كلمة ثناء
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
وبعد فقد كان رائدنا العظيم الاستاذ المناضل العلامة "بديع الزمان النورسي" منذ ان تفتحت امام عينيه آفاق شاسعة من دنيا العلم والعرفان وخاض عباب الكتاب العزيز يتطلع دائمًا (كما كتبه الاستاذ في افادة المرام) الى انتهاض لجنة مؤلفة من كبار العلماء المتخصصين، كلٌ في ناحية من نواحي العلم، تقوم تلك اللجنة بدراسات طويلة في شتى نواحي الكتاب الكريم حتى يتحصَّل ويتولَّد من محهوداتهم الكثيرة ودراساتهم الطويلة تفسيرٌ جامعٌ للقرآن المبين، يستجيب لحاجات القرن العشرين، واستمر لديه ذلك التطلع والترقب الى بداية زمن الحرب العالمية الاولى.
فلما انفلقت قنبلة الحرب بين شعبنا التركي وبين الشعب الروسي أيسَ الاستاذ من تحقق ذلك الامل بعض الاياس فاضطر ان يكتب ما يلوح له من اشارات اعجاز القرآن.
فأخذ يقيد ويصنف ويرتب ما يسنح له في شرح آي الذكر الحكيم.
فجاء منه هذا القسم من التفسير، وهو رغم انه وليد فكرٍ واحد الا انه فريد في بابه لم ينسج للآن على منواله اي تفسير لانه يستجلي ويكشف الاعجاز المكنون في نظم الكتاب المجيد بطريقة عجيبة مخترعة لم نرها ولم نصادفها فيما عثرنا عليه من مشهور التفاسير المتداولة كتفسير "ابي السعود" و"الفخر الرازي" و"البيضاوي" وتفسير الاستاذ المرحوم "الشيح طنطاوي جوهري" الذي افاض واسهب فيه وبين كثيرا من العلوم المختلفة التي تشير اليها الايات الكونية.
وان كنت في ريب مما نقول؟.. فردّد الطرف اولاً في تحليله المنوط بآية: (ومن الناس مَن يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) او المنوط بآية: (ختم اللهُ على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) الخ... او بآية: (وممَّا رزقناهم يُنفقون) او بأي آية اخرى من الآيات المشروحة في ذلك التفسير وبعد ذلك طالع في عين هاتيك الآيات السالفة الذكر سائر التفاسير، ثم ليتكلم ضميرُك الحر المطلق من قيد التعصب.
خلاصة القول:
ان في عباراته عذوبة وحلاوة وطلاوة بديعة وتدقيقاً خارقاً جداً في تحليل آي الوحي المُنَزَّل.
انه بيَّن جهة مناسبة الآيات بعضها ببعض، وتناسُب الجُمَل وتناسُقها، وكيفية تجاوب هيآت الجُمَل وحروفها حول المعني المراد معتمداً في ذلك على أدق قواعد علم البلاغة وعلى اصُول النَّحو والصَّرف وقوانين المنطق ودسابير علم اصُول الدِّين وسائر ما له علاقة بذلك من مختلف العُلوم.
حتى انه ليبحثُ عن اخفى مناسبات البلاغة الذي لا يُكشف عادة بالمجهر المعنوي المركَّز في الدِّماغ البشري.
واعجب من الكُل انه وجد ذلك التدقيق البالغ والبحث العميق حينما كان ينصب ويتقاطر على المؤلف من جهاته الاربع شآبيب رصاص بنادق الجيوش السوفيتية، فكان الاستاذ يُناضل ويُطلق بندقيته في صدور الأعداء من جهةٍ ويضع في مصنع دماغه قنبلة اعجاز القرآن الذرية ليُحطمَ بها بُنيان الكفر والضَّلال من جهة اخرى.
فيا سبحان الله من ذكاء الهي خارق، مُجهز ببطولة عجيبة وثبات قلبٍ زائد.
ان ذلك الوقت العصيب والموقف الرهيب لم يُدهش المؤلف ولم يُذهِل فكره الثاقب عن الجَوَلان في مَناحي اعجاز القرآن المُبين.
وها نحن تلامذة رسائل النور يسرنا ان نضع هذا الكتاب بين يدي الانسانيين من البشر ليُدرس دراسة مجردة عن الاغراض بعيدة عن الاهواء والتعصب الذميم.
ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ او ألقى السَّمع وهو شهيد.
واللهَ أسأل ان ينفع به النَّاس ويهديهم سواء السَّبيل.
الشيخ صدر الدِّين يوكسل البدليسي.
في: 1378هـ.