منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... Empty
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها...   السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... Emptyالأحد 25 مايو 2014, 3:31 am

الســـــــــــــــــــيرة النبـــــــــــــــــــــوية

أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها...


بسم الله الرحمن الرحيم 

المقدِّمة


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلام على إمام المتَّقين وقدوة النَّاس أجمعين رسول ربِّ العالمين محمَّد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. 


أما بعد: 


فهذا بحثٌ عن أهميَّة السِّيرة النَّبويَّة لحياة المسلمين وحاجتهم؛ بل وضرورتهم إلى معرفتها والاهتداء بهدي صاحبها -صلى الله عليه وسلم-، والذي سيكون طريقَهم لبناء الجيل الذي يؤمِّلُ إجادةَ صناعة الحياة الصَّحيحة، والعودة بالأمَّة إلى سابق عهدها وسلفها الصَّالح، والخروج من المأزق الذي تعيشه؛ فما أحوج أمَّة الإسلام اليوم إلى بناء النُّخبة وثلة النَّصر التي تفهم الرِّسالة، وتدافع أقدار الله بأقدار الله، وتؤسِّس للنَّهضة الحضاريَّة بمفهومها الصَّحيح كما صنع أسلافها من أصحاب نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم-. 


إنَّ البناءَ العقديَّ الإيمانيَّ المؤسَّسَ على الحقائق والبراهين هو القاعدة التي عمل النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على ترسيخها طوال مدَّة الرِّسالة، وكان الوحي يتنزَّل عليه مرة تلو الأخرى مؤكِّدًا على هذه الحقيقة؛ لأنَّ العقيدةّ هي نبعُ التَّربية وميزان السُّلوك وحَجَرُ الزَّاوية في الفكر والتَّوَجُّه، ومع البناء العقديّ كان البناءُ السُّلوكيُّ الأخلاقيُّ والاجتماعي والاقتصادي بل والسِّياسيّ يسير جنبًا إلى جنب متكاملة ومتوازية في نسق واحد؛ جمعًا لشتات النَّفس وتوجيه الهمّ ليكون همًّا واحدًا، وبذلك نمت الأمَّةُ وتكاملت شخصيَّتُها واشتدَّ عودُها، وأثمرت علمًا وأدبًا وحضارةً باسقةَ البناء وارفةَ الظِّلال، بسطت أشعَّتَها ونورَها على البشريَّة فأخرجتها من ظلمات الجهل والظُّلم والاستكبار إلى نور الحقِّ والعدل والرَّحمة والمساواة والإنسانية في أصدق معانيها وأجلى صورها. 

وإنَّ دراسةَ السِّيرة بهذه المعاني العميقة والمفاهيم الواضحة ستُضفي على دارسها الأمنَ والطُّمأنينة وسعادة الحياة والرغبة المستمرة في الدراسة والتأمل في دلائلها وفوائدها.


 وقد ذكرتُ جملةً من فوائد دراسة السِّيرة النَّبويَّة وأهداف دراستها ذات الارتباط بمقاصد الشَّريعة وأحوال المتعبِّدين؛ عسى أن تكون مساعدةً في البناء التَّربويِّ للأمَّة وإخراج الجيل الحاضر من مشكلاته وتوجُّهاته المتشعِّبة والمختلفة الموارد والمصادر، والعودة إلى المصدر الحقِّ والمنبع الصَّافي الذي سيكون فيه الهدى والشِّفاء لكلِّ العلل والأمراض التي أصابته إذا أخلص النِّيَّة ووحَّد المقصدَ، وارتفع عن الشَّهوات الهابطة، وتحرَّر من الأفكار الوافدة، واهتمَّ بمعالي الأمور.


فإذا تربَّى على هذه المعاني والأهداف العالية ارتفعت همَّتُه وسَمَت رغبتُه إلى ما هو أعلى وأغلى من كلِّ هذه الدُّنيا ممَّا أعدَّه الله لعباده المتَّقين؛ فإنَّ موضعَ السَّوط في الجنة خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، ونصيف المرأة– أي خمارها– خير من الدُّنيا وما فيها.


 وليس معنى هذا إهمال الدنيا كما فهم طائفة من الناس؛ وإنَّما المنهج الرَّبَّانيُّ منهجٌ متكاملٌ ومتوازنٌ، والدنيا هي دار العمل ومزرعة للحصاد في الأخرى، وعمارتها وفقَ أحكام الله وشرعه مطلبٌ شرعيٌّ وتوجيهٌ نبويٌّ.


ولقد حرصتُ على الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النَّبويَّة الصَّحيحة؛ لأنَّ البناءَ العلميَّ والتَّربويَّ لابدَّ أن يكون مؤسَّسًا على نصوص ومصادر موثوقة؛ حتَّى يصحَّ التَّأَسِّي والاقتداء.


وأسأل الله- سبحانه وتعالى- أن ينفعَ به ويجعلَه من العمل الخالص لوجهه؛ إنَّه سميعٌ مجيبٌ. 

 

تعريفُ السِّيرة النَّبويَّة

السِّيرةُ لغةً: 

قال ابنُ فارس: السِّين والياء والرَّاء أصلٌ يدلُّ على مضيٍّ وجريان؛ يقال: سار يسير سيرًا. والسِّيرةُ: الطَّريقةُ في الشَّيء، والسُّنَّةُ؛ لأنَّها تسير وتجري. 


وقال ابنُ منظور: «السِّيرةُ: الطريقة. يقال: سار بهم سيرةً حسنةً. والسِّيرةُ: الهيئة، وفي التَّنزيل الكريم: "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى" [طه: 21]. وسيَّر سيرةً: حدَّث أحاديثَ الأوائل»، وبهذا يكون معنى السيرة النبوية في اللغة: ما أضيف إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من السُّنَّة والطَّريقة والهيئة وأحاديث الأوائل. 


السِّيرةُ اصطلاحًا:

لها دلالات متنوعة؛ فقد تكون مرادفةً لمعنى السُّنَّة عند علماء الحديث؛ وتعني طريقة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عند علماء العقيدة والأصول، كما تعني عند علماء التاريخ أخبارَه ومغازيه -صلى الله عليه وسلم-. وهذه الدلالات والمعاني ليست متضادَّةً؛ إنَّما هي متنوِّعةٌ ومتكاملةٌ.


وبهذا نستطيع أن نقول في تعريف السِّيرة النَّبويَّة اصطلاحًا: 

هي دراسة حياة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأخباره وأخبار أصحابه على الجملة، وبيان أخلاقه وصفاته وخصائصه ودلائل نبوَّته وأحوال عصره؛ فالسِّيرةُ النَّبويَّة تشمل كلَّ ما يتعلَّقُ بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وأحوال عصره، وأخبار أصحابه؛ لأنَّ السِّيرةَ هي: فعله -صلى الله عليه وسلم- وإقرارُه لفعل أصحابه رضي الله عنهم. 


أهمية دراسة السِّيرة النَّبويَّة: 

إنَّ دراسةَ السِّيرة النَّبويَّة ليست كدراسة سيرة بطل من الأبطال فحسب –وإن كان هو -صلى الله عليه وسلم- بطل الأبطال– فلا تقرأ وتتعلم لأجل المعرفة أو إشباع رغبة حبِّ الاستطلاع وزيادة الرَّصيد المعرفيّ فقط؛ بل يجب أن تكون الدِّراسة للسِّيرة النَّبويَّة ذاتَ أهداف واضحة ومرتبطة بمقاصد الشَّريعة وأحوال المتعبِّدين، وباحثة عن الهدى والصِّراط المستقيم، ومؤدِّية إلى مرضاة ربِّ العالمين؛ لأنَّ السِّيرةَ مصدرٌ من مصادر التَّشريع ومنهجٌ لحياة كلِّ مسلم، ولابدَّ أن يدرك القارئُ للسِّيرة النَّبويَّة أهميَّتَها التَّربويَّةَ والتَّشريعيةَ والاجتماعية والإدارية والسياسية؛ لأنها تطبيقٌ عمليٌّ لنصوص الوحي في كافَّة مناحي الحياة الإنسانية، وعليه أن يعي ذلك وعيًا كاملاً؛ حتى يستخرج كنوزَها، ويستفيد من عبرها، ويحصل له خيرها بمتابعة صاحبها -صلى الله عليه وسلم- والتَّأَسِّي بمواقفه وأحواله. 


إنَّ هذه السِّيرةَ العطرةَ مليئةٌ بالكنوز والدُّروس والعبر التي لا يدركها إلَّا مَن تعلَّمها بقصد الاتِّباع لصاحبها عليه الصَّلاة والسَّلام، والتربية على مقاصدها وعبرها؛ فهي مادَّةٌ تربويَّةٌ سلوكيَّةٌ تبني الشَّخصيةَ السَّويَّةَ المتكاملةَ وتُقَوِّمُ السُّلوك المعوجّ. 


ولذا فإنَّه يجب على المسلمين بصفة عامة والعلماء والمربِّين بصفة خاصَّة الاعتناء بدراسة السِّيرة النَّبويَّة، والحرص على ما صحَّ من أخبارها؛ حتى يحصل التَّأسِّي والمتابعة على الوجه الصَّحيح.


 وإنَّ المناهجَ التَّربويَّةَ والدَّعوات الإصلاحيَّة ستكون قاصرةً وناقصةً- بل خاسرةً وباطلةً- إذا لم تقتبس من هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتلتزم به اعتقادًا وسلوكًا ومنهج تفكير.


 والسِّيرةُ النَّبويَّة معينٌ لا يَنْضَبُ وتراثٌ لا يَبْلَى لكلِّ مَن رجع إليها وتأدَّب بأدبها واقتبس من مشكاتها، وقد فقه الصَّحابةُ- رضي الله عنهم- هذه المعاني في السِّيرة، وأدركوا أهميَّتَها؛ فكانت مع القرآن الكريم هي منهج التَّربية للأجيال ومادَّة البناء الفكريّ والسُّلوكيّ، ومَحَطّ الاهتمام والعناية.


يقولُ عليُّ بن الحسين زين العابدين: «كنَّا نعلِّم مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما نعلِّم السُّورةَ من القرآن».


وكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص يحفِّظ أبناءه مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعدّها عليهم، ويقول: «هذه مآثرُ آبائكم فلا تضيِّعوا ذكرَها».


وبهذا المنهج العالي كان جيلُ الصَّحابة- رضوان الله عليهم- ثمَّ التَّابعين أرقى أجيال الأمَّة وأقواها علمًا وعملاً وأثرًا في واقع الحياة وبناء الحضارة؛ فكانوا قادةً وسادةً معتزِّين بمنهجهم مؤثِّرين في غيرهم غيرَ متأثِّرين؛ فقد حقَّقت السِّيرةُ النَّبويَّةُ للجيل الأوَّل السِّيادة والرِّيادة في كلِّ الميادين الخيِّرة النَّافعة، ونشروا العدل والأمن والإسلام في كلِّ بلد وصلوا إليه وانتشر فيه نور الحقّ.


والأمَّةُ الإسلاميَّةُ اليومَ أحوجُ ما تكون إلى هذا المنهج في دراسة سيرة نبيِّها -صلى الله عليه وسلم- والاعتزاز بها؛ لترتفع إلى مكان الصَّدارة والرِّيادة، وتحصل لها القدرة والتَّمكُّن من القيادة الرَّاشدة للمجتمعات الإنسانيَّة، وتتحمَّل المسؤوليَّةَ تجاه هداية البشريَّة وردّها إلى الصِّراط المستقيم، وتكون خير أمَّة أخرجت للناس في قضاء الله وحكمه، وفي واقع حياتها؛ قال تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [البقرة: 143]، وقال تعالى: "مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" [الحج: 78]. 


فالله جعل هذه الأمة وسطًا؛ أي عدولاً وخيارًا، وجعلها شهيدةً على الناس جميعًا، ورسولها -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الرُّسل وأفضلهم، وهو شهيد على أمته بإبلاغها ما أُنزل إليه من الوحي، وببيان الوحي المتلوّ بسنَّته القوليَّة، وبسنته الفعليَّة، وبتقريره؛ قال تعالى: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى *" [النجم: 3، 4]. 


وقد أدَّى عليه الصَّلاة والسَّلام الشَّهادةَ كاملةً وبلَّغ البلاغَ المبين، ورفع الأمَّةَ بهذا الوحي إلى مراقي النَّجاح والفلاح بعد أن كانت أمَّةً أميَّةً تعيش في ضلال مبين؛ قال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" [الجمعة: 2].


فالرَّسول- عليه الصَّلاة والسَّلام- هو معلِّم الكتاب ومبلِّغ الوحي إلى عباد الله، وهو مزكِّي النُّفوس بهذا الوحي، وهو منقِّي المسالك من الضَّلالات والأهواء والانحرافات، وهو مبين بسيرته لكيفيَّات تنزيل القرآن على الواقع، وتقويم السُّلوك البشريّ بهدي القرآن وبناء الأمَّة والمجتمع العالميّ بالعلم والتَّزكية للنُّفوس والأخلاق.


 وهذه الآيةُ تضمَّنت أثرَ الوحي في بناء الأمَّة المسلمة، وأنَّه مادَّةُ بنائها وقاعدة فكرها ومنطلَق تصوُّراتها؛ كما تضمَّنت بيانَ وظيفة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- ومهمَّته من تلاوة الوحي؛ وهي: تعليمه لهم، وتربيتهم على مقتضياته، وتزكية نفوسهم وأخلاقهم من خلال قوله وفعله، والأمَّةُ مطلوبٌ منها للشَّهادة على النَّاس القيام بواجب البلاغ والعمل بذلك؛ حتى تكونَ قدوةً للنَّاس جميعاً، ولكي تحصل لها القدرةُ والتَّمَكُّن من أداء الشَّهادة على وجهها يلزمُ أن تكونَ في موقع القيادة الرَّاشدة للمجتمعات الإنسانيَّة، والرِّيادة في كلِّ المجالات النَّافعة، وتَحَمُّل المسؤولية تجاه هداية البشريَّة جمعاء إلى الحقِّ والهدى.


وقد تحقَّق السِّيادةُ والرِّيادةُ للجيل الأوَّل عندما صَدَقَ في التَّأسِّي والمتابعة للرَّسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فتمكَّن من التَّطبيق الواقعيّ لنصوص القرآن والسُّنَّة، ولابُدَّ لاستئناف الحياة الإسلاميَّة الصَّحيحة من تمثُّل السِّيرة النَّبويَّة في الواقع المعاش على مختلف المستويات، وفي كل المواقع والنَّواحي، وأن تكون دراستُنا للسِّيرة النَّبويَّة بهذه المعاني العميقة والنَّظرة الشَّاملة، والفقه الواعي؛ حتى نصنعَ جيلَ النَّهضة، وثلَّة النَّصر وقاعدةَ التَّمكين للأمَّة. 


وقد مرَّت حياةُ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بمراحل وأطوار مختلفة، وجعل اللهُ في سيرته وتصرُّفاته تنوُّعًا وشمولاً لكلِّ جانب من جوانب الحياة ومواقفها المتغيِّرة؛ لتكون مساحةُ الاقتداء والتَّأَسِّي واسعةً وشاملةً لكافَّة القُدُرات البشريَّة بفروقها الفرديَّة وسجاياها الفطريَّة؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوةٌ لكلِّ المسلمين على مختلَف عصورهم وتعدُّد مواقعهم الجغرافية وأحوالهم العلميَّة ومراكزهم الإداريَّة؛ قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا" [الأحزاب: 21، 22].


قال الحافظُ ابنُ كثير: هذه الآيةُ أصلٌ كبير في التَّأَسِّي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر النَّاسَ بالتَّأَسِّي بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربِّه عزَّ وجلَّ، ولهذا قال -تعالى– للذين تقلقلوا وتضجَّروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"؛ أي: هلَّا اقتديتم به وتأسَّيتُم بشمائله؟.


ثم قال عزَّ وجلَّ مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدِّقين بموعود الله لهم، وجَعْله العاقبة حاصلةً لهم في الدُّنيا والآخرة: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: هذا ما وعدنا اللهُ ورسولُه من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يُعْقُبُه النَّصرُ القريب؛ والمراد –كما قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنه وقتادة– قولُه تعالى في سورة البقرة: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" [البقرة: 214]؛ فهذه الآيةُ الآمرةُ بالتَّأَسِّي بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- نزلت بمناسبة غزوة الأحزاب حين رمى أهلَ الشِّرك والكفر المسلمين عن قوس واحدة وتحزَّبوا عليهم؛ حيث زلزلت النُّفوسُ وبلغت القلوبُ الحناجرَ، وكاد أن يهتزَّ الاقتداءُ لتأخُّر النَّصر؛ فجاءت لتؤكِّدَ أنَّ الاقتداءَ إنَّما يكون في مواطن الشِّدَّة والصَّبر والبأس والضِّيق ومؤشرات فوت الحياة الدُّنيا، وتُبَيِّن كيف أنَّ الارتباطَ بالآخرة هو سبيلُ الصُّمود والحماية من السُّقوط؛ فالاقتداءُ لا يكون في اليسر دون العسر، والاقتداء لا يكون بالكماليَّات والتَّحسينيَّات من مقاصد الشَّريعة دون الضَّروريَّات والحاجيَّات، والاقتداء لا يكون بالأشكال دون الأفعال.


 ومع أهمية الاقتداء بكلِّ أفعال الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- وأثرها في صياغة الشَّخصيَّة المسلمة وبنائها على طريقة التَّربية النَّبوية إلَّا أنَّه من المعلوم أنَّ للدِّين والشَّريعة الإسلاميَّة مقاصدَ تتمثَّل في تحقيق ضروريَّات لا تقوم الحياة إلا بها، وحاجيَّات لا تحمى وتُقام الضَّروريَّاتُ إلَّا بتوفيرها، وكماليَّات وتحسينيَّات تعدُّ أمورًا جماليَّةً انعدامُها لا يؤثِّر كثيرًا في قيام الحياة الصَّحيحة المستقيمة. 



والمشكلةُ التي تعاني منها الأمَّةُ اليومَ هي التَّخاذلُ والتَّفريطُ في الاقتداء بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- في الضَّروريَّات والمقاصد الكبرى للدِّين، وإذا وجد اقتداءٌ فهو في التَّحسينيَّات التي لا تكلف جهدًا وتضحيةً وبلاءً؛ فهذه قضيةٌ بحاجة إلى إدراك ومعالجة. 


وقضيةٌ أخرى هي كذلك بحاجة إلى تحرير القول فيها بعد أن تحوَّل كثيرٌ من المسلمين في التاريخ المعاصر من التَّوَكُّل إلى التَّواكل والإرجاء والعجز عن التَّعامل مع الحياة المعاصرة وتقويم مسيرتها؛ لقد خرج كثيرٌ من الناس من الحياة وافتقدوا القدرةَ على التَّعامل مع مشكلاتها في ضوء السِّيرة النَّبويَّة، فانتهى بعضهم إلى المقابر؛ سواءٌ في ذلك مَن يَعتبر الأمواتَ سبيلاً لحلِّ مشكلاته، فيستغيث بهم، أو مَن يعتبر الأموات سببًا لمشكلته فيرى معركته معهم؛ فألقى اللَّومَ عليهم، واشتغل بسبِّهم.


 وبعضٌ آخرُ حاولَ سَتْرَ عجزه عن الاقتداء بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والتَّأسِّي به بالإسقاط وإلقاء اللَّوم على الآخر من عدوٍّ خارجيٍّ أو عميل داخليٍّ.


والقضية التي نعرض لها هي أنَّ مسيرةَ السِّيرة النَّبويَّة كلَّها تحقَّقت من خلال التَّعامل مع السُّنَن الجارية التي تقتضيها بشريَّةُ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- وتحتملُها عَزَماتُ البشر؛ لتكون السِّيرةُ محلًّا للاقتداء وإعادة البناء في كلِّ زمان ومكان؛ إذ الاقتداء يقتضي العمل بالسُّنن الجارية، والفاعليَّة في الحياة، والحركة بذلك؛ أمَّا السُّننُ الخارقة والمعجزات والكرامات فلا تأتي إلا بقدر الله، ولمن قام بالواجب عليه حسب السُّنَن الجارية والشَّريعة المقرَّرة؛ وهي من إكرام الله لأوليائه، ونصره لهم، وتأييدهم بها، ولا يكونوا أولياءَ لله حتى يحقِّقوا الإيمانَ والتَّقوى.


إنَّ انتظارَ الكرامات والخوارق دون العمل يفتح الباب لإشاعة الخرافة والبدعة وتغييب السُّنَّة التي هي القانون الجاري، ومن الأمور الملفتة للنَّظَر تسميةُ طريقة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- في التَّعامل مع الحياة والأحياء سنَّة بكلِّ ما تحمل هذه التَّسمية من دلالات في المنهج والقانونية والإطراء. 


إنَّ آيةَ الاقتداء نزلت يوم الأحزاب– كما أسلفنا، وقد أخذ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالأسباب، وحفروا الخندق، وعندما واجهت بعضَهم صخرةٌ كبيرةٌ وعجزوا عن تفتيتها استعانوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ معْوَلَه وضَرَبَها؛ محاولاً تفتيتها طبقًا للسُّنن الجارية في الحياة، وكلُّه أمل في نصر الله لهم؛ فأكرمه اللهُ إكرامًا عظيمًا وأراه آيةً جليلةً؛ وهي البشرى بفتح بلاد فارس والرُّوم للمسلمين وسقوط الباطل وأهله. 


إنَّ قيمةَ الاقتداء وفائدتَه وعطاءَه وعظيمَ ثوابه إنَّما يكون في العزائم والقضايا الكبيرة التي قد يُمتحن صاحبُها في صدق إيمانه وقوَّة يقينه؛ فتفوتُه بعضُ النَّتائج في الدُّنيا ويخسر المعركة؛ لكن الاقتداءَ يحميه ويحول بينه وبين السُّقوط، ويرتفع به من الوقوف عند النَّتائج القريبة إلى إبصار العواقب والمآلات؛ ذلك أنَّ نقطةَ الارتكاز في الاقتداء هي رجاءُ الله واليوم الآخر، واستمرار الذِّكر الذي يجلِّي هذه الحقيقةَ ويؤكِّد حضورَها واستمرارَها. 


وتظهرُ أهميَّةُ السِّيرة النَّبويَّة في التَّكامل والشُّمول في فهم النُّصوص الشَّرعيَّة، وضرورة الاقتداء والتَّأَسِّي بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- في كلِّ جوانب الحياة، والتَّعامُل مع نصوصها الصَّحيحة الثَّابتة بكلِّ تقدير واحترام؛ وقد يَسَّرَ اللهُ لهذه السِّيرة مَن يقوم على حفظها والعناية بأدقِّ تفاصيلها؛ حتَّى كأنَّك تنظر إلى صاحبها وأحواله رأيَ العين، والتاريخ شاهدٌ على أنَّه ليس في الدُّنيا أحدٌ يصحُّ أن تكون سيرتُه من الوضوح والكمال والصِّدق غير سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- وحياته. 



يقول الأستاذ سليمان النَّدويّ: «إنَّ حياةَ العظيم الذي يجدر بالناس أن يتَّخذوا منها قدوةً لهم في الحياة ينبغي أن تتوفَّرَ فيها أربعُ خصال: 

1- أن تكون تاريخيَّةً؛ أي أنَّ التَّاريخَ الصَّحيحَ الممحِّصَ يصدِّقُها ويشهد لها.


2- أن تكون جامعةً؛ أي محيطةً بأطوار الحياة ومناحيها وجميع شؤونها. 


3- أن تكون كاملةً؛ أي تكون متسلسلةً لا ينقص فيها شيء من حلقات الحياة لذلك العظيم. 


4- أن تكون عمليَّةً؛ أي أنَّ الدَّعوةَ إلى الفضائل والمبادئ والواجبات بعمل الدَّاعي وأخلاقه لا بمجرَّد قوله، وأن يكون كلُّ ما دعا إليه بلسانه قد حقَّقَه بسيرته وعمل به في حياته الشَّخصيَّة والعائليَّة والاجتماعيَّة؛ وبهذا تكون أعمالُه مثلاً عليًّا للنَّاس يتأسّون بها». 


وسيرةُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ليست مجرَّدَ حوادث تاريخيَّة تؤخَذُ منها العبر والعظات فحسب؛ وإنَّما هي فوق هذا كلِّه؛ إنَّها تجسيدٌ عمليٌّ للوحي الذي يقتدى به، وهي منهج سليم واضح يهتدى بهداه، وصراط مستقيم يُسلك ويُتَّبع؛ لأنَّها منهجٌ معياريٌّ غيرُ خاضع لحدود الزَّمان والمكان؛ بل تقاس إليه الأعمال والمواقف، وتعاير عليه الاجتهادات والآراء، وتوزن بميزانه الحقِّ. 


يقول الدكتور فاروق حمادة: «السيرة النَّبوية تجسيدٌ حيٌّ لتعاليم الإسلام كما أرادها الله تعالى أن تُطبَّقَ في عالم الواقع؛ فتعاليمُ الإسلام لم تنزل لتُحْصَرَ بين جدران المساجد وداخل أروقة بيوت العلم الشَّرعيِّ وكليَّاته؛ بل تنزَّلت من الحكيم العليم لتكون سلوكًا إنسانيًّا ومنهجًا حياتيًّا يعيشها الفردُ المسلم في نفسه وشخصه، ويدركها في واقعه ومجتمعه، ويشبُّ عليها؛ فتصبحَ جزءًا لا يتجزَّأُ من كيانه، يتصرَّف على هديها في كلِّ صغيرة وكبيرة، وفي كلِّ موقف وشأن؛ فالمبدأُ النَّظَريُّ يُرى ماثلاً قائمًا في شخص صاحبه؛ وهذا ما نجده في السِّيرة النَّبويَّة؛ حيث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجسِّم تعاليمَ الإسلام كما أرادها اللهُ تعالى أن تُطَبَّقَ في عالم الأحياء والبشر.


 وذلك في جميع أحواله وظروفه؛ نومًا ويقظةً، سلمًا وحرباً، جدًّا ومداعبةً، غضبًا ورضًا، فردًا وجماعةً؛ فإذا ما فارق التَّربيةَ الإلهيَّةَ قيدَ أَنْمُلَة جاءه التَّصحيحُ والتَّنبيه والتَّعليم من الله عز وجل كما في حادثة ابن أمِّ مكتوم وغيرها».؛ ولهذا لم تجد أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها– حين سُئلت عن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحواله وأوضاعه كلمةً أدقَّ وأبلغَ من قولها للسَّائل: «ألم تقرأ القرآن؟! كان خلُقُه القرآن». 


وتَظْهَرُ شخصيَّةُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من خلال السِّيرة النَّبويَّة في الصُّورة المشرقة للإنسان الذي يمارس إنسانيَّته بكلِّ أبعادها، ويتفاعل مع الواقع بكلِّ معطياته، وندرك أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- سيد البشر –بكل نوازع البشر– قد تربَّع قمَّةَ التَّسامي الإنسانيّ، وهو المثل الأعلى الحقّ للبشريَّة جميعًا؛ كما يدرك الدَّارس للسيرة النبوية التَّلازُمَ والتَّطابقَ الذي لا ينفصم بين القول والعمل، والمبدأ والسلوك؛ فلا يأمر الناس بالبرِّ وينسى نفسَه؛ بل هو أوَّلُ ملتزم ومطبِّق للأمر ولو كان وحده.


 ولقد اهتدى بهذه السِّيرة الكريمة العطرة واستدل بها على صدق نبوته ورسالته عدد غير قليل في حياته وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- من العظماء والكبراء وآحاد النَّاس وعامَّتهم؛ ومنهم الجلنديّ ملك عمان؛ فقد قال لعمرو بن العاص عندما جاءه برسالة من النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: والله لقد دلَّني على صدق هذا النَّبيِّ الأمِّيِّ أنَّه لا يأمر بخير إلا كان أولَ آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أولَ تارك له، وأنَّه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي.


فهذه القمَّةُ الرَّفيعةُ من الإنسانية في شخص محمد -صلى الله عليه وسلم- والتي كانت تدرج على الأرض وتسير في فجاجها، عندما تُقَدَّمُ للإنسان على اختلاف زمانه ومكانه ودينه ولغته تقديمًا صحيحًا غيرَ مشوبة بأساطير وخرافات المحبِّين الجاهلين، وغيرَ مشوَّهة بتحليلات الجاحدين والمنكرين؛ بل تُقَدَّم حَيَّةً نابضةً يراها القارئ وكأنَّه يعيش أحداثها دون حجب التَّعصُّب، أو غشاوة العاطفة الجاهلة- لا شَكَّ أنَّها ستستهوي القلوبَ، ويرى فيها أيُّ شخص إنسانيَّتَه التي يَحنُّ إليها؛ لأنَّ النُّفوسَ السَّليمةَ جُبلَتْ على التَّسامي والتَّعَلُّق بالمثل الأعلى؛ وقد كان في قدر الله أن يكون محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- مظهرًا للكمال الإنسانيِّ، وطلب من الناس أن يسعوا إليه ويحاولوا التَّخَلُّقَ بأخلاقه ومحاكاة سلوكه؛ لأنَّ هذه هي الأخلاق المرضيَّة الكاملة عند الله تعالى. 


إنَّ قراءةَ السِّيرة النَّبويَّة بحاجة إلى نظام معرفيٍّ واضح المعالم مستمَدٍّ من القيم والمعايير التي جسَّدتها السِّيرةُ في واقع الناس.. 


ومنهج القراءة يجب أن يراعي الأمور الآتية: 

1- هداية الوحي والاستمداد منه. 


2- خلود الرسالة وخاتمتها للأديان الإلهية.


3- مقاصد الدين. 


4- عصمة النبوة وحفظ للرسول -صلى الله عليه وسلم- من الخطأ في البلاغ عن الله. 


5- سلامة النقل.


6- دراية العقل. 


وهذا النظام المعرفيُّ مطلوبٌ اليومَ أكثرَ من أيِّ وقت مضى؛ حيث إنَّ الأمَّةَ تعاني على أكثر من صعيد في الجانب العقديِّ والفكريِّ والجانب السِّياسيِّ والاقتصاديِّ والجانب التَّربويِّ والثَّقافيِّ. 


ومسيرة السِّيرة النبوية خلال ثلاث وعشرين سنة بين الدَّعوة والدَّولة ومرحلة الضَّعف ومرحلة التَّمكين حتى وصلت إلى مرحلة الكمال والاكتمال –والتي تمَّ خلالها بناء نموذج الاقتداء الذي استوعب أصول الحالات التي يمكن أن تمرَّ بها البشريَّة حتى قيام الساعة– بحاجة إلى قراءة صحيحة وفقَ المنهج المذكور أعلاه..


وسوف يَخرج الدَّارسُ بحلول عمليَّة لكلِّ المشكلات التي تواجه الأمَّةَ بشرط أن يتوفَّر للدِّراسة:

1- الدِّقَّة في قراءة الواقع الذي عليه الناس.


2- الإحاطة بهذا الواقع من خلال متخصِّصين لا متحمِّسين فحسب. 


3- تحليل الواقع بدقَّة وموضوعية.


4- تفسير وتحليل أحداث السِّيرة النَّبويَّة وفقَ المنهج المعرفيِّ الإسلاميِّ.


5- تحديد موقع الاقتداء من مسيرة السِّيرة النَّبويَّة، ومعرفة المرحلة التي تمثِّل حالةَ الاقتداء. 


6- بيان كيفيَّة الاقتداء من خلال ظروف الحال التي عليها النَّاس وطبيعة أقدار التَّدَيُّن صعودًا وهبوطًا.


وإنَّ قراءةَ السِّيرة النَّبويَّة بأنظمة معرفيَّة مستوردة من الخارج رأسماليَّة واشتراكية، علمانية وقومية، أو مستنبَتة في الدَّاخل من أصحاب الأهواء والفرق المنحرفة التي ظهرت على امتداد التَّاريخ الإسلاميّ يؤدِّي إلى تقطيعها والانتقاء من أحداثها، وفصلها عن نسقها المعرفيّ وسياقها ومناسباتها؛ وهذا نتيجة طبيعيَّةٌ للانحراف العقديّ والتَّخاذل الثَّقافيِّ، وتصبح السِّيرة النَّبوية والتُّراث الإسلاميُّ بصفة عامة مدخلاً أو معبرًا للغزو الفكريِّ الذي يحاول إضفاءَ المشروعيَّة والقبول على انحرافه في الدَّاخل الإسلاميِّ. 


النِّطاقُ الزَّمانيُّ للسِّيرة النَّبويَّة: 

البعثةُ المحمديةُ هي خاتمة الرِّسالات كما قال تعالى: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ:" [الأحزاب: 40].


ورسالته رسالةٌ عامَّةٌ لجميع الإنس والجن؛ كما أنَّ شريعتَه ناسخةٌ لجميع شرائع الرُّسُل؛ فلا يَقبل اللهُ من أحد غيرَ شريعته -صلى الله عليه وسلم-؛ وهي تأتي حسبَ تاريخ النُّبوَّات آخر النبوات.


والسِّيرةُ النَّبويَّةُ في نطاقها الزَّمانيِّ تشمل الفترةَ من ولادته -صلى الله عليه وسلم- عامَ الفيل وحتَّى وفاته في الثَّاني عشر من شهر ربيع الأوَّل من السَّنة الحادية عشرة من الهجرة النَّبويَّة، وجملتُها ثلاث وستُّون سنة قمريَّةً، وتوافقها في التَّاريخ المسيحيّ الفترة (571م – 632م). 


والنُّبوَّاتُ جميعًا تمثِّل وحدةً تاريخيَّةً واحدةً ذات حلقات متعدِّدة، والأنبياء وأتباعُهم أمَّةٌ واحدة لها سمات مشتركةٌ، والتَّاريخ الإسلاميُّ ليست بدايته من بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قد يظنُّ البعض؛ وإنما بدايته الحقيقية من هبوط آدم وحوَّاء إلى هذه الأرض مسلمين لله ربِّ العالمين؛ فإنَّ آدمَ أبا البشر- عليه الصلاة والسلام- «نبيٌّ مكلَّمٌ»، واستمرَّت ذريَّتُه عشرةَ قرون كلّهم على التَّوحيد، كما ثبت بذلك الخبرُ عن ابن عبَّاس- رضي الله عنه.


 ثمَّ لمَّا وقع الانحرافُ في التَّوحيد وظهر الشِّركُ في البشريَّة بعث اللهُ نوحًا عليه الصَّلاةُ والسلامُ ليجدِّد معالمَ التَّوحيد ويعيدَ المشركين إلى الحقِّ، ثم تتابعت الرُّسُلُ والأنبياء يدعون إلى عبادة الله وحدَه واجتناب الطَّاغوت؛ كما قال تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" [النحل: 36]. 


فأصلُ الدِّين واحدٌ؛ وهو التَّوحيدُ الذي هو إفرادُ الله بالعبادة؛ أمَّا الشَّرائع فهي متنوِّعةٌ كما قال- عليه الصَّلاة والسَّلام: «أنا أولى الأنبياء بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء أخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وليس بيننا نبي»..


ومنذ وقوع الشَّرك في القوم الذين بُعث إليهم نوح- عليه الصلاة والسلام- انقسمت البشريَّةُ من حيث العقيدة إلى أمَّتَين اثنتين: 

- أمَّة مسلمة موحِّدة.


- أمَّة كافرة مشركة.


وكلُّ الذين صَدَقوا الرُّسَلَ واتَّبعوهم من آدم- عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى محمَّد -صلى الله عليه وسلم- هم المسلمون، ويمثِّلون أمَّةً واحدةً وإن اختلفت أوطانُهم ولغاتُهم وتباعدت أزمانُهم؛ كما قال- تعالى- بعد ذكر جملة من الأنبياء: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء: 92]؛ فأتباعُ الرُّسُل أمَّةٌ واحدةٌ هي أمَّةُ التَّوحيد وحزب الرَّحمن وأهل الحقِّ والإيمان؛ وهم المسلمون. 


أمَّا الذين كذَّبوا الرُّسُل فهم أمَّةُ الكفر والضَّلال، وهم حزبُ الشَّيطان، وهم أمةٌ واحدةٌ مهما اختلفت أوطانهم ومذاهبهم وأزمانهم؛ فإنَّ السِّمةَ الجامعة لهم هي الشِّرك وعبادة غير الله. 


وهذا المفهوم يوضِّح منزلةَ السِّيرة النَّبويَّة بين سير الأنبياء- عليهم الصَّلاة والسلام- وأهميَّةَ دراستها؛ وإن كان نطاقُها الزَّمانيُّ محدودًا بحياة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من الولادة حتى الوفاة؛ فهي امتداد لسير الأنبياء قبلَه، واستمرار لتاريخ أمة الإسلام المهتدين بهديه من بعده حتى قيام الساعة. 


النطاق المكاني للسيرة النبوية: 

بُعِثَ النبيُ -صلى الله عليه وسلم- في مكة بلد الله الحرام، وفيها بيتُه المعظَّم الذي رفع قواعدَه إبراهيمُ الخليل وابنُه إسماعيل جدُّ العرب، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من أهلها وقد ولد ونشأ فيها ومكة يومئذ حاضرةُ الجزيرة العربية الكبرى ولها مكانة دينية عندهم؛ حيث يحجُّون إليها كلَّ عام، ثم هاجر -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة النَّبويَّة بعد ثلاث عشر سنة من النُّبُوَّة، وفيها أسَّسَ بناء دولة الإسلام، وابتداء الجهاد حتى فتح مكَّةَ وما حولها، ثمَّ أَتَتْه الوفودُ مسلمةً ومستسلمةً في العام التَّاسع من الهجرة، ولم يَنتقل إلى الرَّفيق الأعلى حتى كانت الجزيرةُ كلُّها خاضعةً لسلطان الإسلام، وأهلها إمَّا مسلمون، وإمَّا معاهدون مسالمون.


 والرسولُ -صلى الله عليه وسلم- هو أوَّلُ مَن جمع الجزيرةَ العربيةَ بكاملها في وحدة واحدة؛ وحدة فكريَّة عقديَّة، ووحدة سياسيَّة جغرافيَّة؛ وحدة على ملة الإسلام ودين التَّوحيد، وكانت قبلَ ذلك طوالَ تاريخها إمارات ودولاً متفرِّقةً؛ ففي اليمن كانت دولة معين، ثم دولة سبأ، ثم حمير، ثم استعمرهم الأحباشُ، ثم دخل عليهم الفرسُ وصارت الولايةُ في أبنائهم، وفي شمال الجزيرة كانت في وقت البعثة إمارات الحيرة والغساسنة الخاضعة للفرس والروم. 


أما الحجازُ فَتَوَلَّى أمرَها إسماعيلُ بعدَ بناء البيت ثم أولادُه من بعده، ثم جدُّ أولاد إسماعيل مضاض بن عمرو الجرهمي، وطالت ولايةُ جرهم للبيت حوالي عشرين قرنًا، ثم نزعتها منهم خزاعة فحكمتْها ثلاثمائة سنة حتى انتزعها قصيُّ بن كلاب، وجمع قريش في مكَّة وما حولها؛ وذلك في منتصف القرن الخامس الميلاديِّ؛ فالجزيرة العربية هي النِّطاق المكانيّ لحركة السِّيرة النَّبويَّة في عهده -صلى الله عليه وسلم-.


وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- حدثت ردَّةٌ في الأطراف والقرى؛ ولكن تمكَّن أصحابُه الكرام بقيادة خليفته الأوَّل أبي بكر الصِّدِّيق -رضي الله عنه- من قمع المرتدين وإعادتهم إلى الهدى ودين الحقِّ في أقلّ من عام واحد, ثم انطلقوا بالدَّعوة والفتوحات إلى مَن يليهم من أهل الأرض مشرقًا ومغربًا حتى دانوا بالإسلام، وخضعوا لشريعته وأحكامه كما هو معلوم من سير الفتوحات الإسلاميَّة التي استمرَّت في انطلاقتها طوالَ القرن الأوَّل من الهجرة؛ فوصلوا إلى حدود الصِّين شرقًا، وإلى المحيط الأطلسيِّ وحدود فرنسا غربًا، ولله الحمدُ والمنَّةُ.


 والكرةُ الأرضيةُ بكاملها مجالٌ لنشر الإسلام، وأهلها مدعوُّون جميعاً للدُّخول في الدِّين الحقِّ الذي ارتضاه المولى- عزَّ وجلَّ- دينًا للبشريَّة جميعًا كما قال تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" [آل عمران: 19]، وقال: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران: 85].


 وقد راسل النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ملوكَ الأرض في زمانه ودعاهم إلى الدُّخول في الإسلام؛ تنفيذًا لعالميَّة الدَّعوة الإسلاميَّة؛ كما قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء: 107]، وقال: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" [الأعراف: 158]؛ فالرِّسالةُ المحمديَّةُ رسالةٌ عالميَّةٌ لكلِّ الأجناس البشريَّة؛ فكما أنَّ الأرضَ كلَّها نطاقٌ مكانيٌّ لحركة الجهاد والدَّعوة على أيدي أتباعه -صلى الله عليه وسلم- فكذلك البشر كلُّهم على مختلَف أجناسهم وأزمانهم مدعوُّون للدُّخول في الدِّين الحقِّ الذي هو الإٍسلام؛ وهو رحمةٌ لهم ومنقذ لهم من الضَّلالات والخرافات والأهواء والظُّلم والجَوْر؛ لتُشرق عليهم أنوارُ الحقِّ والعدل والطُّمَأْنينة، وتتحقَّقَ لهم الإنسانيَّةُ الصَّادقةُ والفطرة السَّليمةُ التي فَطَرَ اللهُ الخلقَ عليها؛ قال تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [الروم: 30].

يتبع إن شاء الله...



السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:44 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... Empty
مُساهمةموضوع: أقسام السِّيرة النَّبويَّة   السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... Emptyالأحد 25 مايو 2014, 3:37 am

أقسام السِّيرة النَّبويَّة: 

السِّيرةُ النَّبويَّةُ إذا نظر إليها من حيث الزَّمن (من الولادة حتى الوفاة) فإنَّها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 

القسم الأول: 



من الولادة حتى البعثة؛ وتمثِّل أربعين سنة، ويدرس في هذا القسم حالُ العرب والجزيرة قبل بعثة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والأطوار التي مرَّت بها مكَّةُ المكرَّمة وبناء البيت العتيق؛ فإنَّها بيئةُ السِّيرة النَّبويَّة وتمهيد لها- والأحداثُ المتعلِّقة بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة؛ وهي في القسم قليلةٌ محدودةٌ. 



القسم الثاني: 



من البعثة ونزول الوحي عليه -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء حتى هجرته إلى المدينة، وتمثِّلُ ثلاثة عشر عامًا، ويسمَّى العهدَ المكِّيَّ وعهدَ التَّأسيس والدَّعوة؛ وفيها نزولُ القرآن المكِّيِّ الذي قرَّر دلائلَ التَّوحيد وصفات الباري وكَشَفَ الشِّركَ ورَدَّ على دعاوى المشركين، وإثبات البعث والنُّشور والجزاء في اليوم الآخر بجنة أو نار، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والانتهاء عن المساوئ.



 وفيها الدَّعوةُ الفرديَّةُ المباشرةُ ثمَّ الدَّعوةُ العامَّةُ، ومواقف المشركين واضطهادهم للمؤمنين، وصبر المؤمنين وتحمُّلُهم الأذى وهجرتُهم إلى الحبشة، وحصارُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين وبني هاشم في الشعب، والعرض على القبائل، وحادثة الإسراء والمعراج، وبيعة العقبة الأولى ثم الثانية، والهجرة إلى المدينة. 



القسم الثالث: 



من وصوله إلى المدينة في 12 ربيع الأول سنة 1ﻫ وحتى الوفاة في 12 ربيع الأوَّل سنة 11ﻫ؛ وتمثِّلُ عشر سنوات كاملة، ويسمَّى العهدَ المدنيَّ، وعهد البناء والجهاد وانتشار الدعوة، وسمَّتْه العامَّةُ الجهادَ والغزوات التي بلغت ثلاثين غزوة، والسرايا والبعوث الدعوية التي زادت على السَّبعين سريَّةً وبعثًا؛ حتى انتشر الإسلامُ وعمَّ أرجاءَ الجزيرة العربيَّة؛ وكذلك نزولُ التَّشريعات وتنظيمات المجتمع الإداريَّة والسِّياسية والاقتصادية والاجتماعية. 



وأيضًا تُقَسَّمُ السِّيرةُ بالنَّظر إلى موضوعاتها إلى ثلاثة أقسام: 

القسم الأول: 



الشَّمائل والأخلاق النَّبويَّة؛ ويدخل فيها الخصائص التي اختصَّ بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن سائر الرُّسُل؛ وكذا ما اختصَّ به من أحكام من سائر الأمة، وما اختصَّتْ به أمَّتُه بسببه عن سائر الرُّسُل، وكذا ما اختصَّ به من أحكام من سائر الأمَّة، وما اختصَّت به أمَّتُه بسببه. 



والشَّمائلُ على نوعين: 

النوعُ الأوَّلُ: 



الصِّفات الخَلْقيَّةُ؛ أي الصِّفة التي خَلَقَه اللهُ عليها من حيث طوله وهيئة جسمه ولونه.. وكذا صفة جلوسه ومشيته وكلامه ونومه ولباسه..



وهذا النَّوعُ ترجع فائدةُ دراسته إلى أمور؛ منها: 



* التَّأَسِّي به في هيئة جلوسه وقيامه وكلامه ونومه ولباسه.. إلخ. 



* معرفة فضل الله على رسولنا -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ جعلَه اللهُ في أكمل هيئة وأحسن صورة وأجمل سمت. 



* في معرفة صورته التي خلقه الله عليها؛ كما نقلها الواصفون له من الصَّحابة- رضوانُ الله عليهم- فائدة؛ وهي: مطابقةُ ما يرى النَّائمُ عند رؤيته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصِّفة المنقولة عن الرُّواة من أصحابه؛ فإنَّ الشيطانَ لا يستطيع أن يَتَصَوَّرَ أو يَتَشَبَّهَ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة وأنس- رضي الله عنهما- وغيرهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أنَّه قال: «من رآني في المنام فقد رآني؛ فإنَّ الشيطانَ لا يَتَمَثَّلُ بي». 



وَلْتَعْلَمْ أخي أنَّ الشَّيطانَ من عادته الكذبُ والتَّغريرُ بمن يُطيعه، وقد يرى النَّائمُ صورةً ويلقى في روعه أنَّها صورة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو كاذب عليه؛ لكن إذا رأى المسلمُ في المنام أنَّه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّه لابدَّ أن يُطابقَ ما رأى على الصِّفة المنقولة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّ الشَّيطانَ لا يَستطيعُ التَّشَبُّهَ بالنَّبيِّ على صورته الحقيقيَّة؛ وهذا من حماية الله لرسوله وتكريمه له، وصيانة المسلمين من تغرير الشَّيطان بهم. 



النَّوعُ الثَّاني: 



الصِّفاتُ الخُلُقيَّة؛ أي الآداب والأخلاق التي تأدَّب بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وهذه الصِّفاتُ كثيرةٌ؛ منها: الكرم، والشجاعة، والحياء، والعفو، والحلم، واليسر، والسَّماحة، والتَّقوى، والبذل، والعطاء، والتَّواضع، والزُّهد؛ وهي صفات أتت بها الشَّريعةُ وتَحَلَّى بها رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-؛ وهذا النَّوعُ هو المقصودُ الأعظمُ من دراسة الشَّمائل؛ وهو أكثرُ فائدةً وأوسعُ دائرةً في التَّأَسِّي والاتِّباع والاقتداء. 



لقد سئلت أمُّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- من عدد من الصَّحابة والتَّابعين عن خُلُق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان جوابُها شاملاً واسعًا رغمَ وجازة لفظه؛ قالت: «كان خُلُقُه القرآنَ». 



قال الحافظُ ابنُ كثير: «ومعنى هذا أنَّه -صلى الله عليه وسلم- مهما أمره به القرآن امتثله ومهما نهاه عنه تركه؛ هذا مع ما جَبَلَه اللهُ عليه من الأخلاق الجبلِّيَّة الأصليَّة العظيمة التي لم يكن أحد من البشر ولا يكون على أجمل منها، وشرع له الدِّينُ العظيم الذي لم يشرِّعه لأحد قبله؛ فكان فيه من الحياء والكرم والشَّجاعة والحلم والصَّفح والرَّحمة وسائر الأخلاق الكاملة ما لا يُحَدُّ ولا يمكن وَصْفُه». 



وقد وَصَفَه ربُّه- سبحانه وتعالى- بوصف هو فوقَ كلِّ وصف، ومدحه بمدحة هي فوقَ كلِّ مدحة أحد، فقال: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" [القلم: 4]؛ قال العوفيُّ عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما: أي: وإنَّكَ لعلى دين عظيم؛ وهو الإسلام. 



وهكذا قال مجاهد والسّدّيّ والضَّحَّاك, وقال عطية: لعلى أدب عظيم، وقال تعالى: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [التوبة: 128]. 



أمَّا الخصائصُ النَّبَويَّةُ فإنَّ معرفتَها أمرٌ له فائدة؛ وهي معرفةُ ما أكرم الله به رسولَه واختصَّه به من الفضائل والأحكام، وقد نقل الحافظُ ابنُ كثير عن بعض علماء الشَّافعيَّة أنَّهم قالوا: لا فائدةَ من دراسة الخصائص. ثمَّ نَقَلَ عن الإمام النَّوويِّ أنَّه ردَّ ذلك وقال: الصَّوابُ جوازُ البحث فيها، بل استحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن ذلك بعيدًا، وقال: ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتًا في الصحيح فيعمل به آخذًا بأصل التَّأَسِّي؛ فوجب بيانُها لتعرفَ، وقد ذَكَرَ ما اختصَّ به عن سائر الرُّسُل وكذا ما اختصَّ به عن أمَّته في مسائل الإيمان، ثم ذَكَرَ جملةً من الخصائص مرتَّبةً على الأبواب الفقهيَّة. 



القسم الثاني: دلائلُ النُّبوَّة: وهي من أهمِّ أقسام السِّيرة وأنفعها في تقوية الإيمان وتثبيته وزيادة المحبَّة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزَجَرَ، وأنَّه رسولُ ربِّ العالمين حقًّا وصدقًا؛ ولا يُعْبَدُ اللهُ إلَّا بما شَرَّعَ. 



والدَّلائلُ هي المعجزات والبراهين الدَّالَّةُ على صدقه في النُّبُوَّة والرِّسالة؛ ودلائلُ النُّبُوَّة منها المعنويُّ، ومنها الحسِّيُّ الخارق للعادة، ويسمى معجزة ودليلاً وبرهانًا وآية من الآيات. 



والدَّلائلُ التي يؤيِّدُ اللهُ بها رسلَه ويجري بعضها على أيديهم ليست من كَسْبهم ولا قدرتهم الذَّاتيَّة؛ وإنَّما هي محضُ فضل من الله وهبة منه؛ لتكون تأييدًا وتصديقًا لهم وبيانًا لمنزلتهم عنده، ومن سنَّة الله -سبحانه وتعالى- أنَّه لا يؤيِّد الكذَّابَ عليه، وقد باء بالخزي والخذلان كلُّ من ادَّعى النُّبوَّةَ من الكذَّابين؛ مثل: الأسود العنسيّ، ومسيلمة الكذَّاب، والمختار بن أبي عبيد، وغيرهم؛ قال تعالى: "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" [الحاقة: 44 – 47]. 



ودلائلُ نبوَّة نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كثيرةٌ جدًّا، وقد ذكرَ الإمامُ البيهقيُّ أنَّها تزيد على ألف دليل، كما ذكر النَّوويُّ في مقدِّمة شرح صحيح الإمام مسلم أنَّها تزيد على ألف ومائتي دليلاً. 



والدلائلُ تنقسم بحسب وقوعها إلى أقسام: 


1- ما وقع قبلَ البَعثة؛ مثل بشارات الأنبياء به في الكتب السَّابقة، وأخبارُ الكُهَّان والجان، وتسليم حجر عليه بالنُّبُوَّة في مكَّة، وشُقَّ صدرُه وهو في بادية بني سعد. 


2- ما وقع على يديه -صلى الله عليه وسلم- بعد البعثة حتى توفَّاه الله، ومن أعظم ذلك نزولُ الوحي بهذا القرآن العظيم على الرَّسول الأُمِّيِّ الذي لا يَعْرف القراءةَ والكتابةَ، ومثل نزول المطر بعد دعائه مباشرةً، ونبع الماء بين أصابعه، ودعائه في الماء القليل فيكون كثيرًا، وحنين الجذع عندما ترك الاستناد إليه، وانقياد الأشجار والبهائم لأمره -صلى الله عليه وسلم-، وشهادة الذئب ببعثته ونبوته، وانشقاق القمر نصفين عندما طلبت قريش آيةً حتى رأوا ذلك، وتحقُّق وعد الله له بهزيمة المشركين في بدر؛ قال- تعالى- في سورة القمر المكِّيَّة: "أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ" [القمر: 44، 45].


 وخرج رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من العريش يوم بدر وهو يتلو هذه الآيات، وأخبر -صلى الله عليه وسلم- بمصارع القوم في بدر، وقال لأصحابه: «هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان». 


فما جاوز رجلٌ منهم مصرعَه، وأخبر عن مقتل أمراء مؤتة قبل أن يأتي الخبرُ بمقتلهم. 


3- ما وقع بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- ممَّا أخبر أنَّه سيقع فوقع كما أخبر؛ فقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن فتح الحيرة وبلاد فارس وكثرة المال؛ ففي صحيح البخاريِّ عن عديّ بن حاتم قال: بينا أنا عند النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إذ أتاه رجلٌ فشكا إليه فاقةً، ثمَّ أتاه آخرُ فشكا إليه قطعَ السَّبيل، فقال: «يا عيد بن حاتم هل رأيت الحيرة؟» فقلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: «فإن طالت بك حياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوفَ بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله». قلت – فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّارُ  طَيِّء الذين سَعَّروا البلاد؟ «ولئن طالت بك حياة لَتَفْتَحَنَّ كنوزَ كسرى». قلت: كسرى بن هرمز!! قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك الحياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدًا يقبله منه، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهُ أحدَكم يومَ يلقاه وليس بينَه وبينَه تُرجمان يترجم له فيقول: ألم أرسل إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم». 


قال عديّ: سمعت الرَّسولَ يقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة». 


قال عديّ: فرأيتُ الظَّعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوزَ كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونَّ ما قال النَّبيُّ أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: «يخرج ملءَ كفِّه...». 


قال الحافظُ ابنُ حجر عند شرح هذا الحديث: تَقَدَّمَ في الزَّكاة قولُ من قال: إنَّ ذلك عند نزول عيسى بن مريم؛ ويُحتمل أن يكون ذلك إشارةً لما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز؛ وبذلك جَزَمَ البيهقيُّ، وأخرج في الدلائل من طريق يعقوب بن سفيان بسنده إلى عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: إنَّما ولي عمرُ بنُ عبد العزيز ثلاثين شهرًا؛ لا والله ما مات حتى جعل الرجلُ يأتينا بالمال العظيم فيقول: «اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يَبْرَحُ حتى يرجعَ بماله يتذكَّر مَنْ يضعُه فيه فلا يجده، قد أغنى عمر النَّاسَ»، ثم قال البيهقيُّ: فيه تصديق ما رويناه في حديث عديّ بن حاتم. 


ثم قال الحافظ: ولا شَكَّ في رجحان هذا الاحتمال على الأَوَّل؛ لقوله في الحديث: «ولئن طالت بك حياة». 


ومن ذلك إخبارُه أنَّ ابنتَه فاطمة هي أوَّلُ أهله لحاقًا به، فوقع الأمر كما أخبر، وإخباره أنَّ زينب بنت جحش هي أسرعُ زوجاته لحاقًا به؛ فوقع الأمرُ كذلك، وإخبارُه بقتل عمَّار- رضي الله عنه، وبصلح الحسن مع معاوية رضي الله عنهما، وإخباره بتقليد طائفة من أمَّته أعداءَ الإسلام؛ حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلوه وراءَهم، وإخبارُه بتنافُس أمَّته في الدُّنيا حتى أهلكتْهم وفرَّقتْهم ، وإخباره ببشارة عظيمة لهذه الأمَّة وهي: بقاء طائفة منصورة على الحقِّ إلى قيام السَّاعة. 


4- ما لم يقع حتَّى الآن، ولكنَّه أخبر بوقوعه مستقبَلاً: 


ومن ذلك أشراطُ السَّاعة التي أخبر بوقوعها ولم تقع حتى الآن، وكذا عود الجزيرة العربية مروجًا وأنهارًا، وخرابُ الكعبة، وخرابُ المدينة، وحسرُ الفرات عن جبل من ذهب، وخروجُ الدَّجَّال، ونزولُ عيسى- عليه الصَّلاةُ والسَّلام- وخروج يأجوج ومأجوج، والخسوف الثلاثة: بالمشرق، والمغرب، وجزيرة العرب، وخروج الدَّابَّة، وكلام السِّباع والجمادات للإنس. 


وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن فتح القسطنطينيَّة وروما كما في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- وسئل: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ قال: فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابًا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نكتب إذ سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ المدينتين تفتَحُ أَوَّلاً أقسطنطينيَّة أو روميَّة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مدينة هرقل تفتح أولاً»...

يعني: القسطنطينيَّة. 


قلت: وقد تحقَّقَ الفتحُ الأَوَّلُ للقسطنطينيَّة على يد السُّلطان العثمانيّ محمَّد الفاتح سنة 857ﻫ الموافق 1453م، وبذلك تحقَّق الشَّطرُ الأولُ من الحديث؛ أمَّا الشَّطرُ الثَّاني- وهو الإخبار عن فتح روما- فلم يقع حتى الآن، وسيقع بحول الله كما أخبر الصَّادقُ المصدوقُ -صلى الله عليه وسلم-. 


فوائد دراسة دلائل النبوة: 


معرفةُ دلائل نبوَّة نبيِّنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- أمرٌ في غاية الأهميَّة؛ فقد استجاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأشجار والأحجار والحيوان والجانّ ومؤمن الإنسان؛ لما عرفوا من دلائل نبوَّته وصدقه؛ وقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند الإمام أحمد: «ما من شيء بين السماء والأرض إلا ويشهد أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس». 


وفوائد معرفة الدلائل كثيرة لكن نشير إلى بعضها: 


1- زيادة الإيمان والتَّصديق؛ وهذا أمرٌ يجده المؤمنُ في نفسه؛ فإنَّ الإيمانَ المبنيَّ على العلم والمعرفة والاطِّلاع على البراهين الدَّالَّة على ذلك ليس كالإيمان المتلقَّى تقليدًا، ومن المعلوم أنَّه كلما زاد الإنسانُ من المعرفة في الشَّرع مع توفيق الله وهدايته له فإنَّه يزيد تصديقُه ويتعمَّق ويرسخ، وكلما علم دليلاً من دلائل نبوَّة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- زاد إيمانُه وتَأَكَّدَ تصديقُه وثَبَتَ على الصِّراط المستقيم الذي جاء به النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام. 


2- زيادةُ المحبَّة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّ المحبَّةَ من الإيمان، وكلَّما اطَّلَعَ المسلمُ على أحوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه ودلائل نبوَّته وبراهين صدقه زادت محبَّتُه؛ وهذا أمرٌ مشاهَدٌ في أحوال مَن تعاشرُ من النَّاس؛ فالذي تعاشره كثيرًا وتعرف أحواله عن قرب تكون صداقتُه ومحبَّتُك له غيرَ محبَّة مَن لا تعرف عنه إلَّا أمورًا عامَّةً مُجْمَلَةً. 


3- الإيمانُ والمحبَّةُ يدفعان بالمسلم إلى الاقتداء وتمام التَّأَسِّي والطَّاعة لأمره -صلى الله عليه وسلم-، والابتعاد عمَّا ينهى عنه والنُّفور منه؛ فالإيمان والمحبَّةُ الصَّادقةُ عملٌ وسلوكٌ وباعثٌ قويٌّ على الطَّاعة؛ لا مجرَّد عواطف ومشاعر. 


4- ومن ثمرات معرفة دلائل النُّبوَّة اليقينُ الجازمُ بظهور دين الإسلام وبقائه رغمَ كثرة الباطل وأهله وقلَّة أنصار الحقِّ؛ وهذا يُزيلُ اليأسَ والقنوطَ والضعفَ الذي قد يصيب بعضَ النُّفوس؛ فيدفعها إلى العمل الجادّ، والثَّبات على الحقِّ، والدَّعوة إليه، وموالاة المؤمنين، والبراءة من الكفَّار والمشركين. 


الموقفُ من المعجزات والدَّلائل: 


إنَّ الواجبَ على كلِّ مسلم التَّصديقُ بما أخبرَ اللهُ به وبما أخبر به رسولُه -صلى الله عليه وسلم-؛ فإذا صَحَّ الخبرُ عن المعجزة النَّبويَّة فالواجبُ التَّصديقُ بها والإيمان بذلك مثل بقيَّة الأحكام الشَّرعيَّة، ولا يجوز دفعُها بمقولات غير صحيحة أو متأثِّرة بالأفكار المادِّيَّة التي تنكر الغيبيَّات وتحاول تأويلَها أو ردَّها. 


ومن المهمِّ أن يَثْبُتَ الخبر بدليل النُّبوَّة والمعجزة؛ فمثلاً حادثة شقِّ صدره -صلى الله عليه وسلم- وهو في بادية بني سعد في فترة طفولته حادثةٌ صحيحة أخرجها مسلم؛ فهي حادثةٌ ثابتةٌ، وشقٌّ حقيقيٌّ؛ حيث بقي أثرُ المخيط في صدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثرَ من خمسين سنة حتى رآه أنس بن مالك الأنصاريُّ- رضي الله عنه، وحنين الجذع الذي في مسجده عندما تركه واتَّخَذَ منبرًا أمرٌ ثابت في الصَّحيح. 


ولا يجوز صرفُ اللَّفظ عن ظاهره من غير قرينة، ولا قرينةَ هنا؛ ولكن ينبغي أن لا نتساهلَ فَنَقبلَ كلَّ خبر فيه معجزةٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يكن ذلك بإسناد متَّصل وعن رواة ثقات، وما صحَّ من دلائل النُّبُوَّة كثير وفيه الغنيةُ والكفايةُ عمَّا لم يصحَّ. 


القسم الثالث: السير والمغازي: 


والمقصودُ بها تاريخُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجهادُه في نشر الدَّعوة، ثمَّ جهادُه للكفَّار بعد أن استكمل عدَّتَه وأذن له ربُّه في ذلك، ويدخل في هذا القسم تعاملاتُه المختلفةُ مع أهله ومع أصحابه ومع غير المسلمين، وما يقع من الصَّحابة بين يديه أو يبلغه فيقرَّهم عليه أو يعدل لهم فيه؛ كلُّ هذا داخلٌ في معنى السِّيرة، وقد مكث -صلى الله عليه وسلم- ثلاثةَ عشرَ عامًا بعد النُّبوَّة والرِّسالة في مكَّة ثم هاجر إلى المدينة فمكث فيها عشر سنين حتى لحق بالرَّفيق الأعلى، وقد غزا بنفسه -صلى الله عليه وسلم- قرابةَ ثلاثين غزوةً، وبعث من قبله سرايا للجهاد وبعوث للدَّعوة تبلغ السَّبعين سريةً وبعثًا؛ كلُّ هذا في عشر سنين. 


مقاصدُ دراسة السِّيرة النَّبويَّة وثمراتُها: 


المقاصدُ هي الأهداف والغايات التي يُرجَى تحقُّقُها من الدِّراسة، والثَّمراتُ التي يُسعى إلى تحصيلها في الدُّنيا والآخرة، وتُراعى في المنهج التَّعليميِّ ويجعلها المعلِّمون والمربُّون نصبَ أعينهم في تدريسهم وتعاملهم مع طلَّابهم، وعلى أساس هذه المقاصد تُبْنَى الشَّخصيَّةُ المتكاملةُ للفرد المسلم والجيل كلِّه؛ كما كان في عهد النُّبُوَّة والقرون المفضَّلة.


 ومن المقرَّر عند أهل العلم أنَّه لن يصلح آخرُ هذه الأمَّة إلَّا بما صلح به أَوَّلُها، والمنهج الذي أخرج خيرَ الأجيال وأعلاها وأكملها حقيقٌ بالاتِّباع والاهتمام والاعتماد عليه في مناهجنا التَّعليميَّة والفكريَّة وبناء الأمَّة الاجتماعيّ والسِّياسيّ والإداريّ، ومقاصدُ دراسة السِّيرة النَّبويَّة كثيرةٌ وواسعةٌ وغيرُ محصورة؛ لكن نذكر بعضَها: 


1- تحقيق شطر الشَّهادة: 


التي هي الرُّكنُ الأعظمُ من أركان الإسلام؛ وذلك بتحقيق توحيد المتابعة للرَّسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّ الشَّهادةَ بأنَّ محمدًا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-.. 


تَسْتلزم أربعةَ أمور كما قرَّر أهلُ العلم: 


أ- تصديقُه فيما أخبر عن الله وصفات كماله ونعوت جلاله وأسمائه وصفاته، وعن جزاء المتَّقين المستجيبين في جنَّات النَّعيم وما فيها ممَّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وما وصف لنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وما ذكر فيها لعباده المؤمنين، وما ذكر عن عقوبة المكذِّبين المعرضين من العذاب الأليم في نار تلظَّى وجحيم مقيم تذوب فيه الجبال الرَّاسيات، وغير ذلك من الأخبار عن الأمور الغيبيَّة والحوادث المنتَظَرة، وعن الملائكة والجنِّ والشَّياطين. 


ب- طاعتُه فيما أمر؛ بالاستجابة لأمره والانقياد له وتنفيذ ذلك في واقع الحياة بمختَلَف صورها السِّياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وعدم التَّقدُّم بين يديه، وتقديره والتَّحاكم إلى شرعه والرِّضا به والتَّسليم التَّامّ له؛ قال اللهُ تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ" [النساء: 64]، وقال تعالى: "مَنْ يُطع الرَّسولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ". [ النساء: 80]، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ" [النِّساء: 59]. 


وقال- عزَّ وجلَّ: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا" [النساء: 69، 70]، وقال تعالى: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 71]، وقال تعالى: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر: 7]، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" [الأنفال: 24]. 


ج- اجتنابُ ما نهى عنه وزجر؛ فكلُّ ما نهى عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- واجبٌ اجتنابُه والبعدُ عنه وعن الأسباب والوسائل المفضية إليه؛ فإنَّ الوسائلَ لها حكمُ المقاصد، وأعظمُ ما نهى عنه هو الشِّركُ بكلِّ صوره وأنواعه؛ فهو أخطرُ الذُّنوب وأعظمُها، وهو أعظمُ الظُّلم؛ قال تعالى: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" [لقمان: 13]، وقد قال عبدُ الله بن مسعود: سألتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الذَّنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تَجْعَلَ لله ندًّا وهو خَلَقَكَ». 


وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتُكم عنه فاجتنبوه»؛ فاجتنابُ المناهي والمحرَّمات حتمٌ على كلِّ مكلَّف، وعلى المرء المسلم أن يجعل بينه وبين الحرام وقايةً وحمى؛ حتَّى لا يقع في شيء من محارم الله؛ وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «الحلالُ بَيِّنٌ والحرامُ بَيِّنٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس؛ كالرَّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه؛ فمن اتَّقى الشُّبُهات فقد استبرأَ لدينه وعرضه». 


د- أن لا يُعْبَدَ اللهُ إلَّا بما شرَّع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى طريقته ومنهجه؛ وهذا أصلٌ في المتابعة والاقتداء وضابطٌ في العبادة المشروعة؛ فلا يزيد العبد عن المشروع ولا ينقص منه؛ إنَّما يتَّبع ولا يبتدع؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ»؛ أي مردودٌ على صاحبه وغيرُ مقبول عند الله؛ بل يعاقَب فاعلُه ولا يُثاب؛ لأنَّه شرَّع أمرًا ليس عليه أمرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقرَّب إلى الله بأمر لم يشرِّعه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وابتدع في الدِّين بدعةً؛ وكأنَّه يريد أن يستدرك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحتى لو كان قصدُه حسنًا فلا يكفي حسنُ النوايا؛ بل لابُدَّ من الدَّليل الشَّرعيِّ؛ فإنَّ العبادةَ ليست بالهوى والرَّغبة والاستحسان العقليِّ؛ إنَّما هي بالاتِّباع لهدي النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والاستمساك بالكتاب والسُّنَّة؛ ولهذا لمَّا أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن افتراق الأمم السَّابقة وأنَّ هذه الأمَّةَ سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقةً كلُّها على ضلالة إلا فرقةً واحدةً قال: «هي مثلُ ما أنا عليه اليومَ وأصحابي». فعليك يا عبدَ الله بهدي النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وما كانوا عليه من العلم والهدى والاجتماع على طاعة الله والقيام بأمر الله في الدَّعوة والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتعلَّم سيرَهم وأخبارَهم؛ لتصيبَ هديَهم وطريقتَهم. 


2- زيادةُ المحبَّة للرَّسول -صلى الله عليه وسلم: 


من مقاصد دراسة السِّيرة النَّبويَّة زيادةُ المحبَّة للرَّسول -صلى الله عليه وسلم- المقتضية لزيادة الإيمان والرَّغبة في المتابعة، والطاعة لأمره، واجتناب نهيه، وتوقيره واحترام أمره، والاهتداء بهديه، وترك البدع والخرافات التي أحدثها أهلُ الأهواء ومَنْ لا علمَ لهم؛ حتى جعلوا عنوانَ المحبَّة التَّغَنِّي والمدائح والعشق وإضفاء صفات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تخرجه عن مجال التَّأسِّي والاقتداء؛ مثل المغالاة في الإطراء والتَّقديس المنهيّ عنه، والذي يلغي الطَّبيعةَ البشريَّةَ للرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: «لا تُطروني كما أَطْرَت النَّصارى ابنَ مريم؛ فإنَّما أنا عبدٌ فقولوا: عبد الله ورسوله». 


وإنَّ هذا الغُلُوَّ ترتَّب عليه كثيرٌ من المخاطر العقديَّة والتَّربويَّة، وأبعد شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن مجال المتابعة والاقتداء، وأحلَّ تلك المتابعةَ والأُسوةَ في الشُّيوخ المربِّين الذين يسلكون هذا المسلكَ ويصوِّرون في أذهان أتباعهم هذه الصُّورةَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكونوا هم بطرق خاصَّة ومجاهدات –كما يذكرون– الذين ينقلون الصُّورةَ ويمثَّلونها، والأتباعُ يَقْتَدون بهم. 


إنَّ شخصيةَ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- شخصيَّةٌ إنسانيَّةٌ بشريَّةٌ كمَّلَها اللهُ بالوحي، وعصمها من الخطأ في إبلاغ الرِّسالة عن الله؛ فهذه ميزتُه العظمى؛ أنَّه رسول يوحَى إليه؛ ولكنَّه في غير مجال البلاغ عن الله يعتريه ما يعتري البشر من النِّسيان، وفيه من نوازع البشر؛ لكنَّ الله يسدِّدُه ويحفظه، وقد خضع في حمله وولادته ورضاعه وشبابه ومرضه ووفاته وسائر أحواله للسُّنَن الفطريَّة والقوانين الطبيعيَّة التي يخضع لها سائرُ البشر.  


فلقد كان حملُه طبيعيًّا استغرق مدَّة الحمل الطبيعيَّة نفسها، كما كانت ولادتُه طبيعيَّةً كسائر الولادات، وعانى من فقد الأب والأمِّ ككثير من البشر، وخضع لكفالة الأقارب، ولمَّا بلغ سنَّ الشَّباب عمل في الأعمال الموجودة في مجتمعه؛ كالرَّعي والتِّجارة، وتزوَّجَ وأنجب، وفقد الابنَ والبنتَ والزَّوجةَ والصَّديقَ، وتعرَّض للأذى والمرض والنَّصر والهزيمة، وجُرح في الحرب؛ ممَّا يُمْكن أن يحلَّ بكلِّ إنسان، وتعرَّض -صلى الله عليه وسلم- للنِّسيان، ولما نسي في صلاته أكَّد على بشريَّته فقال: «إنَّما أنا بشرٌ مثلُكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذَكِّروني». فالعصمةُ للرَّسول -صلى الله عليه وسلم- هي في البلاغ عن الله وبيان أحكام الحلال والحرام وما لا يليق من المعاصي والأخلاق الرَّديئة. 


قال الإمامُ النَّوويُّ -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: باب وجوب امتثال ما قاله -صلى الله عليه وسلم- شرعًا دون ما ذكره من معايش الدُّنيا على سبيل الرأي. وأورد قصَّةَ تأبير النَّخل وقولَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «ما أَظُنُّ يُغْني ذلك شيئًا». فتركوا تلقيحَ النَّخل؛ فلمَّا أخبر بذلك قال: «إن كان يَنفعهم ذلك فيَصنعوه؛ فإنِّي إنَّما ظننتُ ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظَّنِّ، ولكن إذا حدَّثْتُكم عن الله شيئًا فخذوا به؛ فإنِّي لن أكذبَ على الله عَزَّ وَجَلَّ». وفي رواية: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». 


لقد تحوَّلت السِّيرةُ -مع الأسف– في بعض المجتمعات الإسلاميَّة المعاصرة إلى موالد وموائد وأناشيد وطبول تشيع فيها البدعةُ وتغيب عنها السُّنَّةُ، وتضيع معها الأوقاتُ في الأكل والشُّرب واللَّهو!! 

إنَّ حقيقةَ المحبَّة للرَّسول -صلى الله عليه وسلم- هي في سلوك طريقته وهديه، واتِّباع سنَّته وتطبيقها في واقع حياتنا وسلوكنا؛ محبَّةً وتقديرًا وإجلالاً وتعظيمًا، وتجريد التوحيد لله- سبحانه وتعالى- والابتعاد عن وسائل الشِّرك والحذر منها وترك الغُلُوِّ والاعتقاد في الأموات والمقبورين. 


3- طَلَبُ التَّأَسِّي والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-: 


ومن المقاصد العظمى طلبُ التَّأَسِّي والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو المقصد الأسمى والمجال الأرحب في دراسة السِّيرة النَّبويَّة للتَّأَسِّي بصاحبها؛ وقد قال -تعالى-: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ" [الأحزاب: 21]. 



وحتى يحصلَ التَّأَسِّي والاقتداء فإنَّه يجب أن تُدْرَسَ السِّيرةُ النَّبويَّةُ بمنهجيَّة علميَّة شرعيَّة تَنْبُذُ مناهجَ السّوء ومنابت ثمراتها اليانعة؛ فلابدَّ من المرجعيَّة الشَّرعية وتصفية مناهج الاستدلال على وفق منهج أهل السُّنَّة والجماعة؛ حتى يصحَّ التَّأَسِّي ويقع الاقتداء موقعه، ويكون التَّأَسِّي بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- -كما ذكرنا من قبل– في جميع المجالات، وفي المهمَّات العظيمة والمواقف الكبيرة يعظم أجرُه وثوابُه. 


4- استخراج الدُّروس والعبر من وقائع السِّيرة وحوادثها: 


من أهمِّ المقاصد في دراسة السِّيرة النَّبويَّة استخراجُ الدُّروس والعبر ضمن منهج علميٍّ يلاحظ مقاصدَ الشَّريعة وخلودَ الرِّسالة وعمومَها وما تميَّزت به السِّيرةُ من هداية الوحي وتسديده وعصمة النُّبُوَّة في التَّبليغ عن الله، ويراعي سلامةَ النَّقل ودرايةَ العقل وضوابطَ استخراج الدُّروس والعبر من وقائع السِّيرة. 


وسيرةُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- تجسيدٌ حيٌّ للرِّسالة وبيانٌ عمليٌّ للقرآن وتنزيله على واقع التَّأسِّي في كلِّ مرحلة من المراحل التي مرَّت بها الرِّسالة النَّبويَّة.


 وممَّا ينبغي التَّنبيه عليه مراعاةُ التَّفريق بين مرحلة الدَّعوة والضَّعف في العهد المكِّيِّ، وبين مرحلة بناء الدَّولة والتَّمكين في العهد المدنيِّ؛ فلكلِّ حالة ومرحلة دروسٌ وأحكامٌ تَنْطَبق عليها، ومن الخطأ استخدامُها في غير مواضعها. 


5- التَّعرُّفُ على منهج النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الدَّعوة: 


من دراسة السِّيرة النَّبويَّة بمختَلَف مواقفها وصُوَرها نتعلَّم المنهجَ الدَّعويَّ الذي سار عليه رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-، وكيف تعامل مع أخطاء النَّاس، وجفاء الأعراب، ومكايد الأعداء، ودسائس المنافقين؛ فقد كان رؤوفًا رحيمًا، وكان حريصًا على هداية الخلق إلى الحقِّ، وكان حكيمًا في معالجة المشكلات والمواقف المختلفة، وكان حليمًا يَعْذُرُ الجاهلَ حتَّى يتعلَّم.


 وبهذا المنهج وبهذه الأخلاق استطاع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إخراجُ الأمَّة الأميَّة من ظلمات الجهل والتَّعَصُّب والشّتات والتَّفرُّق إلى نور الإسلام وهداية الرحمن، والتَّرَقِّي في ذلك حتى كانت خيرَ أمَّة أُخْرجت للنَّاس. 


إنَّ النَّاظرَ في أحوال العرب في جاهليَّتهم وما فيهم من قسوة الطِّباع وقوَّة العصبيَّة والتَّعلُّق بعبادة الأصنام وطاعة الجان والكهَّان وتقديس التَّقاليد والعادات وموروث الآباء والأجداد من غير تأمُّل ولا برهان، لَيَعْجَبُ؛ كيف تحوَّلت أخلاقُها وتبدَّلت طباعُها في وقت وجيز، فصارت أمَّةً ذات علم وحضارة وأخلاق سامية، وجهاد في سبيل الله لهداية الخلق جميعًا إلى الهدى والنُّور؛ لقد كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ممتثلاً لقوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" [الأعراف: 199]؛ قال عبدُ الله بنُ الزُّبير– كما في صحيح البخاريّ: أمر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذَ العفوَ من أخلاق النَّاس؛ أي يتجاوز عن أخطائهم وما لا ينبغي من أقوالهم وأفعالهم. 


والوقائع الدَّالَّةُ على ذلك كثيرةٌ جدًّا؛ منها قصَّةُ الأعرابيّ الذي جذب برداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أثرت حاشية الرِّداء في صفحة عاتقه -صلى الله عليه وسلم- طالبًا منه أن يعطيَه من مال الله؛ فكان ردُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نظر إليه بكلِّ هدوء، ثم تبسَّم في وجهه وأمر له بعطاء. 


ومنها قصَّةُ الشَّابِّ الذي جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ائذن لي بالزِّنا. فأقبل القومُ عليه فَزَجروه وقالوا: مه، مه. فقال: «ادنه». فدنا منه قريبًا؛ قال: فجلس، قال: «أَفَتُحبُّه لأمك؟» قال: لا والله– جعلني الله فداءك. قال: «ولا الناس يحبُّونه لأمَّهاتهم»، قال: «أفتحبُّه لأختك؟» قال: لا والله– جعلني الله فداءك. قال: «ولا الناس يحبُّونه لأخواتهم». قال: «أفتحبُّه لعمَّتك؟» قال: لا والله– جعلني الله فداءك. قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم». قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله– جعلني الله فداءك. قال: «ولا النَّاس يحبُّونه لخالاتهم». قال: فوضع يده عليه، وقال: «اللهم اغفر ذنبَه وطهِّر قلبَه وحصِّن فرجَه». فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. 


فقد ناقش النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هذا الشَّابَّ مناقشةً عقليَّةً منطقيَّةً أحسن التَّصَرُّفَ معه ولم يزجره وينهره رغم الجرأة وسوء الأدب في طلبه، وتدرَّجَ معه في الخطاب حتى اقتنع وتبيَّن له خطؤه في هذا الطَّلب. 


ومنها: قصَّةُ الأعرابيّ الذي بال في طائفة من المسجد النَّبويّ، فكان التَّصرُّفُ معه حكيمًا مراعيًا لعدد من المصالح الشَّرعيَّة. 


ومنها: قصة معاوية بن الحَكَم السَّلميّ الذي تكلَّم في الصَّلاة وهو لا يعرف حكم ذلك، فعلَّمه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من غير نهر له ولا تشديد عليه؛ ممَّا أَثَّرَ في نفس معاوية -رضي الله عنه- فقال في روايته للقصَّة: فبأبي هو وأمي!! ما رأيتُ معلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه؛ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني. 


والمنهجُ النَّبويُّ في الدَّعوة مستمدٌّ من قول الله- سبحانه وتعالى- له: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل: 125]. 


يتبع إن شاء الله...



السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 30 مارس 2021, 7:44 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... Empty
مُساهمةموضوع: معالم المنهج النَّبويِّ   السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... Emptyالأحد 25 مايو 2014, 3:41 am

فمعالم المنهج النَّبويِّ: 



أ- الإخلاص لله وابتغاء ثوابه والدَّعوة إلى سبيله وحدَه لا سبيلَ غيره. 



ب- العلم الشَّرعيُّ بكلِّ ما يدعو إليه من عقائد وأحكام وآداب؛ وهو الحكمة المأمورُ بها في الآية.



ج- التَّذكيرُ بالله وصفاته ودلائل تلك الصِّفات والأسماء وعظمته ودقَّة خلقه وبديع صنعه، واستشعار رقابته وإحاطته بالعبد، وبيان ثوابه وعقابه؛ والدَّالُّ عليه من الآية قولُه: "وَالْمَوْعِظَةِ". 



د- الرحمة والشَّفقة بالمدعوِّين والإحسان إليهم وإلانة الكلام معهم حتى تكون الموعظة والتَّذكير حسنةً وإحسانًا. 



ﻫ- استعمالُ الأسلوب الأمثل والمناسب لكلِّ حالة؛ والمعبَّرُ عنه في الآية بالحكمة، والتي تعني وضعَ الشَّيء في موضعه؛ وهذا أحدُ معانيها. 



6- التَّعرُّفُ على منهج النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في العبادة والسُّلوك: 



من أهمِّ معالم المنهج النَّبويِّ في العبادة والسُّلوك إخلاصُ العبادة لله سبحانه وتعالى، والاقتصاد في الطَّاعات، وعدم تحميل النَّفس ما لا تطيق، والحثُّ على لزوم السُّنَّة والجماعة، والحذرُ من البدع والمحدثات. 



وكان هديه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه إذا عمل عملاً داوم عليه، وقال: «خير العمل ما داوم عليه صاحبه وإن قلَّ»، ومن هديه -صلى الله عليه وسلم- كثرةُ الذِّكر لله- سبحانه وتعالى- والمحافظةُ على الأذكار في كلِّ أحواله؛ أذكار الصَّباح والمساء والذِّكر عقب الصَّلاة والذِّكر المطلق والذكر في المناسبات عند دخول المنزل، وعند الخروج منه، وعند النوم، وعند دخول المسجد، وفي السفر، وعند ركوب الدَّابَّة... إلخ). 

وكان كثيرَ الاستغفار والتَّوبة واللُّجوء إلى الله، وكذا الصِّيام، والصَّدقة، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وكان حسنَ المعاشرة للنَّاس ولأهله. 



ومن منهجه -صلى الله عليه وسلم- الزُّهد في الدُّنيا؛ والزَّاهد هو الذي يجعل الدُّنيا في يده لا في قلبه؛ فينفق ما يحصِّله منها في طاعة الله ممَّا يجب عليه من النَّفَقات، وفي سَدِّ حاجة المحتاجين؛ فإنَّ هذا الإنفاقَ هو الباقي للإنسان والذي يُحْسَبُ في رصيده في الآخرة؛ فقد رَوَتْ عائشة- رضي الله عنها: أنَّهم ذبحوا شاةً.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما بقي منها؟» قالت: ما بقي إلا كتفُها. قال: «بقي كلُّها غير كتفها». 



فهذا الحديثُ وأمثالُه يبيِّنُ المعنى الحقيقيَّ للزُّهد، وأنَّه فعلٌ إيجابيٌّ تجاه النَّفس والمجتمع، وليس أمرًا سلبيًّا –كما قد يفهم البعض– أو قعوداً عن الكسب والعمل، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «اليدُ العليا خيرٌ من اليد السُّفلى وابدأ بمن تَعول». 



وقد قال أهلُ العلم: 



إنَّ الزُّهدَ هو تركُ ما لا ينفع في الآخرة؛ أي والحرص على ما ينفعك في الآخرة، ومن منهجه -صلى الله عليه وسلم- في السُّلوك الورع؛ وهو تركُ ما تُخْشَى عقوبتُه في الآخرة؛ أي ممَّا تتَّضح حرمتُه لكن فيه شبهة أو في تركه صيانةٌ للعرض؛ أمَّا المحرَّمُ فمن الواجب تركُه وليس من الورع فحسب، وقد قال- عليه الصَّلاة والسَّلام: «الحلالُ بَيِّنٌ والحرام بَيِّنٌ وبينهما أمور مشتبهات، فمن ترك الشُّبُهات فقد استبرأ لدينه وعرضه». والورع: استبراءٌ للدِّين والعرض. 



7- تنميةُ الولاء للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والبراءةُ من أعدائه في الماضي والحاضر: 



في دراسة السِّيرة النَّبويَّة والاطِّلاع على أحواله- عليه الصَّلاة والسَّلام- ومواقفه -صلى الله عليه وسلم- وأحوال أصحابه- رضي الله عنهم- ينمو الولاءُ لله ولرسوله وللمؤمنين ويزداد ويترسَّخ، ويترتَّب على هذا البراءةُ من الكفَّار والمشركين وكل أعداء الملَّة والدِّين في الماضي والحاضر.



 والولاءُ والبراءُ من أعظم العناصر التي تحافظ على هويَّة الأمَّة وتميُّزها واستقلالها وعدم ذوبانها في الحضارات والثَّقافات المعادية، وهو حصن قويٌّ يجب الاهتمام به؛ حتى تضمنَ الأمَّةُ استقلال شخصيَّتها وصمودَها في وجه التَّيَّارات الوافدة. 



والولاء والبراء عملٌ قلبيٌّ مؤثِّرٌ في السُّلوك، ويرتبط بالمحبَّة لله ولرسوله وللمؤمنين؛ قال تعالى: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*" [المجادلة: 22]. 



نقل الحافظُ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: قال سعيد بن عبد العزيز وغيرُه: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة عامر بن الجراح حين قتل أباه يومَ بدر. 



قلتُ: وقد حصل في يوم بدر وما بعده من المشاهد أن تقابل الآباء والأبناء والأقارب في القتال ولم تمنعهم القرابة حين اختلفوا في الدِّين، والآيةُ شاملةٌ لهذا السَّبب المذكور وغيره. 



8- التَّعرُّفُ على آثار الجهاد في تحرير الأمم والشُّعوب: 



من مقاصد دراسة السِّيرة النَّبويَّة التَّعرُّفُ على آثار الجهاد في تحرير الأمم والشُّعوب وإزالة الظُّلم عنها وإخراجها من الظُّلمات وعبادة الطَّاغوت إلى عدل الإسلام ورحمته، وتحكيم شرعه الذي ضمن لهم المساواةَ وتحقيقَ الإنسانيَّة الحقَّة، وممارسة الإنسان لحقوقه الطَّبيعيَّة الفطريَّة كما أراد له خالقُه، فأتيحت له الحريَّة وأزيلت من أمامه العوائقُ التي تمنعه من الاختيار الصحيح.



 فإن الجهادَ كما هو معلوم ليس لإجبار الناس على اعتناق الإسلام؛ وإنَّما هو لإزالة الموانع والحواجز والأنظمة التي تصدُّ عن سبيل الله ولا تتيح الحريَّةَ للناس ليختاروا لأنفسهم بعد تمعُّن وتأمُّل في دلائل التَّوحيد، وهم يرون أمام أعينهم النموذجَ المثاليَّ مطبَّقًا في الواقع بكل نظافته وعدله واستقامته؛ فلا يَكْتَفون بدعوتهم إلى مثل ونظريات جميلة غير مطبقة في الواقع؛ وإنَّما يدعونهم إلى أمر بَيِّن مشاهَد تطبيقُه في الواقع؛ مما جعل فتوحات الإسلام تتميَّز عن غيرها من الحروب التي تقع بين البشر.



 إنَّها فتوحاتٌ لتمكين النَّاس من رؤية الحقِّ واقعًا معاشًا، ولذلك كانت الفتوحاتُ الإسلاميَّةُ ذات طبيعة مستقرَّة؛ لأنَّها مطابقةٌ للفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها، فاستقبلتها النُّفوسُ السَّليمة بكلِّ ترحاب وقَبلتها؛ فالفتوحاتُ الإسلاميَّةُ وجهادُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- هي إنقاذٌ للبشريَّة من ظلم بعضهم بعضًا، ومن جور الأديان المبتدعة والمحرَّفة إلى رحمة الإسلام وعدله، وسعة الدُّنيا والآخرة؛ كما قال ربعيّ بن عامر أمام رستم: «إنَّ الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدُّنيا إلى سعة الدُّنيا والآخرة». 



9- بيان موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين ومكائدهم: 



من مقاصد الدِّراسة للسِّيرة النَّبويَّة التَّعرُّفُ على موقف الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- من النِّفاق والمنافقين، وكيف تجاوز مكائدَهم الكثيرة حتى فضحهم الله، وعرفهم رسولُ الله- عليه الصَّلاة والسَّلام- بسيماهم ولحن قولهم؛ بل عرَّفَه اللهُ بأسمائهم؛ فأخذ المسلمون منهم حذرَهم رغم ما أصاب بعضَهم من آثار دسائسهم؛ بل حتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصله أذاهم في أهله عندما جاء عصبةٌ منهم بالإفك؛ لكن جعل اللهُ في ذلك خيرًا، ورفع درجةَ من ابتلي من المؤمنين بسببهم؛ قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ" [النور: 11].



 وهذا فيه درسٌ للمؤمنين على مرِّ الأزمان حتى تقومَ السَّاعة؛ ليأخذوا حذرَهم ويحتاطوا في أمرهم ولا يقعوا في شيء من حبائلهم ودعاواهم التي يزخرفونها ويظهرون منها إرادةَ الإصلاح؛ وهم في واقع أمرهم مفسدون مخادعون لله ورسوله وما يخدعون إلا أنفسَهم وما يشعرون؛ كما قال- تعالى- في وَصْفهم: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ...." الآيات [البقرة: 8 – 16]. 



10- الاطِّلاعُ على مواقف اليهود من الرِّسالة والرَّسول -صلى الله عليه وسلم-: 



من المقاصد المهمَّة جدًّا التَّعرُّفُ على مواقف اليهود من الرِّسالة والدَّعوة النَّبويَّة؛ فقد عاملَهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن قرب، وعقد معهم معاهدات ومواثيق؛ ولكنهم غلب عليهم طبعُهم وحلَّت عليهم الشَّقاوةُ؛ فنقضوا العهدَ معه قبيلةً تلوَ الأخرى، وحاق بهم نتيجةَ غدرهم، ومكَّنَ اللهُ رسولَه منهم؛ فأجلى بعضَهم، وقتل بعضَهم؛ جزاءَ غدرهم وخيانتهم العظمى في ميدان القتال والمواجهة مع الأحزاب الكافرة؛ فكان ذلك حكمَ الله فيهم وقضاءه العادل؛ لشناعة فعلهم ومكرهم بالمؤمنين. 



فأين المعتبرون؟ وكيف يوثَق في يهود وهذا تاريخهم؟ وقد عرَّفنا اللهُ من أخبارهم مع رسلهم مثل هذه المواقف الغادرة، والطرق الملتوية، وواقع التعامل معهم في قضية فلسطين يُثْبتُ هذا الخلقَ المتأصِّلَ فيهم، وأنَّهم كلما عاهدوا عهدًا نَبَذَه فريقٌ منهم، وأنَّهم هم وإخوانهم النَّصارى لن يرضوا عن المؤمنين حتى يتَّبعوا ملَّتَهم؛ قال تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى... " الآية. [البقرة: 120]. 



11- عدمُ اليأس والثِّقةُ بنصر الله لدينه ولأوليائه الصَّالحين: 



المطَّلع على سيرة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وسير دعوته يرى انتقالَها من نصر إلى نصر، وازدياد أتباع الدَّعوة من أهل مكَّة ثم من النُزَّاع من القبائل رغم الأذى الشديد والمواجهة القوية من المشركين وتنويعهم الأساليب في محاربة الدَّعوة وأهلها، ويدرك بكلِّ يقين عنايةَ الله وتوفيقَه لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين ونصرهم على عدوهم؛ وهذا ممَّا يقوِّي الثِّقةَ في نفوس المؤمنين في كلِّ مكان وكلِّ زمان؛ بأنَّ العاقبةَ لهم والتَّمكين سيكون لدينه وحملته؛ فيجدُّوا ويجتهدوا ويثبتوا حتى يأتيهم النَّصر، وما يرونه من ظهور الكفار وسيطرتهم في فترة من فترات الزمن لن يكون وضعًا دائمًا؛ بل سيزول، ويَظْهَرُ أهل الحقِّ؛ وهذا من أعظم العوامل على محاربة اليأس، والقيام بالواجب الشَّرعيِّ حسب المقدرة والاستطاعة، والاجتهاد في ذلك، ومغالبة الكفار، حتى يمتلك المسلمون زمام القوة وعدة النصر عليهم. 



واعلم- أخي القارئ- أنَّ النَّصرَ من الله، وله شروطٌ ومستلزماتٌ لابدَّ من التَّحقيق بها حتى يأتي نصرُ الله؛ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد: 7]، وقال: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" [النور: 55]؛ فشرطُ التَّمكين والاستخلاف في الأرض وحصول الأمن وانتفاء الخوف هو عبادةُ الله وحدَه لا شريكَ له الذي هو الإيمان والعمل الصالح المذكور في أول الآية، وقال تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" [الحج: 41]. 



12- التَّمَسُّكُ بالدين والصَّبر على ما يلاقي المرءُ في طريق الدَّعوة: 



لقد لقي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- صنوفًا من الأذى في سبيل الدَّعوة إلى الله وإبلاغ ما أُنزل إليه من ربِّه؛ فقد اتُّهم من المشركين في عقله وسلوكه وهو بريء من ذلك، وأعداؤه يعرفون هذا؛ لكن الخصومة والمغالبة والاعتداء وصل بهم إلى هذا الأمر، فقالوا عنه: إنَّه مجنون، وشاعر، وساحر، وقالوا عن ما جاء به من الوحي والهدى: "أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" [الفرقان: 5]، وقالوا: "إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" [النحل: 103]، فردَّ اللهُ عليهم كذبَهم فقال: "لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" [النحل: 103]؛ لأنَّهم ادَّعوا أنَّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- يأتي بالقرآن من عند رجل نصرانيّ كان يَمْتَهنُ التِّجارةَ عند الصَّفا؛ وهو أعجميٌّ، وهذا القرآنُ لسانٌ عربيٌّ مبينٌ؛ فكيف يتَّفق أن يأتي الأعجميُّ الذي لا يعرف العربيَّة بهذا القرآن العربيِّ الفصيح؟!



 إنَّ هذا محالٌ.. ولكن كما قيل: الخصومةُ حجابٌ ساترٌ عن إدراك الحقِّ؛ لقد واجه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كلَّ أنواع الأذى بالصَّبر، وكذلك أصحابُه؛ صبروا عليه عادةً مع أنَّهم عربٌ وعاشوا في بيئة تتَّصف بسرعة الغضب والانتقام، وتُقدِّس الثَّأرَ، وحروبُ العرب وأيَّامُها في الجاهليَّة غالبُها كانت لأسباب تافهة؛ كحرب البسوس، وحرب داحس والغبراء. 



إنَّ الصَّبرَ قيمةٌ خلقيةٌ مرتبطةٌ بالإيمان بالله واليوم الآخر والإيمان بأنَّ ما يفوت الإنسان في الدُّنيا يأتيه في الآخرة، وكل ما يصيب المرء بسبب تمسُّكه بدينه هو في سبيل الله، وهو حسناتٌ له ورصيدٌ في الآخرة؛ ولهذا لمَّا آمَنَ الصَّحابةُ بهذه المعاني للصَّبر تحمَّلوا الأذى؛ حتى إنَّ سميَّةَ أمَّ عمَّار- رضي الله عنها- وهي جارية ضعيفة لا يؤبه لها في مجتمع مكة تصمد أمام الجبابرة ولا يفرحوا منها بكلمة تخدش في دينها حتى لاقت وجهَ الله شهيدةً في سبيل الله، وبلال- رضي الله عنه- يُعجزهم رغمَ ما صَبُّوا عليه من الأذى، وكثيرٌ من الصَّحابة- رضوان الله عليهم- أصابهم الأذى وصبروا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناله الأذى الجسديُّ بعد الأذى المعنويِّ؛ فضُرب، وحوصر، وأُخرج من أرضه وأحبِّ البلاد إليه؛ فصبر وضحَّى بذلك حتى أظهره اللهُ عليهم ومكَّنَه منهم يوم الفتح؛ فما انتقم ولكن عفا وأَكْرَمَ؛ قال تعالى: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ*" [العصر: 1 – 3]، وقال تعالى: "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*" [الشورى: 43]، وقال تعالى: "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شيئا" [آل عمران: 120]. 

 

الخاتمةُ:



الحمدُ لله على توفيقه وإعانته لي في إتمام هذا البحث عن أهميَّة السِّيرة النَّبويَّة وأقسامها ومقاصد دراستها، وقد اتَّضَحَ من خلال البحث أهميَّةُ دراسة السِّيرة النَّبويَّة وضرورة الاعتناء بها في مناهج التَّعليم ومؤسَّساته التَّربويَّة، وأن تكون القاعدةُ والأساس في البناء التَّربويِّ للأمَّة؛ فإنَّها النَّبعُ الصَّافي والمعين الذي لا ينقطع.



 وقد توصَّلت الدِّراسةُ إلى مجموعة من المقاصد التي يَنبغي أن يجعلها المربُّون والمعلِّمون أهدافًا يسعون إلى تحقيقها في الواقع السُّلوكيّ والاجتماعيّ، وأن يسلكوا من الوسائل التَّعليميَّة المشروعة ما يتوصَّلون به إلى تحقيق الأهداف والغايات العليا من دراسة السِّيرة النَّبويَّة. 



ومما يجدر الإشارةُ إليه أنَّ المقاصدَ والأهدافَ المذكورة ليست حاصرةً لجميع الأهداف؛ وإنَّما هي نماذج أدَّى الاجتهاد والتَّأَمُّلُ إلى التَّنبيه عليها، والحمد لله الذي وَفَّقَ وهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى وآله وصحبه أجمعين. 

 

فهرس المصادر والمراجع



* القرآن الكريم. 

1- الألبانيّ، محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي، (ت 1420ﻫ). 

سلسلةُ الأحاديث الصَّحيحة، المكتب الإسلاميّ، بيروت، د.ت. 

2- ابنُ الأثير، المبارك بن محمد الجزريّ (ت 606ﻫ): 

النِّهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت. 

3- البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 ﻫ): 

الجامع الصحيح، دار السلام، الرياض، ط1، 1417ﻫ. 

4- الترمذي، محمَّد بن عيسى (ت 279 ﻫ). 

سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي بالقاهرة، د.ت. 

5- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت 728 ﻫ): 

مجموع الفتاوى، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة 2، 1399ﻫ. 

6- ابن جرير، محمد بن جرير الطبري (ت 310 ﻫ): 

تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بالقاهرة، ط4، د.ت. 

جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط3، 1388ﻫ. 

7- الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري (ت 405 ﻫ): 

المستدرك على الصحيحين، دار الكتاب العربيّ، بيروت. د.ت. 

8- ابن حجر، أحمد بن عليّ العسقلانيّ (ت 852 ﻫ): 

الإصابة في معرفة الصَّحابة، تحقيق عليّ محمَّد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د.ت. 

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المكتبة السلفية، القاهرة، د.ت. 

9- ابن حنبل، أحمد بن محمد الشَّيبانيّ (ت 241 ﻫ): 

المسند، دار صادر، بيروت، د.ت. 

10- الخطيب البغدادي، أحمد بن عليّ بن ثابت (ت 463 ﻫ). 

الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السَّامع، تحقيق محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، 1403 ﻫ الطبعة الأولى. 

11- الخطيب التَّبريزيّ، محمَّد بن عبد الله (ت بعد 737 ﻫ): 

مشكاة المصابيح، تحقيق الألبانيّ، المكتب الإسلاميّ في بيروت، ط2، 1399ﻫ. 

12- ابن سعد، محمد بن سعد الزهري (ت 230 ﻫ): 

الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، د.ت. 

13- السلمي، محمد بن صامل: 

ضوابط استخراج الدروس والعبر من السيرة النبوية، مقالة في مجلة البيان، لندن، عدد 159، ص 87 – 90، ذو القعدة 1421ﻫ. 

14- السيد سليمان النّدويّ، (ت 1373 ﻫ): 

الرسالة المحمديَّة، ترجمة محمد ناظم الندوي، مكتبة الفتح بدمشق، ط3، 1393ﻫ. 

15- الصالحي، محمد بن يوسف الشَّاميّ (ت 942 ﻫ): 

سبل الهدى والرَّشاد في سيرة خير العباد، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، ط2، 1402ﻫ. 

16- الصديقي، محمد بن أبي السرور البكري (ت بعد 1071ﻫ). 

المنح الرحمانية في الدولة العثمانية: تحقيق ليلى الصباغ، دار البشائر، دمشق، ط1، 1415ﻫ. 

17- ابن عبد الوهاب، محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت 1206 ﻫ): 

أصول الإسلام مع قواعده الأربع، رتبها على السؤال والجواب محمد الطيب الأنصاري، مكتبة الرياض الحديثة، د.ت. 

18- عمر عبيد حسنة: 

تقديم كتاب: في السيرة النبوية، قراءة لجوانب الحذر والحماية، كتاب الأمة، رقم 54، الدوحة، قطر، رجب 1417 ﻫ. 

19- ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ﻫ): 

معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، نشر مطبعة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط2، 1389 ﻫ. 

20- فاروق حمادة: 

مصادر السِّيرة النَّبويَّة وتقويمها، دار الثَّقافة، الدار البيضاء، ط2، 1410ﻫ. 

21- فريمان، جرنفيل: 

التقويمان الهجري والميلادي، ترجمة حسام محيي الدين الألوسي، مطبعة الجمهورية، بغداد، 1389ﻫ. 

22- الفسوي، يعقوب بن سفيان (ت 277 ﻫ): 

كتاب المعرفة والتاريخ، تحقيق أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1410ﻫ. 

23- ابن كثير، إسماعيل بن عمر الدمشقي القرشي (ت 774ﻫ): 

البداية والنهاية، مكتبة دار المعارف، بيروت، ط3، 1980ﻫ. 

تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي السلامة، دار طيبة، الرياض، ط1، 1418ﻫ. 

الفصول في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تحقيق محمد الخضراوي، ومحيي الدين مستو، مؤسسة علوم القرآن بدمشق ومكتبة التراث بالمدينة، ط3، 1402ﻫ. 

24- أبو مايله، بريك بن محمد بن بريك العمري: 

السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1417ﻫ. 

25- مسلم بن الحجاج القشيريّ، (ت261ﻫ): 

صحيح الإمام مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بمصر، د.ت. 

27- الندويُّ أبو الحسن علي الحسني (ت 1420ﻫ): 

السيرة النبوية، عني بنشره عبد الله الأنصاري من قطر، دار الكتب العصرية، صيدا، 1399ﻫ. 

28- النووي، محيي الدين بن شرف الشافعي (ت 676ﻫ): 

شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث، بيروت، ط2، 1392ﻫ. 

29- النويري، أحمد بن عبد الوهاب (ت 733ﻫ): 

نهاية الأرب في فنون الأدب، مصور عن طبعة دار الكتب المصرية، د.ت. 

30- ابن هشام، عبد الملك بن هشام الحميري (ت 218ﻫ). 

السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السَّقَّا وآخرين، مطبعة الحلبي بمصر، ط2، 1375ﻫ. 

31- الوابل، يوسف بن عبد الله بن يوسف: 

أشراط الساعة، دار ابن الجوزيّ، الدَّمَّام، ط11، 1419ﻫ. 



السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها... 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
السيرة النبوية أهميتها.. أقسامها.. مقاصد دراستها...
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: كتابات عن رسول الله-
انتقل الى: