توبة امرأة من إتيان العرافين والكهنة
ورد في الحديث الشريف: ((مَن أتى عرّافاً فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً))، وفي حديث آخر: ((مُن أتى كاهناً فصدّقه بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).
قال العلماء في الجمع بين هذين الحدثين:
مَن أتى كاهناً أو عرّافاً ولم يُصدقه، لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدَّقه، كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومَن تاب، تاب اللهُ عليه.
تقول هذه التائبة:
تزوجت في السابعة عشرة من عمري، وأنجبت بنتاً واحدة.. عشت حياة ترف مع زوجي: حفلات.. سهرات.. تبرج.. نسينا الله والدار الآخرة، وجعلنا الدنيا وملذّاتها صوب أعيننا، وزينها لنا الشيطان فكانت في أبهى زينتها..
ومضت الأيام، والأعوام، ولما بلغت ابنتي اثني عشر عاماً، تاقت نفسي للإنجاب مرة ثانية، واتفقت أنا وزوجي على ذلك، فكان الحمل.
لكنّ حملي هذه المرة لم يكن طبيعياً، ففي كل زيارة للطبيب يقول لي: إن حملك هذا غير سليم، ولمن يمر هذا الشهر إلا وسيحدث لك إجهاض!!.
صُرفت لي أدوية كثيرة، وحقن، و.. و... ولكن زوجي لم يكن مطمئناً.. فأخذ يتلفت يميناً وشمالاً، وفوجئت به مرة يقول لي: لقد وجدته، إن يده مباركة!، وما إن يعمل لك عملاً حتى ينجح فيه، تعالى نزوره.
وذهبت معه إلى ذلك الرجل، كان عرافاً، وما إن مثلت بين يديه حتى بدأ العمل:
بخور، وكلمات، وهمهمات.. لم أفهم منها شيئاً.. المهم أن كل ما طلبه مني قمت بعمله، لكن الآلام لم تبرح تعاودني بشكل مستمر، ولما زرت الطبيب لأسأله مرة ثانية قال لي مثل ما قال لي في المرة الأولى: انتظري إجهاضاً..
ثم عرض علي حقناً تساعد على تخفيف الألم.. فكنت أرفض بشدة، وأعيد زياراتي للعراف الفلاني، والكاهنة الفلانية، هذا بالبخور، وذلك بالتمائم، وتلك بأعمال مختلفة من ضروب الشعوذة، حتى ضاق صدري واختنقت، ولم أعد أطيق الصبر، وبدأت تترآى لي في المنام أحلام مزعجة لا أفهمها، ولا أحرص على تفسيرها.. باختصار، عشت حياة يائسة كادت أن تقودني إلى الجنون ..
وفي لحظة شعرت وكأن الزمن قد توقف..
أخذت بكل تلك التمائم وألقيتها أرضاً، ورفعت يدي إلى السماء..
وقلت بصوت مسموع والدموع تملأ عيني:
((سلمت أمري لك يا رب، فأعني))..
وما هي إلا أيام حتى هدأت العاصفة.. لا ألم، ولا نزيف، ولا وساوس.. أحسست باطمئنان غريب في نفسي..
قمت فاغتسلت وتطهّرت ثم صليت، فكانت أول صلاة لي منذ زمن طويل..
وأحسست براحة عجيبة، وارتاح من حولي، وزرت الطبيب، فاندهش لحالي، وقال لي: ماذا فعلت؟
قلت: لا شيء سوى أني توكلت على الله، ومَن توكل على كفاه.
انتهت مدة الحمل، وأنجبت بنتاً مكتملة الخلق ولله الحمد، وداومت على صلاتي من غير أن أطبق شيئاً آخر من تعاليم الإسلام من حجاب أو غيره...
ولما بلغت بنتي العامين ونصف العام بدأت تتحدث بطريقة عجيبة..
كانت تقول ماما ماما: أتحبين الله؟
فأجيب: نعم، بالطبع..
فتقول: ماما، إن الله يحبّنا إذ أعطانا الخبز والبيض والماء..!
ومرة قالت: ماما، صِفِي لي رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم.
قلت: إنه جميل جميل جميل.. أعدتها عدة مرات..
فقاطعتني قائلة: إيه جميل؟!! ماما، لا تقولي جميل، قولي: (منَوَّر).
وهي كلمة عاميّة في الجزائر، مشتقة من النور ومعاني أخرى عدة..
كلمات كثيرة كانت تقولها، أظل أياماً أفكر فيها، وبعد أن رويت لإحدى أخواتي عن طريقة حملي، وعن كلام ابنتي، أهدتني كتاباً عن الدعاء في السنّة، تعلّمت منه الكثير، ونصحتني بالحجاب، فارتديته.
ودخلت المسجد لأول مرة، وتعرفت على الصحبة الصالحة، التقية النقية، التي تخاف الله، فكان ذلك عوناً لي على معرفة ديني بطريقة لو عرضت على الكفار لدخلوا في دين الله أفواجاً..
ويكفيني منهم الكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة التي يلقونني بها، وحقاً إن تبسمك في وجه أخيك صدقة، كما قال النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم.
ثم بدأت الجهاد في بيتي مع زوجي وبناتي، والحمد لله، فمنذ شهور قليلة فقط بدأ زوجي يعرف الطريق إلى المسجد، أما ابنتي الكبرى فقد ارتدت الحجاب، وهي من المُستمعات المُطيعات، فهي تقرأ معي الكتب التي أستعيرها من المسجد أو من بعض الأخوات الصالحات، وقد اقتنعت أخيراً بحُرمة الغناء، واجتنبته بلا جدال، وكذا أشياء أخرى لا تُعد..
فلله الحمد والمنة، أولاً وآخراً.