الجمعة عيد الأسبوع للمسلمين
بقلم: أحمد عبد السلام
الحمد لله الذي جعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار، أحمده وأشكره على نِعمه الغزار، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
الجُمُعَة هو يوم من الأسبوع يأتي بعد يوم الخميس وقبل يوم السبت. ويعد هذا اليوم سابع أيام الأسبوع عند المسلمين وله أهمية دينية. وقد نزلت سورة في القرآن اسمها سورة الجمعة، ففي يوم الجمعة تقام صلاة جماعية أسبوعية خاصة تسمى صلاة الجمعة وفيها يجتمع المصلون في الجوامع وتتم الصلاة بشكل جماعي بعد الاستماع لخطبة الجمعة التي يلقيها الخطيب في المسجد الجامع. حيث يتم تقديم المواعظ والدروس التي تثبت المؤمنين وتزيدهم إيمانا، وتبصرهم بشؤون دينهم.
ولأهمية هذا اليوم فإن في أغلب الدول العربية يعد يوم الجمعة يوم عطلة. وهو يوم مبارك جدا عند المسلمين لما في هذا اليوم -حسب الأحاديث النبوية المتواترة عن النبي محمد- من أهمية حيث قال: ) سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَهُ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَفِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِيَّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا بَحْرٍ إِلَّا هُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( وكان اسم هذا اليوم العَرُوبَة أو عَرُوبَة في الجاهلية.
فلا تزال الشعوب تحتفي بأعيادها وتفرح بتكرارها، وتُسر بذكر اسمها، كيف إذا كان العيد لأمة الإسلام وتتعبد الله -عز وجل- به.
إن عيد الأسبوع لأهل الإسلام هو يوم الجمعة الذي كرم الله به هذه الأمة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى، قال -صلى الله عليه وسلم-: ) أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يومُ الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة، والسبت، والأحد، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق (.
ويوم الجمعة هو اليوم الذي قال عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ) خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة (.
وهذا اليوم العظيم جعله البعض من المسلمين يوم نوم طويل، ونزهة، ورحلة، وخصصت بعض النساء هذا اليوم للأسواق وأعمال المنزل، وغفلت عن حق هذا اليوم.
ولا بد أن نعرف لهذا اليوم قدره ونعلم خصائصه؛ حتى نتفرغ فيه للعبادة والطاعة وكثرة الدعاء والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- .
قال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: "وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء هل هو أفضل أم يوم عرفة".
بعض خصائص يوم الجمعة
قد عد ابن القيم -رحمه الله- أكثر من ثلاثين مزية وفضلا لهذا اليوم، ومن تلك الخصائص والفضائل:
الأولى: أنه يوم عيد متكرر: فيحرم صومه منفردا، مخالفة لليهود والنصارى، وليتقوى العبد على الطاعات الخاصة به من صلاة ودعاء وغيرها.
الثانية: أنه يوم المزيد، يتجلى الله فيه للمؤمنين في الجنة، قال تعالى: ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ (ق: 35) ، قال أنس رضي الله عنه: "يتجلى لهم في كل جمعة".
الثالثة: أنه خير الأيام قال صلى الله عليه وسلم: ) خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة (.
الرابعة: فيه ساعة الإجابة: قال صلى الله عليه وسلم: ) فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يسأل الله -تعالى- شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يُقلِّلها (.
الخامسة: فضل الأعمال الصالحة فيه قال صلى الله عليه وسلم: ) خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضا، وشهد جنازة، وصام يوما، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة ( .
السادسة: أنه يوم تقوم فيه الساعة: لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ) ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة (.
السابعة: أنه يوم تُكفر فيه السيئات: فعن سلمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويَدّهِنُ من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى (.
الثامنة: أن للماشي إلى الجمعة أجرا عظيما: قال صلى الله عليه وسلم: ) من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ثم بكّر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها (.
التاسعة: الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما وزيادة ثلاثة أيام: قال صلى الله عليه وسلم: ) من اغتسل ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام (.
العاشرة: أن الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة لقوله صلى الله عليه وسلم: ) من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وُقِيَ فتنة القبر (.
الحادية عشرة: أن الصدقة فيه خير من الصدقة في غيره من الأيام، قال ابن القيم: والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور. ثم قال: وشاهدتُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت خبزا أو غيره فيتصدق به في طريقه سرا.
وهناك فضائل ومزايا أخرى لهذا اليوم العظيم، ولو لم يكن فيه إلا مزية واحدة مما ذكرنا لكفى بالمرء حفظا له وحرصا عليه، فكيف وقد اجتمعت فيه فضائل عظيمة وخصال كثيرة، فحري بالمسلم أن يغتنم هذه الفرص.
بعض آداب يوم الجمعة
ذكر أهل العلم -رحمهم الله- ليوم الجمعة آدابا كثيرة، ينبغي للمسلم مراعاتها والحفاظ عليها، ومما ذكروا في ذلك ما يأتي:
أولا: يستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرؤهما، ولعل ذلك لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان، ويكون من المبدأ والمعاد، وحشر الخلائق، وبعثهم من القبور، لا لأجل السجدة كما يظنه بعض المسلمين.
ثانيا: التبكير إلى الصلاة: وهذا الأمر تهاون به كثير من الناس حتى أن البعض لا ينهض من فراشه، أو لا يخرج من بيته إلا بعد دخول الخطيب، وآخرون قبل دخول الخطيب بدقائق وقد ورد في الحث على التبكير والعناية به أحاديث كثيرة منها:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ) إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر، ومثل المُهَجِّر (أي المبكر) كمثل الذي يُهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة ( .
فجعل التبكير إلى الصلاة مثل التقرب إلى الله بالأموال، فيكون المبكر مثل من يجمع بين عبادتين: بدنية ومالية، كما يحصل يوم الأضحى.
وكان من عادة السلف -رضوان الله عليهم- التبكير إلى الصلاة، كما قال بعض العلماء: (ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسنا). و(كان يُرى في القرون الأولى في السحر وبعد الفجر الطرقات مملوءة يمشون في السرج، ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد، حتى اندرس ذلك). وكان هذا الوقت يُعمر بالطاعة والعبادة وقراءة القرآن وذكر الله -عز وجل- وصلاة النافلة.
روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة.
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يصلي ثمان ركعات.
ومما يُعين على التبكير:
1 - ترك السهر ليلة الجمعة.
2 - التهيؤ لها منذ الصباح الباكر بالتفرغ من الأشغال الدنيوية.
3 - استشعار عظم الأجر والمثوبة والحرص على جزيل الفضل وكثرة العطايا من الله عز وجل.
ثالثا: الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عليه الصلاة والسلام: ) إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلِق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفَّخة، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء (.
رابعا: الاغتسال يوم الجمعة: لحديث الرسول: -صلى الله عليه وسلم-: ) إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ( .
واختلف العلماء في حكمه بين الوجوب والاستحباب والجمهور على الاستحباب فيستحب الاغتسال؛ إدراكًا للفضل.
خامسا: التطيب، والتسوك، ولبس أحسن الثياب، وقد تساهل الناس بهذه السنن العظيمة؛ على عكس إذا كان ذاهبًا لحفل أو مناسبة فتراه متطيبا لابسا أحسن الثياب! قال: صلى الله عليه وسلم:) من اغتسل يوم الجمعة، واستاك ومسَّ من طيب إن كان عنده، ولبس أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها ( .
وقال: -صلى الله عليه وسلم-: ) غُسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمسّ من الطيب ما قدر عليه (.
سادسا: يستحب قراءة سورة الكهف: لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ) من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين (.
ولا يشترط قراءتها في المسجد بل المبادرة إلى قراءتها ولو كان بالبيت أفضل.
سابعا: وجوب الإنصات للخطبة والحرص على فهمها والاستفادة منها: قال :-صلى الله عليه وسلم-: ) إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لغوت (.
ثامنا: الحذر من تخطي الرقاب وإيذاء المصلين: فقد قال النبي :-صلى الله عليه وسلم- لرجل تخطى رقاب الناس يوم الجمعة وهو يخطب: ) اجلس فقد آذيت وآنيت ( . وهذا لا يفعله غالبا إلا المتأخرون.
تاسعا: إذا انتهت الصلاة فلا يفوتك أن تصلي في المسجد أربع ركعات بعد الأذكار المشروعة، أو اثنتين في منزلك.
وفي الختام:
أخي المسلم: تَحَرَّ ساعة الإجابة، وأرجح الأقوال فيها: أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، فادع ربك وتضرع إليه واسأله حاجتك، وأرِه من نفسك خيرًا، فإنها ساعة قال عنها النبي: -صلى الله عليه وسلم-: ) إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه (.
جعلنا الله وإياكم ممن يعبد الله حق عبادته وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.