تفسير سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
شرح الكلمات :
{ الحمد لله } : الحمد الوصف بالجميل ، والله علم على ذات الرب تعالى .
{ الكتاب } : القرآن الكريم .
{ ولم يجعل لع عوجاً } : اي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانيه .
{ قيما } : أي ذا اعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط في كل ما حواه ودعا إليه من التوحيد والعبادة والآداب والشرائع والأحكام .
{ بأساً شديداً } : عذاباً ذا شدة وقسوة وسوء عذاب في الآخرة .
{ من لدنه } : من عنده سبحانه وتعالى .
{ أجرأ حسناً } : أي الجنة إذ هي أجر المؤمنين العاملين بالصالحات .
{ غن يقولون الا كذباً } : أي ما يقولون الا كذباً بحتاً لا واقع له من الخارج .
{ باخع نفسك } : قاتل نفسك كالمنتحر .
{ بهذا الحديث أسفاً } : أي بالقرآن من أجل الأسف الذي هو الحزن الشديد .
معنى الآيات :
أخبر تعالى في فاتحة سورة الكهف بانه المستحق للحمد ، وأن الحمد لله وذكر موجب ذلك ، وهو إنزاله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الفخم العظيم وهو القرآن العظيم الكريم فقال : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } وقوله تعالى ، { ولم يجعل له عوجاً } أي ولم يجعل لذلك الكتاب العظيم عوجاً أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانية فهو كلام مستقيم محقق للآخذ به كل الكتب السابقة مهيمناً عليها الحق فيها ما احقه والباطل وما أبطله .
وقوله { لينذر بأساً شديداً من لدنه } أي انزل الكتاب الخالي من العوج القيم من أجل أن ينذر الظالمين من اهل الشرك والمعاصي عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة ينزل بهم عن ربهم الذين كفروا به وأشركوا وعصوه وكذبوا رسوله وعصوه .
ومن أجل ان يبشر بواسطته أيضاً { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي يخبرهم بما يسرهم ويفرح قلوبهم وهو أن لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وقوله تعالى : { لينذر } بصورة خاصة أولئك المتقولين على الله المفترين عليه بنستهم الولد اليه فقالوا : { اتخذ الله ولداً } وهو اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب الذين قالوا ان الملائكة بنات الله!
هذا ما دل عليه قوله تعالى : { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً } وهو قول توارثوه لا علم لأحد منهم ، وإنما هو مجرد كذب يتناقلونه بينهم لذا قبح الله قولهم هذا وعجب نته القعلاء ، فقال : { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } أي عظم قولهم { اتخذ الله ولداً } كلمة قالوها تخرج من أفواههم لا غير اذ لا واقع لها أبداً ، وقرر الانكار عليهم فقال : { إن يقولون الا كذباً } أي ما يقولون الا الكذب البحت الذي لا يعتمد على شيء من الصحة البتة .
وقوله { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفاً } يعاتب الله تعالى رسوله ويخفف عنه ما يجده في نفسه من الحزن على عدم إيمانه قومه واشتدادهم ي الكفر والتكذيب وما يقترحونه عليه من الآيات أي فلعلك يا رسولنا قاتل نفسك على إثر تفعل واصبر لحكم ربك فإنه منجز وعده لك بالنصر على قومك المكذبين لك .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- وجوب حمد الله تعالى على آلائه وعظيم نعمه .
2- لا يحمد إلا من له يقتضي حمده ، وإلا كان المدح كذباً وزوراً .
3- عظيم شأن القرآن الكريم وسلامته من الافراط والتفريط والانحراف في كل ما جاء به .
4- بيان مهمة القرآن وهي البشارة لأهل الإيمان والإنذار لأهل الشرك والكفران .
5- التنديد بالكذب على الله ونسبة ما لا يليق بجلاله وكماله إليه كالولد ونحوه .
6- تحريم الانتحار وقتل النفس من الحزن أو الخوف ونحوه من الغضب والحرمان .
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
شرح الكلمات :
{ صعيداً جزراً } : أي تراباً لا نبات فيه ، فالصعيد هو التراب والجزر الذي لا نبات فيه .
{ الكهف } : النقب الواسع في الجبل والضيق منه يقال له « غار » .
{ والرقيم } : لوح حجري رقمت فيه أسماء أصحاب الكهف .
{ أوى الفتية الى الكهف } : اتخذوه مأوى لهم ومنزلاً نزلوا فيه .
{ الفتية } : جمع فتى وهم شبان مؤمنون .
{ هيئ لنا من أمرنا رشداً } : أي ييسر لنا طريق رشد وهدايته .
{ فضربنا على آذانهم } : أي ضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات .
{ سنين عدداً } : أي اعواماً عدة .
{ ثم بعثناهم } : أي من نومهم بمعنى أيقظناهم .
{ أحصى لما لبثوا } : أي أضبط لأوقات بعثهم في الكهف .
{ أمداً } : أي مدة محدودية معلومة .
معنى الآيات:
قوله تعالى : { إنا جعلنا ما على الارض زينة لها } من حيوان وأشجار ونبات وأنهار وبحار ، وقوله { لنبلوهم } أي لنختبرهم { أيهم أحين عملاً } اي أيهم اترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا وقوله : { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } أي وإنا لمخربوها في يوم ، من الأيام بعد عمارتها ونضارتها وزينتها نجعلها { صعيداً جرزاً } أي تراباً لا نبات فيه ، إذا فلا تحزن با رسولنا ولا تغتم مما تلاقيه من قومك فإن مآل الحياة من أجلها عادوك وعصوننا الى أن تصبح صعيداً جزراً .
وقوله تعالى : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } أي أظننت أيها النبي أن أصحاب الكهف أي الغار في الكهف والرقيم وهو اللوح الذي كتبت عليه ورقم أصحاب الكهف وأنسابهم وقصتهم { كانوا من آياتنا عجباً } أي كان أعجب من آياتنا في خلق المخلوقات ، السموات والأرض بل من مخلوقات الله ما هو أعجب بكثير .
وقوله : { إذ أوى الفتية إلى الكهف } هذا شروع في ذكر قصتهم العجيبة ، أي اذكر للسائلين لك عن قصة هؤلاء الفتية ، إذا أووا الى الغار في الكهف فنزلوا فيه ، واتخذوه مأوى لهم ومنزلاً هروباً من قومهم الكفار أن يفتوهم في دينهم وهم سبعة شبان ومعهم كلب لهم فقالوا سائلين ربهم : { ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشدا } أي أعطنا من عندك رحمة تصبحنا في هجرتنا هذه للشرك والمشركين { وهيء لنا من أمرنا رشدا } أي ويسر لنا من أمرنا في فرارنا من ديار المشركين خوفاً على ديننا { رشداً } أي سداداً وصلاحاً ونجاة من أهل الكفر والباطل ، قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآيات وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية الى الكهف الذي ذكر الله في كتابه فقال بعضهم : كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى وكان لهم ملك عابد وثن دعاهم الى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم او يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف.
وقوله تعالى : { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً } اي فضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات فناموا في كهفهم سنين معدودة أي ثلاثمائة وتسع سنين ، وكانوا يتقلبون بلطف الله وتدبيره هم من جنب الى جنب حتى بعثهم من نومهم وهذا استجابة الله تعالى لهم إذ دعوه قائلين : { ربنا آتنا من لدنك رحمة } وقوله تعالى : { ثم بعثناهم } أي من نومهم ورقادهم { لنعلم اي الحزبين احصى لما لبثوا } أي في الكهف { أمداً } أي لنعلم علم مشاهدة ولينظر عبادي فيعلموا أي الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر لبثهم في الكهف كانت أحصى لمدة لبثهم الى مدى أي غاية كذا من السنين .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان العلة في وجود الزينة على هذه الأرض ، وهي الابتلاء والاختبار للناس ليظهر الزاهد فيها ، العارف بتفاهتها وسرعة زوالها ، وليظهر الراغب فيها المتكالب عليها الذي عصى الله من اجلها .
2- تقرير فناء كل ما على الأرض حتى تبقى صعيداً جرزاً وقاعاً صفصفاً لا يرى فيها عوج ولا أمت .
3- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بإجابة السائلين عن أصحاب الكهف بالايجاز والتفصيل .
4- تقرير التوحيد ضمن قصة أصحاب الكهف إذ فروا بدينهم خوفاً من الشرك الأصغر .
5- استجابة الله دعاء عباده المؤمنين الموحدين حيث استجاب للفتية فآواهم الغار ورعاهم حتى بعثهم بعد تغير الأحوال وتبدل العباد والبلاد .
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
شرح الكلمات :
{ نبأهم بالحق } : أي خبرهم العجيب بالصدق واليقين .
{ وزنادهم هدى } : أي إيماناً وبصيرة في دينهم ومعرفة ربهم حتى صبروا على الهجرة . { وربطنا على قلوبهم } : أي شددنا عليها فقويت عزائمهم حتى قالوا كلمة الحق عند سلطان جائر .
{ لن ندعوا من دونه إلها } : لن نعبد من دونه إلهاً آخر .
{ لولا يأتون عليهم بسلطان } : أي هلا يأتون بحجة قوية تثبت صحة عبادتهم .
{ على الله كذباً } : أي باتخاذ آلهة من دونه تعالى يدعوها ويعبدها .
{ فأووا إلى الكهف } : أي انزلوا في الكهف تسترون به على أعين أعدائكم المشركين .
{ ينشر لكم ربكم من رحمته } : أي يبسط من رحمته عليكم بنجاتكم مما فررتم منه .
{ ويهيء لكم من أمركم } : وييسر لكم من أموالكم الذي أنتم فيه من الغم والكرب .
{ مرفقا } : أي ما ترتفقون به وتنتفعون من طعام وشراب وإواء .
معنى الآيات :
بعد أن ذكر تعالى موجز قصة أصحاب الكهف أخذ في تفصيلها { نحن نقص عليكم نبأهم بالحق } أي نحن رب العزة والجلال نقص عليك أيها الرسول خبر أصحاب الكهف بالحق الثابت الذي لا شك فيه { إنهم فتية } ، جمع فتى { آمنوا بربهم } أي صدقوا بوجوده ومكارهه .
وقوله تعالى : { وربطنا على قلوبهم } أي قوينا عزائمهم بما شددنا على قلوبهم حتى قاموا وقالوا على رؤوس الملأ وأمام ملك كافر { ربنا رب السموات والأرض } أي ليس لنا رب سواء ، لن ندعو من دونه إلهاً مهما كان شأنه ، إذ لو اعترفنا بعبادة غيره لكنا قد قلنا إذا شططاً من القول وهو الكذب والغلو فيه وقوله تعالى : { هؤلاء قومنا اتخذوا دونه آلهة } يخبر تعالى عن قبل الفتية لما ربط الله على قلوبهم إذ قاموا في وجه المشركين الظلمة وقولوا : { هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة ، لولا يأتون عليهم بسلطان بين } أي هلا يأتون عليهم بسلطان بين أي بحجة واضحة تثبت عبادة هؤلاء الأصنام من دون الله ؟ ومن أين ذلك الحال أنه لا إله إلا الله؟!
وقوله تعالى : { فمن أظلم ممن افترى } ينفي الله عز وجل أن يكون هناك أظلم ممن افترى على الله كذباً باتخاذ آلهة يعبدها معه باسم التوسل بها وشعار التشفع والتقرب الى الله زلفى بواسطتها!! وقوله تعالى عن قيل أصحاب الكهف لبعضهم : { وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } من الأصنام والأوثان { فأووا إلى الكهف } أي فيصروا الى غار الكهف المسمى « بنجلوس » { ينشر لكم ربكم من رحمته } أي يبسط لكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي رميتم به من الكفار « دقينوس » { ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً } أي ما ترتفقون به من طعام وشراب وأمن في مأواكم الجديد الذي أويتم إليه فراراً بدينكم واستخفائكم من طالبكم المتعقب لكم ليفتنكم في دينكم أو يقتلكم .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير النبوة المحمدية بذكر قصة أصحاب الكهف .
2- تقرير زيادة الإيمان ونقصانه .
3- فضيلة الجرأة في الحق والتصريح به ولو أدى الى القتل أو الضرب أو السجن .
4- تقرير التوحيد وأنه لا إلا الله على لسان أصحاب الكهف .
5- بطلان عبادة غير الله لعدم وجود دليل عقلي أو نقلي عليها .
6- الشرك ظلم وكذب والمشرك ظالم مفتر كاذب .
7- تقرير فرض الهجرة في سبيل الله .
8- فضيلة الألتجاء الى الله تعالى وطلب حمايته لعبده وكفاية الله من لجأ إليه في صدق .
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
شرح الكلمات :
{ تزاور } : أي تميل .
{ تقرضهم } : تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم .
{ في فجوة منه } : متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها .
{ من آيات الله } : أي دلائل قدرته .
{ أيقاظاً } : جمع يقظ أي منتبهن لأن أعينهم منفتحة .
{ بالوصيد } : فناء الكهف .
{ رُعباً } : منعهم الله بسببه من الدخول عليهم .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم غي عرض قصة أصحاب الكهف يقول تعالى في خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم { وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم } أي تميل عنه ذات اليمين { وإذا غربت تقرضهم } أي تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم ذات الشمال . وقوله تعالى : { وهم في فجوة منه } أي متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها ، وقوله { ذلك من آيات الله } أي وذلك المذكور من ميلان الشمس عنهم إذا طلعت وقرضاً لهم اذا غربت من دلائل قدرة الله تعالى ورحمته بأوليائه ولطفه بهم ، وقوله تعالى : { ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً } يخبر تعالى ان الهداية بيده وكذلك الإضلال فليطلب العبد من ربه الهداية إلى صراطه المستقيم ، وليستعذ من الضلال المبين ، إذ من يضله الله لن يوجد له ولي يرشده بحال من الأحوال. وقوله تعالى : { وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود } أي أنك إذا نظرت إليهم تظنهم أيقاظاً أي منتبهين لأن أعينهم متفتحة وهم رقود نائمون لا يحسون بأحد ولا يشعرون ، وقوله تعالى : { ونقلبهم ذات اليمين } أي جهة اليمين { وذات الشمال } أي جهة الشمال حتى لا تعدو التربة على أجسادهم فتبليها ، وقوله { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } أي : وكلبهم الذي خرج معهم ، وهو كلب صيد { باسط ذراعيه بالوصيد } أي : بفناء الكهف .
وقوله تعالى : { لو اطلعت عليهم } أي لو شاهدتهم وهم رقود أعينهم مفتحة { لوليت منهم فراراً } لرجعت فاراً منهم { ولملئت منهم رعباً } أي خوفاً وفزعاً ، ذلك ان الله ألقى عليهم من الهيبة والوقار حتى لا يدنومنهم أحد ويسمهم بسوء الى أن يوقظهم عند نهاية الأجل الذي ضرب لهم ، ليكون أمرهم آية من آيات الله الدالة على قدرته وعظيم سلطانه وعجيب تدبيره في خلقه .
من هداية الآيات :
1- بيان لطف الله تعالى بأوليائه بإكرامهم في هجرتهم إليه .
2- تقرير أن الهداية بيد الله فالمهتدي من هداه الله والضال من أضله الله ولازم ذلك طلب الهداية من الله ، والتعوذ به من الضلال لأنه مالك ذلك .
3- بيان عجيب تدبير الله تعالى وتصرفه في مخلوقاته فسبحانه من إله عظيم عليم حكيم .
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
شرح الكلمات :
{ كذلك بعثناهم } : أي كما أنمناهم تلك النومة الطويلة الخارقة للعادة بعثناهم من رقادهم بعثاً خارقاً للعادة أيضاً فكان في منامهم آية وفي إقافتهم آية .
{ كم لبثتم } : أي في الكهف نائمين .
{ يوماً أو بعض يوم } : لأنهم دخلوا الكهف صباحاً واستيقظوا عشية .
{ بورقكم } : بدراهم الفضة التي عندكم .
{ الى المدينة } : أي المدينة التي كانت تسمى افسوس وهي طرسوس اليوم .
{ أزكى طعاماً } : أي أيُّ أطعمة المدينة أحلُ أي أكثر حلية .
{ وليتلطف } : أي يذهب يشتري الطعام ويعود في لطف وخفاء .
{ يرجموكم } : أي يقتلوكم رمياً بالحجارة .
{ أعثرنا عليهم } : أطلعنا عليهم أهل بلدهم .
{ ليعلموا } : أي قومهم أن البعث حق للأجساد والأرواح معاً .
{ إذ يتنازعون } : أي الكفار قالوا ابنوا عليهم أي حولهم بناء يسترهم .
{ فقالوا } : أي المؤمنون والكافرون في شأن البناء عليهم .
{ وقال الذين غلبوا على امرهم : وهو المؤمنون لنتخذن حولهم مسجداً يصلى فيه .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في الحديث عن أصحاب الكهف فقوله : { وكذلك بعثناهم ليتسألوا بينهم } أي كما أنمناهم ثلاثمائة سنة وتسعاً وحفظنا أجسادهم وثيابهم من البلى ومنعناهم من وصول أحد إليهم ، وهذا من مظاهر قدرتنا وعظيم سلطاننا بعثناهم من نومهم الطويل ليتساءلوا بينهم فقال قائل منهم مستفهماً كم لبثتم يا إخواننا فأجاب بعضهم قائلاً { لبثنا يوماً أو بعض يوم } لأنهم آووا الى الكهف في الصباح وبعثوا من رقادهم في المساء وأجاب بعض آخر بقول مرض للجميع وهو قوله : { ربكم أعلم بما لبثتم } فسلموا الأمر إليه ، وكانوا جياعاً فقالوا لبعضهم { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه } يشيرون الى عملة من فضة كانت معهم { الى المدينة } وهي أفسوس التي خرجوا منها هاربين بدينهم.
وقوله : { فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه } أي فلينظر الذي تبعثونه لشراء الطعام أي أنواع الأطعمة أزكى أي أطهر من الحرام والاستقذار { فليأتكم برزق منه } لتأكلوا سداً لجوعكم وليتلطف في شرائه وذهابه وإيابه حتى لا يشعر بكم أحد وعلل لقوله هذا بقوله { إنهم سداً أن يظهروا عليكم } أي يطلعوا { يرجموكم } أو يقتلوكم رجماً بالحجارة { أو يعيدوكم في ملتهم } ملة الشرك بالقسر والقوة . { ولن تفلحوا إذاً أبداً } أي ولن تفلحوا بالنجاة من النار ودخول الجنة إذا أنتم عدتم للكفر والشرك.. فكفرتم وأشركتم بربكم .
وقوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم } أي وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة وبعثناهم ليتساءلوا بينهم فيزدادوا إيماناً ومعرفة بولاية الله تعالى وحمايته لأوليائه { أعثرنا عليهم } أهل مدينتهم الذين انقسموا الى فريقين فريق يعتمد ان البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح ، وفريق يقول البعث الآخر للأرواح دون الأجسام كما هي عقيدة النصارى الى اليوم ، فأنام الله الفتية وبعثهم وأعثر عليهم هؤلاء القوم المختلفين فاتضح لهم أن الله قادر على بعث الناس أحياء أجساماً وأرواحاً كما بعث أصحاب الكهف وهو معنى قوله تعالى : { وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا } أي أولئك المختلفون في شأن البعث أن وعد الله حق وهو ما وعد به الناس من أنه سيبعثهم بعد موتهم يوم القيامة ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم.
{ وأن الساعة لا ريب فيها } وقوله تعالى : { إذ يتنازعون بينهم أمرهم } أي أعثرناهم عليهم في وقت كان اهل البلد يتنازعون في شأن البعث والحياة الآخرة هل هي بالأجسام والأرواح أو بألأرواح دون الأجسام . فتبين لهم بهذه الحادثة أن البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح معاً . وقوله تعالى : { فقالوا ابنوا عليهم بنياناً } واتركوهم في الكهف أي سدوا عليهم باب الكهف واتركوهم فيه لأنهم بعد أن عثروا عليهم ماتوا { ربهم أعلم بهم } وبحالهم .
وقوله تعالى : { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً } أي قال الذين غلبوا على أمر الفتية لكون الملك كان مسلماً معهم { لنتخذن عليهم مسجداً } أي للصلاة فيه وفعلاً بنوة على مقربة من فم الغار بالكهف .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته .
2- وحوب طلب الحلال في الطعام والشراب وغيرهما .
3- الموت على الشرك والكفر مانع من الفلاح يوم القيامة أبداً .
4- تقرير معتقد البعث والجزاء الذي ينكره أهل مكة .
5- مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم « لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » وقوله « إن أولئك إذ كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصورواً فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق الخلق يوم القيامة » « في الصحيحين» .
6- مصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم « لتتبعن سنن من قبلكم شبراً وذراعاً بذراع » . إذ قد بنى المسلمون على قبور الأولياء والصالحين المساجد. بعد القرون المفضلة حتى أصبح يندر وجود مسجد عتيق خال من قبر أو قبور.
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
شرح الكلمات :
{ رجماً بالغيب } : أي قذفاً بالظن غير يقين علم .
{ ما يعلمهم إلا قليل } : أي من الناس .
{ فلا تمار فيهم } : لا تجادل في عدتهم .
{ ولا تستفت فيهم منهم أحداً } : أي من أهل الكتاب ، الاستفتاء : الاستفهام والسؤال .
{ إلا أن يشاء الله } : أي إلا أن تقول إن شاء الله .
{ لأقرب من هذا رشداً } : هداية وأظهر دلالة على نبوتي من قصة أصحاب الكهف .
{ له غيب السموات والأرض } : أي علم غيب السموات والأرض وهو ما غاب فيهما .
{ أبصر به وأسمع } : أي أبصر بالله واسمع بع صيغة تعجب! والأصل ما أبصره وما أسمعه .
{ ما لهم من دونه من ولي } : أي ليس لأهل السموات والأرض من دون الله أي من ناصر .
{ ولا يشرك في حكمه أحداً } : لأنه غني عما سواه ولا شريك له .
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن أصحاب الكهف يخبر تعالى بأن الخائضين في شأن أصحاب الكهف سيقول بعضهم بأنهم ثلاثة رابعهم كلبهم ويقول بعض آخرهم خمسة سادسهم كلبهم { رجماً بالغيب } أي قذفاً بالغيب من غير علم يقيني ، ويقول بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم ، ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لأصحابه تلك الأقوال : { ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل } أي ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس قال ابن عباس من ذلك القليل والثاني قالوا ما قالوه من باب الرجم بالغيب لا من باب العلم والمعرفة ، وسكت عن الفريق الثالث ، فدل ذلك على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم والله أعلم . وقوله تعالى { فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهراً } أي ولا تجادل أهل الكتاب { أحداً } وذلك لأنهم يعلمون عدتهم وإنما يقولون بالخرص والتخمين لا بالعلم واليقين . وقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } أي لا تقل يا محمد في شأن تريد فعله مستقبلاً أي سأفعل كذا إلا أن تقول إن شاء الله ، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما سأله وفد قريش بإيعاز من اليهود عن المسائل الثلاث : الروح ، وأصحاب الكهف وذي القرنين ، قال لسائليه : أجيبكم غداً انتظاراً للوحي ولم يقل إن شاء الله ، فأدبه به تعالى بانقطاع الوحي عنه نصف شهر ، وأنزل هذه السورة وفيها تأديب له صلى الله عليه وقوله : { واذكر ربك إذا نسيت } أي إذا نسيت الاستثناء الذي علمناك فاذكره ولو بعد حين لتخرج من الحرج .
أما الكفارة فلازمة إلا أن يكون الاستثناء متصلاً وقوله تعالى : { وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً } أي وقل بعد النسيان والاستثناء المطلوب منك { عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً } أي لعل الله تعالى أن يهديني فيسددني لأّسَدَّ ما وعدتكم أن أخبركم به مما هو أظهر دلالة على نبوتي مما سألتموني عنه اختباراً .
وقوله تعالى { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا } يخبر تعالى أن الفتية لبثوا في كهفهم رقوداً من ساعة دخلوه إلى أن أعثر عليهم قومهم ثلاثمائة سنين بالحساب الشمسي وزيادة بالحساب القمري .
وقوله : { قل الله أعلم بما لبثوا } رد به على من قال من أهل الكتاب إن الثلاثمائة والتسع سنين هي من ساعة دخولهم الكهف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل الله هذا بتقرير الثلثمائة والتسع أولاً وبقوله { الله أعلم بما لبثوا } وثانياً وبقوله : { له غيب السموات والأرض } أي ما غاب فيهما ، ثالثاً ، وبقوله : { أبصر به وأسمع } أي ما أبصره بخلفه وما أسمعه لأقوالهم حيث لا يخفى عليه شيء من أمورهم وأحوالهم خامساً ، وقوله { ليس لهم } أي لأهل السموات والأرض من دونه تعالى { من ولي } أيْ ولا ناصر { ولا يشرك في حكمه أحداً } لغناه عما سواه ولعدم وجود شريك له بحال من الأحوال .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان اختلاف أهل الكتاب وعدم ضبطهم للأحداث التاريخية .
2- بيان عدد فتية أصحاب الكهف وأنهم سبعة وثامنهم كلبهم .
3- من الأدب مع الله تعالى أن لا يقول العبد سأفعل كذا مستقبلاً إلا قال بعدها إن شاء الله .
4- من الأدب من نسي الاستثناء أن يستثني ولو بعد حين فإن لا ينفعه الاستثناء إلا إذا كان متصلاً بكلامه .
5- تقرير المدة التي لبثها في كهفهم وهي ثلاث مائة وتسع سنين بالحساب القمري .
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
شرح الكلمات :
{ واتل ما أوحي إليك من الكتاب } : أي أقرأ تعبداً ودعوة وتعليماً .
{ لا مبدل لكلماته } : أي لا مغير لكلمات الله في ألفاظها ولا معانيها وأحكامها .
{ ملتحداً } : أي إحبسها .
{ يريدون وجهه } : أي طاعته ورضاه ، لا عرضاً من عرض الدنيا .
{ ولا تعد عيناك عنهم } : أي لا تتجاوزهم بنظرك الى غيرهم من أبناء الدنيا .
{ تريد زيمة الحياة الدنيا } : أي بمجالستك الأغنياء تريد الشرف والفخر .
{ من أغفلنا قبله } : أي جعلناه غافلاً عما يجب عليه من ذكرنا وعبادتنا .
{ وكان أمره فرطاً } : أي ضياعاً وهلاكاً .
{ أحاط بهم سرادقها } : حائط من نار أحيط بهؤلاء المعذبين في النار .
{ بماء كالمهل } : أي كعكعر الزيت أي الدردي وهو ما يبقى في أسفل الإناء ثخناً رديئاً .
{ من سندس واستبرق } : أي مارق من الديباج ، والاستبرق ما غلظ منه أي من الديباج .
معنى الآيات :
بعد نهاية الحديث عن أصحاب الكهف أمر تعالى رسوله بتلاوة كتابه فقال : { واتل } أي وأقرأ { ما أوحي إليك من كتاب ربك } تعبداً ودعوة للناس الى ربهم به وتعليماً للمؤمنين بما جاء فيه من الهدى .
وقوله : { لا مبدل لكلماته } أي لا تتركن تلاوته والعمل به والدعوة إليه فتكون من الهالكين فإن ما وعد ربك به المعرضين عنه المكذبين به كائن حقاً وواقع صدقاً فإن ربك { لا مبدل لكلماته } الشتملة على وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه ممن كفورا به وكذبوا بكتابه فلم يحلوا حلاله ولم يحرموا حرامه .
وقوله تعالى : { ولن تجد من دون ملتحداً } أي انك إن لم تتل كتابه الذي أوحاه إليك وتعمل بما فيه فنالك ما أوعد به الكافرين المعرضين عن ذكره . { لن تجد من دون الله ملتحداً } أي موئلالاً تميل إليه وملجأ تحتمي به وإذا كان مثل هذا الوعيد الشديد يوجه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم فغيره ممن تركوا تلاوة القرآن والعمل به فلا أقاموا حدوده ولا أحلوا حلاله ولا حرموا حرامه أولى بهذا الوعيد وهو حائق بهم لا محالة إن لم يتوبوا قبل موتهم وقوله تعالى : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي يريدون وجهه } نزل هذا التوجيه للرسول صلى الله عليه وسلم عندما عرض عليه المشركون إبعاد أصحابه الفقراء كبلال وصهيب وغيرهما ليجلسوا إليه ويسمعوا منه فنهاه ربه عن ذلك وأمره أن يحبس نفسه مع أولئك الفقراء المؤمنين { الذين يدعون } ربهم في صلاتهم في الصباح والمساء لا يريدون بصلاتهم وتسبيحهم ودعائهم عرضاً من اعراض الدينا وإنما يريدون رضا الله ومحبته بطاعته في ليلهم ونهارهم .
وقوله تعالى : { ولا تعد عيناك عنهم } أي لا تتجاوز ببصرك هؤلاء المؤمنين الفقراء الى أولئك الأغنياء تريد مجالستهم للشرف والفخر وقوله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } فجعلناه غافلاً عن ذكرنا وذكر وعدنا ووعيدنا ليكون من الهالكين لعناده وكبريائه ظلمه .
{ وكان أمره فرطاً } أي ضياعاً وهلاكاً ، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } أي هذا الذي جئت به وأدعوا إليه من الايمان والتوحيد والطاعة لله بالعمل الصالح هو ( الحق من ربكم ) أيها الناس . { فمن شاء } الله هدايته فآمن وعمل صالحاً فقد نجاه ومن لم يشأ الله هدايته فبقي على كفره فلم يؤمن فقد خاب وخسر .
وقوله : { إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } أي جدرانها النارية ، { وإن يستغيثوا } من شدة العطش { يغاثوا بماء كالمهل } ردئياً ثخيناً { يشوي الوجوه } إذا أدناه الشارب من وجهه ليشرب شوى جلده ووجهه ولذا قيل فيه ذم له . { بئس الشراب وساءت } أي جهنم { مرتفقاً } في منزلها وطعامها وشرابها إذ كله سوء وعذاب هذا وعيد من اختار الكفر على الإيمان وأما وعد من آمن وعمل صالحاً وقد تضمنته الآيتان ( 31-32 ) إذ قال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } هذا حكمنا الذي لا تبديل له وبين تعالى أجرهم على إيمانهم وإحسان اعمالهم فقال : { أولئك لهم جنات عدن } أي إقامة دائمة { تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق ، متكئين فيها على الآرائك } وهي الأسرة بالحجلة . ثم أثنى الله تعالى على نعيمهم الذي أعده لهم بقولهم : { نعم الثواب } الذي أثيبوا { وحسنت } الجنة في حيلها وثيابها وفرشها وأسرتها وطعامها وشرابها وحورها ورضوان الله فيها { حسنت مرتفقاً } يرتفقون فيه وبه ، جعلنا الله من أهلها .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- بيان خيبة وخسران المعرضين عن كتاب الله فلم يتلوه ولم يعملوا بما جاء فيه من شرائع وأحكام .
2- الترغيب في مجالسة أبناء الآخرة الفقراء الصابرون وترك أبناء الدنيا والإعراض عما هم فيه .
3- على الداعي الى الله تعالى أن يبين الحق ، والناس بعد بحسب ما كتب لهم أو عليهم .
4- الترغيب والترهيب بذكر جزاء الفريقين الؤمنين والكافرين .
5- عذاب النار شر عذاب ، ونعيم الجنة ، نعم النعيم ولا يهلك على الله إلا هالك.
يتبع إن شاء الله...