المذاهب الفلسفية والمدارس الأدبية
************************
1-وحدة الوجود
2- اللذة
3-الأفلاطونية الحديثة
4-العقلانية
5-النزعة الإنسانية
6-الإلحاد
7-المنفعة
8-الوضعية
9-المثالية
10-الوجودية
11-الفرويدية
12-الذرائعية "البرجماتية"
13-الروحية الحديثة
**************
وحدة الوجــــــــــود
**************
التعــــــــــــريف:
وحدة الوجود مذهب (*) فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة (*) حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه –تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً– صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.
والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة (*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين (*).
التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:
إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية.
وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.
ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:
ابن عربي 560هـ – 638هـ:
هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.
في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.
في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.
في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق.
وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير (*) والزندقة (*).
وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.
• مذهبه في وحدة الوجود:
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.
فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:
"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".
ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لمـــا تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الـضيق الواسع
ويقول أيضاً:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيـــرة لا تبـــــــقي ولا تذرْ
وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض (*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية (*) وجبرية (*) صارمة.
وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء (*) وقدر (*) ولا عن حرية (*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.
وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه (*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:
ومما يؤكد على قوله بالجبر (*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:
الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعــــــــزى إلينا ففي *** ظاهـــــــــره بأنه عن خيار
لو فكر النـــــــــاظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطـرار
وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان (*).
فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.
يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن
فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.
وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب (*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.
أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لهـــــــــــــــا صلاتي بالمقـــام أقيمها *** وأشهــــــد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عـــــــــــــــابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياهــــــــا وإياي لم تزل *** ولا فــرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله.
ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر (*) الصوفية بل هو في حالة الصحو (*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت
والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.
وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.
وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!
أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر (*) والزندقة (*).
فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البــــــحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمــــــــــواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد
ويقول أيضاً:
فما البــــــــــــــحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد
ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهـل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه
فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.
وقد وجد لهذا المذهب (*) الإلحادي (*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.
جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة (*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.
باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.
ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:
ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.
إن قوانين الطبيعة (*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.
الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.
إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.
ليس هناك فرق بين العقل (*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة (*) فهما شيء واحد.
يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب (*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي –صاحب الفتوحات– وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم –عليهم من الله ما يستحقونه– فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية (*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله –سبحانه وتعالى– عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.
وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة (*) سرمدية غير مخلوقة.
وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.
وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.
وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود.
ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه -تعالى عما يقول-: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد.."، وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.
موقف الإسلام من المذهب:
الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد (*) بمخلوقاته أو الحلول (*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب (*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.
ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد (*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
يتضح مما سبق:
أن هذا المذهب (*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة (*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.
-----------------
مراجع للتوسع:
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة من الإنجليزية بإشراف زكي نجيب محمود دار القلم بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي، مكتبة لبنان – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر، لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
- جامع الرسائل المجموعة الأولى، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني – القاهرة.
- المنقذ من الضلال، دراسة د. عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني بيروت ط. 1979م.
- فصوص الحكم، ابن عربي.
- الفتوحات المكية، ابن عربي.
- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ومعه نقد تائية ابن الفارض، برهان الدين البقاعي.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ابن قيم الجوزية.
- History of Philosophy by F.C. Copestone Burns – London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.
- Ethics by B. de Spinosa. Tr. Boyle. London 1955.
- Political Works by B. de Spinosa with tr. A. Wornham. O.V.P. Oxford ad New York 1958.
- Vindication of metaphysics: A study in the Philosophy of Spinoza by r.L. Saw Macmillan London 1951.