متوقد.. رغم سكون الجسد
في فجر الاثنين غرة صفر 1425هـ، الثاني والعشرين من مارس 2004م حط المجاهد رحاله، وسلم راية الجهاد عالية خفاقة إلى الأجيال من أجل تحرير فلسطين.
كان موعد تسليم الراية هو موعد إسلام الروح الطاهرة، إلى بارئها في وقت مبارك، هو صلاة الفجر، وفي مكان طاهر هو بوابة المسجد.. صلى الشهيد البطل (أحمد ياسين) الفجر، وما إن انتهى حتى كان موعده مع الشهادة في سبيل الله، التي طالما تمناها وطلبها.
رجل مشلول شللا رباعيا.. لا يتحرك منه سوى رأسه وفؤاد صادق يخفق بين أضلعه الباردة, لا يجلس إلا على كرسي متحرك, ولا يأكل إلا بمساعدة الآخرين, حتى في شرابه الماء قد يموت عطشا وهو ينظر إليها إن لم يساعده الآخرون في رفعها إلى فمه.
ابتلاء عظيم من الله سبحانه وتعالى وهكذا هم المؤمنين؛ يحبهم الرحمن فيبتليهم, عجز تام وشلل يجعل العالم من حولك يتوقف تماما حيث توقفت!
فهل فعل الشيخ أحمد ياسين هذا؟ هل حطم اليأس روحه؟ هل استسلم لطوفانه المدمر؟
هل انكفأ على ذاته وهو يرقب تلك النظرات المشفقة التي تحيط به؟
سبحـان الله!
انظروا إلى أرواح المؤمنين حين تحارب اليأس.. حين تستسلم لقضاء ربها بنفس مطمئنة وقلب راض.
لكنها لا تستسلم لروح الخنوع والاستكانة والانهزامية أبدا!
الشهيد أحمد ياسين مثال عظيم لرجل مناضل أثبت لنا أن عزيمة الإنسان المؤمن بصدق قضيته لا يمكن أن يوهنها جسد مقعد وكرسي متحرك.
فمن فوقه قاد قوافل المجاهدين ولم تهتز شجاعته ولم يستسلم للراحة التي يحتاجها مريض مثله.
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
لم ييأس حين غيب في ظلمات السجون؛ لأنه يعلم أن نور المؤمن يتدفق من أعماقه, ولا يمكن لسلاسل السجانين أن تصل إليه أبدا.
إن الشيخ الشهيد يمثل ظاهرة معجزة، في تاريخ النضال الوطني على امتداد العالم.
فلم يعرف التاريخ رجلاً قاد كفاح شعب، وهو مشلول بالكامل ما عدا رأسه سوى الشيخ المجاهد الشهيد (أحمد ياسين) لم يقد كفاح شعبه فقط، وإنما خطط وأبدع وبنى –بفضل الله- منظومة جهادية استشهادية ضمت تحت لوائها خيرة أبناء الشعب الفلسطيني.
عاش مناضلا موقنًا أن الشلل الحقيقي والعجز التام, إنما يسكن في نفوس اليائسين القانطين من رحمة الله فلا يجتمع في قلب مؤمن يأس من روح الله وإيمان به.
كان الشهيد منطلقا بروحه إلى آفاق الكون الرحبة.. لم يجزع من وصول أيدي الأعداء له فهو لا يستطيع الهرب إن أراد..
لأنه يعلم أن الهرب قد ترك للجبناء.. اليائسين الذين لا يستطيعون مواجهة الواقع.
انظروا إلى الرضا بقضاء الله والهمة العالية كيف يجعلان من رجل مقعد أسطورة من أساطير النضال والجهاد, كثيرون هم الأصحاء الذين عاشوا قبله ومعه وبعده, ولكن من كان منهم قادرا أن يجعل التاريخ يسطر اسمه في أوراقه الخالدة مثلما فعل الشهيد أحمد ياسين!
عاش مناضلا.. مؤمنا بقضيته ومات شهيدا تلك هي الحياة وربي التي لم يعشش في زواياها اليأس يوما.
*فاقرأ أيها اليائس سيرة هذا الرجل وقل.. سبحان الله!