عند تواجدك في غرفة الولادة
أختي المسلمة:
عند تواجدك في غرفة الولادة – وأسأل المولى القدير ألا يطيل مكوثك فيها-:
* عليك أخيتي إشغال نفسك بذكر الله وكثرة الاستغفار ففي كثرة الاستغفار فرجًا لكل هم، كما في الحديث الشريف.
* وعليك الدعاء من قلب خالص لله تعالى، ولا تدعي الهمّ والغمّ والحزن والكرب تساورك، بدديها بالأدعية والأذكار الحافظة من شر الشياطين وأضرارهم حفاظًا عليك وعلى جنينك. ولا تجعلي الفزع يسيطر عليك وينسيك ذكر الله، والعياذ بالله.
* كما يجب عليك ألا تركني للطاقم الطبي المحيط بك والأجهزة الطبية المساعدة، فكلها أسباب بعد الله بل عليك التوكل بحق على الله، قال تعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: 3].
توكلي عليه دون أدنى ريب في عونه ورحمته سبحانه فكل ما ترين من الإمكانات التي هيأت لك، فهي من فضله وسعة رحمته عليك، ولكن ليست هي سببًا مباشرًا في تفريج كرتبك.
* الخوف أمر طبيعي في مثل هذه الحالات، وفي الولادة بمزيد، لكن احذري أني تجاوزي الحد ويحصل منك مالا يرضي الله وما لا ترضيه على نفسك ولا تودين وقوعه من تفوه بكلام غير مرضي وتصرف غير معقول من صراخ وما شبهه.
بذكر الله يطمئن قلبك وتحصل لك الراحة والسكينة وتحل محل الفزع الذي ملأ قلبك عند الولادة، فقد قال سبحانه: "الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ" [الرعد].
أخيتي:
عليك بصدق النية حين الالتجاء إلى الله، فمن صدق الله صدقه الله، والمرأة في حال الولادة إنما هي في أضعف وأصعب وأحزن حالاتها، لذا يكون دعاؤها دعاء المضطر.
قال سبحانه: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ" [النمل: 62].
أختي في الله:
عليك قبل كل شيء بتقوى الله أينما كنت وعلى أي حال صرت، فإياك والاستسلام لما يخالف الشرع متذرعة بوضعك الجسمي والنفسي، فتحلين لنفسك ما حرَّم الله، وكثيرًا ما تقع بعض المخالفات الشرعية في غرف الولادة من ضعاف الإيمان، كأن تطلب طبيبًا بدلاً من طبيبة مع توفرها وعدم الحاجة الماسة للطبيب.
وحين الفزع والخوف لا تنسي أن الله معك:
"وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [البقرة: 194].
"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن: 16].
واعلمي أختي الحبيبة أنه:
"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: 2، 3].
"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" [الطلاق: 4].
"وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا" [الطلاق: 5].
"إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" [الأعراف: 56].
واعلمي: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [الشرح].
وأخيرًا – أختي الحبيبة:
عليك أن تحمدي الله على هذه النعمة العظيمة، فما أنزل الله من داء إلا وله دواء، فحالتك لا تعجزه سبحانه: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا" [فاطر: 44].
والنعم تقيد بالشكر، ووعد سبحانه بالزيادة للشاكرين، قال سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" [إبراهيم: 7].
أختي في الله:
لا يكن آخر عهدك بربك هو حملك وولادتك؛ فالذي أنعم عليك، وفرج كربتك، وأنقذك وأسعدك قادر على سلب ما أنعم به، فالله الله بتقوى الله، وشكر نعمه، ولتكن عونًا لك على طاعته وبلوغ رضاه وجنته.. آمين.
والآن الحمد لله على السلام مقدمًا يا أم..!!
وبورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، ورزقت بره، وبلغ أشده.
وللفائدة أتمنى الرجوع إلى كتاب سينفعك بإذن الله فيما يخص المولود وهو كتاب (تحفة المودود بأحكام المولود) لابن القيم، جعلها ذرية صالحة نافعة بارة في المحيا وبعد الممات.
أخرج مسلم وغيره قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وبر الوالدين في الدنيا أفضل الأعمال:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قلا: «بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» [رواه البخاري ومسلم].
هذا، والله أعلم بالصواب.. وما ذكر هنا ليس على سبيل الحصر؛ إنما هي مجموعة ورد ذكرها في بعض الكتب، وإلا فكتاب الله كله شفاء، والأدعية والآثار كثيرة لا حصر لها، ولكن هذا مجهود بسيط بذلناه لعلّ المرجو منه يحصل بإذن الله.
"فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" [يوسف: 64].
والله من وراء القصد، وهي يهدي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أم عبد الله
نورة بنت عبد الرحمن
ذو القعدة 1420ﻫ
ص. ب: 26842 – الرياض: 11496