قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: كتـــــاب لا تحـــــــــــزن 20 الأحد 15 يونيو 2014, 7:02 am
كتـــــاب لا تحـــــــــــزن 20 فوائدُ الرِّضا: فالرِّضا يُوجِبُ له الطُّمأنينة، وبرد القلبِ، وسكونهُ وقراره وثباتهُ عند اضطرابِ الشُّبهِ والتباسِ والقضايا وكثْرةِ الواردِ، فيثقُ هذا القلبُ بموعودِ اللهِ وموعودِ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويقولُ لسانُ الحالِ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾. والسخطُ يوجبُ اضطراب قلبِه، وريبتهُ وانزعاجهُ، وعَدَمَ قرارِهِ، ومرضهُ وتمزُّقهُ، فيبقى قلِقاً ناقِماً ساخِطاً متمرِّداً، فلسانُ حالِه يقولُ: ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾. فأصحابُ هذه القلوبِ إن يكُن لهمُ الحقُّ، يأتوا إليه مُذعِنِين، وإن طُولِبوا بالحقِّ إذا همْ يصْدفِون، وإنْ أصابهم خيرٌ اطمأنٌّوا به، وإنْ أصابتهم فتنةٌ انقلبُوا على وجوههِم، خسرُوا الدنيا والآخرةِ ﴿ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾. كما أنّ الرضا يُنزلُ عليه السكينة التي لا أَنْفَعَ له منها، ومتى نزلتْ عليه السكينةُ، استقام وصلحتْ أحوالُه، وصلح بالُه، والسُّخط يُبعِدُه منها بحسبِ قلَّتِه وكثرتِه، وإذا ترحَّلتْ عنهُ السكينةُ، ترحَّل عنه السرورُ والأمْنُ والراحةُ وطِيبُ العيشِ. فمنْ أعْظَمِ نعمِ اللهِ على عبدِه: تنزُّلُ السكينةِ عليهِ. ومنْ أعظمِ أسبابِها: الرضا عنه في جميعِ الحالاتِ. ************ لا تُخاصِم ربَّك: والرضا يخلِّصُ العبد منْ مُخاصمةِ الربِّ تعالى في أحكامِه وأقضيتِه. فإنَّ السُّخط عليهِ مُخاصمةٌ له فيما لم يرض به العبدُ، وأصلُ مخاصمةِ إبليس لربِّه: منْ عَدَمِ رضاه بأقْضِيَتِه، وأحكامِه الدِّينيِة والكونيِة. وإنَّما ألحد منْ ألحدَ، وجَحِدَ منْ جحد لأنهُ نازعَ ربَّه رداء العظمةِ وإزار الكبرياءِ، ولم يُذعِنْ لمقامِ الجبروتِ، فهو يُعطِّلُ الأوامر، وينتهِكُ المناهي، ويتسخَّطُ المقادير، ولم يُذعِنْ للقضاءِ. ******************* حُكْمٌ ماضٍ وقضاءٌ عَدْلٌ: وحُكمُ الرَّبِّ ماضٍ في عبدِه، وقضاؤُه عدْلٌ فيه، كما في الحديثِ: ((ماضٍ فيَّ حكمُك، عَدْلٌ في قضاؤك)). ومنْ لم يرض بالعدلِ، فهو منْ أهلِ الظُّلمِ والجوْرِ. واللهُ أحكمُ الحاكمين، وقدْ حرَّ الظلُّمَ على نفسِه، وليس بظلاَّمٍ للعبيدِ، وتقدَّس سبحانه وتنزَّه عنْ ظُلْمِ الناسِ، ولكنّ أنْفُسهم يظلمون. وقولُه: ((عَدْلٌ في قضاؤك)) يَعُمُّ قضاء الذنبِ، وقضاء أثرِهِ وعقوبتِه، فإنَّ الأمرينِ منْ قضائِه عزَّ وجلَّ، وهو أعدلُ العادلين في قضائِه بالذنبِ، وفي قضائِه بعقوبتِه. وقد يقضي سبحانه بالذنبِ على العبدِ لأسرارٍ وخفايا هو أعْلَمُ بها، قد يكونُ لها من المصالحِ العظيمِة ما لا يعلمُها إلا هُو. *************** لا فائدة في السُّخطِ: وعدمُ الرَّضا: إمَّا أنْ يكون لفواتِ ما أخطأهُ ممَّ يحبُّه ويريدهُ، وإمّا لإصابةٍ بما يكرهُه ويُسخطُه. فإذا تيقَّن أنَّ ما أخطأه لم يكُنْ ليُصيبَه، وما أصابه لم يكنْ ليُخطئه، فلا فائدة في سخطِه بعد ذلك إلا فواتُ ما ينفعُه، وحصولُ ما يضرُّه. وفي الحديث: ((جفَّ القلمُ بما أنت لاقٍ يا أبا هريرة، فقدْ فُرِغَ من القضاءِ، وانتُهِي من القدرِ، وكُتِبتِ المقاديرُ، ورُفِعتِ الأقلامُ، وجفَّتِ الصُّحُفُ)). *************** السلامةُ مع الرِّضا: والرضا يفتحُ له باب السلامةِ، فيجعلُ قلبهُ سليماً، نقيّاً من الغشِّ والدَّغلِ والغلِّ، ولا ينجو منْ عذابِ اللهِ إلا منْ أتى الله بقلبٍ سليمٍ، وهو السَّالِمُ من الشُّبهِ، والشَّكِّ والشِّركِ، وتلبُّسِ إبليس وجُندِه، وتخذيلِهِ وتسويفِهِ، ووعْدِه ووعيدِه، فهذا القلبُ ليس فيهِ إلا اللهُ: ﴿قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾. وكذلك تستحيلُ سلامةُ القلبِ من السُّخطِ وعدمِ الرضا، وكلَّما كان العبدُ أشدَّ رضاً، كان قلبُه أسْلَمَ. فالخبثُ والدَّغَلُ والغشُّ: قرينُ السُّخطِ. وسلامةُ القلبِ وبرُّه ونُصحُه: قرينُ الرضا. وكذلك الحسدُ هو منْ ثمراتِ السخطِ. وسلامةُ القلبِ منهُ: منْ ثمراتِ الرضا. فالرضا شجرةٌ طيِّبة، تُسقى بماءِ الإخلاصِ في بستانِ التوحيدِ، أصلُها الإيمانُ، وأغصانُها الأعمالُ الصالحةُ، ولها ثمرةٌ يانِعةٌ حلاوتُها. في الحديثِ: ((ذاق طعْم الإيمانِ منْ رضي باللهِ ربّاً، وبالإسلام ديِناً، وبحمدٍ نبياً)). وفي الحديث أيضاً: ((ثلاثٌ منْ كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمانِ...)). ************** السُّخْطُ بابُ الشَّكِّ: والسُّخطُ يفتحُ عليهِ باب الشَّكِّ في اللهِ، وقضائه، وقدرِه، وحكمتِهِ وعلمِهِ، فقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ يُداخلُ قلبه، ويتغلغلُ فيه، وإنْ كان لا يشعرُ به، فلوْ فتَّش نفسه غاية التفتيشِ، لوَجَدَ يقينهُ معلولاً مدخولاً، فإنَّ الرضا واليقين أخوانِ مُصطحبانِ، والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ، وهذا معنى الحديثِ الذي في الترمذيِّ: ((إنِ استطعت أن تعمل بالرِّضا مع اليقينِ، فافعل. فإن لم تستطع، فإن في الصبر على ما تكره النَّفْسُ خيْراً كثيراً)). فالساخطُون ناقِمون منْ الداخلِ، غاضبِون ولوْ لمْ يتكلمَّوا، عندهم إشكالاتٌ وأسئلةٌ، مفادُها: لِم هذا؟ وكيف يكونُ هذا؟ ولماذا وقع هذا؟ ************** الرِّضا غِنىً وأمْنٌ: ومنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه، والتَّوكُّلِ عليه. ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا، امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك، واشتغل عمَّا فيه سعادتُه وفلاحُه. فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ، والسخطُ يفرِّغُ القلب من اللهِ، ولا عيش لساخِطٍ، ولا قرار لناقِمٍ، فهو في أمر مريجٍ، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ، وحظَّهُ باخِسٌ، وعطيَّتهُ زهيدةٌ، ومصائبهُ جمَّةٌ، فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا، وأرفع وأجلَّ، لكنّ ربَّه –في نظرِهِ– بخسهُ وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه، وأضناهُ وأرهَقَه، فكيف يأنسُ وكيف يرتاح، وكيف يحيا؟ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾. *************** ثمرةُ الرِّضا الشُّكْرُ: والرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ الإيمانِ، بل هو حقيقةُ الإيمانِ. فإنَّ غاية المنازلِ شكرِ المولى، ولا يشكُرُ اللهُ منْ يرضى بمواهبه وأحكامِه، وصُنعِه وتدبيرِه، وأخذِه وعطائِه، فالشاكرُ أنْعمُ الناسِ بالاً، وأحسنُهم حالاً. *************** ثمرةُ السُّخطِ الكفرُ: والسخطُ يُثمِر ضدَّه، وهو كُفْرُ النِّعمِ ، وربما أثمر له كُفْر المنعِم. فإذا رضي العبدُ عن ربِّه في جميعِ الحالاتِ، أوجب له لذلك شُكره، فيكونُ من الراضين الشاكرين. وإذا فاتهُ الرضا، كان من الساخطين، وسلك سُبُل الكافرين. وإنما وقع الحيْفُ في الاعتقاداتِ والخللُ في الدياناتِ مِنْ كوْنٍ كثيرٍ من العبيدِ يريدون أن يكونوا أرباباً، بلْ يقترحون على ربِّهم، ويُحِلُّون على مولاهم ما يريدون: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. ******************* السُّخطُ مصيدةٌ للشيطانِ: والشيطانُ إنما يظفرُ بالإنسانِ غالباً عند السخطِ والشهوةِ، فهناك يصطادُه، ولاسيَّما إذا استحكم سخطُه، فإنهُ يقولُ ما لا يُرضي الرَّبَّ، ويفعلُ ما لا يُرضيه، وينوي ما لا يُرضيهِ، ولهذا قال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عند موت ابنهِ إبراهيم: ((يحزنُ القلبُ وتدمعُ العينُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا)). فإنَّ موت البنين من العوارضِ التي تُوجِبُ للعبدِ السخط على القَدَرِ، فأخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنهُ لا يقولُ في مثْلِ هذا المقامِ – الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ، فيتكلَّمون بما لا يُرضي الله، ويفعلون ما لا يرضيه – إلا ما يُرضي ربَّه تبارك وتعالى. ولو لمح العبدُ في القضاءِ بما يراهُ مكروهاً إلى ثلاثةِ أُمورٍ، لهان عليه المصابُ. أوَّلها: علمُه بحكمةِ المقدِّرِ جلَّ في علاه، وأنهُ أخْبَرُ بمصلحةِ العبدِ وما ينفعُه. ثانيها: أنْ ينظر للأجرِ العظيمِ والثوابِ الجزيلٍ، كما وعد اللهُ منْ أُصِيب فصبر مِنْ عبادِهِ. ثالثُها: أن الحُكم والأمر للرَّبِّ، والتسليم والإذعان للعبدِ: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾. ********************* الرِّضا يُخرجُ الهوى: والرضا يُخرجُ الهوى من القلبِ، فالراضي هواهُ تبعٌ لمرادِ ربِّه منه، أعني المراد الذي يحبُّه ربُّه ويرضاهُ، فلا يجتمعُ الرضا واتِّباعُ الهوى في القلبِ أبداً، وإنْ كان معهُ شُعبةٌ منْ هذا، وشعبةٌ منْ هذا، فهو للغالِب عليه منهما. إنْ كان رضاكُم في سهري فسلامُ اللهِ على وَسَنِي ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾. إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسِدُنا فما لجرْجٍ إذا أرضاكمو ألمُ **************** وقفـــة ((تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ، يعرفْك في الشِّدَّة)). «(تعرَّفْ) بتشديدِ الرَّاءِ (إلى اللهِ) أيْ: تحبَّبْ وتقرَّبْ إليهِ بطاعتِه، والشُّكرِ لهُ على سابغِ نعمتِه، والصبر تحت مُرِّ أقْضِيتِهِ، وصدْقِ الالتجاءِ الخاصِ قبل نزولِ بليَّتِه. (في الرخاءِ) أيْ: في الدَّعةِ والأمْنِ والنعمةِ وسَعَةِ العمرِ وصحَّةِ البدنِ، فالزمِ الطاعاتِ والإنفاق في القُرُباتِ، حتى تكون متَّصِفاً عنده بذلك، معروفاً به. (يعرفْك في الشِّدَّة) بتفريجِها عنك، وجعْلِه لك منْ كلِّ ضِيقٍ مخرجاً، ومنْ كلِّ همٍّ فرجاً، بما سلف منْ ذلك التَّعرُّفِ». «ينبغي أنْ يكون بين العبدِ وبين رِّبهِ معرفةٌ خاصَّةٌ بقلبِهِ، بحيثُ يجدُه قريباً للاستغناءِ لهُ منهُ، فيأنسُ بهِ في خلوتِه، ويجدُ حلاوة ذكْرِه ودعائِه ومناجاتِه وطاعتِه، ولا يزالُ العبدُ يقع في شدائد وكُربٍ في الدنيا والبرْزخِ والموقفِ، فإذا كان بينهُ وبين ربِّه معرفةٌ خاصَّة، كفاهُ ذلك كلُّه». *********************** الإغضاءُ عنِ هفواتِ الإخوانِ ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾. لا ينبغي أنْ يزهد فيهِ -أي الأخ- لخُلُقٍ أو خُلُقَيْن ينكرُهما منهُ، إذا رضي سائر أخلاقِه، وحمِد أكثرَ شِيمِه، لأنَّ اليسير مغفورٌ، والكمال مُعوزٌ، وقدْ قال الكِنْديُّ: كيف تريدُ منْ صديقِك خُلُقاً واحداً، وهو ذو طبائع أربعٍ. مع أنَّ نفْس الإنسانِ التي هي أخصُّ النفوسِ به، ومدبَّرةٌ باختيارِه وإرادتِه، لا تُعطيه قيِادها في كلِّ ما يريدُ، ولا تُجيبُه إلى طاعتِه في كلِّ ما يجبُ، فكيف بنفسِ غيرِه؟! ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ﴾، ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾. وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه، وقدْ قال أبو الدرداءِ –رضي الله عنه-: مُعاتبَةُ الأخِ خَيْرٌ منْ فقْدِه، منْ لك بأخيك كلِّه؟! فأخذ الشعراءُ هذا المعنى، فقال أبو العتاهية: أَأُخيَّ منْ لك مِن بني الد نيا بكلِّ أخيك منْ لكْ فاسْتبْقِ بعضك لا يَمَلُّـ ـك كلُّ منْ لم تُعْطِ كُلَّكْ وقال أبو تمامٍ الطائيُّ: ما غبن المغبون مِثْلُ عقْلِهِ منْ لك يوماً بأخيك كُلِّهِ وقال بعضُ الحكماء: طَلَبُ الإنصافِ، مِنْ قلَّةِ الإنصافِ. وقال بعضُهم: نحنُ ما رضِينا عنْ أنفُسِنا، فكيف نرضى عنْ غيرِنا !! وقال بعضُ البلغاءِ: لا يُزهدنَّك في رجلٍ حمدت سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفت فَضْله، وبطنت عقله – عَيْبٌ خفيٌّ، تحيطُ به كثرةُ فضائلِه، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفرُ له قوةُ وسائلِه، فإنك لنْ تجِد –ما بقيت– مُهذَّباً لا يكونُ فيه عيبٌ، ولا يقعُ منه ذنبٌ، فاعتبرْ بنفسك بعدُ ألاَّ تراها بعينِ الرضا، ولا تجري فيها على حُكمِ الهوى، فإنَّ في اعتبارِك بها، واختبارِك لها، ما يُواسيك مما تطلبُ، ويعطِفك على منْ يُذنبُ. وقد قال الشاعرُ: ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها كفى المرء نُبلاً أنْ تُعدَّ معايبُهْ وقال النابغةُ الذُّبيانيُّ: ولست بمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ على شعثٍ أيُّ الرِّجالِ المهذَّبِ وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه، واختبارِ الخصالِ الأربع فيه، لأنَّ ما اعوز فيه معفوٌّ عنهُ، هذا لا ينبغي أنْ تُوحشك فترةٌ تجدُها منهُ، ولا أنْ تُسيء الظَّنَّ في كبوةٍ تكونُ منه، ما لم تتحقَّق تغيُّره، وتتيقَّن تنكُّره، وليصرفْ ذلك إلى فتراتِ النفوسِ، واستراحاتِ الخواطرِ، فإنَّ الإنسان قد يتغيَّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه التي هي أخصُّ النفوسِ به، ولا يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لها، ولا مللٍ منها. وقدْ قيل في منثورِ الحِكمِ: لا يُفسِدنَّك الظَّنُّ على صديقٍ قد أصلحك اليقينُ له. وقال جعفرُ بنُ محمدٍ لابنِه: يا بُنيَّ، منْ غضب من إخوانِك ثلاث مرَّاتٍ، فلمْ يقُل فيك سوى الحقِّ، فاتخِذْه لنفسِك خِلاّ. وقال الحسنُ بنُ وهبٍ: منْ حقوقٍ المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ الإخوانِ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان. وقد روي عنْ عليٍّ –رضي اللهُ عنهُ– في قولِه تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾، قال: الرِّضا بغيرِ عتابٍ. وقال ابنُ الروميِّ: همُ الناسُ والدنيا ولابُدَّ منْ قذىً يُلِمُّ بعينٍ أو يُكدِّرُ مشْربا ومنْ قلّةِ الإنصافِ أنَّك تبتغي الـ ـمُهذَّب في الدنيا ولست المهذَبا وقال بعضُ الشعراءِ: تَوَاصُلُنا على الأيامِ باقٍ ولكنْ هجرُنا مطرُ الرَّبيعِ يرُوعُك صَوْبُهُ لكنْ تراهُ على علاَّتِهِ داني النُّزُوعِ معاذ اللهِ أنْ تلقى غِضاباً سوى دلُ المطاعِ على المُطيعِ ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾. تريدُ مُهذَّباً لا عيب فيه وهلْ عُودٌ يفُوحُ بلا دُخانِ ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾. ****************** الصِّحَّةُ والفراغُ ينبغي ألا تضيِّع صِحَّة جسمِك، وفراغ وقتِك، بالتقصيرِ في طاعةِ ربِّك، والثِّقةِ بسالفِ عمِلك، فاجعلْ الاجتهاد غنيمة صحَّتِك، والعمل فرصة فراغِك، فليس كلُّ الزمانِ مستعداً ولا ما فات مستدركاً، وللفراغِ زيْغٌ أو ندمٌ، وللخْلوةِ مَيْلٌ أو أسفٌ. وقال عمرُ بنُ الخطابِ: الراحةُ للرجالِ غفْلةٌ، وللنساءِ غُلْمةٌ. وقال بزرجمهرُ: إنْ يكنِ الشغلُ مَجْهَدةً، فالفراغُ مفْسدَةٌ. وقال بعضُ الحكماءِ: إيَّاكمْ والخلواتِ، فإنها تُفسدُ العقول، وتعقِدُ المحلول. وقال بعضُ البلغاءِ: لا تمضِ يومك في غير منفعةٍ، ولا تضعْ مالك في غيْر صنيعةٍ، فالعمرُ أقصرُ منْ ينفَدَ في غيرِ المنافعِ، والمالُ أقلُّ منْ أنْ يُصرف في غيرِ الصانع، والعاقلُ أجلُّ منْ أنْ يُفني أيامه فيما لا يعودُ عليه نفعُه وخيرهُ، ويُنفق أموالهُ فيما لا يحصُل له ثوابُه وأجْرُه. وأبلغُ منْ ذلك قولُ عيس ابن مريم، على نبينا وعليه السلامُ: البرُّ ثلاثةٌ: المنطقُ، والنَّظرُ، والصَّمتُ، فمنْ كان منطقُه في غيرِ ذكرٍ فقد لغا، ومنْ كان نظرُه في غيْرِ اعتبارٍ فقدْ سها، ومنْ كان صمْته في غيرِ فِكْرٍ فقد لها. *************** اللهُ وليُّ الذين آمنُوا العبدُ بحاجةٍ إلى إلهٍ، وفي ضرورةٍ إلى مولىً، ولابدَّ في الإلهِ من القُدرةِ والنُّصرةِ، والحُكمِ، والغنمِ، والغناءِ والقوةِ، والبقاءِ. والمُتَّصِفِ بذلك هو الواحدُ الأحدُ الملكُ المهيمنُ، جلَّ في علاه. فليس في الكائناتِ ما يسكُن العبدُ إليهِ ويطمئنُّ به، ويتنعَّمُ بالتَّوجُّه إليه إلا اللهُ سبحانه، فهو ملاذُ الخائفين، ومعاذُ المُلجئِين، وغوْثُ المستغيثين، وجارُ المستجيرين: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾، ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾، ﴿لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ﴾، ومنْ عبد غيْر اللهِ، وإنْ أحبَّه وحصل له به مودَّةٌ في الحياةِ الدنيا، ونوعٌ من اللَّذَّةِ – فهو مَفْسَدةٌ لصاحبه أعظمُ منْ مفسدةِ التذاذِ أكلِ الطعامِ المسمومِ ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ فإنَّ قوامهُما بأنْ تألها الإله الحقَّ، فلو كان فيهما آلهةٌ غيرُ اللهِ، لم يكنْ إلهاً حقّاً، إذ اللهُ لا سمِيّ له ولا مِثْل له، فكانتْ تفسُد، لانتفاء ما به صلاحُها، هذا من جهة الإلهية. فعُلِم بالضرورة اضطرار العبدِ إلى إلهِهِ ومولاهُ وكافِيهِ وناصرِه، وهو اتِّصالُ الفاني بالباقي، والضعيفِ بالقويِّ، والفقيرِ بالغنيِّ، وكلُّ منْ لم يتَّخِذ الله ربّاً وإلهاً، اتَّخذ غيره من الأشياءِ والصورِ والمحبوباتِ والمرغوباتِ، فصار عبداً لها وخادماً، لا محالة في ذلك: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾، ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً﴾. وفي الحديثِ: ((يا حُصيْنُ، كم تعبدُ؟)) قال: أعبدُ سبعةً، ستةً في الأرضِ، وواحداً في السماءِ. قال: ((فمنْ لِرغبِك ولِرهبِك؟)). قال: الذي في السماءِ. قال: ((فاترُكِ التي في الأرضِ، واعبُدِ الذي في السماءِ)). واعلمْ أنَّ فقر العبدِ إلى اللهِ، أنْ يعبد الله لا يُشركُ به شيئاً، ليس له نظيرٌ فيُقاسُ به، لكنْ يُشبِهُ – منْ بعضِ الوجوهِ – حاجة الجسدِ إلى الطعامِ والشرابِ، وبينهما فروقٌ كثيرةٌ. فإنَّ حقيقة العبدِ قلبُه ورُوحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها اللهِ الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئنَّ في الدنيا إلا بذكْرِه، وهي كادحةٌ إليه كدْحاً فمُلاقيتُه، ولابُدَّ لها منْ لقائِه، ولا صلاح لها إلا بلقائِهِ. ومنْ لقاء اللهِ قد أحبَّا كان له اللهُ أشدَّ حُبّا وعكسُه الكارِهُ فالله اسألْ رحْمتهُ فضلاً ولا تتكِلْ ولو حصل للعبد لذَّاتٌ أو سرورٌ بغيرِ اللهِ، فلا يدومُ ذلك، بلْ ينتقلُ منْ نوع إلى نوع، ومنْ شخصٍ إلى شخصٍ، ويتنعَّمُ بهذا في وقتٍ وفي بعض الأحوالِ، وتارةً أُخرى يكون ذلك الذي يتنعَّمُ به ويلتذُّ، غير منعّمٍ لهُ ولا ملتذٍّ له، بلْ قد يُؤذيهِ اتّصالُه به ووجودُه عنده، ويضرُّه ذلك. وأمّا إلههُ فلابُدَّ لهُ منه في كلِّ حالٍ وكلِّ وقتِ، وأينما كان فهو معه. عساك ترضى وكلُّ الناسِ غاضبةٌ إذا رضيت فهذا مُنتهى أملي وفي الحديثِ: ((مَنْ أرضى الله بسخطِ الناسِ، رضي الله عليه، وأرضى عنه الناس، ومَنْ أسخط الله برضا الناس، سخِط اللهُ عليه وأسخط عليهِ الناس)). ولا زلتُ أذكرُ قصَّة (العكوَّك) الشاعرِ وقدْ مدح أبا دلفٍ الأمير فقال: ولا مددْت يداً بالخيرِ واهِبةً إلاَّ قضيت بأرزاقٍ وآجالِ فسلَّط اللهُ عليهِ المأمون فَقَتَلَه على بساطِهِ بسببِ هذا البيت: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾. ********************* إشاراتٌ في طريقِ الباحِثِين للسعادةِ والفلاحِ علاماتٌ تلوحُ، وإشاراتٌ تظهرُ، وهي شهودٌ على رقيِّ صاحبها، ونجاحِ حامِلها، وفلاحِ منِ اتَّصف بها. فمنْ علاماتِ السعادةِ والفلاحِ: أنَّ العبد كلَّما زاد وزُنه ونفاستُه، غاص في قاعِ البحارِ، فهو يعلمُ أنَّ العلم موهبةٌ راسخةٌ يمتحِنُ اللهُ بها منْ شاء، فإنْ أحْسَنَ شُكَرَها، وأحسن في قبُولِهِ، رَفعهُ به درجاتٍ ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾. وكلَّما زِيد في عملهِ، زيد في خوفِهِ وحَذَرِه، فهو لا يأمنُ عثرة القدمِ، وزلَّة اللسانِ، وتقلُّب القلبِ، فهو في مُحاسبةٍ ومُراقبةٍ كالطائرِ الحذِر، كلَّما وقع على شجرةٍ تركها لأخرى، يخافُ مهارة القنَّاص، وطائشة الرصاصِ. وكلَّما زيد في عمرِه، نقص من حِرْصِهِ ويعلمُ علم اليقينِ أنَّهُ قدِ اقترب من المنتهى، وقطع المرحلة، وأشرف على وادي اليقين. وهو كلَّما زِيد في مالِه، زيد في سخائِه وبذْلهِ ؛ لأنَّ المال عاريةٌ، والواهب ممتحنٌ، ومناسباتِ الإمكانِ فُرصٌ، والموت بالمرصادِ. وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه، زيد في قُربِه من الناسِ وقضاءِ حوائجِهم والتَّواضُعِ لهم ؛ لأنَّ العباد عيالُ الله، وأحبُّهم إلى اللهِ أنفعُهم لعيالِه. وعلاماتُ الشقاوةِ: أنَّ كلَّما زيد في علمِهِ، زيد في كِبْره وتيههِ، فعلْمُه غيرُ نافعٍ، وقلبُه خاوٍ، وطبيعتُه ثخينةٌ، وطينتُه سِباخٌ وعْرةٌ. وهو كَّلما زيد في عملِه، زِيد في فخْره واحتقارِه للناس، وحُسْنِ ظنَّه بنفسهِ. فهو الناجي وحده، والباقون هلْكى، وهو الضامنُ جواز المفازةِ، والآخرون على شفا المتالِفِ. وهو كلَّما زِيد في عمرِه، زيد في حِرصِهِ، فهو جمُوعٌ منُوعٌ، لا تُحرِّكهُ الحوادِثُ، ولا تُزعزعُه المصائبُ، ولا تُوقِظهُ القوارِعُ. وهو كلَّما زِيد في مالِه، زيد في بُخلِه وإمساكِه، فقلْبُه مقفرٌ من القِيم، وكفُّه شحيحةٌ بالبذْلِ، ووجهُه صفيقٌ عريَّ من المكارمِ. وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه، زيِد في كِبرِه وتيْهِه، فهو مغرورٌ مدحورٌ، طائشُ الإرادةِ منتفخُ الرِّئةِ، مريشُ الجناحِ، لكنَّه في النهايةِ لا شيء: ((يُحشر المتكبَّرون يوم القيامةِ في صورةِ الذَّرِّ، يطؤهُمْ الناسُ بأقدامِهمْ)). وهذهِ الأموُر ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ، يَبْتَلي بها عباده فيسْعدُ بها أقوامٌ، ويشقى بها آخرون. **************** الكرامةُ ابتلاءٌ وكذلك الكراماتُ امتحانٌ وابتلاءٌ، كالمُلْكِ والسُّلطانِ والمالِ، قال تعالى عنْ نبيِّه سليمان لمَّا رأى عِرش بلقيس عنده: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾، فهو سبحانه يُسْدِي النعمة ليرى منْ قبِلها بقبُولٍ حسن، وشكرها وحفظها، وثمَّرها وانتفع ونفع بها، ومنْ أهلها وعطَّلها، وكفرهاً وصرفها في مُحاربةِ المعطي، واستعان بها في مُحادّةِ الواهبِ جلِّ في عُلاهُ. فالنِّعمُ ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ، يظهرُ بها شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ. كما أنَّ المحنَ منهُ سبحانه، فهو يبتلي بالنعمِ كما يبتلي بالمصائبِ قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ {15} وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {16} كَلَّا....﴾، أي ليس كلُّ منْ وسَّعْتُ عليهِ وأكرمتُه ونعَّمتُه، يكونُ ذلك إكراماً مني له، ولا كلُّ منْ ضيَّقتُ عليهِ رزقه وابتليتُه، يكونُ إهانةً مني له. *********************** الكنوزُ الباقيةُ إنَّ المواهب الجزيلة والعطايا الجليلة، هي الكنوزُ الباقيةُ لأصحابها، الراحلةُ معهمْ إلى دارِ المقامِ، من الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ والبر والتقُّى والهجرةِ والجهادِ والتوبة والإنابةِ: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾ إلى قولهِ تعالى: ﴿هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. *********************** همَّةٌ تنطحُ الثُّريَّا إذا أُعطي العبدُ همَّةً كبرى، ارتحلتْ بهِ في دروبِ الفضائلِ، وصعِدتْ بهِ في درجاتِ المعالي. ومنْ سجايا الإسلامِ التَّحلِّي بكِبر الهمَّةِ، وجلالةِ المقصودِ، وسموِّ الهدفِ، وعظمةِ الغايةِ. فالهمَّة هي مركزُ السالبِ والموجبِ في شخصِك، الرقيبُ على جوارحِك، وهي الوقودُ الحسِّيُّ والطاقةُ الملتهبةُ، التي تمدُّ صاحبها بالوثوبِ إلى المعالي والمسابقةِ إلى المحامِدِ. وكِبَرُ الهمَّةِ يجلبُ لك بإذن اللهِ خيْراً غير مجذوذٍ، لترقى إلى درجاتِ الكمالِ، فيُجْرِي في عروقِك دم الشهامةِ، والركْضِ في ميدانِ العلمِ والعملِ. فلا يراك الناسُ واقفاً إلا على أبواب الفضائلِ، ولا باسطاً يديْك إلا لمهمَّاتِ الأمورِ، تُنافسُ الرُّوَّاد في الفضائلِ، وتُزاحمُ السَّادة في المزايا، لا ترضى بالدُّون، ولا تقفُ في الأخيرِ، ولا تقبلُ بالأقلِّ. وبالتحلِّي بالهِمَّةِ، يُسلبُ منك سفساف الآمال والأعمالِ، ويُجتثُّ منك شجرةُ الذُّلِّ والهوانِ، والتملُّق، والمداهنةِ، فكبيرُ الهِمَّةُ ثابتُ الجأشِ، لا تُرهبُه المواقفُ، وفاقدُها جبانٌ رِعديدٌ، تُغلقُ فمه الفهاهةُ. ولا تغلطْ فتخْلِط بين كِبرِ الهمة والكِبْر، فإن بينهما من الرْق كما بين السماء ذاتِ الرَّجعِ والأرضِ ذاتِ الصَّدْعِ، فكِبرُ الهمَّةِ تاجٌ على مفْرِق القلبِ الحُرِّ المثالي، يسعى به دائماً وأبداً إلى الطُّهرِ والقداسةِ والزِّيادة والفضلِ، فكبيرُ الهمّةِ يتلمَّظُ على ما فاته من محاسن، ويتحسَّرُ على ما فقده من مآثِر، فهو في حنينٍ مستمرٍّ، ونهمٍ دؤوبٍ للوصولِ إلى الغايةِ والنهايةِ. كِبَرُ الهمَّةِ حِلْيةُ ورثةِ الأنبياءِ، والكِبْرُ داءُ المرضى بعلَّة الجبابرةِ البؤساءِ. فكِبرُ الهمَّةِ تصعَدُ بصاحبِها أبداً إلى الرُّقيِّ، والكِبْرُ يهبطُ به دائماً إلى الحضيضِ. فيا طالب العلم، ارسمْ لنفسك كِبر الهمّةِ، ولا تنفلتْ منها وقد أومأ الشرعُ إليها في فقهيَّاتٍ تُلابس حياتك، لتكون دائماً على يقظةٍ من اغتنامِها، ومنها: إباحةُ التَّيمُّمِ للمكلَّفٍ عند فقْدِ الماءِ، وعدمُ إلزامهِ بقبُولِ هِبةٍ ثمن الماءِ للوضوءِ، لما في ذلك من المنَّةِ التي تنالُ من الهمَّة منالاً، وعلى هذا فقيِسْ. فالله الله في الاهتمامِ بالهمَّةِ، وسلِّ سيفِها في غمراتِ الحياةِ: هو الجِدّث حتى تفضُل العينُ أختها وحتَّى يكون اليومُ لليومِ سيِّدا *********************** قراءة العقول ممَّا يشرح الخاطر ويسُرُّ النَّفْس، القراءةُ والتأمُّلُ في عقولِ الأذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ، فإنَّها متعةٌ يسلو بها المُطالعِ لتلك الإشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ. وسيِّدُ العارفين وخيرةُ العالمين، رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-، ولا يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ، لأنهُ مؤيَّدٌ بالوحْي، مصدَّقٌ بالمعجزاتِ، مبعوثٌ بالآياتِ البيِّناتِ، وهذا فوق ذكاءِ الأذكياء ولمُوع الأدباءِ. ***************** ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ قال أبقراطُ: «الإقلالُ من الضَّارّ، خيرٌ من الإكثارِ من النافعِ». وقال: «استديموا الصِّحَّة بترْكِ التَّكاسُلِ عن التعبِ، وبتركِ الامتلاءِ من الطعامِ والشرابِ». وقال بعضُ الحكماءِ: «من أراد الصحة: فليُجوِّد الغداء، وليأكُلْ على نفاءٍ، وليشربْ على ظماءٍ، وليُقلِّلْ من شُربِ الماءِ، ويتمدَّدْ بعد الغداءِ، ويتمشَّ بعد العشاءِ، ولا ينمْ حتى يعرض نفسهُ على الخلاءِ، وليحْذرْ دخول الحمَّامِ عقيِب الامتلاء، ومرَّةٌ في الصيفِ خيرٌ من عشرٍ في الشتاءِ». وقال الحارثُ: «من سرَّه البقاءُ –ولا بقاء– فليُباكِرِ الغداءَ، وليُعجِّلِ العشاء، ولُخفِّفِ الرِّداء، وليُقلَّ غِشيان النساءِ». وقال أفلاطون: «خمسٌ يُذبْن البَدنَ، وربما قَتَلْنَ: قِصَرُ ذاتِ اليدِ، وفراقُ الأحبَّةِ، وتجرُّعُ المغايظِ، وردُّ النُّصح، وضحِكُ ذوي الجهلِ بالعقلاءِ». ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ: «كلُّ كثيرٍ، فهو مُعادٍ للطبيعةِ». وقيل لجالينوس: ما لك لا تمرضُ؟ فقال: «لأني لم أجمعْ بين طعاميْنِ رديئينِ، ولم أُدخِل طعاماً على طعامٍ، ولم أحبِسْ في المعدةِ طعاماً تأذَّيتُ منه». وأربعةُ أشياء تُمرضُ الجسْم: الكلامُ الكثيرُ، والنومُ الكثيرُ، والأكلُ الكثيرُ، والجماعُ الكثيرُ. فالكلامُ الكثيرُ: يقلِّل مُخَّ الدِّماغِ ويُضعفُه، ويعجِّلُ الشَّيْب. والنومُ الكثيرُ: يصفِّرُ الوجه، ويُعمي القلب، ويُهيِّجُ العين، ويُكسلُ عن العملِ، ويولِّدُ الغليظة، والأدواء العسِرة. والجماعُ الكثيرُ: يَهُدُّ الَبَدنَ، ويُضعفُ القُوى، ويُجفِّفُ رُطُوبات البدنِ، ويُرخي العصبَ، ويُورثُ السُّدَدَ، ويعُمُّ ضررُهُ جميع البدنِ، ونخفضُّ الدِّماغ لكثْرةِ ما يتحلَّلُ منهُ من الرُّوحِ النَّفساني. ولإضعافُهُ أكثر من إضعافِ جميعِ المستفرغاتِ، ويستفرِغ من جوهرِ الرُّوحِ شيئاً كثيراً. أربعةٌ تهدم البدن: الهمُّ، والحزنُ، والجوعُ، والسَّهرُ. وأربعة تُفرحُ: النَّظرُ إلى الخُضرةِ، وإلى الماءِ الجاري، والمحبوبِ، والثمارِ. وأربعة تُظلِم البصر: المشْيُ حافياً، والتَّصبُّحُ والإمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ، وكثْرةُ البُكاءِ، وكثرةُ النَّظرِ في الخطِّ الدِّقيقِ. وأربعةٌ تقوِّي الجسم: لُبْسُ الناعمِ، ودخولِ الحمَّامِ المعتدلِ، وأكلُ الطعامِ الحلوِ والدَّسمِ، وشمُّ الروائحِ الطيَّبةِ. وأربعةٌ تُيبِّس الوجه، وتُذهبُ ماءه وبهجتهُ وطلاقَتَهُ: الكذِبُ، والوقاحةُ، وكثْرةُ السؤالِ عن غيرِ علمٍ، وكثْرةُ الفجورِ. وأربعةٌ تزيدُ في ماءِ الوجه وبهجتِه: المروءةُ، والوفُاء، والكرمُ، والتقوى. وأربعةٌ تجلبُ البغضاء والمقْتَ: الكِبْرُ، والحسدُ، والكَذِبُ، والنَّميمةُ. وأربعةٌ تجلبُ الرزق: قيامُ الليلِ، وكثْرةُ الاستغفارِ بالأسحارِ، وتعاهُدُ الصدقةِ، والذِّكْر أول النهارِ وآخِره. وأربعةٌ تمنعُ الرزق: نومُ الصُّبحة، وقلِّةُ الصلاةِ، والكسلُ، والخيانةُ. وأربعةٌ تُضرُّ بالفهمِ والذهنِ: إدمانُ أكْلِ الحامضِ والفواكهِ، والنومُ على القفا، والهمُّ، والغمُّ. وأربعةٌ تزيدُ في الفهم: فراغُ القلبِ، وقلَّةُ التَّملِّي من الطعام والشرابِ، وحُسْنِ تدبيرِ الغذاءِ بالأشياءِ الحُلوةِ والدَّسِمةِ، وإخراجُ الفضلاتِ المثقِّلةِ للبَدنِ. ************************************** خُذُوا حِذْركمْ فالحازم يتوقَّفُ حتى يرى ويبصر، ويترقَّب، ويتأمَّل، ويُعيدَ النظر، ويقرأ العواقب، ويقدِّر الخطواتِ، ويُبرم الرأي، ويحتاط ويَحْذر، لئلاَّ يندم، فإن وقع الأمرُ على ما أراد، حَمِدَ الله، وشكر رأيه، وإن كانتِ الأُخرى، قال: قدرَّ اللهُ، وما شاء فَعَلَ، ورضي ولم يحزنْ. ************************** فـتـبـيَّـنُوا فالعاقلُ ثابتُ القدمِ، سديدُ الرَّأْي، إذا هجمتْ عليهِ الأخبارُ، وأشكلتِ المسائلُ، فلا يأخُذُ بالبوادِر، ولا يتعجَّل الحُكم، وإنما يُمحِّصُ ما يسمعُ، ويقلِّبُ النظر، ويُحادثُ الفكر، ويُشاوِرُ العقلاء، فإنَّ الرَّأْي الخمير، خيرٌ من الرأي الفطيرِ. وقالوا: لأن تُخطئ في العفوِ، خيرٌ منْ أنْ تخطئ في العقوبةِ ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾. ********************* اعزمْ وأقْدِمْ إنَّ كلَّ ما أكتبُه هنا منْ آياتٍ وأبياتٍ، وأثرٍ وعِبر، وقصصٍ وحِكم، تدعوك بأنْ تبدأ حياةً جديدةً، مِلْؤُها الرجاءُ في حُسْنِ العاقبةِ، وجميلِ الختامِ، وأفضلِ النتائجِ. ولا تستطيعُ أن تستفيد إلا بهمَّةٍ صادقةٍ، وعزمٍ حثيثٍ، ورغبةٍ أكيدةٍ في أن تتخلَّص منْ همومِك وغمومك وأحزانِك وكآبتِك. قيل لأحدِ العلماءِ: كيف يتوبُ العبدُ؟ قال: لابُدَّ له منْ سوْطِ عَزْمٍ. ولذلك ميَّز اللهُ أُولي العزمِ بالهِممِ ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾. وآدمُ ليس من أُولي العَزْمِ، لأنه ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾، وكذلك أبناؤه، فهي شِنْشِنَةٌ نعرفُها مِنْ أخْزمِ، ومنْ يُشابِه أباه فما ظلَمَ، لكن لا تقْتدِ به في الذنبِ، وتُخالِفْه في التوبةِ. واللهُ المستعانُ.