الرجل ذو القلبيـن.. بيـن الوهم والحقيقة..
فى ضوء من القرآن الكريم
ودراسة من العلم الحديث
إعداد
محمد السيد محمد
************
مقدمـــــــــــــــــــة
الحمد لله رب العالمين، فاطر السموات والأرض، جاعل الظلمات والنور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على محمد النبى خاتم النبيين والمرسلين، وصل اللهم وسلم وبارك على آل بيته وصحبه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم الدين.
أما بعـــــــــــــــــــد:
إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن أنبيائه ويحافظ على مكانتهم بين الخلائق، سواءً كان ذلك فى حياتهم أو بعد مماتهم.
ولقد اختص الله عز وجل محمداً (صلى الله عليه وسلم) بالقدر الأكبر من الحماية، نظراً للاضطهاد الشديد الذى لاقاه أثناء دعوته (صلى الله عليه وسلم) للدين الإسلامى، وكذلك نظراً للافتراءات والاتهامات التى تصدر كل حين من كل فئة ضالة مُضلة، للنيل من عقيدة الإسلام التى جعلها الله سبحانه وتعالى هى العقيدة الصحيحة لجميع البشر، فكانت حماية الله عز وجل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) عكس أهواء الحاقدين، وضد مصالحهم الشخصية.
ولقد عظم الله عز وجل من شأن رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) خاتم المرسلين ، ورفعه فوق البشر جميعاً؛ لما أكرمه وحباه، واختصه بصفات قيادية وأخلاقية وسلوكية لا يمكن أن تتحقق لإنسان آخر، وسيرته الشريفة العطرة الكاملة دليل ذلك.
لذا فإن هذا البحث اليسير يتضمن تساؤلاً عن إمكانية وجود رجل ذى قلبين؟!، وجواباً عنه، فى ضوء من القرآن الكريم ودراسة من العلم الحديث، ومن ثم الرد على الادعاءات والافتراءات التى يحاول ترويجها أعداء الإسلام.
ويتضمن أيضاً نموذجاً للإعجاز العلمى فى القرآن الكريم، كشاهد على صدق الإسلام، ونبوة خير الآنام محمد (صلى الله عليه وسلم).
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل منا ومن الجميع صالح الأعمال، وأن ينميه لنا سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه ...) [الأحزاب: 4].
تفسير الآية:
لقد ذكر ابن كثير فى تفسيره أن هذه الآية الكريمة نزلت فى (أى بسبب) رجل من قريش كان يقال له ذو القلبين، وأنه كان يزعم أن له قلبين كل منهما بعقل وافر، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردًّا عليه.
فالعرب كانت ترمز إلى أن لفظ (القلب) يطلق على العضو الذى هو مَحَطّ الأحاسيس والأفكار، وبالتالى فهو العقل.
لذلك فقد ذهب كثير من المفسرين منذ القدم إلى: أن القلب المراد فى هذه الآية الكريمة هو العقل، وقد ذهب بعض المفسرين إلى: أن المراد من الآية الكريمة هو نفى أن يكون للرجل اعتقادان متغايران كما جاء فى تفسير الإمام القرطبى: (فالمعنى: لا يجتمع اعتقادان متغايران فى القلب)، أى أن الآية الكريمة ترمُز إلى معنى مجازى.
ومثال ذلك:
أنه لا يجتمع الاعتقاد بالتوحيد لله تعالى (توحيد ألوهيته وربوبيته) مع الشرك والاعتقاد بوجود آلهة أخرى معه.
ونشير أيضاً إلى: أن كلمة (قلب) فى القرآن الكريم تعنى:
قلب فَهْم ووعى، وليست المضغة (قطعة اللحم) التى تعمل كمضخة للدم، أى أن القلوب فى القرآن الكريم نوعان:
أ ـ قلوب سليمة:
مؤمنة بوحدانية الله تعالى وربوبيته، خاضعة مستسلمة ممتثلة لأوامر الله تعالى، كما فى قوله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم (89)) [الشعراء: 88 ــ 89].
ب ـ قلوب مريضة:
وهى بإيجاز منافية للقلوب السليمة، حيث إنها عمت وضلت عن صراط الله المستقيم، كما فى قوله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور) [الحج: 46].
ويوضح هذا:
أنه من أسباب نزول هذه الآية الكريمة (ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه) [الأحزاب: 4].
كما قال بعض العلماء هو:
أن المنافقين قد افتروا كذباً على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن له قلبين، قلباً مع المؤمنين، وقلباً معهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة تكذيباً لهم، حيث إن القلوب هى إحدى نوعين كما أوضحنا، إما سليمة وإما مريضة، فلا يمكن أن يكون للإنسان قلبين فى آن واحد (قلب سليم وقلب مريض، فى وقت واحد)، فليس للإنسان إلا إحدى القلبين إما سليم وإما مريض.
ونجد أيضاً أن الآية الكريمة تشير إلى:
سُنة من سنن الله تعالى فى خلقه، وهى: أن الإنسان يُولد بقلب واحد، وهذا هو الأصل، كما أنه يُولد بعقل واحد, وبكليتين اثنتين، وبيدين اثنتين، لكل واحدة منهما خمسة أصابع.. إلى غير ذلك من سنن الله تعالى الغالبة فى خلقه.
وإذا ما وجدنا أياً من التغييرات فى هذه السنن (سُنة الله تعالى فى خلقه) كأن يولد إنسان بكلية واحدة، فإن ذلك لا يكون إلا نادراً لحكمة يعلمها الإله الخالق جل وعلا، وأن تلك الهيئة ليست بالأصل التى يُخلق الإنسان عليها.
لذلك فإن الآية الكريمة لا تتعارض أبداً مع سُنة الله تعالى فى خلقه، بل إنها تُقِرّها وتتطابق معها.
الجديد فى الموضوع:
هو ما لم تتمكن من تسجيله الكاميرات أو الأشعة التشخيصية الحديثة.
فبالرغم من الحالات النادرة للأطفال المعوقين خِلقيًا والتى استطاع العلماء تسجيلها مثل: زيادة أحد الأصابع أو تلاحقها باليدين أو القدمين، أو ازدواج الأمعاء أو الحالبين أو التحام جزئى أو كُلِّى لتوأمين، أو ظهور فص فرائد فى الكبد، أو كلية ثالثة، أو ظهور بعض الزوائد فى نهاية العمود الفقرى على شكل ذيل... أو تلك الحالات النادرة.. مثل وجود مبيض مُتحد مع خصية أو ملاحظة وجود أكياس غريبة فى المبيض، أو أن الخصية تحتوى على بعض الأسنان أو الشعر، والتى قد تم تسجيلها بعدسات الكاميرات أو الأشعة التشخيصية وطبعت على شرائط فيديو لمناقشتها ودراستها على أنها تشوّهات غريبة يمكن أن يُصاب بها الجنين.
إلا أنه لا يوجد تسجيل مصور منذ بدء الخليقة لطفل واحد مولود له قلبان مطلقاً وذلك مع الإيمان بأن الله قادر على أن يجعل فى الإنسان قلبين.
ولكن إرادة الله تعالى أن يكون هناك سُنة فى خلقه (كما أشرنا)، وهى أن يكون للإنسان قلب واحد، ولو وُجِد قلبان (افتراضاً) فى رجل لاختلف النظام الإنسانى، وإذا ما تخلقَّ جنين بقلبين فإنه ما يلبث إلا أن يموت، ولن يُعمّر طويلاً حتى نستطيع أن نطلق عليه تسمية رَجُل، وكذلك إذا وُلد جنين (افتراضاً) بعقلين، فإنه ما يلبث إلا أن يموت.
لذلك: فإنه بالإضافة إلى ما قاله المفسرون فى الآية الكريمة (ما جعل لرجل من قلبين فى جوفه)، وإلى إقرارها ومطابقتها لسُنة الله تعالى فى خلقه، فإنها تشير إشارة رقيقة إلى ما قد عجز العلم الحديث عن كشفه بواسطة عدسات الكاميرات والأشعة التشخيصية الحديثة (لعدم وجوده)، وإلى ما أقره الأطباء وتوصلوا إليه، من أنه لا يوجد تسجيل مصور منذ بدء الخليقة لطفل واحد له قلبان مطلقًا، وأنه إذا ما تخلق جنين بقلبين أو عقلين (افتراضاً) فإنه ما يلبث إلا أن يموت، ولن يُعمر طويلاً حتى نستطيع أن نطلق عليه تسمية رجل (توافقاً مع ما أشارات إليه الآية الكريمة، اجتهاداً من البعض -بعيداًعن أقوال المفسرين- فى الربط بين ما يمكن استنباطه من آيات القرآن الكريم وبين العلم الحديث).
- ونتساءل تساؤلاً افتراضياً (لاستحالته علمياً، ولعدم وجود دليل أو برهان عليه واقعياً):
ماذا إن زعمت إحدى الصحف أو المجلات أو الهيئات... أو غير ذلك (طعناً فى الإسلام) وجود رجل ذى قلبين فى عام... أو فى مكان ...؟! هل يُعدّ ذلك طعناً فى الآية القرآنية الكريمة المُشار إليها؟!
بالطبع لا، فالقرآن الكريم ملئ بالإعجازات العلمية الهائلة الواضحة، حيث إشارته منذ أكثر من 1400 عام إلى الكثير والكثير من الحقائق العلمية المقطوع بصحتها، والتى لم تكتشف إلا حديثاً، نظراً لتطور الأجهزة العلمية التكنولوجية، وهى أكثر من أن تحصى فى كتاب واحد، فضلاً عن تلك الورقات المعدودات.
ويمكن الرجوع إلى المصادر والمراجع التى تتحدث عنها، باستفاضة وإيضاح تام، مثل:
- سلسلة: من آيات الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم (السماء، الأرض، النباتات، الحيوان ...) للدكتور/ زغلول النجار.
- سلسلة الإعجاز العلمى فى السنة النبوية للدكتور/ زغلول النجار.
- إعجاز القرآن الكريم فى ما تخفيه الأرحام للأستاذ/ كريم نجيب الأغر.
- هيئة الإعجاز العلمى بمكة المكرمة.
إلى غير ذلك من المصادر التى يمكن الرجوع إليها بخصوص هذا الموضوع.
فالآية القرآنية الكريمة: (ما جعل الله لرجلٍ من قلبين فى جوفه)، بعيداً عن ما أشارت إليه من أقوال الأطباء، فإنها تشير إلى ما قاله الإمام القرطبى، من عدم اجتماع اعتقادين متغايرين فى القلب، كما أوضحنا سابقاً.
- وإلى أن المقصود بكلمة (قلب): هو قلب فهم ووعى، وأنه لا يمكن للإنسان أن يكون له قلبين أحدهما سليم والآخر مريض، وأنه لا يمكن للإنسان إلا أن يكون له أحد القلبين (كما أشرنا)، إما سليم، وإما مريض.
- وتُشير الآية الكريمة أيضاً إلى: سُنّة الله تعالى الغالبة فى خلقه، وهى: أن يُولد الإنسان بقلب وعقل واحد فقط، كما أوضحنا سابقاً.
لذا: فإنه إذا ما أُثيرت ادّعاءات كاذبة بوجود شخص ما ذى قلبين أو عقلين، فإن ذلك لا يضُرّ أو يُعارض الإسلام فى شئ، على الرغم من استحالة تلك الادّعاءات الباطلة.
ولكن ما يلجأ إليه أعداء الإسلام:
هو إثارة وترويج الادّعاءات الكاذبة عن طريق أى من الوسائل الشهيرة والتى بإمكانهم السيطرة عليها والتحكم فيها، وإخضاعها للهجوم على الإسلام وأهله، وذلك باستخدام إسلوب ماكر مُخادع، كأن تدّعى كذبًا ظهور شخص ما فى الماضى (فى القرن الماضى افتراضًا) ذى قلبين، مُدّعية قصة مُؤلفة (باطلة) حوله لإحكام مُخططها من ترويج تلك الأكذوبة، ومن ثم الطعن فى القرآن والإسلام، حيث لا يمكن مطالبتها بذلك الشخص المكذوب لفحصه طبيًّا، ومن ثمّ بيان بطلان ادّعاءها، لأنها بسهولة فى غير حياءٍ ما تلبث إلا أن تقول: ومن أين الإتيان به (ذلك الشخص المكذوب) وقد كان فى القرن الماضى، وقد مات منذ قرن (100 عام) أو يزيد، ومن ثم تخرج من ذلك الحصار.
ولكنها لم تعلم أنها بذلك قد ألقت بنفسها إلى الهاوية، من حيث وقوعها من المأزق ذى الحرج والخذلان الشديدين لادّعاءاتها وافتراءاتها بغير برهان أو سلطان مبين، وبغير دليل أو برهان تستند إليه.
بل إن تلك الادعاءات والافتراءات مُخالفة لأقوال أهل العلم والخبرة من ذوى المجال (الطب)، فلم تتمكن أى من عدسات الكاميرات أو الأشعة التشخيصية الحديثة كشف وتصوير أى من تلك الادّعاءات والافتراءات المعلنة.
وخلاصة القول:
أنه لا مانع من أن تتواطأ بعض المجلات أو الصحف.. أو أى من المنظمات والهيئات.. أو غير ذلك من أجل الهجوم والتطاول على الإسلام وأهله.
ونموذج ذلك:
العديد من المنظمات والهيئات الدّاعية (نفاقاً) إلى حقوق الإنسان، حيث نجدها تغمض أعينها (عمداً) عمّا تفعله بعض من الدول والشعوب، مثل الولايات المتحدة وروسيا واليهود (والتى بإمكانها التحكم والسيطرة على مثل تلك المنظمنات والهيئات) من مجازر وحشية بشعة فى مسلمى العديد من الدول الإسلامية المفتقدة لمعدات الحرب الحديثة.
لذلك: فإن ما أوردناه فى نبذة مختصرة عن الآية الكريمة: (ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه)، والربط بين إحدى إشاراتها ومدولاتها (اجتهاداً من البعض، لا نقلاً عن أقوال المفسرين من أهل العلم المعتبرين) وبين العلم الحديث هو فى ميزان الدعوة إلى الإسلام وفى صالحه.
وننوه إلى أنه هناك الكثير والكثير (المئات) من الآيات القرآنية التى تخبرنا بحقائق علمية مبهرة، لم يكن لأحد أدنى معرفة بها حيث إنها لم تكتشف إلا حديثاً بعد ما يُقارب أو يزيد عن 1400 عام (والتى قد سَلّم العلم الحديث بأنها حقائق علمية مقطوع بصحتها) من نزول القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، فتكون هذه الآيات الكريمات ومضات مبهرات، شاهدات على نبوته (صلى الله عليه وسلم) وصدق دعوته ورسالته وصدق ما أوحى إليه (القرآن الكريم).
شاهدات على أن القرآن الكريم إنما هو كلام عالم الغيب والشهادة، كلام رب العالمين.
وبمشيئة الله تعالى سوف نشير إلى إحدى هذه الآيات الكريمات وسبقها لما قد توصلت إليه الدراسات العلمية الحديثة، فى أواخر هذه الصفحات.
لذلك فإن الإسلام بعيد عن كل ما يُثار حوله من ادعاءات وافتراءات، وشُبَه وأكاذيب لاسيما من وَسَط لا يعلم عن الإسلام شيئاً، لا يعلم عن الإسلام سوى اسمه فقط، وذلك لغياب علماء الإسلام المعتمدين عنه.
فالإسلام بعيد عن متناول أعدائه منه، لأنه قد سبق التحقق والتثبت من صدق ما أخبر به القرآن الكريم على لسان خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وسلم)، من حقائق علمية فى شتى المجالات العلمية (الطب ـ الفلك ـ الجيولوجيا ـ ... إلى غير ذلك)، ويمكن الرجوع إلى المصادر الإسلامية المتخصصة فى هذا المجال، كما أشرنا.
- ولتمام الفائدة:
نذكر نموذجاً للإعجاز العلمى فى القرآن الكريم، حيث إشارته إلى ما قد اكتشف حديثاً كحقيقة علمية مؤكدة، ومسلَّمة بها، والتى لم تكتشف إلا فى هذا العصر الحديث.
وهذا النموذج هو قول الله تعالى: (وترى الجبال تحسبُها جامدةً وهى تمُرُ مرّ السحاب صُنع الله الذى أتقن كُل شئ إنهُ خبير بما تفعلون) [سورة النمل: أية 88].
فمعنى الآية الكريمة:
أنه من عجيب صنع الله تعالى وإتقانه: أن الإنسان منا عند رؤيته للجبال يحسبُها ويظنُها جامدة ثابتة فى مكانها، أى يحسبُها لا تتحرك، ولكنها فى الحقيقة تمر وتتحرك وتسير كمرور وحركة وسير السحاب.
أى أنه كما وأن السحاب يوصف بالحركة والسير فإن الجبال أيضاً توصف بالحركة والسير، وهذا من عجيب صنع الله تعالى وإتقانه وإحكامه، كما فى كل شئ من مخلوقاته ومصنوعاته، فهو الخبير بكل شئ والخبير بما يفعله خلقه فى السر والعلانية.
ومن إعجاز القرآن الكريم وإعجاز سياق آياته:
أن العقلية البدوية البسيطة عند سماعها لهذه الآية الكريمة لاتستنكرها، لأن ما قد استوعبه وتفهمته (العقلية البدوية البسيطة، والتى أُنزل القرآن مخاطباً لها وللبشرية كافة): أن هذه الآية الكريمة تتحدث عن وصفٍ لمشهد من مشاهد يوم القيامة، يوم قيامة الناس من قبورهم للعرض والحساب، وذلك لأن الآية الكريمة التى تسبقها بآيتين اثنتين تتحدث عن وصفٍ لإحدى هذه المشاهد من يوم القيامة بوضوح.
ولا شك أن هذا الفهم صحيح ويعضده ويُقوّيه: الآيات العديدة التى تتحدث عن حركة الجبال كوصف واضح لإحدى المشاهد من يوم القيامة مثل قول الله تعالى: [وإذا الجبال سُيرّت) [التكوير: آية 3].
وفى الوقت ذاته:
تشير الآية الكريمة (وترى الجبال ...) التى نحن بصددها إلى حقيقة علمية مبهرة، لم تكتشف إلا فى هذا العصر الحديث بعد قرابة أو ما يزيد عن 1400 عام من نزول القرآن الكريم على النبى (صلى الله عليه وسلم)، وهى: حركة الأرض.
حيث إن هذه الآية الكريمة مسبوقة بآيات قرآنية أخرى تصف إحدى مشاهد يوم القيامة، ثم تنتقل فى السياق إلى وصف لإحدى المشاهد الكونية فى الآية التى تسبقها بآية واحدة، وهى قول الله تعالى: (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مُبصراً ...) [النمل آية 86]، ثم ينتقل السياق (سياق الآيات) مرة أخرى إلى وصفٍ لأول مشاهد يوم القيامة [فى الآية التى تسبق قول الله تعالى: (وترى الجبال ...)]، ثم يعود سياق الآيات لوصف إحدى الحقائق الكونية: حركة الجبال وسيرها، وتشابهها بحركة وسير السحاب، ومن ثم حركة الأرض ودورانها.
فلقد اكتشف العلم الحديث أن الكرة الأرضية التى نحيا عليها تتحرك وتدور بسرعات كبيرة جداً، ومن ثم فإن الجبال كجزء راسخ من الأرض وكرواسى لها تتحرك بتحركها وتدور بدورانها.
- فالآية الكريمة تدعونا إلى التأمل والتمعن فى رؤيتنا للجبال، ومن ثم الكشف عن عجيب صنع الله لها، وذلك فى قوله تعالى: (وترى الجبال ...).
- وأيضاً فإن الآية الكريمة توضح لنا أن وضع الجبال وحالها بخلاف ما نشاهده ونظنه من جمودها وثباتها، وذلك فى قوله تعالى: (تحسبُها جامدةً).
- وأيضاً توضح الآية الكريمة لنا: حقيقة الجبال الغير مُدركة بالعين المجردة وبدون التقنيات الحديثة وهى: مرورها وحركتها وسيرها كمرور وحركة وسير السحاب فى إشارة رقيقة (لا تضطرب العقلية البدوية البسيطة من المفاجئة بها) إلى: أن بيان حركتها وسيرها (الجبال) يتضح عند التمعين والتدقيق فى رؤيتها بواسطة التقنيات الحديثة، تماماً كحركة وسير السحاب، حيث لا تتضح حركة السُحب إلا عند التمعين والتدقيق فى رؤيتها والنظر إليها، وذلك فى قوله تعالى: (وهى تمر مر السحاب).
ومن ثم الكشف عن الحقيقة العلمية المبهرة منذ قرابة 1400 عام أو يزيد، والتى لم تكتشف إلا فى هذا العصر الحديث، ألا وهى: حركة الأرض ودورانها، كما أوضحنا.
ومن ثم يتبين لنا إعجاز القرآن الكريم فى مخاطبة البشرية كافّة فى كل مكان وزمان، مُخاطباً للعقلية البدوية البسيطة التى كان يصعب عليها فهم وإدراك هذه الحقيقة المشار إليها لاسيما فى وقت يفتقد لأى من تلك الوسائل العلمية الحديثة، وفى مجتمع يسوده الجهل والأمية قبل أن يرفع القرآن من وضعه وشأنه.
فتكون هذه الآية الكريمة المبهرة: ومضة مضيئة، شاهدةً بصدق خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذى أنزل عليه هذا الوحى الإلهى (القرآن الكريم)، ومن ثم صدق دعوته ورسالته.
وغير ما أوردناه الكثير والكثير من آيات الإعجاز العلمى التى تشهد بصدق القرآن الكريم وأنه كلام الله تعالى الخالق، وتشهد بصدق خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم) وصدق دعوته ورسالته.
ويمكن الرجوع إلى المصادر المتخصصة فى هذا المجال، كما أشرنا إلى بعضها سابقاً.
رســـــــــــــاله:
ينبغى، بل يجب على كل باحث عن الحق التحقق مما يُثار من ادعاءات وافتراءات كاذبة باطلة هجوماً من أهل الزيغ والضلال على الإسلام وأهله للنيل منه.
ويجب عليهم (الباحثين عن الحق) الحذر كل الحذر من الأساليب الماكرة الخادعة التى يلجأ إليها أعداء الإسلام ويبتكرونها للطعن فيه.
وعلى كل باحث عن الحق بعد ما أن هداه الله تعالى للإسلام لما تضافر لديه من دلائل وبراهين دامغة شاهدة بصدق نبى الإسلام ، وخاتم المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومن ثم صدق دعوته ورسالته (صلى الله عليه وسلم) أن يعلم يقيناً بأن كل ما يثار حول الإسلام أو نبى الإسلام من افتراءات وشبهات، ما هى إلا أكاذيب وأباطيل لا تُغنى عن الحق شيئاً، وأن الله سبحانه وتعالى هو خيرٌ حافظاً لدينه ولسيرة خاتم أنبيائه ورسله محمد (صلى الله عليه وسلم).
- فالإسلام هو الدين الحق الذى ارتضاه ربنا تبارك وتعالى للعالمين، لأنه إذا لم يكن كذلك لكانت نهايته مع بدايته، لكثرة أعدائه، فالإسلام يحمل فى طيّه انتشاراً وقبولاً واساعاً، والإحصائيات العلمية الحديثة برهان ذلك.
ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق إلى مافيه الخير والرشاد، والقبول لما وفقنا إليه من صالح الأعمال وأن ينميها لنا، وأن يتوفّنا مسلمين على كلمة التوحيد، فهو سبحانه وتعالى ولى ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.