سورة النور
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2} الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {3}}
شرح الكلمات:
{ سورة أنزلناها } : أي هذه سورة أنزلناها.
{ وفرضناها } : أي فرضنا ما فيها من أحكام.
{ وأنزلنا فيها آيات بينات } : أي وأنزلنا ضمنها آيات أي حججاً واضحات تهديد إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
{ لعلكم تذكرون } : أي تتعظون فتعملون بما في السورة من أحكام.
{ الزانية } : من أفضت إلى رجل بغير نكاح شرعي وهي غير محصنة.
{ مائة جلدة } : أي ضربة على جلد ظهره.
{ رأفة } : شفقة ورحمة.
{ وليشهد عذابهما } : أي اقامة الحد عليهما.
{ طائفة } : أي عدد لا يقل عن ثلاثة أنفار من المسلمين والأربعة أولى من الثلاثة.
{ الزاني لا ينكح إلا زانية } : أي إلا زانية مثله أو مشركة لا يقع وطء إلاَّ على مثله.
معنى الآيات:
قوله تعالى: { سورة أنزلناها } أي هذه سورة من كتاب الله أنزلناها أي على عبدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم { وفرضناها } أي وفرضنا ما اشتملت عليه من أحكام على أمة الإسلام، وقوله: { لعلكم تذكرون } أي تتعظون فتعملون بما حوته هذه السورة من أوامر ونواه وآداب وخلاق وقوله تعالى: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } أي من زنت برجل منكم أيها المسلمون وهما بكران حُرَّان غير محصنين ولا مملوكين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة بعصا لا تشين جارحة ولا تكسر عضواً أي جلداً غير مبرح، وزادت السنة تغريب سنة، وقوله تعالى: { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } ، أي لا تشفقوا عليهما فتعلطوا حَدَّ الله تعالى وتحرموهما من التطهير بهذا الحد لأن الحدود كفارة لأصحابها، وقوله: { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي فأقيموا عليهما الحد وقوله: { وليشهد عذابهما } أي إقامة الحد { طائفة من المؤمنين } أي ثلاثة أنفار فأكثر وأربعة أولى لأن شهادة الزنا تثبت بأربعة شهداء وكلما كثر العدد كان أولى وأفضل.
وقوله تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } أي لا يطأ مثله من الزواني أو مشركة لا دين لها، والزانية أيضاً لا يطأها إلا زانٍ مثلها أو مشرك { وحرم ذلك على المؤمنين } أي حرم الله الزنا على المؤمنين والمؤمنات ولازم هذا ان لا نزوج زانياً من عفيفة إلا بعد توبته، ولا تزوج زانية من عفيف إلا بعد توبتها.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان حكم الزانية والزاني البكرين الحرين وهو جلد مائة وتغريب عام وأما الثيبان فالرجم إن كانا حرين أو جلد خمسين جلدة لكل واحد منهما إن كانا غير حرين.
2- وجوب إقامة هذا الحد أمام طائفة من المؤمنين.
3- لا يحل تزويج الزاني إلا بعد توبته، ولا الزانية إلا بعد توبتها.
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {5}}
شرح الكلمات:
{ يرمون } : أي يقذفون.
{ المحصنات } : أي العفيفات والرجال هنا كالنساء.
{ فاجلدوهم } : أي حداً عليهم واجباً.
{ ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } : لسقوط عدالتهم بالقذف للمؤمنين والمؤمنات.
{ إلا الذين تابوا } : فإنهم بعد توبتهم يعود إليهم اعتبارهم وتصح شهادتهم.
معنى الآيتين:
بعد بيان حكم الزناة بين تعالى حكم القذف فقال: { والذين يرمون المحصنات } أي والذين يرمون المؤمنين والمؤمنات بالفاحشة وهي الزنا واللواط بأن يقول فلان زان أو لائط فيقذفه بهذه الكلمة الخبيثة فإن عليه أن يحضر شهوداً أربعة يشهدون أمام الحاكم على صحة ما رمى به أخاه المؤمن فإن لم يأت بالأربعة شهود أقيم عليه الحد المذكور في الآية: وهو جلد ثمانين جلدة على ظهره وتسقط عدابته حتى يتوب وهو معنى قوله تعالى: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوه لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون } أي عن طاعة الله ورسوله { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } بأن كذبوا أنفسهم بأنهم ما رأوا الفاحشة وقوله: { فإن الله غفور } فيغفر لهم بعد التوبة { رحيم } بهم يرحمهم ولا يعذبهم بهذا الذنب العظيم بعدما تابوا منه.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان حد القذف وهو جلد ثمانين جلدة لمن قذف مؤمناً أو مؤمنة بالفاحشة وكان المقذوف بالغاً عاقلاً مسلماً عفيفاً أي لم يعرف بالفاحشة قبل رمية بها.
2- سقوط عدالة القاذف إلا أن يتوب فإنه تعود إليه عدالته.
3- قبول توبة التائب إن كانت توبته صادقة نصوحاً.
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ {7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ {9} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ {10}}
شرح الكلمات:
{ يرمون أزواجهم } : أي يقذفونهن بالزنا كأن يقول زنت أو الحمل الذي في بطنها ليس منه.
{ إنه لمن الصادقين } : اي فيما رماها به من الزنى.
{ ويدرأ عنها العذاب } : أي يدفع عنها حد القذف وهو هنا الرجم حتى الموت.
{ أن تشهد أربع شهادات } : أي شهادتها أربع شهادات.
{ والخامسة } : هي قولها غضب الله علهيا إن كان من الصادقين.
{ ولولا فضل الله عليكم } : أي لفضح القاذف أو المقذوف ببيان كذب أحدهما.
معنى الآيات:
بعد بيان حكم حد القذف العام ذكر تعالى حكم القذف الخاص وهو قذف الرجل زوجته فقال تعالى: { والذين يرمون أزواجهم } أي بالفاحشة { ولم يكن لهم شهداء } أي من يشهد معهم إلا أنفسهم أي إلا القاذف وحده فالذي يقول مقام الأربعة شهود هو أن يشهد أربع شهادات قائلاً: أشهد بالله لقد رأيتها تزني أو زنت أو هذا الولد أو الحمل ليس لي ويلتعن فيقول في الخامسة { لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين } أي فيما رمى به زوجته، وهنا يعرض على الزوجة أن تقر بما رماها به زوجها ويقام عليها حد القذف وهو هنا الرجم، أو تشهد أربع شهادات بالله أنها ما زنت، والخامسة تدعو على نفسها بغضب الله فتقول { أن غضب اللهعليها إن كان من الصادقين } فيما رماها به، وبذلك درأت عنها العذاب الذي هو الحد ويفرق بينهما فلا يجتمعان أبداً. وقوله تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } جواب لولا محذوف تقديره لعاجلكم بالعقوبة ولفضح أحد الكاذبين: ولكن الله تواب رحيم فستر عليكم ليتوب من يتوب منكم ورحمكم بهذا التشريع العادل الرحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان حكم قذف الرجل امرأته ولم يكن له أربعة شهود يشهدون معه على ما رمى به زوجته وهو اللعان.
2- بيان كيفية اللعان، وأنه موجب لإقامة الحد، إن لم ترد الزوجة الدعوى بأربع شهادات والدعاء عليها في الخامسة وقولها { أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين }.
3- في مشروعية اللعان مظهر من مظاهر حسن التشريع الإسلامي وكماله وأن مثله لن يكون إلا بوحي إلهي وفيه إشارة إلى تقرير النبوة والمحمدية.
{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ {12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ {15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ {16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {18}}
شرح الكلمات:
{ بالإفك عصبة } : الإفك الكذب المقلوب وهو أسوأ الكذب، والعصبة الجماعة.
{ شراً لكم بل هو خير } : الشر ما غلب ضرره على نفعه، والخير ما غلب نفعه على ضرره،
{ لكم } : والشر المحض النار يوم القيامة والخير المحض الجنة دار الأبرار.
{ والذي تولى كبره } : أي معظمه وهو ابن أبي كبير المنافقين.
{ لولا } : أداة تحضيض وحث بمعنى هَلاّ.
{ فيما أفضتم فيه } : أي فيما تحدثتم بتوسع وعدم تحفظ.
{ إذ تلقونه } : أي تتلقونه أي يتلقاه بعضكم من بعض.
{ وتحسبونه هيناً } : أي من صغائر الذنوب وهو عند الله من كبائرها لأنه عرض مؤمنة هي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ سبحانك } : كلمة تقال عند التعجب والمراد بها تنزيه الله تعالى عما لا يليق به.
{ بهتان عظيم } : البهتان الكذب الذي يحيّر من قيل فيه.
{ يعظكم الله } : أي ينهاكم نهياً مقروناً بالوعيد حتى لاتعودوا لمثله أبداً.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى حكم القذف العام والخاص ذكر حادثة الإفك التي هلك فيها خلق لا يحصون عدداً إذا طائفة الشيعة الروافض ما زالوا يهلكون فهيا جيلاً بعد جيل إلى اليوم إذ وَرَّثَ فيهم رؤوساء الفتنة الذين اقتطعوا من الإسلام وأمته جزءاً كبيراً سموه شيعة آل البيت تضليلاً وتغريراً فأخرجوهم من الإسلام باسم الإسلام وأوردهم النار باسم الخوف من النار فكذبوا الله ورسوله وسبوا زوج رسول الله واتهموها بالفاحشة وأهانوا أباها ولوثوا شرف زوجها صلى الله عليه وسلم بنسبة زوجه إلى الفاحشة.
وخلاصة الحادثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فرض الحجاب على النساء المؤمنات خرج إلى غزوة تدعى غزوة بني المصطلق او المريسيع، ولما كان عائداً منها وقارب المدينة النبوية نزل ليلاً وارتحل، ولما كان الرجال يرحلون النساء على الهوادج وجدوا هودج عائشة رضي الله عنها لأنها ذكرت عقداً لها قد سقط منها في مكان تبرزت فيها فعادت تلتمس عقدها فوجدت الجيش قد رحل فجلست في مكانها لعلهم إذا افتقدوها رجعوا إليها وما زالت جالسة تنظر حتى جاء صفوان بن معطل السلمي رضى الله عنه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عينه في الساقة وهم جماعة يمشون وراء الجيش بعيداً عنه حتى إذا تأخر شخص أو ترك متاع أو ضاع شيء يأخذونه ويصلون به إلى المعسكر فنظر فرآها من بعيد فأخذ يسترجع أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون آسفاً لتخلف عائشة عن الركب قالت رضي الله عنها فتجلبت بثيابي وغطيت وجهي وجاء فأناخ راحلته فركبتها وقادها بي حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعسكر، وما إن رآني ابن أبي لعنة الله لعيه حتى قال والله ما نجت منه ولا نجا منه، وروج للفتنة فاستجاب له ثلاثة أنفار فرددوا ما قال وهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، { والذي تولى كبره } هو ابن أبي المنافق وتورط آخرون ولكن هؤلاء الأربعة هم الذين أشاعوا وراجت الفتنة في المدينة واضطربت لها نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفوس أصحابه وآل بيته فأنزل الله هذه الآيات في براءة أم المرمنين عائشة رضى الله عنها وبراءة صفوان رضى الله عنه، ومن خلال شرح الآيات تتضح جوانب القصة.
قال تعالى: { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } أي إن الذين جاءوا بهذا الكذب المقلوب إذ المفروض أن يكون الطهر والعفاف لكل من أم المؤمنين وصفوان بدل الرمي بالفاحشة القبيحة فقلبوا القضية فلذا كان كذبهم إفكاً وقوله: { عصبة } أي جماعة لا يقل عادة عدده على عشرة أنفار إلا أن الذين روجوا الفتنة وتورطوا فيها حقيقة وأقيم عليهم الحد أربعة ابن أبي وهو الذي تولى كبره منهم وتوعده الله بالعذاب العظيم لأنه منافق كافر مات على كفره ونفاقه، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش اخت أم المؤمنين زينب رضى الله عنها وحسان بن ثابت رضى الله عنه، وقوله تعالى: { لا تحسبوه شراً لكم } لما نالكم من هم وغم وكرب من جرائه { بل هو خير لكم } لما كان له من العاقبة الحسنة وما نالكم من الأجر العظيم من أجل عظم المصاب وشدة الفتنة وقوله تعالى: { لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم } على قدر ما قال وروج وسيجزي به إن لم يتب الله تعالى عليه ويعفو عنه.
وقوله: { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وهو عبد الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين عليه لعنة الله.
وقوله تعالى: { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا غفك مبين } هذا شروع في عتاب القوم وتأديبهم وتعليم المسلمين وتربيتهم فقال عز وجل: { لولا } أي هلا وهي للحض والحث على فعل الشيء إذ سمعتم قول الإفك ظننتم بأنفسكم خيراً إذ المؤمنون والمؤمنات كنفس واحدة، وقلتم لن يكون هذا وإنما هو إفك مبين أي ظاهر لا يقبل ولا يقر عليه هكذا كان الواجب عليكم ولكنكم ما فعلتم.
وقوله تعالى: { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فألوئك عند الله عن الكاذبون } أي كان المفروض فيكم أيها المؤمنون أنكم تقولون هذا لمن جاء بالأفك فإنهم لا يأتون بشاهد فضلاً عن أربعة وبذلك تسجلونعليهم لعنة الكذب في حكم الله. وقوله تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم } هذه منة من الله تحمل أيضاً عتاباً واضحاً غذ بولوغكم في عرض أم المؤمنين، وما كان لكم أن تفعلوا ذلك قد استوجبتم العذاب لولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم العذاب العظيم.
وقوله: { إذ تلقونه بألسنتكم } أي يتلقاه بعضكم من بعض، { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم } وهذا عتاب وتأديب.وقوله: { وتحسبونه هينا } أي ليس بذنب كبير ولا تبعة فيه { وهو عند الله عظيم } ، وكيف وهو يمس عرض رسول الله وعائشة والصديق وآل البيت آجمعين.
وقوله تعالى: { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا } إذ هذه مما لا يصح لمؤمن أن يقول فيه لخطره وعظم شأنه، وقلتم متعجبين من مثله كيف يقع { سبحانك } أي يا رب { هذا } أي الإفك { بهتان عظيم } بهتوا به أم المؤمنين وصفوان.
وقوله: { يعظكم الله } أي ينهاكم الله مخوفاً لكم بذكر العقوبة الشديدة { أن تعودوا لمثله أبداً } أي طول الحياة فأياكم إياكم إن كنتم مؤمنين حقاً وصدقاً فلا تعودوا لمثله أبداً، وقوله: { ويبين الله لكم الآيات } التي تحمل الهدى والنور لترشدوا وتكملوا والله عليم بخلقه وأعمالهم وأحوالهم حكيم فيما يشرع لهم من أمر ونهي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- قضاء الله تعالى للمؤمن كله خير له.
2- بشاعة الإفك وعظيم جرمه.
3- العقوبة على قدر الجرم كبراً وصغراً قلة وكثرة.
4- واجب المؤمن أن لا يصدق من يرمي مؤمناً بفاحشة، وأن يقول له هل تستطيع أن تأتي بأربعة شهداء على قولك فإن قال لا قال له إذاً أنت عند الله من الكاذبين.
5- حرمة القول بدون علم والخوض في ذلك.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {19} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ {20} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {21} وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {22}}
شرح الكلمات:
{ أن تشيع الفاحشة } : أي تعم المجتمع وتنتشر فيه والفاحشة هي الزنا.
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته } : جواب لولا محذوف تقديره: لعاجلكم بالعقوبة أيها العصبة.
{ خطوات الشيطان } : نزغاته ووساوسه.
{ ما زكى منكم من أحد أبداً } : أي ما طهر ظاهره وباطنه وهي خلو النفس من دنس الإثم.
{ ولا يأتل أولوا الفضل منكم } : أي ولا يحلف صاحب الفضل منكم وهو أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
{ والسعة } : أي سعة الرزق والفضل والإحسان إلى الغير.
معنى الآيات:
ما زال السياق في عتاب لامؤمنين الذين خاضوا في الإفك فقوله تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } أي تنتشر وتشتهر { في الذين آمنوا } أي في المؤمنين { هم عذاب أليم في الدنيا } بإقامة حد القذف عليهم وإسقاط عدالتهم وفي الآخرة إن لم يتوبوا بإدخالهم نار جهنم، وكفى بهذا الوعد زاجراً ورادعاً وقوهل تعالى: { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } أي ما يترتب على حب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين من الآثار السيئة فلذا توعد من يحبها بالعذاب الأليم في الدارين، وأوجب رد الأمور إليه تعالى وعدم الاعتراض على ما يشرع وذلك لعلمه المحيط بكل شيء وجهلنا لكل شيء إلا ما علمناه فأزال به جهلنا وقوله: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم } لهلكتم بجهلكم وسوء عملكم، ولكن لما أحاطكم الله به من فضل لم تستوجبوه إلا برأفته بكم ورحمته لكم عفا عنكم ولم يعاقبكم.
وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } أي يا من صدقتم الله ورسوله لا تتبعوا خطوات الشيطان فإنه عدوكم فكيف تمشون وراءه وتتبعونه فميا يزين لكم من قبيح المعاصي وسيء الأقوال والأعمال فإن من يتبع خطوات الشيطان لا يلبث أن يصبح شيطاناً يأمر بالفحشاء والمنكر، ففاصلوا هذا العدو، واتركوا الجري وراءه فإنه لا يأمر بخير قط فاحذروا وسواسه وقاوموا نزغاته بالاستعاذة بالله السميع العليم فإنه لا ينجكم منه إلا هو سبحانه وتعالى وقوله تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً } وهذه منة أخرى وهي أنه لولا فضل الله على المؤمنين ورحمته رحفظهم ودفع الشيطان عنهم ما كان ليطهر منهم أحد،وذلك لضعفهم واستعدادهم الفطر للاستجابة لعدوهم، فعلى الذين شعروا بكمالهم؛ لأنهم نجوما مما وقع فيه عصبة الإفك من الإثم أن يستغفروا لإخوانهم وأن يقللوا من لومهم وعتابهم، فإنه لولا فضله عليهم ورحمته بهم لوقعوا فيما وقع فيه اخوانهم، فليحمدوا الله الذين نجاهم وليتطامنوا تواضعاً لله وشكراً له، وقوله: { ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم } أي فمن شاء الهل تزكيته زكاه وعليه فليلجأ إليه وليطلب التزكية منه، وهو تعالى يزكي من كان أهلاً للتزكية، ومن لا فلا، لأنه السميع لأقوال عباده والعليم بأعمالهم ونياتهم وأحوالهم وهي حال تقضي التضرع إليه والتذلل وقوله تعالى: { ولا يأتل أولوو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا وليصفحوا } هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق لما منع مسطح بن أثاثة وهوالنور ابن خالته، وكان رجلاً فقيراً من المهاجرين، ووقع في الإفك فغضب عليه أبو بكر وحلف أن يمنعه ما كان يرفده به من طعام وشراب، فأنزل الله تعالى هذه الآية ولا يأتل أي ولا يحلف أصحاب الفضل والإحسان والسعة في الرزق والمعاش أن يؤتوا أولى القربى أي أن يعطوا أصحاب القرابة، والمساكين والمهاجرين في سبيل الله كمسطح، وليعفو أي وعليهم أن يعفوا عما صدر من أولئك الأقرباء من الفقراء والمهاجرين، وليصفحوا أي يعرضوا عما قالوه فلا يذكروه لهم ولا يذكرونهم به فإنه يحزنهم ويسوءهم ولا سيما وقد تابوا وأقيم الحد عليهم وقوله تعالى: { ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ } فقال أبو بكر بلى والله أحب أن يغفر الله لي فعندها صفح وعفا وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه فقال كفر عن يمينك ورد الذي كنت تعطيه لمسطح.
وتقرر بذلك أن من حلف يميناً على شيء فرأى غيره خيراً منه كفر عن يمينه وتى الذي هو خير.
وقوله تعالى: { والله غفور رحيم } فهذا إخبار منه تعالى أنه ذو المغفرة والرحمة وهما من صفاته الثابة له وفي هذا الخبر تطميع للعباد لأن يرجوا مغفرة الله ورحمته وذلك بالتوبة الصادقة والطلب الحثيث المتواصل لأن الله تعالى لا يغفر لمن لا يستغفره، ولا يرحمن من لا يرجو ويطلب رحمته.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- لقبح فاحشة الزنى وضع الله تعالى لمقاومتها أموراً منها وضع حد شرعي لها، ومنع تزويج الزاني من عفيفة أو عفيفة من زانٍ إلا بعد التوبة، ومنها شهود عدد من المسلمين إقامة الحد ومنها حد القذف ومنها اللعان بين الزوجين، ومنها حرمة ظن السوء بالمؤمنين، ومنها حرمة حب ظهور الفاحشة وإشاعتها في المؤمنين، ومنها وجوب الإِستئذان عند دخول البيوت المسكونة، ومنها وجبو غض البصر وحرمة لانظر إلى الأجنبية، ومنها احتجاب المؤمنة عن الرجال الأجانب ومنها حرمة حركة ما كضرب الأرض بالأرجل لإظهار الزينة. ومنها وجوب تزويج العزاب والمساعدة على ذلك حتى في العبيد بشروطها، ومنها وجوب استئذان الأطفال إذا بلغوا الحلم، وهذه وغيرها كلها أسباب واقية من أخطر فاحشة وهي الزنى.
2- حرمة إتباع الشيطان فيما يزينه من الباطل والسوء والفحشاء والمنكر.
3- متابعة الشيطان والجري وراءه في كل ما يدعو إليه يؤدي بالعبد أن يصبح شيطاناً يأمر بالفحشاء والمنكر.
4- على من حفظه الله من الوقوع في السوء أن يتطامنوا ولا يشعروا بالكبر فإن عصمتهم من الله تعالى لا من أنفسهم.
5- من حلق على شيء لا يفعله أو يفعله ورأى أن غيره خيرٌ منه كفر عن يمينه وفعل الذي هو خير.
6- وجوب العفو والصفح على ذوي المروءات وإقالة عثرتهم إن هم تابوا وأصلحوا.
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ {25} الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {26}}
شرح الكلمات:
{ يرمون المحصنات } : أي العفيفات بالزنى.
{ الغافلات } : أي عن الفواحش بحيث لم يقع في قلوبهن فعله.
{ المؤمنات } : أي بالله ورسوله ووعد الله ووعيده.
{ يعملون } : أي من قول أو عمل.
{ يوفيهم الله دينهم الحق } : أي يجازيهم جزاءهم الواجب عليهم.
{ الخبيثات } : الخبيثات من النساء والكلمات.
{ للخبيثين } : للخبيثين من الرجال.
{ والطيبات } : من النساء والكلمات.
{ للطيبين } : أي من الرجال.
{ أولئك مبرءون مما يقولون }: أي صفوان بن المعطل وعائشة رضى الله عنهما أي مبرءون عصبة الإفك.
معنى الآيات:
قوله تعالى: { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة } هذه الآية وإن تناولت ابتداءً عبد الله بن أبي فإنها عامة في كل من يقذف مؤمنة محصنة أي عفيفة غافلة لسلامة صدرها من الفواحش لا تخطر ببالها { لعنوا } أي أبعدوا من الرحمة الإلهية { في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم } في الدنيا بإقامة الحد عليهم وفي الآخرة بعذاب النار، وذلك { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } من سوء الأفعال وقوله تعالى: { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } أي يتم ذلك يوم يوفيهم الله دينهم الحق أي جزاءهم الواجب عليهم ويعلمون حينئذ أن الله هو الحق المبين أي الإله الحق الواجب الإيمان به والطاعة له والعبودية الكاملة له لا لغيره.
وقوله تعالى: { الخبيثات للخبيثين } أي الخبيثات من النساء والكلمات للخبيثين من الرجال كابن أبي، { والخبيثون للخبيثات } أي والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والكلمات وقوله: { والطيبات للطيبين } أي والطيبات من النساء والكلمات للطيبين من الرجال كالنبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضى الله عنها وقوله: { والطيبون للطيبات } أي والطيبون من الرجال كالطيبات من النساء والكلمات تأكيد للخبر السابق وقوله تعالى: { أولئك مبرؤون مما يقولون } أولئك إشارة إلى صفوان بن المعطل وعائشة رضى الله عنها، ومبرؤون أي من قالة السوء الت يقالها ابن أُبي ومن أذاعها معه. وقوله: { لهم مغفرة ورزق كريم } هذه بشرى لهم بالجنة مقابل ما نالهم من ألم الإفك الذي جاءت به العصبة المتقدم ذكرها إذ أخبر تعالى أن لهم مغفرة لذنوبهم التي لا يخلو منها مؤمن وهو الستر عناه ومحوها ورزقاً كريماً في الجنة.
وبهذه تمت براءة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها والحمد لله أولاً وآخراً.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- عَظِمُ ذنب قذف المحصنات الغافلات المؤمنات وقد عده رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبع الموبقات، والعياذ بالله تعالى.
2- تقرير الحساب وما يتم فيه من استنطاق واستجواب.
3- تقرير التوحيد بأنه لا إله إلا الله.
4- استحقاق الخبث أهله. فالخبيث هو الذي يناسبه القول الخبيث والفعل الخبيث.
5- استحقاق الطيب أهله فالطيب هو الذي يناسبه القول الطيب والفعل الطيب.
6- براءة أم المؤمنين وصفوان مما رماها به أهل الإفك.
7- بشارة أم المؤمنين وصفوان بالجنة بعد مغفرة ذنوبهما.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {27} فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {28} لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ {29}}
شرح الكلمات:
{ آمنوا } : ي صدقوا الله ورسوله فميا أخبرا به من الغيب والشرع.
{ تستأنسوا } : أي تستأذنوا إذ الاستئذان من عمل الإنسان والدخول بدونه من عمل الحيوان الوحشي.
{ وتسلموا على أهلها } : أي تقولوا السلام علسكم أأدخل ثلاثا.
{ تذكرون } : أي تذكرون أنكم مؤمنون، وأن الله أمركم بالإستذان.
{ أزكى لكم } : أي أطهر وأبعد عن الريبة والإثم.
{ ليس عليكم جناح } : أي إثم ولا حرج.
{ فيها متاع لكم } : أي ما تتمتعون به كالنزول بها أو شراء حاجة منها. { ما تبدون } : أي ما تظهرونه.
{ وما تكتمون } : أي ما تخفونه إذاً فراقبوه تعالى ولا تضمروا ما لا يرضى فإنه يعلمه.
معنى الآيات:
نظراً إلى خطر الرمي بالفاحشة وفعلها وحرمة ذلك كان المناسب هنا ذكر وسيلة من وسائل الوقاية من الوقوع في مثل ذلك ففرض الله تعالى على المؤمنين الإستئذان فقال: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } أي يا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً لا تدخلوا بيوتاً على أهلها حتى تسلموا عليهم قائلين السلام عليكم وتستأذنوا قائلين أندخل ثلاث مرات فإن أذن لكم بالدخول دخلتم وإن قيل لكم ارجعوا أي لم يأذنوا لكم لحاجة عندهم فارجعوا وعبر عن الإستئذان بالاستئناس لأمرين أولهما أن لفظ الإستئناس وارد في لغة العرب بمعنىالإستئذان وثانيهما: أن الإستئذان من خصائص الإِنسان الناطق وعدمه من خصائص الحيوان المتوحش إذ يدخل على المنزل بدون إذن إذ ذاك ليس من خصائصه.
وقوله { ذلك خير لكم } أي الإِستئذان خير لكم أي من عدمه لما فيه من الوقاية من الوقوع في الإثم وقوله: { لعلكم تذكرون } أي تذكرون أنكم مؤمنون وأن الله تعالى أمركم بالإِستئذان حتى لا يحصل لكم ما يضركم وبذلك يزداد إيمانكم وتسموا أرواحكم. وقوله تعالى: { وإن قيل لكم ارجعوا } لأِمرٍ اقتضى ذلك { فارجعوا } وأنتم راضون غير ساخطين. وقوله تعالى: { هو أزكى لكم } أي أطهر لنفوسكم وأكثر عائدة خير عليكم, وقوله تعالى: { والله بما تعملون عليم } أي مطلع على أ؛والكم فتشريعه لكم الإستئذان واقع موقعه إذاً فأطيعوه فيه وفي غيره تكملوا وتسعدوا.
وقوله: { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم }. هذه رخصة منه تعالى لعباده المؤمنين بأن لا يستأذنوا عند جخولهم بيوتاً غير مسكونة أي ليس فيها نساء من زوجات وسريات يحرم النظر إليهن وذلك كالدكاكين والفنادق وما إلى ذلك فللعبد أن يدخل لقضاء حاجاته المعبر عنها بالمتاع بدون استئذان لأنها مفتوحة للعموم من أصحاب الأغراض والحاجات أما السلام فسنة على من دخل على دكان أو فندق فليقل السلام عليكم والذي يسقط هو الإستئذان أي طلب الإذن لا غير.
وقوله تعالى: { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } أي يعلم ما تظهرون من أقوالكم وأعمالكم وما تخفون إذاً فراقبوه تعالى في أوامره وفاعلوا المأمور واتركوا المنهي تكملوا وتسعدوا في الدنيا الآخرة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- مشروعية الإستئذان ووجوبه على كل من أراد أن يدخل بيتاً مسكوناً غير بيته.
2- الرخصة في عدم الإستئذان من دخول البيوت والمحلات غير المسكونة للعبد فيها غرض.
3- من آداب الإستئذان أن يقف بجانب الباب فلا يعترضه، وأن يرفع صوته بقدر الحاجة وأن يقرع الباب قرعاً خفيفاً وأن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات.
4- في كل طاعة خير وبركة وإن كانت كلمة طيبة.
يتبع إن شاء الله...