ولم تكن أم سليم تتصنع البذل أمام الناس وتنساه في نفسها ..
وإنما العجب حالها في بيتها .. من عناية بزوجها .. ورضا بقسمة ربها ..
تزوجت أم سليم أبا طلحة .. ورزقت منه بغلام صبيح .. هو أبو عمير ..
وكان أبو طلحة يحبه حباً عظيماً ..
بل كان صلى الله عليه وسلم يحبه .. ويمر بالصغير فيرى معه طيراً يلعب به ..
اسمه النغير .. فكان يمازحه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير ؟
فمرض الغلام .. فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً .. حتى اشتد المرض بالغلام يوماً ..
وخرج أبو طلحة في حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وتأخر عنده ..
فازداد مرض الغلام ومات .. وأمه عنده ..
بكى بعض أهل البيت .. فهدأتهم وقالت : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ..
فوضعت الغلام في ناحية من البيت وغطته .. وأعدت لزوجها طعامه ..
فلما عاد أبو طلحة إلى بيته .. سألها : كيف الغلام ؟
قالت: هدأت نفسه .. وأرجو أن يكون قد استراح ..
فتوجه إليه ليراه .. فأبت عليه وقالت : هو ساكن فلا تحركه ..
ثم قربت له عشاءه فأكل وشرب .. ثم أصاب منها ما يصيبه الرجل من امرأته ..
فلما رأت أنه قد شبع واستقر ..
قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت ..
فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا ..
قالت : ألا تعجب من جيراننا ؟ قال : وما لهم ؟!
قالت : أعارهم قوم عارية .. وطال بقاؤها عندهم حتى رأوا أن قد ملكوها ..
فلما جاء أهلها يطلبونها .. جزعوا أن يعطوهم إياها ..
فقال : بئس ما صنعوا ..
فقالت : هذا ابنك .. كانت عارية من الله .. وقد قبضه إليه .. فاحتسب ولدك عند الله ..
ففزع .. ثم قال : والله .. ما تغلبيني على الصبر الليلة .. فقام وجهز ولده ..
فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره .. فدعا لهما بالبركة ..
قال راوي الحديث : فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن ..
فانظري كيف ارتفعت بدينها .. عن شق الجيوب.. وضرب الخدود.. والدعاء بالويل والثبور ..
هل رأيتم امرأة توفى ابنها .. بين يديها .. وتقوم بخدمة زوجها .. وتهيئ له نفسها ..
بل هل رأيت ألطف من لطفها .. أو ألين من طريقتها ..
* * * * * * * *
إن امرأة بهذا الإيمان والدين .. والصدق واليقين .. لينتشر خيرها ..
وتعم بركة فعلها .. على أهل بيتها ..
فيصلح أولادها .. وتستقيم بناتها .. ويتأثر زوجها بصلاحها ..
فلا عجب أن يرتفع شأن أبي طلحة بعد زواجه منها ..
كانت أم سليم تحثه على الدعوة والجهاد .. وطاعة رب العباد ..
حتى إذا كانت خرج أبو طلحة مع المجاهدين .. فاشتد عليهم البلاء ..
فاضطرب المسلمون .. وقتّلوا .. وتفرقوا ..
وأقبل المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون قتله ..
فأقبل عليه أصحابه الأخيار .. وهم جرحى .. وجوعى ..
دماؤهم تسيل على دروعهم .. ولحومهم تتناثر من أجسادهم ..
أقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فأحاطوه بأجسادهم يصدون عنه الرماح .. وضربات السيوف .. تقع في أجسادهم دونه ..
وكان أبو طلحة يرفع صدره ويقول : يا رسول الله لا يصيبك سهم ..
نحري دون نحرك .. وهو يقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحامي ..
والكفار يضربونه من كل جانب .. هذا يرميه بسهم .. وذلك يضربه بسيف ..
والثالث يطعنه بخنجر .. فلم يلبث أن صُرع ووقع من كثرة الضرب عليه ..
فأقبل أبو عبيدة يشتد مسرعاً .. فإذا أبو طلحة صريعاً .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(دونكم أخاكم فقد أوجب) .. فحملوه .. فإذا بجسده بضع عشرة ضربة وطعنة ..
نعم .. كان أبو طلحة بعدها .. يرفع راية الدين .. وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
لصوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئة ..!! هذا صوته في الجيش ..
فما بالك بقوته وقتاله ؟ ..
* * * * * * * *
فهل تنشطين لتقدمي مثلما قدمت ؟
فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم النساء كما دعا الرجال ..
وبايع النساء كما بايع الرجال .. وحدث النساء كما حدث الرجال ..
والنساء والرجال متساويان في الجزاء والعقاب ..
قال تعالى: (مَن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ..
فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ..
وهما متساويان في الحقوق الإنسانية .. فلكل من الزوجين حق على الآخر ..
قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً) ..
والميزان الوحيد عند الله للمفاضلة بين الرجل والمرأة هو التقوى ..
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ..
وكلما احترمت المرأة نفسها احترمها من حولها .. فهي ثمينة مادامت أمينة ..
فإذا خانت هانت ..
وانظري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لما فتح مكة .. واضطرب أمر الكفار فيها ..
فمنهم من قاتل .. ومنهم أسلم .. ومنهم من اختبأ ..
فكان من بين المقاتلين رجلان قاتلا علياً رضي الله عنه ثم فرا من بين يديه ..
والتجئا إلى بيت أم هانئ أخت علي رضي الله عنه .. فأمنتهما ..
فأقبل علي عليها .. فدخل البيت .. وقال: والله لأقتلنهما ..
فأغلقت أم هانئ عليهما باب البيت ..
ثم ذهبت سريعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فلما رآها قال: مرحباً يا أم هانئ .. ما جاء بك ؟
فقالت: زعم علي أنه يقتل رجلين أمنتهما ..
فقال صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت .. وأمنا من أمنت .. فلا يقتلهما ..
وجعل الله للمرأة حقها في تقرير حياتها .. فلا تزوج إلا بإذنها ..
ولا يؤخذ من مالها إلا باختيارها .. وإن اتهمت في عرضها عوقب متهمها ..
وإن احتاجت أُلزم وليها بسد حاجتها .. أبوها مأمور بالإحسان إليها ..
وولدها مأمور ببرها .. وأخوها مأمور بصلتها ..
بل طالما قدم الدين المرأة على الرجل ..
قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن ..
وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك) ..
وفي الصحيحين قال رجل: يا رسول الله ! من أحق الناس بحسن صحابتي ؟
قال صلى الله عليه وسلم: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك) ..
ورأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يطوف حول الكعبة .. يحمل عجوزاً على ظهره ..
فسأله: من هذه فقال الرجل : هذه أمي مقعدة ..
وأنا أحملها على ظهري منذ عشرين سنة .. أتراني يا ابن عمر وفيتها حقها ..
فقال ابن عمر : لا .. لا .. ولا زفرة من زفراتها ..
* * * * * * * *
فمع هذا التبجيل والتكريم .. والاحترام والتقديم ..
كيف تتقاعس فتيات اليوم عن نصرة الدين ..
بل كيف ترى المنكرات ظاهرة .. بصور فاجرة .. أو علاقات سافرة ..
ومحرمات في اللباس والحجاب .. مؤذنة بقرب نزول العذاب ..
ترى هذه المنكرات بين قريباتها .. وأخواتها وزميلاتها ..
ثم لا تنشط للإنكار .. وقد قال صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم منكراً فليغيره ..
فهل غيرت ما استطعت من منكرات ؟
ليت شعري .. كيف يكون حالك يوم القيامة ..
إذا تعلقت بك الصديقة والزميلة .. والحبيبة والخليلة ..
وبكين وانتحبن .. لم رأيتينا على المنكرات .. ومقارفة المحرمات ..
ولم تنهي أو تنصحي .. أو تعظي وتذكري ..
* * * * * * * *
وانظري إلى تضحية الكافرات لدينهن ..
يقول أحد الدعاة :
كنت في رحلة دعوية إلى اللاجئين في أفريقيا ..
كان الطريق وعراً موحشاً أصابنا فيه شدة وتعب..
ولا نرى أمامنا إلا أمواجاً من الرمال .. ولا نصل إلى قرية في الطريق ..
إلا ويحذرنا من قُطَّاع الطرق ..
ثم يسَّر الله الوصول إلى اللاجئين ليلاً ..
فرحوا بمقدمي .. وأعدَّوا خيمة فيها فراش بال ..
ألقيت بنفسي على الفراش من شدة التعب.. ثم رحت أتأمل رحلتي هذه ..
أتدري ما الذي خطر في نفسي؟!
شعرت بشيء من الاعتزاز والفخر..
بل أحسست بالعجب والاستعلاء! فمن ذا الذي سبقني إلى هذا المكان؟!
ومن ذا الذي يصنع ما صنعت؟!
ومن ذا الذي يستطيع أن يتحمل هذه المتاعب؟!
وما زال الشيطان ينفخ في قلبي حتى كدت أتيه كبراً وغروراً
خرجنا في الصباح نتجول في أنحاء المنطقة..
حتى وصلنا إلى بئر يبعد عن منازل اللاجئين ..
فرأيت مجموعة من النساء يحملن على رؤوسهن قدور الماء..
ولفت انتباهي امرأة بيضاء من بين هؤلاء النسوة..
كنت أظنها -بادي الرأي- واحدة من نساء اللاجئين مصابة بالبرص..
فسألت صاحبي عنها ..
قال لي مرافقي: هذه منصرة .. نرويجية .. في الثلاثين من عمرها ..
تقيم هنا منذ ستة أشهر .. تلبس لباسنا.. وتأكل طعامنا.. وترافقنا في أعمالنا..
وهي تجمع الفتيات كل ليلة .. تتحدث معهن .. وتعلمهن القراءة والكتابة..
وأحياناً الرقص .. وكم من يتيم مسحت على رأسه! و مريض خففت من ألمه!
فتأملي في حال هذه المرأة.. ما الذي دعاها إلى هذه القفار النائية وهي على ضلالها؟!
وما الذي دفعها لتترك حضارة أوروبا ومروجها الخضراء؟!
وما الذي قوَّى عزمها على البقاء مع هؤلاء العجزة المحاويج وهي في قمة شبابها؟!
أفلا تتـصـاغرين نفسك ..
هذه منصِّرة ضالّة .. تصبر وتكابد .. وهي على الباطل ..
بل في أدغال أفريقيا .. تأتي المنصرة الشابة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا ..
تأتي لتعيش في كوخ من خشب .. أو بيت من طين .. وتأكل من أردئ الطعام كما يأكلون ..
وتشرب من النهر كما يشربون .. ترعى الأطفال .. وتطبب النساء ..
فإذا رأيتيها بعد عودتها إلى بلدها .. فإذا هي قد شحب لونها .. وخشن جلدها ..
وضعف جسدها .. لكنها تنسى كل هذه المصاعب لخدمة دينها ..
عجباً .. هذا ما تبذله تلك النصرانيات الكافرات .. ليُعبد غير الله ..
(إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) ..
* * * * * * * *
وأنت .. أفلا تساءلت يوماً: ماذا قدمت للإسلام ..
كم فتاة تابت على يدك .. كم تنفقين لهداية الفتيات إلى ربك ..
تقول بعض الصالحات لا أجرؤ على الدعوة .. ولا إنكار المنكرات ..
عجباً !! كيف تجرؤ مغنية فاجرة ..
أن تغني أمام عشرة آلاف يلتهمونها بأعينهم قبل آذانهم ..
ولم تقل إني خائفة أخجل ..
كيف تجرؤ راقصة داعرة .. أن تعرض جسدها أمام الآلاف .. ولا تفزع وتوجل ..
وأنت إذا أردنا منك مناصحة أو دعوة .. خذلك الشيطان ..
* * * * * * * *
بل بعض الفتيات .. تزين لغيرها المنكرات .. فتتبادل معهن مجلات الفحشاء ..
وأشرطة الغناء .. أو تدعوهن إلى مجالس منكر وبلاء ..
وهذا من التعاون على الإثم والعدوان .. والدخول في حزب الشيطان ..
ولتنقلبن هذه المحبة إلى عداوة وبغضاء ..
قال الله : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ..
هذا حالهن في عرصات القيامة .. يلبسن لباس الخزي والندامة ..
أما في النار ..
فكما قال الله عن فريق من العصاة:
{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } ..
نعم يلعن بعضهن بعضاً .. تقول لصاحبتها التي طالما جالستها في الدنيا ..
وضاحكتها وقبلتها .. تقول لها يوم القيامة: لعنك الله أنت التي أوقعتني في الغزل والفحشاء ..
فتصيح بها الأخرى: بل لعنك الله أنت .. فأنت التي أعطيتني أشرطة الغناء
فتجيبها: بل لعنك الله .. أنت التي زينتي ليَ التسكع والسفور ..
فترد عليها: بل لعنك الله أنت .. أنت التي دللتني على طرق الفجور ..
عجباً .. كيف غابت تلك الضحكات .. والهمسات واللمسات .. طالما طفتما في الأسواق .. وضاحكتما الرفاق ..
واليوم يكفر بعضكن ببعض ويلعن بعضكن بعضاَ ..
نعم .. لأنهن ما اجتمعن يوماً على نصيحة أو خير ..
فهن يوم القيامة يجتمعن .. ولكن أين يجتمعن ؟
في نار لا يخبو سعيرها .. ولا يبرد لهيبها ..
ولا يخفف حرها .. إلا أن يشاء الله ..
{ فَإِذَا نُفِخَ الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ * *
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *
ومَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ *
أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ *
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ *
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } ..
ثم قال الله: {أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ..
* * * * * * * *
وكم من الفتيات المؤمنات .. انجرفت إحداهن مع الأمواج ..
فبدأت تتساهل بالحجاب والعباءة .. وترضى أن تتتبع ما يصنعه المفسدون ..
بل يصممه الفجرة والكافرون .. من العباءات التي تظهر الزينة بدل أن تسترها ..
عجباً !! كيف ترضين أن تكوني دمية يلبسونها ما شاءوا ؟
فهذه عباءة مطرزة .. وتلك مخصرة .. والثالثة على الكتفين ..
والرابعة واسعة الكُمّين ..
أصبحت أكثر العباءات .. تحتاج إلى سترها بعباءة ..
فالحجاب.. إنما شرع لستر الزينة عن الرجال .. فإذا كان الحجاب في نفسه زينة ..
فما الحاجة إليه ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما ..
رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ..
ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة ..
لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ).
فمن هي الفتاة التي لا تريد الجنة ولا رائحتها ؟
أما تعلمين .. أنك بتبرجك وسفورك تصبحين وسيلة من وسائل الشيطان ؟
هل ترضين أن تكوني سبباً في وقوع مسلم في الحرام ؟
أتدرين أنك إذا لبست عباءة متبرجة .. ثم رأتك فتاة فاشترت مثلها فلبستها ..
أتعلمين أن عليك وزرها ووزر من قلدها هي أيضاً إلى يوم القيامة ..
أيسرك أن تكوني قدوة في الشر ..
* * * * * * * *
ولو سألت امرأة تزينت بعباءة من هذه الأنواع.. لماذا تلبسين هذه العباءة ؟ لقالت لك : هذه أجمل ..
فاسأليها عند ذلك : تتجملين لمن ؟!! نعم تتجملين لمن ؟! لخاطب شريف .. أو زوج عفيف ..
إنها تتزين لينظر إليها سفلة الناس .. ممن لا يلتفتون لمراقبة الله لهم .. ممن لا يهمهم شرفها .. ولا عفتها أو كرامتها ..
يسعى أحدهم لشهوة فرجه .. ولذة عينه .. ثم إذا قضى حاجته منها .. ركلها بقدمه .. وبحث عن فريسة أخرى ..
* * * * * * *
هلا تفكرت يوماً .. لماذا أمرك الله بالحجاب .. نعم لماذا قال الله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ }
.. لماذا أمرك الله بستر زينتك .. وجهك وشعرك وسائر جسدك ..
لماذا أمرك الله بهذا .. هل بينه وبينك خصام.. أو ثأر وانتقام .. كلا .. فهو الغني عن عباده الذي لا يظلم مثقال ذرة ..
ولكنها سنة الله الباقية .. وشريعته الماضية .. وقوله الذي لا يبدل .. وحكمه الذي يعدل ..
قضى على الرجل بأحكام .. وعلى المرأة بأحكام .. ولا يمكن أن تستقيم الدنيا إلا بطاعته ..
والمرأة الصالحة تسلم لربها في أمره ..
وتأملي فيما رواه مسلم .. من خبر تلك المرأة .. التي جاءت إلى عائشة يوماً فسألتها .. فقالت :
ما بال الحائض إذا طهرت من حيضها .. تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟
فعجبت عائشة من سؤالها .. وقالت : أحرورية أنت ؟ أي من الخوارج على الدين ؟
قالت : لست بحرورية .. ولكني أسأل ..
فقالت عائشة : كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ..
نعم ..تسليم تام لأوامر الله .. { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } ..
نعم .. الفائزون هم الذين يسلمون لله في أمره ..
* * * * * * * * *
أما غيرهم .. فهم يسعون جاهدين .. لنزع عباءتك .. وهتك حجابك ..
يستميتون لتحقيق غاياتهم .. ينفقون من أموالهم .. ويبذلون من أوقاتهم .. فهذه مجلة سافرة .. وتلك مقالة فاجرة .. وهذا برنامج يشكك في الحجاب ..
يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا ..
يريدون التمتع بالنظر إلى زينتك في أسواقهم .. والأنس برقصك في مسارحهم .. والتلذذ بجسدك على فرشهم .. وبخدمتك لهم في طائراتهم .. فهم في الحقيقة يطالبون بحقوقهم لا بحقوقك ..
عجباً لهم ..!! لم يعرفوا من حقوق المرأة .. إلا حقَّ التبرجِ ونزعِ الحجاب .. وحقَّ قيادة السيارة .. وحقَّ السفر بلا محرم .. وحقَّ العمل ومخالطةِ الرجال .. وحقَّ الخروج في وسائل الإعلام .. إلى آخر تلك الحماقات التي يسمونها حقوقاً ..
تباً لهم ..!! لم نسمعهم يوماً يطالبون بحقوق الأرامل والمعوقات .. أو يطالبون الأبناء بحقوق الأمهات ..
يطالبون بالفساد .. ويظهرون أنهم يريدون رقي المجتمع .. وهذا حال المنافقين .. فهم أحفاد عبد الله بن أبي بن سلول .. رأس المنافقين في عهد رسول الله J ..
ألم تري أنه اتهم أمنا عائشة رضي الله عنها بالزنا .. وأشاع المقالة ورددها بين الناس .. وزعم أنه يريد إشاعة الفضيلة .. وهو في الحقيقة أستاذ الرذيلة .. وموقد نارها .. ألا ترين أنه كان يشتري الإماء الجميلات ثم يأمرهن بالبغاء والزنا .. ليجمع المال من ذلك .. حتى فضحه الله في القرآن بقوله تعالى : (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ..
فهم يرددون .. العباءة على الرأس تضايقك .. والثوب الطويل يثقل عليك .. والبنطال أسهل لمشيك .. وتغطية الوجه تكتم أنفاسك ..
قوم أعجبوا بحضارة الكفار .. فظنوا أن الطريق إليها نزع الحجاب .. وتشمير الثياب ..
وإن جولة واحدة في إحدى مدن الغرب أو الشرق تكفي لإدراك هذه الحقيقة .. فالمرأة تشتغل حمالة حقائب في المطار .. وعاملة نظافة في الطريق .. ومنظفة حمام في الشركة ..
وإن كانت جميلة .. اشتغلت في مرقص أو بار .. فهذا سكير يعربد بها .. وذاك فاجر يعبث بجسدها .. والثالث يتخذها سلعة يتكسب منها .. فإذا قضوا حاجتهم منها صفعوا وجهها ..
وإذا كبرت ألقيت في دار العجزة التي هي أشبه بالسجون .. بل بالمقابر ..
عجباً .. أهذه هي الحرية التي يعنونها ..
والله لإن كنا نتألم لمصاب مسلمة في الفلبين .. وأخرى في كشمير ..
فإن المرأة هناك لا تجد من يتألم لها ..
* * * * * * * * *
يقول أحد الأطباء :
كنت أدرس في بريطانيا ..
وكانت جارتنا عجوزاً يزيد عمرها على السبعين عاماً ..
كانت تستثير شفقة كل من رآها .. قد احدودب ظهرها .. ورق عظمها .. ويبس جلها ..
ومع ذلك .. فهي وحيدة بين جدران أربعة ..
تدخل وتخرج وليس معها من يساعدها من ولد ولا زوج ..
تطبخ طعامها .. وتغسل لباسها ..
منزلها كأنه مقبرة .. ليس فيه أحد غيرها .. و لا يقرع أحد بابَها ..
دعتها زوجتي لزيارتنا ذات يوم ..
فأخبرتها زوجتي بأن الإسلام يجعل الرجل مسئولاً عن زوجته .. يعمل من أجلها .. يبتاع طعامها ولباسها ..
يعالجها إذا مرضت .. ويساعدها إذا اشتكت ..
وهي تجلس في بيتها .. تجب عليه نفقتها ورعايتها .. بل وحماية عرضها ونفسها ..
فإذا رزقت بأولاد .. وجب عليهم هم أيضاً برها .. والذلة لها ..
ومن عقها من أولادها نبذه الناس وقاطعوه حتى يبُرّها ..
فإن لم تكن المرأة ذات زوج وجب على أبيها أو أخيها .. أو وليها .. أن يرعاها ويصونها ..
كانت هذه العجوز .. تستمع إلى زوجتي .. بكل دهشة وإعجاب ..
بل كانت تدافع عبراتها وهي تتذكر أولادها وأحفادها الذين لم ترهم منذ سنوات .. ولا يزورها أحد منهم .. بل لا تعرف أين هم ..
وقد تموت وتدفن أو تحرق وهم لا يعلمون .. لأنها لا قيمة لها عندهم ..
أنهت زوجتي حديثها .. فبقيت العجوز واجمة قليلاً .. ثم قالت :
في الحقيقة .. إن المرأة في بلادكم : ملكة .. ملكة ..
نعم والله .. أيتها الأخت الكريمة أنت عندنا ملكة ..
نعم ملكة ٌتسفك من أجلك الدماء .. فمن قتل دون عرضه فهو شهيد ..
وترخص لأجلك الأرواح .. وتنفق الأموال ..
* * * * * * * * *
ولأنك ملكة مصونة أمر الرجال حولك أن يحفظوك ..
وقد يدقق الرجل على امرأته .. فيأمرها أو ينهاها .. وهو إنما يريد نجاتها ..
وانظري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وقد جيئ إليه بمسك وعنبر من مصر .. ليبيعه ويجعل ثمنه في بيت مال المسلمين .. فقال رضي الله عنه : وددت أني وجدت امرأة جيدة الوزن .. تكسر هذا الطيب وتبيعه وتجعل المال في بيت مال المسلمين .. فقالت امرأته : أنا أفعل ذلك يا أمير المؤمنين ..
قال : فافعلي ..
فأخذت النساء تأتيها .. وتكسر العنبر بيدها وتزن لهن وتبيع .. فكانت إذا التصق بيدها شيء من الطيب مسحته بخمارها ..
فلما أقبل عمر في الليل .. ناولته المال .. فلما دنا منها .. شم فيها طيباً .. فقال : أشتريت من الطيب .؟ قالت : لا .. قال : فمن أين هذه الريح ؟ قالت : كان يبقى في أصابعي فأمسحه بخماري ..
فقال : سبحان الله .. النساء يشترين بأموالهن .. وأنت تتطيبين من مال المسلمين .. ثم جبذ خمارها من على رأسها .. وقام إلى قربة معلقة في السقف .. فصب منها على الخمار .. وأخذ يغسله ويعصره ويشمه .. فإذا أثر الطيب باق فيه .. فكشف البساط .. ثم جعل على التراب ماءً وأخذ يفرك الخمار على الطين .. حتى ذهبت الرائحة .. فغسله ثم ألقاه إليها ..
خوفاً عليها من دقيق الحساب .. وأليم العذاب .. والله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ..
* * * * * * * * *
يتبع إن شاء الله...