توبة طالبة جامعية من الحب المُحَرَّم
تقول هذه الفتاة:
عشت في أسرة طيبة..
مسلمة بالوراثة، وكنت دائماً أظن أن الإسلام مجرد صلاة وصوم وارتداء للحجاب وكف الأذى عن الناس فقط لا غير..
فارتديت الحجاب في المرحلة المتوسطة، وكان هدفي أن أعيش حياتي القادمة في التزام حقيقي بالدين .
ولكن .. لم أجد من يعرفني بديني ..
لم أجد من يُهدي إلى كتاباً أو نصيحة ..
كنت أحب الله بطريقة خاطئة ، فلم أسلك الطريق الصحيح لأعرفه – جل وعلا – حق المعرفة .
وانتقلت إلى المرحلة الثانوية بنفس الرغبة في بلوغ أقصى درجات التدين، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. رفيقات السوء للاتي كن أعز الصديقات رسمن لي طريقاً معوجاً، فتغير هدفي، وتبدلت غايتي، وزين لي أولئك الرفيقات ما كنت أستقبحه، وأذكر أنه كانت لي رفيقة في الصف، متدينة ومتخلّقة، وكانت دائماً تقول لي: (( أنت أخجل صديقة عرفتها في حياتي )) ..
صحيح أني كنت كذلك ، لكنها لم تقدم لي النصيحة وأنا أنجرف في تيار الأخريات .
لم تمد يدها لتنقذني ، بل تركتني على شفا حفرة مظلمة ، ولولا رحمة ربي الواحد الأحد لكنت الآن في هاوية الضلال ..
لقد أصبح حجابي زينة في نفسه ، وارتكبت برفقة قرينات السوء الكثير من المنكرات ..
ثم انتقلت إلى المرحلة الجامعية ، وهناك كانت لدي الحرية المطلقة ، حيث كنت أسكن بسكن الطالبات ..
رفيقاتي كن يفقنني جمالاً، وكان الطلاب في المعهد وخارجه يسألون دائماً صداقتهن، فكنت أغار منهن لأنني -ولحسن الحظ- لم أجلب انتباه أحد ، لأن لباسي لم يكن طراز الموضة، وكنت أحسب أن لا جمال لدى على الإطلاق، وصار هذا هو همي: أن أبرهن لصديقاتي المغرورات بجمالهن أن هناك في الجو شاباً أنيقاً يريدني صديقة !! أو حبيبة ! بل زوجة في المستقبل .. ولم لا ؟ .
ولأبرهن لنفسي الأمارة بالسوء أني جميلة ومطلوبة ، وكان هذا هو حال معظم الطالبات إن لم أقل كلهن !! فيا أيها الآباء الغيورون على بناتكم، لا تتركوهن في الأحياء الجامعية، وامتثلوا أمر الله فيهن: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) ((الأحزاب: 33)) .
ومع هذه الرغبة الملحة في اقتناء صديق، منعني حيائي -أو ما تبقى منه- أن أقع في مثل هذا المنكر العظيم ، والله يعلم أني ما كنت أبغي الزنى، ولكن العين تزني، لم أكن أغض بصري، وكأن نظراتي الطليقة تسأل الناس: هل من شاب يناسبني وأناسبه؟ وكان الشيطان حاضراً ومعيناً، فسرعان ما وجدت الشاب المناسب!!
كان يكبرني بسنة تقريباً، الكثير من الطالبات فتن به، كان قرينات السوء يشجعنني على الاستمرار، ويقلن لي: ((يا لحظك العظيم!! شاب بهذه المواصفات لك أنت! جميع الطالبات سيغرن منك إذا رأينك تقفين معه)) وكلام من هذا القبيل، حتى امتد حبه في قلبي جذوراً عميقة، فمن ذا الذي يستطيع اقتلاع تلك الجذور، ولكن الله الفعال لما يريد أراد ألا أضيع، فقد كان ذلك الشاب أفضل مني بكثير..
كان خجولاً جداً، يكره مصاحبة الفتيات، وما كادت السنة الجامعية تؤذن بالانتهاء حتى ترك المعهد ورحل دون أن يكترث بما كنت أقدمه له من نظرات!!
زادني رحيله ألماً وحسرة وعذاباً، حتى إني لم أعد أطيق المذاكرة ، وانتهت السنة ، ثم السنة الموالية ، وما زلت أعيش بنفس الأحزان على فراق الحبيب الموهوم ..
حتى جاءت السنة التي تليها .. وجدت أن حياتي لم يعد لها معنى أو هدف..
سنوات مضت وضاعت ، فهل سأعيش هكذا بلا هدف ؟! فكرت ، ثم فكرت ، فلم أجد حلاً أفضل من النسيان..
حدّثت نفسي أنني لو أنصت إلى شريط في وصف الجنة والنار أهداه إلي أحد الأقارب، لربما أتعظ وأنسى..
وبالفعل، كان لي بالمرصاد، واقتلع من صدري جذور الوهم..
لقد مزق قلبي، وأفرغه من القيح والصديد، وكل ما علق به من آثار المعاصي..
واستمعت إلى أشرطة أخرى كثيرة، كانت بفضل الله سبباً لتوبتي وأوبتي إلى خالقي جل وعلا، وأقلعت عن سماع الغناء، والنظر إلى ما حرم الله في التلفاز وغيره ..
وبدلت حجابي المزيف بآخر حقيقي ..
لكن بقي شيء واحد لم أغيره ..
وجودي المستمر في الجامعة الشيطانية بين قرينات السوء ، والاختلاط ، والمنكرات المتفشية ، وبعون الله تعالى تخلّصت من أمور كثيرة ، وابتعدت عن قرينات السوء ، فاستعدت حيائي الذي ضيّعته سنوات عدة .
وفي هذه الأثناء تقدّم لخطبتي شاب متدين ..
لا تتصوّر كم كنت سعيدة ..
هل فعلاً سأتزوّج ، وأعيش حياة طاهرة كما كنت أحلم وأنا في المرحلة المتوسّطة .. دين وخلق ..
لكن .. ما زلت بالجامعة ..
بقي عام على التخرّج ، فكنت أخادع نفسي بحبّ الدنيا والدين في آن واحد ، وكان ذلك الطالب يطاردني حتّى في الحلم ..
وجاءت الضربة الصاعقة لتوقظني من سبات دام سنوات ...
انسحب الخطيب وأهله ، فلقد أخطؤوا المنزل والعنوان ..
كانوا يقصدون الشارع الموالي ، ويريدون تلك التي تلبس الجلباب والحجاب ، ولم تدرس بالجامعة قط ..
تذكّرت عند ما قالت والدته: ((كان ولدي يصلّي آناء الليل، ويدعو الله دائماً أن يرزقه الزوجة الصالحة..)).
إذن لم أكن صالحة على حدّ قولها، وهذه هي الحقيقة، لأنّي لم أكن مخلصة، كنت مخادعة.. مرّ أسبوع أو أكثر وأنا أذرف الدموع حزناً على نفسي لعدم صفائها وصلاحها ، فجدّدت توبتي لعلّ الله أن يهديني هذه المرّة .
وعدت إلى الجامعة من جديد ، فكنت أجتهد في المذاكرة ، وأجتهد في قراءة القرآن والكتب الفقهية النافعة ، لكنّ الشيطان زيّن لي طريقاً إلى ذلك الوهم فتعلقت بطالب أخر ، كنت كلّما دخلت من باب الجامعة أشعر وكأنّ الشياطين تستقبلني وتحملني على أيديها الخبيثة لتوصلني هدية إلى ذلك الطالب الذي لا يفارق وجوده مكاني ..
أدركت حقيقة نفسي وما الذي تبغيه .. احترق قلبي بالدموع المُرّة ..
لماذا لم تتغيّر هذه النفس على الرغم من الجهود التي أبذلها في سبيل ذلك ؟
فجأة .. اتّخذت قراراً حاسماً .. تركت الجامعة .. تركها كان هو الحلّ الوحيد لمشكلتي .. رميت بشهادة التخرّج التي كنت أحلم بها عرض الحائط فارّة بنفسي إلى البيت ..
ياه .. كم هي الحياة في البيت سعيدة وهادئة .. خالية من الذنوب والمعاصي ..
أصبحت أجد لذّة عظيمة وأنا أقوم بالعبادات والطاعات ، ومعظم وقتي أقضيه في دراسة كتب العقيدة والفقه والسيرة ، وبعون الله تغلّبت على النفس والهوى ..
نصيحتي الوحيدة التي أقدّمها لأخواتي: إيّاكنّ والاختلاط ..
إيّاكنّ والاختلاط ..إيّاكنّ ورفيقات السوء ...
وإلى الآباء: لا تتركوا بناتكم في الأحياء الجامعية المختلطة ..
وإلى الأمّهات: رغّبن بناتكنّ المكوث في البيت والبقاء فيه ..
وإلى الشباب عامّة: والطلّاب في الجامعات بخاصّة: اتّقوا الله في أنفسكم ، وفي بنات المسلمين .. عودوا إلى الله ، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا ..
وبعد؛ أسأل الله عزّ وجلّ أن ينفع بقصّتي كل عاشقة للدنيا ، زاهدة في الآخرة ..
وأقول: والله لن تنالي شيئاً ببعدك عن الله .. والسعادة كلّ السعادة تكمن في القرب من الواحد الديّان ..
اللهمّ اجعلني أمّاً صالحة .. واجعلني قدوة لبناتي ، واهد قلوب المسلمين .. آمين ..
أختكم التائبة / أمّ إبراهيم .