ألحان.. وَأشْجَانٌ
د. محمد بن عبد الرحمن العريفي
*****************************
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار ..
وكرم الإنسان ورفع له المقدار ..
واصطفى من عباده المتقين الأبرار ..
فوفقهم للطاعات .. وصرفهم عن المنكرات .. وأعدّ لهم عقبى الدار ..
أحمده سبحانه .. فهو الذي خلق المنطق واللسان ..
وأمر بالتعبد وذكر الرحمن .. ونهى عن الغيبة ومنكر البيان ..
فسبحانه من إله عظيم .. يحصي ويرقب .. ويرضى ويغضب ..
وينصب الميزان .. يوم تنطق الجوارح .. وتبين الفضائح ..
فإذا هم قد أحصيت أعمالهم .. وهتكت أستارهم .. وفشت أسرارهم ..
ونطقت أيديهم وأرجلهم .. فأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين ..
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى .. ونبيه المجتبى .. ورسوله المرتضى ..
الذي لا ينطق عن الهوى ..
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ..
أما بعد :
فهذه رسالة .. أبعثها إلى أخوة وأخوات .. من المؤمنين والمؤمنات ..
أحب لهم الخير والهدى .. وأكره لهم الشر والردى ..
إنها صيحة في جموع الغافلين .. اللاهين السادرين ..
إنها أشجان .. أصرخ بها .. في آذان سلم الله سمعها .. وعقول كمل الله لبها …
وأجساد زاد الله حسنها .. بل إنها صرخات نذير ..
ونداءات تحذير .. أهتف بها في الجموع .. لعل عاصياً يتوب .. أو مفتوناً يئوب ..
* * * * * * * * *
إنها ألحان جرَّت إلى أشجان .. وضحكات انقلبت حسرات .. وجلسات غمرت بالويلات ..
إنها عبرات .. أنثرها بين يدي أقوام فُتنت قلوبهم .. بالمعازف والألحان ..
هاجت لها أحاسيسهم .. وتعلقت بها نفوسهم ..
أبعثها إليهم .. لأني أعلم أنهم مؤمنون موحدون .. تشتاق نفوسهم إلى الجنات ..
ويعظمون رب الأرض والسموات ..
هم خِلَّانٌ لنا وأصحاب .. بل إخوة وأحباب .. نرجو أن يجمعنا الله بهم في الجنات ..
ولإن كان الشيطان تغلَّب عليهم تارة .. فهم أهل أن يغلبوه تارات ..
* * * * * * * * * *
ولكن ماذا أقول .. وبماذا أبدأ .. نعم .. ماذا أقول عن الغناء ..
صوتِ العصيان.. وعدوِّ القرآن.. ومزمارِ الشيطان.. الذي يزمر به فيتبعه أولياؤه..
ماذا أقول عن الغناء ..
وهو قرآن الشيطان .. والحجاب عن الرحمن ..
فلو رأيتهم عند سماع الغناء .. وقد علت منهم الأصوات .. وهاجت منهم الحركات ..
يتمايلون تمايل السكران .. ويتكسرون تكسر النسوان ..
وكم من قلوب هناك تمزق .. وأموالٍ في غير طاعة الله تنفق ..
قضوا حياتهم لذة وطرباً .. واتخذوا دينهم لهواً ولعباً..
ماذا أقول عن الغناء ..
وما أدمن عليه عبد إلا استوحش من القرآن والمساجد .. وفر عن كل راكع وساجد ..
وغفل عن ذكر الرب المعبود .. واستأنس باصوات النصارى واليهود ..
وابتلي بالقلق والوساوس .. وأحاط به الضيق والهواجس ..
فسل ذا خبرة ينبيك عـنـه
لتعلم كم خبايا في الزوايـا
وحاذر إن شغفت به سهامـاً
مريشة بأهداب المــنـايا
إذا ما خالطت قلبا كــئيباً
تمزق بين أطباق الــرزايا
ويصبح بعد أن قد كان حـراً
عفيف الفرج عبداً للصبايا
* * * * * * * * * *
ماذا أقول عن الغناء ؟
وقد تغلب على بعض العقول وطغى .. وزاد في الضلال وبغى ..
بل لو سألت بعض الناس اليوم .. عن النبي عليه السلام .. عن سنة من سننه ..
أو هدي من هديه .. أو طريقة منامه .. واستيقاظه وأكله ..
لقال لك : لا أدري .. وكيف له أن يدري ؟! بل ومن أين يدري ..
وهو يعكف على هذه الأغاني آناء الليل وأطراف النهار؟ ..
فيدري عن المغنية فلانة .. كيفية أكلها .. ولون ثوبها ..
ومقاس حذائها .. وعدد حفلاتها .. وأسماء ملحنيها ..
ويدري عن المغني فلان .. عن سيارته .. وعدد أشرطته .. وألحان أغنياته ..
وكأن أحدهم عالم جليل .. أو مجاهد نبيل ..
* * * * * * * * * *
وما خلق الله العباد .. لأجل غناء وفساد ..
وإنما خلقهم ليعبدوه .. ويحموا الدين وينصروه ..
ومن عاش عيش المؤمنين .. ورفع راية الدين .. لم يلتفت إلى شيء من ذلك ..
نعم لم يلتفت إلى رقص راقص .. ولم يستفزه عزف عازف ..
بل أدرك سرّ وجوده في الحياة .. فعاش لأجله ومات ..
وانظر .. إلى الذين يعيشون للإسلام .. يحيون من أجله ..
ويموتون منه أجله .. ويسكبون دماءهم فداء له ..
أقوام صالحون فطنا .. طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ..
بذلوا لربهم حياتهم .. وأنفقوا له موالهم .. وأذلوا بين يديه جباههم ..
وفارقوا لأجله أوطانهم .. يأخذ ربهم من دمائهم .. يغسل بها سيئاتهم ..
ويطيب حسناتهم .. وانظر إلى صهيب الرومي رضي الله عنه ..
كان عبداً مملوكاً في مكة .. فلما جاء الله بالإسلام .. صدق وأطاع ..
فاشتد عليه عذاب الكافرين ..
ثم أذن النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمنين بالهجرة إلى المدينة .. فهاجروا ..
فلما أراد أن يهاجر معهم منعه سادة قريش .. وجعلوا عنده بالليل والنهار من يحرسه ..
خوفاً من أن يهرب إلى المدينة ..
فلما كان في إحدى الليالي .. خرج من فراشه إلى الخلاء .. فخرج معه من يرقبه ..
ثم ما كاد يعود إلى فراشه حتى خرج أخرى إلى الخلاء .. فخرج معه الرقيب ..
ثم عاد إلى فراشه .. ثم خرج .. فخرج معه الرقيب ..
ثم خرج كأنه يريد الخلاء .. فلم يخرج معه أحد ..
وقالوا: قد شغلته اللات والعزى ببطنه الليلة ..
فتسلل رضي الله عنه .. وخرج من مكة .. فلما تأخر عنهم .. خرجوا يلتمسونه ..
فعلموا بهربه إلى المدينة ..
فلحقوه على خيلهم .. حتى أدركوه في بعض الطريق .. فلما شعر خلفه ..
رقى على ثنية جبل ..
ثم نثر كنانة سهامه بين يديه .. وقال :
يا معشر قريش .. لقد علمتم والله أني أصوبكم رمياً ..
ووالله لا تصلون إليَّ حتى أقتل بكل سهم بين يدي رجلاً منكم ..
فقالوا : أتيتنا صعلوكاً فقيراً .. ثم تخرج بنفسك ومالك ..
فقال : أرأيتم إن دللتكم على موضع مالي في مكة ..
هل تأخذونه .. وتدعوني أذهب ..
قالوا : نعم ..
فقال : احفروا تحت أسكفة باب كذا فإن بها أواقي من ذهب .. فخذوه ..
واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين من ثياب ..
فرجعوا وتركوه ..
ومضى يطوي قفار الصحراء .. يحمله الشوق ويحدوه الأمل ..
في لقاء النبي عليه السلام وأصحابه ..
حتى إذا وصل المدينة .. أقبل إلى المسجد فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
في المسجد .. وعليه أثر الطريق .. ووعثاء السفر ..
فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام .. قال : ربح البيع يا أبا يحيى ..
ربح البيع يا أبا يحيى .. ربح البيع يا أبا يحيى .. ..
نعم والله ربح البيع .. ولماذا لا يربح البيع ..
وهو الذي هان عليه أن يترك المال الذي جمعه بكد الليل وتعب النهار ..
ويترك الأرض التي ألفها ..
والبلد التي عرفها .. والدار التي سكنها .. في سبيل طلب مرضاة الله ..
ولماذا لا يكون جزاؤه كذلك .. وهو الذي لم يلتفت إلى لهو ومعازف ..
ولم يدنس دينه ويقارف ..
وإنما سمت به نفسه إلى سماع كلام الرحمن .. والتقلب في الجنان ..
قال الله..
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ..
وعند أحمد بسند حسن .. عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
أن النبي عليه السلام .. خرج مع بعض أصحابه يوماً .. فلما برزوا من المدينة ..
فإذا راكب يوضع نحوهم .. فصوب النبي عليه السلام إليه بصره ..
ثم التفت إلى أصحابه فقال: كأن هذا الراكب إياكم يريد ؟!
فأقبل الرجل على بعيره حتى وقف عليهم .. ثم أخذ ينظر إليهم ..
فقال له النبي عليه السلام: من أين أقبلت ؟
فقال الرجل .. وهو يئن من شدة الطريق .. ووعثاء السفر ..:
أقبلت من أهلي .. وولدى .. وعشيرتي ..
فقال صلى الله عليه وسلم: فأين تريد ؟
قال: أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال: فقد أصبته ..
فابتهج الرجل .. وتهلل وجهه .. وقال: يا رسول الله .. علمني ما الإيمان ؟
قال: تشهد أن لا إله إلا الله .. وأن محمداً رسول الله .. وتقيم الصلاة ..
وتؤتى الزكاة .. وتصوم رمضان .. وتحج البيت ..
قال: قد أقررت ..
فما كاد الرجل يتم إقراره بالإسلام .. حتى تحرك به بعيره ..
فدخلت يد البعير في جحر جرذان .. فهوى البعير على الأرض ..
وهوى الرجل من فوقه .. فوقع على هامته .. فما زال ينتفض حتى مات ..
فقال النبي عليه السلام : عليَّ بالرجل ..
فوثب إليه عمار بن ياسر .. وحذيفة .. فأقعداه فلم يقعد .. وحركاه فلم يتحرك ..
فقالا : يا رسول الله .. قُبِض الرجل .. مات ..
فالتفت إليه النبي عليه السلام .. ثم أعرض عنه فجأة ..
ثم التفت إلى حذيفة وعمار .. وقال : أما رأيتما إعراضي عن الرجل ..؟!
فإني رأيت ملكين ( وفي رواية رأيت زوجتيه من الحور العين ) ..
يدسان في فيه من ثمار الجنة .. فعلمت أنه مات جائعاً ..
* * * * * * * * * *
نعم .. أقوام عرفوا للخالق حقه .. فصدقوا في حبه .. وتنعموا بقربه ..
وشكروا له نعمته .. كلما زادت نعم الله عليهم .. ازدادوا لفضله شكرا ..
وله حبا وتعبداً ..
أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم .. فقال: يا شيخ ..
إن نفسي .. تدفعني إلى المعاصي .. فعظني موعظة ..
فقال له إبراهيم: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه .. ولا بأس عليك ..
ولكن لي إليك خمسة شروط .. قال الرجل : هاتها ..
قال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه ..
فقال الرجل: سبحان الله ..كيف أختفي عنه ..وهو لا تخفى عليه خافية..
فقال إبراهيم: سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك ..
فسكت الرجل .. ثم قال: زدني ..
فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تعصه فوق أرضه ..
فقال الرجل: سبحان الله .. وأين أذهب .. وكل ما في الكون له ..
فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله .. وتسكن فوق أرضه ؟
قال الرجل: زدني ..
فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تأكل من رزقه ..
فقال الرجل: سبحان الله .. وكيف أعيش .. وكل النعم من عنده ..
فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله .. وهو يطعمك ويسقيك .. ويحفظ عليك قوتك ؟
قال الرجل: زدني ..
فقال إبراهيم : فإذا عصيت الله .. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار .. فلا تذهب معهم ..
فقال الرجل : سبحان الله .. وهل لي قوة عليهم .. إنما يسوقونني سوقاً ..
فقال إبراهيم: فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك .. فأنكر أن تكون فعلتها..
فقال الرجل: سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون .. والملائكة الحافظون ..
والشهود الناطقون .. ثم بكى الرجل .. ومضى .. وهو يقول:
أين الكرام الكاتبون .. والملائكة الحافظون .. والشهود الناطقون ..
* * * * * * * * * *
نعم .. هؤلاء قوم تسامت نفوسهم عن الهوى والألحان .. وتعلقوا بنعيم الجنان ..
فلم يفلح الشيطان في جرهم إلى شهوات .. أو مجالس منكرات ..
زمر الشيطان لهم فلم يتبعوه .. وصاح بهم فلم يجيبوه ..
فصاروا من عباد الله المخلصين ..
واستمع إلى ما حكاه الله عن الشيطان .. لما عصى أمر بالرحمن ..
وأبى أن يسجد لآدم عليه السلام .. فطرده الرب من الجنان .. وحكم عليه بالنيران ..
فحقد الشيطان على آدم وذريته .. وقال لرب العالمين :
( أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً *
قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا *
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) ..
وصوت الشيطان هو الغناء .. يحضر معه الشيطان .. ويغلب على الإنسان ..
فما بالك إذا اقترن بكلمات رقيقة .. وألحان صفيقة ..
طلب ملك الروم من أحد الخلفاء أن يرسل إليه رسولاً عاقلاً ..
فأرسل إليه الإمام أبا بكر الباقلاني ..
فلما أقبل الباقلاني على مجلس الملك .. أمروه أن يدخل راكعاً فأبى ..
فقال الملك أدخلوه من الباب الآخر .. وكان باباً صغيراً ..
لا بد للداخل منه أن يحني رأسه ..
فلما أقبل الباقلاني على الباب .. ولى الباب ظهره .. ودخل يمشي القهقرى على قفاه ..
ثم اعتدل ووقف أمام الملك .. فلما رأى الملكُ فطنته وعقلَه ..
أمر عازفاً عنده أن يضرب بآلة معه ..
وكان لا يسمعها أحد إلا تمايل لها .. وطرب واهتز ..
فلما سمعها الباقلاني .. ورأى الناس يتمايلون ..
مال على أصبع يده أو رجله واجتهد حتى جرحه .. ونزف منه الدم ..
فأشغله ألم الجرح عن السماع .. خوفاً من تسلط الشيطان ..
رأت عائشة رضي الله عنها رجلاً يحرك رأسه طرباً يمنة ويسرة .. فقالت :
أف .. شيطان .. أخرجوه .. أخرجوه ..
نعم .. صوت الشيطان الغناء ..
ألا ترى أنه يثير الغرائز والآثام .. ويدعو إلى الاختلاط وأنواع الحرام ..
ولعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا ؟!
وكم من حر أصبح به عبداً للصبيان و الصبايا ؟!
وكم من غيور تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا ؟!
وكم من غني أصبح به فقيراً بعد المطارف والحشايا ؟!
وكم من معافى أحل به أنواع البلايا ؟!
بالله عليكم ..
هل سمعتم مغنياً غنى يوماً في التحذير من الزنا وشرب المسكرات ؟
أو الأمر بغض البصر والعفة عن الشهوات ؟
أو حفظ أعراض المسلمين ؟!! أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين ؟
كلا.. ما سمعنا عن شيء من ذلك .. بل يبدأ أغنيته بقوله ..
يا حبيبي .. يا بعد روحي .. ثم يصف الخد والقد .. والعينين والوجنتين ..
وهذا ظاهر من أسماء الأغاني نفسها .. فأغنية بعنوان :
آه يا زين .. آخر غرام .. الهوى ما هو كلام .. ليلة حبيبي ..
سألت علي بحبها .. يا اهل الهوى .. آه يا ويلي ..
وما تكاد تسمع فيها إلا الحبَّ والغرام.. والعشق والهيام ..
مع ما فيه من فتنة الرجال بأصوات النساء .. والنساء بأصوات الرجال ..
وما فيه من تغنج ودلال ..
* * * * * * * * * *
وإنك لتعجب.. وتعجبين.. إذا علمت أن قوله تعالى للمؤمنات:
{ ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن }..
معناه : أن لا تضرب المرأة برجلها الأرض بقوة وهي لابسة خلاخل في قدميها..
حتى لا يسمع الرجال صوت الخلاخل فيُفتنون ..
عجباً ..
إذا كان هذا حراماً.. فما بالك بمَن تُغني وتتمايل .. وترفع صوتها بالضحكات..
والهمسات.. كيف بمَن تتكسر في صوتها ..
وتتميع في كلامها .. تتأوه ووتتغنج .. فتَثير الغرائز والشهوات ..
وتدعوا غلأى الفواحش والنمكرات ..
وهذا كله من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.. وقد توعد الله من فعل ذلك بقوله:
{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون } ..
وهذا الوعيد في الذين يحبون أن تشيع الفاحشة .. فقط مجرد محبة ..
لهم عذاب أليم .. فكيف بمَن يعمل على إشاعتها ..
* * * * * * * * * *
لذا قال ابن مسعود:
الغناء رقية الزنا.. أي أنه طريقُه ووسيلتُه..
عجباً.. هذا كان يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات ..
يوم كان الغناء بالدفّ والشعر الفصيح ..
ليس فيه رقصات .. ولا لمسات .. ولا همسات ..
يقول هو رقية الزنا ..
فماذا يقول ابن مسعود لو رأى زماننا هذا .. وقد تنوّعت الألحان ..
وكثُر أعوان الشيطان.. فأصبحت الأغاني تُسمع في السيارات والطائرات ..
والمطارات .. بل وألعاب الأطفال .. وأجهزة الجوال .. والبر والبحر..
فالغناء والله .. هو رقية الزنا .. وداعية الخنا .. ومزمار الفساد .. وضلال العباد ..
ذكر ابن قدامة في التوابين .. أن رجلاً عابداً ..
مر يوماً ببيتٍ فسمع جارية تغني من داخل البيت ..
فوسوس له الشيطان .. فبطأ خطاه ليسمع فرآه صاحب الدار ..
فخرج إليه وقال: هل لك أن تدخل فتسمع ؟
فتأبى عليه .. فلم يزل به حتى تسمح وقال: أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني ..
فقال صاحب الدار: أجعل بينكما ستراً ..
فدخل وجلس خلف الستر .. فتغنت وتغنجت وتأوهت فأعجبته .. واشتاق إليها ..
فقال صاحب الدار: هل أكشف الستر ؟ قال: لا ..
فلم يزل به .. حتى كشفه فرآها .. فاجتمعت فتنة السمع والبصر ..
فلم يزل يسمع غناءها حتى شغفت به وشغف بها ..
وأصبح في كل يوم يستمع إليها .. وافتضح أمره وأمرها ..
فلما تمكن الشيطان منهما .. قالت له يوماً:
أنا والله أحبك .. قال: وأنا أحبك .. فدعته إلى الفاحشة ..
وقالت: ما يمنعك ؟ فوالله إن الموضع لخال ..
فانتفض وقال: بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ بالقضا .. ثم بجمر كالغضا ..
ثم بسياط وزقوم .. وتهويل ورجوم ..
ثم نهض من عندها .. وعيناه تذرفان .. فلم يرجع بعد إليها ..
فانظر كيف كاد أن يهلكه الشيطان .. بسماع العزف والألحان ..
* * * * * * * * * *
وقال علي بن الحسين:
كان لنا جار من المتعبدين قد برز في الاجتهاد ..
فصلى حتى تورمت قدماه .. وبكى حتى مرضت عيناه ..
فاجتمع إليه أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج ..
فخشي أن يتزوج حرة فتشغله عن طاعة ربه ..
فاشترى جارية يقضي منها وطره ..
وكانت مغنية وهو لا يعلم .. فبينا هو ذات يوم في محرابه يصلي ..
رددت الجارية أبياتاً .. ولحنتها .. ورفعت صوتها بالغناء ..
فسمعها وهو في محرابه .. فطار صوابه .. وثقلت عليه صلاته .. فقطعها ..
فأقبلت الجارية عليه فقالت : يا مولاي .. لقد أبليت شبابك .. وأتعبت حياتك ..
ورفضت لذاتك .. فلو سمعت غنائي وتمتعت بشبابي ..
فمال إلى قولها .. واشتغل باللذات عما كان فيه من الصلوات ..
فبلغ ذلك بعض أصحابه العُبَّاد .. فكتب إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم .. من الناصح الشفيق .. والطبيب الرفيق ..
إلى مَن سُلِبَ حلاوة القرآن .. والخُشوع والأحزان ..
بلغني أنك اشتريت جارية بعت بها من الآخرة حظك ..
فإن كنت بعت الجزيل بالقليل .. والقرآن بالقيان ..
فإني محذرك هادمَ اللذات ..ومُنغصَ الشهوات ..ومُيتّمَ الأولاد والبنات ..
فكأنه قد جاء على غرة .. فأبكم منك اللسان .. وهدَّ منك الأركان ..
وقرب منك الأكفان .. واحتوشك الأهل والجيران ..
ثم طوى الكتاب .. وبعثه مع غلام عنده ..
فدخل عليه الغلام .. وناوله الكتاب وهو في مجلس سروره وغنائه ..
فلما قرأ ما فيه انتفض .. وغُص بريقه ..
ونهض مبادراً من مجلس سروره .. وكسر آنيته .. وهجر مغنيته ..
وتاب من الغناء .. وتعبد لرب الأرض والسماء ..
فلما مات رآه صاحبه في المنام .. فقال : ما فعل الله بك ؟
قال: قدمنا على رب كريم .. أباحنا الجنة ..
وعوضني ذو العرش جاريةً حوراء .. تسقيني طوراً .. وتهنيني ..
وتقول لي:
اشرب بمــــــــــــا قد كنت تأملني * * وقر عينا مع الولدان والعيين ..
يا مَن تخلى عن الدنيا وأزعجه * * عن الخطايا وعيدٌ في الطواسين ..
* * * * * * * * * * وكم من شاب تعلق قلبه بمغنية فاجرة .. يهتز فؤاده ..
كلما سمع صوتها أو رأى صورتها ..
وكم من فتاة عفيفة .. سمعت مطرباً فاجراً ..فاشتاقت إلى صوته وصورته ..
فلا تعجب إذا رأيته أو رأيتها .. قد يعلقون الصور .. ويجمعون الأشرطة ..
والقلب يهوى ويتمنى ..
فيا مَن يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت طبيبي
لا تعجبن فهكذا يجني الغناء على القلوب
* * * * * * * * * *
بل قد قرن النبي عليه السلام الغناء بالخمر والزنا ..
فقال فيما رواه البخاري :
( ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَّ والحرير والخمر والمعازف ) ..
ومعنى يستحلون: أنهم يفعلون هذه المحرمات ..
فعل المستحل لها بحيث يكثرون منها ..
ولا يتحرجون من فعلها ..
أو يبحثون عمن يفتيهم بحلها ..
وصح عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال:
( نُهيت عن صوتين أحمقين فاجرين:
صوت عند نعمة ؛ لهو ولعب ومزامير شيطان ..
وصوت عند مصيبة؛ لطم وجوه وشق جيوب ) ..
فسمى الغناء صوتاً أحمق فاجراً .. لأنه لأهل الحمق والفجور ..
* * * * * * * * * *
وسئل ابن مسعود عن قوله تعالى :
(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )
.. قيل له: ما هو لهو الحديث ..
فقال: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ..
وصدق ابن مسعود رضي الله عنهما .. وإن لم يقسم ..
وسئل محمد بن الحنفية رحمه الله .. عن قوله تعالى:
( والذين لا يشهدون الزور وإذا مرّوا باللغو مرّوا كرامًا ) .. قيل: ما الزور ؟
قال: هو الغناء .. لأنه يميل بك عن ذكر الله ..
وقال تعالى لكفار قريش:
( أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وأنتم سامدون ) ..
قال ابن عباس: سامدون : مغنون .. تقول العرب : اسمُد لنا أي غنِّ لنا ..
ووصف الله تعالى أحوال عباد الأصنام .. عند البيت الحرام ..
فقال عز وجل:
{ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) ..
والمكاء والتصدية .. نوع من المعازف .. وهو التصفيق والتصفير ..
* * * * * * * * * *
ومن عِظَمِ خطر الغناء .. توعد النبي عليه السلام ..
سُمّاع المعازف بالمسخ والقذف ..فروى الترمذي بسند حسن .. أنه صلى الله عليه وسلم:
( يكون في أمتي خسفٌ وقذفٌ ومسخ ) قيل: يا رسول الله .. متى ؟ قال:
( إذا ظهرت القينات والمعازف واستحلت الخمر ) ..
وقال صلى الله عليه وسلم:
( ليكونن من أمتي أقوام يشربون الخمر ويعزف على رءوسهم بالقيان ..
يمسخهم الله تعالى قردة وخنازير ) ..
والقِيان جمع قَينة .. وهي المرأة المغنية ..
نعم .. سيعاقب الله هذه الأمة .. بما عاقب به الأمم من قبلنا ..
أن يخسف الله بهم الأرض .. أو يمسخهم قردةً وخنازير ..
أو تنزل عليهم حجارةٌ من السماء .. بسوء أعمالهم ..
فمتى يكون ذلك ؟! يكون إذا ظهرت المعازف .. وانتشرت وكثرت ..
وهاهي آلات المعازف لا تكاد تحصى عدداً ..
بل ها هي مدارس العزف والموسيقى ..
تنتشر في كثير من بلاد الإسلام ..
وهاهن المغنيات .. المائلات المميلات .. يحركن الشهوات ..
بل هاهم الأعداء يفتكون بأرواح الثكالى .. ويعبثون بأعراض العذارى ..
وفريق من قومنا في لهوه وطربه .. لا يجاهد مع مجاهدين ..
ولا يهتم بأمر المسلمين ..
العزف والرقص والمزمار عدتنا ** والخصم عدته علم وآلات
تقود أمتنا في الحرب غانية ** والجيش في الحرب قد ألهته مغناة
كم بددوا المال هدرا في مباذلهم ** وفي ليالي الخنا ضاعت مروءات
نعم .. هذا شأن الغناء ..
ولم يبق إلا تحقق الوعيد ..بالخسف والمسخ ..والقذف بالحجارة والحديد..
* * * * * * * * * * كوكب الشرق ضاع قومي لما ** تاه في حبك القطيع وهاما
وإذا الشعر بالكؤوس تغنى ** وغدا الدين في ربانا حطاما
وصفير المزمار صار أذانا ** في حمى البيت والنديم إماما
وبكشمير أختنا تتهاوى ** والمغني يقلد الأوساما
وفلسطين لا تحب السكارى ** وربى القدس لا تريد النياما
ولو أن الغناء يبعث رجلاً ** هوت الكأس من يديه حطاما
يسكر الناس بالضلال ويغوي ** وتسقّي من راحتيه المداما
* * * * * * * * * *
ومن تتبع الكتاب والسنة .. وجد أن للغناء أسماء عدة .. كلها تدل على ضلاله ..
فهو اللهو .. واللغو .. والباطل .. والزور .. والمكاء .. والتصدية ..
ورقية الزنا .. وقرآن الشيطان .. ومنبت النفاق في القلب ..
والصوت الأحمق .. والصوت الفاجر .. وصوت الشيطان ..
ومزمور الشيطان .. والسمود ..
أسماؤه دلت على أوصافه * * تبا لذي الأسماء والأصاف
وقد تكاثر وتواتر .. كلام الأئمة الأطهار .. والعلماء الأبرار ..
في التحذير من الغناء ..
ففي المسند: أن ابن عمر أنه خرج يوماً في حاجة ..
فمر بطريق فسمع زمارة راعٍ وضع إصبعيه في أذنيه حتى جاوزه ..
فقل لي - بالله – أزمارة راع أولى بالتحريم والترك ..
أم هذا الغناء الذي يتغنج فيه المطرب والمطربة .. فيفتن القلوب ..
ويشغل الأرواح عن علام الغيوب ..
وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه : احذركم الغناء .. أحذركم الغناء ..
أحذركم الغناء .. فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن ..
وكتب إلى مؤدب ولده:
ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغضَ الملاهي التي بدؤها من الشيطان ..
وعاقبتها سخط الرحمن .. فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم ..
أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب ..
كما ينبت العشب على الماء ..
وجاء رجل إلى بن عباس رضي الله عنهما .. فقال:
أرأيت الغناء أحلال هو أم حرام؟
رجل يسأل عن غناء الأعراب الذي ليس فيه معازف .. وليس فيه تصوير ..
ولا فيديو كليب .. ولا لباس عارٍ .. ولا قصات فاتنة .. ورقصات ماجنة ..
غناء الأعراب في البوادي .. حلال أم حرام .. يا ابن عباس ..
فقال ابن عباس .. أرأيت الحق والباطل .. إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء ؟
قال الرجل: يكون مع الباطل .. قال ابن عباس: فماذا بعد الحق إلا الضلال ..
اذهب فقد أفتيت نفسك ..
أما أبو بكر رضي الله عنه .. فكان يسمي الغناء مزمار الشيطان..
وسأل رجل الإمام مالكاً عن الغناء .. ؟
فقال: "ما يفعله عندنا إلا الفساق"..
وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن الغناء .. ؟
فقال: "الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني" ..
والشافعي سماه دياثة ..
وأبو حنيفة أفتى بالتحريم .. بل بالغ أصحابه في النهي عن السماع فقالوا:
سماع الأغاني فسق والتلذذ بها كفر ..
* * * * * * * * * *
وقال عمر بن عبد العزيز : الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن ..
نعم كيف لا .. وهو يحرك النفوس إلى كل قبيح ..
ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح ..
فهو والخمر رضيعا لبان .. وهما في القبائح فرسا رهان ..
فإذا سمعه أحد قل حياؤه وفرح به شيطانه .. واشتكى إلى الله إيمانه ..
وثقل عليه قرآنه .. وتراه يميل برأسه .. ويهز بمنكبه ..
ويضرب الأرض برجليه .. ويصفق بيديه ..
وتارة يتأوه تأوه الحزين .. وتارة يصرخ كالمجانين ..
كما قال أحدهم لصاحبه ..
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا * على طيــب الغناء إلى الصباح
ودارت بيننا كأس الأغاني * فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا سكارى * سروراً والسرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه * أجاب اللهو: حيَّ على السفاح
ولـم نملك سوى المهجات شيئاً * أرقناها لألحاظ المـلاح
نعوذ بالله من هذه الأحوال ..
وقد قال يزيد بن الوليد: يا بني أمية .. إياكم والغناء .. فإنه يذهب الحياء ..
ويزيد الشهوة .. ويهدم المروءة .. وإنه لينوب عن الخمر .. ويفعل ما يفعل السكر ..
فإن كنتم لابد فاعلين .. فجنبوه النساء .. فإن الغناء داعية الزنا ..
وسمع سليمان بن عبدالملك صوت غناء .. فغضب وأحضر المغنيين ..
وقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة ..
( يعني إن الذكر من الخيل يصهل فتسمعه الأنثى فتستعد للوطء ) ..
وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة ..
وإن التيس لينبّ فتستحرم له العنز ..
وإن الرجل ليتغنى فتشتاق له المرأة ..
ثم أمر بخصائهم .. ليحمي منهم النساء ..
وقال بعض السلف:
الغناء يورث النفاق في قوم .. والعناد في قوم ..
والكذب في قوم .. والخبث في قوم .. والرقة ( أي الميوعة ) في قوم ..
* * * * * * * * * *
بل كان العقلاء يترفعون عن الغناء ..
قال معمر بن المثنى: رحل الحطيئة الشاعر مع بناته .. فجاور قومًا من بني كلب ..
فخافوا أن يرى منهم شيئاً يكرهه فيهجوهم .. فأتوه فقالوا:
يا أبا مُليكة إنه قد عظم حقك علينا .. بتخطيك القذى إلينا ..
فمُرنا بما تحبه فنأتيه .. ومرنا بما تكرهه فننهيه ..
فقال : لا تأتوني كثيرًا فتُمِلوني .. ولا تسمعوني أغاني شبيباتكم فإن الغناء رقية الزنا ..
وإن ههنا بُنيّات ..
وكان مشهوراً عند العرب .. أن الرجل إذا أراد امرأة على الفاحشة فأبت ..
اجتهد أن يُسمعها صوت الغناء فإن سمعت المرأة صوت الغناء ..
لانت وهانت عليها الفاحشة ..
* * * * * * * * * *
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(فإنهم متفقون -أي الأئمة الأربعة- على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه) ..
وقد حكى الإجماع على تحريم المعازف الإمام القرطبي .. وأبو الطيب الطبري ..
وابن الصلاح .. وابن رجب الحنبلي .. وابن القيم .. وابن حجر الهيتمي .. وغيرهم ..
فهل بعد هذه الأقوال من قول في إباحة هذه الآفة..
هل بعد هذه الأقوال من متفلسف يقول لنا:
الغناء قسمان: قسم فيه فجور وخنا وهو حرام .. وقسم يباح إذا لم يكن فيه ذلك ..!!
هل يؤخذ بعد ذلك قول أحد ؟!! إلا أن يكون الدافع إلى ذلك الهوى والشهوة ..
وإنا نعوذ بالله من زيغ الهوى .. وتحكم الشهوة ..
* * * * * * * * * *
والغناء اليوم أعظم وأطم .. فهو يقترن بالتصوير الفاضح .. للبغايا والمومسات ..
فما من مطرب إلا ويترنح حوله نفر من الراقصات ..
وما من مطربة إلا وحولها نفر من الرجال يتراقصون ويتمايلون
فمن يجيز يا أمة الإسلام مثل هذا الاختلاط والسفور والرقص وتعرية النحور؟!
إضافة إلى شرب الخمور والمسكرات في أغلب الأوقات ..
فلا يحلو الغناء والطرب إلا به .. والعري الفاضح .. والحضور الواضح ..
للراقصات المحترفات .. والبغايا السافلات ..
وانتهاء الحفلات غالباً بجريمة الزنا .. ظلمات بعضها فوق بعض ..
وإنفاق الأموال الطائلة .. في هذه المعصية .. للمطربين .. والمنظمين ..
والعازفين .. وإيجار الصالات .. وتكاليف الحفلات ..
وهذا سفه وتبذير .. والله يقول: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ..
فهذه حرمات الله عز وجل .. فلا تعتدوها .. وهذه حدوده فلا تتجاوزوها.
وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون!!.
فهل غناء السابقين أولى بالتحريم أم هذا ؟!
ابن عباس يحرم الغناء .. ابن مسعود يحذر منه .. جابر بن عبد الله يصفه باللهو …
مكحول .. مجاهد.. ابن تيمية .. ابن القيم ..
والعلماء المعاصرون .. كلهم يحذرون منه ..كلهم يحرمونه .. فبقول من تقتنع ؟
إن لم يقنعك قول هؤلاء؟!
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر .. ومعه حادٍ يحدو للإبل ..
لتسرع الإبل في سيرها ..
أي ينشد الأشعار بلحن .. اسمه أنجشة .. وكان حسن الصوت ..
فلما حدا ورفع صوته .. خشي النبي عليه السلام أن تسمع النساء في آخر القافلة صوته ..
فالتفت إليه ثم قال له: ( يا أنجشه رويدك رفقاً بالقوارير ) يعني النساء ..
قال ابن القيم:
والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب ..
أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها ..
إلا سلط الله عليهم العدو وبلوا بالقحط والجدب .. وولاة السوء ..
فدع صاحب المزمار والدف والغنا * وما اختاره عن طاعة الله مذهبا
ودعه يعش في غيه وضلاله * على تنتنا يحيا ويبعث أشيبا
وفي تنتنا يوم المعاد تسوقه * إلى الجنة الحمراء يدعى مقربا
سيعلم يوم العرض أي بضاعة * أضاع وعند الوزن ما خف أو ربا
ويعلم ما قد كان فيه حيــــــاته * إذا حصلت أعماله كلها هبا
دعاه الهدى والغى من ذا يجيبه * فقال لداعي الغى: أهلا ومرحبا
وأعرض عن داعي الهدى قائلا له: * هواى إلى صوت المعازف قد صبا
يراع ودف بالغناء وراقص * وصوت مغن صوته يقنص الظبا
إذا ما تغنى فالظباء تجيبه * إلى أن تراها حوله تشبه الدبا
فما شئت من صيد بغير تطارد * ووصل حبيب كان بالهجر عذبا
فيا آمري بالرشد لو كنت حاضرا * لكان توالي اللهو عندك أقربا
يتبع إن شاء الله...