شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار
(المرحلة المكية)
سامي بن خالد الحمود
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
هذه المذكرة فوائد وتعليقات الشيخ سامي الحمود في شرحه لكتاب روضة الأنوار في سيرة النبي المختار للمباركفوري في جامع الصفدي بالرياض مغرب كل سبت.
1- مقدمة الدرس:
أما بعد..
ثبت عن أبي حفص عمر بن الخطاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما الأعمال بالنيات... الحديث.
فاللهم أصلح النية، وأصلح الطوية، وسدد الأقوال، وأخلص الأعمال .
في هذا الدرس المبارك، نتحدث عن رجل عظيم، بحبه تمتليء القلوب، ولرؤيته تشتاق النفوس، وبسيرته تلين الأفئدة.. رجلٌ، هدانا الله به من الضلالة، وعلمنا من الجهالة، وبصّرنا من العمى، وأخرجنا بدعوته من الظلمات إلى النور .
إنه الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-.. خاتم الأنبياء، وصفوة الأولياء، صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود إمام المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين .
لا يسلم العبد إلا بالشهادة له بالرسالة بعد الشهادة لله بالتوحيد، ولا يؤمن العبد حتى يكونَ أحبَ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، اختاره الله وزكاه وقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) .
إننا اليوم، نتحدث عن تلك الروح الزكية التي مُلئت عظمةً وأمانةً وسمواً.. وعن تلك النفس الأبية التي مُلئت عفةً وكرامةً ونبلاً .
عرفه أعداؤه قبل أن يعرفه أحبابه.. كما قال أبو سفيان..
الذي عاداه سنوات طويلة، قبل أن يسلم:
لعمرك إني يوم أحمل راية
لتغـلب خيل اللات خيل محمدِ
لكالمدلج الحيران أظلم ليله
فهذا أواني حين أهدى وأهتدي
هداني هادٍ غيرُ نفسي ودلني
على الله من طردته كل مطرد
وما حملت من ناقة فوق ظهرها
أبر وأوفى ذمــــــــة من محمد
أيُّها الأحبةُ..
إنَنَا حينما نستلهمُ الحديثَ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فإنَنَا لا يمكن أن نُوفِّيهِ بعضَ حقهِ، وإنَّما هي إطلالة سريعة، وإشارةٌ موجزة، إلى شيءٍ من سيرته وصفاته .
ولعلنا نبدأ الدرس بمقدمة عن:
1] أهمية السيرة .
2]وعن مصادرها .
3] وعن طريقة الدرس .
1] لماذا ندرس السيرة؟:
1 ـ حُبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو بعد حب الله .
قال تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " [ الأحزاب من الآية: 6 ].
وفي الحديث: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ" متفق عليه .
والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- هو أحد ركني العبادة ( الإخلاص والمتابعة )، قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) [الأحزاب: 21] .
وهو أيضا الترجمة الحقيقية للمحبة، قال الله تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [آل عمران : 31].
والمحبة على قدر المعرفة.. وكيف يحب المرء مَن يجهل أوصافه وأحواله، وكيف يقتدي المرء بمَن لا يعرف شيئا عن سيرته وهديه .
وقد فطر الله جلّ وعلا كثيرًا من خلقه على محبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد صعد على جبل (أُحُدٍ) فرجف الجبل فرحًا بصعوده، فقال عليه الصلاة والسلام: ( اثبت أُحد فإنما عليك نبيٌ وصديقٌ وشهيدان )، وترك الجذع الذي كان يخطب عليه لما صُنع له المنبر فحنّ الجذع إليه، فقام عليه الصلاة والسلام والتمس الجذع وضمه إليه، ولهذا كان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث يقول: "يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما بال قلوبكم لا تحن إليه".
2 ـ وتعلُّمُ السيرة النبوية عبادة:
فقد جاء عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه قال: "كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن" .
3- السيرة النبوية حلقة من حلقات الدعوة إلى التوحيد:
ـ دعوة الأنبياء ـ بما فيها دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي الإسلام بمفهومه العام، الاستسلام لله.. التوحيد بكل أنواعه .
ـ المنهج واحد، والشخصيات تختلف.. ولهذا نجد في السيرة النبوية ربطاً بين الأشخاص الذين عاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين مَن سبقوا .
يُشبَّه أبو بكر ـرضي الله عنه- بمؤمن آل فرعون، وعقبة بن معيط أشقى القوم بقاتل ناقة صالح عليه السلام .
وأبو جهل بفرعون، وأمية بن أبي الصلت بالذي آتاه الله آياته فانسلخ منها... وقريب من هذا: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ" و " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.
ودراسة السيرة توضح هذا الربط بين عباد الله في كل زمان ومكان، وبين عباد الشيطان في كل زمان ومكان .
4 ـ وفي السيرة تفسير لكثير من آيات القرآن الكريم:
كتلك الآيات التي تتكلم عن الغزوات في سورة آل عمران، والأنفال والتوبة والأحزاب والفتح والحشر...، كما أن في دراسة السيرة النبوية بيان لكثير من أسباب النزول .
فهناك سور بأكملها تتكلم عن غزوة مثل سورة الأنفال التي تتكلم عن غزوة بدر، وسورة التوبة التي تتكلم عن غزوة تبوك، وسورة الحشر التي تتكلم عن جلاء بني النَّضير، وهناك آيات كثيرة في سورة آل عمران تتحدث عن غزوة أُحد .
5ـ السيرة منهج حياة، وقدوة حسنة للأجيال:
تعرض نماذج طيبة طاهرة، من الصحابة والتابعين، بعيداً عن النماذج الجاهلية أو الخيالية التي تعرض على الشاشات المرئية، أو في القصص المنحرفة .
ففي السيرة نماذج حية للقادة العظماء.. وفي السيرة نماذج للتجار الناجحين المخلصين الأتقياء .
وفي السيرة أفضل النماذج للمربِّين .. وفيها نماذج للدعاة المصلحين .
6 ـ فهم الواقع وربط الماضي بالحاضر:
منهج التعامل مع الأحداث .. كيف تعامل -صلى الله عليه وسلم- مع العدو؟ متى شرع الله له الجهاد؟ .
هؤلاء الشباب المكفرون والمفجرون باسم الجهاد، لو فقهوا سيرته -صلى الله عليه وسلم- حقاً لعلموا بعد هذه الأعمال عن سيرته في السلم وفي الحرب .
7- السيرة فيها متعة روحية، وغذاء للقلوب المؤمنة:
بخلاف القلوب المريضة العاكفة على الأفلام والتمثيليات الهابطة .
8- دراسة السيرة جزء مما يجب علينا تجاه ما يحدث اليوم من سبِّ للحبيب -صلى الله عليه وسلم- .
هذا الأمر ليس حدثاً عابراً قامت به صحيفة سيئة الأخلاق ولكن.. الأمر أعمق من هذا وأبعد .
وما حدث في الصحف الأوربية هو طفح لما يُخاطب به القوم في الكنائس وغرف البالتوك وبعض الفضائيات عن نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- .
القوم حاقدون يريدون أن ينقضوا الإسلام بتشويه صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
فهم يحاضرون ويؤلفون عن (أخلاق نبي الإسلام)، يتكلمون عن زواجه بتسع من النساء ـ وقد اجتمع عند سليمان عليه السلام سبعمائة من النساء وهذا في كتابهم-، وعن غزواته -صلى الله عليه وسلم-، وعن الجهاد؛ بطريقة البتر للنصوص واعتماد الضعيف والشاذ والمنكر من الحديث الذي يشوهون به صورته -صلى الله عليه وسلم- .
2] مصادر السيرة النبوية:
1- القرآن الكريم:
فقد جاء في القرآن الكريم كثير من سيرته -صلى الله عليه وسلم- فقد ذكر الله تعالى حال النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ صغره في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)} (الضحى: 6-8) .
وذكر حاله بعد بدء نزول الوحي عليه حين خاف وذهب إلى زوجه خديجة يقول لها: {زملوني دثروني}، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} (المزمل: 1-5)، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} (المدثر: 1-3) .
وذكر قصة زواجه من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة -رضي الله عنه- فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)} (الأحزاب: 36- 38) .
أما الغزوات: بدر في الأنفال، أحد في آل عمران، الخندق في الأحزاب، الحديبية في الفتح... وغيرها .
2-السنة النبوية:
وقد سبق أن بينا أن السنة النبوية قد حوت جل تفاصيل السيرة مما رواه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه أو ما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
وقد ذكرنا ما يتعلق بثبوت هذا المصدر، والمنهج العلمي الدقيق الذي وضعه العلماء لدراسة السنة ومصادرها.
3-الكتب المؤلفة في السيرة:
بدأ منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، بكتابة الأحاديث التي تتعلق بالحوادث التي وقعت في زمنه -صلى الله عليه وسلم- مثل بعثته -صلى الله عليه وسلم- وبداية نزول الوحي عليه وما لقيه بمكة قبل الهجرة ثم هجرته إلى المدينة، وهجرة بعض أصحابه إلى الحبشة قبل ذلك، وزيجاته -صلى الله عليه وسلم- وغزواته وأسفاره .
أما التدوين الشامل للسيرة فقد بدأ منذ عهد معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- حيث كان عبد الله بن عباس يدرس تلاميذه نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومغازيه وكان تلاميذه يدونون ذلك، وكذلك فعل عبد الله بن عمرو بن العاص والبراء بن عازب -رضي الله عنهم- .
وفي عصر التابعين: ألف عروة بن الزبير ، وأبان بن عثمان بن عفان ، ووهب بن منبه.
بعد التابعين: تتابع التأليف في السيرة .
وأشمل كتابين في السيرة هما: (السير والمغازي) لمحمد بن إسحاق المتوفى سنة (151) هـ، و(السيرة النبوية) لابن هشام المتوفى سنة (213) هـ، وكلا المؤلفين قد عاصر التابعين وأخذ عنهم.
اتجاهات التأليف في السيرة:
1- التأليف ضمن كتب التاريخ العام:
تاريخ الأمم والملوك، للطبري ( محمد بن جرير الطبري )، المتوفى سنة 310هـ، البداية والنهاية، لابن كثير ( إسماعيل بن عمر بن كثير )، المتوفى سنة 774هـ .
2- التأليف في السيرة:
1. السيرة والمغازي، لمحمد بن إسحاق، المتوفى سنة 150هـ
2. السيرة النبوية، لابن هشام ( عبد الملك بن هشام )، المتوفى سنة 218هـ
3. الدرر في اختصار المغازي والسير، لابن عبد البر المتوفى سنة 463هـ
4. زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم المتوفى سنة 751 هـ
5. الفصول في سيرة الرسول لابن كثير المتوفى سنة 774هـ
6. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للصالحي محمد بن يوسف، ت942 هـ
7. مختصر سيرة الرسول، لمحمد بن عبد الوهاب
8. السيرة النبوية دروس وعبر، لمصطفى السباعي
9. الرحيق المختوم، للمبارَكفُوري صفي الرحمن المباركفوري
10. السيرة النبوية الصحيحة، لأكرم ضياء العُمَري
11. السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة)، لمحمد الصوياني
12. صحيح السيرة النبوية ، لإبراهيم العلي
13. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين ، لمحمد الخضري
14. هذا الحبيب محمد يا مُحِب ، لأبي بكر الجزائري
15. السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ، لمهدي رزق الله أحمد
16. عرض وقائع وتحليل أحداث السيرة النبوية ، د/ علي الصلّابي
3- التأليف في بعض موضوعات السيرة:
1- كتب الدلائل: وأشهرها:
دلائل النبوة، للبيهقي، المتوفى سنة 458هـ. وهو أشهرها وأفضلها .
دلائل النبوة، لأبي نعيم، المتوفى سنة 430هـ
2- كتب الشمائل النبوية:
وأشهرها كتاب الشمائل المحمدية للترمذي .
3- كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض
( عياض بن موسى )، المتوفى سنة 544هـ .
4- التأليف في فقه السيرة ودروسها:
فقه السيرة، ( محمد الغزالي )، المتوفى سنة 1416هـ .
فقه السيرة، ( محمد بن سعيد البوطي ) ، من المعاصرين .
الرسول القائد ، لمحمود شيت خطاب.
وقفات تربوية مع السيرة النبوية، لأحمد فريد، من المعاصرين .
3] الكتاب المقرر وطريقة الدرس:
الكتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، مختصر منتقى شامل للسيرة .
كما قال المؤلف في مقدمة الكتاب آخر ص5:
"كتاب جديد في حجم متوسط أجمع فيه ما هو ثابت ومعترف به عند أئمة هذا الفن، مع مراعاة مستوى الناشئين وعامة الدارسين مجتنباً الإجحاف والانحراف" .
مزايا الكتاب:
1. مأمون وموثوق، لأن مؤلفه باحث صاحب باع طويل في هذا الفن.
2. الاختصار والبعد عن الاستطراد.
3. الشمول لأحداث السيرة.
4. رتبه المؤلف على طريقة الأبواب والفقرات، وحشد الكثير من العناوين الفرعية التي تعين على: فهم تسلسل الأحداث، وتكون محطات انتقالية لمتابعة الدرس.
المؤلف:
نسبه:
صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد المباركفوري، من علماء الهند، نسبة إلى مباركفور في الهند .
ولادته:
6 يونيو 1943م
جوانب من سيرة الشيخ العلمية والدعوية:
بعد تعلمه العلم الشرعي قام بالتدريس في المدارس الدينية في الهند، ثم درس في الجامعة السلفية في بنارس بالهند .
في 1396هـ أعلنت رابطة العالم الإسلام بمكة المكرمة عقد مسابقة عالمية حول السيرة النبوية الشريفة، فقام الشيخ بتأليف كتاب: «الرحيق المختوم» وقدمه للجائزة، ونال به الجائزة الأولى في المسابقة .
ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ليعمل باحثاً في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، ثم انتقل إلى مكتبة دار السلام بالرياض، وعمل فيها مشرفاً على قسم البحث والتحقيق العلمي .
مؤلفاته:
للشيخ أكثر من ثلاثين كتاباً باللغتين العربية والأردية مؤلفات عديدة في التفسير والحديث والمصطلح والسيرة، والدعوة .
من أشهرها الرحيق المختوم:
(ترجم لأكثر من خمس عشرة لغة مختلفة) .
وفاته:
توفي الشيخ عقب صلاة الجمعة 10/11/1427هـ في مباركفور بالهند، بعد معاناة مع المرض، جعل الله ذلك كفارة له ورفعاً لدرجته .
***********************
2- الحالة السياسية والدينية والاجتماعية قبل البعثة:
من عادة المؤلفين في السيرة التقديم بهذا الأمر.. لماذا؟
1- معرفة مسرح الأحداث تعين على فهم السيرة والتغيير الذي أحدثته في العالم.
2- لا يعرف النور مَن لم ير الظلام.
كانت الإنسانية قبل بزوغ فجر الإسلام العظيم تعيش مرحلة من أحط مراحل التاريخ البشري في شؤونها الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتعاني من فوضى عامة في كافة شؤون حياتها.
وسنكتفي بذكر:
1] الحالة السياسية .
2] الحالة الدينية .
3] الحالة الاجتماعية .
1] الحالة السياسية:
دولة الروم:
كانت تحكم دول اليونان والبلقان وآسيا وسوريا وفلسطين وحوض البحر المتوسط بأسره, ومصر وكل إفريقيا الشمالية، وكانت عاصمتها القسطنطينية، وكانت دولة ظالمة تمارس الظلم والتعسف على الشعوب.
دولة الغساسنة:
وكانت في جنوب الشام ، وكانت موالية للروم .
دولة الفرس:
حكمت فارس وخراسان والعراق وما جاورها .
الحيرة (جزء من العراق):
حكمها المناذرة العرب ، وكانوا موالين لدولة الفرس .
الحجاز:
حكمتها قبائل العرب:
- القبائل العدنانية: قريش في مكة ، وثقيف في الطائف .
- القبائل القحطانية: الأوس والخزرج في المدينة .
اليمن:
حكمتها الدولة الحميرية الثانية، وفي سنة 523م قاد ذو نُوَاس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل نجران، وحاول صرفهم عن المسيحية قسرًا، ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ) .
وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصارى ، فحرضوا الأحباش، وأعانوهم، فاحتل الأحباش اليمن بقيادة أرياط سنة 525 م، ثم اغتاله أبرهة أحد قواد جيشه ونصب نفسه حاكمًا على اليمن موالياً للنجاشي .
وبعد وقعة الفيل استنجد أهل اليمن بالفرس، وقاموا بمقاومة الحبشة حتى أجلوهم عن البلاد، ونالوا الاستقلال في سنة 575 م بقيادة معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى، ثم قتل معديكرب وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من الفرس، آخرهم باذان، الذي اعتنق الإسلام سنة 628م .
2] الحالة الدينية:
الأحوال الدينية في جزيرة العرب:
كان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم عليه السلام حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، فسافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك ، فقدم معه بهُبَل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم .
وكانت أكبر الأصنام والأوثان ثلاثة:
1- مَناة، كانت لهُذَيْل وخزاعة، في المُشَلَّل على ساحل البحر الأحمر .
2- اللات في الطائف، وكانت لثقيف، بالطائف .
3- العُزَّى بوادى نخلة ، وكانت لقريش وبني كنانة وقبائل أخرى .
ويذكر أن عمرو بن لحي كان له رئى من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح ـ ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا ـ مدفونة بجدة، فأخرجها ثم دفعها إلى القبائل في الحج، فانتشرت في الجزيرة .
- فأما ود: فكانت لقبيلة كلب، بجَرَش بدوْمَة الجندل .
- وأما سواع: فكانت لهذيل بن مُدْرِكة في أرض الحجاز من جهة الساحل .
- وأما يغوث: فكانت لبني غُطَيف بالجُرْف عند سبأ .
- وأما يعوق: فكانت لهمدان في قرية خَيْوان من أرض اليمن .
- وأما نسر: فكانت لحمير لآل ذي الكلاع في أرض حمير.
ثم انتشرت الأصنام ودور الأصنام في جزيرة العرب، حتى صار لكل قبيلة ثم في كل بيت منها صنم، وبلغت الأصنام في الكعبة 360 صنماً .
وقد تمادى الناس في غيهم هذا حتى يقول أبو رجاء العُطاردى رضي الله عنه كما في البخاري: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثْوَةً من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به.
- ومن الطرائف:
أن بني حنيفة اتخذوا إلهاً من حيس، فعبدوه مدة، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه.
فقال الشاعر:
أكلت حنيفة ربَّها
زمن التقحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم
سوء العواقب والتَّباعة
- ومثله ما جاء عن عمر أنه اتخذ إلهاً من تمر، فلما جاع أكله .
- وكان لبني سُليم صنم وله سادن، فجاء السادن يوماً ، فرأى ثعلبين يبولان على الصنم .
فقال:
أربٌّ يبــــــول الثعلبانِ برأسه
لقد ذل من بالت عليه الثعالبُ
فكرة الشرك وعبادة الأصنام نشأت فيهم لما رأوا الملائكة والرسل والنبيين وعباد الله الصالحين، اتخذوهم أولياء، وجعلوهم وسيلة فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورًا وتماثيل، إما حقيقية تطابق صورهم التي كانوا عليها، وإما خيالية .. وربما لم ينحتوا لهم صورًا ولا تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم أماكن مقدسة .
أما عبادتهم لهذه الأصنام والأوثان:
فإنهم كانوا يعكفون عليها ويلتجئون إليها.. ويهتفون بها، ويستغيثونها في الشدائد، وكانوا يحجون إليها ويطوفون حولها، ويتذللون عندها، ويسجدون لها، وكانوا يذبحون وينحرون لها على أنصابها، أنهم كانوا يخصون لها شيئاً من مآكلهم ومشاربهم ، كانوا يخصون لها نصيباً من حرثهم وأنعامهم (البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى) .
وكانت العرب تستقسم بالأزلام، ويؤمنون بأخبار الكهنة والعرافين والمنجمين، وكانت فيهم الطيرة .
ومع هذا.. فقد كان فيهم بقايا مـن ديـن إبراهيم، مثـل:
تعظيم البيت، والطـواف بـه، والحـج، والعمـرة، والـوقوف بعرفة والمزدلفة، وإهداء البدن .
الأحوال الدينية للعالم كله:
ساءت أحوال العالم الدينية في العالم، فالناس إما أنهم ارتدوا عن الدين أو خرجوا منه أو لم يدخلوا فيه أصلا، أو وقعوا في تحريف الديانات السماوية وتبديلها .
وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم إلى عموم هذا الفساد لجميع الأجناس، فقال: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل ما نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب» .
فاليهودية:
أصبحت مجموعة من الطقوس والتقاليد لا روح فيها ولا حياة.. المجتمع اليهودي قبل البعثة المحمدية قد وصل إلى الانحطاط العقلي من خفة العقل وسخف القول، والاجتراء على الله، والعبث بالحقائق والتلاعب بالدين والعقل .
أما المسيحية:
فقد امتحنت بتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين واختفى نور التوحيد وإخلاص العبادة.. وتحولت البيوت والمدارس والكنائس إلى معسكرات متنافسة وظهرت الوثنية في المجتمع المسيحي.. اندلعت الحروب بين النصارى وكفَّر بعضهم بعضًا، وقتل بعضهم بعضًا .
وأما المجوس:
فقد عرفوا من قديم الزمان بعبادة العناصر الطبيعية, أعظمها النار، وانتشرت بيوت النار في طول البلاد وعرضها, وعكفوا على عبادتها وبنوا لها معابد وهياكل، وكان أهل إيران يستقبلون في صلاتهم النار .
وقد دان المجوس بالثنوية في كل عصر وأصبح ذلك شعارًا لهم، فآمنوا بإلهين اثنين، أحدهما النور أو إله الخير والثاني الظلام أو إله الشر .
أما البوذية:
في الهند وآسيا الوسطى، فقد تحولت وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل، وتنصب تماثيل بوذا حيث حلت ونزلت .
أما البرهمية:
دين الهند الأصلي، فقد امتازت بكثرة المعبودات والآلهة, وقد بلغت أوجها في تلك الفترة .
3] الحالة الاجتماعية:
هيمنت التقاليد والأعراف على حياة العرب، وأصبحت لهم قوانين عرفية ، ومنها:
1- الاعتزاز الذي لا حد له بالأنساب، والأحساب، والتفاخر بها .
2- الاعتزاز بالكلمة، وسلطانها، لا سيما الشعر .
3- المرأة في المجتمع العربي: كانت عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكان العرب يُعيّرون بالبنات، وكثيرا ما كانوا يختارون دسها في التراب، ووأدها حية .
4 - الحروب، والسطو، والإغارة: كانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، فهم لا يبالون بشن الحروب وإزهاق الأرواح في سبيل الدفاع عن المثل الاجتماعية .
فمن تلك الأيام مثلا يوم البسوس، وقد قامت الحرب فيه بين بكر وتغلب بسبب ناقة وكذلك يوم داحس والغبراء، وقد كان سببه سباقًا أقيم بين داحس وهو فرس والغبراء.
الحالة الأخلاقية: لها جانبان:
1) جانب منحرف:
كانت أخلاق العرب قد ساءت وأولعوا بالخمر والقمار، وشاعت فيهم الغارات وقطع الطريق على القوافل، والعصبية والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، والسرقة والزنا .
2) جانب مشرق:
وكانت فيهم سمات وخصال من الخير كثيرة أهلتهم لحمل راية الإسلام ومنها:
1- الذكاء والفطنة والحفظ .
2- أهل كرم وسخاء .
3- أهل شجاعة ومروءة ونجدة .
4- عشقهم للحرية والعزة .
5- وإباؤهم للضيم والذل:
قال عنترة:
لا تسقني ماء الحياة بذلة
بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
ماء الحياة بذلة كجهنم
وجهنم بالعز أطيب منزل !!!
(وهذا مما لا نوافقه عليه) .
يتبع إن شاء الله...