الدراسات القرآنية
يواجه الباحث المتخصص في علوم القرآن كثيراً من العناء حين يحتاج إلى مادة قرآنية، أو معلومة في القرآن، أو أن يتعرف على مفهوم قرآني، أو لفظة قرآنية معينة، فلا يجد عملا مرجعياً دقيقاً غير أعمال قام بها مستشرقون ارتكبوا فيها من الأخطاء، وبثوا فيها من الشبهات ما يجعل الرجوع إليها أمراً يحفّه خطر الانزلاق.
وفي الوقت الذي قصّر فيه العلماء المسلمون في خدمة القرآن الكريم وتيسير سبل البحث فيه نجد أن علماء اليهود والنصارى خدموا كتبهم المحرَّفة خدمة علمية بحثية جيدة، ففي القرون الثلاثة الأخيرة صدرت عنهم مئات الكتب المرجعية التي تخدم البحث في مجال كتب العهد القديم، والعهد الجديد والتلمود، وكذلك ظهرت عشرات من دوائر المعارف والموسوعات، والمعاجم اللغوية والفهارس والمداخل والقوائم الببليوجرافية.
ومن هنا برزت فكرة إنشاء مركز للدراسات القرآنية في المجمع في عام 1416هـ، حدِّدت أهدافه في:
إجراء الدراسات والبحوث في مجال القرآن الكريم.
توفير الأعمال المرجعية لخدمة البحث في القرآن الكريم، مثل: الأعمال المعجمية التي ترصد ألفاظ القرآن، وتشرحها لغوياً، واصطلاحياً، وتحدد أماكن ورودها في القرآن الكريم، والأماكن وأسماء الحيوان والنبات والمعادن وألفاظ الحضارة والتاريخ والمعاجم الشارحة للغريب والمعرَّب في ضوء المعرفة الحديثة باللغات القديمة.
وكذلك إصدار الأعمال المرجعية الأخرى، مثل دائرة معارف القرآن الكريم، وموسوعات القرآن المختلفة، والمداخل التفسيرية للقرآن الكريم، والقوائم الببليوجرافية للبحوث القرآنية، والفهارس للأعمال المخطوطة والمطبوعة، والتفاسير الحديثة الموسَّعة والمختصرة.
إنشاء دائرة معارف إسلامية بواسطة كتَّاب مسلمين والعمل على ترجمتها إلى اللغات المختلفة.
تحديث الدراسات القرآنية في العالم الإسلامي، وذلك من خلال الاستفادة من التقدم العلمي الحديث، وما نتج عنه من ثروة في المعرفة والمعلومات والوسائل والأدوات، والمناهج، والاستفادة على وجه الخصوص من زيادة المعرفة الإنسانية وتقدمها في مجال التاريخ والحضارة والديانات واللغات القديمة.
تخليص التفسير القرآني من الانحرافات والإسرائيليات والتفاسير الخاطئة، وإصدار أعمال تفسيرية جديدة خالية من الإسرائيليات والأفكار الأجنبية المنحرفة.
بيان أصالة المفاهيم القرآنية والاستفادة من القرآن الكريم في تأصيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبيان التوجيه القرآني للعلوم.
عمل الدراسات الخاصة ببيان الإعجاز القرآني في ضوء المعرفة الحديثة والتقدم العلمي الحديث.
جمع المعلومات حول القرآن الكريم من بحوث ومقالات، وتقارير وندوات ومؤتمرات، ووثائق ومخطوطات، وفهارس وترجمات وأعلام، وتكوين شعبة للمعلومات القرآنية.
إعداد المادة الصالحة للتعريف بالقرآن الكريم في أسلوب عصري يُراعى فيه حسن العرض والإيجاز وجمال الإخراج؛ لتعريف المسلمين وغير المسلمين بالمفاهيم القرآنية.
دراسة آراء المستشرقين حول القرآن الكريم دراسة نقدية، تهتم ببيان أخطائهم وشبهاتهم وتفنيدها.
إعداد مجموعة مختارة من الباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية وتأهيلهم لغويًّا وعلميًّا، وذلك لتكوين قاعدة علمية إسلامية لخدمة بحوث القرآن الكريم.
عقد المؤتمرات والندوات والدورات العلمية في علوم القرآن الكريم لخدمة أهداف المركز.
وللمركز مجلس علمي يشرف على أعماله العلمية، ويقوم بوضع الخطط، والبرامج والمشروعات العلمية، وتلقِّي المقترحات وإصدار التوصيات بشأنها وغيرها من المهام.
ويتكون من الوحدات البحثية التالية:
وحدة الدراسات اللغوية والأعمال المرجعية.
وحدة دائرة المعارف القرآنية.
وحدة دائرة المعارف الإسلامية.
وحدة بحوث التفسير.
وحدة تحقيق التراث.
وحدة الدراسات القرآنية عند المستشرقين.
كما أن له هياكله العلمية والإدارية المختلفة التي تساعد على تحقيق أهدافه، وبنيت فيه مكتبة متخصصة زُوِّدت بأمهات المصادر في القرآن الكريم وعلومه، ويسعى إلى تأسيس مكتبات نوعية متخصصة، تقوم على خدمة الوحدات البحثية، وتأسيس وحدة معلومات تجمع كل ما يتعلق بالقرآن الكريم.
ويعكف المركز في الوقت الحالي على إصدار " فهرست مصنفات تفسير القرآن الكريم"، الذي سيظهر قريبًا إن شاء الله تعالى، كما يعكف على تحقيق كتاب " الإتقان " للسيوطي .
كما أنه أسهم إسهامًا فاعلا في إصدار "التفسير الميسَّر"، وهو أحدث عمل صدر من المجمع، اشترك في إعداده عدد من العلماء بإشراف ومتابعة معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على المجمع سابقًا.
وقد روعي في إعداده الضوابط التالية:
1. تقديم ما صح من التفسير بالمأثور عن غيره.
2. الاقتصار في النقل على القول الصحيح، أو الأرجح.
3. إبراز الهداية القرآنية، ومقاصد الشريعة الإسلامية من خلال التفسير.
4. كون العبارة مختصرة سهلة، مع بيان معاني الألفاظ الغريبة أثناء التفسير.
5. كون التفسير بالقدْر الذي تتسع له حاشية ((مصحف المدينة النبوية )).
6. وقوف المفسر على المعنى المساوي، وتجنب الزيادة الواردة في آيات أخرى حتى تفسر في موضعها.
7. إيراد معنى الآية مباشرة دون حاجة إلى الأخبار إلا ما دعت إليه الضرورة.
8. كون التفسير وفق رواية حفص عن عاصم.
9. تجنب ذكر القراءات ومسائل النحو والإعراب.
10. مراعاة المفسِّر أن هذا التفسير سيترجم إلى لغات مختلفة.
11. تجنب ذكر المصطلحات التي تتعذر ترجمتها.
12. تفسير كل آية على حدة، ولا تعاد ألفاظ النص القرآني في التفسير إلا لضرورة، ويذكر في بداية كل آية رقمها.
وكوّنت لجنتان، واحدة في المجمع والأخرى في الوزارة برئاسة معالي الوزير، لمراجعة عمل المفسرين والتدقيق فيه والتأكد من التقيد بما حدد له من ضوابط.
وطبع هذا التفسير طبعة أنيقة بثلاثة أحجام: كبير، ووسط، وصغير، وكان الإقبال عليه شديدًا، والانطباع عنه طيبًا، حتى إن الطبعة الأولى منه نفدت فور صدورها، ويجري العمل في الوقت الحالي على طباعته طبعة ثانية.
خدمة السنة والسيرة النبوية
القرآن الكريم وحي الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى، والسنة وحي الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالمعنى، وإقرار الله تعالى لما صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم باجتهاده من قول، أو فعل، فهما من منبع واحد.
وإذا كان القرآن الكريم المصدر الأول للإسلام، فإن السنة المصدر الثاني؛ فالقرآن المصدر الأول للعقيدة، والأخلاق، والمثل، والشرائع الإسلامية، والسنة المصدر الثاني التطبيقي والبياني الموضح والمتمم للقرآن الكريم.
ففي كتاب الله تعالى الأصول العامة للأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات والأخلاق، دون التعرض إلى تفاصيلها، وفي السنة النبوية توضيح معاني القرآن الكريم، وتفصيل مجمله، وتخصيص عامه، وتقييد مطلقه، وتأكيد ما ورد فيه من أوامر ونواهٍ وآداب وتشريعات.. وغيرها، وتطبيق قواعده الكلية، والأصول العامة فيه على الأمور الفرعية (1).
قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (2).
وقال صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى. قالوا: يا رسول الله ومَن يأبى؟ قال: مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى ) (3).
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمَّا ولَّى شريحًا قضاء الكوفة قال له: انظر ما تبيَّن لك في كتاب الله، فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبيّن لك فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يتبيّن لك في السنة فاجتهد رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح (4).
أما سيرته صلى الله عليه وسلم فهي خير معلِّمٍ ومثقِفٍ ومهذِّب ومؤدِّب، وهي المدرسة التي تخرج فيها أمثل النماذج البشرية (الصحابة رضوان الله عليهم)، وكان السلف الصالح يتدارسون السيرة، ويحفظونها، ويلقنونها أبناءهم، فما أجدر المسلمين اليوم أن يتعلموها، ويعلموها غيرهم، ويتخذوها نبراساً يسيرون على ضوئه في تربية أبنائهم (5).
من هنا جاء اهتمام ولاة الأمر في هذه البلاد بأمر السنة والسيرة النبوية مكملا لاهتمامهم بكتاب الله سبحانه وتعالى، فجمعوا بين خيري العناية بالمصدرين الأساسين للتشريع الإسلامي، حيث صدر الأمر الكريم في 20/ 4/ 1406 هـ برقم 5/793/م بالموافقة على قيام الجامعة الإسلامية بتنفيذ التوصية الخاصة بإنشاء مركز لخدمة السنة والسيرة النبوية، يكون مؤسسة علمية مستقلة، بالتعاون مع المجمع لطباعة ما يتم إعداده وتحقيقه، على أن تكون نفقات التشغيل على حساب المجمع.
أهداف المركز:
جمع وحفظ الكتب المخطوطة والمطبوعة والوثائق والمعلومات المتعلقة بالسنة والسيرة النبوية، وتيسيرها للباحثين.
إعداد موسوعة في الحديث النبوي، وموسوعات أخرى في خدمة السنة النبوية وفقاً للخطط التي يضعها مجلس المركز.
تحقيق ما يمكن من كتب السنة والسيرة النبوية، وإعداد البحوث العلمية التي تخدمها.
ترجمة ما تدعو الحاجة إليه من كتب السنة والسيرة النبوية، وما يتعلق بها، وترجمة ما ينشر باللغات الأعجمية عن السنة والسيرة.
ردّ الأباطيل، ودفع الشبهات عن ساحة السنة والسيرة النبوية.
نشر الأعمال المنجزة في المركز في مجال التأليف، والتحقيق والترجمة.
التعاون مع المراكز والهيئات والمؤسسات العلمية التي تعمل في خدمة السنة والسيرة النبوية داخل المملكة وخارجها، فيما يخدم المركز، وتحقيق أهدافه.
الاستفادة من خبرات ذوي الشهرة العلمية في السنة والسيرة النبوية.
الاستفادة من الحاسب الآلي في جمع السنة، وبرمجة المعلومات المتعلقة بها وبعلومها.
وتتلخص أهم إنجازات المركز فيما يلي:
أولا في مجال الموسوعات:
موسوعة الرواة: أنجز المركز مراحل المقابلة، وضبط النص، والعنصرة الآلية، والمراجعة اليدوية للعنصرة والترميز، ومراجعة الترميز والتشغيل الموسوعي، وذلك لعدد 502 مجلدًا.
موسوعة المتون: أنجزت مراحل الإدخال، والمقابلة، والتصحيح، والترميز، والعلامات العلمية، والعنصرة الآلية، وإثبات أرقام التخريج، ومراجعة الترميز، والتشغيل الموسوعي لعدد 683 مجلداً.
موسوعة السيرة النبوية: أنجزت مراحل الإدخال، والمقابلة، والتصحيح، لعدد 41 مجلداً. وبذا يصبح مجموع المجلدات التي تم العمل فيها في الموسوعات منذ إنشاء المجمع (1226) مجلداً.
ثانياً: في مجال الحاسب الآلي:
مرحلة التصميم والتنفيذ:
تم إنجاز عدد من الأعمال، منها:
1- برنامج الاستعلام اللفظي تحت النوافذ 95.
2- إنشاء برنامج الطباعة للأحاديث المعروضة في نظام الاستعلام اللفظي.
3- إنشاء برنامج طباعة لأطراف الحديث المستخرجة بواسطة الاستعلام اللفظي.
4- إنشاء قاعدة بيانات لأطراف الحديث، وإنشاء برنامج للبحث اللفظي الحرّ.
5- إنشاء برنامج للبحث عن الأحاديث ذات الرقم العام الواحد.
6- برنامج التمييز الآلي المساعد في تمييز الرواة.
7- برنامج إدخال الآية والسورة إلى قواعد بيانات التقسيم الموضوعي.
مرحلة اختبار البرامج:
تم الانتهاء من اختبار البرامج من 1-5.
تم تعديل عدد من البرامج؛ للتوافق مع متطلبات الموسوعات المتجددة.
تم التوثيق الأولي لبرامج موسوعة السيرة والتقسيم الموضوعي، وتم تحديد النواقص لهذه التوثيقات.
ثالثاً: قسم الدراسة والتحقيق:
كتاب " إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف الكتب العشرة " ، لأحمد بن حجر العسقلاني: ويصل إلى ثمانية عشر مجلداً، طبعت منه الأجزاء (1-17) ، وبقية الأجزاء تحت المراجعة.
طبْع كتاب " الأحاديث الواردة في فضائل المدينة " ، للدكتور صالح بن حامد الرفاعي في مجلد واحد.
طبْع كتاب " بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث " لعلي بن سليمان الهيثمي، في مجلدين.
طبْع كتاب " المستشرقون والسيرة النبوية " (العهد المكي) للدكتور محمد مهر علي، في مجلدين.
كتاب " لسان الميزان " لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي: ويجري تقويم الأجزاء (1 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ) أما الجزآن (2 ، 7) فتحت التحقيق.
سنن أبي داود: ويجري تقويم الجزأين (3 ، 4) وتحقيق الجزأين (1 ، 2) .
وتحت التحقيق حالياً: سنن النسائي، وسنن ابن ماجه.
________________________________________
(1) الدكتور صديق عبدالعظيم أبو حسن، والدكتور محمد نبيل غانم: دراسات في السنة النبوية الشريفة، ط1 1400هـ/1980م، مكتبة الفلاح، الكويت، 24/38.
(2) الحشر، آية 7.
(3) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم 7280.((أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط1 1416هـ/1996م، دار أبي حيان بالقاهرة، 17/58 )).
(4) صديق عبدالعظيم، ومحمد نبيل، مرجع سابق، 28-29.
(5) محمد بن محمد أبو شهبة: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، ط3 1417هـ/1996م، دار القلم بدمشق، ج1 7 ، 8.
تدريب العاملين في المجمع وتأهيلهم
التدريب عملية مستمرة تستهدف الفرد والعمل الذي يقوم به، لإحداث تغيرات سلوكية وفنية، لمقابلة احتياجات محددة حالية أو مستقبلة، للفرد أو للعمل، أو المجتمع الذي يستفيد من المنتج النهائي للمجمع.
ونظراً لما للتدريب من أهمية - حتى أصبح واحداً من السياسات اليومية للإدارة تطبقها على العاملين في مختلف المستويات التنظيمية - فقد كان موضع اهتمام المجمع.
فأنشأ مركزاً للتدريب والتأهيل الفني يُعنى بالأمور التالية:
إجراء الدراسات النظرية والميدانية التي تؤدي إلى تجميع وترتيب المعلومات اللازمة لإعداد برامج التدريب.
تحديد برامج التدريب الواجب تنفيذها لرفع مستوى الأداء العملي سواء بكفاءات جديدة للوفاء باحتياجات العمل، أو بزيادة مهارات وقدرات الموظفين.
تقويم خطط التدريب في المراحل كافة.
معالجة نواحي القصور والانحرافات الناتجة عن تنفيذ خطط التدريب.
إعداد برنامج متكامل عن كل دورة تدريبية، وتنفيذه.
ويشمل التدريب في المجمع، تدريبًا على رأس العمل، وتدريبًا داخل المملكة في معاهد وكليات ومراكز تدريب متخصصة، وتدريبًا خارج المملكة في معاهد وكليات ومراكز تدريب متخصصة.
ويتوزع التدريب على الفنيين، ومساعدي الفنيين في مختلف التخصصات التي يحتاج إليها المجمع، وأهمها: الصيانة، والطباعة، والتجليد، والأعمال الأخرى المساندة.
ولا يقتصر التدريب في المجمع على منسوبيه فقط، بل يتعاون مع الجهات الأخرى في تدريب منسوبيها فيما ينظمه من دورات.
وبلغ عدد الدورات الفنية التي نظمها المركز منذ إنشائه في عام 1406هـ حتى عام 1420هـ إحدى عشرة دورة، وتتراوح مدة كل دورة من ستة شهور إلى اثني عشر شهراً، تخرج فيها 297، (مئتان وسبعة وتسعون) متدرباً التحقوا بخطوط الإنتاج المختلفة في المجمع.
الخاتمة
وبعد:
فقد كان القرآن الكريم موضع اهتمام المسلمين من أول يوم تنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعاه الصحابة وحفظوه، وكتبوه، وطبقوا ما فيه، وكان ما قام به أبوبكر الصديق بمشورة عمر رضي الله عنهما من جمع القرآن مما هو مكتوب أو محفوظ في عهده صلى الله عليه وسلم عملا عظيماً حُفظ به القرآن، وسار على نهجه عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما جمع الناس على مصحف واحد ومنع الاختلاف بين المسلمين، وقد نال زيد بن ثابت رضي الله عنه شرف تحمل مسؤولية جمع القرآن في عهد أبي بكر، وكتابته في عهد عثمان.
وكان حرص المسلمين على تَعَلُّم الكتابة، وتطوير الخط مرتبطاً بحرصهم على قراءة القرآن الكريم وتدبره وحفظه، والعناية بكتابته ونشره.
وما قام به أبو الأسود الدؤلي وتلاميذه من بعده من نَقْطٍ للمصحف الشريف بتوجيه من زياد ابن أبيه والي الخليفة معاوية بن أبي سفيان على العراق عملٌ مفيدٌ حفظ القرآن الكريم من اللحن والتحريف، ومثل ذلك ما قام به نصر بن عاصم، ويحيى بن يَعْمَر بأمر من والي الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، عندما كثر اللحن، وتفشَّت العجمة، فكان عملهما عظيماً حفظا به القرآن من العبث والتصحيف، عندما فرَّقا بين الحروف المتفقة رسماً والمختلفة نطقاً ، وهو ما يعرف بنقْط الإعجام.
ولم يكن المسلمون في العصر العباسي أقل اهتماماً بكتاب الله الكريم منهم في العصر الأموي، حيث قام إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي وتلاميذه من بعده بتطوير نقْط الإعراب (الشكل) على هيئة تميزت بالوضوح، وسهولة الفهم.
ثم تفنن المسلمون في العصور اللاحقة في تجويد كتابة مصاحفهم وزخرفتها وتذهيبها والعناية بها، وفي كل عصر، بل وفي كل قطر برز خطاطون بلغوا الكمال في حسن الخط وتجويده، فجاؤوا بما يُبْهر من الخطوط المنسوبة، التي خلَّدت ذكرهم على مرّ العصور، وعلى رأس هؤلاء قُطْبة بن المحرِّر، وابن مقلة، وابن البواب، والمستعصمي.
لم يؤثر ظهور المطابع الحديثة في اهتمام المسلمين بجودة الخط، والتفنن في كتابة مصاحفهم، واستمروا على ذلك حتى وقتنا الحاضر، رغم ما يشهده من زخم في وسائل التقنية الحديثة التي تعنى بالكتابة وزخرفتها وتطويرها.
وفي أوربا كانت بداية معرفة المطابع الحديثة، وفي أوربا كانت بداية طباعة المصحف الشريف، إلا أنها طباعة رديئة ومحرفة، لم تلتزم بما أجمع عليه المسلمون في رسم مصاحفهم، فكان مصير تلك الطبعات العزوف عنها وإهمالها.
وعندما عرف المسلمون الأتراك المطابع الحديثة المصنوعة في الغرب أحجموا عن طباعة مصاحفهم فيها احتراماً وتقديساً لكتاب الله الكريم، حتى صدرت فتوى من علمائهم بجواز ذلك.
لم يلتزم المسلمون في بعض البلاد في العصور المتأخرة بقواعد الرسم العثماني في كتابة مصاحفهم، بل ساروا فيها على قواعد الرسم الإملائي الحديث، حتى كتب رضوان بن محمد المخلَّلاتي مصحفه الشهير ، وطبع في عام 1308هـ، فالتزم فيه بالقواعد التي أجمع عليها وارتضاها الصحابة والتابعون.
تنامى اهتمام المسلمين بكتابة المصحف الشريف وطباعته واستخدام وسائل الطبع الحديثة في بعض البلاد الإسلامية، والعمل على نشر القرآن الكريم بوسائل مختلفة، وكان أعظم عناية بالقرآن الكريم في الوقت الحاضر هو ما قامت به المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله.
وتجلت هذه العناية في مظاهر عديدة، في التربية والتعليم، وفي المناشط الإعلامية المتنوعة، وفي إقامة هيئات (جمعيات) تنتشر حلقها ومدارسها في كل قرية ومدينة، وفي رصد الجوائز السنية لمسابقات سنوية محلية ودولية، وتعد جائزة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم للطلاب والطالبات على مستوى المملكة أحدث الروافد المباركة لهذا العمل الجليل.
ويمثل إنشاء مجمع لخدمة القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية المطهرة أعظم حدث يشهده العالم الإسلامي اليوم ، وهو الذي شيده وتعهده بالعناية والاهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله في مهبط الوحي ومنبع الرسالة (المدينة المنورة) عام 1405هـ/1984م فخُدم القرآن الكريم في هذا المجمع خدمة لا مثيل لها.
وبلغت العناية بسلامة نصه، والاهتمام بجمال طبعه وإخراجه حدًّا بعيداً نال التقدير والإعجاب، فحرص المسلمون في كل مكان على اقتناء مصحف المدينة النبوية، والقراءة فيه.
سدّ المجمع حاجة ماسة عند المسلمين لمصاحف متقنة سليمة في رسمها وضبطها من أي خطأ أو تحريف، سار في كتابتها على ما ارتضاه وأجمع عليه الصحابةُ والتابعون، وبلغ إنتاجه حتى عام 1421هـ أكثر من مائة وخمسة وستين مليون نسخة من مختلف الإصدارات، وزع منه على المسلمين في مختلف أنحاء العالم أكثر من مائة وعشرين مليون نسخة هدية من حكومة المملكة العربية السعودية إيماناً منها برسالتها، وإدراكاً لمسؤوليتها تجاه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وخدمة للدين ونشره في أرجاء الأرض.
لم تقتصر عناية المملكة العربية السعودية على طبع المصحف الشريف ونشره، بل امتدت إلى ترجمة معانيه إلى لغات العالم التي بلغت حتى عام 1421هـ اثنتين وثلاثين لغة ، وكذلك العناية بتفسيره وعلومه المختلفة والعناية بالسنة النبوية والسيرة النبوية المطهرة.
وتحظى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بشرف القيام على نصيب وافر من مظاهر العناية بالقرآن الكريم في المملكة العربية السعودية؛ كالإشراف على الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، والإشراف على المسابقات المحلية والدولية ومسابقة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسنام هذا الشرف هو قيامها وإشرافها على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
الإحصائيات
يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة حاليًا (10.000.000ع) عشرة ملايين نسخة من مختلف الإصدارات، وباستطاعة المجمع أن ينتج سنويًا 30.000.000ع) ثلاثين مليون نسخة إذا شغل بكامل طاقته.
بلغ إنتاج المجمع منذ إنشائه حتى نهاية عام 1420هـ (153.348.718) مائة وثلاثة وخمسين مليونا وثلاثمائة وثمانية وأربعين ألفًا وسبعمائة وثماني عشرة نسخة.
بلغ ما تم توزيعه من إصدارات المجمع للمسلمين في الداخل والخارج هدية من المملكة العربية السعودية مجانًا بدون مقابل حتى نهاية شهر ذي القعدة من عام 1420هـ (121.043.903) نسخة حسب الجهات التالية:
المجموع المنصرف من الترجمات المنصرف من المرتلات المنصرف من الأجزاء والكتب المنصرف من المصاحف الجهة م
95225368 10864439 410506 31867871 52082552 قارة آسيا 1
7789504 1049398 35070 782274 5922762 قارة أفريقيا 2
2845800 2083408 14869 37860 709663 قارة أوربا 3
688588 405854 4202 27506 251026 قارة أمريكا 4
107520 54800 2560 16550 33610 قارة أستراليا 5
711331 27866 8476 11642 663347 معارض المملكة في الخارج 6
13675792 1377667 15 - 12298110 هدية حجاج بيت الله الحرام 7
121043903 15863432 475698 32743703 71961070 الإجمالي
بلغ عدد العاملين في المجمع حتى
عام 1420 هـ حوالي (1800) عامل
ما بين عالم وفني وإداري
نسبة السعوديين منهم حوالي 70% .
كشاف المراجع
1. إبراهيم متفرقة وجهوده في إنشاء المطبعة العربية ومطبوعاته: د. سهيل صابان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1416 هـ.
2. البداية والنهاية: أبو الفداء الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، الطبعة الأولى، دار أبي حيان – القاهرة، 1416هـ - 1996م.
3. تاريخ توثيق نص القرآن الكريم: خالد عبد الرحمن العك، الطبعة الثانية 1406هـ – 1986م، دار الفكر بدمشق.
4. تاريخ عمر بن الخطاب: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، دار إحياء علوم الدين بدمشق.
5. تاريخ المصحف الشريف: عبد الفتاح القاضي، مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة.
6. تاريخ الخط العربي وآدابه: محمد طاهر الكردي، الطبعة الثانية، مطابع الفرزدق بالرياض، 1402هـ – 1982م.
7. تاريخ طباعة القرآن الكريم باللغة العربية في أوربا، في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين: د. يحيى محمود جنيد، مجلة عالم الكتب م 15، ع 15، 1415هـ، 1994م.
8. جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري.تحقيق محمود محمد شاكر، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر.
9. حركة إحياء التراث قبل توحيد الجزيرة: د. أحمد محمد الضبيب، مجلة الدارة، ع 1، ربيع الأول، 1395هـ.
10. الخطاطة (الكتابة العربية) عبد العزيز الدالي، مكتبة الخانجي، مصر، 1400هـ – 1998م.
11. دراسة فنية لمصحف مبكر: عبد الله بن محمد المنيف، الطبعة الأولى، 1418هـ 1998م.
12. دراسات في السنة النبوية الشريفة: د. صديق عبد العظيم، د. محمد نبيل غانم، الطبعة الأولى، 1400هـ – 1980م، الكويت، مكتبة الفلاح.
13. رسم المصحف، دراسة لغوية تاريخية: د. غانم قدوري الحمد، الطبعة الأولى، 1402هـ – 1982م، بغداد.
14. سياسة التعلم في المملكة العربية السعودية، أسسها وأهدافها ووسائل تحقيقها، مطابع بحر العلوم، الرياض، 1404هـ.
15. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: د. محمد محمد أبو شهبة، الطبعة الثالثة، 1417هـ – 1996م، دار القلم بدمشق.
16. صبح الأعشى في صناعة الإنشا: أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية بالقاهرة.
17. الطباعة في شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي، للدكتور يحيى محمود جنيد، الطبعة الأولى 1419هـ، 1998م، دار أجأ، الرياض.
18. صحيح مسلم بشرح النووي: تحقيق عصام الصبابطي وآخرين، الطبعة الأولى 1415هـ - 1995هـ.
19. العقد الفريد: لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، الطبعة الثالثة 1407هـ – 1987م، دار الكتب العلمية، بيروت.
20. عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم: إعداد مركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1418هـ.
21. الفهرست: لأبي الفرج محمد بن يعقوب إسحاق المعروف بالوراق، تحقيق رضا تجدّد بن علي الحائري المازندراني، طهران، 1391هـ – 1971م.
22. فتح الباري بشرح صحيح البخاري: للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى 1416هـ – 1996م، دار أبي حيان، القاهرة.
23. فن الخط العربي، مولده وتطوره حتى العصر الحاضر: إعداد مصطفى أغور درمان، ترجمة صالح سعداوي، الطبعة الأول إستانبول، 1411هـ – 1990م.
24. قصة النقط والشكل في المصحف الشريف: عبد الحي الفرماوي، مطبعة حسان بالقاهرة.
25. الكتاب، تحريره ونشره، د. موريس ميخائيل، 1416هـ، مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض.
26. مكة المكرمة في نهاية القرن الثالث عشر الهجري: و. ك. سنوك هور خرونيه، ترجمة محمد بن محمود السرياني ومعراج بن نواب الدين، الطبعة الأولى، 1411هـ – 1990م، نادي مكة الأدبي.
27. مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي: د. محمود محمد الطناحي، الطبعة الخامسة، 1405هـ – 1984م، مطبعة المدني بالقاهرة.
28. المحبر لأبي جعفر محمد بن حبيب، المكتب التجاري، بيروت.
29. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي، تحقيق: الرحالي الفاروق وعبد الله الأنصاري، الطبعة الأولى الدوحة، 1398هـ – 1977م.
30. مباحث في علوم القرآن: د. صبحي الصالح، الطبعة الثانية 1990م – دار العلم للملايين، بيروت.
31. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبي المحاسن يوسف تغري بردي، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.
32. نشأة وتطور الكتابة الخطية العربية ودورها الثقافي والاجتماعي: فوزي سالم عفيفي –الطبعة الأولى- وكالة المطبوعات – الكويت.
33. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة بيروت.
34. الوزراء والكتاب: لأبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة الثانية، 1401هـ – 1980م.
35. تجربة كيف يكون هذا 2006م