كيف تعاملت الشريعة مع مُشكلة التحرش؟
عــلي بن جــابر بن ســالم الفيفــــــــــــي
alfaifi_ali@
----------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
تداول الناس مقطعاً مرئياً لمجموعة من الذكور يحيطون بفتاتين في إحدى شوارع مدينة جدة ، ويحاولون التحرش بهن بالمضايقة والأحاديث الجانبية..
وكانت ردة الفعل من عموم الناس غير مُستغربة ، لأن هذا العمل لا تُقره لا شريعة ولا رجولة..
وكالعادة -عند كل حالة تحرش نتفاجأ بها- فإنه يُطرح موضوع المطالبة بسنّ قانون للتحرش مرة بعد مرة..
وقد جاءت ردود الافعال حول التعامل مع هذا الحدث متفاوتة، فمن الناس من عتب على الطرفين -الفتاتين والمتحرشين- ومنهم من توجه باللوم على المتحرشين فقط، ومنهم من اكتفى بإلقاء اللوم على الفتاتين لأنهن لم يلتزمن حجاب وأدب المرأة المسلمة..
وفي هذه الأسطر سأبين -بتوفيق الله- ما هو الطريق الأنسب لمواجهة مثل هذه الحالات المؤسفة..
كتب بعضهم ((الحل في القانون، الحل في وضع قانون للتحرش وبهذه الطريقة سنقضي على هذه الظاهرة)) واستدل آخرون بالقانون الغربي الذي -كما يقولون- ((وضع قوانين للتحرش فلا يستطيع أحدٌ أن يتجرأ فيتحرش وبالتالي فستجد الفتيات في شواطئ ميامي عرايا ولا يستطيع أحدٌ أن يتحرش لأنه سيجد قانوناً يردعه)).
حسناً للناقش مدى جدوى الحل القانوني على الطريقة الغربية أو لنقُل الامريكية، وهل استطاع قانون التحرش القضاء على الظاهرة أو تحجيمها؟ ثم بعد ذلك ندلف الى طريقة الشريعة في التعامل مع هذه الظاهرة ..
في عام ٢٠٠٧ ميلادي طرح طالب ماجستير في جامعة جورج واشنطون استبياناً على ٢٢٥ مواطناً وكان السؤال المطروح كالتالي ((هل تعرضت لأي نوع من أنواع التحرش الجنسي في الأماكن العامة كالشوارع والأسواق ووسائل المواصلات؟؟)) أجاب ٩٩٪ منهم بنعم!
وفي دراسة أخرى في عام ٢٠٠٨، طُرح نفس السؤال على ٨١١ امرأة فأجاب الجميع -إلا ثلاثاً منهن- بنعم! علماً أن التحرش هنا يشمل الكلام واللمس والتقبيل أيضاً! وفي استبيان ثالث أجري في عام ٢٠١٤ على ٢٠٠٠ مواطن، ما بين رجل وامرأة، أجاب ٦٥ ٪ من النساء المشاركات في الاستبيان بنعم! ٢٣ ٪ منهن تعرضن للملامسة الجنسية و ٩٪ أُجبرهن على ممارسات جنسية!
http://www.stopstreetharassment.org/resources/statistics/
ووفقاً لما ذكره موقع ((ABCNEWS)) فإن واحدة من كل أربع نساء في أمريكا تعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن!
وذكرت ((نيويورك تايمز)) أن واحدة من كل ثلاث نساء في الجيش الامريكي تعرضن للاعتداء الجنسي! مما يعني أن التحرش في السلك العسكري أكثر منه في الأعمال المدنية.
وجميع هذه الأرقام إنما تتحدث عن من وافقن على الإجابة أو قمن برفع شكاوى مع العلم أن الأغلب يُفضلن التكتم على مثل هذه الوقائع.
إن أفضل وسيلة للحكم على مدى جدوى فكرة أو مشروع ، هي بالنظر في نتائجها ومخرجاتها، والنتائج التي ذكرناها تؤكد بشكل قاطع أن وجود قانون التحرش -بشكله الغربي- غير مُفيد.
لماذا؟ لماذا قوانين التحرش في الغرب غير مفيدة؟
لأن طبيعة هذه القوانين تنظر بعين واحدة وليس بعينين وأنّى للأعور أن يرى كل ما يراه ذو العينين.
إن فلسفة القانون في الدول الغربية انطلقت بالتأكيد على الانفصال عن شريعة السماء ثم بعد ذلك انفصل القانون عن الأخلاق بعد أن كان القانون والأخلاق -الأخلاق الفطرية المركوزة في النفس الانسانية- صنوين لا يفترقان، ومن هنا فَقَد القانون الغربي عدالته كما فقد الإنسان إنسانيته.
وهذا موضوع طويل ومتشابك وليس هذا محل الخوض فيه.
ولأن القانون الغربي المادي انفصل عن شريعة السماء وأصبح يمشي مشية عرجاء فهو يقع في مضحكات مُبكيات وهو يدعوا للشيء ويأتي بنقيضه ويزعم العدالة وهو يمارس الظلم باسمها وهكذا ، وهذا موضوع طويلٌ أيضاً سنكتب فيه في مكان آخر إن يسر الله..
قانون التحرش في الغرب فشل لأنه - ولأسباب كثيرة أوصلته لهذه النقطة - يُحاسبُ طرفاً ويدعُ آخر ، فلم يجد نتيجة مُشجعة ولا مُقنعة ..
فما هو الطريق إذن نحو محاربة مثل هذه الظاهرة المؤسفة ؟
الطريق الوحيد هو طريق الشريعة
فماذا فعلت الشريعة؟
عالجت الشريعةُ هذه المشكلة عبر خطوتين ، الخطوة الأولى موجودة في آية الأحزاب ((٥٩)) والثانية في الآية التي تليها ((٦٠))
والسبب في نزول هاتين الآيتين أن المنافقين والفساق وأهل الفجور كانوا يتعرضون للنساء إذا خرجن في الطرقات فنزلت الآيات لتعالج هذا الإشكال الذي لا يليق بالمجتمع الإسلامي..
فكانت الآية الاولى أمراً للفريق الأول وهو النساء ((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين ..)) فتوجه الأمر إلى النساء بالاحتشام حتى لا يؤذين ولا يتجرأ عليهنّ مرضى القلوب.
وكانت الآية الثانية تحذيراً وتهديداً للفريق الثاني وهم الٌفساق والمنافقون وأهل الشهوات من الرجال ((لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمُرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا)).
فتعاملت الشريعة مع المشكلة بأكمل وجه وأحسنه، وأدبت الطرفين بالأمر الشرعي، فإن انقادا فالحمد لله وإن أبيا فإن الله ليزع بالسلطان مالايزع بالقرآن، ومن لا يؤدبه الشرع فإن السلطان المسلم مُطالبٌ بمعاقبته حتى ينتهي.
وهذا -كما أسلفنا- مالم يفعله القانون الغربي الكافر بشريعة السماء، فكانت النتيجة كما رأينا نتيجة سيئة ولن يجني زارعٌ من الشوك العنب!
سيقول بعضهم: إن في إجبار المرأة على لباس مُعين دليلٌ على عدم الثقة بها!
ولأن هذا السؤال إنما يأتي من أفواه من لا يسمعون لأمر الله فإننا لن نناقشهم الا بطريقتهم فلهم نقول: وإن في وضع قانون للتحرش دليلٌ على عدم الثقة بالرجال أيضاً!!
إن قانون التحرش الذي ينادي به البعض مرفوضٌ لسببين:-
الأول: أن لدينا طريقة الشريعة وهي أقوم الطرق وأكملها وأعرفها بما يحتاجه الانسان لأن شارع الشريعة هو ذاته خالق الخلق تعالى وتقدس فهو أعلم بما يصلح لعباده ألا له الخلق والأمر.
الثاني: أن قانون التحرش بشكله الذي يروج له دعاته = قانونٌ مفصلٌ وفق النظرة الغربية وليس وفق النظرة الاسلامية الإنسانية، فالغزل والعناق بل وممارسة الرذيلة في المجتمع الغربي مباحٌ بلا قيود مادام الطرفان متفقين وإنما يُطبق قانون التحرش إذا رفض أحد الطرفين! وهذا يعني -في حالة استصدار هذا القانون- التشريع لثقافة الزنا والفحشاء والرذيلة مادامت الأطراف راضية مما يعني التحول من المجتمع الإنساني الإسلامي الذي أراده الله واختاره لعبيده الى الشرعة الغربية التي حولت الانسان الى بهيمة في شهواته والى آلة في حياته ففقد بذلك إنسانيته.
---------------------------
كتبه:
علي جابر المشنوي
@alfaifi_ali