استعن... بالله
كان نفر من قريش يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان منهم أبو لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدي بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلي, وكانوا جيرانه لم يدخل الإسلام منهم فيما بعد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي، حتى اتخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجرًا؛ ليستتر به منهم إذا صلى وازداد عقبة بن أبي معيط في شقاوته وخبثه.
فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، وكان أبو جهل وأصحاب له جلوسًا, إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به فانتظر، حتى إذا سجد النبي وضعه على ظهره بين كتفيه, يقول عبد الله بن مسعود: وأنا أنظر، لا أغني شيئا عنه لو كانت لي منعة، فجعلوا يضحكون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجد، لا يرفع رأسه، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: «اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم، وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمي: "اللهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط».
فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرعي في قليب بدر."
فلا تيأس أيها المؤمن واعلم أن لك ربا رحيما يسمع نجواك وينصر ضعفك حين يحيط بك القوم.. فقط قل يا رب وارفع رأسك نحو السماء حين يشتد عليك البلاء واستعن بربك!
إن مع العسر يسرًا:
وعد من الله تبارك وتعالى وهو لا يخلف الميعاد: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [سورة الشرح: 5، 6].
وإذا جاز تخلف وعود البشر وتبدل قوانينهم، فوعد الله لا يتخلف، وسنة الله لا تتبدل إنه وعد من الله سبحانه يتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا يقف عند حد ما نزلت فيه الآيات التي فهم منها السلف هذا المعنى الواسع، فقالوا: لن يغلب عسر يسرين، وقالوا: لو كان العسر في جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه.
قال الله تعالى:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا" [الطلاق:4] وسنة الله تعالى، أنه حين تشتد الأزمات وتتفاقم، يأتي اليسر والفرج، أرأيت كيف فرج الله للأمة بعد الهجرة وقد عاشت قبلها أحلك الظروف وأصعبها حين كان النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه يؤذون في مكة وبين شعابها؟
وفي الأحزاب حين بلغت القلوب الحناجر وظن الناس بعدها بالله الظنون، بعد ذلك كانت مقولة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مقولة صدق: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا».
وحين مات النبي - صلى الله عليه وسلم – وضاقت البلاد بأصحابه، وارتد العرب، وأحدق الخطر وما هي إلا أيام وزال الكرب، وتحول المسلمون إلى فاتحين لبلاد فارس والروم، وصار المرتدون بإذن الله بعد ذلك جنودًا في صفوف المؤمنين.
والعبر في التاريخ لا تنتهي:
والأمر قد يكون في ظاهره شرًا، ثم تكون العاقبة خيرًا بإذن الله، أرأيت حادثة الإفك وفيها من الشناعة والبشاعة ما فيها، ومع ذلك هي بنص القرآن: "لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ".
وها هو سراقة بن مالك (رضي الله عنه) يلحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فكان أول النهار عازما على قتله، وأصبح في آخره من جنوده المؤمنين!
*فلننظر إلى الأمور بعين التفاؤل وإن بدت في ظاهرها على عكس ذلك،، ولندع اليأس والتخذيل ألم يقل حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم «تفاءلوا بالخير تجدوه» فافتح نوافذك أيها اليائس.. دع الضياء يغزو.. حجيراتك المظلمة.. فزواياها الكئيبة بشوق لخيوط الأمل المنيرة!