الفَصْــــــــــــــــــــــــــلُ الــثَّانِـــــــــــــــــــــــيُ
قَوْلُ الحَقِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ لُغَةً
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ اصْطِلَاحَاً
أَنْوَاعُ الظُّلْمِ
حُرْمَــــــــــةُ الظُّلْـــمِ فِي القُرْآَنِ وَ السُّـــــنَّةِ وَ عَاقِـــــبَتُهُ
﴿وَمَــــــــن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُــونَ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمـــــــــــــــــــنِ الرَّحِيمِ
﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُــونَ (45)﴾
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا:
" لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيهِ ، فَخَالَفُوا وَظَلَمُوا ، وَتَعَدَّى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ".
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ لُغَةً:
" ظلم : الظُّلْمُ : وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .
وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ فِي الشَّبَهِ :
مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ ; قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : مَا ظَلَمَ أَيْ مَا وَضَعَ الشَّبَهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .
وَفِي الْمَثَلِ :
مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ فَقَدْ ظَلَمَ .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْلٍ :
لَزِمُوا الطَّرِيقَ فَلَمْ يَظْلِمُوهُ أَيْ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْهُ ; يُقَالُ : أَخَذَ فِي طَرِيقٍ فَمَا ظَلَمَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا ; وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَكَمَا الْأَمْرَ فَمَا ظَلَمَاهُ أَيْ لَمْ يَعْدِلَا عَنْهُ ; وَأَصْلُ الظُّلْمِ الْجَوْرُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْوُضُوءِ : فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ أَيْ أَسَاءَ الْأَدَبَ بِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَالتَّأَدُّبَ بِأَدَبِ الشَّرْعِ ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ بِمَا نَقَصَهَا مِنَ الثَّوَابِ بِتَرْدَادِ الْمَرَّاتِ فِي الْوُضُوءِ .
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ; قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: لَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَلْمَانَ، وَتَأَوَّلُوا فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
وَالظُّلْمُ : الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : الْزَمْ هَذَا الصَّوْبَ وَلَا تَظْلِمْ عَنْهُ أَيْ لَا تَجُرْ عَنْهُ .
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الرَّزَّاقُ الْمُنْعِمُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَإِذَا أُشْرِكَ بِهِ غَيْرُهُ فَذَلِكَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ ، لِأَنَّهُ جَعَلَ النِّعْمَةَ لِغَيْرِ رَبِّهَا .
يُقَالُ : ظَلَمَهُ يَظْلِمُهُ ظَلْمًا وَظُلْمًا وَمَظْلِمَةً ، فَالظَّلْمُ مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ ، وَالظُّلْمُ الِاسْمُ يَقُومُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ ، وَهُوَ ظَالِمٌ وَظَلُومٌ.
قَالَ ضَيْغَمٌ الْأَسَدِيُّ :
إِذَا هُوَ لَمْ يَخَفْنِي فِي ابْنِ عَمِّي وَإِنْ لَمْ أَلْقَهُ الرَّجُلُ الظَّلُومُ".
تَعْرِيفُ الظُّلْمِ اصْطِلَاحَاً:
قَالَ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ " وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه ".
قَالَ الجِرْجَانِيُّ " التَّعَدِّي عَنْ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ وَهُوَ الجَوْرُ. وَقِيلَ: هُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الغَيْرِ ، وَمُجَاوَزَةُ الحَدِّ ".
أَنْوَاعُ الظُّلْمِ:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ، فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ الله، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ، وَظُلْمٌ لا يَتْرُكُهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ الله فَالشِّرْكُ، قَالَ الله: ﴿ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ فَظُلْمُ العِباَدِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَتْرُكُهُ الله فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى يُدَبِّرُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ".
قَوْلُ الإِمَامِ تَقِيِّ الدِّين بن تَيْمِيَةٍ فِي أَنْوَاعِ الظُّلْمِ:
" فَالظُّلْمُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " : فَالظُّلْمُ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ لَا شَفَاعَةَ فِيهِ .
وَظُلْمُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ ; لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَظْلُومِ لَا بِشَفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَلَكِنْ قَدْ يُعْطَى الْمَظْلُومُ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا قَدْ يُغْفَرُ لِظَالِمِ نَفْسِهِ بِالشَّفَاعَةِ . فَالظَّالِمُ الْمُطْلَقُ مَا لَهُ مِنْ شَفِيعٍ مُطَاعٍ وَأَمَّا الْمُوَحِّدُ فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مُوَحِّدٌ مَعَ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ .
وَهَذَا إنَّمَا نَفَعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إخْلَاصُهُ لِلَّهِ فَبِهِ صَارَ مِنْ أَهْل الشَّفَاعَةِ .
وَمَقْصُودُ الْقُرْآنِ يَنْفِي الشَّفَاعَةَ نَفْيَ الشِّرْكِ وَهُوَ : أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ وَلَا يَدْعُو غَيْرَهُ وَلَا يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَلَا يَتَوَكَّلُ عَلَى غَيْرِهِ لَا فِي شَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهَا; فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى أَحَدٍ فِي أَنْ يَرْزُقَهُ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ بِأَسْبَابِ.
كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ فِي أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَيَرْحَمَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ وَيَرْحَمُهُ بِأَسْبَابِ مِنْ شَفَاعَةٍ وَغَيْرِهَا فَالشَّفَاعَةُ الَّتِي نَفَاهَا الْقُرْآنُ مُطْلَقًا ; مَا كَانَ فِيهَا شِرْكٌ وَتِلْكَ مُنْتَفِيَةٌ مُطْلَقًا ; وَلِهَذَا أَثْبَتَ الشَّفَاعَةَ بِإِذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ وَتِلْكَ قَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَهِيَ مِنْ التَّوْحِيدِ ، وَمُسْتَحِقُّهَا أَهْلُ التَّوْحِيدِ .
وَأَمَّا " الظُّلْمُ الْمُقَيَّدُ " فَقَدْ يَخْتَصُّ بِظُلْمِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَظُلْمِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا كَقَوْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَوَّاءَ : ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ﴾ .
وَقَوْلِ مُوسَى : ﴿ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ .
وقَوْله تَعَالَى ﴿ وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾ .
لَكِنَّ قَوْلَ آدَمَ وَمُوسَى إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ لَا عُمُومَ فِيهِ وَذَلِكَ قَدْ عُرِفَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ﴿ وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ يَعُمُّ كُلَّ مَا فِيهِ ظُلْمُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ ; وَهُوَ إذَا أَشْرَكَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظُلْمَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ .
فَهَذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ مَقْرُونٌ بِغَيْرِهِ ; فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ; أَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ : ﴿ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ .
وَاَلَّذِينَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ظَنُّوا : أَنَّ الظُّلْمَ الْمَشْرُوطَ هُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ; فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَا دَلَّهُمْ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يُلْبِسْ إيمَانَهُ بِهَذَا الظُّلْمِ ; وَمَنْ لَمْ يُلْبِسْ إيمَانَهُ بِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ .
كَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاصْطِفَاءِ فِي قَوْلِهِ : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾ .
وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يُؤَاخَذَ أَحَدُهُمْ بِظُلْمِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتُبْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ .
وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ .
وَقَدْ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا ؟ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْت تَنْصَبُ أَلَسْت تَحْزَنُ أَلَسْت تُصِيبُك اللَّأْوَاءُ ؟ فَذَلِكَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ " فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي إذَا تَابَ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَدْ يُجْزَى بِسَيِّئَاتِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْمَصَائِبِ الَّتِي تُصِيبُهُ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيَاحُ تُقَوِّمُهَا تَارَةً وَتُمِيلُهَا أُخْرَى وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ لَا تَزَالُ ثَابِتَةً عَلَى أَصْلِهَا حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً " .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةِ يشاكها إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قُلْت " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ; يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ; خُفِّفَ عَنْهُ وَلَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " رَوَاهُ أَحْمَد والترمذي وَغَيْرُهُمَا .
وَقَالَ : " الْمَرَضُ حِطَّةٌ يَحُطُّ الْخَطَايَا عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ وَرَقَهَا " وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ .
فَمَنْ سَلِمَ مِنْ أَجْنَاسِ الظُّلْمِ الثَّلَاثَةِ ; كَانَ لَهُ الْأَمْنُ التَّامُّ وَالِاهْتِدَاءُ التَّامُّ .
وَمَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ ظُلْمِهِ نَفْسَهُ ; كَانَ لَهُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ كَمَا وَعَدَ بِذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ هَدَاهُ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي تَكُونُ عَاقِبَتُهُ فِيهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ نَقْصِ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِحَسَبِ مَا نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ بِظُلْمِهِ نَفْسَهُ .
وَلَيْسَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ " إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ " أَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ يَكُونُ لَهُ الْأَمْنُ التَّامُّ وَالِاهْتِدَاءُ التَّامُّ .
فَإِنَّ أَحَادِيثَهُ الْكَثِيرَةَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مُعَرَّضُونَ لِلْخَوْفِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الْأَمْنُ التَّامُّ وَلَا الِاهْتِدَاءُ التَّامُّ الَّذِي يَكُونُونَ بِهِ مُهْتَدِينَ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ غَيْرِ عَذَابٍ يَحْصُلُ لَهُمْ ; بَلْ مَعَهُمْ أَصْلُ الِاهْتِدَاءِ إلَى هَذَا الصِّرَاطِ وَمَعَهُمْ أَصْلُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ " إنْ أَرَادَ بِهِ الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ فَمَقْصُودُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ آمِنٌ مِمَّا وُعِدَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مُهْتَدٍ إلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ جِنْسَ الشِّرْكِ ; فَيُقَالُ : ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ كَبُخْلِهِ - لِحُبِّ الْمَالِ - بِبَعْضِ الْوَاجِبِ هُوَ شِرْكٌ أَصْغَرُ ، وَحُبُّهُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ حَتَّى يَكُونَ يُقَدِّمُ هَوَاهُ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ شِرْكٌ أَصْغَرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
فَهَذَا صَاحِبُهُ قَدْ فَاتَهُ مِنْ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِحَسَبِهِ وَلِهَذَا كَانَ
1) الظُّلْمُ المُطْلَقُ ( الَّذِي هُوَ شِرْكٌ بِاللهِ )
قَوْلُ بِن قَيِّمٍ الجَوْزِيَّةِ فِي الظُّلْمِ المُطْلَقُ ( الَّذِي هُوَ شِرْكٌ بِاللهِ ):
" فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْقَصْدَ بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ : أَنْ يُعْرَفَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَيُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكَ بِهِ ، وَأَنْ يَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [ الْحَدِيدِ : 25 ] .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْقِسْطِ التَّوْحِيدُ ، وَهُوَ رَأْسُ الْعَدْلِ وَقِوَامُهُ ، وَإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، فَالشِّرْكُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ ، وَالتَّوْحِيدُ أَعْدَلُ الْعَدْلِ ، فَمَا كَانَ أَشَدَّ مُنَافَاةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، وَتَفَاوُتُهَا فِي دَرَجَاتِهَا بِحَسَبِ مُنَافَاتِهَا لَهُ ، وَمَا كَانَ أَشَدَّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْرَضُ الطَّاعَاتِ .
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْأَصْلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، وَاعْتَبِرْ تَفَاصِيلَهُ تَعْرِفْ بِهِ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ، وَأَعْلَمِ الْعَالِمِينَ فِيمَا فَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ ، وَتَفَاوُتَ مَرَاتِبِ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي .
فَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ مُنَافِيًا بِالذَّاتِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ كَانَ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ ، وَأَبَاحَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ عَبِيدًا لَهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْقِيَامَ بِعُبُودِيَّتِهِ ، وَأَبَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا أَوْ يَقْبَلَ فِيهِ شَفَاعَةً أَوْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ دَعْوَةً ، أَوْ يُقِيلَ لَهُ عَثْرَةً ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ بِاللَّهِ ، حَيْثُ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نِدًّا ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ بِهِ ، كَمَا أَنَّهُ غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَظْلِمْ رَبَّهُ وَإِنَّمَا ظَلَمَ نَفْسَهُ " .
قَالَ حَافِظٌ بِن أَحْمَدٍ الحَكَمِيِّ فِي الظُّلْمِ المُطْلَقُ ( الَّذِي هُوَ شِرْكٌ بِاللهِ )
" قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ( لُقْمَانَ : 13 ) فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ لِأَنَّ الظُّلْمَ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَلَا أَعْظَمَ ظُلْمًا مِنْ شِكَايَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ الَّذِي هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ ضُرٍّ أَوْ فَاتَهُ مِنْ خَيْرٍ إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُهُ وَلَا يَسْمَعُهُ وَلَا يُبْصِرُهُ وَلَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِدَاعِيهِ مِنْ ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا حَيَاةٍ وَلَا نُشُورٍ ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَعُدُولُهُ عَمَّنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ، وَيَفْزَعُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ إِلَى مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ الْبَتَّةَ ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ ( فَاطِرٍ : 13 - 14 ).
وَصَرْفُهُ عِبَادَةَ خَالِقِهِ - الَّذِي خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَرَبَّاهُ بِنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَحَفِظَهُ وَكَلَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَحَمَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَخَاوِفِ وَالْأَخْطَارِ - لِمَخْلُوقٍ مِثْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ، بَلْ هُوَ مُسَخَّرٌ مُدَبَّرٌ مَرْبُوبٌ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ ، لَا يُبْدِي حَرَاكًا وَلَا يَنْفَكُّ مِنْ قَبْضَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلْ هُوَ خَلْقُهُ وَمِلْكُهُ مَخْلُوقٌ لِعِبَادَتِهِ فَيَرْفَعُهُ مِنْ دَرَجَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّأَلُّهِ إِلَى جَعْلِهِ مَأْلُوهًا مَعْبُودًا : ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ ( الرُّومِ : 28 ) الْآيَةَ .
هَذَا وَاللَّهِ أَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَقْبَحُ الْجَهْلِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، وَلِذَا لَمْ تَدْعُ الرُّسُلُ إِلَى شَيْءٍ قَبْلَ التَّوْحِيدِ ، وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ التَّنْدِيدِ ، وَلَمْ يَتَوَعَّدِ اللَّهُ عَلَى ذَنَبٍ أَكْبَرَ مِمَّا جَاءَ عَلَى الشِّرْكِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " . وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ قَرِيبًا مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ الْمُوَحِّدِينَ وَتُدْحَضُ شُبْهَةُ الْمُعَانِدِينَ ، وَيُدْمَغُ بَاطِلُ الْمُلْحِدِينَ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ ".
وَ قَدْ دَلَّتْ مَوَاضِعُ عَدِيدَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ بِاللهِ ظُلْمٌ ، وَ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الكُفْرَ بِاللهِ ظُلْمٌ ، وَ مِنْ ذَلِكَ :-
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ( 106 ) ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ( 27 ) ﴾
قَالَ مُحَمَّدٌ بِن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا:
" يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ نَفْسَهُ الْمُشْرِكُ بِرَبِّهِ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْبِ اللَّهِ ، وَأَوْبَقَ نَفْسَهُ بِالْكُفْرِ بِهِ فِي طَاعَةِ خَلِيلِهِ الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيلِ رَبِّهِ ، يَقُولُ : يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) .
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ : ( الظَّالِمُ ) وَبِقَوْلِهِ : ( فُلَانًا ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَنِيَ بِالظَّالِمِ : عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ، طَلَبًا مِنْهُ لِرِضَا أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ ، وَقَالُوا : فُلَانًا هُوَ أُبَيٌّ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنِي الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَحْضُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَنَزَلَ : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) . . إِلَى قَوْلِهِ ( خَذُولًا ) قَالَ : ( الظَّالِمُ ) : عُقْبَةُ ، وَفُلَانًا خَلِيلًا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ " .
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( 13 ) ﴾ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ قَوْلَهُ - تَعَالَى - ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ (82 ) ﴾ بِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ .
حُرْمَــــــــــةُ الظُّلْـــمِ فِي القُرْآَنِ وَ السُّـــــنَّةِ وَ عَاقِبَتُهُ:
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ( 19) ﴾
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
" ( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ) أَيْ : يُشْرِكْ بِاللَّهِ ، ( نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ) " .
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) ﴾
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
" وَقَوْلُهُ : ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) أَيْ : لَيْسَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهُمْ يَنْفَعُهُمْ ، وَلَا شَفِيعٍ يُشَفَّعُ فِيهِمْ ، بَلْ قَدْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ ".
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (71) ﴾
قَوْلُ الحُسَين بِن مَسْعُودٍ البَغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
" ( وَمَا لِلظَّالِمِينَ ) لِلْمُشْرِكِينَ ، ( مِنْ نَصِيرٍ ) مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ".
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ﴾
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ﴾.
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾.
قَوْلُ إِسْمَاعِيلٍ بِن عُمَرٍ بِن كَثِيرٍ القُرَشِيِّ الدِّمَشْقِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا
" وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ ) مَعْذِرَتُهُمْ ) أَيْ : لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ وَلَا فِدْيَةٌ ".
يَقُــــــــــــــولُ الحَــــــــــــــــــــقُّ تَبَـــــــــــــــــارَكَ وَ تَعَالَى
بِسْــــــــــــــــــــــــــــمِ اللهِ الرَّحْمــــــــــــــــــــــــنِ الرَّحِيــــــــــــــــــــــــمِ
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ ، وَرَوَي مُسْلِمٌ بَعْضَهُ .
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الْأَرْضَ فَإِنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ سورة هود آية 102 . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِذَا أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٍ خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ " . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
يتبع إن شاء الله....