هذا التحقيق
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والاه، وبعد؛
ففي ايام قاحلة وشهور عجاف اكرمني الله العلي القدير بقراءة هذا التفسير الجليل قراءة لا ارجو من ورائها سوى شرح للصدر، وتغذية للروح وتنضير للذهن.
كررت قراءته مرات ومرات، فاطفأ -باذن الله- ظمأ القلب بعذبٍ برود.. ولكن..
ولكن لمست انه بحاجة الى تنسيق جديد وتحقيق سديد ليسهل تناوله ولا يتعذر فهمه لكل من يريد ان يستفيد.
وشاء القدر الإلهي ان يأتيني اخ كريم بنسخة مخطوطة منه واخر بطبعته الاولى، وقد كنت احتفظ بترجمته التركية وبطبعته الثانية والاخيرة.. فاستجمعت العناصر الاولى للتحقيق.
فايفاءاً لشكره تعالى على ما أنعم عليّ واعداداً لنسخة جيدة من هذا التفسير الجليل هممت ان اقوم بتحقيقه، ولكن.. ولكن قصوري، وقلة خبرتي، وضخامة الموضوع، وجلال المقام، وخشية الزلل.. كانت تكّفني عن القيام بالتحقيق.. بيد ان النظر الى ما عند الله، وفضله العميم، والثقة به، وحسن القصد اليه في خدمة كتابه العزيز.. كانت تدفعني الى العمل..
فتخليت عن الإحجام ولازمت الإقدام متوكلاً على العلي العلام، وسرت بخطوات متئدة، كالآتي:
_____________________
1 ابقيت هذه المقدمة للتحقيق على ما هي عليه في الطبعة الاولى المطبوعة في العراق سنة 1409هـ - 1993م. الاّ ما استوجب من حذف واضافة ليوافق هذه الطبعة.- المحقق.
اولاً: قابلت بين النسخ التي توفرت لديّ وهي:
أ - نسخة بخط (الملا عبدالمجيد النورسي) 1مصححة من قبل المؤلف نفسه. فاعتبرتها الأساس في التحقيق2.
ب - الطبعة الاولى من الكتاب، المطبوع سنة 1334 في مطبعة (اوقاف اسلامية) باستانبول ومصححة من قبل المؤلف وعليها بعض الهوامش بخط يده. وقد رمزت اليها بـ(ط1).
ج - مخطوط بخط السيد (طاهر بن محمد الشوشي)3 انتهى منه سنة 1373هـ، وضم فيه تعليقات واستدراكات جيدة على النسّاخ، مع وضع لعناوين صغيرة لاهم الموضوعات في الصفحة، وقد رمزت اليه بـ(ش). فكل اضافة او تعليق مذيل بـ(ش) هو منه.
د - الترجمة التركية له، والتي قام بها (الملا عبد المجيد النورسى) ونَشرَتْها (دار سوزلر في استانبول) سنة (1976). وقد رمزت اليها بـ(ت).
هـ - تحقيق قام به الشيخ صدرالدين البدليسي، حيث وضع بعض الهوامش وصحح اخطاء مطبعية، فرمزت اليها بـ(ب).
_____________________
1 وهو شقيق الاستاذ النورسى، كان مدرساً للغة العربية، ثم مفتياً ، ثم مدرساً للعلوم الاسلامية في المعهد العالي في قونيا، ترجم كثيراً من رسائل النور الى العربية، وترجم اشارات الاعجاز والمثنوى العربي النوري من العربية الى التركية.
توفي سنة 1967 عن ثلاث وثمانين سنة من العمر.
تغمده الله برحمته الواسعة.
2 هذه النسخة مع مجموعتين كامتلتين من كليات رسائل النور المستنسخة باليد والمصححة من قبل المؤلف قد بعثها المؤلف سنة 1951م الى مدينة "أورفة " داخل صندوقين، وهي محفوظة الأن لدى الدكتور عبدالقادر بادللي، الذي تتلمذ على الأستاذ النورسي وزاره مرات كثيرة، وسعى في نشر الرسائل وما زال وترجم "المثنوي العربي النوري" ورسائل اخرى الى اللغة التركية، وله مصنفات عدة منها: حياة الأستاذ النورسي (3مجلدات) ومصادر الآيات والأحاديث الشريفة الواردة في رسائل النور، وغيرهما.
مع مقالات كثيرة، وهو الذي يسّر لنا الإطلاع على النسخة الأصلية لـ "إشارات الإعجاز " فجزاه الله خيراً على عمله النبيل.
3 وهو من قرية "شوش" التابعة لقضاء "عقرة " في شمالي العراق.
قرأ العلوم الاسلامية وتضلّع بها.
نذر خطه الجميل لرسائل النور، ولاسيما لاشارات الاعجاز، حيث كتب منها اربع نسخ علاوة على ما استنسخه من الرسائل المترجمة في وقته حتى كان يستنسخ بعضها في ضوء القمر.
من تأليفاته "رياض النور" في سيرة الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم في ثلاثة عشر ألف بيت باللغة الكردية.
توفي سنة 1962 عن اربع واربعين سنة من العمر.
أسكنه الله فسيح جناته.
و - الطبعة الاخيرة المطبوعة في مؤسسة الخدمات الاجتماعية في بيروت سنة 1394 (1974) وقد لاحظت فيها:
1- ترجمة السيد عاصم الحسيني لمقدمة الكتاب التي كتبها الاستاذ النورسى بالتركية، اقتصرت على قسمٍ منها، فاجريتُ فيها تغييرات طفيفة لتفي بمراد المؤلف، ثم اتتمت ترجمة بقية المقدمة.
2- كلمة ثناء او (تقريظ) للشيخ صدرالدين البدليسي، وهي كلمة قيمة لبيان ظروف تأليف التفسير، ومقارنته مع تفاسير اخرى مشهورة، فأبقيتها كما هي.
3- هناك في ختام الكتاب ثلاث عشرة شهادة من شهادات الفلاسفة وعلماء اوربا حول أحقية القرآن، اهملتُها لركاكة ترجمتها اولاً ولعدم عثوري على اصولها كي اترجمها مجدداً، ووضعت بدلاً منها ما قدّمه الاستاذ الدكتور عمادالدين خليل مشكوراً فصلاً من كتابه القيم قالوا عن الاسلام وهو الفصل الاول الخاص بالقرآن الكريم، فألحقناه كاملاً بالكتاب، فجزاه الله خيراً على عمله الجليل.
ثانياً: وبعد المقابلة او في اثنائها صححت الاخطاء المطبعية والاملائية، مع تشكيل وضبط الكثير من الكلمات، ثم عزوت الآيات الكريمة الى سورها.
وخرّجت الاحاديث الشريفة الواردة فيه من الكتب المعتمدة المتوفرة لديّ، وبمساعدة الاخ الكريم فلاح عبد الرحمن.
وتركنا قسما من الاحاديث كما هو، لعل الله يهئ لنا من المصادر الحديثية ما نتمكن من تخريجه، او يرشدنا اليه علماؤنا الافاضل.
ثالثاً: راجعت امهات القواميس كالمحيط والمصباح ومختار الصحاح وغيرها لتفسير بعض ما استغلق عليّ من كلمات..
رابعاً: استخرجت الامثال الواردة فيه، وقابلتها مع اصولها في مجمع الامثال للميداني.
خامساً: وضحت بعض ما أُبهم عليّ من العبارات، استناداً الى الترجمة التركية، حيث جاءت فيها تلك العبارات اكثر وضوحا.
وادرجتها في الهامش مع تذييلها بـ(ت) ورقم الصفحة.
سادساً: استشكلت عليّ امور نحوية ومسائل لغوية، اضطرتني الى مراجعة امهات الكتب اللغوية كالمغني والاشموني وغيرهما، حتى اطمأن القلب وحصلت القناعة التامة بان ما اقره الاستاذ النورسى هو الصواب، او فيه جواز، وان ما الفته وتعلمته من قواعد النحو ما هو الا النزر اليسير من بحر محيط عظيم بل ما هو الا الوجه الشائع من بين وجوه كثيرة.
وبعد الفراغ من العمل بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وضعت كل ماقمت به بين يدي اخي الاستاذ الدكتور محسن عبد الحميد ليدلني على عثراتي ويبصرني على ثغرات العمل؛ اذ هو الذي صاحَبَ الرازي سنين، ولازم الالوسى سنين اخرى، وخَبَر اصول التفسير وضوابطه درسا وتدريساً لسنين طويلة، ومازال، فكلل جهدي جزاه الله خيراً بمقدمة وافية شافية.
وبعد:
فلقد بذلت ما بوسعى في تحقيق الكتاب، ولست زاعما اني اوفيت حقه، ولكن حسبي انني حاولت، وبذلت ما استطعت ابتغاء ان يكون من العمل الصالح عندالله، ورجاء ان تنالي دعوة خالصة ممن ينتفع به.
والله نسأل ان يوفقنا الى حُسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل.
وصلّ اللّهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
احسان قاسم الصالحي
ليلة النصف من شعبان سنة 1407هـ.