ بالسِّوَاك، فإنَّ سبَبَه قائم، وهو خُلو المَعِدَة عن الطعام، وإنما يزولُ أثره، وهو المنعقِدُ على الأسنان واللِّثَة.
وأيضاً فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم علَّم أُمَّته ما يُسْتَحب لهم فى الصيام، وما يُكره لهم، ولم يجعلِ السِّوَاكَ من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضَّهم عليه بأبلغ ألفاظِ العموم والشمول، وهم يُشاهدونه يَستاك وهو صائم مراراً كثيرة تَفُوتُ الإحصاء، ويعلم أنهم يقتدون به، ولم يقل لهم يوماً من الدهر: لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع.. والله أعلم.
سَـمْنٌ: روى محمـد بن جرير الطبرى بإســناده، من حديث صُهيب يرفعُه ((عليكم بألبان البقَرِ، فإنها شفاءٌ، وسَمْنُها دَواءٌ، ولُحومُها داء)) رواه عن أحمد بن الحسن الترمذى، حدَّثنا محمد ابن موسى النسائى، حدَّثنا دَفَّاع ابن دَغْفَلٍ السَّـدوسى، عن عبد الحميد بن صَيفى بن صُهيب، عن أبيه، عن جده، ولا يثبت ما فى هذا الإسناد.
والسمن حار رطب فى الأُولى، وفيه جِلاء يسير، ولطافة وتفشية الأورام الحادثة مِن الأبدان الناعمة، وهو أقوى من الزُّبد فى الإنضاج والتليين، وذكر ((جالينوس)): أنه أبرأ به الأورامَ الحادثة فى الأُذن، وفى الأرنبة، وإذا دُلِكَ به موضعُ الأسنان، نبتت سريعاً، وإذا خُلِطَ مع عسل ولَوْزٍ مُرٍّ، جلا ما فى الصدر والرئة، والكَيموساتِ الغليظة اللَّزِجة، إلا أنه ضار بالمَعِدَة، سِيَّما إذا كان مزاجُ صاحبها بلغمياً.
وأما سمن البقر والمَعِزِ، فإنه إذا شُرِبَ مع العسل نفع من شرب السُّمِّ القاتل، ومِن لدغ الحيَّات والعقارب، وفى كتاب ابن السُّنى: عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: لم يَسْتشفِ الناسُ بشىءٍ أفضل مِنَ السمن.
سَمَكٌ: روى الإمام أحمد بن حنبل، وابن ماجه فى ((سننه)): من حديث عبد الله بن عمر، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتانِ ودَمَانِ: السَّمَكُ والجَرَادُ، والكَبِدُ والطِّحَالُ)).
أصنافُ السَّمَك كثيرة، وأجودُه ما لذَّ طعمه، وطابَ ريحُه، وتوسَّط مقدارُه، وكان رقيقَ القشر، ولم يكن صلبَ اللَّحم ولا يابسه، وكان فى ماءٍ عذب جارٍ على الحصباء، ويتغذَّى بالنبات لا الأقذار، وأصلح أماكنه ما كان فى نهر جيد الماء، وكان يأوِى إلى الأماكن الصخرية، ثم الرملية، والمياه الجارية العذبة التى لا قذرَ فيها، ولا حمأة، الكثيرة الاضطراب والتموج، المكشوفة للشمس والرِّياح.
والسَّمَك البحرى فاضل، محمود، لطيف، والطرى منه بارد رطب، عَسِر الانهضام، يُولِّد بلغماً كثيراً، إلا البحرىَ وما جرى مجراه، فإنه يُولِّد خلطاً محموداً، وهو يُخْصِبُ البدن، ويزيد فى المَنِىِّ، ويُصلح الأمزجة الحارة.
وأما المالح، فأجودُه ما كان قريبَ العهد بالتملُّح، وهو حار يابس، وكلما تقادم عهدُه ازداد حرُّه ويبسه، والسِّلور منه كثير اللزوجة، ويسمى الجِرِّىَّ، واليهودُ لا تأكله. وإذا أُكِلَ طريٍّا، كان مليِّناً للبطن، وإذا مُلِّحَ وعتق وأُكِلَ، صفَّى قصبة الرئة، وجوَّد الصوتَ، وإذا دُقَّ وَوُضِعَ مِن خارجٍ، أخرج السَّلَى والفضول من عُمق البدن من طريق أنَّ له قوة جاذبة.
وماء ملح الجِرِّىِّ المالح إذا جلسَ فيه مَن كانت به قرحة الأمعاء فى ابتداء العِلَّة، وافقه بجذبه الموادَّ إلى ظاهر البدن، وإذا احتُقِنَ به، أبرأ من عِرْق النَّسَا.
وأجودُ ما فى السَّمَك ما قرُب من مؤخرها، والطرىُّ السمين منه يُخصب البدن لحمُه ووَدَكُه.
وفى ((الصحيحين)): من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: ((بعثنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى ثلاثمائة راكب، وأميرُنا أبو عُبيدة بن الجرَّاح، فأتينا الساحِلَ، فأصابنا جوعٌ شديد، حتى أكلنا الخَبَطَ، فألقى لنا البحرُ حوتاً يقال لها: عنبر، فأكلنا منه نِصفَ شهرٍ، وائتدمنا بوَدَكِه حتى ثابت أجسامُنا، فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه، وحمل رَجُلاً على بعيره، ونصبه، فمرَّ تحته)).
سِلْقٌ: روى الترمذىُّ وأبو داود، عن أُمِّ المُنذِر، قالت: دخل علىَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومعه على رضى الله عنه، ولنا دَوَالٍ معلَّقةٌ، قالت
: فجعل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأكُلُ وعلىٌ معه يأكُلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَهْ يا علىُّ فإنَّكَ ناقِهٌ))، قالت: فجعلتُ لهم سِلْقاً وشعيراً، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((يا علىُّ؛ فأصِبْ من هذا، فإنه أوفَقُ لَكَ)). قال الترمذىُّ: حديثٌ حسن غريب.
السِّلق حار يابس فى الأُولى، وقيل: رطب فيها، وقيل: مُرَكَّبٌ منهما، وفيه برودةٌ ملطِّفة، وتحليلٌ، وتفتيحٌ. وفى الأسود منه قبضٌ ونفعٌ من داء الثعلب، والكَلَف، والحَزَارِ، والثآليل إذا طُلِىَ بمائه، ويقتل القمل، ويُطلَى به القُوَبَاء مع العسل، ويفتح سُدَدَ الكَبِدِ والطِّحال.
وأسودُه يَعقِلُ البطن، ولا سِيَّما مع العدس، وهما رديئان، والأبيضُ: يُلَيِّن مع العدس، ويُحْقَن بمائه للإسهال، وينفع من القُولَنْج مع المَرِىِّ والتَّوَابِل
وهو قليل الغذاء، ردىء الكَيْمُوس، يحرق الدمَ، ويُصلحه الخل والخَرْدَل، والإكثار منه يُولِّد القبض والنفخ.
والله أعلم.