بهذا نصحني العلماء
(مواقف تربوية)
بقلم
*****************
بسم الله الرحمن الرحيم
مـقــدمــــــــة
مثافنة العلماء والرحلة للقائهم ومدارستهم من أمتن سبل العلم وأبلغ وسائل التربية وقد من الله علي بلقاء العديد من العلماء والأدباء والدعاة فكنت أنتهز فرصة اللقاء بهم لسؤالهم أوطلب نصحهم أو بمراقبة هديهم وسمتهم واستفدت مواقف تربوية ونصائح منهجية لم أزل أتفيأ ظلال نفعها وأقطف ثمار أثرها حتى يومي هذا وهذه بعض ما علق بالذاكرة من نصائحهم ومواقفهم:
*]1[*
* سألتُ الشيخ الزاهد عبد العزيز المحمد السلمان -رحمه الله- صاحب المؤلفات الشهيرة في الرقائق: دلني يا شيخ على تفسيرٍ نافعٍ أكرره دائماً؟
فأجابني:
عليك بتفسير شيخنا عبد الرحمن السعدي فإنه من أنفع التفاسير وأوضحها.
*]2[*
* سألتُ الشيخ العلامة عبدالله بن غديان :? يا شيخ كثرت المناهج والفرق الدعوية وكلٌ يدعي أنه على الحق فبماذا تنصحني؟
فأجابني:
الزم القرآن فاحفظه وتفقه في معانيه وابتعد عن مناهج )القيل والقال(.
*] 3[*
* سألتُ الأستاذ الأديب حمد القاضي عضو مجلس الشورى السابق إبان رئاسته لتحرير المجلة العربية: من الكاتب الذي تنصحني بالقراءة له كي أجوّد أسلوبي وأقوّي بياني؟
فأجابني:
عليك بكتب الأديب عباس محمود العقاد.
*]4[*
* سألتُ الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين -رحمه الله- في آخر حياته: ما نصيحتك لي في حفظ العلم وضبطه؟
فأجابني:
إذا أردتَ الحفظ = فكرّر
وإذا أردتَ الفهم = فركّز
*]5[*
* سألتُ الشيخ العلامة بكر أبو زيد -رحمه الله- عن المتون والكتب التي تصلح لطالب العلم؟
فأجابني:
(طلاب العلم -سبحان الله- دائما يسألون عن الكتب والمتون التي تصلح للحفظ والدراسة؛ العلم هو توفيق من الله، فاسأل الله أن يوفقك للعلم، إذا وُفِّقت للعلم عرفتَ ما الذي يصلح وما الذي لا يصلح).
*]6[*
* كنتُ مع الشيخ عبدالله المطلق حفظه الله في مقبرةٍ لتشييع جنازة فسألته عن دخول القبر للاتعاظ والعبرة فأمسك بيدي ومكث يدعو للميت حتى إذا انتهى من دعائه...
التفت إليّ قائلاً:
(كل ما ينفع قلبك ويرقّقه احرص عليه وافعله)، فما نسيتُ والله لحظةَ إمساكه ليدي ونحن على شفير القبر ودعاءه المؤثر وإجابته التربوية.
*]7[*
* اتصلتُ هاتفياً بالشيخ محمد جميل زينو -رحمه الله- لأستفتيه في مسألة فلما رفع السماعة سلمتُ فرد السلام ثم قلت يا شيخ عندي سؤال وسمعتُ أذان العشاء يُرفع:
فأجابني الشيخ:
اتصل بي بعد الصلاة واعرض مسألتك أما الآن يا بني فهو وقت الصلاة!!!
نسيتُ السؤال الذي لأجله اتصلتُ بالشيخ وبقي في نفسي هذا الدرس التربوي العميق.
*]8[*
* رحلتُ إلى المدينة المنورة قاصداً لقاء الشيخ الزاهد العلامة محمد المختار الشنقيطي حفظه الله ولما وصلتُ طيبة الطيبة طفقتُ أسأل عن بيته حتى أعياني البحث وأجهدني التطوافُ في الشوارع فلمعتْ في ذهني فكرةٌ سديدةٌ قلت لنفسي لمَ لا أذهب إلى الجامعة الإسلامية فأسأل عنه هناك فهو أستاذ للفقه فيها.
ركبتُ سيارة أجرة صوب الجامعة ودخلت للإدارة أسأل عن الشيخ فأفادوني أنه في كلية الشريعة لديه الآن محاضرة في قاعاتها.
فذهبتُ إلى قاعة كلية الشريعة وسمعت صوت الشيخ يشرح درساً في الطلاق فسلمتُ ودخلتُ القاعة وجلستُ كما الطلاب فلما انتهى الدرس قال الشيخ للطلاب: مَن أحبني فلا يلحقني فلدي موعدٌ أود إدراكه.. فأسقط في يدي وعلتني سحابة حزن... لكنها سرعان ما تبددت وأنا أرى الطلاب قد لحقوه وتزاحموا عليه وهو واقفٌ عند باب سيارته فدخلتُ بين الزحام وأنا أصرخ: يا شيخ لقد جئتُ من مسافة 800 كلم لألتقيك!!
فالتفت الشيخ إلي ثم قال للطلاب: أفسحوا لأخيكم... فلما وصلت إليه بادرني بالعناق مرحباً بي ترحيباً حاراً ثم قال لي: والله إني لأحقرُ أن يقطع مسلم هذه المسافة لأجل لقائي فقط فعرضت عليه حاجتي ومسألتي فأجابني أحسن جواب ثم أصر أن يوصلني بسيارته الخاصة وأن أكون ضيفه فاعتذرت منه بلطف وودعته وأنا أتعجب من حسن خلقه ودماثة روحه وطيب معشره ورفيع تواضعه.
*]9[*
* سافرت إلى المدينة النبوية برفقة أخي الكريم الشيخ فهد السبيعي وزرنا الشيخَ المفسّر: أبوبكر الجزائري في بيته بالمدينة.
استقبلنا الشيخَ المفسّر: أبوبكر الجزائري بترحابٍ بالغ وصب لنا الشاي بنفسه رغم كبر سنه واعتلال صحته وداعبنا بقوله: الكأس الأولى مجاناً والثاني بدينار، ثم دار حديثٌ علمي نافع ختمه الشيخ بإهدائنا جملة من مؤلفاته وعندما أردنا المغادرة شيعنا إلى الباب بنفسه، فما أجل تواضع أهل العلم وما أرق أخلاقهم والله لقد نسيتُ جل ما كان من حديثه العلمي لكن تواضعه وبشاشته وكرم ضيافته ما زالت ترسل شعاع التربية في نفسي.
*]10[*
* كنتُ في أوائل المرحلة المتوسطة وعمري لا يتجاوز الثالثة عشر ركبتُ سيارة أجرة مولياً وجهي شطر الرئاسة العامة للإفتاء دخلتُ المبنى واتجهتُ للاستقبال أسأل عن مكتب الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- فرمقني الموظفُ بنظرة حادة وقال لي بتعجب: أنت تريد الشيخ ابن باز؟
قلتُ بثقةٍ : نعم.
فرد عليّ : وماذا تريد من الشيخ؟
قلتُ له: أريد أن يصرفوا لي كتاب فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية!!!!
فزادت دهشته ثم التفتَ مبتسماً لزملائه يحدثهم عن هذا الطفل الصغير الذي يريد مقابلة ابن باز لطلب كتاب فتاوى ابن تيمية!!!
فضحك أحدهم وقال لي بسخرية: رح لأمك الله يهديك وش تبي بفتاوى ابن تيمية؟
فأصررتُ في غضب على مقابلة الشيخ، فخرج الموظف وأخذ بيدي نحو مكتب الشيخ دخلنا المكتب فوجدته غاصاً بالمستفتين من كل جنس ولون وكان الشيخ -رحمه الله- منشغلاً بالرد على الهاتف وكان بجواره الدكتور محمد بن سعد الشويعر مستشار الشيخ ابن باز فسأل الموظف عن أمري فأخبره خبري فقطب جبينه دهشة وقال له: ولد مَن هو؟ هل هو ولدك؟
فقال الموظف: ليته ولدي ولكني لا أعرفه، فلا تسل عن فرحة ذلك الطفل الصغير بهذه الكلمة.
فرغ الشيخ من المكالمة فسلم عليه الموظف وقبَّل رأسه ثم سلمتُ على الشيخ والموظف يخبر الشيخ بطلبي.
فقال لي الشيخ: ماشاء الله كم عمرك ياولدي؟
قلت: 13 عاماً.
فقال: الله يصلحك ويقر عين والديك بك، فتاوى ابن تيمية لا تناسب عمرك الآن.. سنصرف لك كتب مناسبة وإذا كبرت ودخلت الجامعة مرنا وسنعطيك فتاوى ابن تيمية.
ثم قال للموظف: أعطوه فتاوى اللجنة ورسائل علمية مناسبة، فكتبوا لي ورقةً إلى مستودع الكتب بعليشة، ومن ذلك اليوم وأنا تصرف لي كتب من الإفتاء وقد وضعوني في أعلى فئة والتي عادة لا تكون إلا لمن تخرج من الجامعة، وعدتُ بعد سنواتٍ لآخذ فتاوى ابن تيمية فوجدتها لكني لم أجد الشيخ -رحمه الله-، فرحمك الله أيها العالم المربي وعوض أمتنا عن فقدك خيراً.
*]11[*
* في عام 1423هـ يسَّر اللهُ لي كتابة رسالة في التوحيد بعنوان (التوحيد الميسر) لتوزيعها مجاناً في موسم الحج.
فانتفض جمعٌ من الدعاة لمنعها قائلين: شابٌ في العشرين من عمره يُصنف في التوحيد!!
لا شك أن كتابه هذا مليء بالأخطاء التي ستفسد عقائد الناس!!
واستمروا يشيعون هذا الأمر حتى انفض الناس عن الكتاب أو كادوا، فأرسلتُ الكتاب لشيخنا العلامة عبدالله الجبرين ) -رحمه الله رحمة واسعة- في بدايات عام 1425هـ والحزن قد ضرب أوتاده في قلبي فقرأ الشيخُ الكتابَ في أيامٍ معدودات فلم يُعدّل معلومةً واحدةً وكتب مُقدمةً أثنى فيها على موضوع الكتاب ونصح بطبعه ونشره وتوزيعه.
رحمك الله يا شيخنا فلم أُبصر مثله أوسع كفاً لطالب ولا أطول يداً بالمعروف لراغب.
* وقد لقيتُ الكثيرَ من العلماء وجالستُ العديدَ من العظماء فكان -رحمه الله- أرحبَهم في المكارم قدراً وأنضرَهم عوداً وأغزرهم جوداً وأكرمَهم شيمةً وأمجدهم سجيةً.
عبد الله بن أحمد الحويل
alhaweel@hotmail.com