توبة شاب ذكي من شتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-
يقول المولى عز وجل في محكم التنـزيل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم). (التوبة: 100).
ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً؛ ما بلغ مُدّ أحدهم، ولا نصيفه) متفق على صحته.
أولئكَ أتباعُ النبيِّ وحِزْبُهُ ☆☆ ولوْلاهُمُ ما كان في الأرضِ مُسْلِمُ
ولوْلاهُمُ كادَتْ تَمِيدُ بأهْلِهَا ☆☆ ولكـــــــنْ رَوَاسِيها وأوْتادُها هُمُ
ولوْلاهُمُ كانتْ ظلامًا بِأهْلِها ☆☆ وَلكــــــــنْ هُمُ فِيها بُدُورٌ وَأنْجُمُ
أولئكَ أصْحَابي فحَيَّ هَلًا بهِمْ ☆☆ وحَيَّ هَلًا بالطيِّبــــــــينَ وأنعِمْ
ليس عجباً أن تسمع مُلحداً أو يهودياً أو نصرانياً يشتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينتقصهم، وإنما العجب أن يحدث هذا ممَّن يدعي الإسلام، وينطق بالشهادتين، ثم يتخذ من شتمهم وبغضهم ديناً ومذهباً، ولو أعمل هؤلاء عقولهم، وفكروا بتجرد، لعلموا أن الطعن فيهم طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي تولى تربيتهم وإعدادهم، ليكونوا قادة الدنيا وسادتها، فعاشوا في كنفه الدافئ، ونهلوا من معينه الصافي، ولمَّا اختاره اللهُ إلى جواره، وارتدتْ قبائل العرب عن دين الإسلام، قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قومته العظيمة، ومعه سائر الصحابة الكرام، وقاتل المرتدين حتى أخضعهم لدين الله، وقال قولته المشهورة: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه.
فدانتْ له الجزيرة، وعاد إليها الأمن والأمان بعد حروب طاحنة، استشهد فيها كثير من الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، فكيف يقال بعد ذلك إن الصحابة قد ارتدوا جميعاً؟!
هذا من أعجب العجب، وأمحل المحال..!
وبمثل هذا لا عجب قص عليّ هذا الشباب قصته فقال:
أنا شاب عربي، أسرتي وقبيلتي كلها تعتنق مذهباً غير مذهب أهل السنة والجماعة، هاجرتُ إلى هذه البلاد للعمل عام 1401هـ، ولم يتجاوز عمري آنذاك الخامسة عشرة.. بدأ التحول في حياتي يوم أن التحقت بإحدى المدارس الليلة لمحو الأمية بمدينه جدة.. لم يكن مدير المدرسة آنذاك يعلم باعتقادي الباطل، فكان يُثني عليّ وعلى ذكائي، وبالفعل؛ فقد كان ترتيبي الأول على جميع الطلاب.
كان المُدرسون والطلاب يؤدون صلاة العشاء جماعة في ساحة المدرسة، فكنتُ أتهرب، وأتعمَّد الخروج خفيةً حتى لا يعلم بي أحد..!!
وبحكم نشأتي الطائفية فقد امتلأ قلبي حقداً وكراهيةً لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمني أهلي أن أصحاب المذاهب الأربعة التي تنتسب لأهل السنة؛ كلهم كفرة وخارجون عن الملة.. لا يؤمنون بإمام الزمان!! ولا يدينون دين الإسلام.. ويتخبطون في ظلمات الكفر والضلال.. ولا يهتدون سبيلاً..!!
أي والله هذه هي الحقيقة المؤلمة.
كنتُ عندما أشاهد زملائي في المدرسة يصلون، أشعر بإحساس أنهم على الحق، فهم أفضل مني.. يصلون، ويتحدثون عن الدين عن علم ودراية، ومعرفة مقرونة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أما أنا...
وفي ذات يوم، قابلني أحد الاخوة الطيبين -وهو زميل لي في الفصل الذي أدرس فيه- قابلني خارج المسجد.. فإذا بضربات قلبي تشتد، ولساني ينعقد عن الإجابة.. ماذا أقول له؟
هو يظن أنني على دينه، فبمَ أجبيه في هذا الموقف الحرج؟..
لقد أصابني ذعر شديد لأني لا أملك الحجة لمقارعته، وإذا ذهبتُ معه إلى المسجد فقد يصل الخبر إلى أهلي فيؤذونني، فالمسألة معتقد.
ثم إني لا أعرف من صلاتهم شيئاً، فماذا أصنع لو دخلت المسجد؟!!
هذه حقيقة أقولها بكل صدق، أسأل الله أن يغفر لي جميع ذنوبي؟
ولكني لم أجد بداً من الاعتراف أمام ذلك الأخ، فأخبرتُه بأن مذهبنا لا يُجيز لي الصلاة خلف (سُني) كما كان يُلقنِّني أهلي.. فتعجب ذلك الأخ من قولي، ثم جذبني بقوة، وأدخلني المسجد.. وصليتُ معهم، ولا أدري كيف صليتُ!!!
بعد ذلك، كنتُ أذهب إلى بيت أحد أقربائي فأسأله كثيراً من مذهبنا؛ فوجدته من أجهل الناس، رغم أنه يعتبر من العالمين بذلك الدين أو المذهب.. كان يجيبني بعنف، ويكثر من الوقيعة في أهل السنة بأقذع الشتائم والسباب، ويرميهم بأقسى التهم.. مما جعلني أتخذ خطاً معاكساً لما هو عليه.
وتوجهتُ إلى المكتبات، وبدأتُ أقرأ عن الإسلام على خوف، ثم دخلتُ مرحلة من الشك القاتل استمرتْ أكثر من خمس سنوات تقريباً.. لم أذق خلالها طعم النوم إلا قليلاً.. ولا أبالغ إذا قلتُ إن وزني قد انخفض قريباً من خمسة وعشرين كيلو جرام.. فما زلتُ على هذه الحال، حتى توصلتُ إلى اقتناع تام بأن ما كنتُ عليه ما هو إلا باطل وضلال.. فدخلت بعدها مرحلة جديدة من الكتمان الشديد، خوفاً من الأهل ومن بطشهم.. فكنت أذهبُ إلى المساجد للصلاة سراً.. ثم بدأتُ أستمع إلى خطب ودروس بعض الشيوخ الفضلاء، منهم الشيخ حسن أيوب رحمه الله في مسجد العمودي.. وأتابع الجديد من الكتب والأشرطة الإسلامية.. أستمع وأقرأ بشغف.. وحفظتُ من كتاب الله ما شاء الله أن أحفظ.. فدخلتْ السعادة قلبي.. وأصبحتُ أجد طعم النوم والراحة.. وأحسستُ أنه يجب عليّ أن أعمل من أجل تعريف الناس بالدين الصحيح.. لما لاحظتُه من بُعد الكثيرين عن تعاليم هذا الدين.
خلال هذه الفترة لم يعلم بحالي أحد سوى بعض الاخوة الملتزمين من أبناء هذا البلد، إلا أني -وللأسف الشديد- لم أجد منهم رغم التزامهم التشجيع الكافي. (أسأل الله أن يغفر لنا جميعاً).
ثم كانت عودتي إلى بلدي عقب أزمة الخليج.. وهناك؛ كان الزلزال العظيم الذي كان يعصف بي لولا فضل الله ورحمته، قال تعالى: (الـم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فَلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيَعلمن الكاذبين) سورة العنكبوت:2.
لقد علم أهلي بالأمر.. بل القبيلة كلها.. وكعادة القبائل هناك في التمسك بأعرافها وتقاليدها.. رأوا أنه قد لحقهم العار من جراء ما فعلتُ، فتعرضوا لي بأنواع من الأذى والمضايقات.. ووصل بهم الأمر إلى أن أجبروني على تطليق زوجتي التي رزقني الله منها بولدين.. وجردوني من كل ما أملكه عن طريقها.. هددوني بالضرب مرة.. ومرة بالقتل.. وأخرى بالطرد من البلاد.. وتحقق لهم ما أرادوا؛ فقد قام والدي بطردي من البلد في يوم عيد الفطر المبارك، وإهدار دمي، لأني لم أصلّ معهم صلاة العيد، وصليتُ مع جماعة المسلمين من أهل السنة.
(وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا فأوحى إليهم لنهلكنَّ الظالمين ولَنُسكننَّكم الأرضَ من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد).
وخرجتُ من بلدتي -مسقط رأسي.. ومنشأ صباي- إلى منطقة أخرى جاورتُ فيها أناساً صالحين، لم يدخروا وسعاً في مساعدتي -جزاهم الله عني كل خير-.
هذه هي قصتي باختصار شديد.. ولن أتراجع -بإذن الله- عن قراري أبداً، ولقد قلتُ لهم كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه عمه أبو طالب يساومه من طرف المشركين لكي يتخلى عن هذا الدين، ويعطونه ما يريد، فقال لهم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الدين؛ ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه).. لن أساوم رغم المغريات الكثيرة التي قدموها لي.. ورغم مفارقتي لأهلي ووطني، والحالة الاقتصادية السيئة التي أمرُّ بها.. لن أتراجع أبداً، بل سوف أعمل بكل جهد وإخلاص -بمشيئة الله- في الدعوة إلى الله، وكشف أستار الظلام للمسلمين؛ ليروا الطريق الصحيح أمامهم واضحاً... ولقد بدأتُ بالفعل، وكسبتُ بعض الأنصار لشرع الله ولله الحمد، خصوصاً بعد ظهور الصحوة الإسلامية في كل قطر وناحية..
هذا وأسأل الله أن يرزقني وإياكم الإخلاص والتوفيق والسداد.. إنه ولي ذلك..
أخوكم/ أبو صلاح الدين
وبعد، فإني -بهذه المناسبة- أوجه كلمة إلى نفسي، وإلى كل مسلم ومسلمة، بل إلى كل إنسان على وجه الأرض (أياً كان دينه ومذهبه وعقيدته)، أدعوهم فيها إلى التفكير وإعادة النظر فيما يعتقدونه من معتقدات، ويحملونه من أفكار، بتجرد وإخلاص، وبذل الجهد في معرفة الحق حيثما كان، والتحرر من عبودية الهوى والتبعية والتعصب الأعمى، وتقليد الآباء والأجداد: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أوَ لو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون). (البقرة: 17) فإن الحق واحد لا يتعدد، ولابدّ للباحث عن الحق من الإطلاع على آراء الآخرين من مصادرها الأصلية، والنظر بتجرد وإخلاص، مع التضرع إلى الله عز وجل وطلب الهداية منه سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69).
العلـم يدخـل قلب كـل موفــق من غيـر بــواب ولا استئــذان
والحق ركــن لا يقــوم لهــدِّه إحـدٌ ولــو جُمعـت لـه الثقــلان