بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
"الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"
وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه مباحث تتعلق بمسألة عذاب القبر ونعيمه، وبعض المسائل المتصلة بالحياة البرزخية، كنت قد أعددتها ضمن حلقات برنامج الدار الآخرة: مشاهد وعظات، الذي أُعده وأُقدمه من خلال إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية، ولطلب بعض أهل العلم والفضل نُشر ما قدمته عبر الإذاعة فقد لبيت طلبهم واخترت هذه المباحث التي بين يديك من بين عدد من المباحث الأخرى، لما أرجوه فيها من موعظة القلوب وتذكير النفوس بمعادها لبارئها -جل وعلا- وهي مناسبة أيضا لأن تكون موضوعات لخطب الجمعة والقراءة منها في بعض المجالس.
والله أسأله التوفيق والسداد، والأمن يوم الفزع الأكبر، وأن يشمل بذلك والدي وذريتي وإخواني وأخواتي من المسلمين والمسلمات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وكتب: خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع.
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
الرياض ص.ب : 57242
عصر يوم الجمعة: 12/1/1419هـ
****************************
رحلة الروح المؤمنة بين السماء والأرض:
تحت هذا العنوان نستعرض حديثا شريفا من أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وفيه وصف دقيق للحظات الأخيرة من حياة الإنسان، ثم بيان للرحلة الكبرى للروح بين السماء والأرض حتى تصير لمستقرها في العذاب أو في النعيم، نسأل الله الكريم من فضله، والعافية من أسباب سخطه وأليم عقابه.
وهذا الوصف الذي نحن بصدده ينتظم ويشمل جميع أرواح المكلفين من العباد، المؤمنين والكافرين، المتقين والفاسقين، وها هو الوصف نسوقه للتو بطوله وبمجموع ألفاظه ورواياته.
فعن البراء بن عازب –رضي الله عنه– قال: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستقبل القبلة، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه – ثلاثا – فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر – مرتين أو ثلاثا» ثم قال: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر - ثلاثا» ثم قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت –عليه السلام– حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة –وفي رواية: المطمئنة– أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِيِّ السقاء، فيأخذها – وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم.
فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، فذلك قوله تعالى: "تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ" [الأنعام: 61]، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض.
قال: فيصعدون بها، فلا يمرون –يعني بها– على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله –عز وجل- اكتبوا كتاب عبدي في عليين: "وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ" [المطففين: 19-21]، فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فيرد إلى الأرض، وتعاد روحه في جسده، قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه مدبرين.
فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فيقولان له: وما عملك؟ فيقول:قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينتهره، فيقول: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله –عز وجل- "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [إبراهيم: 27]، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره.
قال: ويأتيه –وفي رواية: يمثل له– رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له : وأنت فبشرك الله بخير من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فو الله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله، بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيراً.
ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كي ما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن».
تلكم هي رحلة الروح المؤمنة، حيث يحيطها الله برعايته ويكلؤها بعنايته، فضلا منه –جل وعلا– ونعمة، كي ترجع تلك الروح التي عرفت ربها وعبدته في الدنيا إلى ربها راضية مرضية، ولنتلبث الآن عند رحلة أخرى، مفزعة مخيفة، ألا وهي رحلة الروح الفاجرة....
* * * * *
رحلة الروح الفاجرة بين السماء والأرض
أما رحلة الروح الكافرة أو الفاجرة فها نحن نسوقها كما ساقها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- إذ قال:
«وإن العبد الكافر –وفي رواية: الفاجر– إذا كان في إقبال من الدنيا وانقطاع من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد، سود الوجوه، معهم المسوح من النار، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها، كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب.
فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح.
ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" [الأعراف: 40]، فيقول الله –عز وجل- اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتطرح روحه من السماء طرحا، حتى تقع في جسده، ثم قرأ: "وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" [الحج: 31].
فتعاد روحه في جسده، قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه.
ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولون له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد، فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون ذاك.
قال: فيقال: لا دريت ولا تلوت، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه.
ويأتيه –وفي رواية: ويمثل له– رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: وأنت فبشرك الله بالشر من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فو الله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله، فجزاك الله شراً.
ثم يقيض له أعمى أصم أبكم، في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة اخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، ويمهد من فرش النار، فيقول : رب لا تقم الساعة».
وبعد أيها الأخ الكريم ويا أيتها الأخت الكريمة تلك هي الرحلة العظمى للروح بين السماء والأرض، فليت شعري على أي طائر ستكون رحلة أرواحنا ومن من الملائكة سيستقبلون أرواحنا، وبأي اسم سننادي به في ذلك العروج وكيف سيكون حالنا في تلك الفتنة الكبرى في القبر، وماذا سيكون نزلنا في دار البرزخ، وهل سنكون معذبين فيه أم منعمين.
لا ريب أيها الأخوة الكرام أن كل مسلم يأمل ويرجو النجاة من عذاب الله تعالى والفوز برضاه، ولكن لو حاسب الإنسان نفسه فسيتبدى له ملامح من حاله التي هو عليها، قال الله تعالى: "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" [القيامة: 14، 15]، والحلال بين والحرام بين، وما كان الله معذبا أحدا حتى يقيم عليه الحجة ويبلغه ويبين له، وبعد ذلك فحكم الله بين إذ قال سبحانه: "أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ" [السجدة: 18].
والآن عد إلى نفسك وزنها بأعمالها فإن وجدت الإحسان والإقبال على الطاعات والتقاصر عن الموبقات فأمل رضي الله والنجاة واستمر على فعل الخيرات.
وإن وجدت التقصير والانهماك في أنواع السيئات وترك الواجبات فأنت مخطور، فبادر إلى ربك تائبا وتملق بين يديه معتذرا، وأبشر بعد ذلك بوعد الله: "فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الفرقان: 70].
وفقنا الله جميعاً لفعل الخيرات واجتناب المنكرات ورزقنا السعادة في الدنيا والآخرة.
* * * * *
القبر.. عذابُه ونعيمه
أخي القارئ.. أختي القارئة:
نقرر هنا ما قرره أئمة أهل السنة والجماعة من وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه.
فللناس ثلاثة مراحل يمرون بها، الأولى: هذه الحياة الدنيا، والثانية: مرحلة البرزخ، والثالثة: الحياة في الدار الآخرة، حيث البقاء الأبدي الذي لا زوال ولا انقضاء.
والحياة في دار البرزخ حياة خاصة، وفيها يفتنون، وينعمون أو يعذبون، كما دلت على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، «وهذا هو مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين».
ومن النصوص القرآنية الدالة على عذاب القبر:
قول الله تعالى في سورة غافر: "وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" [غافر: 45، 46].
قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله– عند تفسير هذه الآية: «إن أرواحهم –أي فرعون وأتباعه– تعرض على النار صباحا ومساء إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، ولهذا قال: "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" أي أشد ألماً، وأعظمه نكـالاً، وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهو قوله تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا" .أ.هـ.
ومن النصوص القرآنية –أيضا– قوله تعالى: "فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" [الطور: 45-47].
والأظهر في المراد بقوله تعالى: "وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِك" الأظهر أن المراد به العذاب في البرزخ –كما نبه إلى ذلك العلامة ابن القيم– رحمه الله في كتاب "الروح"–وقال: «قد احتج بهذه الآية جماعة منهم عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما– على عذاب القبر».
وأما الأحاديث النبوية الصحيحة عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في إثبات عذاب القبر فهي كثيرة مستفيضة، وقرر بعض الأئمة تواترها عنه -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الأحاديث حديث البراء بن عازب –رضي الله عنه– المخرج في "السنن" و"المسند" والذي سقناه من قبل، وهو أتمها سياقاً.
ومن الأحاديث الدالة على عذاب القبر أيضا:
ما رواه البخاري في "صحيحه" عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها– أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عذاب القبر فقال: «نعم، عذاب القبر» وفي لفظ: «عذاب القبر حق»، قالت عائشة –رضي الله عنها- فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.
وفي "الصحيح" أيضا عن أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنهما– قالت: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيبا، فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة، زاد النسائي قول أسماء "ضج المسلمون ضجة حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر كلامه، قال: «قد أوحي إلى أنكم تفتنون في القبور، قريباً من فتنة الدجال».
وفي "صحيح مسلم" عن زيد بن ثابت قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلته، ونحن معه إذ حادت به، فكادت تلقيه، فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه القبور؟» فقال رجل: أنا، قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الاشراك فقال: «إن هذه الأمة تبتلي في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه»، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «تعوذوا بالله من عذاب القبر»، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال : «تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن»، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: «تعوذوا بالله من فتنة الدجال»، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
وفي "صحيح مسلم" و"السنن" عن أبي هريرة –رضي الله عنه –أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال».
ومن الأدلة المقررة لحقيقة عذاب ما رواه مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال».
وفي "الصحيحين" عن أبي أيوب قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد وجبت الشمس فسمع صوتا، فقال: «يهود تعذب في قبورها».
وبما تقدم أيها الأخوة الكرام يتبين أن للناس في قبورهم حياة أخرى، لها خصوصياتها وتعلق الروح بالبدن فيها تعلق خاص، والناس في تلك الحياة البرزخية ينالهم من العذاب أو النعيم بحسب أعمالهم التي قدموها في حياتهم الدنيا.
كما أن ذلك العالم البرزخي من عالم الغيب الذي يجب علينا أن نؤمن به وفق ما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة.
كما سنوضح ذلك فيما بعد بعون الله إضافة لبعض المسائل الأخرى المتعلقة بعذاب القبر ونعيمه وما يتصل بهما.
أسأل الله الجواد الكريم أن يجعل قبورنا ووالدينا وإخواننا المسلمين رياضا من رياض الجنة.
طائفة من كلام الأئمة حول عذاب القبر ونعيمه:
ننقل بعضا من كلام الأئمة العلماء في تقرير هذه المسألة.
وذلك أن أهل السنة متفقون على «أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، فيحصل له معها النعيم والعذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى أجسادها، وقاموا من قبورهم لرب العالمين»قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: «وهذا كله متفق عليه عند علماء الحديث والسنة».
ونقل العلامة ابن القيم عن الإمام احمد بن حنبل أنه قال: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال أو مُضل.
وقال حنبل: قلت لأبي عبد الله –يعني الإمام احمد بن حنبل– في عذاب القبر، فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها، ونقر بها، كل ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إسناد جيد أقررنا به، إذا لم نقر بما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودفعناه ورددناه، رددنا على الله أمره، قال الله تعالى: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ" [الحشر: 7] قلت له: وعذاب القبر حق؟ قال: حق، يعذبون في القبور.
وقرر ذلك شيخ الإسلام في مواضع عديدة من مؤلفاته، ومنها ما قرره في "العقيدة الواسطية" حيث قال: «ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه، فأما الفتنة فإن الناس يفتنون في قبورهم فيقال للرجل: من ربك، وما دينك ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فأما المؤمن، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نبي، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق ».
وقال العلامة الطحاوي الحنفي في عقيدته السلفية الشهيرة إن أهل السنة والجماعة يؤمنون: «بعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر ونكير في قبره، عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن الصحابة رضوان الله عليهم، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران»أ.هـ.
وعن عذاب القبر ونعيمه يقول العلامة ابن القيم:
"ومما ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادا ونسف في الهواء أو صلب أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور".
"وهذا البرزخ الذي هو ما بين الدنيا والآخرة يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة ولكل منهم نصيبه من عذاب البرزخ أو نعيمه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب، وكيفياتهما، فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حرق جسده بالنار وصار رمادا وذري بعضه في البحر وبعضه في البر في يوم شديد الرياح أنه ينجو من ذلك، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: قم، فإذا هو قائم بين يدي الله فسأله ما حملك على ما فعلت؟ فقالت: خشيتك يا رب وأنت أعلم، فرحمه الله وعفا عنه.
وهذه القصة مخرجة في "الصحيح" على لسان المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
فعذاب البرزخ ونعيمه لا يفوت تلك الأجزاء التي صارت رمادا، حتى لو علق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الريح لأصاب جسده وروحه من نعيم البرزخ وعذابه نصيبه.
ولو دفن الرجل الصالح في طبقات من نار لأصاب جسده وروحه من نعيم البرزخ نصيبه وحظه، فيجعل الله النار عليه بردا وسلاما، فعناصر العالم ومواد منقادة لربها وفاطرها وخالقها، يصرفها كيف يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده، بل هي طوع مشيئته، مُذلة منقادة لقدرته، ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين وكفر به وأنكر ربوبيته.اهـ ملخصا من "الروح".
ومما ينبغي أن يعلم أن أمور البرزخ من الغيب الذي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يؤمن به مجملاً حيث أجمل، ومفصلاً حيث فصل، كما جاء في القرآن العظيم والسنة المطهرة، ولكن قد يظهر الله تعالى لبعض عباده شيئا من أحوال أهل القبور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فقد انكشف لكثير من الناس ذلك حتى سمعوا أصوات المعذبين في قبورهم، ورأوه بعيونهم يعذبون في قبورهم في آثار كثيرة معروفة، ولكن هذا لا يجب أن يكون دائما على البدن في كل وقت، بل يجوز أن يكون في حالة دون حال».
ومن الأدلة على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس –رضي الله عنهما– قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «يعذبان وما يعذبان في كبير», ثم قال «بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة» ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: «لعله أن يخفف عنهما، ما لم ييبسا».
وروى الطحاوي بسند حسن عن ابن مسعود –رضي الله عنه– عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه نارا، فلما ارتفع عنه، قال: علام جلدتموني؟ قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره».
ومما شوهد في هذا الباب ما ذكره ابن أبي الدنيا في "كتاب القبور" ونقله عنه العلامة ابن القيم في كتاب "الروح" عن أحد ثقات التابعين وهو سويد بن حجير قال: مررنا في بعض المياه التي بيننا وبين البصرة، فسمعنا نهيق حمار، فقلنا لهم: ما هذا النهيق؟ قالوا: هذا رجل كان عندنا كانت أمه تكلمه بالشيء فيقول لها: انهقي نهيقك، فلما مات سمع هذا النهيق من قبره كل ليلة.
والواقع في هذا الباب كثيرة يضيق المقام عن إيرادها، ومهما يكن من أمر، فإن تلك القبور، وإن بدت للناظرين ساكنة، ولكن ما في داخلها أمر آخر، فكم من معذب فيها مغمور محزون، وكم منعم فيها فرح مسرور. والله المستعان.
بعض أحوال أهل القبور:
خرج البخاري في كتاب التعبير –أي تعبير الرؤى وتفسيرها– من "جماعة الصحيح" باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، عن سمرة بن جندب –رضي الله عنه– الطويل قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» قال: فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: «إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني»، [أي أتاه -صلى الله عليه وسلم- ملكان في المنام وأيقظاه وهذا نوع من الوحي لأن رؤيا الأنبياء وحي كما هو معلوم] ثم ذكر -صلى الله عليه وسلم- ما رأى في تلك لرؤيا، ونذكر منها ما هو متعلق بموضوعنا هذا مما رآه -صلى الله عليه وسلم- من أحوال بعض الذين يعذبون في قبورهم، ومن ذلك : قوله : «وأنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه –أي يشدخه ويكسره– فيتدهده الحجر هاهنا –أي يتدحرج– فيتبع الحجر، فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به في المرة الأولى» وجاء في تمام الحديث بيان حال هذا الرجل وهو «أنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة».
وفي هذه المعصية يقول الله تعالى: "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ" [الماعون: 4،5].
قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في تفسير هذه الآيات: "سَاهُونَ" إما عن وقتها الأول، فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع فيها، والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، ولكن من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية، ومن اتصف بجميع ذلك فقد تم له نصيبه منها وكمل له النفاق العملي" أ.هـ .
ومما جاء في حديث المنام الذي رواه سمرة بن جندب عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «فأتينا على نهر –أحمر مثل الدم– وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي جمع عند حجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه ففغر له فاه فألقمه حجرًا» وجاء في تمام الحديث أن ذلك الرجل الذي يسبح في نهر الدم هو آكل الربا، قال ابن هبيرة –رحمه الله-: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة، لأن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر، وأما إلقاء الملك له الحجر، فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا، وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد، والله من ورائه يمحقه".
ولئن كان هذا العذاب لآكل الربا في البرزخ فهو مستمر معه حتى يقوم من قبره يوم البعث من القبور، كما قال تعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ" [سورة البقرة: 275].
أي أنهم لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياما منكراً. قال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق، وقيل إنهم يبعثون يوم القيامة قد انتفخت بطونهم كالحبالى وكلما قاموا سقطوا، والناس يمشون عليهم، وإنما جعل ذلك شعارا لهم ليعرفوا به يوم القيامة، ثم العذاب من وراء ذلك.
ومما جاء في حديث المنام في وصف الذين يعذبون في قبورهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فأتينا على مثل التنور –وفي رواية: أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار– قال: فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا..» أي: ارتفعت أصواتهم متألمين.
وجاء في تمام الحديث بيان أولئك هم الزناة من الرجال والزواني من النساء.
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله– مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة، فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون كنايتهم من أعضائهم السفلى".
وذلك يوجب على كل مسلم ومسلمة الحذر غاية الحذر من هذا الذنب العظيم وأن يحذر من أسبابه وما يوصل إليه، مثل الخلوة المحرمة، أو تعاطي أسباب الفتنة مثل التبرج وإظهار مفاتن المرأة، وهكذا إطلاق البصر بالنظر إلى المحرمات واستماع الأغاني التي هي محرض من المحرضات على مواقعة الفاحشة، وغير ذلك من الأسباب والوسائل.
وجاء في حديث المنام المشار إليه أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد –وهي حديدة معوجة الرأس– وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه» [أي يقطع ويشق وجهه من جهة الفم إلى الوراء] ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثلما فعل المرة الأولى»وجاء في تمام الحديث أن ذلك المعذب هو «الذي يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق».
ومن الذين رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يعذبون في قبورهم أقوام وقعوا في الغيبة المحرمة، يوضح ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أنس بن مالك –رضي الله عنه– قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نُحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».
وبما تقدم يعلم أن تلك الذنوب التي ارتكبها أولئك الذين رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يعذبون يخشى على من واقعها مثل ذلك العذاب.
وهذا يوجب الحذر منها.
وأيضاً هنالك نماذج آخرى مبثوثة في مواضعها تبين بعض ما أظهره الله لخلقه من عذاب أهل القبور أو نعيمهم.
نسأل الله الجواد الكريم أن يتغمدنا بعفوه ورحمته وأن يشمل بذلك والدينا وإخواننا المسلمين.
* * * * *
يتبع إن شاء الله...