[6] أعمال عظيمة
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد :
فإن مما يحرص المسلم على فعله في كل حين وخاصة في هذه الأيام المباركة :
1- أداء الصلاة مع الجماعة : فالصلاة أمرها عظيم قال صلى الله عليه وسلم : (( رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله )) [رواه الترمذي].
وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات ، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند موته فقال : (( الصلاة ، الصلاة ، وما ملكت أيمانكم )) [رواه أحمد] .
وهي آخر ما يُفقد من الدين ، فإن ضاعت ضاع الدين كله ، قال صلى الله عليه وسلم : (( لتُنقضن عُرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحُكم وآخرهن الصلاة )) [رواه أحمد].
وقد جعلها الله عز وجل من الشروط الأساسية للهداية والتقوى ، واستثنى الله عز وجل أهل الصلاة من الأخلاق الذميمة والصفات السيئة .
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحد الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) [رواه الخمسة].
وقد تساهل أناس في أمر الصلاة في المساجد مع جماعة المسلمين والله عز وجل يقول في كتابه الكريم : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } [البقرة:43] وهو نص في وجوب صلاة الجماعة ومشاركة المصلين في صلاتهم .
وفي صحيح مسلم أن رجلاً أعمى قال : يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( هل تسمع النداء بالصلاة ؟ )) قال : نعم ، قال : (( فأجب )).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر ، لم تقبل منه الصلاة التي صلى )) قيل : وما العذر يا رسول الله ؟ قال : (( خوف أو مرض )) [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] .
وسأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما فقال : رجل يصوم النهار ويقوم الليل ، لا يشهد جمعة ولا جماعة ؟ قال ابن عباس : (( هو في النار )) .
فاحرصوا على أداء الصلاة مع الجماعة وتوبوا إلى الله عز وجل من التقصير والتفريط والتهاون والتكاسل عن أدائها .
2- البعد عن الركون إلى الكفار وموالاتهم : والأصل في ذلك الولاء للمؤمنين والبراء من الكفار والمشركين وهو أوثق عرى الإيمان وهو من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح قال عليه الصلاة والسلام : (( من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان )) [أخرجه أبو داود].
قال شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله : (( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يوالي إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله )) .
ومن صور موالاة الكفار :
التشبه بهم في اللبس والكلام وكذلك الإقامة في بلادهم أو السفر إليها للنزهة ومتعة النفس ، وكذلك اتخاذهم بطانة ومستشارين ، ومن الصور المنتشرة أيضاً مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها . ومن صور الموالاة لأعداء هذا الدين تعظيمهم ، والتسمي بأسمائهم ، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم ، دون النظر إلى عقائدهم الفاسدة .
3- المحافظة على الوقت : فإن رأس مال المؤمن في هذه الدنيا هو وقته الذي يزرع فيه للدار الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم : (( اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك )) [رواه الحاكم وصححه الألباني].
وإن كنت – أخي المسلم – تحافظ على مالك وتقتصد في صرفه فإن الوقت كالمال كلاهما يجب الحرص عليه والاقتصاد في إنفاقه وتدبير أمره ، وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره وتنميته فإن الوقت عكس ذلك . فاحرص على وقتك واعمل لآخرتك كما أمرك ربك { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56].
قال الإمام النووي : ( وهذا تصريح بأنهم خُلقوا للعبادة ، فحقَّ عليهم الاعتناء بما خُلقوا له ، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة ، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلادٍ ، ومركب عبور لا منزل حُبورٍ ، ومشرعُ انفصام لا موطن دوامٍ ) .
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
[7] سلعة الله غالية
الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعد :
فإن مواسم الخير فرص عظيمة للتزود إلى الدار الآخرة.
ومن الأعمال التي تقرب إلى الله زلفى :
1- الإكثار من النوافل فإنها من أفضل القربات ففي الحديث القدسي : (( ... وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه ... )) [رواه البخاري] .
2- صيام يوم عرفة : يتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم عرفة : (( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعدها )) [رواه مسلم] .
3- فضل يوم النحر : يغفل عن ذلك اليوم العظيم كثير من المسلمين مع أن بعض العلماء يرى أنه أفضل أيام السنة على الإطلاق حتى من يوم عرفة .
قال ابن القيم – رحمه الله - : (( خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر )) .
وفي سنن أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم : (( إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر )) يوم القر : هو يوم الاستقرار في منى ، وهو اليوم الحادي عشر .
وقيل يوم عرفة أفضل منه ، لأن صيامه يكفر سنتين ، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة ، ولأنه – سبحانه وتعالى – يدنو فيه من عباده ، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف .
والصواب : القول الأول : لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء .. وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفة فليحرص المسلم حاجاً كان أم مقيماً على إدراك فضله ، وانتهاز فرصته .
4- بر الوالدين وصلة الرحم : قال الله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } [الإسراء:23].
وبر الوالدين من أفضل الأعمال وأعظم الطاعات ، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : (( الصلاة في وقتها )) قلت : ثم أي ؟ قال : (( بر الوالدين )) ، وقلت : ثم أي قال : (( الجهاد في سبيل الله )) [ متفق عليه] .
وعندما أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد وهو من أعظم الأعمال ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أحيٌّ والداك )) قال : نعم . قال : (( ففيهما فجاهد )) [رواه البخاري].
ومن صور البر : طلاقة الوجه ، وخدمتهما ، وإدخال السرور عليهما ، وتحمل أذاهما ، ومد يد العون إليهما .
ومن صور البر بهما بعد موتهما : ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، هل بقي عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به ؟ قال : (( نعم ، خصال أربع : الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي رحم لك إلا من قبلهما ، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما )) [رواه أحمد].
وفي الحث على صلة الرحم آيات وأحاديث كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( الرحم مُعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعهُ الله )) [متفق عليه].
ومن أعظم أنواع صلة ارحم : دلالتهم على الخير ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وتفقد أحوالهم ، وسد حاجاتهم .
5- قيام الليل ولو بركعات قليلة : فقد أثنى الله عز وجل على أهل الجنة بعدة صفات منها قيام الليل فقال ك{ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }[الذاريات :17] . وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة وعلى مجاهدة النفس في هذا الوقت الذي هو وقت نزول الرب عز وجل إلى سماء الدنيا .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث عليها الرسول صلى اله عليه وسلم : (( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى الله تعالى ، ومنهاة عن الإثم وتكفير السيئات ، ومطردة للداء عن الجسد )) [رواه أحمد] .
ومن ظنَّ بنفسه القيام في الثلث الأخير من الليل فهو الأفضل ، وإلا صلى وأوتر قبل أن ينام .
اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، واجعلنا ممن وفق لفعل الخيرات والبعد عن المنكرات ،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
[8] المبادرة بالصالحات
الحمد لله الذي يبدئ ويعيد ، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
وبعد :
فإن من الأعمال المقربة إلى الله عز وجل :
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : فإن منزلته عظيمة ودرجته رفيعة ، حتى عده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام ، وقدمه الله عز وجل على الإيمان به سبحانه كما في قوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [آل عمران:110] وقدمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71].
وفي هذا التقديم بيان لعظم شأن هذا الواجب وأهميته وحاجة الأمة إليه .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مهام وأعمال الرسل ، ومن صفات المؤمنين وخصال الصالحين ، وهو من أسباب التمكين في الأرض ، ومن أسباب النصر ، ومن أسباب دفع العقوبات وجلب الخيرات .
قال صلى الله عليه وسلم : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ))[رواه مسلم].
قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله : (( فلو قُدِّر أن رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها ، وهو مع هذا لا يغضب لله ، ولا يتمعَّر وجهه ، ولا يحمر ، فلا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله ، وأقلهم ديناً ، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه )) .
فبادروا أيها المسلمون بالأعمال الصالحة وتقربوا إلى الله عز وجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق واللين .
2- غض البصر عن الحرام : من نعم الله عز وجل التي أنعم بها علينا نعمة البصر ، وهي نعمة لا تقدر بثمن ، وقد أمر الله عز وجل بغض النظر عن الحرام فقال تعالى : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ }[النور: 31].
وقال صلى الله عليه وسلم : (( النظر سهم مسموم )) [رواه الحاكم].
إن النظر إلى ما حرم الله أصل كل فتنة ، ومنجم كل شهوة ، فالنظر هو رائد الشهوة ودليلها ، وحفظه أصل حفظ الفرج . قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : (( يا علي ؛ إن لك كنزاً في الجنة ، فلا تُتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة )) [رواه أحمد] .
فحافظ – أخي المسلم – على بصرك ، ولا تنظر بنعمة الله عز وجل إلى ما حرم عليك . بل استعن بهذه النعمة العظيمة على طاعة الله عز وجل وقراءة القرآن والتفكر في ملكوت السموات والأرض .
3- حفظ الجوارح ومن أهمها : اللسان ، فإن خطره عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن أكثر ما يُدخل النار ؟ قال (( الفم والفرج )) [رواه الترمذي] .
وتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لتعلم خطورة اللسان وكيف يهوي بصاحبه : (( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يَزلُّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب )) [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) [رواه مسلم].
فاحرص – أخي المسلم – على حفظ لسامك من الغيبة والنميمة وقول الزور والاستهزاء وفحش الكلام ، واجعله ذاكراً لله عز وجل مسبحاً مستغفراً تفز بالأجر والمثوبة .
4- التوبة والإنابة إلى الله : من نعم الله علينا أن فتح باب التوبة وجعله فجراً تبدأ معه رحلة العودة بقلوب منكسرة ودموع منسكبة وجباه خاضعة ، قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222].
ويقول صلى الله عليه وسلم : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) [رواه ابن ماجه والطبرني]. وهذا فضل من الله عز وجل ومنة على عباده .
فكن أيها المسلم قوَّماً على نفسك ، وحاسبها وردها إلى جادة الصواب ، واجعل لنفسك نصيباً من المراجعة والتفكير كل يوم وليلة فإن أمامك أهوالاً شديدة ، وكن ممن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم : (( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون )) [رواه أحمد والترمذي ] .
ونهاية العام فرصة للتوبة فإن الأعمار تفنى والآجال تطوى .
فسارع قبل أن يأتي يوم يندم فيه الإنسان قال الله تعالى : { قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا } [ المؤمنون :99، 100].
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
[9] عيد الأضحى
الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فاحمد الله عز وجل – أخي المسلم – أن جعلك ممن يدرك هذا اليوم العظيم , ومد في عمرك لترى تتابع الأيام والشهور وتقدم لنفسك فيها الأعمال والأقوال والأفعال ما تقربك إلى الله زلفى .
والعيد من خصائص هذه الأمة , ومن أعلام الدين الظاهرة وهو من شعائر الإسلام , فعليك بالعناية به وتعظيمه قال تعالى :{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج : 32].
وإليك وقفات سريعة موجزة مع آداب وأحكام عيد الأضحى:
1- التكبير للصلاة : قال الله تعالى : { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] والعيد من أعظم الخيرات والقربات .
قال البخاري رحمه الله : باب التبكير إلى العيد , ثم ساق حديث البراء – رضي الله عنه – قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : (( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نُصلي ..)) قال الحافظ : (هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها , ومن لازِمِهِ أن لا يُفعل قبلها شيء غيرها , فاقتضى ذلك التبكير إليها ) [فتح الباري2/ 350].
2- التكبير : يشرع التكبير من يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة , قال تعالى :{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } [البقرة: 203].
وصفته أن تقول : ( الله أكبر , الله أكبر , لا إله إلا الله والله أكبر , الله أكبر ولله الحمد ) ويُسَّنُ جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت وأدبار الصلوات إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره .
3- ذبح الأضحية : ويكون ذلك بعد صلاة العيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى , ومن لم يذبح فليذبح ) [رواه البخاري ومسلم].
ووقت الذبح أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( كل أيام التشريق ذبح )) [رواه أحمد ].
4- الاغتسال والتطيب للرجال : ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا مخيلة ولا إسبال ولا حلق لحية فهذا حرام – أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب , وأربأ بالمسلمة أن تذهب لطاعة الله والصلاة وهي متلبسة بمعصية الله من تبرج وسفور وتطيب أمام الرجال .
5- الأكل من الأضحية : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته .
6- الذهاب إلى مصلى العيد ماشياً إن تيسر : والسُنَّة الصلاة في مصلى العيد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إ ذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلي في المسجد .
7- الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة : والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيميه –رحمه الله -: أن صلاة العيد واجبة لقوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر : 2] .
ولا تسقط إلا بعذر شرعي .
والنساء يشهدن العيد مع المسلمين , حتى الحيض والعواتق ويعتزل الحيض المصلى .
8- مخالفة الطريق : يستحب لك أن تذهب إلى مصلى العيد من طريق وترجع من طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
9- التهنئة بالعيد : لا بأس مثل قول : تقبل الله منا ومنكم .
10- الاجتماع على الطعام : ومن السُنَّة اجتماع الناس على الطعام في العيد, قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( جَمْعُ الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة , وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) [مجموع الفتاوى 25/ 298] .
واحذر – أخي المسلم – من الوقوع في بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس منها :
1- التكبير الجماعي : بصوت واحد ,أو الترديد خلف شخص يقول التكبير .
2- اللهو أيام العيد بالمحرمات : كسماع الغناء , ومشاهدة الأفلام , واختلاط الرجال بالنساء اللاتي لسن من المحارم وغير ذلك من المنكرات .
3- أخذ شيء من الشعر أو تقليم الأظافر قبل أن تضحي لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
4- الإسراف والتبذير : بما لا طائل تحته ولا مصلحة فيه ولا فائدة منه سواء في الملبس أو المأكل والمشرب لقول الله تعالى : { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأنعام: 141].
5- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد ويتناقلون أحاديث لا تصح .
6- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والسلام على الأموات .
وختاماً : لا تنس – أخي المسلم – أن تحرص على أعمال البر والخير من صلة الرحم , وزيارة الأقارب , وترك التباغض والحسد والكراهية , وتطهير القلب منها , والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم .
اللهم وفقنا لما تحب وترضى وخذ بنواصينا للبر والتقوى ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
[10] بعض أحكام الأضحية ومشروعيتها
الحمد الله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد :
فقد شرع الله الأضحية بقوله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر: 2] وقوله تعالى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ } [الحج: 36] وهي سُنَّة مؤكدة ويكره تركها مع القدرة عليها لحديث أنس – رضي الله عنه – الذي رواه البخاري ومسلم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (( ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر )).
وقد سُئل الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - : هل يقترض الفقير ليضحي ؟
فأجاب :
( إن كان له وفاء فينبغي أن يقترض ويقيم هذه الشعيرة وإن لم يكن له وفاء فلا ينبغي له ذلك ) .
ممَّ تكون الأضحية ؟
الأضحية لا تكون إلا من الإبل والبقر والضأن والمعز لقول الله تعالى : { مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } [الحج: 34] .
ومن شروط الأضحية : السلامة من العيوب .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أربعة لا تجزئ في الأضاحي : العوراء البين عورها , والمريضة البين مرضها , والعرجاء البين ضلعها , والعجفاء التي لا تنقي )) [رواه الترمذي] .
وقت الذبح :
بداية وقت الذبح بعد صلاة العيد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( مَن ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه , ومن ذبح بعد الصلاة والخطبتين فقد أتم نسكه وأصاب السنة )) [متفق عليه ] .
ويُسنُّ لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول : بسم الله والله أكبر , اللهم هذا عن فلان ( ويسمِّي نفسه أو مَن أوصاه ) فإن رسول صلى الله عليه وسلم ذبح كبشاً وقال: (( بسم الله والله أكبر , هذا عني وعن مَن لم يُضح من أمتي )) [رواه أبو داود والترمذي] ، ومن كان لا يُحسن الذبح فليشهده ويحضره.
توزيع الأضحية :
يسن للمُضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الأقارب والجيران , ويتصدق منها على الفقراء قال تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج: 28] وقال تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } [الحج: 36].
وكان بعض السلف يحب أن يجعلها أثلاثاً : فيجعل ثلثاً لنفسه , وثلثاً هدية للأغنياء , وثلثاً صدقة للفقراء .
ولا يعطي الجزار من لحمها شيئاً كأجر .
فيما يجتنبه مَن أراد الأضحية :
إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته , لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخلت العشر وأراد أحركم أن يضحي , فليمسك عن شعره وأظفاره )) [رواه أحمد ومسلم ] , وفي لفظ : (( فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً حتى يضحي )) وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته , ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية .
ويجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم .
وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود ولا كفارة عليه , ولا يمنعه ذلك عن الأضحية , وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه . وإن احتاج إلى أخذه ولا شيء عليه مثل : أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه , أو ينزل الشعر في عينه فيزيله , أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه .
فبادر – أخي المسلم – إلى القيام بهذه الشعيرة العظيمة ولا تكن من المحرومين الذين ينفقون الكثير ويذبحون الذبائح طوال العام ثم إذا أتى العيد تكاسلوا وتهاونوا .
اللهم أعد علينا هذا اليوم أعواماً عديدة وأزمنة مديدة واجعلنا من عبادك الصالحين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .