المطلب الخامس وسائل الجمع:
لم تكن وسائل الكتابة وأدواتها متوفرة وميسرة في عصر الصحابة وما قبله، فكان الناس يستخدمون لتسجيل أفكارهم وأشعارهم ومعاهداتهم ووثائقهم وسائل مختلفة من الأحجار والجلود والعظام والأخشاب وما إلى ذلك من الأشياء المتوفرة لديهم، وذلك لندرة الورق، وهذه الوسائل نفسها هي التي استخدمها الصحابة لكتابة الوحي في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمما ورد ذكره في روايات مختلفة نستطيع أن نعرف بها تلك الوسائل، وهي كالآتي: العسب، اللخاف، الرقاع، الأضلاع، الأكتاف، قطع الأديم، القضم، الظرر، القراطيس، الصحف، الكرانيف.
هذه الأشياء هي التي ورد ذكرها في كتابة القرآن الكريم في عهد الصحابة رضي الله عنهم وقد حاولت استقصاءها مما يتوفر لدي من مراجع.
وفيما يلي نعرف كل ما ذكر من ذلك:
(العسب):
جمع عسيب، وهو جريد النخل، كانوا يكشطون الخُوصَ ويكتبون في الطرف العريض منه (73).
(اللخاف):
بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة، آخره فاء، جمع: (لَخْفَةٍ) بفتح اللام وسكون الخاء: وهي الحجارة الرقاق، وقال الخطابي: صفائح الحجارة (74).
(الرقاع):
جمع رُقْعَة، وهي التي تكتب (75) قال العلامة الجزائري (76) وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد (77).
(الأضلاع):
جمع ضلع، بكسر الضاد وفتح اللام (على لغة أهل الحجاز) وبإسكانها (على لغة تميم)، وهي عظام الجنبين (78).
(الأكتاف):
جمع كَتِف، والكَتِف والكِتْف مثل كَذِب وكِذْب: عظم عريض خلف المنكِب، يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب، وهو ما فوق العضد، كانوا إذا جفّ كتبوا عليه (79).
(الأقتاب):
جمع قَتَب، وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه، وفي اللسان: والقِتب والقَتَب: إِكاف البعير..
وقيل:
هو الإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير، وفي الصحاح: رَحل صغير على قدر السنام (80).
(قطع الأديم):
الأديم: الجلد المدبوغ والجمع: أدم بفتحتين (81).
(القضم):
جمع: قضيم، وهو الجلد الأبيض يكتب فيه، وقيل هي الصحيفة البيضاء، قال ابن منظور: وفي حديث الزهري: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن في العسب والقضم، هي الجلود البيض، واحدها قضيم، ويجمع أيضاً على قَضَم بفتحتين، كأدم وأديم...، عن اللحياني، قال: وجمعها: قُضُم كصحيفة وصحف،... قال الأزهري: القضيم هنا الرق الأبيض الذي يكتب فيه (82).
(الظرر):
حجر له حد كحد السكين، جمع: ظِرار، مثل: رُطب ورِطاب، ورُبع ورِباع، وظِرَّان أيضاً مثل: صُرر وصِردان (83).
(القراطيس):
جمع قرطاس، مثلثة القاف، وهي الصحيفة الثابتة -من أي شيء كانت- التي يكتب فيها، أو الكاغد، ويقال للأديم الذي ينصب للنضال: قرطاس كذلك (84).
وقد وردت الكلمة في سورة الأنعام بالإفراد والجمع في قوله تعالى: (وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَـٰبً۬ا فِى قِرۡطَاسٍ۬ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيہِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَـٰذَآ إِلَّا سِحۡرٌ۬ مُّبِينٌ۬)(85) (الأنعام: 7).
وفي قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ۬ مِّن شَىۡءٍ۬ۗ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورً۬ا وَهُدً۬ى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُ ۥ قَرَاطِيسَ تُبۡدُونَہَا وَتُخۡفُونَ كَثِيرً۬اۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنتُمۡ وَلَآ ءَابَآؤُكُمۡۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِى خَوۡضِہِمۡ يَلۡعَبُونَ) (86) (الأنعام: 91).
ونقل العلامة السيوطي (87) رواية موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس (88).
(الألواح):
مفرده: اللوح، وهو: كل صحيفة عريضة من خشب أو عظم كتف إذا كتب عليه (89).
(الصُّحُف):
جمع صحيفة، وهي قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، والجمع: صحف بضمتين وصحائف، مثل: كريم وكرائم (90).
(الكرانيف):
جمع كُرْنَافَة، بالضم والكسر، وهي أصول الكَرَب - السعف الغلاظ العراض- تبقى في الجذع بعد قطع السعف (91).
هذا، وقد وقع في مغازي موسى بن عقبة (92) -كما نقل عنه السيوطي- عن ابن شهاب قال: لَمَّا أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من القرآن طائفة، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جُمِعَ على عهد أبي بكر في الورق، فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف (93).
فهذه الرواية، وما نقلنا قبلها من موطأ ابن وهب تثبت بأن وسائل الكتابة المذكورة سابقاً هي ما كتب عليها القرآن الكريم قبل عهد أبي بكر -رضي الله عنه- أما في عهده -رضي الله عنه- فقد كتب المصحف كله في الورق.
وقد أيَّدَ ذلك الحافظ ابن حجر حيث قال:
"إنما كان في الأديم والعسب أولاً، قبل أن يجمع في عهد أبي بكر، ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر، كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المُترادفة (94).
الهوامش:
73. راجع اللسان ، مادة (عسب) : 1/ 598 ، وفي النهاية لابن الأثير : (3/ 234) : هي السَّعفة مما لا ينبت عليه الخوص ، وانظر : القاموس المحيط ، ص : 147 .
74. كتاب المصاحف لابن أبي داود : 1/ 170 ، الاتقان : 1/ 186 ، القاموس المحيط : 1102 .
75. اللسان : مادة (رقع) ، القاموس : 933 .
76. طاهر بن صالح بن أحمد بن موهوب السمعوني ، جزائري الأصل ، دمشقي المولد والمدفن ، من أكابر علماء اللغة والأدب ، كان شغوفاً بجمع واقتناء المخطوطات ، ساعد على إنشاء دار الكتب الظاهرية بدمشق ، والمكتبة الخالدية في القدس ، كان يجيد أكثر اللغات الشرقية كالعبرية والسريانية والحبشية والتركية والفارسية ، له نحو عشرين مؤلفاً ، ولد في 1268هـ ، وتوفي سنة : 1338هـ ، مقدمة كتابه : التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن لمحققه الشيح عبد الفتاح أبو غدة ، الأعلام : 221-222 .
77. التبيان ، هامش ص : 101 .
78. المصباح المنير ، ص : 138 .
79. اللسان : مادة ، (كتف) .
80. المرجع السابق ، والقاموس : 157 .
81. المصباح المنير ، ص : 4 ، القاموس : 1389 .
82. اللسان ، مادة (قضم) : 12/ 488 ، القاموس : 1485 .
83. الوجيز للقرطبي ، ص : 163 ، وانظر القاموس : 556 .
84. اللسان ، مادة (قرطس) ، القاموس : 729 .
85. سورة الأنعام آية : 7 .
86. سورة الأنعام آية : 91 .
87. عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ، جلال الدين أبو الفضل الخضيري السيوطي ، إمام حافظ مؤرخ أديب ، له نحو 600 مصنف ، ولد في 849 هـ ، ونشأ بالقاهر ة يتيماً ، بقي معتزلاً عن الناس إلى أن مات سنة : 911 هـ ، من أشهر مؤلفاته : الدر المنثور ، الإتقان ، شذرات الذهب : 8/ 51 ، حسن المحاضرة : 1/ 188 ، الأعلام : 3/ 302 .
88. الإتقان : 1/ 186 .
89. المصباح المنير ، ص : 214 ، القاموس : 307 .
90. المصباح المنير ، ص : 127 ، وراجع القاموس : 1068 .
91. المصباح المنير : 202 ، القاموس : 1096-1097 .
92. موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي بالولاء ، أبو محمد ، مولى آل الزبير عالم بالسيرة والمغازي ، محدث ثقة ، ولد بالمدينة ، وبها توفي سنة 141هـ قال الإمام أحمد : عليكم بمغازي ابن عقبة فإنه ثقة ، تهذيب التهذيب : 10/ 360 ، الأعلام : 7/ 325 .
93. الإتقان : 1/ 186 ، وراجع الإتقان في المباحث المتعلقة بالقرآن ص : 102 .
94. الفتح : 9/ 13 ، وراجع الإتقان : 1/ 186-187 .