توبة شاب مستهتر
روى لي قصّته بنفسه فقال:
يظلّ هذا الإنسان على مفترق طرق كلّها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما: طريق الأخيار، وطريق الأشرار.. هذا الإنسان وإن عاش طويلاً فإنّ الأعمال كأنّها لمح بصر.
فرق بين شابّ نشأ في طاعة الله، وشابّ نشأ على المسلسلات والأفلام، بين شابّ إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمةً من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وشابّ إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به، والضحك منه.
كنت في الصفّ الثاني الثانوي، فبدأت حياتي تتغيّر إلى الأسوأ، وتنقلب رأساً، على عقب، بدأت لا أصلّي، ولا أشهد الجماعة في المسجد.. أخذت حياتي تتغيّر حتّى في مظهري الخارجي..
تلك قَصّة شعر فرنسية، وأخرى إيطالية.. وملابسي لم تعد ثوباً وغترة، بل أصبحت لباساً غريباً فاضحاً.. وجهي أصبح كالحاً مكفهرّاً.
وفارقت الابتسامة شفتاي.
مرّت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال، حتّى جاء اليوم الموعود.
كنت جالساً مع ((شلّة)) لا همّ لهم إلّا الدندنة والعزف على العود، ودقّ الطبول إلى آخر الليل.. شلّة فاسدة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، بل تحثّ على المنكر، وتأمر به.
وبينما نحن في لهونا وغفلتنا، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح، كنت وقتها أكره الملتزمين كرهاً شديداً لا يتصوّره أحد.. أقبل أولئك النفر، فسلّموا علينا، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة.. كنّا عشرة، وكنت أنا أشدّ هؤلاء العشرة في الردّ على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا، كنت أقول لهم: أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة، ولا كيف تدعون.. إلخ.
دار النقاش بيننا وبينهم لمدّة ساعة كاملة كنّا خلالها نستهزئ بهم، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيّب.. ولمّا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي: إنّ لك شأناً عظيماً..
مرّ أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغيّر.. من معصية إلى أخرى ، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل، بعد سهرة مع تلك الشلّة الفاسدة..
كنت متعباً، فألقيت بنفسي على الفراش، ورحت أغطّ في سبات عميق، فرأيت فيما يرى النائم أنّني أمام حفرة بيضاء لم أر مثلها قط، فسجدت لله شكراً حيث نجّاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة، فقمت من نومي فزعاً، فإذا بشريط حياتي الأسود يمرّ أمامي.. لا أدري ما الذي أصابني..
قلت في نفسي: لو أنّى متّ في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنّة؟
هل تنفعني تلك الشلّة الفاسدة التي لا همّ إلا السهر إلى آخر الليل، والتفكّه بأكل لحوم البشر.. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى تطليق تلك الشلّة الفاسدة، ومن ترك شيئاً لله، عوّضه الله خيراً منه.
أخوكم محمد
الرياض