توبة مدمّر الأصنام
إنّه شاب نيجيري، تبدو على وجهه علامات القوّة والشكيمة، بدأت رحلته من الإسلام الوراثي المغلوط، إلى النصرانية المحرّفة، ثم إلى الإسلام من جديد، ولكنّه الإسلام الصحيح.
أمّا تفاصيل رحلته فيرويها بنفسه، يقول:
تعرّفت على الإسلام منذ طفولتي المبكّرة، وهذا أمر بدهي بحكم إسلام الأسرة الوراثي، وبدأت تجربتي مع الإسلام تقريباً في أوّل مرحلة للتعليم، كنت في التاسعة من العمر حين التحقت بالمدرسة الإسلامية الصغرى في نيجريا بناء على رغبة والدي الذي كان يشجعني يحدّثني عن الإسلام، ويقول لي: إنّ الدين الإسلاميّ عُني بالحياة كلّها، وبكلّ ما يمتدّ على أديم الأرض المضطرب، وتشرّبتُ المعاني التي لقّنني إيّاها، ورسخت في ذهني ، فقد تعلّمت منه أنّ الإسلام جعل لكلِّ مشكلة حلاً، ولكلّ عملٍ صالحٍ ثواباً، ولكلّ عملٍ سيءٍ عقاباً، ولكلّ مستغفر وتائب أجراً، وهذه القناعات لم تفارقني حتّى داخل الكنيسة يوم أن لبست ثوب النصرانية المحرّفة.
ثمّ في عام 1390هـ التحقت بمدرسة ثانويّة حكوميّة، وكانت تجربة مثيرة، التقيت خلالها بالكثير من الطلاب المسلمين الذين على ديني، وكوّنت علاقات طَوّرت معرفتي بالعبادات، فكنّا نحيي ليالي رمضان بالقيام وتلاوة القرآن، وننظّم برامج دينيّة ورحلات وزيارات في عيدي الفطر والأضحى، وأدركت في تلك المرحلة أنّ الإسلام دين حنيف، وهو دين الرحمة والقوّة والمحبّة.
ربّما سألني سائل فقال: إذن ، لماذا تنصّرت؟
فأقول: إنّ هذا السؤال يذكّرني بجملة قرأتها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، معناها: يجب علينا أن نعبد الله بالذوق والوجدان والقلب والروح والضمير.
أمّا لماذا تنصّرت، فأقول:
تنصّرت عند ما لاحظت أنّ كثيراً ممّن حولي من المسلمين لا يأبهون بدينهم من ناحية الشعائر والسلوك والمعاملات، وأنّ كثيراً منهم يتّجهون وجهة مغايرة لدينهم، إنّهم يتزيّون فقط بزيّ الدين، والإسلام عندهم اسم فقط، تبيّن أنّ أعمالهم تناقض عقيدتهم في أصولها وقواعدها ومظاهرها، نفاق، وحقد، وحسد، وإخلاف للوعد، ونقض للعهد..
ولهذا تركت بعضهم فوراً، وتعرّفت على زملاء نصارى في المدرسة نفسها، وصاحبت بعضهم، ونمت علاقاتي معهم، وقويت جداً، وبعد فترة شعرت أن الشباب النصراني أحسن معاملة، وأكثر وعياً ورحابة صدر، وانتماؤهم إلى دينهم كان أقوى من انتماء المسلمين إلى دينهم.
علاوة على المساعدات الماديّة والمعنوية التي تلقّيتها منهم، ولذا قبلت الدعوة إلى اعتناق النصرانية المحرفة فور أن وجّهت إليّ.
نعم.. لقد أخرجني سلوك المسلمين من الإسلام، وأدخلني سلوك النصارى إلى النصرانية!! وبالطبع، لو كنت على علم بالعقيدة الصحيحة وأصولها لكان إيماني بها قوّياً، ولما تنصّرت.
ولعلّي أذكر هنا مقولة مشهورة لأحد كبار المفكرين الذي اعتنق الإسلام مؤخّراً والتي تبيّن أثر السلوك في تحويل عقيدة الفرد، حيث قال: ((الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل أن أعرف سلوك المسلمين)).
لكنّي منذ أن تنصّرت وأنا مضطرب الوجدان، ويسكن في داخلي خوف كبير، خوف لا تحدّه حدود، وتنتابني حالات من القلق والأرق ولا أدري كنهها.. كنت أهرب إلى الكنيسة بحثاً عن السلوى واليقين ولكن هيهات.. وضاعف هذا الخوف إحساسي بالتمرّد على والدي، وزعزعة استقرار الأسرة، وكلّما تذكّرت والدي انتابتني حالة من الفزع والخوف، وعلمت أنّ والدي لم يتخلّ عنّي، ولم ييأس، بل كان يبحث بشتّى الطرق إمكانية إعادتي إلى الإسلام.. لقد كانت لديّ قناعة تامّة بأنّ دعاء والدي سيكون هو السبب في أن يهديني، وأعود إلى الإسلام من جديد.
وبعد خمس سنوات عشتها في ظلام النصرانية وضلالها، أسلمت مرة ثانية، ودرست الإسلام دراسة حقيقية وعميقة، فعدت إليه بقوّة حتّى حصلت على لقب (مدّمر الأصنام)، وذلك لجهودي التي لم تتوقّف في تدمير الأصنام في قريتي والقرى المجاورة، وكنت أفعل ذلك بعون من الله، ودون خوف من وثنيّات أو عرقيّات، وبسبب ذلك بُذلت محاولات جادّة للنيل منّي، ولكنّ الله جلّت قدرته أيّدني بنصره، فأصبحت ظاهراً عليهم، وأنا فخور بهذا اللقب الذي أطلقه عليّ أستاذي الجليل.
ثمّ حصلت على الثانوية الإنجليزية، وشهادة معهد اللغة العربية، والتحقت بعد ذلك بكليّة الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض .
عملت بعد ذلك في مجال الدعوة بقوّة، فأسلم على يديّ سبعون شخصاً قبل دخولي الجامعة وبعده، وفي العطلة الماضية فقط استطعت إقناع ثلاثة وعشرين نصرانياً بالإسلام، فأسلموا، وشهاداتهم معي الآن في الرياض، ثمّ افتتحت مكتباً للدعوة الإسلامية في نيجيريا، ومعهداً لتعليم الدراسات الإسلامية والعربية، وأصبحنا ننظّم قوافل دعويّة بالتعاون مع الندوة العالمية للشباب الإسلاميّ، وركّزنا جهودنا على العمل في أوساط الشباب النصرانيّ، وكانت لنا مصادمات مع أساطين التنصير هناك، اتّبعنا فيها أسلوب التأنّي والحكمة والموعظة الحسنة حتّى لا يتصوّر ضعاف النفوس أنّ الإسلام دين عنف وإرهاب، ويحتاج العمل الدعوي هناك إلى زيادة عدد الدعاة ففي نيجيريا ثلاثون ولاية، لا يتجاوز عدد الدعاة فيها جميعاً المائتي داعية.
أما الكنيسة في أفريقية فلها دور بنّاء وفعّال في عملية التنصير في كلّ قارات العالم كما هو معروف، ومن تجربتي مع النصارى أدركت أنّهم يستغّلون الكنيسة بزينتها وزخرفتها وأثاثها الفاخر في جذب قلوب الضعفاء باعتبارها مقرّ عبادة أفضل وأرقى من المسجد، ومكان اجتماع الفقراء حيث يتلقون الهدايا والهبات، ويمارسون الرياضات، فيشعرونهم براحة نفسية آنية، وسعادة كاذبة، كما أنّهم يرسلون الصغار والشباب إلى المدارس بملابسهم الأنيقة، على أنغام الطبول والدفوف.
والكنيسة ذكية في التعامل مع المواطنين، فهي توزّع الأموال على الفقراء، ولا تفرّق بين الأبناء هناك من حيث اللون أو العرق أو الجنس.
وبتجربتي أحسّ بأنّ لليهود دوراً كبيراً في عملية التنصير، بدليل أنّ الكنيسة تعلّم روّادها أن يحبّوا إخوانهم اليهود! وإذا سئلوا: لماذا؟ قالوا: إنّ اليهود أبناء الله، كما كان عيسى ابن الله! وصدق الله القائل: ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)) (المائدة: 51).