منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Empty
مُساهمةموضوع: شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار   شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Emptyالإثنين 23 يونيو 2014, 6:56 am

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار

(المرحلة المكية)

سامي بن خالد الحمود

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

هذه المذكرة فوائد وتعليقات الشيخ سامي الحمود في شرحه لكتاب روضة الأنوار في سيرة النبي المختار للمباركفوري في جامع الصفدي بالرياض مغرب كل سبت.


1- مقدمة الدرس:

أما بعد..

ثبت عن أبي حفص عمر بن الخطاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما الأعمال بالنيات... الحديث.

فاللهم أصلح النية، وأصلح الطوية، وسدد الأقوال، وأخلص الأعمال .

في هذا الدرس المبارك، نتحدث عن رجل عظيم، بحبه تمتليء القلوب، ولرؤيته تشتاق النفوس، وبسيرته تلين الأفئدة.. رجلٌ، هدانا الله به من الضلالة، وعلمنا من الجهالة، وبصّرنا من العمى، وأخرجنا بدعوته من الظلمات إلى النور .

إنه الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-.. خاتم الأنبياء، وصفوة الأولياء، صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، والحوض المورود إمام المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين .

لا يسلم العبد إلا بالشهادة له بالرسالة بعد الشهادة لله بالتوحيد، ولا يؤمن العبد حتى يكونَ أحبَ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، اختاره الله وزكاه وقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) .

إننا اليوم، نتحدث عن تلك الروح الزكية التي مُلئت عظمةً وأمانةً وسمواً.. وعن تلك النفس الأبية التي مُلئت عفةً وكرامةً ونبلاً .

عرفه أعداؤه قبل أن يعرفه أحبابه.. كما قال أبو سفيان..



 الذي عاداه سنوات طويلة، قبل أن يسلم:

لعمرك إني يوم أحمل راية

لتغـلب خيل اللات خيل محمدِ

لكالمدلج الحيران أظلم ليله

فهذا أواني حين أهدى وأهتدي

هداني هادٍ غيرُ نفسي ودلني

على الله من طردته كل مطرد

وما حملت من ناقة فوق ظهرها

أبر وأوفى ذمــــــــة من محمد



أيُّها الأحبةُ.. 

إنَنَا حينما نستلهمُ الحديثَ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فإنَنَا لا يمكن أن نُوفِّيهِ بعضَ حقهِ، وإنَّما هي إطلالة سريعة، وإشارةٌ موجزة، إلى شيءٍ من سيرته وصفاته .

ولعلنا نبدأ الدرس بمقدمة عن:

1] أهمية السيرة .

2]وعن مصادرها .

3] وعن طريقة الدرس .


1] لماذا ندرس السيرة؟:

1 ـ   حُبّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو بعد حب الله .

قال تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " [ الأحزاب من الآية: 6 ].

وفي الحديث: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ" متفق عليه .

والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- هو أحد ركني العبادة ( الإخلاص والمتابعة )، قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) [الأحزاب: 21] .

وهو أيضا الترجمة الحقيقية للمحبة، قال الله تعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [آل عمران : 31].

والمحبة على قدر المعرفة.. وكيف يحب المرء مَن يجهل أوصافه وأحواله، وكيف يقتدي المرء بمَن لا يعرف شيئا عن سيرته وهديه .

وقد فطر الله جلّ وعلا كثيرًا من خلقه على محبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد صعد على جبل (أُحُدٍ) فرجف الجبل فرحًا بصعوده، فقال عليه الصلاة والسلام: ( اثبت أُحد فإنما عليك نبيٌ وصديقٌ وشهيدان )، وترك الجذع الذي كان يخطب عليه لما صُنع له المنبر فحنّ الجذع إليه، فقام عليه الصلاة والسلام والتمس الجذع وضمه إليه، ولهذا كان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث يقول: "يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما بال قلوبكم لا تحن إليه".


2 ـ  وتعلُّمُ السيرة النبوية عبادة: 

فقد جاء عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه قال: "كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم  كما نعلم السورة من القرآن" .


3- السيرة النبوية حلقة من حلقات الدعوة إلى التوحيد:

ـ دعوة الأنبياء ـ بما فيها دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي الإسلام بمفهومه العام، الاستسلام لله.. التوحيد بكل أنواعه .

ـ  المنهج واحد، والشخصيات تختلف.. ولهذا نجد في السيرة النبوية ربطاً بين الأشخاص الذين عاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين مَن سبقوا .

يُشبَّه أبو بكر ـرضي الله عنه- بمؤمن آل فرعون، وعقبة بن معيط أشقى القوم بقاتل ناقة صالح عليه السلام .

وأبو جهل بفرعون، وأمية بن أبي الصلت بالذي آتاه الله آياته فانسلخ منها... وقريب من هذا: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ" و " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.

ودراسة السيرة توضح هذا الربط بين عباد الله في كل زمان ومكان، وبين عباد الشيطان في كل زمان ومكان .


4 ـ وفي السيرة تفسير لكثير من آيات القرآن الكريم:

كتلك الآيات التي تتكلم عن الغزوات في سورة آل عمران، والأنفال والتوبة والأحزاب والفتح  والحشر...، كما أن في دراسة السيرة النبوية بيان لكثير من أسباب النزول .

فهناك سور بأكملها تتكلم عن غزوة مثل سورة الأنفال التي تتكلم عن غزوة بدر، وسورة التوبة التي تتكلم عن غزوة تبوك، وسورة الحشر التي تتكلم عن جلاء بني النَّضير، وهناك آيات كثيرة في سورة آل عمران تتحدث عن غزوة أُحد .


5ـ السيرة منهج حياة، وقدوة حسنة للأجيال:

تعرض نماذج طيبة طاهرة، من الصحابة والتابعين، بعيداً عن النماذج الجاهلية أو الخيالية التي تعرض على الشاشات المرئية، أو في القصص المنحرفة .

ففي السيرة نماذج حية للقادة العظماء.. وفي السيرة نماذج للتجار الناجحين المخلصين الأتقياء .

وفي السيرة أفضل النماذج للمربِّين .. وفيها نماذج للدعاة المصلحين .


6 ـ  فهم الواقع وربط الماضي بالحاضر:

منهج التعامل مع الأحداث .. كيف تعامل -صلى الله عليه وسلم- مع العدو؟ متى شرع الله له الجهاد؟ .

هؤلاء الشباب المكفرون والمفجرون باسم الجهاد، لو فقهوا سيرته -صلى الله عليه وسلم- حقاً لعلموا بعد هذه الأعمال عن سيرته في السلم وفي الحرب .


7- السيرة فيها متعة روحية، وغذاء للقلوب المؤمنة:

بخلاف القلوب المريضة العاكفة على الأفلام والتمثيليات الهابطة .


8-  دراسة السيرة جزء مما يجب علينا تجاه ما يحدث اليوم من سبِّ للحبيب -صلى الله عليه وسلم- .

هذا الأمر ليس حدثاً عابراً قامت به صحيفة سيئة الأخلاق ولكن.. الأمر أعمق من هذا وأبعد .

وما حدث في الصحف الأوربية هو طفح لما يُخاطب به القوم في الكنائس وغرف البالتوك وبعض الفضائيات عن نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- .

القوم حاقدون يريدون أن ينقضوا الإسلام بتشويه صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- .

فهم يحاضرون ويؤلفون عن (أخلاق نبي الإسلام)، يتكلمون عن زواجه بتسع من النساء ـ وقد اجتمع عند سليمان عليه السلام سبعمائة من النساء وهذا في كتابهم-، وعن غزواته -صلى الله عليه وسلم-، وعن الجهاد؛ بطريقة البتر للنصوص واعتماد الضعيف والشاذ والمنكر من الحديث الذي يشوهون به صورته -صلى الله عليه وسلم- .


2] مصادر السيرة النبوية:

1- القرآن الكريم:

فقد جاء في القرآن الكريم كثير من سيرته -صلى الله عليه وسلم- فقد ذكر الله تعالى حال النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ صغره في قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)} (الضحى: 6-8) .

وذكر حاله بعد بدء نزول الوحي عليه حين خاف وذهب إلى زوجه خديجة يقول لها: {زملوني دثروني}، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} (المزمل: 1-5)، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} (المدثر: 1-3) .

وذكر قصة زواجه من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة -رضي الله عنه- فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)} (الأحزاب: 36- 38) .

أما الغزوات: بدر في الأنفال، أحد في آل عمران، الخندق في الأحزاب، الحديبية في الفتح... وغيرها .


2-السنة النبوية: 

وقد سبق أن بينا أن السنة النبوية قد حوت جل تفاصيل السيرة مما رواه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه أو ما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. 

وقد ذكرنا ما يتعلق بثبوت هذا المصدر، والمنهج العلمي الدقيق الذي وضعه العلماء لدراسة السنة ومصادرها.


3-الكتب المؤلفة في السيرة: 

بدأ منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، بكتابة الأحاديث التي تتعلق بالحوادث التي وقعت في زمنه -صلى الله عليه وسلم- مثل بعثته -صلى الله عليه وسلم- وبداية نزول الوحي عليه وما لقيه بمكة قبل الهجرة ثم هجرته إلى المدينة، وهجرة بعض أصحابه إلى الحبشة قبل ذلك، وزيجاته -صلى الله عليه وسلم- وغزواته وأسفاره .

أما التدوين الشامل للسيرة فقد بدأ منذ عهد معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- حيث كان عبد الله بن عباس يدرس تلاميذه نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومغازيه وكان تلاميذه يدونون ذلك، وكذلك فعل عبد الله بن عمرو بن العاص والبراء بن عازب -رضي الله عنهم- .

وفي عصر التابعين: ألف عروة بن الزبير ، وأبان بن عثمان بن عفان ، ووهب بن منبه.

بعد التابعين: تتابع التأليف في السيرة .

وأشمل كتابين في السيرة هما: (السير والمغازي) لمحمد بن إسحاق المتوفى سنة (151) هـ، و(السيرة النبوية) لابن هشام المتوفى سنة (213) هـ، وكلا المؤلفين قد عاصر التابعين وأخذ عنهم.


اتجاهات التأليف في السيرة:

1- التأليف ضمن كتب التاريخ العام:

تاريخ الأمم والملوك، للطبري ( محمد بن جرير الطبري )، المتوفى سنة 310هـ، البداية والنهاية، لابن كثير ( إسماعيل بن عمر بن كثير )، المتوفى سنة 774هـ .


2- التأليف في السيرة:

1. السيرة والمغازي، لمحمد بن إسحاق، المتوفى سنة 150هـ

2. السيرة النبوية، لابن هشام ( عبد الملك بن هشام )، المتوفى سنة 218هـ

3. الدرر في اختصار المغازي والسير، لابن عبد البر المتوفى سنة 463هـ

4. زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم المتوفى سنة 751 هـ

5. الفصول في سيرة الرسول لابن كثير المتوفى سنة 774هـ

6. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للصالحي محمد بن يوسف، ت942 هـ

7. مختصر سيرة الرسول، لمحمد بن عبد الوهاب

8. السيرة النبوية دروس وعبر، لمصطفى السباعي

9. الرحيق المختوم، للمبارَكفُوري صفي الرحمن المباركفوري

10. السيرة النبوية الصحيحة، لأكرم ضياء العُمَري

11. السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة)، لمحمد الصوياني

12. صحيح السيرة النبوية ، لإبراهيم العلي

13. نور اليقين في سيرة سيد المرسلين ، لمحمد الخضري

14. هذا الحبيب محمد يا مُحِب ، لأبي بكر الجزائري

15. السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ، لمهدي رزق الله أحمد

16. عرض وقائع وتحليل أحداث السيرة النبوية ، د/ علي الصلّابي


3- التأليف في بعض موضوعات السيرة:

1- كتب الدلائل: وأشهرها:

دلائل النبوة، للبيهقي، المتوفى سنة 458هـ. وهو أشهرها وأفضلها .

دلائل النبوة، لأبي نعيم، المتوفى سنة 430هـ


2- كتب الشمائل النبوية: 

وأشهرها كتاب الشمائل المحمدية للترمذي .


3- كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض

( عياض بن موسى )، المتوفى سنة 544هـ .


4- التأليف في فقه السيرة ودروسها:

فقه السيرة، ( محمد الغزالي )، المتوفى سنة 1416هـ .

فقه السيرة، ( محمد بن سعيد البوطي ) ، من المعاصرين .

الرسول القائد ، لمحمود شيت خطاب.

وقفات تربوية مع السيرة النبوية، لأحمد فريد، من المعاصرين .


3] الكتاب المقرر وطريقة الدرس:

الكتاب: روضة الأنوار في سيرة النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، مختصر منتقى شامل للسيرة .


كما قال المؤلف في مقدمة الكتاب آخر ص5:

"كتاب جديد في حجم متوسط أجمع فيه ما هو ثابت ومعترف به عند أئمة هذا الفن، مع مراعاة مستوى الناشئين وعامة الدارسين مجتنباً الإجحاف والانحراف" .


مزايا الكتاب:

1. مأمون وموثوق، لأن مؤلفه باحث صاحب باع طويل في هذا الفن.

2. الاختصار والبعد عن الاستطراد.

3. الشمول لأحداث السيرة.

4. رتبه المؤلف على طريقة الأبواب والفقرات، وحشد الكثير من العناوين الفرعية التي تعين على: فهم تسلسل الأحداث، وتكون محطات انتقالية لمتابعة الدرس.


المؤلف:

نسبه:

صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد المباركفوري، من علماء الهند، نسبة إلى مباركفور في الهند .

ولادته:

6 يونيو 1943م


جوانب من سيرة الشيخ العلمية والدعوية:

بعد تعلمه العلم الشرعي قام بالتدريس في المدارس الدينية في الهند، ثم درس في الجامعة السلفية في بنارس بالهند .

في 1396هـ أعلنت رابطة العالم الإسلام بمكة المكرمة عقد مسابقة عالمية حول السيرة النبوية الشريفة، فقام الشيخ بتأليف كتاب: «الرحيق المختوم» وقدمه للجائزة، ونال به الجائزة الأولى في المسابقة .

ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ليعمل باحثاً في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، ثم انتقل إلى مكتبة دار السلام بالرياض، وعمل فيها مشرفاً على قسم البحث والتحقيق العلمي .


مؤلفاته:

للشيخ أكثر من ثلاثين كتاباً باللغتين العربية والأردية مؤلفات عديدة في التفسير والحديث والمصطلح والسيرة، والدعوة .

من أشهرها الرحيق المختوم:

(ترجم لأكثر من خمس عشرة لغة مختلفة) .


وفاته:

توفي الشيخ عقب صلاة الجمعة 10/11/1427هـ في مباركفور بالهند، بعد معاناة مع المرض، جعل الله ذلك كفارة له ورفعاً لدرجته .

***********************

2- الحالة السياسية والدينية والاجتماعية قبل البعثة:

من عادة المؤلفين في السيرة التقديم بهذا الأمر.. لماذا؟

1- معرفة مسرح الأحداث تعين على فهم السيرة والتغيير الذي أحدثته في العالم.

2- لا يعرف النور مَن لم ير الظلام.

كانت الإنسانية قبل بزوغ فجر الإسلام العظيم تعيش مرحلة من أحط مراحل التاريخ البشري في شؤونها الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتعاني من فوضى عامة في كافة شؤون حياتها.


وسنكتفي بذكر:

1] الحالة السياسية .

2] الحالة الدينية .

3] الحالة الاجتماعية .

1] الحالة السياسية:

دولة الروم:

كانت تحكم دول اليونان والبلقان وآسيا وسوريا وفلسطين وحوض البحر المتوسط بأسره, ومصر وكل إفريقيا الشمالية، وكانت عاصمتها القسطنطينية، وكانت دولة ظالمة تمارس الظلم والتعسف على الشعوب.

دولة الغساسنة:

وكانت في جنوب الشام ، وكانت موالية للروم .

دولة الفرس:

حكمت فارس وخراسان والعراق وما جاورها .

الحيرة (جزء من العراق):

حكمها المناذرة العرب ، وكانوا موالين لدولة الفرس .

الحجاز:

حكمتها قبائل العرب:

- القبائل العدنانية: قريش في مكة ، وثقيف في الطائف .

- القبائل القحطانية: الأوس والخزرج في المدينة .

اليمن:

حكمتها الدولة الحميرية الثانية، وفي سنة 523م قاد ذو نُوَاس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل نجران، وحاول صرفهم عن المسيحية قسرًا، ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـوله‏:‏ ‏(قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏) .

وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصارى ، فحرضوا الأحباش، وأعانوهم، فاحتل الأحباش اليمن بقيادة أرياط سنة 525 م، ثم اغتاله أبرهة أحد قواد جيشه ونصب نفسه حاكمًا على اليمن موالياً للنجاشي . 

وبعد وقعة الفيل استنجد أهل اليمن بالفرس، وقاموا بمقاومة الحبشة حتى أجلوهم عن البلاد، ونالوا الاستقلال في سنة 575 م بقيادة معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى، ثم قتل معديكرب وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من الفرس، آخرهم باذان، الذي اعتنق الإسلام سنة 628م .


2] الحالة الدينية:

الأحوال الدينية في جزيرة العرب:

كان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم عليه السلام حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، فسافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك ، فقدم معه بهُبَل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم .


وكانت أكبر الأصنام والأوثان ثلاثة:‏

1- مَناة، كانت لهُذَيْل وخزاعة، في المُشَلَّل على ساحل البحر الأحمر .

2- اللات في الطائف، وكانت لثقيف، بالطائف .

3- العُزَّى بوادى نخلة ، وكانت لقريش وبني كنانة وقبائل أخرى ‏.‏

ويذكر أن عمرو بن لحي كان له رئى من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح ـ ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا ـ مدفونة بجدة، فأخرجها ثم دفعها إلى القبائل في الحج، فانتشرت في الجزيرة .

- فأما ود‏:‏ فكانت لقبيلة كلب، بجَرَش بدوْمَة الجندل .

- وأما سواع‏:‏ فكانت لهذيل بن مُدْرِكة في أرض الحجاز من جهة الساحل .

- وأما يغوث‏:‏ فكانت لبني غُطَيف بالجُرْف عند سبأ .

- وأما يعوق‏: ‏فكانت لهمدان في قرية خَيْوان من أرض اليمن .

- وأما نسر‏:‏ فكانت لحمير لآل ذي الكلاع في أرض حمير‏.‏

ثم انتشرت الأصنام ودور الأصنام في جزيرة العرب، حتى صار لكل قبيلة ثم في كل بيت منها صنم، وبلغت الأصنام في الكعبة 360 صنماً .

وقد تمادى الناس في غيهم هذا حتى يقول أبو رجاء العُطاردى رضي الله عنه‏ كما في البخاري:‏ كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثْوَةً من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به‏.‏


- ومن الطرائف:

أن بني حنيفة اتخذوا إلهاً من حيس، فعبدوه مدة، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه.

فقال الشاعر:

أكلت حنيفة ربَّها

زمن التقحم والمجاعة

لم يحذروا من ربهم

سوء العواقب والتَّباعة

- ومثله ما جاء عن عمر أنه اتخذ إلهاً من تمر، فلما جاع أكله .

- وكان لبني سُليم صنم وله سادن، فجاء السادن يوماً ، فرأى ثعلبين يبولان على الصنم .

فقال:

أربٌّ يبــــــول الثعلبانِ برأسه

لقد ذل من بالت عليه الثعالبُ

فكرة الشرك وعبادة الأصنام نشأت فيهم لما رأوا الملائكة والرسل والنبيين وعباد الله الصالحين، اتخذوهم أولياء، وجعلوهم وسيلة فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورًا وتماثيل، إما حقيقية تطابق صورهم التي كانوا عليها، وإما خيالية .. وربما لم ينحتوا لهم صورًا ولا تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم أماكن مقدسة .

أما عبادتهم لهذه الأصنام والأوثان:

فإنهم كانوا يعكفون عليها ويلتجئون إليها‏.‏‏.‏ ويهتفون بها، ويستغيثونها في الشدائد، وكانوا يحجون إليها ويطوفون حولها، ويتذللون عندها، ويسجدون لها، وكانوا يذبحون وينحرون لها على أنصابها، أنهم كانوا يخصون لها شيئاً من مآكلهم ومشاربهم ، كانوا يخصون لها نصيباً من حرثهم وأنعامهم (البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى) .

وكانت العرب تستقسم بالأزلام، ويؤمنون بأخبار الكهنة والعرافين والمنجمين، وكانت فيهم الطيرة .

ومع هذا.. فقد كان فيهم بقايا مـن ديـن إبراهيم، مثـل:

تعظيم البيت، والطـواف بـه، والحـج، والعمـرة، والـوقوف بعرفة والمزدلفة، وإهداء البدن .


الأحوال الدينية للعالم كله:

ساءت أحوال العالم الدينية في العالم، فالناس إما أنهم ارتدوا عن الدين أو خرجوا منه أو لم يدخلوا فيه أصلا، أو وقعوا في تحريف الديانات السماوية وتبديلها .

وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم إلى عموم هذا الفساد لجميع الأجناس، فقال: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل ما نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم: عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب» .

فاليهودية:

أصبحت مجموعة من الطقوس والتقاليد لا روح فيها ولا حياة.. المجتمع اليهودي قبل البعثة المحمدية قد وصل إلى الانحطاط العقلي من خفة العقل وسخف القول، والاجتراء على الله، والعبث بالحقائق والتلاعب بالدين والعقل .

أما المسيحية:

فقد امتحنت بتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين واختفى نور التوحيد وإخلاص العبادة.. وتحولت البيوت والمدارس والكنائس إلى معسكرات متنافسة وظهرت الوثنية في المجتمع المسيحي.. اندلعت الحروب بين النصارى وكفَّر بعضهم بعضًا، وقتل بعضهم بعضًا .

وأما المجوس:

فقد عرفوا من قديم الزمان بعبادة العناصر الطبيعية, أعظمها النار، وانتشرت بيوت النار في طول البلاد وعرضها, وعكفوا على عبادتها وبنوا لها معابد وهياكل، وكان أهل إيران يستقبلون في صلاتهم النار .

وقد دان المجوس بالثنوية في كل عصر وأصبح ذلك شعارًا لهم، فآمنوا بإلهين اثنين، أحدهما النور أو إله الخير والثاني الظلام أو إله الشر .

أما البوذية:

في الهند وآسيا الوسطى، فقد تحولت وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتبني الهياكل، وتنصب تماثيل بوذا حيث حلت ونزلت .

أما البرهمية:

دين الهند الأصلي، فقد امتازت بكثرة المعبودات والآلهة, وقد بلغت أوجها في تلك الفترة .


3] الحالة الاجتماعية:

هيمنت التقاليد والأعراف على حياة العرب، وأصبحت لهم قوانين عرفية ، ومنها:

1- الاعتزاز الذي لا حد له بالأنساب، والأحساب، والتفاخر بها .

2- الاعتزاز بالكلمة، وسلطانها، لا سيما الشعر .

3- المرأة في المجتمع العربي: كانت عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكان العرب يُعيّرون بالبنات، وكثيرا ما كانوا يختارون دسها في التراب، ووأدها حية .

4 - الحروب، والسطو، والإغارة: كانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، فهم لا يبالون بشن الحروب وإزهاق الأرواح في سبيل الدفاع عن المثل الاجتماعية .

فمن تلك الأيام مثلا يوم البسوس، وقد قامت الحرب فيه بين بكر وتغلب بسبب ناقة وكذلك يوم داحس والغبراء، وقد كان سببه سباقًا أقيم بين داحس وهو فرس والغبراء.


الحالة الأخلاقية: لها جانبان:

1) جانب منحرف:

كانت أخلاق العرب قد ساءت وأولعوا بالخمر والقمار، وشاعت فيهم الغارات وقطع الطريق على القوافل، والعصبية والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، والسرقة والزنا .

2) جانب مشرق: 

وكانت فيهم سمات وخصال من الخير كثيرة أهلتهم لحمل راية الإسلام ومنها:

1- الذكاء والفطنة والحفظ .

2- أهل كرم وسخاء .

3- أهل شجاعة ومروءة ونجدة .

4- عشقهم للحرية والعزة .

5- وإباؤهم للضيم والذل:

قال عنترة:

لا تسقني ماء الحياة بذلة

بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم

وجهنم بالعز أطيب منزل !!!

(وهذا مما لا نوافقه عليه) .

يتبع إن شاء الله...



شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:31 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار   شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Emptyالإثنين 23 يونيو 2014, 7:09 am

5- الوفاء بالعهد وحبهم للصراحة والوضوح والصدق .

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Z

6- الصبر على المكاره وقوة الاحتمال، والرضا باليسير .

7- النسب الشريف / جده قصي:

ولي إسماعيل عليه السلام زعامة مكة ، وكان قد تزوج من جرهم، فلما مات انتقلت زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وكان لأولاد إسماعيل مركز محترم .

ثم ساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها، واستحلوا مال الكعبة.. حتى نزلت قبيلة خزاعة بمكة، فقاموا بمعونة من بطون عدنان بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، واستولت على حكمها .

ولما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة أشياء منها غزالي الكعبة، والحجر الأسود .

واستمرت ‏[‏ولاية‏]‏ خزاعة على مكة ثلاثمائة سنة‏، وانتشر العدنانيون في جزيرة العرب، حتى جاء قصي بن كلاب، فتزوج ابنة زعيم خزاعة حُليل، فلما مات، ووقع بينهم قتال شديد، حتى اصطلحوا، وتغلب قصى على أمر مكة والبيت، وصار هو الرئيس الديني لمكة.

وكان له عدة أعمال منها:

- أنه جمع قومه من منازلهم إلى مكة.. أسس دار الندوة.. كان له اللواء،

والحجابة، وسقاية الحاج، ورفادة الحاج وغيرها .

7- النسب الشريف / جده هاشم:

لما مات قصي انتقل الملك إلى ابنه الأكبر عبد الدار، مع ان عبد مناف كان قد شرف وساد في حياته .

لكن لما مات عبد مناف نافس أبناؤه بنى عمهم عبد الدار في هذه المناصب، وافترقت قريش، وكاد يكون بينهم قتال، ثم وقع الصلح، واقتسم الفريقان المناصب .

فصارت السقاية والرفادة والقيادة إلى بنى عبد مناف، وبقيت دار الندوة واللواء والحجابة بيد بنى عبد الدار‏ .‏

ثم حكم بنو عبد مناف القرعة فيما أصابهم، فصارت السقاية والرفادة لهاشم، والقيادة لعبد شمس .

هاشم:

اسمه عمرو فما سمى هاشمًا إلا لهشمه الخبز، وهو أول مَن أطعم الثريد للحجاج بمكة، وهو أول مَن سن الرحلتين لقريش، رحلة الشتاء والصيف.

وفيه يقول الشاعر:‏

عمرو الذي هَشَمَ الثريدَ لقومه

قَــومٍ بمـكــة مُسْنتِيــن عِجَــافِ

سُنَّتْ إليه الرحلتان كلاهـمــا

سَفَرُ الشتاء ورحلة الأصياف

ومن حديث هاشم أنه خرج إلى الشام تاجرًا، فلما قدم المدينة تزوج سلمى بنت عمرو من بني عدى بن النجار، فحملت بعبد المطلب، ثم خرج هاشم إلى الشام فمات بغزة في فلسطين، وولدت امرأته سلمى عبد المطلب وسمته شيبة؛ لشيبة كانت في رأسه .

7- فائدة (مَن هم آل البيت؟):

عندما يصل الأمر إلى جده هاشم يتعلق به أمرٌ شرعي وهو: مَن هم آل بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟

ما الحكم الشرعي الذي يتعلق بهذا النسب؟ أن الزكاة لا تُعطى إليهم كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه.

الجواب: آل البيت هم بنو هاشم ، لكن هل يضاف لهم غيرهم؟

هاشم بن عبد مناف، وعبد مناف ترك أربعة من الولد، نوفل وعبد شمس والمطلب وهاشم .

سيأتينا بإذن الله أنه لما حاصرت قريشٌ النبي عليه الصلاة والسلام وبني هاشم في شعب بني طالب، انضم إليهم أبناء المطلب، كافرهم ومؤمنهم، أما بنو عبد شمس وبنو نوفل فكانوا مع قريش ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبني هاشم.

هذه الخصيصة لبني المطلب حفظها النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم، فلما كانت غزوة خيبر أعطاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنائم، فجاءه وفدٌ من بني عبد شمس وبني نوفل، جاءه جبير بن مطعم وعثمان رضي الله عنه من بني عبد شمس فقالوا: يا نبي الله إنك أعطيت إخواننا من بني هاشم وهذه لا تثريب فيها؛ لأن الله شرفهم بك، وإنك أعطيت إخواننا من بني المطلب ونحن وإياهم شيءٌ واحد .

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا، إن بني المطلب لم يُفارقونا في جاهلية ولا في إسلام"، وشبك بين أصبعه، -صلى الله عليه وسلم-.

ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن بني المطلب يدخلون في آل البيت لهذا الحديث.

7- النسب الشريف / جده عبد المطلب:

لما مات هاشم صارت السقاية والرفادة إلى أخيه المطلب بن عبد مناف .

لما بلغ عبد المطلب سبع سنين أو ثماني سنين سمع به عمه المطلب، فرحل إلى المدينة وأخذه إلى مكة، وهو رديفه على بعيره، فقال الناس‏:‏ هذا عبد المطلب، فقال‏:‏ ويحكم، إنما هو ابن أخى هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع.. ثم إن المطلب مات في اليمن، فتولى بعده عبد المطلب، وساد في قومه، واشتهر ذكره بين العرب .

ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت شيئان‏:‏

1] حفر بئر زمزم .

2] حادثة الفيل .

8- حفر زمزم:

ذكر الشيخ إبراهيم العلي في كتابه القيم: «صحيح السيرة النبوية» رواية صحيحة في قصة حفر عبد المطلب لزمزم من حديث علي بن أبي طالب -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آتٍ فقال لي: احفر طيبة، قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني.

قال: فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برة، قال: قلت وما برة؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة. قال: قلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب.

فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم .

قال: قلت: وما زمزم؟ قال لا تَنزِف أبدأ ولا تُذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم (في ساقيه بياض)، عند قرية النمل .

قال: فلما بيَّن شأنها، ودل على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعول (أي فأس) ومعه ابنه الحارث فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطيّ (حافة البئر) كبر، فقالت قريش: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، فأشركنا معك فيها.

قال: ما أنا بفاعل، فاختلفوا، ثم اتفقوا على الاحتكام إلى كاهنة بني سعد بأشراف الشام.

فركبوا إليها، ونفد ماء عبد المطلب وأصحابه، فاستسقى الآخرين من قريش فأبوا، وقالوا: إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فقال عبد المطلب: إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه، فحفروا ثم قعدوا ينتظرون الموت، ثم إن عبد المطلب قال: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لعجز، ارتحلوا، فارتحلوا فانفجر الماء تحت خف راحلة عبد المطلب، فكبر عبد المطلب، وكبر أصحابه، وشربوا، وملأوا أسقيتهم، ثم دعا قبائل قريش فقال: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاءوا فشربوا، واستقوا، ثم قالوا: قد والله قضى لك علينا، والله ما نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فخلوا بينه وبين زمزم .

وحينئذ نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء يمنعونه، لينحرن أحدهم عند الكعبة .

9- حادثة الفيل:

وفيها أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء سماها القُلَّيَس، وزعم أنه يصرف إليها حج العرب، فسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة‏ .‏

فغضب أبرهة، وسار بجيش عرمرم -عدده ستون ألف جندى- إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلاً من أكبر الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلاً.

لما سار أبرهة خرج إليه ذو نفر (ملك من ملوك حمير) فقاتله هو وقومه، فهزمه أبرهة .

ثم سار إلى مكة، فلما دنا من بلاد خثعم, خرج إليه النفيل بن حبيب الخثعمي ومَن معه من القبائل فقاتلوه فهزمهم ، فقال النفيل: أيها الملك... إني عالم بأرض العرب فلا تقتلني، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاستبقاه وخرج معه يدله .

حتى إذا بلغ الطائف خرج إليه رجال من ثقيف فقالوا: أيها الملك نحن عبيد لك ليس لك عندنا خلاف، وليس بيننا وبينك الذي تريد -يعنون اللات- إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك مًن يدلك عليه، فبعثوا معه مولى لهم يقال له أبو رغال فخرج معهم حتى إذا كان بالمغمس (مكان قرب مكة في طريق الطائف) مات أبو رغال، فكانت العرب ترجم قبره .

لما نزل أبرهة في المغمس أصابت خيله مائتي بعير لعبد المطلب بالأرك، ثم أرسل إلى عبد المطلب أنه لم يأت لقتال ، إنما جاء لهدم هذا البيت .

فجاء عبد المطلب ودخل على أبرهة، وكان عبد المطلب رجلاً عظيمًا جسيمًا وسيمًا، فلما رآه أبرهة عظمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط فجلس عليه معه، فقال له عبد المطلب: أيها الملك إنك قد أصبت لي مالاً عظيماً فاردده علي، فقال له: لقد أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت فيك، قال: ولِمَ؟ قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وعصمتكم ومنعتكم فأهدمه فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير؟ .

قال: أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه، قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك، قال: فأمر بإبله فردت عليه .

خرج عبد المطلب من أبرهة، وأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده.

فقال عبد المطلب:

لا هم إن العبد يمـنع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم ومِحالهم غَدْوًا مِحالك

إن كنت تاركَهم وقبلــتنا فأمرٌ ما بَدَا لك

ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومَن معه من قريش إلى شغف الجبال فتحرزوا فيها.

أراد أبرهة التحرك من المغمس إلى الكعبة، فلما قرّب الفيل وحمل عليه لم يتحرك، فحركوه وضربوه في رأسه وأدخلوا فيه المحاجن فلم يتحرك، ثم وجهوه إلى اليمن فهرول، فأعادوه إلى الحرم فوقف، ثم فر الفيل إلى أحد الجبال .

وبينما أبرهة وجنوده كذلك، أرسل الله عليهم الطير الأبابيل من البحر، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، ويحملن أمثال الحمص والعدس من الحجارة, فألقت الحجارة عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك، ثم بعث الله على أبرهة داءً في جسده، تتساقط منه أنامله، ويتقطع منه جسمه، حتى وصل اليمن وهو مثل فرخ الطير ثم مات .

ولهذا جاء في البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خرج زمن الحديبية سار حتى إذا كان بالثنيَّة (المطلة على الحديبية) بركت راحلته فقال الناس: خلأت القصواء! (أي امتنعت عن السير)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل».

يعني حبسها الله عن دخول مكة، كما حبس الفيل.. يعني أن الأمرين فيهما سفك للدماء، ووقوع مفاسد، وذهاب مصالح، كما قال تعالى: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)، ولله الحكمة في أمره كله .

10- المولد:

مكان المولد اليوم:

يقال: إنه ولد في شعب أبي طالب قرب سوق الليل، وهو مكان مكتبة الحرم اليوم.

والعجب أن بعض الناس عيّنوا محلاً من الدار مقدار مضجع، وقالوا: هذا موضع ولادته صلى الله عليه وسلم .

ثم وقعت الفتنة لبعض الجهلة فوقعوا في تجاوزات شرعية وأعمال بدعية عند المكتبة من التمسح والتبرك بالمكان .

نحن نقول أولاً هل لهذا التحديد مستند صحيح؟

الحقيقة أن نسبة مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المكان محل شك لدى كثير من العلماء .

ولمغلطاي العالم الحنفي المصري مؤلف في السيرة في مكتبة الحرم المكي هو كتاب: "الإشارة إلى سيرة المصطفى، وتاريخ من بعده من الخلفاء"(1) ورد فيه: (وُلد صلى الله عليه وسلم بمكة، في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، ويقال: بالشِّعب، ويقال بالرَّدم، ويقال: بعُسفان).

وقال الإمام السهيلي (581-508) في كتاب: "الروض الأنف": وولد بالشِّعب، وقيل: بالدار التي عند الصفا، وكانت بعد لمحمد بن يوسف أخي الحجاج .

وقد ألقى الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- "علامة الجزيرة في التاريخ" محاضرة في (جامعة أم القرى) بمكة سنة 1402هـ، أبطل فيها كل هذه الدعاوى .

قال الجاسر: "وهذا الاختلاف في الموضع الذي وُلد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- يحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد لا يقوم على أساس تاريخي صحيح" .

ومن العجيب أن أحد الدكاترة في جريدة عكاظ ناشد الدولة في عدة مقالات إلى إحياء تلك الأماكن التاريخية، ودعا الى بناء المكان الذي ولد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولا شك أن هذا الكلام يخالف الأدلة الشرعية.. ومنهج سلف الأمة ويترتب عليه غلو الجهال في هذه الآثار ، مشابهة اليهود والنصارى في تعظيمهم لآثار أنبيائهم وصالحيهم .

الآثار في مكة:

1 - مشاعر العبادة المقدسة، في مكة ومِنَى ومزدلفة وعرفات، ومواقيت الحج المكانية، وقد تكفل الله بصيانتها وحفظها، لارتباطها بما تعبّد عباده بالقيام به من أنواع العبادة.

2 - ونوع آخر من الآثار، له ارتباط بحياة مَن عاش على تراب هذه البلدة الطاهر، كالمساجد والموالد والقبور .

الأمر الهام الذي يقوم عليه منهج أهل السنة تجاه هذه الآثار ((قاعدة هامة)):

أن سلفنا الصالح في القرون الثلاثة المفضلة الأولى ما كانوا يهتمون بالمحافظة على آثارهم، ولا يعتنون بتحديد مواقعها أو أزمانها، بل كانوا في كثير من الأحيان عندما يخشون المبالغة في تعظيمها يسعون لإزالتها، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى الناس ينتابون بالزيارة شجرة الرضوان، التي بايع المسلمون المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تحتها، وأنزل الله في تلك البيعة قوله عز وجل: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) فأمر الفاروق رضي الله عنه بقطعها.

- من أسباب فتنة الناس بالأماكن:

1] تساهل العلماء في رواية ما يتعلق بفضائل المواضع أثر في حدوث كثير من الآثار .

2] التنافس بين أهل المدن في بعض الأحيان زاد تلك الفضائل كثرة وشهرة .

12- الرضاع في بني سعد:

كانت حليمة تحدث‏:‏ أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء‏.‏

قالت‏:‏ وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا (قحط وجدب)، قالت‏:‏ فخرجت على أتان لى قمراء (شديدة البياض)، ومعنا شارف لنا (ناقة مسنة)، والله ما تَبِضّ بقطرة (يخرج منها)، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يُغنيه، وما في شارفنا ما يُغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أدمت بالركب (حبستهم) حتى شق ذلك عليهم، فقدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتأباه، إذا قيل لها‏:‏ إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول‏:‏ يتيم‏!‏ وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى‏:‏ والله، إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه‏.‏

قال‏:‏ لا عليكِ أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة‏.‏

قالت‏:‏ فذهبت إليه وأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، قالت‏:‏ فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، قالت‏:‏ يقول صاحبى حين أصبحنا‏:‏ تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذتِ نسمة مباركة، قالت‏:‏ فقلت‏:‏ والله إنى لأرجو ذلك‏.‏

قالت‏:‏ ثم خرجنا وركبت أنا أتانى، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى‏:‏ يا ابنة أبي ذؤيب، ويحكِ‏!‏ ارْبَعي علينا، أليست هذه أتانكِ التي كنت خرجتِ عليها‏؟‏

فأقول لهن‏:‏ بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن‏:‏ والله إن لها شأنًا.

ما الذي حدث بعد وصولهم إلى بني سعد؟:

قالت حليمة‏:‏ ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنـًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم‏:‏ ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعًا لبنًا‏.‏

فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا ‏(ممتلئاً).‏

قالت‏:‏ فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها‏:‏ لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت‏:‏ فلم نزل بها حتى ردته معنا‏.

12- الرضاع في بني سعد:

دروس وفوائد:

1. بركة النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة حليمة:

فقد ظهرت هذه البركة على حليمة السعدية في كل شيء.. في إدرار ثدييها بالحليب.. في سكون الطفل ولدها.. في حمارتها.. في مراعيها وغنمها .

كانت هذه البركات من أبرز مظاهر إكرام الله له، وأكرم بسببه بيت حليمة السعدية التي تشرفت بإرضاعه، فيُحب أهل البيت هذا الطفل ويحنوا عليه ويحسنوا في معاملته.

2. خيار الله للعبد أبرك وأفضل:

اختار الله لحليمة هذا الطفل اليتيم وأخذته على مضض؛ لأنها لم تجد غيره، فكان الخير كل الخير فيما اختاره الله، وبانت نتائج هذا الاختيار مع بداية أخذه وهذا درس لكل مسلم بأن يطمئن قلبه إلى قدر الله واختياره .

3. أثر البادية في صحة الأبدان وصفاء النفوس، وذكاء العقول:

وإنها لتعاسة أن يعيش أولادنا في بيوت أو شقق ضيقة متلاصقة كأنها صناديق أغلقت على من فيها .

وتعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بادية بني سعد اللسان العربي الفصيح، وأصبح فيما بعد من أفصح الخلق، وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله ما رأيت أفصح منك، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «وما يمنعني وأنا من قريش وأرضعت في بني سعد» .

4. يستفاد من حادثة شق الصدر:

أن التطهير من حظ الشيطان هو إرهاص مبكر للنبوة، وإعداد للعصمة من الشر وعبادة غير الله، فلا يحل في قلبه إلا التوحيد الخالص.

- ولهذا إذا أردنا أن تحيا قلوبنا بالإيمان والتوحيد ونتلذذ بذكر الله والتعلق به فلنطهر قلوبنا من الذنوب والأمراض.. حتى تتأهل للترقي في مدارج الإيمان .

13- إلى أمه الحنون / وفاة أمه:

دروس في حكمة اليتم:

1- أن الله جلّ وعلا لحكمةٍ أرادها أن يعيش نبيه -صلى الله عليه وسلم- يتيمًا حتى تكتمل عليه مِنَّةُ الله، والله إذا أراد أن يمُنَّ على عبدٍ من عباده بشيء جنبه الناس، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام همَّ قومه بأن يلقوه في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.. وكان ملك المطر يطأطأ رأسه ينتظر متى يؤمر أن ينزل القطر، ولكن الله جلّ وعلا إكرامًا لإبراهيم خاطب النار بذاته العلية بقوله: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ .

خرج وليس لأحدٍ من أهل الأرض عليه مِنَّة صلوات الله وسلامه عليه إلا مِنَّة الله، وهذه منزلة لا ينالها الإنسان إلا إذا بلغ درجة عظيمة في العبودية، فإن الإنسان إذا تحرر قلبه من غير الله كان أقرب إلى الله .

وهذا هو المقصود الأسمى من كونه -صلى الله عليه وسلم- نشأ يتيمًا لم يرعاه أبٌ حتى إذا بلغ النبوة نسب الناس نبوته إلى أبيه، ولم ترعاه أمه حتى إذا بلغ المجد نسب الناس رعايته وتربيته إلى أمه، قال الله جلّ وعلا مُمتنًا عليه: ﴿ألم يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ .

2- حياة اليتم والحرمان لا يعرفها إلا مَنْ ذاقها، وهي مما يرقق القلب، ويشعره بالرحمة والإنسانية تجاه المساكين والمحرومين .

يتبع إن شاء الله...



شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:34 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار   شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Emptyالإثنين 23 يونيو 2014, 7:20 am

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Images?q=tbn:ANd9GcSdMvyhdgVqU51BPUne1HXXm06MsOoB5--QHFFu3cEE7rbaDZZb

15- إلى عمه الشفيق:

كانت قريشٌ تطلب من أبي طالبٍ أن يستسقي لهم إذا أجدبت الديار -كما نقل ابن عساكر في تاريخ دمشق- فجاء أبو طالبٌ وحمل النبي -صلى الله عليه وسلم-، -وكان يومئذٍ صغيرًا أبيضًا- فألصقه بجدار الكعبة، فلما ألصقه بجدار الكعبة أشار -صلى الله عليه وسلم- بإصبعه إلى السماء وهو صبي، فجاء السحاب من كل مكان فسُقوا حتى سال الوادي.

فقال أبو طالبٌ في لاميته بعد ذلك:

وأبيضَ يُستسقَى الغمام بوجهه

ثِمال اليتــــامى عصمةٌ للأرامل

ثِمال: أي ملجأ ومعين اليتامى.

عصمة للأرامل: أي يمنعهم مما يضرهم.

وَهَذَا الْبَيْت مِنْ قَصِيدَة لِأَبِي طَالِب ذَكَرَهَا اِبْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة بِطُولِهَا, وَهِيَ أَكْثَر مِنْ ثَمَانِينَ بَيْتًا, قالها أبو طالب بعد البعثة عندما كان عادته قريش لحمايته النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يقول فيها لقريش:

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّه نَبْزِي مُحَمَّدًا

وَلَمَّا نطَاعِن حَوْله وَنُنَاضِل

وَنُسْلِمهُ حَتَّى نُصَرَّع حَوْله

وَنُذْهَل عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِل

حتى قال:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَام بِوَجْهِهِ

ثِمَال الْيَتَامَى عِصْمَة لِلْأَرَامِلِ

يَلُوذ بِهِ الْهُلَّاك مِنْ آل هَاشِم

فَهُمْ عِنْده فِي نِعْمَة وَفَوَاضِل

18- حلف الفضول:

كان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار، وسببه أن رجلا من زَبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة .

ونادى بأعلى صوته:

يا آل فــهر لمظلومٍ بضاعته

ببطن مكة نائي الدار والنفرِ

ومحرمٍ أشعثٍ لم يقض عمرته

يا لَلرجال وبين الحِجر والحَجَرِ

إن الحرام لمن تمت كرامته

ولا حرام لثوب الفاجر الغُدَرِ

فقام الزبير بن عبد المطلب فقال:

ما لهذا مترك.

فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه ما بل بحرٌ صوفة، وما بقي جَبَلا ثبير وحراء مكانهما.

ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه.

دروس وفوائد:

1- إن العدل قيمة عظيمة في حياة الأمم، ولهذا أظهر الرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتزازه بالمشاركة في هذا الحلف حتى لو صدر من أهل الجاهلية .

2- شيوع الفساد في نظام أو مجتمع لا يعني خلوه من أي فضيلة, فمكة مجتمع جاهلي، ومع هذا كان فيه رجال أصحاب نخوة ومروءة يكرهون الظلم ولا يقرونه، وفي هذا درس عظيم للدعاة في مجتمعاتهم أن يستفيدوا من هذه الجوانب الإيجابية في الدعوة .

3- جواز التحالف والتعاهد على فعل الخير (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، ويجوز للمسلمين أن يتعاقدوا مع الكفار عليه .

19- حياة العمل:

دروس وفوائد:

1) التربية الجادة:

لقد كان سهلاً على الله أن يهيئ للنبي -صلى الله عليه وسلم- أسباب الرفاهية ووسائل العيش ما يُغنيه عن الكدح ورعاية الأغنام سعيًا وراء الرزق .

ولكن الحكمة الربانية اقتضت أن تتهيأ النفس لتحمل المهمة العظيمة بالتربية الجادة، وأن تعلم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بكد يمينه .

مصيبتنا اليوم، من هزالة التربية، وميوعة الشباب، والانغماس في الترف .

2) في رعي الغنم عدة خصال تربوية وقيادية منها:

1- الصبر:

على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظراً لبطء الغنم في الأكل الراعي لا يعيش في قصر منيف، وإنما يعيش في جو حار شديد الحرارة، وبخاصة في الجزيرة العربية، ويحتاج إلى الماء الغزير ليذهب ظمأه، وهو لا يجد إلا الخشونة في الطعام وشظف العيش .

الذي لا يصبر لا يصلح . 

2- التواضع:

إذ طبيعة عمل الراعي خدمة الغنم, والإشراف على ولادتها، والقيام بحراستها والنوم بالقرب منها، وربما أصابه ما أصابه من رذاذ بولها أو شيء من روثها، وهذا يبعد عن نفسه الكبر .

3- الشجاعة:

فطبيعة عمل الراعي الاصطدام بالوحوش المفترسة .

4- الرحمة والعطف:

إن الراعي يقوم بمقتضى عمله في مساعدة الغنم إن هي مرضت أو كُسرت أو أصيبت .

3) أن العمل وطلب الرزق ليس عيباً ، ولو كان عملاً متواضعاً كرعي الغنم .

20- تجارته وزواجه بخديجة:
دروس وفوائد:

1- إن الأمانة والصدق أهم مواصفات التاجر، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء، صححه الألباني .
2- من توفيق الله تعالى زواج الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من السيدة خديجة، تعيش همومه، وتعينه وتؤازره، وتخفف عنه ما يصيبه، وتعينه على حمل تكاليف الرسالة .
خديجة مثلٌ طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم، وإن أصحاب الرسالات العظيمة هم أحوج ما يكونون إلى مَن يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه .
3- كان عُمْرُ خديجة أربعون سنة، لم يكن هم النبي -صلى الله عليه وسلم- المتعة الجسدية ومكملاتها كبقية الشباب، وإنما رغب فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- لشرفها ومكانتها، فقد كانت تلقب في الجاهلية بالعفيفة الطاهرة .
وفي هذا ما يلجم ألسنة وأقلام الحاقدين على الإسلام من المستشرقين والعلمانيين, الذين صوروا النبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة الرجل الشهواني الغارق في لذاته وشهواته، الذي تزوج كثيراً من النساء، حاشاه –صلى الله عليه وسلم- .
النبي -صلى الله عليه وسلم- عاش إلى الخامسة والعشرين من عمره في بيئة جاهلية، عفيفَ النفس، ثم تزوج من امرأة لها ما يقارب ضعف عمره، حتى توفيت خديجة -رضي الله عنها- عن خمسة وستين عاماً، وقد ناهز النبي عليه الصلاة والسلام الخمسين من العمر دون أن يفكر خلالها بالزواج بأي امرأة أخرى.


دروس وفوائد من حادثة تجديد بنيان الكعبة والحجر الأسود:
1) بنيت الكعبة خلال الدهر كله أربع مرات على يقين:
1- فأما المرة الأولى منها:
فهي التي قام بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يعينه ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
2- والثانية:
فهي تلك التي بنتها قريش قبل البعثة، واشترك في بنائها النبي -صلى الله عليه وسلم- .
3- والثالثة:
عام 64 أو 65هـ عندما أعاد ابن الزبير بناءها.
فباشر في رفع بناء البيت، وزاد فيه الأذرع الستة التي أخرجت منه، وزاد في طوله إلى السماء عشرة أذرع وجعل له بابين لحديث عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم) .
4- وأما الرابعة:
عام 73هـ في زمن عبد الملك بن مروان بعدما قتل ابن الزبير, حيث أعادها الحجاج على ما كان عليه زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- .. وبقيت عليه حتى زمننا هذا .
2) طريقة فض التنازع كانت موفقة وعادلة، دلت على ذكائه -صلى الله عليه وسلم- وأثبتت رجحان عقله.
وحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة شرفان:
1- شرف فصل الخصومة ووقف القتال المتوقع بين قبائل قريش .
2- شرف تنافس عليه القوم وادخره الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ألا وهو وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين .


23- سيرته قبل البعثة:
1) هل النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الكبائر والصغائر قبل البعثة وبعدها؟
1- أما الكفر فقد أجمع العلماء على أنه -صلى الله عليه وسلم- معصوم عنه قبل البعثة وبعدها .
2- أما الكبائر فقد نص العلماء على عصمته منها بعد البعثة، أما قبل البعثة فمحل نظر، وذكر بعض العلماء أنه لا يمنع وقوعها منه قبل البعثة، لكن الوقائع التاريخية في السيرة تدل على عصمته منها قبل البعثة أيضاً .
فإنه عصم عن سماع وحضور أعراس الجاهلية، ولم يمس صنماً قط، ولم يكن يأكل مما يذبح على النصب، ولم يكن يحلف بالأصنام بل يكره ذلك .
3- وأما الصغائر فتجوز عنه قبل البعثة وبعدها .
2) لا بد للداعية من معايشة الناس، ومعرفة الواقع الذي يعيش فيه، لأن معرفة الداء سبيل لمعرفة الدواء.. كما وقع له من معرفة أحوال قريش، وتجارب السفر والتجارة.
لكن، لابد للمعايشة من البصيرة، والحذر من التنازلات غير المحسوبة، ولابد من التفريق بين المداهنة والمداراة .
3) كون الداعية لم يعرف بجاهلية سابقة، هذا هو الأكمل، لأنه هو صاحب الدعوة وهو القدوة، حتى لا يستطيل أهل المنكرات في عرضه، ويحتجون عليه بما كان يفعله في الماضي.. كما قال فرعون لموسى عليه السلام: (وفعلت فعلتك التي فعلت وكنت من الكافرين) أي قتل الرجل .
ولكن هل هذا شرط للدعوة؟ هل يقدح في الداعية أنه كان ضالاً فتاب؟:
الجواب لا، لأن العبرة شرعاً وعقلاً بحاضر الداعية لا بماضيه متى ما تركه وصدق في التوبة.. وتأمل حال الصحابة وهم أفضل القرون، كيف كانوا في الجاهلية .


24- بداية النبوة ونزول الوحي:
أبيات ورقة:
لَجـِجت وكنت في الذكرى لجوجًا
لَهمٍّ طالما بعث النَّشيجا
ووصفٍ من خديجة بعد وصفٍ
فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكَّتين على رجائي
حديثَك أن أرى منه خروجاً
بما خَبرَّتِنا من قول قَسٍ
من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدًا سيسود فينا
ويَخْصِم من يكون له حجيجاً


دروس وفوائد:
1) في تعبده -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء درس في تربية الروح، وتفريغ القلب والعقل.. والانقطاع عن مشاغل الحياة ومخالطة الخلق، والتفرغ لمناجاة مبدع الكون وخالق الوجود .
قيل إنه كان يتعبد بما بقي من شرائع الأنبياء السابقين.. لكن من الظاهر أنه كان يتعبد بالتفكر في بديع ملكوت السماوات، والنظر في آياته الكونية، ومكان الغار يبعث على التأمل والتفكر، وأنت فوق الجبل لا ترى حولك إلا جبالاً ساجدة متطامنة لعظمة الله، ولا ترى فوقك إلا سماء عظيمة صافية .
وقد أخذ بعض أهل السلوك من ذلك, فكرة الخلوة مع الذكر والعبادة في مرحلة من مراحل السلوك، لتنوير القلب وإزالة ظلمته وإخراجه من غفلته وشهوته وهفوته.
ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يُحافظ على سنة الاعتكاف في رمضان، وشرعها للأمة لتنقية الشوائب التي تعلق بالنفوس والقلوب .
وليس المراد العزلة الدائمة ، بل العزلة التربوية المؤقتة .
2) الشرف العظيم على محمد وأمته بنزول الوحي، نزل جبريل بالوحي من الله ليعطيه أعظم شرفٍ على الإطلاق وهو أنه خاتم النبيين، كان رجلاً من عامة الناس، ما بين هذه اللحظة وهذه اللحظة أصبح خاتم الأنبياء وسيد المرسلين .


ما حقيقة هذا الحادث الذي تم في هذه اللحظة؟:
حقيقته أن الله جل جلاله، العظيم الجبار القهار المتكبر، مالك الملك كله، قد تكرم -في عليائه- فأراد أن يرحم هذه الخليقة المسماة بالإنسان، باختيار واحد منها ليكون مهبط كلماته، ومستودع حكمته .
3) كانت بداية الوحي الإلهي فيها إشادة بالقلم وخطره، والعلم ومنزلته, في بناء الشعوب والأمم .
الإسلام يحث على العلم ويأمر به ويرفع درجة أهله، ولهذا كانت أول كلمة في النبوة تصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي الأمر بالقراءة (اقْرَأْ).. فهل نحن نقرأ ونتعلم؟


4) أنواع الوحي كما ذكر ابن القيم في الزاد:
1- الرؤيا الصادقة:
وكانت مبدأ وحيه، وقد جاء في الحديث «رؤيا الأنبياء وحي» .
2- الإلهام:
وهو أن ينفث الملك في روعه  -أي قلبه من غير أن يراه- كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب».
3- أن يأتيه مثل صلصلة الجرس:
أي مثل صوته في القوة، وهو أشده، كما في حديث عائشة: أن الحارث –رضي الله عنه- سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد علي, فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيُكلمني فأعي ما يقول».
4- ما أوحاه الله تعالى إليه، بلا وساطة ملك:
كما كلم الله موسى بن عمران عليه السلام، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإسراء .
5- أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها:
فيوحي إليه .
6- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتمثل له الملك رجلاً:
فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا .
5) في إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- لخديجة، وتطمينها له بقولها: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم... الخ .
قال ابن حجر:
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ الْفَوَائِد اِسْتِحْبَاب تَأْنِيس مَنْ نَزَلَ بِهِ أَمْر بِذِكْرِ تَيْسِيره عَلَيْهِ وَتَهْوِينه لَدَيْهِ, وَأَنَّ مَنْ نَزَلَ بِهِ أَمْر اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُطْلِع عَلَيْهِ مَنْ يَثِق بِنَصِيحَتِهِ وَصِحَّة رَأْيه .
6) أثر المرأة الصالحة في خدمة الدعوة:
كان موقف خديجة رضي الله عنها يدل على قوة قلبها، حيث لم تفزع من سماع هذا الخبر، واستقبلت الأمر بهدوء وسكينة، ويدل على سعة إدراكها، حيث قارنت بين ما سمعت, وواقع النبي -صلى الله عليه وسلم-, فأدركت أن من جُبـِـل على مكارم الأخلاق لا يخزيه الله أبدًا .
وقد وزنت الحادثة بإيمانها الفطري، ومعرفتها بسنن الله تعالى في خلقه، وإلى يقينها بما يملك محمد -صلى الله عليه وسلم- من رصيد الأخلاق، ثم عرضت الأمر على ابن عمها العالم الجليل ورقة بن نوفل، وكان لحديث ورقة أثر طيب في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه .
لقد قامت خديجة رضي الله عنها بدور مهم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفقه الله تعالى إلى هذه الزوجة المثالية، وأصبحت مثالاً حسناً, وقدوة رفيعة لزوجات الدعاة، فالداعية إلى الله ليس كباقي الرجال الذين هم بعيدون عن أعباء الدعوة.. إنه صاحب همٍّ ورسالة.. وهذا الواجب يتطلب وقتًا طويلاً يأخذ عليه أوقات نومه وراحته، وأوقات زوجته وأبنائه، ويتطلب تضحية بالمال والوقت والدنيا.. فهو يحتاج إلى زوجة تدرك واجب الدعوة وأهميته .


25- القيام بالدعوة:
دروس وفوائد:
1) قُمْ فَأَنْذِرْ.. كانت هذه الآيات المتتابعة إيذانًا للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه، وأنه أمامه عمل عظيم, يستدعي اليقظة والتشمير، والإنذار والإعذار، فليحمل الرسالة، وليوجه الناس .
2) تحرك أبي بكر -رضي الله عنه- في الدعوة إلى الله تعالى يوضح صورة المؤمن الذي لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يُحقق في دنيا الناس ما آمن به .
وقد بقي نشاط أبي بكر وحماسته لم يفتر أو يضعف إلى أن توفاه الله جل وعلا .
3) وفي موقف أبي بكر فائدة أخرى وهي عامل من عوامل نجاح الداعية وهي جاهه ومكانته وعلاقاته في المجتمع واختلاطه بالناس .
قال ابن إسحاق في أبي بكر:
(وكان رجال من قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحُسن مجالسته).
إذن.. أصحاب الجاه لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة، ولهذا كان أثر أبي بكر -رضي الله عنه- في الإسلام أكثر من غيره .
4) الشباب هم حملة الرسالة، وعماد الدعوة:
عندما تحرك في دعوته للإسلام استجاب له صفوة من شباب مكة أسلموا على يد أبي بكر، كم كانت أعمارهم؟
● عثمان بن عفان -رضي الله عنه- 34 .
● عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- 30 .
● سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- 17 .
● الزبير بن العوام -رضي الله عنه- 12 .
● طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- 13 .
كان هؤلاء الأبطال الخمسة وغيرهم من شباب مكة، الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة..
إذا أردنا للأمة النهوض نقول:
أين شبابنا اليوم؟ هل يستشعرون الهم؟
5) كانت الدعوة في هذه المرحلة سرية 3 سنوات.. هذا يدعون إلى سؤال:
هل السرية منهج ثابت لا بد منه، أو التقيد بمداها الزمني 3 سنوات؟
الجواب:
لا.. السرية كانت مرحلة اقتضتها ظروف وواقع الدعوة.. وليست أمراً حتمياً على كل مَن أراد أن يقوم بالدعوة في كل مجتمع .
الأحوال تختلف.. هناك مجتمعات تقتضي ظروفها الكتمان والسرية كما وقع في بعض الدول الشيوعية وبعض الدول التي خضعت للاتحاد الروسي.. وهناك دول أخرى فيها من الحرية ما لا يقتضي السرية .
6) فقه النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع السنن:
إن بناء الدول وتربية الأمم, والنهوض بها يخضع لقوانين وسنن .
وعند التأمل في سيرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- نراه قد تعامل مع السُنن والقوانين بحكمة وقدرة فائقة.. كأهمية القيادة في صناعة الحضارات، وأهمية الجماعة المؤمنة المنظمة.. وأهمية المنهج الذي تستمد منه العقائد والأخلاق والعبادات .
ومن سُنن الله الواضحة فيما ذكر سُنة التدرج، وهي من السُّنن الهامة التي يجب على الأمة أن تراعيها وهي تعمل للنهوض والتمكين لدين الله .
ولهذا بدأت الدعوة الإسلامية الأولى متدرجة.. بمرحلة الاصطفاء والتأسيس، ثم مرحلة المواجهة والمقاومة، ثم مرحلة النصر والتمكين .
من الخطأ أن بعض العاملين يظنون أن التمكين وتغيير واقع الأمة ربما يتحقق في طرفة عين!!! وهذا محال .
لا يمكن أن نقيم مجتمعًا إسلاميًا حقيقًا، بقرار يصدر من رئيس, أو ملك, أو من مجلس برلماني، إنما يتحقق ذلك بطريق التدرج، أي بالإعداد، والتهيئة الفكرية والنفسية والاجتماعية.
وهو نفس المنهج الذي سلكه النبي -صلى الله عليه وسلم- لتغيير الحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية، فقد ظل ثلاثة عشر عامًا في مكة، كانت مهمته الأساسية فيها تنحصر في تربية الجيل المؤمن, الذي يستطيع أن يحمل عبء الدعوة، وتكاليف الجهاد لحمايتها ونشرها في الآفاق، ولهذا لم تكن المرحلة المكية مرحلة تشريع بقدر ما كانت مرحلة تربية وتكوين .


26- الجهر بالدعوة / الدعوة في الأقربين –  دعوة قريش كلها:
دروس وفوائد:
1) (وأنذر عشيرتك الأقربين):
أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه.. والأقربون أولى بالمعروف، ودعوته أوجب من دعوة غيرهم.. وبعض الشباب نشيط في الدعوة إلا في أهله، ربما تهاوناً، وربما حياءً وخجلاً   .
2) حكمته -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة، عندما جمع قومه وقبيلته، على الصفا وهو مكان مرتفع أدعى لوضوح رؤية المخاطبين له، ووصول صوته لهم (كمحطة إرسال) .
وعندما تكلم بدأ دعوته بتقرير صدقه وشفقته عليهم، ثم صرح بالدعوة بعد تسليمهم بصدقه .
وهذا من باب الاستدلال بالأمر المعلوم الذي تمت القناعة به على الأمر الجديد الذي يدعو إليه .


28- سُبُل مواجهة الدعوة / تعذيب المسلمين:
قصة ضرب أبي بكر:
روت عائشة -رضي الله تعالى عنها-, أنه لما اجتمع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر -رضي الله عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهور، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا بكر إنا قليل» فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله .
فثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، وضربوهم في نواحي المسجد ضربًا شديدًا، ووُطئ أبو بكر وضُرب ضربًا شديدًا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه في وجهه بنعلين وصعد على بطن أبي بكر -رضي الله عنه-، حتى ما يُعرف وجهه من أنفه، حتى جاءت بنوا تيم -قوم أبي بكر- فأبعدوا المشركين عن أبي بكر، ثم حملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، وهم لا يشكون في موته، قالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة .
ثم جعل أبو قحافة (والده) وبنوا تيم يُكلمون أبا بكر، فلم يتكلم إلا آخر النهار، فقال: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟.. فتكلموا عليه بألسنتهم وعذلوه، ثم قال لأمه أم الخير: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألكِ عن محمد بن عبد الله. 
فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم، فمضت معها، فلما دخلت على أبي بكر، ورأته طريحاً صاحت، وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، إنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، فقال أبو بكر: فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح. 
قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فانتظرت أمه وأم جميل حتى إذا هدأت الحركة وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأكب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها, وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها, عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ودعاها إلى الله فأسلمت .


دروس وفوائد من هذه القصة:
أ- شجاعة أبي بكر -رضي الله عنه- وقوة إيمانه بحرصه على إعلان الإسلام، وإظهاره أمام الكفار .
ب- الحب الذي كان يكنه أبو بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه وهو في تلك الحال الحرجة لم يعد يُفكر ولا يهتم إلا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- .
وكل مُصاب في سبيل الله ومن أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هينٌ ويسير .
ج- العصبية القبلية كان لها دور في توجيه الأحداث والتعامل مع الأفراد حتى مع اختلاف العقيدة، ولهذا هدد بنو تيم قبيلة أبي بكر بقتل عتبة إن مات أبو بكر .
د- الحس الأمني لأم جميل -رضي الله عنها- المتمثل في إخفاء الشخصية والمعلومة عن طريق الإنكار.. عندما أنكرت أنها تعرف أبا بكر أومحمداً -صلى الله عليه وسلم-.. وعندما سألها أبو بكر -رضي الله عنه-, عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت له: «هذه أمك تسمع؟» زيادة في الحيطة والحذر.. ثم تأخرت عن الاستجابة، حتى إذا هدأت الحركة .
هـ- قانون المنحة بعد المحنة، حيث أسلمت أم الخير أم أبي بكر بعد تعذيبه, بسبب رغبة الصديق في إدخال أمه إلى حظيرة الإسلام، ودعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- لها .


دروس وفوائد من تعذيب المؤمنين:
1) الابتلاء.. سُنَّة الله في عباده المؤمنين .
لماذا الابتلاء؟ أليس الله بقادر على أن ينصر دينه ويُعز أولياءه ويُهلك أعداءه بكلمة واحدة؟.. هذه سُنَّة الله..   (الم أحسب الناس أن يتركوا...) .
الابتلاء هو الميزان الذي يتميز به الصادق من الكاذب .
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
نعم، إن معاني الإيمان واليقين والصبر تبقى كامنة في النفس حتى إذا وضعت عليها جمرة الابتلاء فاحت وعطرت الأرجاء .
التفت الآن في العالم، لتجد مصداق هذا الكلام فيما يتعرض له المسلمون المستضعفون في سجون أعداء الله، من الكافرين، أم أشباه المسلمين .
وتنقل الصور البشعة عن أحوال الأسرى في فلسطين وغوانتنامو وأبو غريب.. بل والله في سجون بعض الدول التي يقال أنها إسلامية .
وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .
لا تحسبن الله غافلاً عما يعمله هؤلاء الظلمة الطغاة، أو أن الله لا يقدر على أن ينصر أولياءه أو يعصمهم من الأذى.. لكنها سُنَّة الله .
(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم... قريب) .
2) في هذه المواقف البطولية للصحابة، درس في الصبر على البلاء، إذا نزل بك البلاء بسبب دينك فاصبر واعلم ان هذا من حب الله لك، في الحديث (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم).. وفي الحديث الآخر أن أهل العافية يودون يوم القيامة أنهم قرضوا في الدنيا بالمقاريض لما يرون من عظم الجزاء لأهل البلاء .
لكن، هل يتمنى العبد البلاء؟ لا، اسأل الله العافية، فإذا ابتليت فاصبر .
في قصة عمار فائدة في الرخصة في قول أو فعل الكفر عند الإكراه -أعني الإكراه الملجيء- إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان، وإن كان الأفضل الصبر والأخذ بالعزيمة ولا سيما للأئمة والقادة .
كما أخذ بلال بالعزيمة، وكما فعل حبيب بن زيد الأنصاري عندما وقف أمام مسيلمة الكذاب .
يقول عنه ابن كثير في تفسيره:
"ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة قبل أن يُسلم عمرو فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم هذه المدة؟ فقال عمرو: لقد أنزلت عليه سورة وجيزة بليغة.
قال: وما هي؟ قال: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
فسكت مسيلمة برهة ثم قال: وأنا انزل عليَّ مثلها.
قال عمرو: ما هو؟
قال الكذاب: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حر نقر.
ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟
قال عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كذاب.
وكان مما يقول: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي كم تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين.
(فأين هذا من مثل "والعصر"؟) .
قال مسيلمة لحبيب بن زيد الأنصاري: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: تشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع، فأخذ المجرم يقطع جسده قطعة قطعة، وهو ثابت على دينه حتى مات .
يتبع إن شاء الله...



شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:36 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار   شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Emptyالإثنين 23 يونيو 2014, 7:38 am

29 موقف المشركين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم:

دروس وفوائد:

1) في موقف أبي طالب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فائدة، وهي أن الداعية قد يستفيد من القبلية والقرابة في حمايته وحماية دعوته، ولاسيما إذا كانت الدعوة في مهدها ومستضعفة من المجتمع .

2) لطف الله تعالى بعبده وحفظه له.. نعم قد يصيبه بعض البلاء بإذن الله وبحكمته .

(إنا كفيناك المستهزئين).. مَن توكل على الله كفاه.. ولو ان عبداً كادته السماوات والأرض لجعل الله له فرجاً ومخرجاً .


30- دار الأرقم:

دروس وفوائد:

1) قد تدعو الظروف إلى سرية الدعوة، والاختفاء عن المجتمع حفاظاً على الجماعة المسلمة والتقائها بالمعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- .

إلا أن هذا الأمر ليس قاعدة ثابتة في الدعوة، بل هو أمر فرضته المصلحة والظروف الواقعة المحيطة بالدعوة .

فلا يعارضه قول بعض السلف:

إذا رأيت الناس يتناجون في دينهم فاعلم أنهم على غير الحق .

لأن هذا إنما يكون في وقت ظهور الدين والأمن من الفتنة والبلاء .

2) حكمة وذكاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: لماذا اختار النبي - صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم؟

1- أنه لم يكن معروفاً بإسلامه .

2- أنه كان من بني مخزوم التي تحمل لواء الحرب وتنافس بني هاشم فيستبعد أن يختفي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قلب عدوه .

3- أنه كان صغير السن حين اسلم.. كان عمره 16 عاماً فليس من كبار الصحابة الذين قد يختفي النبي -صلى الله عليه وسلم- عندهم .

4- أن داره كانت قريبة من الصفا، وسط حركة الناس مما يصعب إدراك حركة خاصة لأناس معينين .


31- الهجرة الى الحبشة:

دروس وفوائد:

1) مشروعية الهجرة إلى الله ورسوله .

2) أسباب الهجرة إلى الحبشة:

كانت الأهداف من هجرة الحبشة متعددة منها:

- الفرار بالدين خشية الافتتان .

- البحث عن مكان آمن للمسلمين ريثما يشتد عود الإسلام وتهدأ العاصفة، فكان يبحث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قاعدة أخرى غير مكة، قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها الحرية .

- نشر الدعوة خارج مكة، وشرح قضية الإسلام، على نحو ما تفعله الدول الحديثة من تحرك سياسي يشرح قضاياها وكسب الرأي العام .

ومما يدعم الرأي القائل بكون الدعوة للدين الجديد في أرض الحبشة سببًا وهدفًا من أسباب الهجرة, إسلام النجاشي، وإسلامُ آخرين من أهل الحبشة .

3) لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة؟

أ- النجاشي العادل .

ب- النجاشي الصالح:

"وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يُظلم أحد بأرضه" .

ج- الحبشة متجر قريش: ذكر الطبري وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش، يتجرون فيها، يجدون فيها رفاهاً من الرزق وأمنًا، ومتجرًا حسنًا» .

د- الحبشة بلد آمن:

4) من تمام شفقة هذا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه ورحمته بهم، وحرصه الشديد للبحث عما فيه أمنهم وراحتهم .

5) مشروعية الهجرة، إذا كان الخروج فرارًا بالدين وإن لم يكن إلى إسلام، فإن أهل الحبشة كانوا نصارى يعبدون المسيح، والمسلمون خرجوا من بيت الله الحرام إلى دار الكفر، لما كان فعلهم ذلك احتياطًا على دينهم, ورجاء أن يُخلى بينهم وبين عبادة ربهم, يذكرونه آمنين مطمئنين .

وهذا الحكم مستمر متى غلب المنكر في بلد, وأوذي على الحق مؤمن ورأى الباطل قاهرًا للحق ورجا أن يكون في بلد آخر، أي بلد كان، خلى بينه وبين دينه ويظهر فيه عبادة ربه فإن الخروج على هذا الوجه حق على المؤمن .

6) يجوز للمسلمين أن يدخلوا في حماية غير المسلمين، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، سواء كان المجير من أهل الكتاب كالنجاشي، إذ كان نصرانيًّا عندئذ، ولكنه أسلم بعد ذلك، أو كان مشركًا كأولئك الذين عاد المسلمون إلى مكة في حمايتهم عندما رجعوا من الحبشة، وكأبي طالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمطعم بن عدي الذي دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في حمايته عندما رجع من الطائف .

وهذا الأمر مشروط بألا تستلزم مثل هذه الحماية إضرارًا بالدعوة الإسلامية، أو تغييرًا لبعض أحكام الدين، أو سكوتًا على اقتراف بعض المحرمات .

اجتمع الصحابة حين جاءهم رسول النجاشي وطلب منهم الحضور، وتدارسوا الموقف، ولم يختلفوا بل أجمعوا على رأي واحد.. وهكذا كان أمر المسلمين شورى بينهم .

7) دهاء عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وكان على الكفر:

نريد أن نعمل مقارنة:

1- تحدث وهو سفير مكة وهو ثقة عنده عن وقوع الفتنة والفرقة بدعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- .

2- تحدث بلسان الناصح المحب للنجاشي عن خطورة أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنهم ربما يزلزلون الأرض تحت قدمي النجاشي .

3- بيَّن خروجهم على عقيدة النجاشي وكفرهم بها «فهم لا يشهدون أن عيسى ابن مريم إله، فليسوا على دين قومهم وليسوا على دينك» فهم مبتدعة دعاة فتنة .

4- دلل على استصغارهم لشأن الملك، واستخفافهم به أن كل الناس يسجدون للملك لكنهم لا يفعلون ذلك .

كان رد جعفر على أسئلة النجاشي في غاية الذكاء, والدهاء:

1- عدَّد عيوب الجاهلية، بصورة تنفر السامع، وتشوه صورة قريش في عين الملك .

2- عرض شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المجتمع بنسبه وصدقه وأمانته وعفافه .

3- أبرز جعفر محاسن الإسلام وأخلاقه التي تتفق مع أخلاقيات دعوات الأنبياء، كنبذ عبادة الأوثان، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار .

4- فضح ما فعلته قريش بهم؛ لأنهم آمنوا ورفضوا عبادة الأوثان .

5- أحسن الثناء على النجاشي بما هو أهله، بأنه عادل ولا يُظلم عنده أحد.. وأن المسلمين اختاروه ملجئاً من دون الناس، وهذا الكلام يأسر العقل والنفس .

6- أحسن جعفر اختيار السورة عندما طلب الملك النجاشي قراءة القرآن، لأنها تتحدث عن مريم وعيسى عليهما السلام .

7- مع أن جعفر غريب وضعيف هو ومَن معه، فإنه لم يُجامل على حساب دينه وعقيدته، بل بيَّن عقيدة الإسلام بكل ثبات واعتزاز مع أنها تُخالف عقيدة النجاشي وأهل البلد كلهم .

8- كان رده في قضية عيسى عليه السلام دليلاً على الحكمة والذكاء النادر، فردَّ بأنهم لا يُألهون عيسى ابن مريم، ولكنهم كذلك لا يخوضون في عِرض مريم عليها السلام، بل عيسى ابنُ مريم كلمته وروحه ألقاها إلى مريم .

والنتيجة انتصار جعفر، وخسارة عمرو .


32- إسلام حمزة وعمر:

دروس وفوائد:

1- حاجة الدعوة لأصحاب القوة والجاه كحمزة وعمر، ليكونوا سنداً قوياً للدعوة في المجتمع، ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن يُعِزَّ الإسلام بهؤلاء الرجال .

فعلى الداعية أن يحرص على دعوة الشخصيات الهامة وأصحاب النفوذ في المجتمع ويتألف قلوبهم .

2- شجاعة حمزة -رضي الله عنه- في موقفه مع أبي جهل ومع عمر، وأعظم منه شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما خاف الصحابة لما رأوا عمر يريد دخول دار الأرقم، فنهض إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمسك به وهزه وهدده، ثم دعا له بالهداية .

3- فائدة: عدم اليأس من إسلام وهداية الآخرين مهما عظم إجرامهم وكفرهم، فقد كان بعضهم يقول: لو أسلم حمار ابن الخطاب ما أسلم عمر .

4- فائدة: في فضل عمر وعزة الإسلام والمسلمين به من أول يوم أسلم فيه، وكان حصناً للدين وسداً أمام الفتن حتى قتل -رضي الله عنه- .


33- عرض الرغائب والمغريات والحوار مع عتبة:

دروس وفوائد:

1- تجرده -صلى الله عليه وسلم- في حواره مع عتبة، فلم يدخل في معركة جانبية حول أفضليته على أبيه وجده أو أفضليتهما عليه، ولم يجادل في العروض المغرية، ولم يغضب لاتهامه بأنه يريد بالدعوة كذا وكذا من الدنيا ، إنما ترك ذلك كله لهدف أبعد وهو أساس الدعوة ومصلحتها .

2- أدب الاستماع في الحوار، فترك -صلى الله عليه وسلم- عقبة يعرض كل ما عنده، وبلغ من أدبه صلى الله عليه وسلم أن قال: «أفرغت يا أبا الوليد؟» .

3- كان جواب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكيماً وحاسمًا، وأحسن اختياره لهذه الآيات، التي  تناولت عدة قضايا رئيسية منها: إن هذا القرآن تنزيل من الله، بيان موقف الكافرين وإعراضهم، بيان مهمة الرسول وأنه بشر، بيان أن الخالق واحد هو الله، بيان تكذيب الأمم السابقة وما أصابها، وإنذار قريش صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .

4- خطورة المال، والجاه، والنساء على الدعاة، فكم سقط من الدعاة على الطريق تحت بريق المال، وكم عرضت الآلاف من الأموال على الدعاة ليكفوا عن دعوتهم، والذين ثبتوا أمام إغراء المال هم المقتدون بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كان الاستعمار في بعض البلدان الإسلامية يستخدم مثل هذا الأسلوب، فكان الخطيب يقوم يحث الناس على الجهاد وطرد المستعمر، فلا يزال المستعمرون وأذنابهم يغرونه بالمال والمنصب، ويوظفونه، فإذا استلم الوظيفة خرج للناس بوجه جديد متسامح.. ومضت الأيام حتى فقد الناس الثقة بالخطباء، فكانوا كلما قام رجل ويخطب بقوة ويثير الناس على المستعمر، قالوا: وظفوه، وتمضي الأيام ويصدق ظنهم .

5- انظروا كيف كان أثر تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عتبة، فبعد أن كان العدو ينوي القضاء على الدعوة، إذا به يطلب من قريش أن تخلي بين محمد -صلى الله عليه وسلم- وما يريد .


35- المقاطعة العامة وفرض الحصار:

دروس وفوائد:

1- في الحصار تضامن مشركوا بني هاشم وبني المطلب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحموه..

 طبعاً لم تكن هذه الحماية حماية للرسالة التي بعث بها، وإنما كانت لشخصه -صلى الله عليه وسلم- من الغريب كأثر من أعراف الجاهلية .

وفي هذا فائدة أنه يسع المسلم أن يستفيد من قوانين الكفر فيما يخدم الدعوة, على أن يكون ذلك مبنيًّا على فتوى صحيحة .

2- ظاهرة أبي لهب تستحق الدراسة والعناية:

لأنها تتكرر في التاريخ الإسلامي، فقد يجد الدعاة من أقرب حلفائهم من يقلب لهم ظهر المجن، ويبالغ في إيذائهم أكثر من خصومهم البعيدين .

3- كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم لأفراد المسلمين ألاَّ يواجهوا العدو:

وأن يضبطوا أعصابهم، فلا يشعلوا فتيل المعركة أو المواجهة, فالتزم الصحابة بذلك .

وهذا يدلك على عظمة الصف المؤمن, في التزامه بأوامر قائده، وبعده عن التصرفات الطائشة، فلم يكن شيء أسهل من اغتيال أبي جهل، وإشعال معركة غير مدروسة وغير متكافئة .

وإن أعظم تربية في هذه المرحلة هي صبر أبطال الأرض على هذا الأذى, دون مقاومة. 

مثل حمزة وعمر، وأبي بكر وعثمان .

4- كانت هذه السنوات الثلاثة زادًا عظيمًا في بناء وتربية الجيل الاول:

 بالصبر على الابتلاء، وتحمل آلام الجوع والخوف، وضبط الأعصاب والنفوس، ولجم العواطف عن الانفجار .

5- لم تتوقف الدعوة الإسلامية في تلك الفترة:

 بل كانت تحقق انتصارات رائعة في الحبشة، وفي نجران، وفي دَوْس، وفي غفار .

بل يمكن أن نقول إن حادثة المقاطعة كانت سببًا في خدمة الدعوة والدعاية لها بين قبائل العرب، وفي موسم الحج, ولفتت الأنظار إلى هذه الدعوة التي يتحمل صاحبها وأصحابه الجوع والعطش والعزلة كل هذا الوقت .

6- فائدة فقهية:

كان لوقوف بني المطلب مع بني هاشم وتحملهم الحصار أثر في مسألة سهم ذوي القربى من خمس الغنائم، في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) .

وعبد مناف ترك أربعة من الولد، نوفل وعبد شمس والمطلب وهاشم .

النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني هاشم وهم الذين قاطعتهم قريش هم وبنوا المطلب لأنهم انحازوا معهم، أما بنو عبد شمس, وبنو نوفل, وإن كانوا بني عمهم, فكانوا مع قريش .

فلما كانت غزوة خيبر أعطاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغنائم، فجاءه وفدٌ من بني عبد شمس وبني نوفل، جاءه جبير بن مطعم وعثمان رضي الله عنه من بني عبد شمس فقالوا: يا نبي الله إنك أعطيت إخواننا من بني هاشم وهذه لا تثريب فيها؛ لأن الله شرفهم بك، وإنك أعطيت إخواننا من بني المطلب ونحن وإياهم شيءٌ واحد .

فقال -صلى الله عليه وسلم-: لا، إن بني المطلب لم يُفارقونا في جاهلية ولا في إسلام، وشبك بين أصبعه .

والقول بأن ذوي القربى هم بنوا هاشم وبنو المطلب هو قول جمهور العلماء كما ذكر ابن كثير.

7- لم يزل -صلى الله عليه وسلم- يتذكر أيام الحصار:

حتى بعد نصر الله لدينه، وإعزاز رسوله بفتح مكة، ثم حجة الوداع، فلما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينفر من مكة بعد أيام التشريق تعمَّد أن ينزل في خَيْف بني كنانة .

ففي البخاري عن أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أين تنزل غدًا؟ قال: «وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟» ثم قال: «نحن نازلون غداً بخيف (أي وادي) بني كنانة، المحصب، حيث قاسمت قريش على الكفر» يعني لما حالفت قريش بني كنانة على حصار بني هاشم وكتبوا الصحيفة في ذلك الوادي .

إنه -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يتذكر ما كانوا فيه من الضيق والاضطهاد، فيشكر الله على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، ويؤكد انتصار الدين، وتمكين الله للصابرين، والعاقبة للمتقين .

وفي البخاري عن أنس أنه -صلى الله عليه وسلم- بعدما رمى الجمرات اليوم الثالث عشر سار إلى المحصب فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ونام فيه، ثم سار إلى البيت آخر الليل فطاف طواف الوداع، ثم صلى بالناس في البيت الفجر وقرأ فيها سورة الطور، ثم سار إلى المدينة بعد صلاة الفجر من اليوم الرابع عشر .


36- عام الحزن:

دروس وفوائد:

1- في وفاة أبي طالب على الكفر ست فوائد:

الأولى) أن الهداية بيد الله، أبو طالب مع أنه مشرك فقد كان يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحوطه، حتى بلغ من محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا جاء الليل يحمل النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ويضعه في مكانًا آخر، ثم يأتي بأحد أبنائه ويضعه مكانه، حتى إذا أراد أحدٌ قد بيت النية أن يغتال النبي عليه الصلاة والسلام وهو نائم يغتال ابنه لصلبه ولا يغتال النبي عليه الصلاة والسلام، هذا يفعله كله وهو مشرك، يقول الله في الأنعام ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾، ﴿يَنْهَوْنَ﴾ عن أحدٍ أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي أنه لا يقبل أن يدخل في الدين .

كان عليه الصلاة والسلام يُثني على عمه، ويسعى جاهداً لإسلامه.. ومع هذا لم يسلم أبو طالب لحكمة ربانية .

الثانية) استشعار نعمة الهداية:

الإنسان قلبه مُعلقٌ بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنت لا تفرح بشيءٍ أعظم من نعمة الهداية، التي حُرِمها أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي ناصره وحماه، حتى تعلم فضل الرب تبارك وتعالى عليك، ولا ييأسن أحدٌ من أحدٍ وهو يدعوه، ولا يُجزم أحدٌ في أحدٍ وهو يراه، بمعنى مهما رأيت على رجلٍ من الصلاح لا تقطع له بجنةٍ ولا بنار، ومهما رأيت على أحدٍ من سوءٍ وفساد لا تقطع له بجنةٍ ولا نار، إنما الأعمال بالخواتيم.

الثالثة) أن الدعاء بالمغفرة والرحمة لا يجوز إلا للمؤمن:

لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك.. فلما نزلت الآية كف عن الاستغفار له .

الرابعة) شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب:

شفع له عند ربه أن يكون أهون أهل النار عذابًا.. ولا يعارض هذا قوله تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين).. لأن هذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أن الشفاعة المنفية هي الخروج من النار وليس شفاعة التخفيف .

الخامسة) يجب على العاقل المسلم أن يستفيد من الأوضاع الاجتماعية التي يعاصرها:

فقد استفاد النبي -صلى الله عليه وسلم- من جاه عمه ومن نصرته، ولم يقل إنه كافرٌ ولا أستعين به ولا ألجأ إليه لأن الأوضاع تختلف من زمنٍ إلى زمن، والإنسان يقدم أعظم المصلحتين ويدرأ أعظم المفسدتين، والمقصود الأعظم نصرة الدين، وقد قبل -صلى الله عليه وسلم- أن يكون مع عمه في شعبٍ واحدٍ وهو كافرٌ يسجد لغير الله .

السادسة) أثر الرفقة السيئة على الإنسان في حياته وعند مماته: 

فإنهم يحضرونه إما بأجسادهم وإما بأعمالهم واجتماعاتهم فيكون لصحبته لهم أثر عند موته، وقد يمثل له جلساؤه في سكرات الموت كما ذكر ابن القيم .

2- في وفاة خديجة ثلاثة فوائد:

الأولى: فضل خديجة ودورها في الدعوة: 

كما تقدم بيانه وذكره المصنف .

الثانية: وفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لخديجة حتى بعد موتها:

فقد كان في غاية الوفاء ورد الجميل مع زوجته المخلصة .

تقول عائشة رضي الله عنها كما في البخاري: (ما غرت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة, وما رأيتها، ولكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطّعها أعضاءً ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: «إنها كانت وكانت وكان لي منها الولد») .

وأظهر صلى الله عليه وسلم البشاشة والسرور لأخت خديجة لما استأذنت عليه لتذكُّره خديجة, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك، فقال: «اللهم هالة بنت خويلد» فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين (يعني لا أسنان لها من الكبر) هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرًا منها .

وأظهر صلى الله عليه وسلم الحفاوة بامرأة كانت تأتيهم زمن خديجة: كما روى الحاكم والبيهقي وصححه الألباني في السلسلة عن عائشة قالت: (جاءت عجوز إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عندي فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أنت؟ قالت أنا جثامة المزنية . 

فقال بل أنت حسانة المزنية كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ . 

قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله .

فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان) .

الثالثة: سنة الابتلاء بفقد الأحباب:

من الناحية الدنيوية كان موت أبي طالب وخديجة بمثابة نكبة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاصة والعامة، لكنها سنة الله في أوليائه وهو الحكيم في جميع أفعاله .

ابتلى الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفقد زوجته وأولاده في حياته، المصيبة والخسارة الحقيقية هي خسارة الدين ، أما الدنيا فهي حقيرة عند الله ، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء كما في الحديث.

ولك أيضاً أن تستحضر الفترة التي مات فيها أبو طالب وخديجة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أحوج ما يكون إلى هذين الإنسانين ، ولعل هذا لحكمة أن يقطع الله عن عبده رجاءه بالخلق ويكون اعتماده الأول على الله تعالى بالصبر واليقين والتوكل على الله وحده .

وأيضاً لدفع توهم أن أبا طالب هو الذي وراء نجاح الدعوة وأنها لا تقوم إلا بحمايته.

يتبع إن شاء الله...



شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:38 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار   شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Emptyالأربعاء 25 يونيو 2014, 1:09 am

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Z

37- الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الطائف:

دروس وفوائد:

1- رحيله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف ومروره على رؤوس القبائل:

يبين ما كان عليه الداعية الأول -صلى الله عليه وسلم- من التصميم الجازم وعدم اليأس مهما اشتدت الظروف.. طريق الدعوة شاق وليس بمفروش بالورود لا بد فيه من الصبر .

2- لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم الطائف؟

كانت الطائف تمثل العمق الإستراتيجي لملأ قريش، بل كانت لقريش أطماع في الطائف، وكان كثير من أغنياء مكة يملكون الأملاك في الطائف, ويقضون فيها فصل الصيف، فإذا اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فذلك توجه مدروس سيُفزع قريشًا، ويُهدد أمنها ومصالحها الاقتصادية تهديدًا مباشرًا، بل قد يؤدي لتطويقها وعزلها عن الخارج .

3- حُسن تخطيطه -صلى الله عليه وسلم- في الرحلة:

‌أ- كان خروجه من مكة على الأقدام, حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة وأنه ينوي الخروج والسفر مما قد يعرضه للمنع .

‌ب- اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم زيدًا، فزيد هو ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتبني، فإذا رآه معه أحد، لا يثير ذلك أي نوع من الشك .

‌ج- عندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف اتجه مباشرة إلى مركز السلطة وموضع القرار السياسي في الطائف .

الطائف لم تكن توجد بها سلطة مركزية واحدة، وإنما يقتسم السلطة فيها بطنان من بطون العرب بنو مالك والأحلاف، وكان بنو مالك يوثقون علاقاتهم مع هوازن، والأحلاف يرتبطون بقريش ليأمنوا شرها .

وعلى هذا التقدير للوضع السياسي اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة حينما دخل الطائف، إلى بني عمرو بن عمير الذين يترأسون الأحلاف ويرتبطون بقريش، ولم يذهب إلى بني مالك الذين يتحالفون مع هوازن .

‌د- وعندما كان رد زعماء الطائف ردًا قبيحًا ، تحمله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يغضب أو يثُور، بل طلب منهم أن يكتموا عنه .

كما نقل ابن هشام في السيرة: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: «إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني».

4- أهمية الدعاء والتضرع إلى الله للداعية:

في هذه الغمرة من الأسى والحزن, والآلام النفسية والجسمانية توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه بهذا الدعاء الذي يفيض بالمعاني العظيمة والالتجاء والانكسار .

الدعاء من أعظم العبادات، وهو سلاح فعال في مجال الحماية للإنسان, وتحقيق أمنه، فمهما بلغ العقل البشري من الذكاء والدهاء, فهو عرضة للزلل والإخفاق، وقد تمر على المسلم مواقف يعجز فيها عن التفكير والتدبير تمامًا، فليس له مخرج منها سوى أن يجأر إلى الله بالدعاء، ليجد فرجا ومخرجًا .

5- الرحمة والشفقة النبوية على الرغم من شدة ما نزل به من الهم والأذى:

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) .

لقد كانت إصابته صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبلغ من الناحية الجسمية، أما من الناحية النفسية, فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد؛ لأن فيها إرهاقًا كبيرًا لنفسه ومعاناة فكرية شديدة جعلته يستغرق في التفكير من الطائف إلى قرن الثعالب .

ومع هذا، كانت رحمته وشفقته العظيمة هي التي تغلب في المواقف العصيبة التي تبلغ فيها المعاناة أشد مراحلها، والنفس تشتد وتهتم، والصدر يضيق ويتبرم .

وهكذا يجب على الداعية أن ينظر للعصاة والمخالفين بعين الرحمة والشفقة .

6- كان -صلى الله عليه وسلم- يعيش صاحب رسالة، قضيته الأولى التي يعيش لأجلها وتستغرق تفكيره هي الدعوة إلى الله.. لدرجة أنه عندما عاد من الطائف استغرقت القضية همة وتفكيره .

38 جن نصيبين:

دروس وفوائد:

1- لطف الله تعالى وتثبيته لعبده، وتطمينه لقلبه، فمع اشتداد الأحوال وضيق الأمور بالدعوة، أيد الله نبيه وسلاه بإسلام الجن الذين لبوا دعوته من مكان بعيد .

والمعنى أنه لو تخلى عنه الإنس كلهم قيض الله له من الجن والملائكة من يؤمن به .

وفي آيات الأحقاف (وإذ صرفنا إليك...) (ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء..)، وهذا المكسب يشد الأزر ويقوي النفس على النشاط في الدعوة وعدم اليأس أو الإحباط .

2- من الأعراف المحترمة في الجاهلية الجوار، وهو في زمننا أشبه بحق اللجوء السياسي، وهو مما يمكن للداعية أن يستفيد منه في بعض البلدان .

كما استفاد النبي -صلى الله عليه وسلم- من جوار المطعم، وقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى بدر‏:‏ ‏(‏لو كان المطعم بن عدى حيًا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لتركتهم له .

ولا ننسى أن المطعم أيضاً كان أحد الخمسة الذين اتفقوا على رفع الحصار والمقاطعة.

40 الإسراء والمعراج:

دروس وفوائد:

1- بعد كل محنة منحة:

وقد تعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمحن عظيمة، كذبته قريش وسدت الطريق في وجه دعوته، ثم كذبه أهل الطائف، وأصبح في خطر بعد وفاة عمه أبي طالب.. فأكرمه الله برفعه إليه دون الخلائق جميعًا، وتكليمه مباشرة دون رسول ولا حجاب .

كان لوقوع هذه المعجزة في تلك الفترة لحكمة عظيمة:

تحدث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء, وعن المعراج في سورة النجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وفي سورة النجم بقوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، كما قال لموسى (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) .

ومن هذه الآيات: 

الذهاب إلى بيت المقدس، العروج إلى السماء، رؤية الغيب الذي دعا إليه الأنبياء والمرسلين، الملائكة، السماوات، الجنة والنار، نماذج من النعيم والعذاب، تكليم رب العالمين مباشرة بلا حجاب .

* إن الله عز وجل أراد أن يتيح لرسوله فرصة الاطلاع على آيات وعلامات قدرته, حتى يملأ قلبه ثقة فيه واستنادًا إليه .

2- شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- العالية في قول الحق ويقينه بما هو عليه، وتمسكه بالمبدأ، فقد بادر -صلى الله عليه وسلم- إلى إخبار أعدائه قبل أن يخبر كثيراً من أصحابه .

مع أن هذا الأمر تنكره عقولهم ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم, ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم, وتلقي نكيرهم واستهزائهم .

فضرب بذلك -صلى الله عليه وسلم- لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام أهل الباطل .

نعم.. إذا امتلأ القلب بالإيمان واليقين، فإن الحق لا يبقى حبيساً في القلب، بل لابد أن يظهر ويعلن للناس وإن جابهوه أو كذبوه .

3- صديقية أبي بكر وكمال إيمانه رضي الله عنه، فقد بادر إلى التصديق ولم يتردد أو يتلكأ مع أن الأمر عجيب والخبر غريب .

ولهذا جاء عند الحاكم أن أبا بكر سمي بالصديق بسبب هذه الحادثة .

4- تمحيص الصف:

كان  مُقدمًا على مرحلة جديدة، وهي مرحلة الهجرة وبناء الدولة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص، ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض وتكون اللَّبِنَات الأولى في البناء قوية ومتماسكة .

5- اشتملت هذه الرحلة النبوية الغيبية على إشارات معانٍ دقيقة، ما هي؟

لقد أعلنت أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده وأن رسالته خاتمة للرسالات .

وفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء دليل على أنهم سلموا له بالقيادة والريادة، وأن شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة، خلافاً لمن يعقدون اليوم مؤتمرات التقارب بين الأديان .

6- الربط بين المسجد الأقصى, والمسجد الحرام وراءه حكم ودلالات وفوائد منها:

أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، إذ أصبح مسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلا، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا يشعرنا بحب المسجد الأقصى وفلسطين؛ لأنها مباركة ومقدسة.. ويشعرنا كذلك بالمسؤولية نحو تحرير المسجد الأقصى اليوم من اليهود المحتلين .

بل إن التهديد للمسجد الأقصى, هو تهديد للمسجد الحرام والحجاز .

وقف دافيد بن غوريون زعيم اليهود بعد دخول الجيش اليهودي القدس، وقال: (لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب) .

7- أهمية الصلاة وعظيم منزلتها: 

وقد ثبت في السنة النبوية أن الصلاة فرضت على الأمة الإسلامية في ليلة عروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات وفي هذا كما قال ابن كثير: «اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها» .

8- كانت الحكمة من شق صدره -صلى الله عليه وسلم- قبل الإسراء والمعراج وملئه بالإيمان والحكمة: التهيئة لهذه المقام العظيم والعلو في درجات الإيمان والدنو من الرحمن .

ولهذا.. من أراد الدرجات العالية والقرب من الله تعالى والأنس به ونيل محبته، فعليه أن يطهر قلبه من الشبهات والشهوات، ويتعاهد إيمانه، حتى تتهيأ النفس للمنازل العالية .

الطريق إلى الله.. والوصول إليه.. والتشرف بولايته.. لا يكون للمخلطين أصحاب القلوب المريضة، والله المستعان.

41 عرض الاسلام على القبائل والأفراد:

دروس وفوائد:

1) في هذه المرحلة لم يقتصر النبي -صلى الله عليه وسلم- على عرض الإسلام، بل كان يطلب النصرة من خارج مكة، بعد أن اشتد الأذى عليه, عقب وفاة عمه أبي طالب.. لأن الدعوة لا بد لها من حماية وقوة تنصرها وتمنع القضاء عليها أو منع نشاطها من القوى المعادية .

2) حصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلب النصرة بزعماء القبائل، وذوي الشرف والمكانة والأتباع؛ لأن هؤلاء هم القادرون على توفير الحماية للدعوة وصاحبها .

3) ثباته -صلى الله عليه وسلم- على المبدأ وعدم مداهنته، فقد رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعطي القوى المستعدة لتقديم نصرتها أي ضمانات بأن يكون لأشخاصهم شيء من الحكم والسلطان, على سبيل الثمن، أو المكافأة لما يقدمون من نصرة, وتأييد للدعوة الإسلامية؛ وذلك لأن الدعوة الإسلامية إنما هي دعوة إلى الله، وليس طمعًا في نفوذ أو رغبة في سلطان .

42- ، 43- بيعة العقبة الأولى والثانية:

دروس وفوائد:

1) لماذا توجه التخطيط النبوي يثرب؟

1- كان للنفر الستة الذين أسلموا دور كبير في بث الدعوة إلى الإسلام خلال ذلك العام.

2- ما طبع الله عليه قبائل الخزرج والأوس من الرقة واللين, وعدم المغالاة في الكبرياء وجحود الحق، الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، كيوم بُعاث وغيره، وقد أفنت هذه الحرب كبار زعمائهم ممن قد يكونون حجر عثرة في سبيل الدعوة، ولم يبقَ إلا القيادات الشابة الجديدة المستعدة لقبول الحق .

كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان يوم بُعاث يومًا قدمه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجُرِّحوا, فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم الإسلام» .

3- مجاورتهم لليهود مما جعلهم على علم بأمر الرسالات السماوية، وكان اليهود يهددون الأوس والخزرج بنبي قد أظل زمانه, ويزعمون أنهم سيتعبونه، ويقتلونهم به قتل عاد وإرم .

2) كانت هذه البيعة الثانية العظمى (فتح الفتوح)؛ عهود ومواثيق، وتعاقد على النصرة والتضحية بالأرواح والدماء والأموال .

3) التعبئة المعنوية الإيمانية، والتحريض والشحن النفسي: مبدأ هام في القيادة والسياسة .

ظهر أثر هذه التعبئة في نفوس من أسلم من الأنصار، كما يقول جابر -صلى الله عليه وسلم- وهو يمثل هذه الصورة الرفيعة الرائعة: «حتى متى نترك رسول الله  يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف».

وظهر أثرها أيضاً قبل فيما قاله العباس بن عبادة قبل عقد البيعة، (هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟) .. وكذلك قول أسعد بن زرارة (إما أنتم تصبرون فخذوه، وإما أنتم تخافون فذروه).. فأقبلوا على البيعة بكل إصرار وعزيمة .

4) التخطيط النبوي الحكيم في بيعة العقبة، كان في غاية الإحكام والدقة من حيث:

1- سرية الحركة والانتقال لجماعة المبايعين، وكانوا سبعين رجلا وامرأتين، من بين وفد يثربي قوامه نحو خمسمائة، فخرجوا يتسللون مستخفين، رجلاً رجلاً، أو رجلين رجلين .

2- تحديد موعد اللقاء في ثاني أيام التشريق الليلة الأخيرة من ليالي الحج، وقت النوم بعد ثلث الليل، حيث النوم قد ضرب أعين القوم، وحيث قد هدأت الرِّجْل .

3- تحديد المكان في الشعب الأيمن، بعيدا عن عين من قد يستيقظ من النوم لحاجة .

4- السرِّية التامة في موعد ومكان الاجتماع، بحيث لم يعلم به سوى العباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب الذي كان عينًا للمسلمين على فم الشِّعب، وأبو بكر الذي كان عيناً على فم الطريق .

5- أمر -صلى الله عليه وسلم- جماعة المبايعين أن لا يرفعوا الصوت، وأن لا يطيلوا في الكلام .

6- حسن تصرفه -صلى الله عليه وسلم- حين كشف الشيطان أمر البيعة، فأمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يرجعوا إلى رحالهم، ورفض الاستعجال في المواجهة المسلحة التي لم تتهيأ لها الظروف .

5) في اختيار النقباء لم يعين الرسول -صلى الله عليه وسلم- النقباءَ إنما ترك طريق اختيارهم إلى الذين بايعوا، وهذا تطبيق عملي لمبدأ الشورى .

وفي هذا التعيين أيضاَ تنظيم لأمور الدعوة، وشحذ لهمم النقباء وتحملهم المسؤولية، ولهذا كانوا مشرفين على سير الدعوة في يثرب حتى انتشر الإسلام فيها .

6) في رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعوة العباس بن عبادة باستعجال المواجهة المسلحة، درس تربوي بليغ, ليس في بيان شجاعة وقوة إيمان العباس رضي الله عنه، بل  في بيان أن الدفاع عن الإسلام، والتعامل مع أعداء هذا الدين ليس متروكًا لاجتهاد الأفراد أو التنظيمات، وإنما هو خضوع لأوامر الله تعالى وتشريعاته الحكيمة .

أمر الإقدام أو الإحجام متروك لنظر المجتهدين وولاة الأمر بعد التشاور ودراسة الأمر ومراعاة المصالح والمفاسد .

فهل يعي هذا بعض الشباب المندفعين، الذين ينتهجون المواجهة والعنف دون حكمة؟ .

7) فضل أهل بيعة العقبة، وإخلاصهم، فلم يكونوا يريدون الدنيا بل الثمن الجنة .

هؤلاء الثلاثة والسبعين، استشهد قرابة ثلثهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وحضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة النصف .

لقد صدق هؤلاء الأنصار عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من قضى نحبه ولقي ربه شهيدًا، ومنهم من بقي حتى ساهم في قيادة الدولة المسلمة .

 الدور العظيم الذي قام به داعية المدينة مصعب بن عمير في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام في المدينة وهداية سيد الأوس سعد بن معاذ وابن عمه أسيد بن الحضير، ثم قيام سعد بن معاذ في دعوة قومه فأسلموا كلهم .

كل هؤلاء كانوا من حسنات مصعب وسعد رضي الله عنهم جميعاً .

يتبع إن شاء الله..



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:39 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار   شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار Emptyالأربعاء 25 يونيو 2014, 1:30 am

شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار 9k=

44-46 الهجرة إلى المدينة:

هجرة أبي سلمة وأم سلمة:

هاجر أبو سلمة قبل العقبة الكبرى بسنة على ما قاله ابن إسحاق وكان معه زوجته أم سلمة هند بنت أبي أمية وابنه سلمة .

قالت أم سلمة: 

لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره، ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبْتَنَا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها إلى البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه . 

قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة . 

قالوا: لا، والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا . 

قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة .

قالت: ففرق بيني وبين زوجي، وبين ابني . 

قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريباً منها، حتى مرّ بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت . 

قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني . 

قالت: فارتحلتُ بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله . 

قالت: فقلت: أتبلغ بمن لقيت، حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار . 

فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي بالمدينة . 

قال: أو ما معك أحد؟ قالت: فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا . 

قال: والله ما لك من مترك .

فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت عنه أستأخر ببعيري فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى الشجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة بها نازلاً، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعاً إلى مكة .

قال فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة» .

والقصة عند ابن هشام من رواية ابن إسحاق بسند صالح للاعتبار ، كما في السيرة الصحيحة للعمري .

قصة هجرة عمر:

قال عمر: اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعَيّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضِب (نوع من الشجر) من أَضاة (غدير) بني غفار، فوق سرف (وادي بمكة)، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس، فليمض صاحباه . 

قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن .

فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فكلماه، وقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل من شمس حتى تراك فرق لها فقلت له: عياّش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك، فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت .

قال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه .

قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما، قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما، فلما أبى إلا ذلك، قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت، فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: يا أخي، والله لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى، قال: فأناخ، وأناخ، ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن .

قال: فكنا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ... الآيات)، قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص، قال: فقال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أُصَعَّد بها فيه وأصَوَّبُ ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهمنيها، قال: فألقى الله تعالى في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة. والحديث عند ابن هشام بإسناد حسن.. وفي بعض الروايات: (وكنا إنما نخرج سراً) .

دروس وفوائد:

1) لماذا لم تكن الهجرة النبوية على نمط الإسراء والمعراج؟

أما رحلة الإسراء والمعراج فهي رحلة فردية خاصة، ومنحة ربانية للرسول -صلى الله عليه وسلم-.. أما رحلة الهجرة فهي رحلة بناء الدولة الإسلامية لجميع سكانها وهذه الرحلة لا يصلح ان يكون فيها جبريل عليه السلام رفيقا للرسول عليه السلام، لأن دولة الإسلام لا يمكن أن تبنى على جناح جبريل عليه السلام،  ولا يصلح فيها البراق مركباً، بل لابد من الصبر والتضحية والتماسك، والتدبير الجيد، وتوظيف المتخصصين كل في مجاله، والتعرض لأخطار العدو كما وقع عند غار حراء، إن بناء الدولة لا علاقة للبراق بهذا ولا هو من اختصاص جبريل عليه السلام، إنما هو أدوار ووظائف لأبي بكر وأسماء وعائشة وعلي وسراقة والدليل والراعي والغنم .

2) درس في الهجرة:

لقد أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة لما ضاقت عليهم الأرض، ومنعتهم قريش من إقامة دين الله .

من المواقف المؤثرة ما ثبت عند الترمذي وغيره أن وقف على الْحَزْوَرَةِ (على مشارف مكة) فَقَالَ: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) .

إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يكون الدين كله لله .

3) الصبر واليقين طريق النصر والتمكين:

فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم  طيبة الطيبة، ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين  لأهل الصبر واليقين: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) .

إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى . 

لكن مَنْ صبر ظفر ومَنْ ثبت انتصر: (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) .

4) درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله:

لقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها الرؤوس .

فالسيوف تحاصره عليه الصلاة والسلام في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب، والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار، وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته، والرسول -صلى الله عليه وسلم- في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره .

فالزم يديك بحبل الله معتصماً

فإنه الركــن إن خـانتك أركان

5) درس في المعجزات الإلهية:

هل رأيتم رجلاً أعزلاً محاصراً يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي؟ وهل رأيتم عنكبوتاً تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة؟ وهل رأيتم فريقاً من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطيء أحدهم رأسه لينظر في الغار؟ وهل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض وكأنما هي تسير في الطين؟ وهل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن .

إن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله تعالى، وإذا أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين، وقلب الموازين: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) .

6) درس في الحب:

وقد قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" .

هذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته -صلى الله عليه وسلم-... إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لدغ في الغار لأن الحبيب ينام على رجله .

هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب -صلى الله عليه وسلم- على أهله ونفسه .

هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه -صلى الله عليه وسلم- على أحر من الجمر . 

فأين هذا ممن يخالف أمر الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ويهجر سنته ثم يزعم حبه؟!

- ومن صفحات الحب ما قام به أبو أيوب رضي الله عنه .

جاء عند ابن هشام بسند صحيح أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: «ولما نزل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي نزل في السُّفْل وأنا وأم أيوب في العُلُوّ، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل، فقال: «يا أبا أيوب: إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سُفل البيت» قال: فلقد انكسر حِب (إناء) لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفاً أن يقطر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه شيء يؤذيه». 

وهكذا والله فليكن الحب .

7) درس في التضحية والفداء:

لقد سطر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية، والمغامرة بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين، لقد هاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال فلم يكن للدنيا بأسرها أدنى قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- .

يوم أن بات عليٌ في فراشه -صلى الله عليه وسلم- وغطى رأسه كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش.. ويوم أن قام آل أبي بكر عبدالله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم .

هكذا كان شباب الصحابة فأين شبابنا؟ أين شبابنا الذين يضعون رؤوسهم على فرشهم ولا يضحون بدقائق يصلون فيها الفجر مع الجماعة؟ .

درس في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب:

لقد كان -صلى الله عليه وسلم- متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن -صلى الله عليه وسلم- بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها . 

بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان .

فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: علي، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبدالله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبدالله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي .

وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته -صلى الله عليه وسلم-، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً .

9) درس في الإخلاص:

ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنه ليس  أحدٌ أمنُّ علي في نفسه وماله من أبي بكر" فقد كان أبو بكر (الذي يؤتي ماله يتزكى) ينفق أمواله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى الدعوة إلى دين الله .

لكن السؤال هنا هو لماذا رفض -صلى الله عليه وسلم- أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن؟

قال بعض العلماء: إن الهجرة عمل تعبدي فأراد عليه الصلاة والسلام أن يحقق الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره . 

وهذا معنى حسن، وهو درس في الإخلاص وتكميل أعمال القرب التي تفتقر إلى النفقة (كنفقة الحج، وزكاة الفطر، وغيرها من الأعمال) فإن الأولى أن تكون نفقتها من مال المسلم خاصة .

10) التعفف وعزة النفس:

لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب الراحلة حتى أخذها بثمنها من أبي بكر –رضي الله عنه-، واستقر الثمن ديناً بذمته، وهذا درس واضح بأن حملة الدعوة ما ينبغي أن يكونوا عالة على أحد .

11) درس في التأريخ الهجري:

التأريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها . 

ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر –رضي الله عنه- . 

فلما ألهم الله الفاروق الملهم  أن يجعل للأمة تأريخاً يميزها عن الأمم الكافرة استشار الصحابة فيما يبدأ به التأريخ، أيؤرخون من مولده عليه الصلاة والسلام؟ أم مبعثه؟ أم هجرته؟ أم وفاته؟ .

وكانت الهجرة أنسب الخيارات . 

أما مولده وبعثته فمختلف فيهما، وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه . 

فهدى الله تعالى الصحابة إلى اختيار الهجرة منطلقاً للتأريخ الإسلامي.. وجعلوه من محرم لأن العزم على الهجرة كان بعد الرجوع من بيعة العقبة الثانية في ذي الحجة فكان أول هلال بعدها هو هلال محرم .

وظلت الأمة تعمل بهذا التأريخ قروناً متطاولة، حتى ابتليت في هذا العصر بالذل والهوان، ففقدت هيبتها، وأعجبت بأعدائها، واتبعتهم حذو القذّة بالقذّة، حتى هجرت معظم الدول المسلمة تأريخها الإسلامي فلا يكاد يعرف إلا في المواسم كرمضان والحج، وأرخت بتواريخ الملل المنحرفة .

وإن مما يفخر به كل مسلم ما تميزت به هذه البلاد المباركة من اعتماد التأريخ الهجري النبوي تاريخاً رسمياً لها .

12) دور المرأة المسلمة في الهجرة:

لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة:

منها عائشة بنت أبي بكر الصديق التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلغتها للأمة، وأم سلمة المهاجرة الصبور، وأسماء ذات النطاقين التي ساهمت في تموين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى عندما لطم خدها أبو جهل، وتصرفها الثاني عندما دخل عليها جدها أبو قحافة، وكانت تقول: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك .

تم بحمد الله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
شرح روضة الأنوار في سيرة النبي المختار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشارق الأنوار وشذى الأزهار.. في حق المرأة المسلمة في الاختيار..!!
» "أسد الصحراء" (عمر المختار)
» عمر المختار.. الشيخ المجاهد
» الباب الثانى: الشعب المختار
» سيرة أم مسيرة؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: كتابات عن رسول الله-
انتقل الى: