توبة مُعاكِسة
إنّ المعاكسات التي تحدث بين الجنسين لهي من أعظم البلايا وأخطرها على الفرد والمجتمع، وما أكثر ضحايا هذه المعاكسات من الجنسين، وبخاصّة النساء...
ولنستمع إلى هذه التائبة لتروي لنا تجربتها المرّة مع هذه المعاكسات.. تقول:
تزوجت في سنّ مبكرة، وكنت مخلصة لزوجي غاية الإخلاص، حتّى كنت معه كالطفلة المدلّلة، أفعل كلّ ما يأمرني به، على الرغم من أنّي نشأت في أسرة ثريّة كنت فيها أُخدَم ولا أَخدِم، كان أبي قد طلّق أمّي فتزوّجتْ بغيره، وتزوّج هو بغيرها، فكان من نتائج ذلك أن فقدت حنان الأمّ، كما فقدت التوجيه السليم.
كان زوجي يذهب لزيارة أهله في كل أسبوعين فيمكث يومين، فأنتهزها فرصة للذهاب إلى بيت عمّي القريب من بيتنا، فكنت أجد من زوجة عمّي حناناً غريباً، وعطفاً زائداً حيث كانت تعطيني كل ما أطلب، لكنّها لم تكن مستقيمة، فقد كانت تذهب بي إلى الأسواق، وإلى هنا وهناك، وتفعل أشياء مخلّة بالأدب لا ترضي الله تعالى، فسرت على نهجها، والصاحب ساحب كما يقولون، ومن تلك اللحظات تغيّرت الفتاة الوديعة الغافلة إلى فتاة مستهترة متمّردة على كل من حولها..
كانت زوجة عمّي –هداها الله– دائماً تغريني بأنّ خروج المرأة من بيتها حريّة، ورفع صوتها للحصول على مطالبها أفضل وسيلة، فصرت أستهزئ بكل من يذكّرني بالله أو يدعوني إليه.. ألهو كما أشاء، وألعب كما أحبّ على الرغم من أنّي زوجة، ولي أولاد، لكنّي لم أكن أبالي، ولم يقف الأمر عند هذا، بل رحت أجمع حولي صديقات سيئات الأخلاق، كن دائماً يدعونني إلى الحفلات والأفراح، والخروج إلى الأسواق بلا سبب يُذكر، وبما أنّي كنت أكثرهن ذكاء وجمالاً وتمرّداً، وأقلهن حياءً، كنت أنا الزعيمة.
وأدهى من ذلك أنّني كنت أعتقد في السحر، وأستعين بالمشعوذين مع خطورة ذلك على العقيدة.
وفي يوم من الأيام جاءتني امرأة من نساء الجيران، ولم أكن أهتمّ بمن يسكن حولي، ولا أحبّ الاختلاط بهم، ولكنّ هذه المرأة تعلّقت بي، وأصّرت على زيارتي، وبما أنّها كانت صالحة وملتزمة فقد كرهت الجلوس معها، وكنت دائماً أحاول الهروب منها، لكنّها كانت لا تيأس، وتقول لي: لقد صلّيت صلاة الاستخارة.
هل أنزل عندك مرّة أخرى أم لا، فيقدّر الله لي النزول ورؤيتك.
ومرّت الأيام –حوالي الشهرين– مرّة تكلّمني، ومرّات لا تستطيع أن تقابلني، وكانت تذهب كلّ يوم بعد العصر لتعلّم النساء القرآن في المسجد المجاور لنا، وكلّما رآها زوجي دعا الله أن أكون مثلها، وكانت هي تدعوني إلى الذهاب معها إلى المسجد، ولكنّي كنت أعتذر بأعذار واهية، حتى لا أذهب.
وكانت دائماً تقول لي: إنّي –والله– أقوم من الليل أصلي، فأدعو الله لكِ بالهداية، وعند ما أتقلّب في فراشي أذكرك فأدعو الله لكِ، وذلك لما تفرّسَتْه فيّ من الذكاء، وقوّة الحجّة، وفصاحة اللسان، والقدرة على جذب الناس حولي.
وجاء يوم ذَهَبَتْ فيه خادمتي إلى بلدها، وكنت بانتظار مجيء أخرى، فجاءتني جارتي وأنا منشغلة ببعض أعمال البيت، فاقترحت عليّ الاستغناء عن الخادمة، وكان موعد قدومها عصر ذلك اليوم، فقدر الله عزّ وجل أن يتأخّر قدومها أسبوعاً كاملاً، فكانت جارتي تأتيني فتجدني في البيت، فتساعدني في بعض الأعمال، وتُسرّ بي سروراً كبيراً.
وكنت أنا في الوقت نفسه قد أحببتها، ورأيتها امرأة مرحة، لا كما كنت أتصوّر، فإنّ زوجي من الملتزمين، ولكنّه كان دائماً عابس الوجه، مقطّب الجبين، فكنت أظن أنّ ذلك هو دأب الملتزمين جميعاً، حتّى رأيت هذه المرأة وعاشرتها، فتغيّرت الصورة التي كانت في ذهني عن الملتزمين.
وبعد ذلك بأيام توفيت قريبة لي، فذهبت للعزاء، فإذا امرأة كانت تتكلّم عن الموت، وما يجري للإنسان عند موته بدءاً من سكرات الموت وخروج الروح، ومروراً بالقبر وما فيه من الأهوال والسؤال، وانتهاءً بدخول الجنّة أو النار..
عندها توقفت مع نفسي قائلة.. إلى متى الغفلة، والموت يطلبنا في كل وقت وفي كل مكان، وفكّرت.. وفكرت، فكانت هذه هي البداية.
وفي صباح اليوم التالي وجدت نفسي وحيدة ولأول مرة أحس بالخوف.. فقد تذكرت وحدة القبر وظلمته ووحشته، فكنت ألجأ إلى جارتي المخلصة لتسليني، فكانت تجيء إليّ بالكتب الوعظية النافعة، فكنت عند ما أقرأها أحسّ وكأنّني أنا المخاطبة بما فيها، خاصّة فيما يتعلّق بمحاسبة النفس، وظللت أقرأ وأقرأ حتّى شرح الله صدري للهدى والحقّ، وذقت طعم الإيمان.
عندها أحسست بالسعادة الحقيقيّة التي كنت أفتقدها من قبل، وتغيّرت نظرتي للحياة، فلم أعد تلك الإنسانة اللاهية العابثة المستهترة، وابتعدت عن رفيقات السوء، وكرهت الأسواق، بل كرهت الخروج من المنزل إلّا لحاجة أو ضرورة ماسّة، والتحقت بدار الذكر لتحفيظ القرآن الكريم.
هذا كلّه بفضل الله ثمّ بفضل الصحبة الصالحة، والدعوات المخلصة بظهر الغيب من جارتي وزوجي، ولله الحمد والمنّة.