أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الحديث الخامس والثلاثون الإثنين 28 يونيو 2010, 6:38 am | |
| الحديث الخامس والثلاثون عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا، وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا -وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ- بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه) [239] رواه مسلم. الشرح قوله: "لا تَحَاسَدوا" أي لا يحسد بعضكم بعضاً. وما هو الحسد؟ قال بعض أهل العلم: الحسد تمني زوال نعمة الله عزّ وجل على الغير، أي أن يتمنى أن يزيل نعمته على الآخر، سواء كانت النعمة مالاً أو جاهاً أو علماً أو غير ذلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الحسد: كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال. ومن المعلوم أن من لازم الكراهة أن يتمنى الزوال،لكن كلام الشيخ-رحمه الله - أدق، فمجرد ما تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد. "وَلا تَنَاجَشوا" أي لا ينجش بعضكم على بعض، وهذا في المعاملات، ففي البيع المناجشة: أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع، أو الأمرين معاً. مثال ذلك: عرضت سلعة في السوق فسامها رجل بمائة ريال، هذا الرجل السائم تعدى عليه رجل آخر وقال: بمائة وعشرة قصده الإضرار بهذا السائم وزيادة الثمن عليه، فهذا نجش. ورجل آخر رأى رجلاً يسوم سلعة وليس بينه وبين السائم شيء، لكن السلعة لصديق له، فأراد أن يزيد من أجل نفع صديقه البائع، فهذا حرام ولا يجوز. ورجل ثالث: أراد الإضرار بالمشتري ونفع البائع فهذا أيضاً حرام. قال: "وَلا تَبَاغَضوا" أي لا يبغض بعضكم بعضاً، والبغضاء لا يمكن تعريفها، تعريفها لفظها: كالمحبة والكراهة، والمعنى: لا تسعوا بأسباب البغضاء. وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب. "وَلا تَدَابَروا" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض، أولا تدابروا في الرأي، بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى. "وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ" مثال ذلك:رأيت رجلاً باع على آخر سلعة بعشرة،فأتيت إلى المشتري وقلت: أنا أعطيك مثلها بتسعة،أو أعطيك خيراً منها بعشرة، فهذا بيع على بيع أخيه، وهو حرام. "وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوانَاً" أي صيروا مثل الإخوان،ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه. وقوله: "عِبَادَ اللهِ" جملة اعتراضية،المقصود منها الحث على هذه الإخوة. ثم قال: "المُسلِمُ أَخو المُسلِمِ" أي مثل أخيه في الولاء والمحبة والنصح وغير ذلك. "لاَ يَظلِمهُ" أي لا ينقصه حقه بالعدوان عليه، أو جحد ما له، سواء كان ذلك في الأمور المالية، أو في الدماء، أو في الأعراض، في أي شيء. " وَلاَ يَخذُلُهُ" أي لا يهضمه حقه في موضوع كان يحب أن ينتصر له. مثاله: أن يرى شخصاً مظلوماً يتكلم عليه الظالم، فيقوم هذا الرجل ويزيد على الذي يتكلم عليه ولا يدافع عن أخيه المخذول، بل الواجب نصر أخيه ولا يكذبه أي لا يخبره بالكذب، الكذب القولي أو الفعلي. مثال القولي: أن يقول حصل كذا وكذا وهو لم يحصل. ومثال الفعلي: أن يبيع عليه سلعة مدلسة بأن يظهر هذه السلعة وكأنها جديدة، لأن إظهاره إياها على أنها جديدة كأنه يقول بلسانه هي جديدة، فلا يحل له أن يكذبه لا بالقول ولا بالفعل. "وَلاَ يَحْقِرُهُ" أي لا يستصغره، ويرى أنه أكبر منه، وأن هذا لا يساوي شيئاً, ثم قال: "التَّقوى هَاهُنا" يعني تقوى الله عزّ وجل في القلب وليست في اللسان ولا في الجوارح، وإنما اللسان والجوارح تابعان للقلب. "وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاثَ مِرَاتٍ" يعني قال: التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، تأكيداً لكون القلب هو المدبر للأعضاء. ثم قال: "بِحَسبِ امرُىءٍ مِنَ الشَّرِّ" الباء هذه زائدة، وحسب بمعنى كافٍ و "أَن يَحْقِرُهُ" مبتدأ والتقدير حقر أخيه كافٍ في الشر، وهذه الجملة تتعلق بقوله: "وَلا يحَقِرَهُ" أي يكفي الإنسان من الإثم أن يحقر أخاه المسلم، لأن حقران أخيك المسلم ليس بالأمر الهين. "كُل المُسلِم عَلَى المُسلِم حَرَام" ثم فسر هذه الكلية بقوله: "دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ" يعني أنه لا يجوز انتهاك دم الإنسان ولا ماله ولا عرضه،كله حرام. من فوائد هذا الحديث: 1-أن هذا الحديث العظيم ينبغي للإنسان أن يسير عليه في معاملته إخوانه، لأنه يتضمن توجيهات عالية من النبي صلى الله عليه وسلم. .2تحريم الحسد لقوله "لاَ تَحَاسَدوا". وهل النهي عن وقوع الحسد من الجانبين ، أو من جانب واحد؟ الجواب:من جانب واحد،يعني لو فرضنا إنساناً يريد أن يحسد أخاه وذاك قلبه سليم لا يحسد صار هذا حراماً، فيكون التفاعل هنا في قوله "لا تَحَاسَدوا" ليس من شرطه أن يكون من الجانبين،كما إذا قلت: لا تقاتلوا يكون القتال من الجانبين. فإن قال قائل: ما يرد على القلب أحياناً من محبة كون الإنسان أعلى من أخيه، فهل يدخل في الحسد؟ فالجواب: لا، لأن الرجل لم يكره نعمة الله عزّ وجل على هذا العبد،لكن أحب أن يفوقه، وهذا شيء طبيعي، ولذلك لما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه السؤال: أن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن، كلهم لم يعرفوها، ذكروا أشياء من الشجر لكنها لم تكن إياه، وابن عمر رضي الله عنهما يقول: وقع في قلبي أنها النخلة، ولكني أصغر القوم فلم أتكلم، قال أبوه: وددت أنك قلت هذا [240]، لأنه إذا قالها تفوق على الحاضرين. فإن وقع في قلبه حسد لشخص ولكنه يدافعه ولم يعتد على الشخص، فهل يؤاخذ به؟ الجواب:لا يؤاخذ،لكنه ليس في حال الكمال، لأن حال الكمال أن لا تحسد أحداً، وأن ترى نعمة الله عزّ وجل على غيرك كنعمته عليك، لكن الإنسان بشر قد يقع في قلبه أن يكره ما أنعم الله به على هذا الشخص من علم أو مال أو جاه أو ما أشبه ذلك، لكنه لا يتحرك ولا يسعى لإضرار هذا المحسود، فنقول: هذا ليس عليه شيء، لأن هذا أمر قد يصعب التخلص منه، إلا أنه لو لم يكن متصفاً به لكان أكمل وأطيب للقلب، وفي الحديث إِذَا "ظَنَنتَ فَلاَ تُحَقق، وَإِذَا حَسَدتَ فَلاَ تَبغِ" [241]. فمن الناس من إذا حسد بغى فتجده مثلاً يتكلم في الشخص المرموق عند الناس الذي يعتبر رمزاً للإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات، ثم يأخذ بمدحه ويقول: لكنه يتعامل بالربا، فإذا قال هذه الكلمة معناها أنه أهبط ميزانه عند الناس، وهذا حسد ببغي والعياذ بالله. وكذلك مع العلماء، وأكثر ما يكون الحسد بين المتفقين في مهنة، كالحسد بين العلماء، والحسد بين التجار، والحسد بين أهل الصنائع، هذا الغالب ،وإلا فمن المعلوم أنه لا يأتي نجار مثلاً يحسد عالماً. والحسد على مراتب: الأولى: أن يتمنى أن يفوق غيره، فهذا جائز، بل وليس بحسد. الثانية: أن يكره نعمة الله عزّ وجل على غيره، ولكن لا يسعى في تنزيل مرتبة الذي أنعم الله عزّ وجل عليه ويدافع الحسد، فهذا لا يضره، ولكن غيره أكمل منه. الثالثة: أن يقع في قلبه الحسد ويسعى في تنزيل مرتبة الذي حسده، فهذا هو الحسد المحرم الذي يؤاخذ عليه الإنسان. والحسد من خصال اليهود، كما قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة: الآية 109) قال الله تعالى في ذمهم) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (النساء: 54) والحسد يضر صاحبه لأن الحاسد لا يبقى مسروراً -والعياذ بالله- إذ إن نعم الله على العباد تترى ولا منتهى لها، وهذا الرجل كلما رأى نعمة من الله على غيره زاد غماً وهماً. والحسد اعتراض على قدر الله عزّ وجل لأنه يريد أن يتغير المقدور،ولله الحكمة فيما قدره. والحسد في الغالب تحدث فيه معاصٍ: كالعدوان على الغير، والمخاصمة، ونشر المعائب وغير ذلك، ولهذا يجب على المسلم أن يتجنبه كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. .3تحريم المناجشة ولو من جانب واحد، وسبق أن النجش في البيع: هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وضربنا لهذا أمثلة. ولكن لو أن الرجل يزيد في السلعة من أجل أن يربح منها، بمعنى أنه لا يريدها، بل يريد الربح منها، فلما ارتفع سعرها تركها، فهل يعد هذا نجشاً؟ الجواب: لا يعد هذا نجشاً، لأن هذا له غرض صحيح في الزيادة، وهو إرادة التكسب، كما لو كان يريد السلعة، وهذا يقع كثيراً بين الناس، تُعرَض السلعة والإنسان ليس له رغبة فيها ولا يريدها، ولكن رآها رخيصة فجعل يزيد فيها حتى إذا بلغت ثمناً لا يرى معه أن فيها فائدة تركها، فنقول: هذا لا بأس به، لأنه لم يرد إضرار الآخرين إنما ظن أن فيها فائدة فلما رأى أن لا فائدة تركها. .4النهي عن التباغض، وإذا نُهي عن التباغض أمر بالتحاب، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مفيدة لشيئين: الأول: النهي عن التباغض، وهو منطوقها. والثاني: الأمر بالتحاب، وهو مفهومها. ولكن إذا قال قائل: كيف نتصرف في التباغض، والبغضاء والمحبة ليست باختيار الإنسان، ولهذا لما ذكر العلماء -رحمهم الله- أن الرجل المتزوج لأكثر من واحدة يلزمه العدل قالوا: إلا في المحبة، وعللوا ذلك بأن المحبة لا يمكن السيطرة عليها وكذلك البغضاء؟ فالجواب على هذا: أن نقول: المحبة لها أسباب، والبغضاء لها أسباب، فابتعد عن أسباب البغضاء وأكثر من أسباب المحبة ، فمثلاً إذا كنت أبغضت شخصاً لأنه عمل عملاً ما، فاذكر محاسنه حتى تزيل عنك هذه البغضاء، وإلا ستبقى على ما أنت عليه من بغضائه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "لاَ يَفرك مؤمِن مؤمِنَة إِن كَرِهَ مِنهَا خُلُقَاً رَضيَ مِنهَا خُلُقاً آخر" [242] أي لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت في خلق واحد، بل يقارن:إن كره خلقاً منها رضي منها خلقاً آخر. كذلك المحبة: يذكر بقلبه ما يكون سبباً لمحبة الرجل من الخصال الحميدة والآداب العالية وما أشبه ذلك. فالبغضاء لها سبب والمحبة لها سبب، فليفعل أسباب المحبة وليتجنب أسباب البغضاء.
.5النهي عن التدابر،سواء بالأجسام أو بالقلوب. التدابر بالأجسام بأن يولي الإنسان ظهره ظهر أخيه، لأن هذا سوء أدب،ويدل على عدم اهتمامه به، وعلى احتقاره له، ويوجب البغضاء. والتدابر القلبي بأن يتجه كل واحد منا إلى جهة أخرى، بأن يكون وجه هذا يمين ووجه هذا شمال، ويتفرع على هذا: وجوب الاجتماع على كلمة واحدة بقدر الإمكان، فلنقرب الهوة بيننا حتى نكون على هدف واحد، وعلى منهاج واحد، وعلى طريق واحد،وإلا حصل التدابر. وانظر الآن الأحزاب الموجودة في الأمم كيف هم متدابرون في الواقع، كل واحد يريد أن يقع الآخر في شرك الشر، لأنهم متدابرون. فالتدابر حرام، ولا سيما التدابر في القلوب،لما يترتب عليه من الفساد. .6تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، ومثاله سبق ذكره في الشرح. وهل هذا يشمل ما كان بعد زمن الخيار، وما كان في زمن الخيار، أو خاص فيما إذا كان ذلك في زمن الخيار؟ الجواب: في هذا للعلماء قولان: القول الأول: إن تحريم البيع على بيع أخيه إذا كان هناك خيار، لأنه إذا كان هناك خيار تمكن من فسخ البيع، وأما إذا لم يكن خيار فلا حرج. وأضرب لهذا مثلاً: زيد باع سلعة على عمرو بمائة ريال، وجاء بكر وقال لعمرو: أنا أعطيك مثلها بتسعين ريالاً، فهل هذا حرام،سواء كان في زمن الخيار أو بعد زمن الخيار، أو خاص بزمن الخيار؟ ننظر: إذا كان البائع قد أعطى المشتري مهلة ثلاثة أيام خيار، وبكر جاء إلى عمرو في هذه المدة، وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعين، هنا يتمكن عمرو من فسخ البيع لأنه يوجد خيار. أما إذا لم يكن خيار بأن باع زيد على عمرو هذه السلعة بمائة ريال وتقابضا، ولا خيار بينهما،ثم جاء بكر بعد ذلك،وقال لعمرو: أنا أعطيك مثلها بتسعين ريالاً ،فهل هذا حرام أو ليس بحرام؟ اختلف في هذا العلماء رحمهم الله فمنهم من قال: إن هذا حرام لعموم قوله: "وَلا يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ"، ومنهم من قال: إنه ليس بحرام، لأنه لا خيار للمشتري، فلو أراد أن يفسخ البيع ويعقد مع بكر لم يحصل له ذلك. والصحيح أنه عام لما كان بعد زمن الخيار أو قبله، لأنه إذا كان قبل زمن الخيار فالأمر واضح بأن يفسخ البيع ويشتري من الثاني، لكن بعد زمن الخيار أيضاً لا يجوز لأنه يترتب عليه مفاسد: يتبع إن شاء الله تعالى...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 26 يونيو 2021, 4:50 am عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الحديث الخامس والثلاثون الإثنين 28 يونيو 2010, 7:01 am | |
| |
|