شرح كتاب كيفية صلاة النبي للألباني
للشيخ أبي إسحاق الحويني
الدرس الأول
إن الْحَمْد لِلَّه تَعَالَى, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوْذُ بِاللَّهِ تَعَالَىْ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِىَ الْلَّهُ تَعَالَىْ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ .
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران: 102) .
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ (النساء: 1) .
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ (الأحزاب: 70-71 ) .
أَمَّا بَعْــــدُ...
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ الْلَّهِ تَعَالَي وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرِّ الْأُمُورَ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِهِ وَكُلْ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ الْنَّارِ .
الْلَّهُمَّ صَلّىِ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ .
نحن اليوم مع أعظم الأركان العملية وهي الصلاة ، والأمر بالصلاة في كتاب الله -تعالى- وفي كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس أمرًا مجردًا بل هو أمر له وقت فإن الله -تعالى- إذا أمرنا في القرآن بأن نصلي قال:﴿ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ (الأنعام:72) ، ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ﴾ (النساء:103) ، فكلمة أن تقيم الصلاة ليس معناها أن تصلي ، بل إقامة الصلاة قدر زائد علي مجرد الصلاة وهي الصلاة التي عناها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث لما قيل له إن فلانًا يصلي ويسرق قال: « ستنهاه صلاته يومًا ».
أي إن العبد إذا أقام الصلاة نهته ، وهذه الإقامة هي المعنية في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ (العنكبوت:45) فالصلاة المحلاة بالألف واللام وهي تفيد العهد أي أنها صلاة بعينها أمر الله تعالى بها والصلاة المعرفة ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ ﴾ أي إن الصلاة التي لو أقمتها كما أمر الله بها ، فهذه الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر وليس مجرد أي صلاة ، فإننا نري رجالًا يصلون ويرابون ويسرقون ويزنون، فهؤلاء ما أقاموا الصلاة ، نريد أن نقيم صلاة .
كيفية إقامة الصلاة ؟
إذا أردت أن تقيم الصلاة فامتثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، إذًا نحن ملتزمون بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أردنا أن نقيم الصلاة يجب أن نلتزم بها ، فهل جماهير المسلمين اليوم يعرفون كيف كان يصلي النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟
الجواب: لا .
لأننا ورثنا الصلاة ما تعلمناها ، بل الذين يرسلون أيديهم في الصلاة ولا يقبضون أيديهم ويضعونها علي صدورهم كما هي السنة ، آلنبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل يديه أرسل يديه ولو مرة في حياته وهو القائل « صلوا كما رأيتموني أصلي » مثل «خُذوا عني مناسككم» سواًء بسواء .
ما حجة أولئك في ترك أيديهم ؟!
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « أُمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل فطرنا ، وأن نضع أيماننا علي شمائلنا في الصلاة » فكأنها سنة الأنبياء أن تضع اليمني علي اليسرى ، لكن عندما غلب التقليد علي المتأخرين قاموا يتعاملون مع المذاهب الفقهية كأنها أديان متباينة فعلامة المالكي أن يرسل يديه ، وعلامة الشافعي أن يقبض وجَهِلَ بعضهم فقال أن ركعتي الشفع في المذهب الشافعي فقط بسبب شفع وشافعي .
مثل واحد من الجماعة الذين يخرجون في سبيل الله سألته مرة قلت له: ما دليل الخروج ؟! قال: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ ، ما معني ذلك ؟! أي الذين لم يخرجون جميعًا كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل أقعدوا مع القاعدين ، أي لم ينجو من هذا الذنب إلا هؤلاء الثلة والباقون غضب الله عليهم وثبطهم ؟! وهذا يذكرني عندما جاءت معاهدة السلام ، ما الدليل ؟ إن الله هو السلام ، ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ﴾ (ق: 34)، تحية الإسلام السلام كلما وجدوا لفظًا يواطئ المعني الذي يريدون ، كلما استدلوا به مع قطع النظر عن السياق الذي ورد فيه اللفظ حتى صاروا أضحوكة للعقلاء .
أمور يضحك السفهاء منها ويبكى من عواقبها اللبيب
ركعتين شفع هؤلاء يكونوا للشافعي ، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ هذه قراءة مالك وتكون ﴿ ملك ﴾ يقرأ بها الشافعي وأحمد لأن مالك وافقت مالك هذا كله دل على أن الذين تدينوا بالمذاهب الفقهية اعتبروها أنها دين مستقل ، فالذين يرسلون أيديهم في الصلاة ما صلوا كما أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- .
لو قلت لواحد اركع وكيف يكون ظهرك إذا ركعت ؟ لو قلت له أسجد وأرني أنفك هل يمس الأرض أم لا ؟ ربما تجده يرفع أنفه من على الأرض وهكذا ، فإذا سمعت قول اللهتعالى: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ لابد أن ترجع إلى السنة لتعلم كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي ، والأصل في تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يشمل الرجال والنساء معًا ، فإن هذا النداء في القرءان: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يشمل الرجال والنساء معًا ، وهذا الأمر: « صلوا كما رأيتموني أصلي » يشمل الرجال والنساء معًا ، فمن عجب أن بعض المذاهب الفقهية تقول: إذا سجد الرجل فليجافي يديه عن جنبيه وأن يبالغ ، إلا المرأة فإنها تنجمع لأنها عورة ... فنسألهم هذا الإنجماع أن المرأة يدخل بعضها في بعض إذا أرادت أن تسجد ، ما دليله ؟ وهل النبي -صلى الله عليه وسلم- فرق بين وأمر النساء أن ينجمعن وأمر الرجال أن يجافوا أيديهم عن جنوبهم ؟ .
الجواب: لا تجد على هذا أثارة من علم ، بل الرجال والنساء معًا على السواء في المجافاة .
أفضل كتاب في صفة صلاة النبي: -صلى الله عليه وسلم- فلما كان الأمر كذلك وأردنا أن نذكر صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على التفصيل كما صلاها -صلى الله عليه وسلم- فلم أجد كتابًا أفضل ولا أجود من كتاب شيخنا الإمام المحدث الكبير أبي عبدالرحمن محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله كتاب: (صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- من التكبير إلى التسليم كأنك تراها) ، وهذا الكتاب من الكتب المباركة ، وهذا الكتاب الحقيقة له عندي معزة خاصة جدًا ، لأن هذا هو الكتاب الذي فتح عيني على علم الحديث وفتح عيني على مذهب أهل السنة والجماعة .
هذا الكتاب سنة حوالي ألف وثلاثمائة وخمسة وتسعين هجرية بعد ما أن انتهيت من صلاة الجمعة في مسجد الشيخ عبدالحميد كشك -رحمه الله- مسجد عين الحياة فمضيت أتجول عند باعة الكتب وأنظر إلى ما يعرضونه من الكتب فوقعت عيني على هذا الكتاب فتناولته وقلبت صفحاته وأعجبني طريقة تصنيفه وأحسست بفحولة وجزالة لم أعهدها في كل ما قرأت ، ولفت انتباهي حاشية الكتاب ، الحاشية الذي خرج فيها الشيخ الألباني القسم الأعلى من الكتاب .
فمثلاًا يقول: ويجافي يديه عن جنبيه ثم يقول أخرجه مثلًا السراج ، أخرجه مثلًا البغدادي ، أخرجه بن بشران ، أسماء لم تكن معهودة .
فانبهرت بهذا الكتاب ولكن لم استطع شراه آنذاك لأنه كان باهظ الثمن كان بثلاثين قرشاً ، فتركته وواصلت البحث فوجدت جزءًا لطيفًا بعنوان تلخيص صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- للشيخ الألباني أيضًا فاشتريته آنذاك بخمسة قروش ، ومن إعجابي بالكتاب وانبهاري به قرأته وانا أمشي من المسجد إلى مسكني في الطريق مع خطورة هذا المسلك على مَن يمشى في شوارع القاهرة .
فلما قرأت الكتاب وجدته يدق بعنف ما ورثته من الصلاة عن آبائي ، إذ وجدت أن كثيرًا من هيئتها لا يمُت إلى السنة بصلة .
المراد بندامة الكسعي: فندمت ندامة الكسعي على أني لم أشتري الأصل والكسعي رجل عربي يضرب به المثل في الندامة وحكوا من خبره أنه كان رجلًا راميًا ماهرًا فمرت به ظباءُ بالليل وكان له قوس وكان شديد الاعتزاز بها فرمى الظباء بهذا القوس بالليل فظن أنه أخطأ الظباء فكسر قوسه ، فلما أصبح وجد سهامه في الظباء فندم على كسر القوس ويقال أنه قطع إصبعه من الندم ، وفي مثله يقول الفرذدق:
ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار
نوار زوجته لما طلقها وكان يحبها قال:
ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار
وأنشد بن منظور في لسان العرب أيضًا على لسان بعضهم قال:
ندمت ندامة الكسعي لما رأت عيناه ما صنعت يداه
المهم ندمت أنني لم أشتري الأصل وخفت ألا أجده عند بائعه وتوسلت إلي الله تعالى طيلة الأسبوع أن أجده حتى وجدته ، فلما قرأته ألقيت الألواح ولاح لي المصباح من الصباح ، وكان هذا الكتاب هو فاتحة الخير لي بالنسبة لاعتناق مذهب أهل الحديث .
مذهب أهل الحديث:
هو أجل المذاهب قاطبة في الفقه والحديث والاعتقاد : وهو مذهب الأئمة المتبوعين كمالك والشافعي وأحمد والسفيانين وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من الأئمة الفضلاء الكبار ، وعقد الشيخ الألباني حفظه الله I نقول لإخواننا أكثروا من الدعاء للشيخ بالشفاء والعافية أنه مريض ، وأن يطيل الله تعالى بعمره ، وأن ينفع المسلمين به ، وأن يجعل خير أيامه يوم لقائه I فإن مشايخنا في العلم مثل والدينا نترحم عليهم ونترضي عليهم ، وندعوا الله تعالى لهم .
مقدمة كتاب صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- :عقد شيخنا حفظه الله مقدمة رائعة نفيسة في مطلع هذا الكتاب خلاصتها أن الأئمة المتبوعين جميعًا تبرؤا من مخالفة السنة أحياءاً وأمواتًا ، وحضوا الناس علي متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأن من أستبانت له السنة وظهر قول لأحد العلماء يخالف السنة أنه يطرح قول العالم بلا مثنوية ولا تردد ، ولا يرد قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم- فيؤخذ قوله كله ولا يترك» فرأيت أن أقرأ عليكم هذا الكتاب ، وأن أشرح بعض مسائله فإن الشيخ وضع الكتاب أول مرة علي قسمين:
القسم الأعلى: الذي سنقرئه .
القسم الأسفل: فصل فيه الأدلة وتكلم عليها بشيء من التفصيل وناقش العلماء ، ولكن حالت الظروف آنذاك أن يطبع القسمان معًا لغلاء نفقات الطباعة آنذاك فطبع القسم الأعلى ولم يطبع القسم الثاني حتى الآن فياليته طبع ، سنقرأ صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صنفها هذا الشيخ المبارك حفظه الله I ونفع المسلمين به ، ونتكلم عن بعض هذه المسائل إن أقتضي الأمر ذلك كل هذا حتى نمتثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ونقيم الصلاة .
وقبل أن أقرأ الكتاب إنما أغراني بقراءة الكتاب أن كثيرًا من المسلمين لا يعلمون به وإن علموا لا يقرءونه ، فهذه فرصة أن نقرأ الكتاب عليهم وأن نعيد الأمر ونبديه ليحفظوه .
قال حفظه الله I تحت عنوان استقبال القبلة قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلي الصلاة استقبل الكعبة في الفرض والنفل»ثم قال في الحاشية: هذا شيء مقطوع به لتواتره فأغني ذلك عن تخريجه ، ما معني هذه العبارة ؟!
التخريج:
أن تعزوا الكلام إلي مخرجه ، ومخرج الكلام من فم قائله , فعندما نقول فلان تكلم ، من أين خرج الكلام ؟! من فمه ، فالفم جزء يراد به الكل، ما مخرج الحديث ؟! الصحابي هو مخرج الحديث ، مثلًا عندما نقول عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الأعمال بالنيات» فعندما نسأله ، ما مخرج هذا الحديث أي عن أي من الصحابة ؟! تقول مخرجه: من عمر بن الخطاب ، عندما نقول هذا الحديث أخرجه فلان أنت لم تدرك أبا هريرة لكن الإمام البخاري مثلًا روي الحديث بسنده إلي أبي هريرة فانتقل المخرج من الصحابي إلي الكتاب الذي حفظ لنا قول الصحابي ، وصار هذا علمًا علي هذه الكتب عندما تقول: حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنما الأعمال بالنيات» ، مَن أخرجه ؟! تقول: أخرجه البخاري وأخرجه مسلم وبقية الستة أصحاب السنن الأربعة هذا مخرج الحديث .
الشيخ ناصر الدين حفظه الله يقول: (إن استقبال النبي -صلى الله عليه وسلم- للقبلة أمر مقطوع به لتواتره فأغني ذلك عن تخريجه) .
الحديث المتواتر:
ما رواه جمعٌ تُحيل العادة تواطئهم علي الكذب أي خلق كثيرون ، مثلًا كل مَن في هذا المسجد إذا خرجوا جميعًا ورووا واقعة في المسجد رأوها فيستحيل أن يأتي هذا العدد جميعًا ويغلقوا الأبواب ويقولوا لبعضهم ، ما رأيكم أن نكذب اليوم كذبة ؟! ، ما رأيك أن نخترع إن حادثة معينة حدثت ونخرج كلنا نحكيها للناس ، هل هذا ممكن أن يقع ؟! هذا مستحيل ، لماذا ؟! لاختلاف همم الناس ودواعيهم من رضي بالكذب الآخر لن يرضي ، هذا معني (تحيل العادة) أي يستحيل عادتهم أن يتواطأ مثل هذا الجمع علي افتراء الكذب ، فإذا قص جميعهم قصة واحدة مع اختلاف هممهم ودواعيهم دل ذلك علي حدوث القصة بيقين , فلا نحتاج حينئذ أن نقول حكي فلان القصة أو حكي علان الواقعة ، لماذا ؟! لأن الجماهير كلها روت هذه القصة فلا نحتاج أن نعزوها إلي آحاد من الرواة ، الأمر كذلك الشيخ ناصر الدين حفظه الله لم يري داعيًا أن يقول أخرجه فلان وفلان لأن هذا سيطول بذكر المخرجين لهذا الأمر .
يقول: «وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك» أي باستقبال الكعبة «فقال للمسيء صلاته: إذا قمت إلي الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر»، المسيء صلاته عنوان العلماء وضعوه علي حديث رواه البخاري ومسلم وبقية الستة من حديث أبي هريرة ، ورواه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم من حديث رفاعة بن رافع ، وسياق الحديث أن رجلًا دخل المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- في ناحية منه فدخل فكبر وصلي وأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم ورحمة الله قال: «وعليك السلام ارجع فصلي فإنك لم تصلي» ، فرجع الرجل فكبر وصلي وجاء فسلم فقال: «وعليك السلام ارجع فصلي فإنك لم تصلي» ، فقال له الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني قال: «إذا قمت إلي الصلاة فأسبغ الوضوء بماء طهور ، ثم استقبل القبلة فكبر ، فإذا ركعت فاطمئن راكعًا ، فإذا قمت فاطمئن واقفًا ، فإذا سجدت فاطمئن ساجدًا ، فإذا قمت من سجودك فاطمئن قاعدًا ، فإذا سجدت فاطمئن ساجدًا ثم أفعل ذلك في سائر صلاتك» ، ما الذي رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفتقدًا في صلاة الأعرابي ؟!
الجواب: الاطمئنان ، ولذلك لم يركز إلا علي الاطمئنان وكرر كلمة اطمئن كثيرًا لأن بعض الناس يستدل بحديث المسيء صلاته علي طرح بعض الواجبات أو إثبات بعض المشروعات نقول له لا ، النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتعرض لكيفية النزول وغير ذلك ، ولم يتعرض فيها لذكر أذكار السجود والركوع ، إنما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رآه لا يحسنه وهذا ينبئنا إلى مسألة خطيرة: وهي أنه إذا أردنا أن نثبت حكمًا شرعيًا فيجب علينا أن نجمع شتات الأحاديث الواردة في الباب ، ولا نأخذ المسألة من حديث واحد .
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- إن رأي الرجل لا يطمئن فكل الذي يهمه في المسألة أن يعلمه الاطمئنان فلا يأتي واحد يقول مثلًا: إن وضع اليمني علي اليسري غير واجب في الصلاة ، لماذا ؟! لأن النبي لم يعلمه للمسيء ويستدل علي عدم وجوب مثل هذه الأشياء في حديث المسيء صلاته علي أنها غير موجودة أو غير مستحبة أو غير واجبة خطأ ، هنا في حديث عمر -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن الإسلام قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» ، ومرة أخري يسأل النبي عن المسلم لم يقل له المسلم من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وأقام الصلاة وآتي الزكاة إلي آخره ، قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، الذي يفعل ذلك يكون مسلم فقط ؟! لا ، وجاءه آخر أي الإسلام أفضل ؟!، قال: «أن تطعم الطعام ، وتفشي السلام ، وتصلي بالليل والناس نيام» ، هل هذا هو أفضل الإسلام ؟! لو أخذت المسائل الجزئية ستجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما كان يسأل كان يذكر صفة من الصفات ، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من استقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم» ، قال: «فذلك المسلم » لشيئين: استقبل قبلتنا أي صلي ، وأكل ذبيحتنا ، لو كان رجلًا لا يسلم المسلمون من لسانه ويده ، هل يكون مسلما ؟! نعم مسلم ، فأين الحديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ، قال يا أخي: الكلام عادة إنما يخرج علي مقتضي حال المخاطب وهذه هي البلاغة ، رأي رجلًا يسب قال له: «لا تفحش السباب في الأيام الحرم» ، هل هذا معناه أنه يجوز له أن يفحش السباب في غير الأيام الحرم ؟! إنما خرج الكلام علي مقتضي ما رأي نبه علي ما يري، نحن عندما نكون في باب الشهادات وباب التراجم عندما تترجم لإنسان رغبت أن تكتب سيرة إنسان وحياته أكتب كل شيء أكتب محاسنه ومساوئه ، أكتب ثناء الناس عليه وذمهم إياه أكتب كل شيء المترجم أما إذا طلب منك الشهادة فلا سبيل إلي الترجمة في ذلك الموضع فإن جاءك رجل مثلًا يطلب النصيحة فقال يا فلان: جاءني فلان الفلاني يريد أن يقترض مني مالًا وأنت تعلم أن فلان الفلاني إذا أخذ المال لا يرده ، فهل يليق بك وتكون قد أديت النصح لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولعامة المسلمين إذا قلت له هو زاهد ورع بكاًء قوي الحزن سريع الدمعة شديد إذا سمع كلام الله ، هل يصح الكلام هذا ؟! لا يصح طبعًا ، لكن تؤدي النصح إذا قلت له لا تعطه فإنه يماطل فإذا سألك سائل يا أخي وأين بكاؤه وورعه ولما لم تذكر البكاء والورع ؟! قل: لا محل له في الكلام أنا الآن تعريف هذا الإنسان فعندما واحد يصفه برقة الدين والنفاق الكمين فأقول له: لا ، لا تقول هذا الكلام أنه رجل ورع وزاهد وعابد إلي آخره ، لكن إذا قيل أقرضه مالًا لا محل لقولك زاهد وعابد وورع ، فأنا لو قلت: لا تعطيه فإنه مماطل لا تقل لي وهل هذا فقط هو الذي علمته زهده وورعه إلي آخره،.
إذًا فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان كثيرًا ما يتكلم بالكلمة علي مقتضي ما يري وما يسأل فيجيب علي هذا المقتضي ، أما إذا أردنا أن نضع حدًا عامًا وقاعدة فنرجع إلي الأصول العامة الكبيرة لهذا الحديث ، الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما علم المسيء صلاته إنما علمه ما أخل به وهو ركن الطمأنينة ولذلك قال: تطمئن راكعًا فتقوم تطمئن قائمًا ، تسجد تطمئن ساجدًا ، تركع تطمئن قاعدًا ، تسجد تطمئن ساجدًا ، ثم تفعل ذلك في صلاتك كلها ، هذا حديث المسيء صلاته .
إنما فصلت بين مخرج الحديث في العزو لأن الخطأ في العزو يعتبر جريمة عند علماء الحديث ، فأنا قلت حديث المسيء صلاته أخرجه البخاري ومسلم وبقية الستة من حديث أبي هريرة وأخرجه الستة إلا الشيخان من حديث رافع ، استثنينا حديث رافع حديث أبو هريرة أخرجه الستة كلهم ، وحديث رافع أخرجه أصحاب السنن الأربعة مع أن متن الحديث واحد ، لكن لا يجوز لك أن تقول: وعن رفاعة بن رافع وتسوق الحديث وتقول أخرجه البخاري ومسلم ، مع أن البخاري ومسلم أخرجوه فعلًا ولكن من حديث أبي هريرة فأنت لا تخلط ، واحد رغب أن يتخلص من الخلط هذا ، ماذا يفعل ؟! يذكر المتن ولا يذكر صحابي الحديث أي لا يقول عن أبي هريرة ولا عن رفاعة يقول: وفي الصحيحين أن رجلًا أساء صلاته إلي آخره ويكمل باقي الحديث ، لكن يتحاشى مسألة المخرج أحيانًا بعض إخواننا يحتار في المسألة هذه من كثرة الأحاديث التي يريد أن يحتج بها في الخطبة ، أو يريد أن يحتج بها في الدرس لا يعلم أن يفصل أن حديث عائشة في مسلم فقط أو في البخاري فقط أو في الترمذي فقط ، فنحن نقول له: طالما تأكدت من متن الحديث صحيح لا تقل صحابي الحديث فقل مثلًا: وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال وتسوق متنه وتقول: وهذا حديث صحيح إذا كنت تعلم أنه صحيح فلا داعي أن تقول وأخرجه فلان وانفرد به علان وتخطيء، إذًا عزو الحديث إلي غير مخرجه يعتبر خطيئة في التخريج عند علماء الحديث .
قال: «وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفر يصلي النوافل علي راحلته ، ويوتر عليها حيث توجهت به شرقًا وغربًا» وفي ذلك نزل قوله تعالي: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ (البقرة:115) ، «وكان أحيانًا إذا أراد أن يتطوع علي ناقته استقبل بها القبلة فكبر ، ثم صلي حيث وجهه ركابه» .
وجه الدلالة:
نفهم من سرد الأحاديث هذه وراء بعضها أن استقبال القبلة في الفرض لازم ولا يشرع أن تصلي الفرض علي الراحلة إلا إذا تعذر عليك ذلك كأن تكون في سفينة ونحوها ، إنما إذا كنت تملك أن تنزل علي الأرض فإنما يجب عليك أن توقع الفرض علي الأرض لكي تستقبل القبلة .
حكم النافلة في السفر:
يصلي تطوع لله في السفر ، وهذا دليل لمن قال بمطلق التطوع في السفر لأن بعض الناس قالوا: لا ، إذا كان مسافر تسقط عنه صلاة التطوع نقول: نعم، تسقط ، ولكن لا تلم غيرك ولا تقل له أنت مخالف للسنة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتطوع في السفر علي راحلته وكان يوترعليها ، كان يركب الراحلة تتجه به شرقًا غربًا وهذا ممكن تستقبل القبلة تشرق به وتغرب لا يضر ، لكن ماذا تفعل في الأول ؟! تستقبل القبلة أولًا ثم تسوق الراحلة وتتجه بك شرقًا وغربًا ،.
متي يسقط شرط استقبال القبلة؟
إذًا القبلة تسقط عنه تحديدها في صلاة النافلة وهو يركب الراحلة: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ .
يقول: « وكان يركع ويسجد علي راحلته إيماًء برأسه ، ويجعل السجود أخفض من الركوع» أي يخفض رأسه قليلًا في الركوع وبعد ذلك يخفضه أكثر في السجود حتى أن لحيته لتمس مورك رحله -صلى الله عليه وسلم- «وكان إذا أراد أن يصلي الفريضة نزل فاستقبل القبلة » وأما في صلاة الخوف الشديد فقد سن -صلى الله عليه وسلم- لأمته أن يصلوا «رجالًا قيامًا علي أقدامهم أو ركبانًا مستقبلي القبلة او غير مستقبليها » كما قال تعالى: ﴿ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ ( البقرة: 239 ) .
رجالًا: أي تمشي علي رجلك أو علي أرجلك .
أو ركبانًا: أي يركبون .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اختلطوا» أي اختلط المسلمون بالكافرين في الحرب «فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس» ، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» .
وقال جابر -رضي الله عنه-: «كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسيرة أو في سرية فأصابنا غيم فتحرينا واختلفنا في القبلة ، فصلي كل رجل منا علي حده فجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا فلما أصبحنا نظرناه» كل واحد وضع في أي جهة ووضع علامة أنه صلي الناحية هذه ، فلما أصبحوا ونظر كل رجل إلي العلامة التي وضعها هل أصاب القبلة أم لا ... قال: «فإذا نحن صلينا علي غير القبلة فذكرنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، فلم يأمرنا بالإعادة ، وقال: «قد أجزأت صلاتكم» ويضاف إلي هذا ما كان من جنس علته وهو فوات الوقت مع تحري المقصود كأن مثلًا يصلي رجل بثياب عليها نجاسة ، وبعد أن صلي ومضي الوقت دخل وقت الصلاة الأخرى نظر فإذا نجاسة علي ثوبه ، فهل يؤمر بالإعادة أم لا ؟!
الجواب: لا يؤمر بالإعادة إذ قد خرج وقت الصلاة ، ولكن إذا رأي النجاسة في الوقت أعاد ، لماذا ؟! لأن الوقت لازال قائمًا بخلاف ما إذا مضي الوقت .
وكذلك مثل هذه المسألة المسألة المختلف فيها بين أهل العلم .
حكم المرأة الحائض إذا طهرت من حيضها والمغرب يؤذن ، هل يلزمها العصر أم لا ؟!
1-فمن قائل من أهل العلم يلزمها الظهر والعصر علي أساس أن الصلاة التي تجمع تجمع معًا كأن وقتها واحد ، وهذا قول ضعيف ،.
2-ومنهم مَن قال يلزمها العصر وهذا أيضًا قول ضعيف .
3-الصواب: أنه لا يلزمها إلا المغرب فقط ، السبب: لأن أذان المغرب عندما رفع فقد انقضي وقت صلاة العصر ، والمرأة إذاك لم تري الطهر فلا يلزمها أن تصلي العصر ، لأنها طهرت في الوقت .
4- ومن قائل لا يلزمها العصر لأن الله تعالى ما فرض الصلاة إلا بطهور وهي لا تستطيع أن تجد من الوقت ما تغتسل به وتخرج لتدرك ركعة علي الأقل من صلاة العصر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة إلا بطهور» ، فهل المرأة تستطيع أن تتطهر وتدرك ركعة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك» ، معني الحديث ومَن لم يدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فلم يدرك .
إذًا فالمرأة مطلوب منها شيئين:
الشيء الأول: أن تغتسل وتتوضأ .
الشيء الثاني: أن تدرك ركعة من العصر .
فهل في ثلاث دقائق تستطيع المرأة أن تفعل ذلك ؟!
الجواب: علي حسب الهمم والطاقات والمواهب ، امرأة ممكن تدخل في دقيقة واحدة تستطيع أنها تفيض الماء علي جسدها وتتوضأ ، وتدرك ركعة بفاتحة الكتاب مثلًا ، إذا كان هذا الأمر ممكنًا إذًا يلزمها أن تصلي العصر ، أما إذا كان هذا الوقت لا يكفي عادة فلا يلزمها .
س: واحد يقول: أليس الأولي أن تتيمم لرفع الحدث وتصلي رعاية للوقت ؟!
ج: نقول: قد أجمع العلماء علي أنه لا يجوز التيمم مع وجود الماء ، إذًا لا يرفع الحدث حينئذ إلا الاغتسال بالماء .
إذًا مسألة بقاء الوقت هذه مسألة جوهرية ينبني عليها كثير من الأحكام .
يقول: « فلم يأمرنا بالإعادة ، وقال: «قد أجزأت صلاتكم» لأنه تحري القبلة وأخطأ في هذا التحري ،« وكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه قبل أن تنزل هذه الآية: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ (البقرة: 144) ، فلما نزلت استقبل الكعبة فبينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أُنزل عليه الليلة قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلي الشام فاستداروا واستدار إمامهم حتى استقبل بهم القبلة» .
وجه الدلالة:
وفي هذا دلالة علي أن خبر الواحد يُعمل به في العقيدة ونحوها ، ويترك الشيء المقطوع به بأدلة قطعية لخبر الواحد خلافًا لما يقوله المبتدعة الذين لا يحتجون بخبر الواحد وإنما كان قصدهم من ذلك أن يهدروا شطر الأدلة وهي السنة ، لأن الصحابة كانوا علي شيء مقطوع به وهو استقبال بيت المقدس فقال لهم رجل واحد وهم ركوع , ألا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استقبل الكعبة فاستداروا إلي الكعبة وهم ركوع ، ولم يقل واحد منهم لا تفعلوا ذلك حتى نتأكد أهو صادق أم كاذب ؟! فتركوا ما كان مقطوعًا لديهم بأدلة قاطعة التي لا يتطرق إليها الظن المرجوع وعملوا بخبر الواحد ، وهذا كما ذكرت فيه دلالة وهو دليل من أدلة كثيرة علي العمل بالخبر الواحد في العقائد .
الاسئلة:
س: يقول سائل: أرجوا توضيح بعض المسائل التي طالما دعونا إليها لنحيي السنة سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، ويعلق عليها بعض المنتسبين ويرموننا بالجمود إلي آخره فذكر بعض المسائل مثل الخط المشدود علي الأرض ، وحمل بعض الأخوة المسبحة, ورفع اليدين في الدعاء والإمام علي المنبر ، والصلاة بدون غطاء الرأس ووضع اليدين ، والنزول وتحريك الأصبع ؟!
ج: على أي حال الأشياء التي تتعلق بالصلاة نحن سنذكرها إذا جاء موضعه ، لا نتعجل تحريك الأصبع أو النزول هذه الأشياء كلها إذا أتينا إلي الموضع فنتكلم عنها .
إنما بالنسبة للقلنصوة: مثلًا بعض من الناس يصلي بدون غطاء الرأس وفي ذلك مخالفة للسنة العملية التي ورثناها عن أسلافنا أنهم كانوا يغطون رؤوسهم بعمامة دائمة ، أو علي الأقل كانوا يغطون رؤوسهم لأن هذا من المروئات ، وقرأت في كتب بعض أهل العلم أن صلاة المرء حاسر الرأس فيها شبة من صلاة اليهود ، لذلك السنة وأقول السنة العملية أن يكون للمرء غطاء رأس دائم , ليس كما يفعل بعض الناس إذا تقدم الإمام يأتي بمنديل وربطه علي رأسه , وبعد ما ينتهي من الصلاة , يكشف شعره ، لا ، الصلاة ليست من هيئتها أن تتخذ المنديل بصفة مؤقتة القصد أن يكون لشعرك غطاء وغطاء الرأس من الزينة بالذات للأصلع .
أما بالنسبة للخط المشدود علي الأرض:
فقد ذكرت قبل ذلك وهي مسألة أيضًا اختلف فيها علمائنا المعاصرون ، فذهب شيخنا أبو عبدالرحمن ناصرالدين الألباني حفظه الله إلي بدعية هذا الأمر ، وأري أنه الحق ، وذهب شيخنا محمد صقر حفظه الله , ولم أسمعه منه ، ولكن حدثني الشيخ محمد حسان عنه أنه كان يقول بمشروعية شد الخط علي الأرض ويري أن ذلك من المصالح المرسلة ، ولا أري ذلك من المصلحة المرسلة لأن شد الخط كان مقدورًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم شد الخط علي الأرض المقصود منه تسوية الصف ، وتسوية الصف من مهمة الإمام ، وهذه البدعة بدعة حديثة جدًا عمرها أقل من عشرين عامًا ولو قام الأئمة بمهتهم في تسوية الصف كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وكما كان يفعل خلفائه بعد ذلك ، وفي البخاري , في حديث طعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: «كنت بين ابن عباس وعمر بن الخطاب ليلة طعن أو في اليوم الذي طعن فيه نتكلم وكان عمر أرسل رجلًا يسوي الصف ، فلما أعلمه أنه سوي الصفوف تقدم فكبر فما هو إلا أن قرأ حتى قال: ضربني الكلب أو أكلني الكلب» .
وجه الدلالة:
نفهم من ذلك أن عمر بن الخطاب أرسل مَن يُسوي الصف ، فالإمام إما أن يُسوي الصف ، وإما أن يرسل أحدًا يُسوي الصف نيابة عنه المهم أن تسوية الصف من مهمة الإمام ، فما ظهر هذا الخط علي الأرض إلا بعد أن قال الأئمة: وظهره للمصلين استقيموا يرحمكم الله ، يعطي ظهره للمصلين، لا تقل استووا حتى يتساوي الصف ، وهناك مشكلة كبيرة الجماهير لا تسلم للأئمة بذلك مثلًا نحن في صلاة الجمعة اليوم وأراد الإمام أن يسوي الصف ، أو أرسل مَن يُسوي الصف ، كم من الوقت سيأخذه في تسوية الصف ؟! سيأخذ عشر دقائق ربع ساعة , فالجماهير نفسها لا تساعد كيف نتغلب علي هذا الخلل ؟!
أن نلتزم بتسوية الصف في الصلاة العادية حتى تصير هذه مسألة معتادة عند جماهير المصلين يساوي الصف علي العقب اجعل كعوبهم كلها متساوية مع بعضها ، لماذا ؟! لأن الناس كلها ظهرها واحد إنما بطنها مختلف, إذًا هذا الخط إنما كان بسبب إهمال الأئمة بتسوية الصف ، نجم أيضًا عن وجود هذه البدعة, جهل كثير من الأئمة الذين يصلون بالمسلمين بأحكام الصلاة ، فمن جملة جهلهم بأحكام الصلاة استساغتهم لمثل هذا الخط حتى أن الإمام قد يتقدم إلي الصلاة وهو لا يدري الحكم الشرعي إذا نابه شيء في جوهر الصلاة ، لو مثلًا تذكر ,أنه لم يتوضأ وهو يصلي ، فماذا يفعل ؟! تبطل الصلاة كلها ، لو أنه مثلًا أحدث وهو يصلي ، ماذا يفعل ؟! لا يدري ماذا يفعل يقع جماهير المسلمين في إشكالات ، مثلًا صلي الظهر خمسًا ، ماذا يفعل ؟! صلي الأربع ركعات وراء بعض ، ماذا يفعل ؟! نسي تكبيرة الإحرام ، ماذا يفعل ؟! هذه أشياء كلها ممكن تعرض للإنسان في الصلاة ، فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي» .
كلمة ليليني: أي يكونوا ورائي .
واخطأ من ظن أن معني الولاء هنا أن يكون في الصف الأول , ليليني أي يكون ورائي لماذا قال: «ليليني منكم أولي الأحلام والنهي» ؟! حتى إذا ناب الإمام شيء في الصلاة يقومون مقام الإمام، فأي شيء ينجم بسبب تقصير الأئمة عن أداء واجبهم يعتبر هذا من البدع ولا يُعد من المصالح المرسلة لأن أهون علينا من شد الخط نقول له يا إمام: قم بواجبك في تسوية الصف .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
انتهي الدرس الأول .