منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي المنتدى)
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه)

(فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 تفســير ســورة الكهـــف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

تفســير ســورة الكهـــف Empty
مُساهمةموضوع: تفســير ســورة الكهـــف   تفســير ســورة الكهـــف Emptyالثلاثاء 01 أبريل 2014, 1:09 am

تفسير سورة الكهف 
تفســير ســورة الكهـــف 01_bmp10
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
شرح الكلمات :
{ الحمد لله } : الحمد الوصف بالجميل ، والله علم على ذات الرب تعالى .
{ الكتاب } : القرآن الكريم .
{ ولم يجعل لع عوجاً } : اي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانيه .
{ قيما } : أي ذا اعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط في كل ما حواه ودعا إليه من التوحيد والعبادة والآداب والشرائع والأحكام .
{ بأساً شديداً } : عذاباً ذا شدة وقسوة وسوء عذاب في الآخرة .
{ من لدنه } : من عنده سبحانه وتعالى .
{ أجرأ حسناً } : أي الجنة إذ هي أجر المؤمنين العاملين بالصالحات .
{ غن يقولون الا كذباً } : أي ما يقولون الا كذباً بحتاً لا واقع له من الخارج .
{ باخع نفسك } : قاتل نفسك كالمنتحر .
{ بهذا الحديث أسفاً } : أي بالقرآن من أجل الأسف الذي هو الحزن الشديد .
معنى الآيات :
أخبر تعالى في فاتحة سورة الكهف بانه المستحق للحمد ، وأن الحمد لله وذكر موجب ذلك ، وهو إنزاله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الفخم العظيم وهو القرآن العظيم الكريم فقال : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } وقوله تعالى ، { ولم يجعل له عوجاً } أي ولم يجعل لذلك الكتاب العظيم عوجاً أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانية فهو كلام مستقيم محقق للآخذ به كل الكتب السابقة مهيمناً عليها الحق فيها ما احقه والباطل وما أبطله .
وقوله { لينذر بأساً شديداً من لدنه } أي انزل الكتاب الخالي من العوج القيم من أجل أن ينذر الظالمين من اهل الشرك والمعاصي عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة ينزل بهم عن ربهم الذين كفروا به وأشركوا وعصوه وكذبوا رسوله وعصوه . 
ومن أجل ان يبشر بواسطته أيضاً { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي يخبرهم بما يسرهم ويفرح قلوبهم وهو أن لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وقوله تعالى : { لينذر } بصورة خاصة أولئك المتقولين على الله المفترين عليه بنستهم الولد اليه فقالوا : { اتخذ الله ولداً } وهو اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب الذين قالوا ان الملائكة بنات الله! 
هذا ما دل عليه قوله تعالى : { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً } وهو قول توارثوه لا علم لأحد منهم ، وإنما هو مجرد كذب يتناقلونه بينهم لذا قبح الله قولهم هذا وعجب نته القعلاء ، فقال : { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } أي عظم قولهم { اتخذ الله ولداً } كلمة قالوها تخرج من أفواههم لا غير اذ لا واقع لها أبداً ، وقرر الانكار عليهم فقال : { إن يقولون الا كذباً } أي ما يقولون الا الكذب البحت الذي لا يعتمد على شيء من الصحة البتة . 
وقوله { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفاً } يعاتب الله تعالى رسوله ويخفف عنه ما يجده في نفسه من الحزن على عدم إيمانه قومه واشتدادهم ي الكفر والتكذيب وما يقترحونه عليه من الآيات أي فلعلك يا رسولنا قاتل نفسك على إثر تفعل واصبر لحكم ربك فإنه منجز وعده لك بالنصر على قومك المكذبين لك .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب حمد الله تعالى على آلائه وعظيم نعمه .
2- لا يحمد إلا من له يقتضي حمده ، وإلا كان المدح كذباً وزوراً .
3- عظيم شأن القرآن الكريم وسلامته من الافراط والتفريط والانحراف في كل ما جاء به .
4- بيان مهمة القرآن وهي البشارة لأهل الإيمان والإنذار لأهل الشرك والكفران .
5- التنديد بالكذب على الله ونسبة ما لا يليق بجلاله وكماله إليه كالولد ونحوه .
6- تحريم الانتحار وقتل النفس من الحزن أو الخوف ونحوه من الغضب والحرمان .
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
شرح الكلمات :
{ صعيداً جزراً } : أي تراباً لا نبات فيه ، فالصعيد هو التراب والجزر الذي لا نبات فيه .
{ الكهف } : النقب الواسع في الجبل والضيق منه يقال له « غار » .
{ والرقيم } : لوح حجري رقمت فيه أسماء أصحاب الكهف .
{ أوى الفتية الى الكهف } : اتخذوه مأوى لهم ومنزلاً نزلوا فيه .
{ الفتية } : جمع فتى وهم شبان مؤمنون .
{ هيئ لنا من أمرنا رشداً } : أي ييسر لنا طريق رشد وهدايته .
{ فضربنا على آذانهم } : أي ضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات .
{ سنين عدداً } : أي اعواماً عدة .
{ ثم بعثناهم } : أي من نومهم بمعنى أيقظناهم .
{ أحصى لما لبثوا } : أي أضبط لأوقات بعثهم في الكهف .
{ أمداً } : أي مدة محدودية معلومة .
معنى الآيات: 
قوله تعالى : { إنا جعلنا ما على الارض زينة لها } من حيوان وأشجار ونبات وأنهار وبحار ، وقوله { لنبلوهم } أي لنختبرهم { أيهم أحين عملاً } اي أيهم اترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا وقوله : { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } أي وإنا لمخربوها في يوم ، من الأيام بعد عمارتها ونضارتها وزينتها نجعلها { صعيداً جرزاً } أي تراباً لا نبات فيه ، إذا فلا تحزن با رسولنا ولا تغتم مما تلاقيه من قومك فإن مآل الحياة من أجلها عادوك وعصوننا الى أن تصبح صعيداً جزراً . 
وقوله تعالى : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } أي أظننت أيها النبي أن أصحاب الكهف أي الغار في الكهف والرقيم وهو اللوح الذي كتبت عليه ورقم أصحاب الكهف وأنسابهم وقصتهم { كانوا من آياتنا عجباً } أي كان أعجب من آياتنا في خلق المخلوقات ، السموات والأرض بل من مخلوقات الله ما هو أعجب بكثير . 
وقوله : { إذ أوى الفتية إلى الكهف } هذا شروع في ذكر قصتهم العجيبة ، أي اذكر للسائلين لك عن قصة هؤلاء الفتية ، إذا أووا الى الغار في الكهف فنزلوا فيه ، واتخذوه مأوى لهم ومنزلاً هروباً من قومهم الكفار أن يفتوهم في دينهم وهم سبعة شبان ومعهم كلب لهم فقالوا سائلين ربهم : { ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشدا } أي أعطنا من عندك رحمة تصبحنا في هجرتنا هذه للشرك والمشركين { وهيء لنا من أمرنا رشدا } أي ويسر لنا من أمرنا في فرارنا من ديار المشركين خوفاً على ديننا { رشداً } أي سداداً وصلاحاً ونجاة من أهل الكفر والباطل ، قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآيات وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية الى الكهف الذي ذكر الله في كتابه فقال بعضهم : كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى وكان لهم ملك عابد وثن دعاهم الى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم او يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف.
وقوله تعالى : { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً } اي فضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات فناموا في كهفهم سنين معدودة أي ثلاثمائة وتسع سنين ، وكانوا يتقلبون بلطف الله وتدبيره هم من جنب الى جنب حتى بعثهم من نومهم وهذا استجابة الله تعالى لهم إذ دعوه قائلين : { ربنا آتنا من لدنك رحمة } وقوله تعالى : { ثم بعثناهم } أي من نومهم ورقادهم { لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا } أي في الكهف { أمداً } أي لنعلم علم مشاهدة ولينظر عبادي فيعلموا أي الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر لبثهم في الكهف كانت أحصى لمدة لبثهم الى مدى أي غاية كذا من السنين .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان العلة في وجود الزينة على هذه الأرض ، وهي الابتلاء والاختبار للناس ليظهر الزاهد فيها ، العارف بتفاهتها وسرعة زوالها ، وليظهر الراغب فيها المتكالب عليها الذي عصى الله من اجلها .
2- تقرير فناء كل ما على الأرض حتى تبقى صعيداً جرزاً وقاعاً صفصفاً لا يرى فيها عوج ولا أمت .
3- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بإجابة السائلين عن أصحاب الكهف بالايجاز والتفصيل .
4- تقرير التوحيد ضمن قصة أصحاب الكهف إذ فروا بدينهم خوفاً من الشرك الأصغر .
5- استجابة الله دعاء عباده المؤمنين الموحدين حيث استجاب للفتية فآواهم الغار ورعاهم حتى بعثهم بعد تغير الأحوال وتبدل العباد والبلاد .
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
شرح الكلمات :
{ نبأهم بالحق } : أي خبرهم العجيب بالصدق واليقين .
{ وزنادهم هدى } : أي إيماناً وبصيرة في دينهم ومعرفة ربهم حتى صبروا على الهجرة . { وربطنا على قلوبهم } : أي شددنا عليها فقويت عزائمهم حتى قالوا كلمة الحق عند سلطان جائر .
{ لن ندعوا من دونه إلها } : لن نعبد من دونه إلهاً آخر .
{ لولا يأتون عليهم بسلطان } : أي هلا يأتون بحجة قوية تثبت صحة عبادتهم .
{ على الله كذباً } : أي باتخاذ آلهة من دونه تعالى يدعوها ويعبدها .
{ فأووا إلى الكهف } : أي انزلوا في الكهف تسترون به على أعين أعدائكم المشركين .
{ ينشر لكم ربكم من رحمته } : أي يبسط من رحمته عليكم بنجاتكم مما فررتم منه .
{ ويهيء لكم من أمركم } : وييسر لكم من أموالكم الذي أنتم فيه من الغم والكرب .
{ مرفقا } : أي ما ترتفقون به وتنتفعون من طعام وشراب وإواء .
معنى الآيات :
بعد أن ذكر تعالى موجز قصة أصحاب الكهف أخذ في تفصيلها { نحن نقص عليكم نبأهم بالحق } أي نحن رب العزة والجلال نقص عليك أيها الرسول خبر أصحاب الكهف بالحق الثابت الذي لا شك فيه { إنهم فتية } ، جمع فتى { آمنوا بربهم } أي صدقوا بوجوده ومكارهه .
وقوله تعالى : { وربطنا على قلوبهم } أي قوينا عزائمهم بما شددنا على قلوبهم حتى قاموا وقالوا على رؤوس الملأ وأمام ملك كافر { ربنا رب السموات والأرض } أي ليس لنا رب سواء ، لن ندعو من دونه إلهاً مهما كان شأنه ، إذ لو اعترفنا بعبادة غيره لكنا قد قلنا إذا شططاً من القول وهو الكذب والغلو فيه وقوله تعالى : { هؤلاء قومنا اتخذوا دونه آلهة } يخبر تعالى عن قبل الفتية لما ربط الله على قلوبهم إذ قاموا في وجه المشركين الظلمة وقولوا : { هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة ، لولا يأتون عليهم بسلطان بين } أي هلا يأتون عليهم بسلطان بين أي بحجة واضحة تثبت عبادة هؤلاء الأصنام من دون الله ؟ ومن أين ذلك الحال أنه لا إله إلا الله؟!
وقوله تعالى : { فمن أظلم ممن افترى } ينفي الله عز وجل أن يكون هناك أظلم ممن افترى على الله كذباً باتخاذ آلهة يعبدها معه باسم التوسل بها وشعار التشفع والتقرب الى الله زلفى بواسطتها!! وقوله تعالى عن قيل أصحاب الكهف لبعضهم : { وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } من الأصنام والأوثان { فأووا إلى الكهف } أي فيصروا الى غار الكهف المسمى « بنجلوس » { ينشر لكم ربكم من رحمته } أي يبسط لكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي رميتم به من الكفار « دقينوس » { ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً } أي ما ترتفقون به من طعام وشراب وأمن في مأواكم الجديد الذي أويتم إليه فراراً بدينكم واستخفائكم من طالبكم المتعقب لكم ليفتنكم في دينكم أو يقتلكم .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير النبوة المحمدية بذكر قصة أصحاب الكهف .
2- تقرير زيادة الإيمان ونقصانه .
3- فضيلة الجرأة في الحق والتصريح به ولو أدى الى القتل أو الضرب أو السجن .
4- تقرير التوحيد وأنه لا إلا الله على لسان أصحاب الكهف .
5- بطلان عبادة غير الله لعدم وجود دليل عقلي أو نقلي عليها .
6- الشرك ظلم وكذب والمشرك ظالم مفتر كاذب .
7- تقرير فرض الهجرة في سبيل الله .
8- فضيلة الألتجاء الى الله تعالى وطلب حمايته لعبده وكفاية الله من لجأ إليه في صدق .
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
شرح الكلمات :
{ تزاور } : أي تميل .
{ تقرضهم } : تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم .
{ في فجوة منه } : متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها .
{ من آيات الله } : أي دلائل قدرته .
{ أيقاظاً } : جمع يقظ أي منتبهن لأن أعينهم منفتحة .
{ بالوصيد } : فناء الكهف .
{ رُعباً } : منعهم الله بسببه من الدخول عليهم .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم غي عرض قصة أصحاب الكهف يقول تعالى في خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم } أي تميل عنه ذات اليمين { وإذا غربت تقرضهم } أي تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم ذات الشمال . وقوله تعالى : { وهم في فجوة منه } أي متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها ، وقوله { ذلك من آيات الله } أي وذلك المذكور من ميلان الشمس عنهم إذا طلعت وقرضاً لهم اذا غربت من دلائل قدرة الله تعالى ورحمته بأوليائه ولطفه بهم ، وقوله تعالى : { ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً } يخبر تعالى ان الهداية بيده وكذلك الإضلال فليطلب العبد من ربه الهداية إلى صراطه المستقيم ، وليستعذ من الضلال المبين ، إذ من يضله الله لن يوجد له ولي يرشده بحال من الأحوال. وقوله تعالى : { وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود } أي أنك إذا نظرت إليهم تظنهم أيقاظاً أي منتبهين لأن أعينهم متفتحة وهم رقود نائمون لا يحسون بأحد ولا يشعرون ، وقوله تعالى : { ونقلبهم ذات اليمين } أي جهة اليمين { وذات الشمال } أي جهة الشمال حتى لا تعدو التربة على أجسادهم فتبليها ، وقوله { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } أي : وكلبهم الذي خرج معهم ، وهو كلب صيد { باسط ذراعيه بالوصيد } أي : بفناء الكهف . 
وقوله تعالى : { لو اطلعت عليهم } أي لو شاهدتهم وهم رقود أعينهم مفتحة { لوليت منهم فراراً } لرجعت فاراً منهم { ولملئت منهم رعباً } أي خوفاً وفزعاً ، ذلك ان الله ألقى عليهم من الهيبة والوقار حتى لا يدنومنهم أحد ويسمهم بسوء الى أن يوقظهم عند نهاية الأجل الذي ضرب لهم ، ليكون أمرهم آية من آيات الله الدالة على قدرته وعظيم سلطانه وعجيب تدبيره في خلقه .
من هداية الآيات :
1- بيان لطف الله تعالى بأوليائه بإكرامهم في هجرتهم إليه .
2- تقرير أن الهداية بيد الله فالمهتدي من هداه الله والضال من أضله الله ولازم ذلك طلب الهداية من الله ، والتعوذ به من الضلال لأنه مالك ذلك .
3- بيان عجيب تدبير الله تعالى وتصرفه في مخلوقاته فسبحانه من إله عظيم عليم حكيم .
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
شرح الكلمات :
{ كذلك بعثناهم } : أي كما أنمناهم تلك النومة الطويلة الخارقة للعادة بعثناهم من رقادهم بعثاً خارقاً للعادة أيضاً فكان في منامهم آية وفي إقافتهم آية .
{ كم لبثتم } : أي في الكهف نائمين .
{ يوماً أو بعض يوم } : لأنهم دخلوا الكهف صباحاً واستيقظوا عشية .
{ بورقكم } : بدراهم الفضة التي عندكم .
{ الى المدينة } : أي المدينة التي كانت تسمى افسوس وهي طرسوس اليوم .
{ أزكى طعاماً } : أي أيُّ أطعمة المدينة أحلُ أي أكثر حلية .
{ وليتلطف } : أي يذهب يشتري الطعام ويعود في لطف وخفاء .
{ يرجموكم } : أي يقتلوكم رمياً بالحجارة .
{ أعثرنا عليهم } : أطلعنا عليهم أهل بلدهم .
{ ليعلموا } : أي قومهم أن البعث حق للأجساد والأرواح معاً .
{ إذ يتنازعون } : أي الكفار قالوا ابنوا عليهم أي حولهم بناء يسترهم .
{ فقالوا } : أي المؤمنون والكافرون في شأن البناء عليهم .
{ وقال الذين غلبوا على امرهم : وهو المؤمنون لنتخذن حولهم مسجداً يصلى فيه .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحديث عن أصحاب الكهف فقوله : { وكذلك بعثناهم ليتسألوا بينهم } أي كما أنمناهم ثلاثمائة سنة وتسعاً وحفظنا أجسادهم وثيابهم من البلى ومنعناهم من وصول أحد إليهم ، وهذا من مظاهر قدرتنا وعظيم سلطاننا بعثناهم من نومهم الطويل ليتساءلوا بينهم فقال قائل منهم مستفهماً كم لبثتم يا إخواننا فأجاب بعضهم قائلاً { لبثنا يوماً أو بعض يوم } لأنهم آووا الى الكهف في الصباح وبعثوا من رقادهم في المساء وأجاب بعض آخر بقول مرض للجميع وهو قوله : { ربكم أعلم بما لبثتم } فسلموا الأمر إليه ، وكانوا جياعاً فقالوا لبعضهم { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه } يشيرون الى عملة من فضة كانت معهم { الى المدينة } وهي أفسوس التي خرجوا منها هاربين بدينهم.
وقوله : { فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه } أي فلينظر الذي تبعثونه لشراء الطعام أي أنواع الأطعمة أزكى أي أطهر من الحرام والاستقذار { فليأتكم برزق منه } لتأكلوا سداً لجوعكم وليتلطف في شرائه وذهابه وإيابه حتى لا يشعر بكم أحد وعلل لقوله هذا بقوله { إنهم سداً أن يظهروا عليكم } أي يطلعوا { يرجموكم } أو يقتلوكم رجماً بالحجارة { أو يعيدوكم في ملتهم } ملة الشرك بالقسر والقوة . { ولن تفلحوا إذاً أبداً } أي ولن تفلحوا بالنجاة من النار ودخول الجنة إذا أنتم عدتم للكفر والشرك.. فكفرتم وأشركتم بربكم .
وقوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة وبعثناهم ليتساءلوا بينهم فيزدادوا إيماناً ومعرفة بولاية الله تعالى وحمايته لأوليائه { أعثرنا عليهم } أهل مدينتهم الذين انقسموا الى فريقين فريق يعتمد ان البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح ، وفريق يقول البعث الآخر للأرواح دون الأجسام كما هي عقيدة النصارى الى اليوم ، فأنام الله الفتية وبعثهم وأعثر عليهم هؤلاء القوم المختلفين فاتضح لهم أن الله قادر على بعث الناس أحياء أجساماً وأرواحاً كما بعث أصحاب الكهف وهو معنى قوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا } أي أولئك المختلفون في شأن البعث أن وعد الله حق وهو ما وعد به الناس من أنه سيبعثهم بعد موتهم يوم القيامة ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم. 
{ وأن الساعة لا ريب فيها } وقوله تعالى : { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } أي أعثرناهم عليهم في وقت كان اهل البلد يتنازعون في شأن البعث والحياة الآخرة هل هي بالأجسام والأرواح أو بألأرواح دون الأجسام . فتبين لهم بهذه الحادثة أن البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح معاً . وقوله تعالى : { فقالوا ابنوا عليهم بنياناً } واتركوهم في الكهف أي سدوا عليهم باب الكهف واتركوهم فيه لأنهم بعد أن عثروا عليهم ماتوا { ربهم أعلم بهم } وبحالهم .
وقوله تعالى : { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً } أي قال الذين غلبوا على أمر الفتية لكون الملك كان مسلماً معهم { لنتخذن عليهم مسجداً } أي للصلاة فيه وفعلاً بنوة على مقربة من فم الغار بالكهف .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته .
2- وحوب طلب الحلال في الطعام والشراب وغيرهما .
3- الموت على الشرك والكفر مانع من الفلاح يوم القيامة أبداً .
4- تقرير معتقد البعث والجزاء الذي ينكره أهل مكة .
5- مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم « لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » وقوله « إن أولئك إذ كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصورواً فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق الخلق يوم القيامة » « في الصحيحين» .
 6- مصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم « لتتبعن سنن من قبلكم شبراً وذراعاً بذراع » . إذ قد بنى المسلمون على قبور الأولياء والصالحين المساجد. بعد القرون المفضلة حتى أصبح يندر وجود مسجد عتيق خال من قبر أو قبور.
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
شرح الكلمات :
{ رجماً بالغيب } : أي قذفاً بالظن غير يقين علم .
{ ما يعلمهم إلا قليل } : أي من الناس .
{ فلا تمار فيهم } : لا تجادل في عدتهم .
{ ولا تستفت فيهم منهم أحداً } : أي من أهل الكتاب ، الاستفتاء : الاستفهام والسؤال .
{ إلا أن يشاء الله } : أي إلا أن تقول إن شاء الله .
{ لأقرب من هذا رشداً } : هداية وأظهر دلالة على نبوتي من قصة أصحاب الكهف .
{ له غيب السموات والأرض } : أي علم غيب السموات والأرض وهو ما غاب فيهما .
{ أبصر به وأسمع } : أي أبصر بالله واسمع بع صيغة تعجب! والأصل ما أبصره وما أسمعه .
{ ما لهم من دونه من ولي } : أي ليس لأهل السموات والأرض من دون الله أي من ناصر .
{ ولا يشرك في حكمه أحداً } : لأنه غني عما سواه ولا شريك له .
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن أصحاب الكهف يخبر تعالى بأن الخائضين في شأن أصحاب الكهف سيقول بعضهم بأنهم ثلاثة رابعهم كلبهم ويقول بعض آخرهم خمسة سادسهم كلبهم { رجماً بالغيب } أي قذفاً بالغيب من غير علم يقيني ، ويقول بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم ، ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لأصحابه تلك الأقوال : { ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل } أي ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس قال ابن عباس من ذلك القليل والثاني قالوا ما قالوه من باب الرجم بالغيب لا من باب العلم والمعرفة ، وسكت عن الفريق الثالث ، فدل ذلك على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم والله أعلم . وقوله تعالى { فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً } أي ولا تجادل أهل الكتاب { أحداً } وذلك لأنهم يعلمون عدتهم وإنما يقولون بالخرص والتخمين لا بالعلم واليقين . وقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } أي لا تقل يا محمد في شأن تريد فعله مستقبلاً أي سأفعل كذا إلا أن تقول إن شاء الله ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما سأله وفد قريش بإيعاز من اليهود عن المسائل الثلاث : الروح ، وأصحاب الكهف وذي القرنين ، قال لسائليه : أجيبكم غداً انتظاراً للوحي ولم يقل إن شاء الله ، فأدبه به تعالى بانقطاع الوحي عنه نصف شهر ، وأنزل هذه السورة وفيها تأديب له صلى الله عليه وقوله : { واذكر ربك إذا نسيت } أي إذا نسيت الاستثناء الذي علمناك فاذكره ولو بعد حين لتخرج من الحرج .
أما الكفارة فلازمة إلا أن يكون الاستثناء متصلاً وقوله تعالى : { وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً } أي وقل بعد النسيان والاستثناء المطلوب منك { عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً } أي لعل الله تعالى أن يهديني فيسددني لأّسَدَّ ما وعدتكم أن أخبركم به مما هو أظهر دلالة على نبوتي مما سألتموني عنه اختباراً .
وقوله تعالى { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا } يخبر تعالى أن الفتية لبثوا في كهفهم رقوداً من ساعة دخلوه إلى أن أعثر عليهم قومهم ثلاثمائة سنين بالحساب الشمسي وزيادة بالحساب القمري .
وقوله : { قل الله أعلم بما لبثوا } رد به على من قال من أهل الكتاب إن الثلاثمائة والتسع سنين هي من ساعة دخولهم الكهف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل الله هذا بتقرير الثلثمائة والتسع أولاً وبقوله { الله أعلم بما لبثوا } وثانياً وبقوله : { له غيب السموات والأرض } أي ما غاب فيهما ، ثالثاً ، وبقوله : { أبصر به وأسمع } أي ما أبصره بخلفه وما أسمعه لأقوالهم حيث لا يخفى عليه شيء من أمورهم وأحوالهم خامساً ، وقوله { ليس لهم } أي لأهل السموات والأرض من دونه تعالى { من ولي } أيْ ولا ناصر { ولا يشرك في حكمه أحداً } لغناه عما سواه ولعدم وجود شريك له بحال من الأحوال .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان اختلاف أهل الكتاب وعدم ضبطهم للأحداث التاريخية .
2- بيان عدد فتية أصحاب الكهف وأنهم سبعة وثامنهم كلبهم .
3- من الأدب مع الله تعالى أن لا يقول العبد سأفعل كذا مستقبلاً إلا قال بعدها إن شاء الله .
4- من الأدب من نسي الاستثناء أن يستثني ولو بعد حين فإن لا ينفعه الاستثناء إلا إذا كان متصلاً بكلامه .
5- تقرير المدة التي لبثها في كهفهم وهي ثلاث مائة وتسع سنين بالحساب القمري .
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
شرح الكلمات :
{ واتل ما أوحي إليك من الكتاب } : أي أقرأ تعبداً ودعوة وتعليماً .
{ لا مبدل لكلماته } : أي لا مغير لكلمات الله في ألفاظها ولا معانيها وأحكامها .
{ ملتحداً } : أي إحبسها .
{ يريدون وجهه } : أي طاعته ورضاه ، لا عرضاً من عرض الدنيا .
{ ولا تعد عيناك عنهم } : أي لا تتجاوزهم بنظرك الى غيرهم من أبناء الدنيا .
{ تريد زيمة الحياة الدنيا } : أي بمجالستك الأغنياء تريد الشرف والفخر .
{ من أغفلنا قبله } : أي جعلناه غافلاً عما يجب عليه من ذكرنا وعبادتنا .
{ وكان أمره فرطاً } : أي ضياعاً وهلاكاً .
{ أحاط بهم سرادقها } : حائط من نار أحيط بهؤلاء المعذبين في النار .
{ بماء كالمهل } : أي كعكعر الزيت أي الدردي وهو ما يبقى في أسفل الإناء ثخناً رديئاً .
{ من سندس واستبرق } : أي مارق من الديباج ، والاستبرق ما غلظ منه أي من الديباج .
معنى الآيات :
بعد نهاية الحديث عن أصحاب الكهف أمر تعالى رسوله بتلاوة كتابه فقال : { واتل } أي وأقرأ { ما أوحي إليك من كتاب ربك } تعبداً ودعوة للناس الى ربهم به وتعليماً للمؤمنين بما جاء فيه من الهدى .
وقوله : { لا مبدل لكلماته } أي لا تتركن تلاوته والعمل به والدعوة إليه فتكون من الهالكين فإن ما وعد ربك به المعرضين عنه المكذبين به كائن حقاً وواقع صدقاً فإن ربك { لا مبدل لكلماته } الشتملة على وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه ممن كفورا به وكذبوا بكتابه فلم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه .
وقوله تعالى : { ولن تجد من دون ملتحداً } أي انك إن لم تتل كتابه الذي أوحاه إليك وتعمل بما فيه فنالك ما أوعد به الكافرين المعرضين عن ذكره . { لن تجد من دون الله ملتحداً } أي موئلالاً تميل إليه وملجأ تحتمي به وإذا كان مثل هذا الوعيد الشديد يوجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم فغيره ممن تركوا تلاوة القرآن والعمل به فلا أقاموا حدوده ولا أحلوا حلاله ولا حرموا حرامه أولى بهذا الوعيد وهو حائق بهم لا محالة إن لم يتوبوا قبل موتهم وقوله تعالى : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي يريدون وجهه } نزل هذا التوجيه للرسول صلى الله عليه وسلم عندما عرض عليه المشركون إبعاد أصحابه الفقراء كبلال وصهيب وغيرهما ليجلسوا إليه ويسمعوا منه فنهاه ربه عن ذلك وأمره أن يحبس نفسه مع أولئك الفقراء المؤمنين { الذين يدعون } ربهم في صلاتهم في الصباح والمساء لا يريدون بصلاتهم وتسبيحهم ودعائهم عرضاً من اعراض الدينا وإنما يريدون رضا الله ومحبته بطاعته في ليلهم ونهارهم .
وقوله تعالى : { ولا تعد عيناك عنهم } أي لا تتجاوز ببصرك هؤلاء المؤمنين الفقراء الى أولئك الأغنياء تريد مجالستهم للشرف والفخر وقوله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } فجعلناه غافلاً عن ذكرنا وذكر وعدنا ووعيدنا ليكون من الهالكين لعناده وكبريائه ظلمه .
{ وكان أمره فرطاً } أي ضياعاً وهلاكاً ، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } أي هذا الذي جئت به وأدعوا إليه من الايمان والتوحيد والطاعة لله بالعمل الصالح هو ( الحق من ربكم ) أيها الناس . { فمن شاء } الله هدايته فآمن وعمل صالحاً فقد نجاه ومن لم يشأ الله هدايته فبقي على كفره فلم يؤمن فقد خاب وخسر .
وقوله : { إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } أي جدرانها النارية ، { وإن يستغيثوا } من شدة العطش { يغاثوا بماء كالمهل } ردئياً ثخيناً { يشوي الوجوه } إذا أدناه الشارب من وجهه ليشرب شوى جلده ووجهه ولذا قيل فيه ذم له . { بئس الشراب وساءت } أي جهنم { مرتفقاً } في منزلها وطعامها وشرابها إذ كله سوء وعذاب هذا وعيد من اختار الكفر على الإيمان وأما وعد من آمن وعمل صالحاً وقد تضمنته الآيتان ( 31-32 ) إذ قال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } هذا حكمنا الذي لا تبديل له وبين تعالى أجرهم على إيمانهم وإحسان اعمالهم فقال : { أولئك لهم جنات عدن } أي إقامة دائمة { تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق ، متكئين فيها على الآرائك } وهي الأسرة بالحجلة . ثم أثنى الله تعالى على نعيمهم الذي أعده لهم بقولهم : { نعم الثواب } الذي أثيبوا { وحسنت } الجنة في حيلها وثيابها وفرشها وأسرتها وطعامها وشرابها وحورها ورضوان الله فيها { حسنت مرتفقاً } يرتفقون فيه وبه ، جعلنا الله من أهلها .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان خيبة وخسران المعرضين عن كتاب الله فلم يتلوه ولم يعملوا بما جاء فيه من شرائع وأحكام .
2- الترغيب في مجالسة أبناء الآخرة الفقراء الصابرون وترك أبناء الدنيا والإعراض عما هم فيه .
3- على الداعي الى الله تعالى أن يبين الحق ، والناس بعد بحسب ما كتب لهم أو عليهم .
4- الترغيب والترهيب بذكر جزاء الفريقين الؤمنين والكافرين .
5- عذاب النار شر عذاب ، ونعيم الجنة ، نعم النعيم ولا يهلك على الله إلا هالك.
يتبع إن شاء الله...


تفســير ســورة الكهـــف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

تفســير ســورة الكهـــف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفســير ســورة الكهـــف   تفســير ســورة الكهـــف Emptyالثلاثاء 01 أبريل 2014, 1:30 am

بسم الله الرحمن الرحيم
تفســير ســورة الكهـــف Ksa_1319818002_577
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
شرح الكلمات :
{ وأضرب بهم مثلاً } : أي أجعل لهم مثلاً هو رجلين... الخ. { جنتين } : أي بستانين .
{ وحففناهما بنخل } : أي أحطناهما بخل .
{ آتت أكلها } : أي أعطت ثمارها وهو ما يؤكل .
{ ولم تظلم منهم شيئاً } : أي ولم تنقص منه شيئاً بل أتت به كاملاً ووافياً .
{ خلالهما نهراً } : اي خلال الأشجار والنخيل نهراً جارياً .
{ وهو يحاوره } : أي يحادثه ويتكلم معه .
{ وأعز نفراً } : أي عشيرة ورهطاً .
{ تبيد } : أي تفنى وتذهب .
{ خيراً منها منقلباً } : أي مرجعاً في الآخرة .
{ أكفرت بالذي خلقك من تراب ؟! } : الأستفهام للتوبيخ والخلق من تراب باعتبار الأصل هو آدم .
{ من نطفة } : أي مني .
{ ثم سواك } : أي عدلك وصيرك رجلاً .
{ لكنا } : أي لكن أنا ، حذفت الألف وأدغمت النون في النون فصارت لكنا .
{ هو الله ربي } : أي أنا أقول الله ربي .
معنى الآيات :
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم واضرب لأولئك المشركين المتكبرين الذين اقترحوا عليك أن تطرد الفقراء المؤمنين من حولك حتى يجلسوا إليك ويسمعوا منك { اضرب لهم } أي اجعل لهم مثلا : { رجلين } مؤمناً وكافرا { جعلنا لأحدكما } وهو الكافر { جنتين من أعناب وحففناهما بنخل } أي أحطناهما بنخل ، { وجعلنا بينهما } أي بين الكروم والنخيل { زرعاً } { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } أي لم تنقص منه شيئاً { وفجرنا خلالهما نهراً } ليسقيهما . { وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره } أي في الكلام يراجعه ، ويفاخره : { أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً } أي عشيرة ورهطاً ، قال هذا فخراً وتعاظماً . { ودخل جنته } والحال أنه { ظالم نفسه } بالكفر والكبر وقال : { ما أظن أن تبيد هذه } يشير إلى جنته { أبداً } أي لا تفنى . { وما أظن الساعة قائمة ولئن ردت الى ربي } كما تقول أنت { لأجدن خيراً منها } أي من جنتي { منقلباً } أي مرجعاً إن قامت الساعة وبعث الناس معهم . هذا القول من هذا الرجل هو ما يسمى بالغرور النفسي الذي يصاب به أهل الشرك والكبر . وهنا قال له صاحبه المسلم { وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب } وهو الله عز وجل حيث خلق أباك آدم من ( تراب ثم من نطفة ) أي ثم خلقك أنت من نطفة أي من مني { ثم سواك رجلاً } وهذا توبيخ من المؤمن للكافر المغرور ثم قال له : { لكنا هو الله ربي } أي لكن أنا أقول هو الله ربي ، { ولا أشرك بربي أحداً } من خلقه في عبادته .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- استحسان ضرب الأمثال للوصول بالمعاني الخفية الى الاذهان .
2- بيان صورة مثالية لغرس بساتين النخل والكروم .
3- تقرير عقيدة التوحيد والبعث والجزاء .
4- التنديد بالكبر والغرور حيث يفيضان بصاحبهما الى الشرك الكفر .
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)
شرح الكلمات :
{ ما شاء الله } : أي يكون وما لم يشأ لم يكن .
{ حسبانا من السماء } : أي عذاباً ترمى به فتؤول الى أرض ملساء دحضاً لا يثبت عليها قدم .
{ او يصبح ماؤها غوراً } : أي غائراً في اعماق الأرض فلا يقدر عل ى استنباطه وإخراجه .
{ واحيط بثمره } : أي هلكت ثماره ، فلم يبقى منها شيء .
{ يقلب كفيه } : ندماً وحسرة على ما أنفق من جهد كبير ومال طائل .
{ وهي خاوية على عروشها } : أي ساقطة على أعمدتها التي كان يعرش بها للكرم ، وعلى جدران مبانيها .
{ فئة } : جماعة من الناس قوية كعشيرته من قومه .
{ هنالك } : أي حين حل العذاب بصاحب الجنتين أي يوم القيامة .
{ االولاية } : أي الملك والسلطان لله تعالى .
{ خير ثواباً وخير عقباً } : أي الله تعالى خير من يثبت وخير من يعقب أي يخزي بخير .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في المثل المضرورب للمؤمن الفقير والكافر الغني فقد قال المؤمن للكافر ما أخبر تعالى به في قوله : { ولولا إذ دخلت جنتك } أي هلا إذ دخلت بستانك قلت عند تعجبك من حسنه وكماله { ما شاء الله } أي كان { لا قوة إلا بالله } أي لا قوة لأحد على فعل شيء أو تركه بإقدار الله تعالى له وإعانته عليه قلل هذا المؤمن نصحاً للكافر وتوبيخاً له . ثم قال له { إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً } اليوم { فعسى ربي } أي فرجائي في الله { أن يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها } أي على جنة الكافر { حسباناً من السماء } أي عذاباً ترمى به . ( فتصبح صعيداً زلقاً ) : أي تراباً أملس لا ينبت زرعاً ولا يثبت عليه قدم . { أو يصبح ماؤها غوراً } الذي تسقى به غائراً في أعماق الأرض فلن تقدر على إستخراجه مرة أخرى ، وهو معنى { فلن تستطيع له طلباً } .
وقوله تعالى : في الآيات ( 40 ) ، ( 41 ) ، ( 42 ) يخبر تعالى أن رجاء المؤمن قد تحقق إذ قد احيط فعلاً ببستان الكافر فهلك ما فيه من ثمر { فأصبح يقلب كفيه } ندماً وتحسراً { على ما أنفق فيها } من جهد ومال في جنته { وهي خاوية على عروشها } أي ساقطة على أعمدة الكرم التي كان يعرشها للكرم أي يحمله عليها كما سقطت جدران مبانيها على سقوفها وهو يتحسر ويتندم ويقول : { يا ليتني لم أشرك بربي أحداً ، ولم تكن له } جماعة قوية تنصره { من دون الله وما كان } المنهزم { هنالك } أي يوم القيامة { الولاية } اي القوة والملك والسلطان { لله } أي المعبود { الحق } لا لغيره من الأصنام والأحجار { هو } تعالى { خير ثواباُ } اي خير من يثبت على الإيمان والعمل الصالح . { وخير عقباً } أي خير يعقب أي يجزي بحسن العواقب .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان مآل المؤمنين كصهيب وسلمان وبلال ، وهو الجنة ومآل الكافرين كأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وهو النار .
2- استحباب قول من أعجبه شيء : { ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله } لا يرى فيه مكروهاً إن شاء الله .
3- استجابة الله تعالى لعباده المؤمنين وتحقيق رجائهم فيه سبحانه وتعالى .
4- المخذول من خذله الله تعالى فإنه لا ينصر أبداً .
5- الولاية بمعنى الموالاة النافعة للعبد هي موالاة الله تعالى لا موالاة غيره .
6- الولاية بمعنى الملك والسلطان لله يوم القيامة ليست لغيره إذ الملك والأمر كلاهما لله تعالى .
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)
شرح الكلمات :
{ المثل } : الصفة المعجبة .
{ تذروه الرياح } : أي تنثره وتفرقه لخفته ويبوسته .
{ مقتدراً } : أي كامل القدرة لا يعجزه شيء .
{ زينة الحياة الدنيا } : أي يتجمل بما فيها .
{ والباقيات الصالحات } : هي الأعمال الصالحة من سائر العبادات والقربات .
{ وخير أملاً } : أي ما يأمله الإنسان وينتظره من الخير .
معنى الآيات :
هذا مثل آخر مضروب أي مجعول للحياة الدنيا اغتر بها الناس وخدعتهم فصرفتهم عن الله تعالى ربهم فلم يذكروه ولم يشكروه فاستوجبوا غصبه وعقابه .
قال تعالى : في خطاب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : { واضرب لهم } أي لأولئك المغرورين بالمال والسلطان { مثل الحياة الدنيا } أي صفتها الحقيقية التي لا تختلف عنها بحال { كماء أنزلناه من السماء ، فاختلط به نبات الأرض } فزها وازدهر واخضر وأنظر ، فأعجب أصحابه ، وأفرحهم وسرهم ما يأملون منه . وفجأة أتاه أمر الله برياح لاحقة ، محرقة ، { فأصبح هشيماً } أي يابساً متهشماً متكسراً { تذروه الرياح } هنا وهناك { وكان الله على كل شيء مقتدراً } أي قادراً كامل القدرة ، فأصبح أهل الدنيا مبلسين أيسين من كل خير .
وقوله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً } انه بعد أن ضرب المثل للحياة الدنيا التي غرت ابناءها فأوردتهم موارد الهلاك أخبر بحقيقة أخرى ، يعلم فيها عباده لينتفعوا بها ، وهي أن { المال والبنون } أو الأولاد { زينة الحياة الدنيا } لا غير أن يتجمل بهما ساعة ثم يبيدان ويذهبان ، فلا يجوز الأغترار بهما ، بحيث يصبحان هم الإنسان في هذه الحياة فيصرفانه عن طلب سعادة الآخرة بالإيمان وصالح الأعمال ، هذا جزء الحقيقة في هذه الآية ، والجزء الثاني هو أن { الباقيات الصالحات } المراد بها أفعال البر وضروب العبادات ومنا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، اي هذه { خير ثواباً } أي جزاءً وثماراً ، يجنبه العبد من الكدح المتواصل في طلب الدنيا مع الإعراض عن طلب الآخرة ، { وخيراً أملاً } يأمله الإنسان من الخير ويرجوه ويرغب في تحصيله .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان حقارة الدنيا وسوء عاقبتها .
2- تقرير أن المال والبنين لا يعدوان كونهما زينة ، والزينة سريعة الزوال وهما كذلك فلا يجوز الاغترار بهما ، وعلى العبد ان يطلب ما يبقى على ما ينفى وهو الباقيات الصالحات من أنواع البر والعبادات من صلاة وذكر وتسبيح وجهاد . ورباط ، وصيام وزكاة .
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
شرح الكلمات :
{ نُسير الجيال } : أي تقتلع من أصولها وتصير هباءً منبثاً .
{ بارزة } : ظاهرة إذ فنى كل ما كان عليها من عمران .
{ فلم نغادر } : لم نترك منهم أحداً .
{ موعداً } : أي ميعاداً لبعثكم أحياء للحساب والجزاء .
{ ووضع الكتاب } : كتاب الحسنات وكتاب السئيات فيؤتاه بيمينه والكافر بشماله . .
{ مشفقين } : خائفين .
{ يا ويلتنا } : أي يا هلكنا احضري هذا أوان حضورك .
{ لا يغادر صغيرة } : أي لا يترك صغيرة من ذنوبنا ولا كبيرة الا جمعها عداً .
{ ما عملوا حاضراً } : مثبتاً في كتابهم ، مسجلاً فيها .
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى مآل الحياة الدنيا وأنه الفناء والزوال ورغب في الصالحات وثوابها المرجوا يوم القيامة ، ناسب ذكر نبذة عن يوم القيامة ، وهو يوم الجزاء على الكسب في الحياة الدنيا قال تعالى : { ويوم نسير الجبال } أي اذكر { يوم نسير } أي تقتلع من أصولها وتصير هباءً منبثاً ، { وترى الأرض بارزة } ظاهرة ليس عليها شيء ، فهي قاع صفصف { وحشرناهم } أي جمعناهم من قبورهم للموقف { فلم نغادر منه احداً } أي لم نترك منهم أحداً كائناً من كان ، { وعرضوا على ربك } أيها الرسول صفاً وقوناً اذلاء ، وقيل لهم توبيخاً وتقريعا { لقد جئتمنونا كما خلقناكم أول مرة } لا مال معكم ولا سلطان لكم بل حفاة عراة غرلاً ، جمع اغرل ، وهو الذي لم يختتن .
وقوله تعالى : { بل زعمتم } أي ادعيتم كذباً أنا لا نجمعكم ليوم القيامة ، ولن نجعل لكم موعداً فها أنتم مجموعون لدينا تنتظرون الحساب والجزاء ، وفي هذا من التوبيخ والتقريع ما فيه ، وقوله تعالى في الآية { ووضع الكتاب } يخبر تعالى عن حال العرض عليه فقال : { ووضع الكتاب } أي كتاب الحسنات والسيئات واعطى كل واحد كتابه فالمؤمن يأخذه بيمينه والكافر بشماله ، { فترى المجرمين } في تلك الساعة { مشفقين } أي خائفين { مما فيه } اي في الكتاب من السيآت { ويقولون : آيا وليتنا } ندماً وتحسراً ينادون يا ويلتهم وهي هلاكهم قائلين : { مال لهذا الكتاب لا يغادر لا صغيرة ولا كبيرة } من ذنوبنا { إلا أحصاها } أي أثبتها عداً .
وقوله تعالى : في آخر العرض { ووجدوا ما عملوا حاضراً } أي من خير وشر مثبتاً في كتابهم وحوسبوا به ، وجوزوا عليه { ولا يظلم ربك أبداً } بزيادة سيئة على سيئاته أو بنقص حسنة من حسناته ، ودخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بعرضها على مسامع المنكرين لها .
2- يبعث الأنسان كما خلقه الله ليس معه شيء ، حافياً عارياً لم يقطع منه غفلة الذكر .
3- تقرير عقيدة كتب الأعمال في الدنيا وإعطائها أصحابها في الآخرة تحقيقاً للعدالة الإلهية .
4- نفي الظلم عن الله تعالى وهو غير جائز عليه لغناه المطلق وعدم حاجته الى شيء .
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
شرح الكلمات :
{ اسجدوا لادم } : أي حيوه بالسجود كما أمرتكم طاعة لي .
{ إلا إبليس } : أي الشيطان أبى السجود ورفضه وهو معنى { فسق عن أمر ربه } أي خرج عن طاعته ، ولم يكن من الملائكة ، بل كان من الجن ، لذا أمكنه أن يعصي ربه!
{ أفتتخذونه وذريته أولياء؟ } : الأستفهام للاستنكار ، ينكر تعالى على بني آدم اتخاذ الشيطان وأولاده أولياء يطاعون ويوالون بالمحبة والمناصرة ، وهم لهم عدو ، عجباً لحال بني آدم كيف يفعلون ذلك!؟ .
{ بئس للظاليمن بدلاً } : قبح بدلاً طاعة إبليس وذريته عن طاعة الله ورسوله .
{ المضلين عضداً } : أي ما كنت متخذ الشياطين من الانس والجن أعواناً في الخلق والتدبير ، فكيف تطيعونهم وتعصونني .
{ موبقاً } : أي وادياً من أودية جهنم يهلكون فيه جميعاً إذا دخلوا النار ، أما ما قبلها فالموبق ، حاجز بين المشركين ، وما كانوا يعبدون بدليل قوله : { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } .
{ مواقعوها } : أي واقعوان فيها ولا يخرجون منها أبداً .
{ ولم يجدوا عنها مصرفاً } : أي مكاناً غيرها ينصرفون اليه لينجوا من عذابها .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في إرشاد بني آدم وتوجيههم الى ما ينجيهم من العذاب ويحقق لهم السعادة في الدارين ، قال تعالى في خطاب رسوله واذكر لهم { إذ قلنا للملائكة } وهم عبادنا المكرمون { اسجدو لآدم } فامتثلوا أمرنا وسجدوا الا إبليس . لكن إبليس الذي يطيعه الناس اليوم كان من الجن وليس من الملائكة لم يسجد ، ففسق بذلك عن أمرنا وخرج عن طاعتنا . { أفتتخذونه } أي أيصح منكم يا بني آدم أن تتخذوا عدو أبيكم وعدو ربكم وعدوكم أيضاً ولياً توالونه وذريته بالطاعة لهم والاستجابة لما يطلبون منكم من انواع الكفر والفسق { بئس للظالمين } أنفسهم { بدلاً } طاعة الشيطان وذريته وولايتهم عن طاعة الله ورسوله وولايتهما .
وقوله تعالى : { ما أشهدتهم خق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً } يخبر تعالى بأنه المنفرد والتدبير ليس له وزير معين فكيف يعبد الشيطان وذريته ، وأنا الذي خلقتهم وخلقت السموات والأرض وخلقت هؤلاء الذين يعبدون الشيطان ، ولم أكن { متخذ المضلين } وهم الشياطين من الجن والإنس الذين يضلون عبادنا عن طريقنا الموصل الى رضانا وجنتنا ، أي لم أكن لأجعل منهم معيناً لي يعضدني ويقوي أمري وخلاصة ما في الآية ان الله تعالى ينكر على الناس عبادة الشياطين وهي طاعتهم وهم مخلوقون وهو خالقهم وخالق كل شيء .
وقوله تعالى : { ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم } أي أذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين المعرضين عن عبادة الله الى عبادة عدوه الشيطان ، اذكر لهم يوم يقال لهم في عرصات القيامة { نادوا شركائي الذين } اشركتموهم في عبادتي زاعمين أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم فيخلصونكم من عذابنا .
قال تعالى { فدعوهم } يا فلان!! يا فلان...
{ فلم يستجيبوا لهم } إذ لا يجرؤ أحد ممن عبد من دون الله أن يقول رب هؤلاء كانوا يعبدونني . قال تعالى : { وجعلنا بينهم موبقاً } أي حاجزاً وفاصلاً من عداوتهم لبعضهم . وحتى لا يتصل بعضهم ببعض في عرصات القيامة . وقوله تعالى : { ورأى المجرمون النار } أي يؤتى بها تجر بالسلاسل حتى تبرز لأهل الموقف فيشاهدونها وعندئذ يظن المجرمون اي يوقنوا { أنهم مواقعوها } أي داخلون فيها . { ولم يجدوا عنها مصرفاً } أي مكاناً ينصرفون إليه لأنهم محاطون بالزبانية ، والعياذ بالله من النار وعذابها .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير عداوة إبليس وذريته لبني آدم .
2- العجب من بني آدم كيف يطيعون عدوهم ويعصون ربهم!!
3- لا يستحق العبادة العبادة أحد سوى الله عز وجل لأنه الخالق لكل مبعود مما عُبد من سائر المخلوفات .
4- بيان خزي المشركين يوم القيامة حيث يطلب إليهم أن يدعوا شركاءهم لاغاثتهم فيدعونهم فلا يستجيبون لهم .
5- جمع الله تعالى المشركين وما كانوا يعبدون من الشياطين في موبق واحد في جهنم وهو وادي من شر أودية جهنم وأسواها .
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
شرح الكلمات :
{ صرفنا } : أي بينّا وكررنا البيان .
{ من كل مثل } : المثل الصفة المستغربة العجيبة .
{ جدلاً } : أي مخاصمة بالقول .
{ سنة الأولين } : أي العذاب بالإبادة الشاملة والاستئصال التام .
{ قبلاً } : عياناً ومشاهدة .
{ ليدحضوا به الحق } : أي يبطلوا به الحق .
{ هزواً } : أي مهزوءاً به .
{ أكنة } : أغطية .
{ وفي آذانهم وقراً } : أي ثقلاً فهم لا يسمعون .
{ موئلاً } : أي مكاناً يلجأون إليه .
{ لمهلكهم موعداً } : أي وقتاً معيناً لإهلاكهم .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في بيان حجج الله تعالى على عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فينجوا من عذابه ويدخلوا دار كرامته فقال تعالى : { ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل } أي ضربنا فيه الأمثال الكثيرة وبينا فيه الحجج العديدة ، { وصرفنا فيه } من الوعد والوعيد ترغيباً وترهيباً ، وقابلوا كل ذلك بالجحود والمكابرة ، { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } فأكثر هم الإنسان يصرفه في الجدل والخصومات حتى لا يذعن للحق ويسلم به ويؤديه ان كان عليه . هذا ما دلت عليته الآية الأولى : ( 54 ) أما الآية الثانية فقد أخبر تعالى فيها ان الناس ما منعهم { أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى } وهو بيان طريق السعادة والنجاة بالايمان وصالح الاعمال بعد التخلي عن الكفر والشرك وسوء الأعمال { ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين } بعذاب الاستئصال والإبادة الشاملة ، { أو يأتيهم } عذاب يوم القيامة معاينة وهو معنى قوله تعالى : { أو يأتيهم العذاب قبلاً } وحينئذ لا ينفع الإيمان . وقوله تعالى : { وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين } أي دعاة هداة يبشرون من آمن وعمل صالحاً بالجنة وينذرون من كفر ، وعمل سوءاً بالنار . فلم نرسلهم جبارين ولم نكلفهم بهداية الناس أجمعين ، لكن الذين كفروا يتعامون عن هذه الحقيقة ويجادلون { الباطل ليدحضوا به الحق } . { واتخذوا } آيات الله وحججه { وما أنذر } به من العذاب اللازم لكفرهم وعنادهم اتخذوه سخرية وهزءاً يهزءون به ويسخرون منه وبذلك أصبحوا من أظم الناس . وهو ما قررته الآية ( 57 ) إذ قال تعالى فيها : { ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه } أي من الإجرام والشر والشرك . اللهم إنه لا أحد اظلم من هذا الإنسان الكافر العنيد . ثم ذكر تعالى سبب ظلم وإعراض ونسيان هؤلاء الظلمة المعرضين الناسين وهو أنه تعالى حسب سنته فيمن توغل في الشر والظلم والفساد يجعل على قلبه كناناً يحيط به فيصبح لا يفقه شيئاً . ويجعل في أذنيه فلا يسمع الهدى . ولذا قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وإن تدعهم الى الهدى فلن يهتدوا إذاً } أي بعد ما جعل على قلوبهم من الأكنة وفي آذانهم من الوقر { أبداً } .
وقوله تعالى : { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا } أي لو يؤاخذ هؤلاء الظلمة المعرضين { لعجل لهم العذاب } ، ولكن مغفرته ورحمته تأبيان ذلك وإلا لعجل لهم العذاب فأهلكهم أمامكم وأنتم تنظرون .
ولكن { لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً } يئلون اليه ولا ملجأ يلجأون إليه . ويرجح أن يكون يكون ذلك يوم بدر لأن السياق في الظلمة العاندين المحرومين من هداية الله كأبي جهل ابن أبي معيط والأخنس بن شريق ، هذا أولاً . وثانياً قوله تعالى : { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلملوا } يريد أهل القرى من قوم هود وقوم صالح وقم لوط . { وجعلنا لمهلكهم موعداً } أي لهلاكهم موعداً محدداً فكذلك هؤلاء المجرمون من قريش ، وقد اهلكهم ببدر ولعنهم الى الأبد .
هداية الآيات :
1- لقد أعذر الله تعالى الى الناس بما يبين في كتابه من الحجج وما ضرب فيه من الأمثال .
2- بيان غزيزة الجدل في الإنسان والمخاصمة .
3- بيان مهمة الرسل وهي البشارة والنذارة وليست إكراه الناس على الإيمان .
4- بيان عظم ظلم من يذكر بالقرآن فيعوض ويواصل جرائمه ناسياً ما قدمت يداه .
5- بيان سنة الله في أن العبد إذا واصل الشر والفساد يحجب عن الإيمان والخير ويحرم الهداية ابداً حتى يهلك كافراً ظالماً فيخلد في العذاب المهين .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
شرح الكلمات :
{ وإذ قال موسى لفتاه } : أي أذكر إذ قال موسى بن عمران نبي بني إسرائيل لفتاه يوشع بن نون بن افرايم بن يوسف عليه السلام .
{ مجمع البحرين } : أي حيث ألتقى البحران بحر فارص وبحر الروم .
{ حقباً } : الحقب الزمن وهو ثمانون سنة والجمع أحقاب .
{ سبيله في البحر سرياً } : أي طريقه في البحر سرباً أي طريقاً كالنفق .
{ فلما جاوزا } : أي المكان الذي فيه الصخرة ومنه اتخذ الحوت طريقه في البحر سرياً .
{ في البحر عجباً } : أي عجباً لموسى حيث تعجب من إحياء الحوت وإتخاذه في البحر طريقاً كالنفق في الجبل .
{ قصصاً } : أي يتتبعان آثار أقدامهما .
{ عبداً من عبادنا } : هو الخضر عليه السلام .
{ مما عملت رشداً } : أي ما هو رشاد الى الحق ودليل على الهدى .
{ ما لم تحط به خراً } : اي علماً .
{ ولا أعصي لك أمراً } : أي انتهى الى ما تأمرني به وإن لم يكن موافقاً هواي .
معنى الآيات :
هذه قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وهي تقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتؤكدها . إذ مثل هذا القصص الحق لا يتأنى لأحد أن يقصه مالم يتلقه وحياً من الله عزوجل . قال تعالى : { وإذ قال موسى } أي أذكر يا رسولنا تدليلاً على توحيدنا ولقائنا ونبوتك . إذ قال موسى بن عمران نبينا الى نبي إسرائيل لفتاه يوشع بن نون { لا أبرح } أي سائراً { حتى أبلغ مجمع البحرين } حيث أرشدني ربي الى لقاء عبد هناك من عباده هو أكثر مني علماً حتى اتعلم منه علماً ازيده على علمي ، { أو أمضي حقباً } أي أواصل سيري زمناً طويلاً حتى أظفر بهذا العبد الصالح لأتعلم عنه . قوله تعالى : { فلما بلغا مجمع بينهما } أي بين البحرين وهما بحر فارس عند باب المندب حيث التقى البحر الأحمر والبحر الهندي . أو البحر الأبيض والأطلنطي عند طنجة والله أعلم بأيها أراد . وقوله { نسياً حوتمها } أي نسي الفتى الحوت ، إذ هو الذي كان يحمله ، ولكن نسب النسيان إليهما جرياً على المتعارف من لغة العرب ، وهذا الحوت قد جلعه الله تعالى علامة لموسى على وجود الخضر حيث يفقد الحوت ، إذ القصة كما في البخاري تبتدئ بأن موسى خطب يوماً في بنى إسرائيل فأجاد وأفاد فاعجب به شاب من بني إسرائيل فقال له : هل يوجد من هو اعلم منك موسى ؟ فقال : لا . فأوحى إليه ربه فوراً بلى عبدنا خضر ، فتاقت نفسه للقياه للتعلم عنه ، فسأل ربه ذلك ، فأرشده الى مكان لقياه وهو مجمع البحرين ، وجعل له الحوت علامة فأمره ان ياخذ طعامه حوتاً وأعلمه أنه إذا فقد الحوت فثم يوجد عبدالله خضر ومن هنا لما بلغا مجمع البحرين واستراحا فنام موسى والفتى شبه نائم وإذا بالحوت يخرج من المكتل ( وعاء ) ويشق طريقه الى البحر فينجاب عنه البحر فيكون كالطاق أو النفق آية موسى .
ويغلب النوم على يوشع فينام فلما استراحا قاما مواصلين سيرهما ونسي الفتى وذهب من نفسه خروج الحوت من المكتل ودخوله في البحر لغلبة النوم فلما مشيا مسافة بعيدة وشعرا بالجوع وقد جاوزا المنطقة التي هي مجمع البحرين قال موسى للفتى { آتنا غذاءنا } وعلل ذلك بقوله : { لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } أي تعباً . هنا قال الفتى لموسى ما قص الله تعالى : قال مجيباً لموسى { أرأيت } أي أتذكر { إذ أوينا الى الصخرة } التي استراحا عندها { فإني نسيت الحوت } وقال كالمعتذر ، { وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره ، واتخذ سبيله } أي طريقه { في البحر عجباً } أي حيي بعد موت ومشى حتى انتهى الى البحر وانجاب له البحر فكان كالسرب فيه أي النفق فأجابه موسى بما قص تعالى : { قال ذلك ما كنا نبغ } وذلك لأن الله تعالى جعل لموسى فقدان الحوت علامة على مكان الخضر الذي يوجد فيه { فارتدا } أي رجعا { على آثارهما قصصاً } أي يتتبعان آثار أقدامهما { فوجدا } خضراً كما قال تعالى : { فوجدا عبداً من عبادنا } وهو خضر { آتيناه رحمة من لدنا } أي نبوة { وعلمناه من لدنا علماً } وهو علم غيب خاص به { وقال له موسى } مستعطفاً له { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً } أي مما علمك الله رشداً أي رشاداً يدلني على الحق وتحصل لي به هداية فأجابه خضر بما قال تعالى : { قال إنك لن تستطيع معي صبراً } يريد أن يرى منه اموراً لا يقره عليها وخضر لا بد يفعلها فيتضايق موسى لذلك ولا يطيق الصبر ، وعلل له عدم استطاعته الصبر بقوله { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } أي علماً كاملاً . فأجابه موسى وقد صمم على الرحلة لطلب العلم مهما كلفه الثمن فقال { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } أي سأنتهي الى ما تأمرني وإن لم يكن موافقاً لما أحب وأهوى .
هداية الآيات :
1- عتب الله تعالى على رسوله يا موسى عليه السلام سئل هل هناك من هو اعلم منك فقال لا وكان المفروض أن يقول على الأقل الله أعلم . فعوقب لذللك فكلف هذه الرحلة الشاقة .
2- استحباب الرفقة في السفر ، وخدمة التلميذ للشيخ ، إذ كان يوشع يخدم موسى بحمل الزاد . 3- طروء النسيان على الانسان مهما كان صالحاً .
4- مراجعة الصواب بعد الخطأ خير من التمادي على الخطأ { فارتدا على آثارهما قصصا } ؟
5- تجلى قدرة الله تعالى في إحياء الحوت بعد الموت ، وانجياب الماء عليه حتى كان كالطاق فكان للحوت سرباً ولموسى وفتاه عجباً . وبه استدل موسى اي بهذا العجب على مكان خضر فوجده هناك .
6- استحباب طلب المزيد من العلم مهما كان المرء عالماً وهنا أورد الحديث التالي وهو خير من قنطار ذهباً لمن حفظه وعمل به وهو قول ابن عباس رضي الله عنه قال سأل موسى ربه : قال رب أي عبادك احب إليك ؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني ، قال : فأي عبيدك أقضى ؟ قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ، قال : أي رب عبادك اعلم ؟ قال : الذي يبتغي علم الناس الى علم نفسه عسى ان يصيب كلمة تهديه الى هدى أو ترده عن ردى ، وللأثر بقية ذكراه ابن جرير عند تفسير هذه الآيات .
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
شرح الكلمات :
{ ذكراً } : أي بياناً وتفصيلاً لما خفي عليك .
{ لقد جئت شيئاً إمراً } : أي فعلت شيئاً منكراً .
{ لا ترهقني } : أي لا تغشيني بما يعسر علي ولا أطيق حمله علي صحبتي إياك .
{ نفساً زكية } : أي طاهرة لم تتلوث روحها بالذنوب .
{ بغير نفس } : أي بغير قصاص .
{ نكراً } : الأمر الذي تنكره الشرائع والعقول من سائر المناكر! وهو المنكر الشديد النكارة .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحوار الذي بين موسى السلام والعالم الذي أراد أن يصحبه لطلب العلم منه وهو خضر . قوله تعالى : { قال } أي خضر { فإن اتبعني } مصاحباً لي لطلب العلم { فلا تسألني عن شيء } أفعله مما لا تعرف له وجهاً شرعياً { حتى أحدث لك منه ذكراً } أي حتى أكون أنا الذي يبين لك حقيقته وما جهلت منه . وقوله تعالى : { فانطلقا } أي بعد رضا موسى بطلب خضر انطلقا يسيران في الأرض فوصلا ميناء من المواني البحرية ، فركبا سفينة كان خضر يعرف أصحابها فلم يأخذوا منهما أجر الإركاب فلما أقلعت السفينة ، وتوغلت في البحر أخذ خضر فأساً فخرق السفينة ، فجعل موسى يحشو بثوب له الخرق ويقول : { أخرقتها لتغرق أهلها } على انهما حملانا بدون نول { لقد جئت شيئاً إمراً } أي أتيت يا عالم منكراً فظيعاً فأجابه خضر بما قص تعالى : { قال ألم أقل إنك لن تستطيع صبراً } فأجاب موسى بما ذكر تعالى عنه : { قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } أي لا تعاقبني بالنسيان فإن الناسي لا حرج عليه . وكانت هذه من موسى نسياناً حقاً ولا تغشني بما يعسر علي ولا أطيقه فاتضايق من صحبتي إياك .
قال تعالى : { فانطلقا } بعد نزولهما ومن البحر الى البر فوجدا غلاماً جميلاً وسيماً يلعب مع الغلمان فأخذه خضر جانباً وأضجعه وذبحه فقال له موسى بما أخبر تعالى عنه : { أقتلت نفساً زكية بغير نفس } زاكية طاهرة لم يذنب صاحبها ذنباً تلوث به روحه ولم يقتل نفساً يستوجب بها القصاص { لقد جئت شيئاً نكراً } أي أتيت منكراً عظيماً بقتلك نفساً طاهرة ولم تذنب ولم تكن هذه نسياناً من موسى بل كان عمداً أنه لم يطق فعل منكر كهذا لم يعرف له وجهاً ولا سبباً .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- جواز الأشتراط في الصحبة وطلب العلم وغيرهما للمصلحة الراجحة .
2- جواز ركوب السفن في البحر .
3- مشروعية إنكار المنكر على من علم أنه منكر .
4- مشروعية القصاص وهو النفس بالنفس .
يتبع إن شاء الله...


تفســير ســورة الكهـــف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

تفســير ســورة الكهـــف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفســير ســورة الكهـــف   تفســير ســورة الكهـــف Emptyالثلاثاء 01 أبريل 2014, 3:43 am

بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
شرح الكلمات :
{ قال ألم أقل لك } : أي قال خصر لموسى عليهما السلام .
{ بعدها } : أي بعد هذه المرة .
{ فلا تصاحبني } : أي لا تتركني أتبعك .
{ من لدني عذراً } : أي من قبلي « جهتي » عذراً في عدم مصاحبتي لك .
{ أهل قرية } : مدنية أنطاكية .
{ استطعما أهلها } : أي طلبا منهم الطعام الواجب للضيف .
{ يريد أن ينقض } : أي قارب السقوط لميلانه .
{ فأقامه } : أي الخضر بمعنى أصلحه حتى لا يسقط .
{ أجراً } : أي جعلا على إقامته وإصلاحه .
{ هذا فراق بيني وبينك } : أي قولك هذا { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } هو نهاية الصحبة وبداية المفارقة .
{ بتأويل } : أي تفسير ما كنت تنكره على حسب علمك .
معنى الآيات : ما زال السياق في محاورة الخضر مع موسى عليهما السلام ، فقد تقدم إنكار موسى على الخضر قتله الغلام بغير نفس ، ولا جرم إرتكبه ، وبالغ موسى في إنكاره الى أن قال : { لقد جئت شيئاً نكراً } فأجابه خضر بما أخبر تعالى به في قوله : { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } لما سألتني الصحبة للتعليم ، فأجاب موسى بما أخبر تعالى له في قوله : { قال إن سألتك عن شيء بعدها ) أي بعد هذه المرة { فلا تصاحبني } أي أترك صحبتي فإنك { قد بلغت من لدني } أي من جهتي وقبلي عذراً في تركك إياي .
قال تعالى : { فانطلقا } في سفرهما { حتى أتيا أهل قرية } « أي مدينة » قيل إنها انطاكية ووصلاها في الليل والجو بارد فاستطعما أهلها أي طلباً منهم الضيف الواجب له { فأبوا أن يضيفوهما ، فوجدا فيها } أي في القرية { جداراً يريد أن ينقض } أي يسقط فأقامة الخضر وأصلحه فقال موسى له : { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } أي جعل مقابل إصلاحه ، لا سيما أن اهل هذه القرية لم يعطونا حقنا من الضيافة . وهنا قال الخضر لموسى : { هذا فراق بيني وبينك } لانك تعهدت إنك اذا سألتني بعد حادثة قتل الغلام عن شيء ان لا تطلب صحبتي وها انت قد سألتني ، فهذا وقت فراقك إذاً { سأنبئك } أي أخبرك { بتأويل ما لم تستطيع عليه صبراً } من خرق السفينة الغلام وإقامة الجدار .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب الوفاء بما التزم به الإنسان لآخر .
2- وجوب الضيافة لمن استحقها .
3- جواز التبرع بأي خير أو عمل إبتغاء وجه الله تعالى .
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
شرح الكلمات :
{ المساكين } : جمع مسكين وهو الضعيف العاجز عن الكسب .
{ يعلمون في البحر } : أي يؤجرون سفينتهم للركاب .
{ أعيبها } : أي أجعلها معيبة حتى لا يرغب فيها .
{ غضباً } : أي قهراً .
{ أن يرهقهما طغياناً وكفراً } : أي يغشاهما : ظلماً وجحوداً .
{ وأقرب رحما } : أي رحمة إذ الرحم والرحمة بمعنى واحد .
{ وما فعلته عن امري } : أي عن اختيار مني بل بأمر ربي جل جلاله وعظم سلطانه . معنى الآيات :
هذا آخر حديث موسى والخضر عليهما السلام ، فقد واعد الخضر موسى عندما اعلن له عن فراقه أن يبين له تأويل مالم يستطع عليه صبراً ، وهذا بيانه قال تعالى « حكاية عن الخضر » { أما السفينة } التي خرقتها وأنكرت علي ذلك { فكانت لمساكين يعملون في البحر } يؤجرون سفينتهم بما يحصل لهم بعض القوت { فأردت أن أعيبها } لا لأغرق أهلها ، { وكان رواءهم ملك } ظالم { يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } أي قهراً وإنما أردتان أبقيها لهم إذ الملك المذكور لا يأخذ إلا السفن الصالحة { وأما الغلام } الذي قتلت وأنكرت عليّ قتله { فكان أبواه مؤمنين فخشياً } إن كبر { أن يرهقهما } أي يغشيهما { طغياً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة } أي طهراً وصلاحاً { وأقرب رحماً } أي رحمة وبراً فلذا قتته ، { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما ، وكان ابوهما صالحاً فأراد ربك ان يبلغا أشدهما } أي سن الرشد { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } أي كان ذلك رحمة { وما فعلته عن أمري } أي عن إرادتي وإختياري بل كان بأمر ربي وتعليمه . { ذلك } أي هذا { تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- بيان ضروب من خفي ألطاف الله تعال فعلى المؤمن أن يرضى بقضاء الله تعالى وإن كان ظاهره ضاراً .
2- بيان حسن تدبير الله تعالى لأوليائه بما ظاهره عذاب ولكن في باطنه رحمة .
3- مراعاة صلاح الأباء في إصلاح حال الأبناء .
4- كل ما أتاه الخضر كان بوحي إلهي وليس هو مما يدعيه جهال الناس ويسمونه بالعلم اللدني وأضافوه الى من يسمونهم الأولياء ، وقد يسمونه كشفاً ، ويؤكد بطلان هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الخضر قال لموسى : أنا على علم علمني رب وأنت على علم مما علمك الله وإن علمي وعلمك الى علم الله الا كما يأخذ الطائر بمنقاره من البحر .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
شرح الكلمات :
{ ويسألونك } : أي كفار قريش بتعليم يهود لهم .
{ ذي القرنين } : الإسكندر باني الأسكندرية المصرية الحميري أحد الملوك التبابعة وكان عبداً صالحاً .
{ سأتلوا عليكم منه ذكراً } : سأقص عليكم من حاله خيراً يحمل موعظة وعلماً .
{ مكنا له في الأرض } : بالحكم والتصرف في ممالكها .
{ من كل شئ سببا } : أي يحتاج إليه سبباً موصلاً الى مراده .
{ فأتبع سببا } : أي فأتبع السبب سبباً آخر حتى انتهى الى مراده .
{ تغرب في عين حمئة } : ذات حماة وهي الطين الأسود وغروبها إنما هو نظر العين وألا فالشمس في السماء والبحر في الأرض .
{ قوماً } : أي كافرين .
{ عذاباً نكرا } : أي عظيماً فظيعاً .
{ يسرا } : أي ليناً من القول سهلاً من العمل .
{ قوم لم نجعل لهم من دونها } : القوم هو الزنج ولم يكن لهم يومئذ ثياب يلبسونها ولا منازل يسكنونها وإنما لهم أسراب في الأرض يدخلون فيها .
{ كذلك } : أي الأمر كما قلنا لك ووصفنا .
{ بين السدين } : السدان جبلان شمال شرق بلاد الترك سد ذو القرنين ما بينهما فقيل فيهما سدان .
{ قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } : لا يفهمون كلام من يخاطبهم الا بشدة وبط وهم يأجوح ومأجوج .
معنى الآيات : هذه قصة العبد الصالح ذي القرنين الحميري التعبي على الراجح من أقوال العلماء ، وهو الأسنكدر باني الأسكندرية المصرية ، ولأمر ما لقب بذي القرنين ، وكان قد تضمن سؤال قريش النبي صلى الله عليه وسلم بإيعاذ من يهود المدينة ذا القرنين إذ قالوا لقريش سلوه عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين فإن أجابكم عنها فإنه نبي ، وإلا فهو غير نبي فروا رأيكم فيه فكان الجواب عن الروح في سورة الإسراء وعن الفتية وذي القرنين في سورة الكهف هذه وقد تقدم الحديث التفصيلي عن أصحاب الكهف في أول السورة وهذا بدء الحديث المتضمن للإجابة عن الملك ذي القرنين عليه السلام قال تعالى : { ويسألونك } يا نبينا { عن ذي القرنين قل } للسائلين من مشركي قريش { سأتلوا عليكم منه ذكرا } أي سأقرأ عليكم من أمره وشأنه العظيم ذكراً خبراً يحمل الموعظة والعلم والمعرفة : وقوله تعالى : { إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً . } هذه بداية الحديث عنه فأخبر تعالى أنه مكن له في الأرض بالملك والسلطان ، واعطاه من كل شيء يحتاج إليه في فتحه الأرض ونشر العدل والخير فيها سبباً يوصله الى ذلك ، وقوله { فأتبع سبباً } حسب سنة الله في تكامل الأشياء فمن صنع إبرة وتابع الأسباب التي توصل بها الى صنع الأبرة فإنه يصنع المسلة ، وهكذا تابعه بين أسباب الغزو والفتح والسير في الأرض { حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة } وهي على ساحل المحيط الأطلنطي ، وكونها تغرب فيها هو بحسب رأي العين ، والا فالشمس في السماء والعين الحمئة والمحيط الى جنبها في الأرض وقوله تعالى : { ووجد عندها } أي عند تلك العين في ذلك الإقليم المغربي { قوماً } أي كافرين غير مسلمين فأذن الله تعالى له في التحكم والتصرف فيهم إذ يسر له أسباب الغلبة عليهم وهن معنى قوله تعالى : { قلنا يا ذا القرنين } وقد يكون نبياً ويكون قوله الله تعالى هذا له وحياً وهو { إما أن تعذب } بالأسر والقتل ، { وإما أن تتخذ فيهم حسناً } وهذا بعد حربهم والتغلب عليهم فأجاب ذو القرنين ربما أخبر تعالى به : { أما من ظلم } أي بالشرك والكفر { فسوف نعذبه } بالقتل والأسر ، { ثم يرد الى ربه } بعد موته { فيعذبه عذاباً نكراً } أي فظيعاً أليماً .
{ وأما من آمن وعمل صالحاً } أي يسلم وحسن اسلامه { فله جزاء } على إيمانه وصالح أعماله { الحسنى } أي الجنة في الآخرة { وسنقول له من أمرنا يسرا } فلا نغلظ له في القول ولا نكلفه ما يشق عليه ويرهقه .
وقوله تعالى : { ثم أتبع سبباً } أي ما تحصل عليه من القوة فتح المغرب استخدمه في مواصلة الغزو والفتح في المشرق { حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم } بدائيين لم تساعدهم الأرض التي يعشيون عليها على التحضر فلذا هم لا يبنون الدور ولا يلبسون الثياب ، ولكن يسكنون الكهوف والمغارات والسراديب وهو ما دل عليه قوله تعالى : { لم نجعل من دونها } أي الشمس { ستراً } . وقوله تعالى : { كذلك } أي القول الذي قلنا والوصف الذي وصفنا لك من حال ذي القرنين { وقد أحطنا } من قوة وأسباب مادية وروحية { خبرا } اي علما كاملاً . وقوله تعالى : { ثم أتبع } أي ذو القرنين { سببا } أي واصل طريقه في الغزو والفتح { حتى إذا بلغ بين السدين } وهما جبلان بأقصى الشمال الشرقي للأرض بنى ذو القرنين بينهما سداً عظيماً حال به دون غزو يأجوج ومأجوج للأقليم المجاور لهم ، وهم القوم الذين قال تعالى عنهم ( وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً ) فلا يفهمون ما يقال لهم ويخاطبون به إلا بشدة وبطء كبير .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- تقرير نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ هذا جواب آخر أسئلة قريش الثلاثة . قرأه عليهم قرآنا موحى به إليه .
2- إتباع السبب السبب ويصل به ذو الرأي والإرادة الى تحقيق ما هو كالمعجزات .
3- قول : ذو القرنين : { أما من ظلم . . . . . الخ } يجب ان يكون مادة دستورية يحكم به الأفراد والجماعات لصدقها وإجابيتها وموافقتها لحكم الله تعالى ورضاه ، ومن الأسف أن يعكس هذا القول السديد والحكم الرشيد فيصبح اهل الظلم مكرمين لدى الحكومات ، وأهل الإيمان والإستقامة مهانين!!
4- بيان وجود أمم بدائية الى عهد ما بعد ذي القرنين لا يلبسون ثياباً ولا يسكنون سوى الكهوف والمغارات ويوجد في البلاد الكيئية الى الآن قبائل لا يرتدون الثياب ، وإنما يضعون على فروجهم خيوط وسيور لا غير .
5- تقرير أن هذا الملك الصالح قد ملك الأرض فهو أحد أربعة حكموا شرقاً وغرباً .
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
شرح الكلمات :
يأجوج ومأجوج : قبيلتان من أولاد يافث بن نوح عليه السلام والله أعلم .
{ نجعل لك مخرجاً } : أي جعلا مقابل العمل .
{ سداً } : السد بالفتح والضم الحاجز المانع بين شيئين .
{ ردماً } : حاجزاً حصيناً وهو السد .
{ زبر الحديد } : جمع زبرة قطعة من حديد على قدر الحجرة التي يبنى بها .
{ بين الصدفين } : اي صدف الجبلين اي جانبهما .
{ قطرا } : القطر النحاس المذاب .
{ فما ااستطاعوا أن يظهروه } : أي عجزوا عن الظهور فوقه لعلوه وملاسته .
{ نقباً } : أي فتح ثغرة تحت تحته ليخرجوا معها .
{ جعله دكا } : أي تراباً مساوياً للأرض .
{ وتركنا بعضهم } : أي يأجوج ومأجوج أي يذهبون ويجيئون في اضطراب كموج البحر .
{ أعينهم في غطاء عن ذكري } : أي عن القرآن لا يفتحون أعينهم فيما تقرأه عليهم بغضاً له أو أعين قلوبهم وهي البصائر فهي في أكنة لا تبصر الحق ولا تعرفه .
{ لا يستطيعون سمعاً } : لبغضهم للحق والداعي إليه .
معنى الآيات :
ما زال السياق في حديث ذي القرنين إذ شكا إليه سكان المنطقة الشمالية الشرقية من الأرض ، بما أخبر تعالى به عنهم إذ قال : { قالوا يا ذا القرنين أن يأجوج وماجوج مفسدون في الأرض } أي القتل والأكل والتدمير والتخريب ، { فهل نجعل لك مخرجاً } أي أجراً { على أن تجعل بيننا وبينهم سداً } أي حاجزاً قوياً لا يصلون معه إلينا . فأجابهم ذو القرنين بما أخبر الله تعالى به في قوله : { قال ما مكني فيه ربي } من المال القوة والسلطان { خير } أي من جعلكم وخرجكم { فأعيوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً } أي أي سداً قوياً وحاجزاً مانعاً { آتوني زبر الحديد } أي قطع الحديد كل قطعة كاللبنة المضروية ، فجاءوا به إليه فأخذ يضع الحجارة وزبر الحديد ويبني حتى ارتفع البناء فساوى بين الصدفين جابني الجبلين ، وقال لهم { انفخوا } أي النار على الحديد { حتى إذا جعله نارا } قال آتوني بالنحاس المذاب أفرغ عليه قطرا فأتوه به فأفرغ عليه من القطر ما جعله كأنه صفيحة واحدة من نحاس { فما اسطاعوا } أي يأجوج وماجوج { أن يظهروه } أي يعلوا فوقه ، { وما استطاعوا له نقباً } أي خرقاً فلما نظر إليه وهو جبل شامخ وحصن حصين قال هذا من رحمة ربي أي من أثر رحمة ربي عليّ وعلى الناس وأردف قائلاً { فإذا جاء وعد ربي } وهو خروج يأجوج ومأجوج عند قرب الساعة { جعله دكا } أي تراباً مساوياً للأرض ، { وكان وعد ربي حقا } وهذا مما وعد به وأنه كائن لا محالة قال تعالى : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } أي مختلطين مضطرين أنسهم وجنهم { ونفخ في الصور } نفخة البعث { فجمعناهم } للحساب والجزاء { جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً } حقيقياً يشاهدونها فيه من قرب ، ثم ذكر ذنب الكافرين وعلة عرضهم على النار فقال : وقوله الحق : { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } أي أعين قلوبهم وهي البصائر فلذا هم لا ينظرون في آيات الله الكونية فيستدلون بها على وجود الله ووجوب عبادته وتوحيده فيها ، ولا في آيات الله القرآنية فيهتدون بها الى أنه لا إله إلا الله ويعبدونه بما تضمنته الآيات القرآنية ، { وكانوا لا يستطيعون سمعاً } للحق ولما يدعوا إليه رسل الله من الهدى والمعروف .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- مشروعية الجعالة للقيام بالمهام من الأعمال .
2- فضيلة التبرع بالجهد الذاتي والعقلي .
3- مشروعية التعاون على ما هو خير ، أو دفع للشر .
4- تقرير وجود أمة يأجوج ومأجوج وأن خروجهم من أشراط الساعة .
5- تقرير البعث والجزاء .
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)
شرح الكلمات :
{ أفحسب الذين كفروا } : الأستفهام للتقريع والتوبيخ .
{ أن يتخذوا عبادي } : كالملائكة وعيسى بن مريم والعزير وغيرهم .
{ أولياء } : أرباباً يعبدونهم بأنواع من العبادات .
{ نزلاً } : النزل : ما يعد للضيف من قرى وهو طعامه وشرابه ومنامه .
{ ضل سعيهم } : أي بطل عملهم وفسد عليهم فلم ينتفعوا به .
{ يحسنون صنعاً } : أي بعمل يجازون عليه بالخير وحسن الجزاء .
{ بآيات ربهم } : أي بالقرآن وما فيه من دلائل التوحيد والأحكام الشرعية .
{ ولقائه } : أي كفروا بالبعث والجزاء .
{ وزناً } : أي لا نجعل لهم قدراً ولا قيمة بل نزدريهم ونذلهم .
{ ذلك } : أي أولئك جزاؤهم وأطلق لفظ ذلك بدل أولئك ، لأنهم بكفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا غثاء كغثاء السيل لا خير فيه ولا وزن له فحسن أن يثار إليه بذلك .
معنى الآيات :
ينكر تعالى على المشركين شركهم ويوبخهم مقرعاً لهم عاى ظنهم ان اتخاذهم عباده من دونه أولياء يعبدونهم كالملائكة حيث عبدهم بعض العرب والمسيح حيث عبده النصارى ، والعزير حيث عبده بعض اليهود ، لا يغضبه تعالى ولا يعاقبهم عليه . وكيف لا يغضبه ولا يعاقبهم عليه وقد أعد جهنم للكافرين نزلاً أي دار ضيافة لهم فيها طعامهم وفيها شرابهم وفيها فراشهم كما قال تعالى { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } هذا ما دلت عليه الآية الأولى ( 102 ) وهي قوله { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء . إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا } . وقوله تعالى في الآية الثانية ( 103 ) يخبر تعالى بأسلوب الاستفهام للتشويق للخبر فيقول { قل هل ننبئكم } أيها المؤمنون { بالأخسرين أعمالاً } إنهم { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } أي عملاً ، ويعرفهم فيقول { أولئك الذي كفروا بآيات ربهم } فلم يؤمنوا بها ، وبلقاء ربهم فلم يعلموا العمل الذي يرضيه عنهم ويسعدهم به وهو الإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله لعباده المؤمنين به يتقربون به إليه . فلذلك حبطت أعمالهم لأنها شرك وكفر وشر الباطلة فإن أحدهم لا يزن جناح بعوضة لخفته.
وأخيراً أعلن تعالى عن حكمه فيهم وعليهم فقال { ذلك } أي المذكور من غثاء الخلق { جزاؤهم جهنم . } وعلل للحكم فقال : { بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً } أي سبب كفرهم واستهزائهم بآيات ربهم وبرسله فكان الحكم عادلاً ، والجزاء موافقاً والحمد الله رب العالمين .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير شرك من يتخذ الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء آلهة يعبدوهم تحت شعار التقرب الى الله تعالى والاستشفاع بهم والتوسل الى الله تعالى بحبهم والتقرب إليهم .
2- تقرير هلاك أصحاب الأهواء الذين يعبدون الله تعالى بغير ما شرع ويتوسلون إليه بغير ما جعله وسلية لرضاه وجنته . كالخوارج والرهبان من النصارى والمبتدعة الروافض والأسماعيلية ، والنصيرية والدروز ومن إليهم من غلاة المبتدعة في القعائد والعبادات والأحكام الشرعية .
3- لا قيمة ولا ثقل ولا وزن لعمل لا يوافق رضا الله تعالى وقبوله له ، كما وزن عند الله تعالى لصاحبه ، وإن مات خوفاً من الله أو شوقاً إليه .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
شرح الكلمات :
{ كانت لهم } : أي جزاء إيمانهم وعملهم الصالح .
{ الفردوس نزلاً } : هو وسط الجنة وأعلاها ونزلاً منزل إكرام وإنعام .
{ لا يبغون عنها حولاً } : أي لا يطلبون تحولاً منها لأنها لا خير منها أبداً .
{ لو كان البحر } : أي ولم تنفذ هي أي لم تفرغ .
{ يرجو لقاء ربه } : يأمل وينتظر البعث والجزاء يوم القيامة حيث يلقى ربه تعالى .
{ ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } : أي لا يرائي بعمله أحداً ولا يشرك في عبادة الله تعالى غيره تعالى .
معنى الآبات :
بعدما ذكر تعالى جزاء اهل الشرك والأهواء وأنه جهنم ناسب ذكر جزاء اهل الايمان والتقوى التي هي عمل الصالحات واجتناب المحرمات فقال : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي صدقدوا الله ورسوله وآمنوا بلقاء الله ، ووعد لأوليائه ، ووعيده لأعدائه من أهل الشرك والمعاصي ، وعملوا الصالحات فأدوا الفرائض والواجبات وسارعوا في النوافل والخيرات هؤلاء { كانت لهم } في علم الله وحكمه { جنات الفردوس } أي بساتين الفردوس منزلاً ينزلونه ودار كرامة يكرمون فيها وينعمون ، والفردوس أعلى الجنة وأوسطها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفاً لها ومرغباً فيها وقد ارتادها وانتهى الى مستوى فوقها ليلة الإسراء والمعراج قال : « إن سألتم الله فسالوه الفردوس فغنها أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن تبارك وتعالى ، ومنه تفجر أنهار الجنة » ، كما في الصحيح ، وقوله تعالى { خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً } أي ماكثين فيها أبداً لا يطلبون متحولاً عنها إذ نعيمها لا يمل وسعادتها لا تنقص ، وصفوها لا يكدر وسرورها لا ينغص بموت ولا بمرض ولا نصب ولا تعب جعلني الله ومن قال أمين من أهلها . آمين . وقوله تعالى : { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } تضمنت هذه الآية رداً على اليهود الذين لما نزل قول الله تعالى { وما أوتيتم من العلم الا قليلا } في الرد عليهم لما سألوا عن الروح بواسطة وفد قريش اليهم . فقالوا : أوتينا التوارة وفيها علم كل شيء فأنزل الله تعالى قل لو كان البحر مداداً الآية رداً عليهم وإبطالاً لمزاعمهم فأعلمهم وأعلم كل من يدعي العلم الذي ما فوقه علم بأنه لو كان البحر مدادا وكان كل غصن وعود في أشجار الدنيا كلها قلماً ، وكتب بهما لنفذ ماء البحر وأغصان الشجر ولم تنفذ كلمات ربي التي تحمل العلوم والمعارف الإلهية وتدل عليها وتهدي إليها فسبحان الله وبحمده ، سبحانه الله العظيم سبحان الله الذي انتهى إليه كل شيء وهو على كل شيء قدير . وقوله تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي الي أنما إلهكم إله واحد } . يأمر تعالى رسوله بأن يقول للمشركين الذين يطلبون منه المعجزات كالتي أوتى موسى وعيسى : إنما أنا بشر مثلكم لا أقدر على ما لا تقدرون عليه أنتم ، والفرق بيننا هو أنه يوحى الى الامر من ربي وأنتم لا يوحى اليكم يوحى الي أنما إلهكم أي معبودكم الحق وربكم الصدق هو إله واحد الله ربكم ورب آبائكم الأولين .
وقوله { فمن كان يرجو } أي يأمل وينتظر { لقاء ربه } خوفاً منه وطمعاً فيه { فليعمل عملاً صالحاً } وهو مؤمن موقن ، { ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } فإن الشرك محبط للعمل مبطل له ، وبهذا يكون رجاء صادقاً وانتظاره صالحاً صائباً .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء .
2- بيان أفضل الجنان وهو الفردوس الأعلى .
3- علم الله غير متناهي لأن كلماته غير متناهية .
4- تقرير صفة الكلام لله تعالى .
5- تقرير بشرية النبي ( صلى الله عليه وسلم وأنه ليس روحاً ولا نوراً فحسب كما يقول الغلاة الباطنية . 6- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك .
7- تقرير ان الرياء شرك لما ورد ان الآية نزلت في بيان حكم المرء ويجاهد يريد وجه الله ويرغب ان يرى مكانة بين الناس ، يصلى ويصوم ويجب أن يثنى عليه بذلك .
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليًا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب: أيسر التفاسير
المؤلف: أبو بكر الجزائري
مصدر الكتاب: موقع التفاسير
http://www.altafsir.com


تفســير ســورة الكهـــف 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
تفســير ســورة الكهـــف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: اقـرأ سـورة الكـهف-
انتقل الى: