منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ...

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Empty
مُساهمةموضوع: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ...   وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Emptyالخميس 10 أبريل 2014, 2:53 pm

وَمَـــــــــن لَّمْ يَحْكُــــــــم بِمَـــــــا أَنزَلَ اللّهُ
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Images?q=tbn:ANd9GcTZdw5VrHM876laYIfrRB25pEOuQmIVzOklQU8ZbPSWdtIlJy6Z
إِسْمُ المُـــــــــــــــؤَلِّفِ
إبتهــــــــــــــــــــــــــاج حجازي بدوي سالم غبور
مُقَــــــــــــــــــدِّمَـــــــــــــــــــةٌ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
الْحَمْدُ لِلَّهِ مُخْرِجِ الْحَيِّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجِ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، الْعَلِيمُ بِمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَتُبْدِيه مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي لَا تُحْصَى وَلَا تُعَدُّ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ سَخَطِهِ وَ غَضَبِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَالحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، هُوَ خَاتَمُ النَّبِيينَ وَ المُرْسَلِينَ ، وَ هُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ  المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ-  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَحَيٍّ .
أَمَّـــــــــــــــــــــــــا بَعْـــــــــــــــد
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Images?q=tbn:ANd9GcTDCDLDupiIVX72CRkB8Z7R2N9od1IIyrIgcYNbdUZUM2lOoaiOcQ
فِإِنَّ الحَقَّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ فِي مُحْكَمِ آَيَاتِهِ
بِسْـــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمـــــــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيـــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)﴾، كَمَا يَقُولُ ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)﴾، وَ يَقُولُ ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (46)﴾،
وَ لَمَّا كَانَ الحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كُفْرَاً أَكْبَرَ ، وَ فِسْقَاً ، وَ ظُلْمَاً ، فَقَدْ آَثَرْتُ أَنْ أَتَنَاوَلَهُ فِي كِتَابِي هَذَا بِالبَحْثِ ، وَ قَدْ قُمْتُ بِتَقْسِيمِ الكِتَابِ إِلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ ، أَلَا وَ هِيَ :-
1) الفَصْلُ الأَوَّلُ
وَ قَدَ تَنَاوَلْتُ فِيهِ تِلْكَ الآَيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ بِالدِّرَاسَةِ مِنْ خِلَالِ عِدَّةِ مَبَاحِثٍ أَلَا وَ هِيَ :-
أ‌) قَوْلُ مُحَمَّد الأَمِين بِن مُحَمَّدٍ بِن المُخْتَارِ الجنْكِي الشَّنْقِيطِي فِي تَفْسِيرِهَــــــــــا
ب‌) قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
ت‌) أَنْـــــــــــــوَاعُ الكُفْـــــــــــــــــــــــــرِ
ث‌) قَدْ يَكُونُ الحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كُفْرَاً أَكْبَرَ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرَاً أَصْغَرَ بِحَسْبِ الحَالِ
2) الفَصْلُ الثَّانِيُّ
وَ قَدَ تَنَاوَلْتُ فِيهِ تِلْكَ الآَيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ بِالدِّرَاسَةِ مِنْ خِلَالِ عِدَّةِ مَبَاحِثٍ أَلَا وَ هِيَ :-
أ‌) ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
ب‌) قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
ت‌) تَعْرِيفُ الظُّلْمِ لُغَةً
ث‌) تَعْرِيفُ الظُّلْمِ اصْطِلَاحَاً
ج‌) أَنْوَاعُ الظُّلْمِ
ح‌) حُرْمَــــــــــةُ الظُّلْـــمِ فِي القُرْآَنِ وَ السُّـــــنَّةِ وَ عَاقِبَتُهُ
3) الفَصْلُ الثَّالِثُ
وَ قَدَ تَنَاوَلْتُ فِيهِ تِلْكَ الآَيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ بِالدِّرَاسَةِ مِنْ خِلَالِ عِدَّةِ مَبَاحِثٍ أَلَا وَ هِيَ :-
أ‌) ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
ب‌) قَــــــــــــــــــوْلُ مُحَمَّـــــــــــــــدٍ رَشِيد رِضَــــــــــــــــا فِي تَفْسِيرِهَـــــــــــــــا
ت‌) الْفِسْــــــــــــقُ لُغَـــــــــــــةً
ث‌) الفِسْقُ اصْطِلَاحَاً
ج‌) أَنْوَاعُ الفِسْقِ " الْفِسْقُ فِسْقَان "
ح‌) مَنْزِلَةُ الحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الإِسْلَامِ.
************************************
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Images?q=tbn:ANd9GcTl_kKVqsnF4qrjoDrpI0GEy1n0HbTZPOa_3eDh6xeRr4XzmKff
الفَصْــــــــــــــــــــــــــلُ الأَوَّلُ
قَوْلُ الحَقِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾
قَوْلُ مُحَمَّد الأَمِين بِن مُحَمَّدٍ بِن المُخْتَارِ الجنْكِي الشَّنْقِيطِي فِي تَفْسِيرِهَــــــــــا
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
أَنْـــــــــــــوَاعُ الكُفْـــــــــــــــــــــــــرِ
قَدْ يَكُونُ الحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كُفْرَاً أَكْبَرَ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرَاً أَصْغَرَ بِحَسْبِ الحَالِ
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ﴾  
قَوْلُ مُحَمَّد الأَمِين بِن مُحَمَّدٍ بِن المُخْتَارِ الجنْكِي الشَّنْقِيطِي فِي تَفْسِيرِهَــــــــــا
" قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : هَلْ هِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ فِي الْكُفَّارِ ؟ ، فَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا فِي الْيَهُودِ ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَيْضًا أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُفْرِ فِيهَا كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْكُفْرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ الْكُفْرَ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ .
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي الْيَهُودِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا ، يَعْنِي الْحُكْمَ الْمُحَرَّفَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ حُكْمِ اللَّهِ فَخُذُوهُ ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ أَيِ الْمُحَرَّفَ ، بَلْ أُوتِيتُمْ حُكْمَ اللَّهِ الْحَقَّ فَاحْذَرُوا ، فَهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْحَذَرِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُونَ أَنَّهُ حَقٌّ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَهَا وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ [ 5 / 45 ] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمْ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْآيَةَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو مِجْلَزٍ ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَزَادَ الْحَسَنُ ، وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَةٌ ، نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَقَلَ نَحْوَ قَوْلِ الْحَسَنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَ الظَّالِمُونَ وَ الْفَاسِقُونَ [ 5 / 44 ، 45 ، 47 ] ، نَزَلَتْ كُلُّهَا فِي الْكُفَّارِ ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَعَلَى هَذَا الْمُعْظَمِ ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَكْفُرُ وَإِنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً ، وَقِيلَ فِيهِ إِضْمَارٌ ، أَيْ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، رَدًّا لِلْقُرْآنِ وَجَحْدًا لِقَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ .
فَالْآيَةُ عَامَّةٌ عَلَى هَذَا ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَالْحَسَنُ : هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْيَهُودِ ، وَالْكُفَّارِ ، أَيْ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ وَمُسْتَحِلًّا لَهُ .
فَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَهُوَ مُعْتَقِدٌ أَنَّهُ مُرْتَكِبُ مُحَرَّمٍ فَهُوَ مِنْ فُسّاقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ فَعَلَ فِعْلًا يُضَاهِي أَفْعَالَ الْكُفَّارِ ، وَقِيلَ : أَيْ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ فَهُوَ كَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ حَكَمَ بِالتَّوْحِيدِ ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِبَعْضِ الشَّرَائِعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إِلَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ : هِيَ فِي الْيَهُودِ خَاصَّةً ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ ، قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :
مِنْهَا أَنَّ الْيَهُودَ ذَكَرُوا قَبْلَ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ هَادُوا [ 5 / 44 ] فَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِمْ .
وَمِنْهَا أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَهُ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ، فَهَذَا الضَّمِيرُ لِلْيَهُودِ بِإِجْمَاعٍ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَهُودَ هُمُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الرَّجْمَ وَالْقِصَاصَ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ " مَنْ " إِذَا كَانَتْ لِلْمُجَازَاةِ فَهِيَ عَامَّةٌ إِلَّا أَنْ يَقَعَ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهَا ، قِيلَ لَهُ : " مَنْ " هُنَا بِمَعْنَى الَّذِي ، مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالتَّقْرِيرِ ; وَالْيَهُودُ الَّذِينَ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، فَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي هَذَا .
وَيُرْوَى أَنَّ حُذَيْفَةَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ ، أَهِيَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ : نَعَمْ هِيَ فِيهِمْ ، وَلَتَسْلُكُنَّ سَبِيلَهُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ ، وَقِيلَ : الْكَافِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَالظَّالِمُونَ لِلْيَهُودِ ، وَالْفَاسِقُونَ لِلنَّصَارَى ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ ، قَالَهُ : لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَاتِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ، وَالشَّعْبِيِّ أَيْضًا قَالَ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ : لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ ، وَلَكِنَّهُ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ .
وَهَذَا يَخْتَلِفُ إِنْ حَكَمَ بِمَا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ تَبْدِيلٌ لَهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ هَوًى وَمَعْصِيَةً فَهُوَ ذَنْبٌ تُدْرِكُهُ الْمَغْفِرَةُ عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْغُفْرَانِ لِلْمُذْنِبِينَ ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ : وَمَذْهَبُ الْخَوَارِجِ أَنَّ مَنِ ارْتَشَى ، وَحَكَمَ بِحُكْمِ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَعَزَا هَذَا إِلَى الْحَسَنِ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا : أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ : أَلَّا يَتَّبِعُوا الْهَوَى ، وَأَلَّا يَخْشَوُا النَّاسَ وَيَخْشَوْهُ ، وَأَلَّا يَشْتَرُوا بِآيَاتِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ، انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - : الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَاتِ أَنَّ آيَةَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، نَازِلَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ قَبْلَهَا مُخَاطِبًا لِمُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ : فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، فَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُتَبَادِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ ، وَعَلَيْهِ فَالْكُفْرُ إِمَّا كُفْرٌ دُونَ كَفْرٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ ، أَوْ قَاصِدًا بِهِ جَحْدَ أَحْكَامِ اللَّهِ وَرَدِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا .
أَمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ ذَنْبًا ، فَاعِلٌ قَبِيحًا ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْهَوَى فَهُوَ مِنْ سَائِرِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَسِيَاقُ الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي أَنَّ آيَةَ : فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فِي الْيَهُودِ ; لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهَا : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .
فَالْخِطَابُ لَهُمْ لِوُضُوحِ دَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي أَنَّ آيَةَ : فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فِي النَّصَارَى ; لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهَا : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيرَ الْمَقَامِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ الْكُفْرَ ، وَالظُّلْمَ ، وَالْفِسْقَ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبَّمَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْصِيَةُ تَارَةً ، وَالْكُفْرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ أُخْرَى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، مُعَارَضَةً لِلرُّسُلِ وَإِبْطَالًا لِأَحْكَامِ اللَّهِ ، فَظُلْمُهُ وَفِسْقُهُ وَكُفْرُهُ كُلُّهَا كُفْرٌ مُخْرِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ حَرَامًا فَاعِلٌ قَبِيحًا فَكُفْرُهُ وَظُلْمُهُ وَفِسْقُهُ غَيْرُ مُخْرِجٍ عَنِ الْمِلَّةِ ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى فِي الْمُسْلِمِينَ ، وَالثَّانِيَةَ فِي الْيَهُودِ ، وَالثَّالِثَةَ فِي النَّصَارَى ، وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ ، وَتَحْقِيقُ أَحْكَامِ الْكُلِّ هُوَ مَا رَأَيْتَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ".
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا:
" وَقَوْلُهُ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَعَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ - زَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَةٌ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرَضِيَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَا . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ أَنَّهُمَا سَأَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الرِّشْوَةِ فَقَالَ : مِنَ السُّحْتِ : قَالَ : فَقَالَا وَفِي الْحُكْمِ ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْرُ ! ثُمَّ تَلَا ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ).
وَقَالَ السُّدِّيُّ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) يَقُولُ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلْتُ فَتَرَكَهُ عَمْدًا ، أَوْ جَارَ وَهُوَ يَعْلَمُ ، فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ [ بِهِ ].
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قَالَ : مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ . وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّ الْآيَةَ الْمُرَادُ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ أَوْ مَنْ جَحَدَ حُكْمَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَ فِي الْكِتَابِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) قَالَ : لِلْمُسْلِمِينَ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قَالَ : هَذَا فِي الْمُسْلِمِينَ ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) قَالَ : هَذَا فِي الْيَهُودِ ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) قَالَ : هَذَا فِي النَّصَارَى .
وَكَذَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا : أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ [ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ] ) قَالَ : هِيَ بِهِ كُفرٌ - قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ : وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ : كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .
وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قَالَ : لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَقْرِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قَالَ : لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، عَنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".
أَنْـــــــــــــوَاعُ الكُفْـــــــــــــــــــــــــرِ
قَوْلُ حَافِظٍ بِن أَحْمَدٍ الحَكَمِيِّ  فِي أَنْـــــــــــــوَاعِ الكُفْـــــــــــــــــــــــــرِ
" أَنْوَاعُ الْكُفْرِ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَرْبَعَةٍ :
كُفْرُ جَهْلٍ وَتَكْذِيبٍ .
وَكَفْرُ جُحُودٍ .
وَكُفْرُ عِنَادٍ وَاسْتِكْبَارٍ .
وَكُفْرُ نِفَاقٍ .
فَأَحَدُهَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ فِي شَخْصٍ فَظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَنْتَفِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا - قَوْلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُهُ وَقَوْلُ اللِّسَانِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ - أَوْ يَنْتَفِيَ بَعْضُهَا ، فَإِنِ انْتَفَتْ كُلُّهَا اجْتَمَعَ أَنْوَاعُ الْكُفْرِ غَيْرُ النِّفَاقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ( الْبَقَرَةِ : 6 - 7 ) .
وَإِنِ انْتَفَى تَصْدِيقُ الْقَلْبِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ فَكُفْرُ الْجَهْلِ وَالتَّكْذِيبِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ ( يُونُسَ : 39 ) وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ( النَّمْلِ : 84 ) . وَإِنْ كَتَمَ الْحَقَّ مَعَ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ فَكُفْرُ الْجُحُودِ وَالْكِتْمَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ ( النَّمْلِ : 14 ) وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ ( الْبَقَرَةِ : 89 ) وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ ( الْبَقَرَةِ : 146 - 147 ) .
وَإِنِ انْتَفَى عَمَلُ الْقَلْبِ مِنَ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِذْعَانِ مَعَ انْقِيَادِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ فَكُفْرُ نِفَاقٍ سَوَاءٌ وُجِدَ التَّصْدِيقُ الْمُطْلَقُ أَوِ انْتَفَى ، وَسَوَاءٌ انْتَفَى بِتَكْذِيبٍ أَوْ شَكٍّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ( الْبَقَرَةِ : 8 - 20 ) .
وَإِنِ انْتَفَى عَمَلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَلْبِ وَالِاعْتِرَافِ بِاللِّسَانِ فَكُفْرُ عِنَادٍ وَاسْتِكْبَارٍ ، كَكُفْرِ إِبْلِيسَ وَكُفْرِ غَالِبِ الْيَهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ ، أَمْثَالِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَغَيْرِهِمْ ، وَكَفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا ، وَمُحَالٌ أَنْ يَنْتَفِيَ انْقِيَادُ الْجَوَارِحِ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مَعَ ثُبُوتِ عَمَلِ الْقَلْبِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ "  .
قَدْ يَكُونُ الحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كُفْرَاً أَكْبَرَ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرَاً أَصْغَرَ بِحَسْبِ الحَالِ
قَوْلُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بِن صَالِحٍ المُنَجِّدِ
" الحمد لله
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه ، وتحكيم شرعه ، وحرّم الحكم بغيره، كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ، ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله.
ومواضيعها تدور على ما يلي:
- الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ( 49)﴾
- التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل: ﴿لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ (49)﴾
- التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى : ﴿  وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ (49)﴾
- تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (50) ﴾
- النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ  (50) ﴾
- النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى : ﴿ وَ مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ﴾
وقوله : ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)﴾
وقوله : ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)﴾
- النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل : ﴿ َإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (42) ﴾
فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد ، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال .
يَكُونُ الحُكْمُ بِغَيرِ مَا أَنْزَلَ اللهَ مُخْرِجَاً مِنَ مِلَّةِ الإِسْلَامِ فِي حَالَاتٍ مِنَهَا :-
1) من شرّع غير ما أنزل الله تعالى : فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له ، من نازعه في شيء منه ، فهو مشرك ، لقوله تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ﴾ .
2) أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ : ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ حيث قال : ( من جحد ما أنزل الله فقد كفر ) .
3) أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً ، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
4) من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت ، قال ـ عز وجل ﴿ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ .
5) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله . أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب ، وأنه مخيّر فيه ، فهذا كفر مناقض للإيمان . فأنزل الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿  إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ (41) ﴾  يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه ، فأنزل الله تعالى  ﴿ وَ مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ﴾ .
6) من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة . وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى . ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع : الإعراض ، والصدود يقول ـ تعالى ـ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (61)﴾ .
7) من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر ، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه : وهو أعظمها ، وأشملها ، وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً ، وإمداداً ، وإرصاداً ، وتأصيلاً ، وتفريعاً ، وتشكيلاً ، وتنويعاً ، وحكماً ، وإلزاماً ، ومراجع مستمدات .
وَمِمَّا سَبَقَ يُمْكِنُ تَلْخِيصِ بَعْضِ الحَالَاتِ التِي يَكُونُ فِيهَا الحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ شِرْكَاً أًكْبَرَ  :-
(1) من شرّع غير ما أنزل الله .
(2) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله .
(3) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا .
(4) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت .
(5) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه .
(6) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله .
وَ مِنْ مَا يُعَدُّ كُفْرَاً أَكْبَرَ مَا يَلِي :-
(1) تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي .
(2) إلغاء المحاكم الشرعية
(3) فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره .
(4) تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث
(5) إنشاء محاكم غير شرعية .
(6) طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء
(7) جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى
(8) النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني
(9) النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية.
وَ أَمَّا مَتَى يَكُونُ الحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ كُفْرَاً أَصْغَرَاً لَا يُخْرِجُ مِنْ المِلَّةِ ؟
فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية .
أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت ".
يتبع إن شاء الله...


وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Empty
مُساهمةموضوع: الفَصْــــــــــــــــــــــــــلُ الــثَّانِـــــــــــــــــــــــيُ    وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Emptyالأحد 13 أبريل 2014, 12:10 am

الفَصْــــــــــــــــــــــــــلُ الــثَّانِـــــــــــــــــــــــيُ 
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Aqeda0017
قَوْلُ الحَقِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ لُغَةً
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ اصْطِلَاحَاً
أَنْوَاعُ الظُّلْمِ
حُرْمَــــــــــةُ الظُّلْـــمِ فِي القُرْآَنِ وَ السُّـــــنَّةِ وَ عَاقِـــــبَتُهُ
﴿وَمَــــــــن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُــونَ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمـــــــــــــــــــنِ الرَّحِيمِ
﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُــونَ (45)﴾  
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا:
" لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيهِ ، فَخَالَفُوا وَظَلَمُوا ، وَتَعَدَّى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ".
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ لُغَةً:
" ظلم : الظُّلْمُ : وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ . 
وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ فِي الشَّبَهِ : 
مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ ; قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : مَا ظَلَمَ أَيْ مَا وَضَعَ الشَّبَهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ . 
وَفِي الْمَثَلِ : 
مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ فَقَدْ ظَلَمَ . 
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْلٍ : 
لَزِمُوا الطَّرِيقَ فَلَمْ يَظْلِمُوهُ أَيْ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهُ ; يُقَالُ : أَخَذَ فِي طَرِيقٍ فَمَا ظَلَمَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ; وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَكَمَا الْأَمْرَ فَمَا ظَلَمَاهُ أَيْ لَمْ يَعْدِلَا عَنْهُ ; وَأَصْلُ الظُّلْمِ الْجَوْرُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْوُضُوءِ : فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ أَيْ أَسَاءَ الْأَدَبَ بِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَالتَّأَدُّبَ بِأَدَبِ الشَّرْعِ ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ بِمَا نَقَصَهَا مِنَ الثَّوَابِ بِتَرْدَادِ الْمَرَّاتِ فِي الْوُضُوءِ . 
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ; قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: لَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانَ، وَتَأَوَّلُوا فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. 
وَالظُّلْمُ : الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : الْزَمْ هَذَا الصَّوْبَ وَلَا تَظْلِمْ عَنْهُ أَيْ لَا تَجُرْ عَنْهُ . 
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الرَّزَّاقُ الْمُنْعِمُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَإِذَا أُشْرِكَ بِهِ غَيْرُهُ فَذَلِكَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ النِّعْمَةَ لِغَيْرِ رَبِّهَا . 
يُقَالُ : ظَلَمَهُ يَظْلِمُهُ ظَلْمًا وَظُلْمًا وَمَظْلِمَةً ، فَالظَّلْمُ مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ ، وَالظُّلْمُ الِاسْمُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ ظَالِمٌ وَظَلُومٌ.
قَالَ ضَيْغَمٌ الْأَسَدِيُّ : 
إِذَا هُوَ لَمْ يَخَفْنِي فِي ابْنِ عَمِّي     وَإِنْ لَمْ أَلْقَهُ الرَّجُلُ الظَّلُومُ".
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ اصْطِلَاحَاً:
قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ " وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه ".
قَالَ الجِرْجَانِيُّ " التَّعَدِّي عَنْ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ وَهُوَ الجَوْرُ. وَقِيلَ: هُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الغَيْرِ ، وَمُجَاوَزَةُ الحَدِّ ".
أَنْوَاعُ الظُّلْمِ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ، فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ الله، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَظُلْمٌ لا يَتْرُكُهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ الله فَالشِّرْكُ، قَالَ الله: ﴿ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ فَظُلْمُ العِباَدِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَتْرُكُهُ الله فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى يُدَبِّرُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ". 
قَوْلُ الإِمَامِ تَقِيِّ الدِّين بن تَيْمِيَةٍ فِي أَنْوَاعِ الظُّلْمِ:
 " فَالظُّلْمُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " : فَالظُّلْمُ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ لَا شَفَاعَةَ فِيهِ . 
وَظُلْمُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ ; لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَظْلُومِ لَا بِشَفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَلَكِنْ قَدْ يُعْطَى الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا قَدْ يُغْفَرُ لِظَالِمِ نَفْسِهِ بِالشَّفَاعَةِ . فَالظَّالِمُ الْمُطْلَقُ مَا لَهُ مِنْ شَفِيعٍ مُطَاعٍ وَأَمَّا الْمُوَحِّدُ فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مُوَحِّدٌ مَعَ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ . 
وَهَذَا إنَّمَا نَفَعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إخْلَاصُهُ لِلَّهِ فَبِهِ صَارَ مِنْ أَهْل الشَّفَاعَةِ . 
وَمَقْصُودُ الْقُرْآنِ يَنْفِي الشَّفَاعَةَ نَفْيَ الشِّرْكِ وَهُوَ : أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ وَلَا يَدْعُو غَيْرَهُ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى غَيْرِهِ لَا فِي شَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا; فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى أَحَدٍ فِي أَنْ يَرْزُقَهُ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ بِأَسْبَابِ. 
كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ فِي أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَيَرْحَمَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَرْحَمُهُ بِأَسْبَابِ مِنْ شَفَاعَةٍ وَغَيْرِهَا فَالشَّفَاعَةُ الَّتِي نَفَاهَا الْقُرْآنُ مُطْلَقًا ; مَا كَانَ فِيهَا شِرْكٌ وَتِلْكَ مُنْتَفِيَةٌ مُطْلَقًا ; وَلِهَذَا أَثْبَتَ الشَّفَاعَةَ بِإِذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ وَتِلْكَ قَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَهِيَ مِنْ التَّوْحِيدِ ، وَمُسْتَحِقُّهَا أَهْلُ التَّوْحِيدِ . 
وَأَمَّا " الظُّلْمُ الْمُقَيَّدُ " فَقَدْ يَخْتَصُّ بِظُلْمِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَظُلْمِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا كَقَوْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَوَّاءَ : ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ﴾ . 
وَقَوْلِ مُوسَى : ﴿ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ . 
وقَوْله تَعَالَى ﴿ وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ . 
لَكِنَّ قَوْلَ آدَمَ وَمُوسَى إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ لَا عُمُومَ فِيهِ وَذَلِكَ قَدْ عُرِفَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا . 
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ﴿ وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ يَعُمُّ كُلَّ مَا فِيهِ ظُلْمُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ ; وَهُوَ إذَا أَشْرَكَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . 
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظُلْمَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ . 
فَهَذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ مَقْرُونٌ بِغَيْرِهِ ; فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ . 
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ; أَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ : ﴿ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ  ﴾ . 
وَاَلَّذِينَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ظَنُّوا : أَنَّ الظُّلْمَ الْمَشْرُوطَ هُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ; فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَا دَلَّهُمْ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى . 
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يُلْبِسْ إيمَانَهُ بِهَذَا الظُّلْمِ ; وَمَنْ لَمْ يُلْبِسْ إيمَانَهُ بِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ . 
كَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاصْطِفَاءِ فِي قَوْلِهِ : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾ . 
وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يُؤَاخَذَ أَحَدُهُمْ بِظُلْمِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتُبْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ . 
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ . 
وَقَدْ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا ؟ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْت تَنْصَبُ أَلَسْت تَحْزَنُ أَلَسْت تُصِيبُك اللَّأْوَاءُ ؟ فَذَلِكَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ " فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي إذَا تَابَ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَدْ يُجْزَى بِسَيِّئَاتِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْمَصَائِبِ الَّتِي تُصِيبُهُ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيَاحُ تُقَوِّمُهَا تَارَةً وَتُمِيلُهَا أُخْرَى وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ لَا تَزَالُ ثَابِتَةً عَلَى أَصْلِهَا حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً " . 
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةِ يشاكها إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قُلْت " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ; يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ; خُفِّفَ عَنْهُ وَلَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ "  رَوَاهُ أَحْمَد والترمذي وَغَيْرُهُمَا . 
وَقَالَ : " الْمَرَضُ حِطَّةٌ يَحُطُّ الْخَطَايَا عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ وَرَقَهَا "  وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ . 
فَمَنْ سَلِمَ مِنْ أَجْنَاسِ الظُّلْمِ الثَّلَاثَةِ ; كَانَ لَهُ الْأَمْنُ التَّامُّ وَالِاهْتِدَاءُ التَّامُّ . 
وَمَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ ظُلْمِهِ نَفْسَهُ ; كَانَ لَهُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ كَمَا وَعَدَ بِذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ هَدَاهُ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي تَكُونُ عَاقِبَتُهُ فِيهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ نَقْصِ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِحَسَبِ مَا نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ بِظُلْمِهِ نَفْسَهُ . 
وَلَيْسَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ " إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ " أَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ يَكُونُ لَهُ الْأَمْنُ التَّامُّ وَالِاهْتِدَاءُ التَّامُّ . 
فَإِنَّ أَحَادِيثَهُ الْكَثِيرَةَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مُعَرَّضُونَ لِلْخَوْفِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الْأَمْنُ التَّامُّ وَلَا الِاهْتِدَاءُ التَّامُّ الَّذِي يَكُونُونَ بِهِ مُهْتَدِينَ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ يَحْصُلُ لَهُمْ ; بَلْ مَعَهُمْ أَصْلُ الِاهْتِدَاءِ إلَى هَذَا الصِّرَاطِ وَمَعَهُمْ أَصْلُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ . 
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ " إنْ أَرَادَ بِهِ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ فَمَقْصُودُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ آمِنٌ مِمَّا وُعِدَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مُهْتَدٍ إلَى ذَلِكَ . 
وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ جِنْسَ الشِّرْكِ ; فَيُقَالُ : ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ كَبُخْلِهِ - لِحُبِّ الْمَالِ - بِبَعْضِ الْوَاجِبِ هُوَ شِرْكٌ أَصْغَرُ ، وَحُبُّهُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ حَتَّى يَكُونَ يُقَدِّمُ هَوَاهُ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ شِرْكٌ أَصْغَرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . 
فَهَذَا صَاحِبُهُ قَدْ فَاتَهُ مِنْ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِحَسَبِهِ وَلِهَذَا كَانَ 
1) الظُّلْمُ المُطْلَقُ ( الَّذِي هُوَ شِرْكٌ بِاللهِ )
قَوْلُ بِن قَيِّمٍ الجَوْزِيَّةِ فِي الظُّلْمِ المُطْلَقُ ( الَّذِي هُوَ شِرْكٌ بِاللهِ ):
" فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْقَصْدَ بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ : أَنْ يُعْرَفَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَيُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكَ بِهِ ، وَأَنْ يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [ الْحَدِيدِ : 25 ] . 
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْقِسْطِ التَّوْحِيدُ ، وَهُوَ رَأْسُ الْعَدْلِ وَقِوَامُهُ ، وَإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، فَالشِّرْكُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ ، وَالتَّوْحِيدُ أَعْدَلُ الْعَدْلِ ، فَمَا كَانَ أَشَدَّ مُنَافَاةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، وَتَفَاوُتُهَا فِي دَرَجَاتِهَا بِحَسَبِ مُنَافَاتِهَا لَهُ ، وَمَا كَانَ أَشَدَّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْرَضُ الطَّاعَاتِ . 
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْأَصْلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، وَاعْتَبِرْ تَفَاصِيلَهُ تَعْرِفْ بِهِ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ، وَأَعْلَمِ الْعَالِمِينَ فِيمَا فَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ ، وَتَفَاوُتَ مَرَاتِبِ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي . 
فَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ مُنَافِيًا بِالذَّاتِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ كَانَ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ ، وَأَبَاحَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ عَبِيدًا لَهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْقِيَامَ بِعُبُودِيَّتِهِ ، وَأَبَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا أَوْ يَقْبَلَ فِيهِ شَفَاعَةً أَوْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ دَعْوَةً ، أَوْ يُقِيلَ لَهُ عَثْرَةً ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ بِاللَّهِ ، حَيْثُ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نِدًّا ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ بِهِ ، كَمَا أَنَّهُ غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَظْلِمْ رَبَّهُ وَإِنَّمَا ظَلَمَ نَفْسَهُ "  .
قَالَ حَافِظٌ بِن أَحْمَدٍ الحَكَمِيِّ فِي الظُّلْمِ المُطْلَقُ ( الَّذِي هُوَ شِرْكٌ بِاللهِ )
" قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ( لُقْمَانَ : 13 ) فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ لِأَنَّ الظُّلْمَ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَلَا أَعْظَمَ ظُلْمًا مِنْ شِكَايَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ الَّذِي هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ ضُرٍّ أَوْ فَاتَهُ مِنْ خَيْرٍ إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُهُ وَلَا يَسْمَعُهُ وَلَا يُبْصِرُهُ وَلَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِدَاعِيهِ مِنْ ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا حَيَاةٍ وَلَا نُشُورٍ ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَعُدُولُهُ عَمَّنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ، وَيَفْزَعُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ إِلَى مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ الْبَتَّةَ ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ ( فَاطِرٍ : 13 - 14 ).
وَصَرْفُهُ عِبَادَةَ خَالِقِهِ - الَّذِي خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَرَبَّاهُ بِنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَحَفِظَهُ وَكَلَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَحَمَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَخَاوِفِ وَالْأَخْطَارِ - لِمَخْلُوقٍ مِثْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ، بَلْ هُوَ مُسَخَّرٌ مُدَبَّرٌ مَرْبُوبٌ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ ، لَا يُبْدِي حَرَاكًا وَلَا يَنْفَكُّ مِنْ قَبْضَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلْ هُوَ خَلْقُهُ وَمِلْكُهُ مَخْلُوقٌ لِعِبَادَتِهِ فَيَرْفَعُهُ مِنْ دَرَجَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّأَلُّهِ إِلَى جَعْلِهِ مَأْلُوهًا مَعْبُودًا : ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ ( الرُّومِ : 28 ) الْآيَةَ . 
هَذَا وَاللَّهِ أَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَقْبَحُ الْجَهْلِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، وَلِذَا لَمْ تَدْعُ الرُّسُلُ إِلَى شَيْءٍ قَبْلَ التَّوْحِيدِ ، وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ التَّنْدِيدِ ، وَلَمْ يَتَوَعَّدِ اللَّهُ عَلَى ذَنَبٍ أَكْبَرَ مِمَّا جَاءَ عَلَى الشِّرْكِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " . وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ قَرِيبًا مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ الْمُوَحِّدِينَ وَتُدْحَضُ شُبْهَةُ الْمُعَانِدِينَ ، وَيُدْمَغُ بَاطِلُ الْمُلْحِدِينَ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ ". 
وَ قَدْ دَلَّتْ مَوَاضِعُ عَدِيدَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ بِاللهِ ظُلْمٌ ، وَ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الكُفْرَ بِاللهِ ظُلْمٌ ، وَ مِنْ ذَلِكَ :- 
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) ﴾ 
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿  وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ( 106 ) ﴾  
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
 ﴿  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ( 27 ) ﴾ 
قَالَ مُحَمَّدٌ بِن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا:
" يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ نَفْسَهُ الْمُشْرِكُ بِرَبِّهِ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْبِ اللَّهِ ، وَأَوْبَقَ نَفْسَهُ بِالْكُفْرِ بِهِ فِي طَاعَةِ خَلِيلِهِ الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيلِ رَبِّهِ ، يَقُولُ : يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) . 
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ : ( الظَّالِمُ ) وَبِقَوْلِهِ : ( فُلَانًا ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَنِيَ بِالظَّالِمِ : عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ، طَلَبًا مِنْهُ لِرِضَا أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ، وَقَالُوا : فُلَانًا هُوَ أُبَيٌّ . 
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنِي الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَحْضُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَنَزَلَ : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) . . إِلَى قَوْلِهِ ( خَذُولًا ) قَالَ : ( الظَّالِمُ ) : عُقْبَةُ ، وَفُلَانًا خَلِيلًا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ "  .
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿  يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( 13 ) ﴾   .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ قَوْلَهُ - تَعَالَى - ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ (82 ) ﴾ بِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ .
حُرْمَــــــــــةُ الظُّلْـــمِ فِي القُرْآَنِ وَ السُّـــــنَّةِ وَ عَاقِبَتُهُ:
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ( 19) ﴾  
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا 
" ( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ) أَيْ : يُشْرِكْ بِاللَّهِ ، ( نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ) " .
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) ﴾  
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا 
" وَقَوْلُهُ : ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) أَيْ : لَيْسَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهُمْ يَنْفَعُهُمْ ، وَلَا شَفِيعٍ يُشَفَّعُ فِيهِمْ ، بَلْ قَدْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ ".
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (71) ﴾  
قَوْلُ الحُسَين بِن مَسْعُودٍ البَغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا 
" ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ ) لِلْمُشْرِكِينَ ، ( مِنْ نَصِيرٍ ) مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ".
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ 
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ﴾ 
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
 ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ﴾.
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾.
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا 
" وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ ) مَعْذِرَتُهُمْ ) أَيْ : لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ وَلَا فِدْيَةٌ ".
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ‏" ‏رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، وَرَوَي مُسْلِمٌ بَعْضَهُ‏ .‏
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الْأَرْضَ فَإِنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ " . ‏مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ‏.‏
عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ سورة هود آية 102 . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . 
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِذَا أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٍ خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ " . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ‏.‏
عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ‏.‏
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
يتبع إن شاء الله....


وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ...   وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Emptyالأحد 13 أبريل 2014, 1:45 am

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ، قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ ؟ ، قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ : فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ ، قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَسَكَتَ ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ ؟ ، قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ : فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ ، قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَسَكَتَ ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ ، قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ ، قَالَ مُحَمَّدٌ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا أَوْ ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ ". 
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي رِوَايَتِهِ : وَرَجَبُ مُضَرَ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي , حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ ، فَقَالَ " أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا ؟ ، قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ ؟ ، قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ، قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ ؟ ، قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ ، قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ ؟ ، قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " ، قَالَ : ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا ، وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ ، فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ ، قَالَ : قَالَ مُحَمَّدٌ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ ، قَالَ : وَرَجُلٌ آخِذٌ بِزِمَامِهِ أَوَ قَالَ بِخِطَامِهِ فَذَكَرَ نَحْوَ . حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ فِي نَفْسِي أَفْضَلُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بِإِسْنَادِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، وَسَمَّى الرَّجُلَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ، فَقَالَ : " أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ " ، وَسَاقُوا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ وَأَعْرَاضَكُمْ ، وَلَا يَذْكُرُ ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ " كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : " اللَّهُمَّ اشْهَدْ ". رَوَاهُ َمُسْلِمٌ ‏.‏
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الأَنْصَارِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ ، قَالُوا : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ، قَالَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ " ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ ، عَنْ مَالِكٍ .
عَنْ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ : " أَيُّكُمْ عَمِلَ لَنَا عَلَى عَمَلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ ، فَهُوَ غُلٌّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، فَقَالَ أَسْوَدُ كَأَنِّي أُرَاهُ : اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قَالَ : سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَا تَقُولُ قَالَ : وَأَنَا أَقُولُ الآنَ : مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى " .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ ، وَفُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ ، فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَلَّا إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا ، أَوْ عَبَاءَةٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ : أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " ثَلَاثًا . قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ، ثَلَاثًا . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ " ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ قُلْتَ ؟ " ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ، إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ " .
عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ " . قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَخِيهِ ; فَلَا يَأْخُذَنَّهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  " إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ; فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . 
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا دَخَلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ : أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَوْلُ ابن رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ فِي تَنَاوُلِهِ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ:
" هَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، وَفِي آخِرِهِ : قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ . 
وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَسُقْهُ بِلَفْظِهِ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ : وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ سِيَاقِ أَبِي إِدْرِيسَ ، وَحَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ أَتَمُّ . 
وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ ، فَسَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ ، وَكُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُ فَسَلُونِي أُرْزَقْكُمْ ، وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ وَاسْتَغْفَرَنِي ، غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ ، اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ ، فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدَ ، عَطَائِي كَلَامٌ ، وَعَذَابِي كَلَامٌ ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ . 
وَخَرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَّا أَنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ . وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : هُوَ أَشْرَفُ حَدِيثٍ لِأَهْلِ الشَّامِ . 
فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ : " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي " يَعْنِي : أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنَ الظُّلْمِ لِعِبَادِهِ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ ق : 29 ] ، وَقَالَ : وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ [ غَافِرٍ 31 ] ، وَقَالَ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 108 ] ، وَقَالَ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ فُصِّلَتْ : 46 ] ، وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [ يُونُسَ : 44 ] ، وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [ النِّسَاءِ : 40 ] ، وَقَالَ : وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [ طه : 112 ] ، وَالْهَضْمُ : أَنْ يُنْقَصَ مِنْ جَزَاءِ حَسَنَاتِهِ ، وَالظُّلْمُ : أَنْ يُعَاقَبَ بِذُنُوبِ غَيْرِهِ ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ . 
وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى الظُّلْمِ ، وَلَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ فَضْلًا مِنْهُ وَجُودًا وَكَرَمًا وَإِحْسَانًا إِلَى عِبَادِهِ . 
وَقَدْ فَسَّرَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الظُّلْمَ بِأَنَّهُ وَضْعُ الْأَشْيَاءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا . 
وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ - وَقَدْ نُقِلَ نَحْوُهُ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ - فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ ، وَغَيْرُهُ مُتَصَوَّرٌ فِي حَقِّهِ ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ فَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ أَجَابَ أَبُو الْأُسُودِ الدُّؤَلِيُّ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْقَدَرِ . 
وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خَالِدٍ الْحِمْصِيِّ ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلِمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ ، لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، وَأَنَّهُ أَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، فَحَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ . 
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ ، وَوَهْبُ بْنُ خَالِدٍ لَيْسَ بِذَلِكَ الْمَشْهُورِ بِالْعِلْمِ . 
وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَعْذِيبَهُمْ ، لَقَدَّرَ لَهُمْ مَا يُعَذِّبُهُمْ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ حِينَئِذٍ . 
وَكَوْنُهُ خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَفِيهَا الظُّلْمُ لَا يَقْتَضِي وَصْفَهُ بِالظُّلْمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِسَائِرِ الْقَبَائِحِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْعِبَادُ ، وَهِيَ خَلْقُهُ وَتَقْدِيرُهُ ، فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ إِلَّا بِأَفْعَالِهِ لَا يُوصَفُ بِأَفْعَالِ عِبَادِهِ ، فَإِنَّ أَفْعَالَ عِبَادِهِ مَخْلُوقَاتُهُ وَمَفْعُولَاتُهُ ، وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْهَا ، إِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا قَامَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . 
وَقَوْلُهُ " وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فَلَا تَظَالَمُوا " يَعْنِي : أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى عِبَادِهِ ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَتَظَالَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ ، مَعَ أَنَّ الظُّلْمَ فِي نَفْسِهِ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا ، وَهُوَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : ظُلْمُ النَّفْسِ ، وَأَعْظَمُهُ الشِّرْكُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ لُقْمَانَ : 13 ] ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ جَعَلَ الْمَخْلُوقَ فِي مَنْزِلَةِ الْخَالِقِ ، فَعَبَدَهُ وَتَأَلَّهَهُ ، فَهُوَ وَضْعُ الْأَشْيَاءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ، وَأَكْثَرُ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَعِيدِ الظَّالِمِينَ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ الْبَقَرَةِ : 254 ] ثُمَّ يَلِيهِ الْمَعَاصِي عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا مِنْ كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ . 
وَالثَّانِي : ظُلْمُ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا . 
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ بِذَلِكَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ثُمَّ قَالَ : " اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا ، أَلَا لَا تَظْلِمُوا ، أَلَا لَا تَظْلِمُوا ، أَلَا لَا تَظْلِمُوا ؛ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبٍ نَفْسٍ مِنْهُ " . 
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . 
وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي للظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [ هُودٍ : 102 ] . 
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ .
قَوْلُهُ " يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ " . 
هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْخَلَقِ مُفْتَقِرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي جَلْبِ مَصَالِحِهِمْ ، وَدَفْعِ مَضَارِّهِمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَأَنَّ الْعِبَادَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَضَّلِ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْهُدَى وَالرِّزْقِ ، فَإِنَّهُ يُحْرَمُهُمَا فِي الدُّنْيَا ، وَمَنْ لَمْ يَتَفَضَّلِ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ أَوْبَقَتْهُ خَطَايَاهُ فِي الْآخِرَةِ . 
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [ الْكَهْفِ : 17 ] ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَالَ تَعَالَى : مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [ فَاطِرٍ : 2 ] ، وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [ الذَّارِيَاتِ : 58 ] ، وَقَالَ : فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [ الْعَنْكَبُوتِ : 17 ] ، وَقَالَ : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [ هُودٍ : 6 ] . 
وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ آدَمَ وَزَوْجِهِ أَنَّهُمَا قَالَا : رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ الْأَعْرَافِ : 23 ] ، وَعَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ هُودٍ : 47 ] . 
وَقَدِ اسْتَدَلَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَفَرُّدِ اللَّهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا أَشْرَكَ مَعَهُ فَبَاطِلٌ ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ : أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [ الشُّعَرَاءِ : 75 - 82 ] ، فَإِنَّ مَنْ تَفَرَّدَ بِخَلْقِ الْعَبْدِ وَبِهِدَايَتِهِ وَبِرِزْقِهِ وَإِحْيَائِهِ وَإِمَاتَتِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَبِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ فِي الْآخِرَةِ ، مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُفْرَدَ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ وَالسُّؤَالِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِكَانَةِ لَهُ . 
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [ الرُّومِ : 40 ] . 
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَهُ الْعِبَادُ جَمِيعَ مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكُسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا يَسْأَلُونَهُ الْهِدَايَةَ وَالْمَغْفِرَةَ ، وَفِي الْحَدِيثِ : " لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ " . 
وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَسْأَلُ اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ كُلَّ حَوَائِجِهِ حَتَّى مِلْحَ عَجِينِهِ وَعَلَفَ شَاتِهِ . 
وَفِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : يَا رَبِّ ، إِنَّهُ لَتَعْرِضُ لِيَ الْحَاجَةُ مِنَ الدُّنْيَا ، فَأَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَكَ ، قَالَ : سَلْنِي حَتَّى مِلْحَ عَجِينِكَ وَعَلَفَ حِمَارِكَ . 
فَإِنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إِلَيْهِ إِذَا سَأَلَهُ مِنَ اللَّهِ فَقَدْ أَظْهَرَ حَاجَتَهُ فِيهِ ، وَافْتِقَارَهُ إِلَى اللَّهِ ، وَذَاكَ يُحِبُّهُ اللَّهُ ، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ يَسْأَلَهُ شَيْئًا مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا ، وَالِاقْتِدَاءُ بِالسُّنَّةِ أَوْلَى . 
وَقَوْلُهُ " كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ " قَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ " وَفِي رِوَايَةٍ : " مُسْلِمِينَ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ بَنِي آدَمَ ، وَفَطَرَهُمْ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ ، وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَالتَّهَيُّؤِ لِذَلِكَ ، وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ بِالْقُوَّةِ ، لَكِنْ لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ تَعْلِيمِ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ ، فَإِنَّهُ قَبْلَ التَّعْلِيمِ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [ النَّحْلِ : 78 ] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [ الضُّحَى : 7 ].
وَالْمُرَادُ : وَجَدَكَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَا عَلَّمَكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ [ الشُّورَى : 52 ] فَالْإِنْسَانُ يُوَلَدُ مَفْطُورًا عَلَى قَبُولِ الْحَقِّ ، فَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ سَبَّبَ لَهُ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْهُدَى ، فَصَارَ مُهْتَدِيًا بِالْفِعْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُهْتَدِيًا بِالْقُوَّةِ ، وَإِنْ خَذَلَهُ اللَّهُ ، قَيَّضَ لَهُ مَنْ يُعَلِّمُهُ مَا يُغَيِّرُ فِطْرَتَهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ . 
وَأَمَّا سُؤَالُ الْمُؤْمِنِ مِنَ اللَّهِ الْهِدَايَةَ، فَإِنَّ الْهِدَايَةَ نَوْعَانِ: 
هِدَايَةٌ مُجْمَلَةٌ وَهِيَ الْهِدَايَةُ لِلْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ لِلْمُؤْمِنِ ، وَهِدَايَةٌ مُفَصَّلَةٌ ، وَهِيَ هِدَايَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ تَفَاصِيلِ أَجْزَاءِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَإِعَانَتِهِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُؤْمِنٍ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَقْرَءُوا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِمْ قَوْلَهُ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [ الْفَاتِحَةِ : 6 ] ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ بِاللَّيْلِ: " اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " وَلِهَذَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ، فَيُقَالُ لَهُ: " يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ " فَيَقُولُ: " يَهْدِيكُمُ اللَّهُ " كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِالْهُدَى ، وَخَالَفَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ . 
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ السَّدَّادَ وَالْهُدَى ، وَعَلَّمَ الْحَسَنَ أَنْ يَقُولَ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " . 
وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَهُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ ، وَالْعَبْدُ أَحْوَجُ شَيْءٍ إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يُخْطِئُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَالْأَمْرُ بِهِمَا ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِمَا ، وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ . وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ ، وَلَفْظُهُ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ . 
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ . 
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ : كَانَ فِي لِسَانِي ذَرَبٌ عَلَى أَهْلِي لَمْ أَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ يَا حُذَيْفَةُ ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ . 
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ . 
وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا أَصْبَحْتُ غَدَاةً قَطُّ إِلَّا اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ . 
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ يَقُولُ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . 
وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : لَمْ أَرَ أَحَدًا أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الَّذِينَ إِذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا ، وَإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ الْكَلَامِ فِي الِاسْتِغْفَارِ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ : " يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي " يَعْنِي أَنَّ الْعِبَادَ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُوصِلُوا إِلَى اللَّهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، لَا حَاجَةَ لَهُ بِطَاعَاتِ الْعِبَادِ ، وَلَا يَعُودُ نَفْعُهَا إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا هُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهَا ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِمَعَاصِيهِمْ ، وَإِنَّمَا هُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [ آلِ عِمْرَانَ : 176 ] . 
وَقَالَ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا [ آلِ عِمْرَانَ : 144 ] . 
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ غَوَى ، وَلَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا " . 
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [ النِّسَاءِ : 131 ] ، وَقَالَ حَاكِيًا عَنْ مُوسَى : وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [ إِبْرَاهِيمَ : 8 ] ، وَقَالَ : وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 97 ] ، وَقَالَ : لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [ الْحَجِّ : 37 ] . 
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَتَّقُوهُ وَيُطِيعُوهُ ، كَمَا أَنَّهُ يَكْرَهُ مِنْهُمْ أَنْ يَعْصُوهُ ، وَلِهَذَا يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ أَشَدَّ مِنْ فَرَحِ مَنْ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، وَطَلَبَهَا حَتَّى أَعْيَى وَأَيِسَ مِنْهَا ، وَاسْتَسْلَمَ لِلْمَوْتِ ، وَأَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ ، ثُمَّ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ ، فَاسْتَيْقَظَ وَهِيَ قَائِمَةٌ عِنْدَهُ وَهَذَا أَعْلَى مَا يَتَصَوَّرُهُ الْمَخْلُوقُ مِنَ الْفَرَحِ ، هَذَا كُلُّهُ مَعَ غِنَاهُ عَنْ طَاعَاتِ عِبَادِهِ وَتَوْبَاتِهِمْ إِلَيْهِ ، وَإِنَّهُ إِنَّمَا يَعُودُ نَفْعُهَا إِلَيْهِمْ دُونَهُ.
وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ كَمَالِ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى عِبَادِهِ ، وَمَحَبَّتِهِ لِنَفْعِهِمْ ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهْمْ ، فَهُوَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَعْرِفُوهُ وَيُحِبُّوهُ وَيَخَافُوهُ وَيَتَّقُوهُ وَيُطِيعُوهُ وَيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ ، وَيُحِبُّ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُهُ ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَغْفِرَةِ ذُنُوبِ عِبَادِهِ ، كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ لِهَذَا الْحَدِيثِ : " مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلَا أُبَالِي " . 
وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدًا أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا ، فَاغْفِرْ لِي ؛ فَقَالَ اللَّهُ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي " . وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ دَابَّتَهُ ، حَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا ، وَكَبَّرَ ثَلَاثًا ، وَقَالَ : سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، ثُمَّ ضَحِكَ ، وَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي ، خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ . 
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَاللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا . 
كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ ذِي النُّونِ يَطُوفُ وَيُنَادِي : آهْ أَيْنَ قَلْبِي ، مَنْ وَجَدَ قَلْبِي ؟ فَدَخَلَ يَوْمًا بَعْضَ السِّكَكِ ، فَوَجَدَ صَبِيًّا يَبْكِي وَأُمُّهُ تَضْرِبُهُ ، ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ مِنَ الدَّارِ ، وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ دُونَهُ ، فَجَعَلَ الصَّبِيَّ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ وَلَا أَيْنَ يَقْصِدُ ، فَرَجَعَ إِلَى بَابِ الدَّارِ ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : يَا أُمَّاهُ مَنْ يَفْتَحُ لِيَ الْبَابَ إِذَا أَغْلَقْتِ عَنِّي بَابَكِ ؟ وَمَنْ يُدْنِينِي إِذَا طَرَدْتِينِي ؟ وَمَنِ الَّذِي يُدْنِينِي إِذَا غَضِبْتِ عَلَيَّ ؟ فَرَحِمَتْهُ أُمُّهُ ، فَنَظَرَتْ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ ، فَوَجَدَتْ وَلَدَهَا تَجْرِي الدُّمُوعُ عَلَى خَدَّيْهِ مُتَمَعِّكًا فِي التُّرَابِ ، فَفَتَحَتِ الْبَابَ ، وَأَخَذَتْهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا وَجَعَلَتْ تُقَبِّلُهُ ، وَتَقُولُ : يَا قُرَّةَ عَيْنِي ، وَيَا عَزِيزَ نَفْسِي ، أَنْتَ الَّذِي حَمَلْتَنِي عَلَى نَفْسِكَ ، وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّضْتَ لِمَا حَلَّ بِكَ ، لَوْ كُنْتَ أَطَعْتَنِي لَمْ تَلْقَ مِنِّي مَكْرُوهًا ، فَتَوَاجَدَ الْفَتَى ، ثُمَّ قَامَ فَصَاحَ ، وَقَالَ : قَدْ وَجَدْتُ قَلْبِي ، قَدْ وَجَدْتُ قَلْبِي . 
وَتَفَكَّرُوا فِي قَوْلِهِ : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [ آلِ عِمْرَانَ : 135 ] ، فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُذْنِبِينَ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ ، وَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ فِي مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ - غَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا : حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ التَّوْبَةِ : 118 ].
فَرَتَّبَ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَافَ مِنْ مَخْلُوقٍ ، هَرَبَ مِنْهُ ، وَفَرَّ إِلَى غَيْرِهِ ، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مِنَ اللَّهِ ، فَمَا لَهُ مِنْ مَلْجَأٍ يَلْجَأُ إِلَيْهِ ، وَلَا مَهْرَبٍ يَهْرُبُ إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ ، فَيَهْرُبُ مِنْهُ إِلَيْهِ ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ " لَا مَلْجَأَ ، وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ " وَكَانَ يَقُولُ : " أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَبِكَ مِنْكَ " . 
يتبع إن شاء الله...


وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Empty
مُساهمةموضوع: رد: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ...   وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Emptyالأحد 13 أبريل 2014, 1:56 am

قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: 
مَا مِنْ لَيْلَةٍ اخْتَلَطَ ظَلَامُهَا، وَأَرْخَى اللَّيْلُ سِرْبَالَ سِتْرِهَا، إِلَّا نَادَى الْجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ: مَنْ أَعْظَمُ مِنِّي جُودًا، وَالْخَلَائِقُ لِي عَاصُونَ، وَأَنَا لَهُمْ مُرَاقِبٌ، أَكْلَؤُهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْصُونِي، وَأَتَوَلَّى حِفْظَهُمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُذْنِبُوا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، أَجُودُ بِالْفَضْلِ عَلَى الْعَاصِي، وَأَتَفَضَّلُ عَلَى الْمُسِيءِ، مَنْ ذَا الَّذِي دَعَانِي فَلَمْ أُلَبِّهِ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي سَأَلَنِي فَلَمْ أُعْطِهِ؟ أَمْ مَنِ الَّذِي أَنَاخَ بِبَابِي فَنَحَّيْتُهُ؟ أَنَا الْفَضْلُ، وَمِنِّي الْفَضْلُ، أَنَا الْجَوَادُ، وَمِنِّي الْجُودُ، وَأَنَا الْكَرِيمُ، وَمِنِّي الْكَرَمُ، وَمِنْ كَرَمِي أَنْ أَغْفِرَ لِلْعَاصِينَ بَعْدَ الْمَعَاصِي، وَمِنْ كَرَمِي أَنْ أُعْطِيَ الْعَبْدَ مَا سَأَلَنِي، وَأُعْطِيَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْنِي، وَمِنْ كَرَمِي أَنْ أُعْطِيَ التَّائِبَ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْصِنِي، فَأَيْنَ عَنِّي يَهْرُبُ الْخَلَائِقُ؟ وَأَيْنَ عَنْ بَابِي يَتَنَحَّى الْعَاصُونَ؟ خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ. 
وَلِبَعْضِهِمْ فِي الْمَعْنَى . 
أَسَأْتُ وَلَمْ أُحْسِنْ وَجِئْتُكَ تَائِبًا 
وَأَنَّى لِعَبْدٍ عَنْ مَوَالِيهِ مَهْرَبُ
يُؤَمِّلُ غُفْرَانًا فَإِنْ خَابَ ظَنُّهُ 
فَمَا أَحَدٌ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ أَخْيَبُ
فَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: " يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، وَلَوْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا " : هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُلْكَهُ لَا يَزِيدُ بِطَاعَةِ الْخَلْقِ ، وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ أَتْقَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ، وَلَا يَنْقُصُ مُلْكُهُ بِمَعْصِيَةِ الْعَاصِينَ ، وَلَوْ كَانَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ كُلُّهُمْ عُصَاةً فَجَرَةً قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ أَفْجَرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ ، وَلَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ، فَمُلْكُهُ مُلْكٌ كَامِلٌ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ . 
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إِنَّ إِيجَادَهُ لِخَلْقِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَوْجُودِ أَكْمَلُ مِنْ إِيجَادِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ وُجُودِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمَا فِيهِ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ شَرٌّ إِضَافِيٌّ نِسْبِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ ، وَلَيْسَ شَرًّا مُطْلَقًا بِحَيْثُ يَكُونُ عَدَمُهُ خَيْرًا مِنْ وُجُودِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، بَلْ وَجُودُهُ خَيْرٌ مِنْ عَدِمِهِ ، وَقَالَ : وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : " بِيَدِهِ الْخَيْرُ " وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ " يَعْنِي : أَنَّ الشَّرَّ الْمَحْضَ الَّذِي عَدِمَهُ خَيْرٌ مِنْ وُجُودِهِ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي مُلْكِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَدَ خَلْقَهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ وَعَدْلُهُ ، وَخَصَّ قَوْمًا مِنْ خَلْقِهِ بِالْفَضْلِ ، وَتَرَكَ آخَرِينَ مِنْهُمْ فِي الْعَدْلِ ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ . وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ لَوْ كَانُوا عَلَى صِفَةِ أَكْمَلِ خَلْقِهِ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِهِ شَيْئًا ، وَلَا قَدْرَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ ، وَلَوْ كَانُوا عَلَى صِفَةِ أَنْقَصِ خَلْقِهِ مِنَ الْفُجُورِ ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُلْكَهُ كَامِلٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَكْمُلُ بِالطَّاعَاتِ وَلَا يَنْقُصُ بِالْمَعَاصِي ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْءٌ . وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْوَى وَالْفُجُورِ هُوَ الْقَلْبُ ، فَإِذَا بَرَّ الْقَلْبُ وَاتَّقَى بَرَّتِ الْجَوَارِحُ ، وَإِذَا فَجَرَ الْقَلْبُ ، فَجَرَتِ الْجَوَارِحُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " التَّقْوَى هَاهُنَا " وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ .
قَوْلُهُ : " يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ " الْمُرَادُ بِهَذَا ذِكْرُ كَمَالِ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ ، وَكَمَالِ مُلْكِهِ ، وَأَنَّ مُلْكَهُ وَخَزَائِنَهُ لَا تَنْفَدُ ، وَلَا تَنْقُصُ بِالْعَطَاءِ ، وَلَوْ أَعْطَى الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعَ مَا سَأَلُوهُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ ، وَفِي ذَلِكَ حَثٌّ لِلْخَلْقِ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِنْزَالِ حَوَائِجِهِمْ بِهِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَفَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ . 
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ ، فَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ . وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ ، وَإِذَا دَعَوْتُمْ فَاعْزِمُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ . 
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَيُؤَمَّلُ غَيْرِي لِلشَّدَائِدِ وَالشَّدَائِدُ بِيَدِي وَأَنَا الْحَيُّ الْقَيُّومُ ؟ وَيُرْجَى غَيْرِي ، وَيُطْرَقُ بَابُهُ بِالْبَكَرَاتِ ، وَبِيَدِي مَفَاتِيحُ الْخَزَائِنِ ، وَبَابِي مَفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي ؟ مَنْ ذَا الَّذِي أَمَّلَنِي لِنَائِبَةٍ فَقَطَعْتُ بِهِ ؟ أَوْ مَنْ ذَا الَّذِي رَجَانِي لِعَظِيمٍ ، فَقَطَعْتُ رَجَاءَهُ ؟ أَوْ مَنْ ذَا الَّذِي طَرَقَ بَابِي ، فَلَمْ أَفْتَحْهُ لَهُ ؟ أَنَا غَايَةُ الْآمَالِ ، فَكَيْفَ تَنْقَطِعُ الْآمَالُ دُونِي ؟ أَبِخَيْلٌ أَنَا فَيُبَخِّلُنِي عَبْدِي ؟ أَلَيْسَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَالْكَرْمُ وَالْفَضْلُ كُلُّهُ لِي ؟ فَمَا يَمْنَعُ الْمُؤَمِّلِينَ أَنْ يُؤَمِّلُونِي ؟ لَوْ جَمَعْتُ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ثُمَّ أَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَعْطَيْتُ الْجَمِيعَ ، وَبَلَّغْتُ كُلَّ وَاحِدٍ أَمَلَهُ ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي عُضْوَ ذَرَّةٍ ، كَيْفَ يَنْقُصُ مُلْكٌ أَنَا قَيِّمُهُ ؟ فَيَا بُؤْسًا لِلْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِي ، وَيَا بُؤْسًا لِمَنْ عَصَانِي وَتَوَثَّبَ عَلَى مَحَارِمِي . 
وَقَوْلُهُ : " لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ " تَحْقِيقٌ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْقُصُ الْبَتَّةَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [ النَّحْلِ : 96 ] ، فَإِنَّ الْبَحْرَ إِذَا غُمِسَ فِيهِ إِبْرَةٌ ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْبَحْرِ بِذَلِكَ شَيْءٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ عُصْفُورٌ مَثَلًا ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْبَحْرَ الْبَتَّةَ ، وَلِهَذَا ضَرَبَ الْخَضِرُ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هَذَا الْمَثَلَ فِي نِسْبَةِ عِلْمِهِمَا إِلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَحْرَ لَا يَزَالُ تَمُدُّهُ مِيَاهُ الدُّنْيَا وَأَنْهَارُهَا الْجَارِيَةُ ، فَمَهْمَا أُخِذَ مِنْهُ لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ ، لِأَنَّهُ يَمُدُّهُ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا طَعَامُ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَدُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ [ الْوَاقِعَةِ : 32 - 33 ].
وَقَدْ جَاءَ : " أَنَّهُ كُلَّمَا نُزِعَتْ ثَمَرَةٌ ، عَادَ مَكَانَهَا مِثْلُهَا " وَرُوِيَ " مِثْلَاهَا " ، فَهِيَ لَا تَنْقُصُ أَبَدًا وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ : " وَأُرِيتُ الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ ، لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا " خَرَّجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَلَفْظُهُ : " وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ لَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، لَا يَنْقُصُونَهُ شَيْئًا " . 
وَهَكَذَا لَحْمُ الطَّيْرِ الَّذِي يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَسْتَخْلِفُ وَيَعُودُ كَمَا كَانَ حَيًّا لَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ فِيهَا ضَعْفٌ ، وَقَالَهُ كَعْبٌ . 
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ مِنْ قَوْلِهِ ، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ : وَكَذَلِكَ الشَّرَابُ يَشْرَبُ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ نَفَسُهُ ، ثُمَّ يَعُودُ مَكَانَهُ . 
وَرُئِيَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمُدَّةٍ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ : مَا أَكَلْتُ مُنْذُ فَارَقْتُكُمْ إِلَّا بَعْضَ فَرْخٍ ، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ طَعَامَ الْجَنَّةِ لَا يَنْفَدُ ؟ . 
وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا يَنْقُصُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْعَطَاءِ بِقَوْلِهِ : " ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ وَاجِدٌ مَاجِدٌ ، أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ ، عَطَائِي كَلَامٌ ، وَعَذَابِي كَلَامٌ ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ " وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس : 82 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ النَّحْلِ : 40 ] . 
وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزَّارِ " بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَزَائِنُ اللَّهِ الْكَلَامُ ، فَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا ، قَالَ لَهُ : كُنْ ، فَكَانَ " فَهُوَ سُبْحَانُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ عَطَاءٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، قَالَ لَهُ : كُنْ ، فَكَانَ ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْقُصَ هَذَا ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا ، قَالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ ، كَمَا قَالَ : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ آلِ عِمْرَانَ : 59 ] . 
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ: أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مُوسَى، لَا تَخَافَنَّ غَيْرِي مَا دَامَ لِيَ السُّلْطَانُ ، وَسُلْطَانِي دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ ، يَا مُوسَى ، لَا تَهْتَمَّنَّ بِرِزْقِي أَبَدًا مَا دَامَتْ خَزَائِنِي مَمْلُوءَةً ، وَخَزَائِنِي مَمْلُوءَةٌ لَا تَفْنَى أَبَدًا ، يَا مُوسَى لَا تَأْنَسْ بِغَيْرِي مَا وَجَدْتَنِي أَنِيسًا لَكَ ، وَمَتَى طَلَبْتَنِي وَجَدْتَنِي ، يَا مُوسَى ، لَا تَأْمَنْ مَكْرِي مَا لَمْ تَجُزِ الصِّرَاطَ إِلَى الْجَنَّةِ . 
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : 
لَا تَخْضَعَنَّ لِمَخْلُوقٍ عَلَى طَمَعٍ                 فَإِنَّ ذَاكَ مُضِرٌّ مِنْكَ بِالــدِّينِ
وَاسْتَرْزِقِ اللَّهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ                 فَإِنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ
وَقَوْلُهُ : " يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا " يَعْنِي : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحْصِي أَعْمَالَ عِبَادِهِ ، ثُمَّ يُوَفِّيهِمْ إِيَّاهَا بِالْجَزَاءِ عَلَيْهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ الزَّلْزَلَةِ : 7 - 8 ].
وَقَوْلِهِ : وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [ الْكَهْفِ : 49 ] ، وَقَوْلِهِ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [ آلِ عِمْرَانَ : 30 ] ، وَقَوْلِهِ : يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [ الْمُجَادَلَةِ : 6 ] . 
وَقَوْلِهِ : " ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا " الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَوْفِيَتُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ آلِ عِمْرَانَ : 185 ] وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ : يُوَفِّي عِبَادَهُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [ النِّسَاءِ : 123 ] . 
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُجَازَوْنَ بِسَيِّئَاتِهِمْ فِي الدُّنيا ، وَتُدَّخَرُ لَهُمْ حَسَنَاتُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، فَيُوَفَّوْنَ أُجُورَهَا . 
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُعَجَّلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا ثَوَابُ حَسَنَاتِهِ ، وَتُدَّخَرُ لَهُ سَيِّئَاتُهُ ، فَيُعَاقَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَتَوْفِيَةُ الْأَعْمَالِ هِيَ تَوْفِيَةُ جَزَائِهَا مَنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، فَالشَّرُّ يُجَازَى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالْخَيْرُ تُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ مِنْهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا إِلَّا اللَّهُ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ الزُّمَرِ : 10 ] . 
وَقَوْلُهُ : " فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ مِنَ اللَّهِ فَضْلٌ مِنْهُ عَلَى عَبْدِهِ ، مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لَهُ ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ ابْنِ آدَمَ مِنَ اتِّبَاعِ هَوَى نَفْسِهِ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [ النِّسَاءِ : 79 ].
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إِلَّا رَبَّهُ ، وَلَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ تَوْفِيقَ عَبْدٍ وَهِدَايَتَهُ أَعَانَهُ وَوَفَّقَهُ لِطَاعَتِهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ ، وَإِذَا أَرَادَ خِذْلَانَ عَبْدٍ ، وَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، فَأَغْوَاهُ الشَّيْطَانُ لِغَفْلَتِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ، وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، وَكَانَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى الْعَبْدِ بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ ، وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ ، فَمَا بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ . 
فَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا : " فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " إِنْ كَانَ الْمُرَادُ : مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مَأْمُورًا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ عَلَى مَا وَجَدَهُ مِنْ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّذِي عَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ النَّحْلِ : 97 ] ، وَيَكُونُ مَأْمُورًا بِلَوْمِ نَفْسِهِ عَلَى مَا فَعَلَتْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي وَجَدَ عَاقِبَتَهَا فِي الدُّنْيَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ السَّجْدَةِ : 21 ].
فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَفِي " الْمُسْنَدِ " " وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ سَقَمٌ ، ثُمَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْهُ ، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عُمُرِهِ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ وَعُوفِيَ ، كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ وَأَطْلَقُوهُ ، لَا يَدْرِي لِمَ عَقَلُوهُ وَلَا لِمَ أَطْلَقُوهُ " . 
وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ : إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيُبْتَلَى ، فَيَكُونُ كَفَارَّةً لِمَا مَضَى وَمُسْتَعْتَبًا فِيمَا بَقِيَ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ يُبْتَلَى ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْبَعِيرِ أُطْلِقَ ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ أُطْلِقَ ، وَعُقِلَ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عُقِلَ ؟ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ وَجَدَ خَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ فِي الْآخِرَةِ ، كَانَ إِخْبَارًا مِنْهُ بِأَنَّ الَّذِينَ يَجِدُونَ الْخَيْرَ فِي الْآخِرَةِ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنَّ مَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ يَلُومُ نَفْسَهُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ اللَّوْمُ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ لَفْظَهُ لَفْظُ الْأَمْرِ ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرَ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَاذِبَ عَلَيْهِ يَتَبَوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ . 
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، فَقَالَ : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [ الْأَعْرَافِ : 43 ] وَقَالَ : وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ [ الزُّمَرِ : 74 ].
وَقَالَ: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فَاطِرٍ: 34 - 35]، وَأَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ النَّارِ أَنَّهُمْ يَلُومُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَمْقُتُونَهَا أَشَدَّ الْمَقْتِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إِبْرَاهِيمَ: 22].
وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [ غَافِرٍ : 10 ]. 
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَجْتَهِدُونَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ؛ حَذَرًا مِنْ لَوْمِ النَّفْسِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَعْمَالِ عَلَى التَّقْصِيرِ . 
وَفِي " التِّرْمِذِيِّ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ ، إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتُعْتِبَ " . 
وَقِيلَ لِمَسْرُوقٍ : لَوْ قَصَّرْتَ عَنْ بَعْضِ مَا تَصْنَعُ مِنَ الِاجْتِهَادِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ أَتَانِي آتٍ ، فَأَخْبَرَنِي أَنْ لَا يُعَذِّبَنِي ، لَاجْتَهَدْتُ فِي الْعِبَادَةِ ، قِيلَ : كَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَ : حَتَّى تَعْذِرَنِي نَفْسِي إِنْ دَخَلْتُ النَّارَ أَنْ لَا أَلُومَهَا ، أَمَا بَلَغَكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ؟ [ الْقِيَامَةِ : 2 ] إِنَّمَا لَامُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ صَارُوا إِلَى جَهَنَّمَ ، فَاعْتَنَقَتْهُمُ الزَّبَانِيَةُ ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ، وَانْقَطَعَتْ عَنْهُمُ الْأَمَانِيُّ ، وَرُفِعَتْ عَنْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَأَقْبَلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَلُومُ نَفْسَهُ . 
وَكَانَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قِيسٍ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَأَجْتَهِدَنَّ ثُمَّ وَاللَّهِ لَأَجْتَهِدَنَّ ، فَإِنْ نَجَوْتُ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ ، وَإِلَّا لَمْ أَلُمْ نَفْسِي . 
وَكَانَ زِيَادٌ مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ يَقُولُ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ : الْجِدَّ الْجِدَّ وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ ، فَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا نَرْجُو كَانَ مَا عَمِلْتُمَا فَضْلًا ، وَإِلَّا لَمْ تَلُومَا أَنْفُسَكُمَا . 
وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : اجْتَهَدُوا فِي الْعَمَلِ ، فَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَرْجُو مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ ، كَانَتْ لَنَا دَرَجَاتٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ شَدِيدًا كَمَا نَخَافُ وَنُحَاذِرُ ، لَمْ نَقُلْ : رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [ فَاطِرٍ: 37 ] ، نَقُولُ : قَدْ عَمِلْنَا فَلَمْ يَنْفَعْنَا ذَلِكَ ".
يتبع إن شاء الله...


وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48824
العمر : 71

وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Empty
مُساهمةموضوع: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ   وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Emptyالأربعاء 16 أبريل 2014, 5:33 am

الفَصْــــــــــــــــــــــــــلُ الــثَّــــــــــــــــالِثُ
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ... Z
قَوْلُ الحَقِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
قَــــــــــــــــــوْلُ مُحَمَّـــــــــــــــدٍ رَشِيد رِضَــــــــــــــــا فِي تَفْسِيرِهَـــــــــــــــا
الْفِسْــــــــــــقُ لُغَـــــــــــــةً
الفِسْقُ اصْطِلَاحَاً
أَنْوَاعُ الفِسْقِ " الْفِسْقُ فِسْقَان "
مَنْزِلَةُ الحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الإِسْلَامِ
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى 
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) ﴾  
قَــــــــــــــــــوْلُ مُحَمَّـــــــــــــــدٍ رَشِيد رِضَــــــــــــــــا فِي تَفْسِيرِهَـــــــــــــــا 
" أَيْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَارِجُونَ مِنْ حَظِيرَةِ الدِّينِ ، الَّذِينَ لَا يُعَدُّونَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ، أَوِ الْخَارِجُونَ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ ، الْمُتَجَاوِزُونَ لِأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ ". 
الْفِسْــــــــــــقُ لُغَـــــــــــــةً
" فسق : الْفِسْقُ : الْعِصْيَانُ وَالتَّرْكُ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْخُرُوجُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ . فَسَقَ يَفْسِقُ وَيَفْسُقُ فِسْقًا وَفُسُوقًا وَفَسُقَ ; الضَّمُّ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ أَيْ فَجَرَ ، قَالَ : رَوَاهُ عَنْهُ الْأَحْمَرُ ، قَالَ : وَلَمْ يَعْرِفِ الْكِسَائِيُّ الضَّمَّ ، وَقِيلَ : الْفُسُوقُ الْخُرُوجُ عَنِ الدِّينِ ، وَكَذَلِكَ الْمَيْلُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ كَمَا فَسَقَ إِبْلِيسُ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ، وَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَيْ جَارَ وَمَالَ عَنْ طَاعَتِهِ.
قَالَ الشَّاعِرُ : 
فَوَاسِقًا عَنْ أَمْرِهِ جَوَائِرَا
الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" خَرَجَ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا خَرَجَتِ الرُّطَبَةُ مِنْ قِشْرِهَا، قَدْ فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ مِنْ قِشْرِهَا ، وَكَأَنَّ الْفَأْرَةَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ فُوَيْسِقَةً لِخُرُوجِهَا مِنْ جُحْرِهَا عَلَى النَّاسِ ، وَالْفِسْقُ : الْخُرُوجُ عَنِ الْأَمْرِ ، وَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَيْ خَرَجَ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمُ اتَّخَمَ عَنِ الطَّعَامِ أَيْ عَنْ مَأْكَلِهِ.
الْأَزْهَرِيُّ: عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ قَالَ: عَنْ رَدِّهِ أَمْرَ رَبِّهِ ، نَحْوُ قَوْلِ الْعَرَبِ اتَّخَمَ عَنِ الطَّعَامِ أَيْ عَنْ أَكْلِهِ الطَّعَامَ ، فَلَمَّا رَدَّ هَذَا الْأَمْرَ فَسَقَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: 
وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى هَذَا لِأَنَّ الْفُسُوقَ مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ ، فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَيْ خَرَجَ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: 
لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي شِعْرِهِمْ فَاسِقٌ قَالَ : وَهَذَا عَجَبٌ ، وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ، وَحَكَى شَمِرٌ عَنْ قُطْرُبٍ : فَسَقَ فُلَانٌ فِي الدُّنْيَا فِسْقًا إِذَا اتَّسَعَ فِيهَا وَهَوَّنَ عَلَى نَفْسِهِ وَاتَّسَعَ بِرُكُوبِهِ لَهَا وَلَمْ يُضَيِّقْهَا عَلَيْهِ ، وَفَسَقَ فُلَانٌ مَالَهُ إِذَا أَهْلَكَهُ وَأَنْفَقَهُ ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ لَفِسْقٌ أَيْ خُرُوجٌ عَنِ الْحَقِّ . 
أَبُو الْهَيْثَمِ: 
وَقَدْ يَكُونُ الْفُسُوقُ شِرْكًا وَيَكُونُ إِثْمًا ، وَالْفِسْقُ فِي قَوْلِهِ: "أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ الذَّبْحُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ" أَيْ بِئْسَ الِاسْمُ أَنْ تَقُولَ لَهُ يَا يَهُودِيُّ وَيَا نَصْرَانِيُّ بَعْدَ أَنْ آمَنَ أَيْ لَا تُعَيِّرُوهُمْ بَعْدَ أَنْ آمَنُوا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَقَبٍ يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُخَاطِبَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ بِأَحَبِّ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ ; هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ ، وَرَجُلٌ فَاسِقٌ وَفِسِّيقٌ وَفُسَقٌ: دَائِمُ الْفِسْقِ ، وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ: يَا فُسَقُ وَيَا خُبَثُ ، وَلِلْأُنْثَى: يَا فَسَاقِ ، مِثْلُ قَطَامِ يُرِيدُ يَا أَيُّهَا الْفَاسِقُ ، وَيَا أَيُّهَا الْخَبِيثُ ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَا فُسَقُ الْخَبِيثُ فَيَنْعَتُونَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، وَفَسَّقَهُ: نَسَبَهُ إِلَى الْفِسْقِ ، وَالْفَوَاسِقُ مِنَ النِّسَاءِ: الْفَوَاجِرُ ، وَالْفُوَيْسِقَةُ: الْفَأْرَةُ . 
وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ سَمَّى الْفَأْرَةَ فُوَيْسِقَةً: تَصْغِيرُ فَاسِقَةٍ لِخُرُوجِهَا مِنْ جُحْرِهَا عَلَى النَّاسِ وَإِفْسَادِهَا . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: وَسُئِلَتْ عَنْ أَكْلِ الْغُرَابِ قَالَتْ: وَمَنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَاسِقٌ.
قَال الْخَطَّابِيُّ: 
أَرَادَ تَحْرِيمَ أَكْلِهَا بِتَفْسِيقِهَا ، وَفِي الْحَدِيثِ: "خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ"، قَالَ: أَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْجَوْرِ ، وَبِهِ سُمِّيَ الْعَاصِي فَاسِقًا ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِخُبْثِهِنَّ ، وَقِيلَ: لِخُرُوجِهِنَّ عَنِ الْحُرْمَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَيْ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ.
الْفِسْــــــــــــقُ اصْطِلَاحَــــــــــــاً
قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فِي اصْطِلَاحِ الفِسْقِ:
"فِسْقٌ" ، يَعْنِي : خُرُوجٌ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَطَاعَتِهِ ، إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ ".
جَـــــــــــاءَ فِي مِجَــــــــــــــلَّةِ البُحُــــــــــوثِ الإِسْلَامِيـــــــــــــــــــــــــَّةِ 
"  الخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ ، وَهُوَ فِي الإِصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ: الخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ ، أَوْ الإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ .
فَمَنْ قَارَفَ كَبِيرَةً وَلَوْ وَاحِدَة ، أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ ، أَوْ عَلَى صَغَائِرِ مُخْتَلِفَةٍ ، فَسُقَ وَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ ". 
أَنْوَاعُ الفِسْقِ " الْفِسْقُ فِسْقَان ":
قَــــــــــــــــوْلُ تَقِيِّ الـــــــــــــدِّينَ بِن تَيْمِـــــــــــــــــــــــيَةٍ فِـــــــــــــــي أَنْوَاعِ الفِسْــــــــــقِ
" قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : وَكَذَلِكَ " الْفِسْقُ فسقان " : فِسْقٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَفِسْقٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ فَيُسَمَّى الْكَافِرُ فَاسِقًا وَالْفَاسِقُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسِقًا ذَكَرَ اللَّهُ إبْلِيسَ فَقَالَ : ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ وَكَانَ ذَلِكَ الْفِسْقُ مِنْهُ كُفْرًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ﴾ يُرِيدُ الْكُفَّارَ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : ﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ وَسُمِّيَ الْفَاسِقُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسِقًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْإِسْلَامِ . 
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ فَقَالَتْ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْفُسُوقِ هَاهُنَا : هِيَ الْمَعَاصِي ".
قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد بِن أَبِي بَكْرٍ ( ابن قَيِّمٍ الجَوْزِيَّةِ) فِـــــــــــــــي أَنْوَاعِ الفِسْــــــــــقِ
" وَأَمَّا الْفُسُوقُ: 
فَهُوَ فِي كِتَاب اللَّهِ نَوْعَانِ: مُفْرَدٌ مُطْلَقٌ . وَمَقْرُونٌ بِالْعِصْيَانِ . 
وَالْمُفْرَدُ نَوْعَانِ أَيْضًا: 
فُسُوقُ كُفْرٍ ، يُخْرِجُ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَفُسُوقٌ لَا يُخْرِجُ عَنِ الْإِسْلَامِ ، فَالْمَقْرُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ . 
وَالْمُفْرَدُ الَّذِي هُوَ فُسُوقُ كُفْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ" الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ" وَقَوْلِهِ: "وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا الْآيَةَ"، فَهَذَا كُلُّهُ فَسُوقُ كُفْرٍ . 
وَأَمَّا الْفُسُوقُ الَّذِي لَا يُخْرِجُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ" الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ" الْآيَةَ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلَقِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ مُصَدِّقًا ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ بِمَقْدِمِهِ تَلَقَّوْهُ ، تَعْظِيمًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ ، فَهَابَهُمْ فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلَقِ مَنَعُوا صَدَقَاتِهِمْ ، وَأَرَادُوا قَتْلِي ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَمَّ أَنْ يَغْزُوَهُمْ ، فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَمِعْنَا بِرَسُولِكَ ، فَخَرَجْنَا نَتَلَقَّاهُ وَنُكْرِمُهُ ، وَنُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا قَبِلَنَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ ، فَبَدَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ ، فَخَشِينَا أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ كِتَابٌ جَاءَ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضَبْتَهُ عَلَيْنَا ، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضِبِ رَسُولِهِ ، فَاتَّهَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ خُفْيَةً فِي عَسْكَرٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْفِيَ عَلَيْهِمْ قُدُومَهُ ، وَقَالَ لَهُ : انْظُرْ ، فَإِنْ رَأَيْتَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِمْ فَخُذْ مِنْهُمْ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ تَرَ ذَلِكَ فَاسْتَعْمِلْ فِيهِمْ مَا تَسْتَعْمِلُ فِي الْكُفَّارِ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ خَالِدٌ ، وَوَافَاهُمْ ، فَسَمِعَ مِنْهُمْ أَذَانَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ ، وَلَمْ يُرَ مِنْهُمْ إِلَّا الطَّاعَةَ وَالْخَيْرَ ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَنَزَلَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا الْآيَةَ . 
وَالنَّبَأُ هُوَ الْخَبَرُ الْغَائِبُ عَنِ الْمُخْبَرِ إِذَا كَانَ لَهُ شَأْنٌ ، وَالتَّبَيُّنُ طَلَبُ بَيَانِ حَقِيقَتِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِهَا عِلْمًا . 
وَهَاهُنَا فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ ، وَهِيَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَتَكْذِيبِهِ وَرَدِّ شَهَادَتِهِ جُمْلَةً ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ ، فَإِنْ قَامَتْ قَرَائِنُ وَأَدِلَّةٌ مِنْ خَارِجٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ عُمِلَ بِدَلِيلِ الصِّدْقِ ، وَلَوْ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ أَخْبَرَ ، فَهَكَذَا يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ فِي رِوَايَةِ الْفَاسِقِ وَشَهَادَتِهِ ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفَاسِقِينَ يَصْدُقُونَ فِي أَخْبَارِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَشَهَادَاتِهِمْ ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ غَايَةَ التَّحَرِّي ، وَفِسْقُهُ مِنْ جِهَاتٍ أُخَرَ ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُرَدُّ خَبَرُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ ، وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ مِثْلِ هَذَا وَرِوَايَتُهُ لَتَعَطَّلَتْ أَكْثَرُ الْحُقُوقِ ، وَبَطَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ، وَلَاسِيَّمَا مَنْ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ وَالرَّأْيِ ، وَهُوَ مُتَحَرٍّ لِلصِّدْقِ ، فَهَذَا لَا يُرَدُّ خَبَرُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ . 
وَأَمَّا مَنْ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْكَذِبِ فَإِنْ كَثُرَ مِنْهُ وَتَكَرَّرَ ، بِحَيْثُ يَغْلِبُ كَذِبُهُ عَلَى صِدْقِهِ ، فَهَذَا لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ نَدُرَ مِنْهُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ ، فَفِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَخَبَرِهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ . 
وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ الْفُسُوقِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ إِلَى الْكُفْرِ . 
وَالْفُسُوقُ الَّذِي تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ أَعَمُّ مِنَ الْفُسُوقِ الَّذِي تُرَدُّ بِهِ الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ . 
وَكَلَامُنَا الْآنَ فِيمَا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ ، وَهُوَ قِسْمَانِ: فِسْقٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ ، وَفِسْقٌ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ . 
فَفِسْقُ الْعَمَلِ نَوْعَانِ: مَقْرُونٌ بِالْعِصْيَانِ وَمُفْرَدٌ . 
فَالْمَقْرُونَ بِالْعِصْيَانِ: هُوَ ارْتِكَابُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
وَالْعِصْيَانُ: هُوَ عِصْيَانُ أَمْرِهِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي.
وَقَالَ الشَّاعِرُ: 
أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي فَأَصْبَحْتَ مَسْلُوبَ الْإِمَارَةِ نَادِمًا
فَالْفِسْقُ أَخَصُّ بِارْتِكَابِ النَّهْيِ ، وَلِهَذَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيرًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَالْمَعْصِيَةُ أَخَصُّ بِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَيُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فَسَمَّى مُخَالَفَتَهُ لِلْأَمْرِ فِسْقًا ، وَقَالَ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى فَسَمَّى ارْتِكَابَهُ لِلنَّهْيِ مَعْصِيَةً ، فَهَذَا عِنْدَ الْإِفْرَادِ ، فَإِذَا اقْتَرَنَا كَانَ أَحَدُهُمَا لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ ، وَالْآخَرُ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ . 
وَالتَّقْوَى اتِّقَاءُ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ ، وَبِتَحْقِيقِهَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنَ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ ، بِأَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ ، يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ ، وَيَتْرُكُ مَعْصِيَةَ اللَّهِ ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ ، يَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ . 
وَفِسْقُ الِاعْتِقَادِ كَفِسْقِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَيُوجِبُونَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ ، وَلَكِنْ يَنْفُونَ كَثِيرًا مِمَّا أَثْبَتَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، جَهْلًا وَتَأْوِيلًا ، وَتَقْلِيدًا لِلشُّيُوخِ ، وَيُثْبِتُونَ مَا لَمْ يُثْبِتْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَذَلِكَ . 
وَهَؤُلَاءِ كَالْخَوَارِجِ الْمَارِقَةِ ، وَكَثِيرٍ مِنَ الرَّوَافِضِ ، وَالْقَدَرِيَّةِ ، وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا غُلَاةً فِي التَّجَهُّمِ . 
وَأَمَّا غَالِيَّةُ الْجَهْمِيَّةِ فَكَغُلَاةِ الرَّافِضَةِ ، لَيْسَ لِلطَّائِفَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ . 
وَلِذَلِكَ أَخْرَجَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً ، وَقَالُوا : هُمْ مُبَايِنُونَ لِلْمِلَّةِ .".
التَّوْبَـــــــــــــــــــةُ مِــــــــــــنْ فِسْــــــــــــــــقِ الاعْتِقَــــــــــــــــــادِ 
" فَالتَّوْبَةُ مِنْ هَذَا الْفُسُوقِ: بِإِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَرَسُولُهُ ، مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ ، وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا نَزَّهُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَنَزَّهَهُ عَنْهُ رَسُولُهُ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ ، وَتَلَقِّي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مِنْ مِشْكَاةِ الْوَحْيِ ، لَا مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ وَنَتَائِجِ أَفْكَارِهِمُ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ . 
فَتَوْبَةُ هَؤُلَاءِ الْفُسَّاقِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ بِمَحْضِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ ، وَلَا يُكْتَفَى مِنْهُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا حَتَّى يُبَيِّنُوا فَسَادَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْبِدْعَةِ ، إِذِ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ هِيَ بِفِعْلِ ضِدِّهِ ، وَلِهَذَا شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَوْبَةِ الْكَاتِمِينَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الْبَيَانَ ، لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ لَمَّا كَانَ بِالْكِتْمَانِ ، كَانَتْ تَوْبَتُهُمْ مِنْهُ بِالْبَيَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" وَذَنْبُ الْمُبْتَدِعِ فَوْقَ ذَنْبِ الْكَاتِمِ ، لِأَنَّ ذَاكَ كَتَمَ الْحَقَّ ، وَهَذَا كَتَمَهُ وَدَعَا إِلَّا خِلَافِهِ ، فَكُلُّ مُبْتَدِعٍ كَاتِمٌ وَلَا يَنْعَكِسُ ".
 مَنْزِلَةُ الحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الإِسْلَامِ:
قَوْلُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بِن صَالِحٍ العُثَيمِين 
"إن الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية ؛ لأنه تنفيذٌ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه ، لهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم فقال سبحانه : ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)﴾ ، فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جُعلوا مشرِّعين مع الله تعالى ، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى .
وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يعبدوهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلى ، إنهم حرموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم) .
إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان وآيات بكفره وظلمه وفسقه .
أما القسم الأول [يعني الآيات التي وردت بنفي الإيمان عنه]:
فمثل قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( 65) ﴾.
فوصف الله تعالى هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات: 
الأولى: أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت ؛ وهو كل ما خالف حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن من خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حُكْمِ مَنْ له الحكم وإليه يرجع الأمر كله ، وهو الله ، قال الله تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ﴾ . 
الثانية: أنهم إذا دُعُوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا .
الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم ، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق ، كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر .
ثم حذر سبحانه هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه سبحانه يعلم ما في قلوبهم وما يكنون من أمور تخالف ما يقولون ، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً . 
ثم بين الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم . 
ثم أقسم تعالى بربوبيتة لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته صلى الله عليه وسلم أقسم بها مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور:
الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه ، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه .
الثالث: أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف .
وأما القسم الثاني [يعني الآيات التي وردت بكفره وظلمه وفسقه] :
فمثل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) ﴾، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) ﴾ ، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) ﴾. وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد ؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق ؟ لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق ، فقال تعالى: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) ﴾ ، فكل كافر ظالم فاسق ، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله ؟ هذا هو الأقرب عندي ، والله أعلم .
فنقول : من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به ، أو احتقاراً له ، أو اعتقاداً أن غيره أصلح ، وأنفع للخلق ، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فَضْلَ ما عَدَلَ إليه ، ونَقَصَ ما عدلَ عنه .
ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به ، ولم يحتقره ، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه ، وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك ، فهذا ظالم وليس بكافر ، وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم . 
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله ولا احتقاراً ولا اعتقاداً أن غيره أصلح وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له ، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عَرَض الدنيا ، فهذا فاسق وليس بكافر ، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم يبدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ، ويعتقدون تحليل ما حرم وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم ، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل . فهذا كفر ، وقد جعله الله ورسوله شركاً .
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال – كذا العبارة المنقولة عنه – ثابتاً ، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي ، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب".
خـَـــــــــــــــاتِــــــــــــــــــــــمَةُ الكِتَـــــــــــــــــــــــــــابِ
تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ وَ فَضْلِهِ ، وَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةِ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، وَ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنِي وَ يَنْفَعَ المُسْلِمِينَ بِهِ ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، هُوَ نِعْمَ المَوْلَى ، وَ هُوَ نِعْمَ النَّصِيرِ ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المَرَاجِعُ:
مفردات ألفاظ القرآن  
أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب 
التعريفات 
علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني 
مسند أبي داود الطيالسي 
سليمان بن داود بن الجارود
حلية الأولياء و طبقات الأصفياء  
أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء
محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية أبو عبد الله
تفسير البغوي  
الحسين بن مسعود البغوي 
تفسير القرآن العظيم       
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي 
صحيح مسلم  
أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري
جامع العلوم والحكم  
زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن
تفسير المنار
محمد رشيد رضا  
تفسير الطبري  
محمد بن جرير الطبري 
مجلة البحوث الإسلامية 
لرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء
مجموع فتاوى ابن تيمية
تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني 
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 
محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية 
فتاوى العقيدة 
محمد بن صالح العثيمين
إسم المؤلف: 
إبتهاج حجازي بدوي سالم غبور 
جمهورية مصر العربية 
محافظة الدقهلية 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ...
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: العـقـيـــــــــــدة الإســـــــلامـيـــــــــــــة :: كتابات في العقيدة-
انتقل الى: