كن ربانياً.. ولا تكن رمضانياً
فقد قيل لأحد الصالحين أيهما أفضل: رجب أم شعبان؟
فقال: كن ربانياً ولا تكن شعبانياً!!
اثبت وتصطبر ورب نفسك وألزمها الصواب.. املك زمام المبادرة.
رب رمضان رب الشهور كلها، لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد والحرص على الخيرات، فالنفس لا تطيق ذلك، ورمضان له فضائل وخصائص
ولكنا نقول: لا للانقطاع عن الأعمال الصالحة.
باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها.. فسألتهم.. فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان!، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردوني إليهم.
كان الحسن يقول: عجبت لأقوام أمروا بالزاد، ونودي فيهم بالرحيل، وجلس أولهم على آخرهم ويلعبون!!
وكان يقول: يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر، والكبش يعتلف.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول: إنا لله.. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول: ذهب عمري، كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها.
وقيل لعمرو بن هاني: لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم؟
قال: مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع.
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي، فتقول له أمه: يا بني، قتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي.
قال الجماني: لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته، فقال: لا تبك، وأشار إلى زواية في البيت، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول: صُم الدنيا واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم.
وقَد صُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّه *** ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي.
مَنْ صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومَنْ تعجل ما حُرِّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته، قال الله تعالى: {أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا}.
يقول كعب: [رضي الله عنه]: (مَنْ صام رمضان وهو يٌحدث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود).