المقدمة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة و السلام على نبينا محمد, وعلى آله و صحبه أجمعين, وبعد:
فلا يزال الأب الموفق والأم المسددة يحرصان على تربية بناتهم التربية الإسلامية التي تبرأ بها الذمة, وعندها تكون الابنة قريرة العين والوالدان يرفلان في سعادة الدنيا و الآخرة؛ فإن البنات حبات القلوب ومهج النفوس، ولقلة ما كتب من أمر تربيتهن مع أهميته ساق قلمي مستنيرَا بالكتاب والسنة مجموعة من الوصايا المختصرة وباقة من التوجيهات والملاحظات السريعة لعل الله أن ينفع بها.
, ولغة الخطاب في هذه النقاط موجهة إلى الأب و الأم على حد سواء وكل بحسبه ومقدرته.
أسأل الله - عز وجل - أن يصلح نياتنا و ذرياتنا.
عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم
مدخل
روى مسلم عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ عال - أي قام عليهما في المؤونة والتربية - جاريتين - أي بنتين - حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين» وضم أصابعه.
قال ابن بطال: «حقٌّ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي –صلى الله عليه وسلم- في الجنة, ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك». وروى البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فلم فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم- علينا فأخبرته فقال : «مَنْ ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار». وفي رواية لمسلم قال: «إن الله قد أوجب لها الجنة أو أعتقها بها من النار»، قال ابن حجر: «ختلف في المراد بالابتلاء, هل هو نفس وجودهن؟ أو ابتلي بما يصدر منهن؟»، وقال الإمام النووي: «إنما سماه ابتلاءً لأن الناس يكرهون البنات في العادة, فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك, ورغب في إبقائهن, وترك قتلهن بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن, وجاهد نفسه في الصبر عليهن».
وروى أبو داود والترمذي عن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات, أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فله الجنة»، وفي رواية أبى داود قال: «مَنْ عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو أختين أو بنتين, فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة»، وفي رواية: «مَنْ كان له ثلاث بنات أو أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن وصبر عليهن واتقى الله فيهن دخل الجنة».
وروى الإمام أحمد عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وعلى ضرائهن دخل الجنة»، وفي رواية: فقال رجل: يا رسول الله, واثنتين؟ قال: «واثنتين», قال: يا رسول الله, وواحدة؟ قال: «وواحدة»، وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول «مَنْ كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أمَّا بعد:
فإنَّ نعم الله -عز وجل- لا تحصى, وعطاياه لا ُتعد, ومن تلك النعم العظيمة وأجلها نعمةُ الأولاد, قال الله -تعالى-: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [الكهف: 46 ]، ولا يَعرفُ عِظَم هذه النعمة إلا من حُرِم منها, فتراه ينفق ماله ووقته في سبيل البحث عن علاجٍ لما أصابه.
وهذه النعمة العظيمة هي أمانةٌ ومسئوليةٌ, ُيسأل عنها الوالدان يوم القيامة, أحَفِظا أم ضيَّعا؟ وزينة الذرية لا يكتمل بهاؤها وجمالها إلا بالدين وحسن الخُلق, و إلا كانت وبالاً على الوالدين في الدنيا والآخرة، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «كلكم راعٍ, وكلكم مسئولٌ عن رعيته: فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته, والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته» [متفق عليه]. وهذه الرعية أمانةٌ, حذر الله –عز وجل- من إضاعتها والتفريط في القيام بحقها, قال – تعالى-: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72]، وقال- تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6].
قال ابن القيم- رحمه الله -: «فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه, وتركه سُدًى, فقد أساء غاية الإساءة؛ وأكثر الأولاد إنَّما جاء فسادهم من قِبَلِ الآباء وإهمالهم لهم, وترك تعليمهم فرائض الدين وُسننه, فأضاعوهم صغاراً, فلم ينتفعوا بأنفسهم, ولم ينفعوا آباءهم كباراً». وقد سارع الأنبياء إلى تربية أبنائهم وتفقد أحوالهم, هذا يعقوب -عليه السلام- وقد اقترب أجله يسأل بنيه ليطمئن على سيرهم على التوحيد بعد موته: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي وقرت عينه عندما أجابوا: قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133].
وهذا إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام- يدعوان الله عز وجل: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ الآية [ البقرة: 128]، وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام- كما أخبر الله عن عباده: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]. قال ابن كثير - رحمه الله -: «وهذا القدر مرغوب فيه شرعًا فمن تمام محبة الله أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له».
واشتد حرص السلف على مباشرة تربية أبنائهم والقيام بهذه المهمة العظيمة ومن ذلك ما ذكر عن الخليفة العباسي المنصور أنه بعث إلى من في السجن من بنى أمية يقول لهم: «ما أشد ما مر بكم في هذا السجن؟» قالوا: «ما فقدنا من تربية أبنائنا» ومع الأسف أن بعض من حرص على أمر التربية جعلها للأبناء دون البنات ونسي أن الأمانة واحدة و السؤال عن الجميع, وغفل عن أن ابنته اليوم هي أم المستقبل التي تنجب بإذن الله من يرفع الله بهم الإسلام, وفى إهمال تربية البنت توجيه ضربة قاصمة للمجتمع المسلم.
ولحاجتنا كآباء وأمهات إلى منارات نستنير بها في أمر التربية أسوق بعضًا منها:
أولاً:
شكر الله على عطيته:سواء أكانت ذكرًا أم أنثى, فإن الله -عز وجل – يهب الذكور والإناث والإنسان لا يعلم أين الخير والنفع , فعلى الوالدين شكر الله وعدم متابعة أهل الجاهلية في كرههم للبنات, فقد ذمهم الله -عز وجل- بقوله: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58، 59].
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله كره لكم ثلاثًا: عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات» [رواه الطبراني]، روى الإمام أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تكْرَهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات»، وروى البخاري عن ابن عمر أن رجلاً عنده بنات, فتمنى موتهن, فغضب ابن عمر, فقال: «أنت ترزقهن؟».
قال أحد الحاكمين: للهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير [الشورى: 49، 50]، قال إسحاق بن بشر: «نزلت هذه الآية في الأنبياء ثم عمت، فلوط -عليه السلام- أبو البنات لم يولد له ذكر، وإبراهيم -عليه السلام- ضده، ومحمد –صلى الله عليه وسلم- ولد له الصنفان، ويحيى بن زكريا -عليه السلام- عقيم».
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه أحكام المولود: «فقسم الله سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضًا لمقته أن يتسخط ما وهبه، وبدأ سبحانه بذكر الإناث: فقيل جبرًا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن...».
وقال صالح بن أحمد: كان أبي إذا ولد له ابنة يقول: «الأنبياء كانوا آباء بنات» ويقول: «قد جاء في البنات ما قد علمت».
وقال يعقوب بن بختان: ولد لي سبع بنات فكنت كلما ولد لي ابنة دخلت على أحمد بن حنبل فيقول لي: «يا أبا يوسف الأنبياء آباء بنات» فكان يذهب قوله همي. وقال عبيد الله السعدي: أنه بلغه: أن الله يحب البنات، وكان لوط –عليه السلام- ذا بنات، وكان شعيب –صلى الله عليه وسلم- ذا بنات، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- ذا بنات [رواه ابن أبي الدنيا].
ورحب أحد العقلاء بابنته فقال: «أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، والمبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون»، ومَنْ تأمل حوله وجد أن البعض له ابنة واحدة قرت بها عينه وامتلأت نفسه بالسعادة والرضى، وآخر له من البنين العدد ومع ذلك فهم في واد وهو في واد آخر لم ير إلا الشقاء والعناء منهم.
ثانيًا:
الأصل في تربية النشء إقامة عبودية الله -عز وجل- في قلوبهم، وغرسها في نفوسهم وتعاهدها، ومن نعم الله علينا أن المولود يولد على دين الإسلام، دين الفطرة، فلا يحتاج إلا إلى رعايته، ومداومة العناية به؛ حتى لا ينحرف أو يضل وهنا يكون للوالدين أجر الدلالة على الخير كما قال –صلى الله عليه وسلم-: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» [رواه مسلم]، فهؤلاء الأولاد ومن يأتي من ذريتهم في ميزان حسنات الوالدين إذا وفقا إلى التربية الإسلامية الصحيحة فإن الفرع تابع للأصل.
ثالثًا:
الأب والأم في عبادة لله -عز وجل- حين التربية، والإنفاق، والسهر، والمتابعة، والتعليم، بل وحتى إدخال السرور عليهم وممازحتهم إذا احتسبوا ذلك، فالأصل تعبد الله -عز وجل-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، والنفقة عليهم عبادة كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة» [متفق عليه]، سأل رجل الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- السؤال التالي: إن لدي أربعة أطفال وأريد أن أكتفي بهم وأتفرغ للعبادة والطاعة فما رأيكم؟ فأجاب رحمه الله: «تربيتك لأبنائك التربية الصالحة عبادة»، وقد كان أحد السلف متعبدًا متفرغًا للمناجاة فقال لصاحب الأولاد الذي كان يغبطه على ما هو فيه من العبادة: «لروعة منك بسبب العيال خير مما أنا فيه».
رابعًا:
لا بد من الإخلاص لله -عز وجل- في أمر التربية، فإن أراد المربي الدنيا فقد انثلم إخلاصه، وترى البعض يحرص على تعليم أبنائه؛ لكي يحوزوا على المناصب والشهادات، ولا شك أن الخير في تعليمهم ابتغاء ثواب الله -عز وجل- وما عداه فهو تابع له، ولهذا يركز من يريد الدنيا على التعليم الدنيوي المجرد من خدمة الإسلام والمسلمين، والآخر الموفق يسعى لكسب ابنته شهادة في التعليم مثلاً، لتعليم المسلمات، فهذا له أجر، وذاك ليس له أجر، والنية في هذا الأمر عظيمة، وهي من أسباب صلاح الأبناء وحسن تربيتهم، فما كان لله فهو ينمو ويكبر، وما كان للدنيا فهو يقل ويضمحل. وبعض من الآباء يبر والديه؛ لكي يراه صغاره فيعاملونه إذا كبر وشاخ بمثل ذلك. وهذا فيه حب الدنيا وحظوظ النفس، ولكن المؤمن يخلص لله في بر والديه رغبة في ما عند الله -عز وجل- وطاعة لأمره في بر الوالدين، لا للدنيا والمعاملة بالمثل، ولهذا يحرص الأب والأم على تربية البنت على حسن معاملة الوالدين واحترامهما وخدمتهما والبر بهما والاستجابة إلى طلباتهما، ويعلمانها أن ذلك عبادة وقربة.
خامسًا:
على المربي استصحاب النية في جميع الأمور التربوية؛ حتى يؤجر. فهو يلزم النية في تعليمهم، وفي النفقة عليهم، وفي ممازحتهم وملاعبتهم، وإدخال السرور عليهم، والصبر حال مرضهم ويعود نفسه على ذلك، ويجدد النية كل حين.
سادسًا:
الدعاء هو العبادة، وقد دعا الأنبياء والمرسلون لأبنائهم وزوجاتهم رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان: 74]، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: 35] وغيرها في القرآن كثير. وكم من دعوة اهتدى بسببها ضال، وكم من دعوة اختصرت مسافات التربية. وتحر أوقات الإجابة، وابتعد عن موانعها، وتضرع إلى الله -عز وجل- وانكسر بين يديه أن يهدي ذريتك، وأن يجنبها الشيطان، فأنت ضعيف بجهدك قليل بعملك.
ومن أعظم الأخطاء:
الدعاء على الأبناء بالويل والثبور وعظائم الأمور فربما وجدت بابًا مفتوحًا فتقع، وعلى الوالدين عدم الدعاء على الأبناء بل الدعاء لهم.
سابعًا:
على الوالد الحرص على الكسب الحلال، وتجنب الشبه، حتى لا يقع في الحرام؛ فإنه صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به» ولا يظن الأب أو الأم أن الحرام في الربا، والسرقة، والرشوة. فحسب، بل حتى في إضاعة وقت العمل وإدخال مال حرام دون مقابل.. فكثير من الموظفين والمدرسين يتهاونون في أعمالهم، ويتأخرون عن مواعيد عملهم بضع دقائق.. لو جمعت إذا بها ساعات تضيع في الحديث مع الزملاء، وقراءة المجلات والجرائد، والمكالمات الهاتفية، وهذه الأموال التي يأخذها مقابل هذه الأوقات سحت؛ لأنها أخذ مال بدون وجه حق. وكذلك أكل أموال الناس بالباطل وهضم حقوقهم، فاحذر أخي المسلم أن يدخل جوفك وجوف ذريتك مال حرام، وتحر الحلال على قلته؛ فإن فيه بركة عظيمة.
ثامنًا:
لا بد أن يكون في البيت المسلم جلسة إيمانية بين الحين والآخر، إما بعد صلاة العصر أو بعد العشاء يقرأ فيها الأبناء كتابًا في التفسير ومرة في الحديث وثالثة في السيرة، وتحرص الأم على غرس النماذج الحية المتميزة من المسلمات المؤمنات من أمهات المؤمنين والصحابيات والصالحات في كل زمان في قلب ابنتها حتى تتشوق إليهم وتنبذ عنها ما يمجده الإعلام الفاسد من الكافرات والفاجرات، وأول محاضن التعليم للصغيرة هو حضن الأم التي تسمع صغيرتها ذكر الله -عز وجل- وحمده والثناء عليه!
تاسعًا:
القدوة الحسنة من ضروريات التربية، فكيف تحرص البنت على الصلاة وهي ترى والدتها أو والدها مضيعًا لها؟! وكيف تبتعد عن الأغاني والمجون وهي ترى والدتها ملازمة لسماعها؟! مع ملاحظة الابتعاد عن الغيبة والنميمة والكذب فإنها تقع من بعض القدوات، ثم في صلاح الوالدين حفظ لأولادهما في حياتهما، وبعد مماتهما، وتأملا في قول الله -تعالى-: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف: 82]، فصلاح الأب هذا عم أبناءه بعد موته بسنوات. وليكن لك أجر غرس الإسلام في نفس طفلك وحرصه على أداء شعائره فإن «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده.. » الحديث.
ومما ابتليت به بعض الأمهات كثرة الخروج والتجول في الأسواق بل وكثرة الزيارات والمناسبات، وبالإمكان التقلل منها قدر المستطاع والتفرغ لأمر الزوج والأبناء، وإن ابتليت الأم بكثرة الخروج فلا بد أن تحتاط لابنتها في البيت فقد سمعنا ما يندى له الجبين من الإهمال في هذا الجانب وجعل الثقة في غير موضعها!
والأمهات إذا ما كن في سفه
فاحكم على الجيل بأن النقص حاديه
عاشرًا:
وجه بعضًا من حرصك على أمور الدنيا ومعرفتها وكشف دقائقها إلى معرقة أفضل السبل في أمر التربية، واستشر من ترى فيه الصلاح، وابحث عن الأشرطة والكتب التي تتحدث عن التربية الإسلامية للطفل المسلم، ولا يكن شراء سيارة أو جهاز كهربائي أهم من تربية ابنتك، فأنت تسأل عن السيارة والجهاز كل من تراه! ثم تهمل فلذة قلبك وثمرة فؤادك ولا تتلمس الطريق السوي لتربيتها!.
ومن الحكمة والنباهة: أن الأم إذا رأت أسرة تحسن تربية بناتها أن تسارع إلى سؤالهم عن وسائل التربية وطرقها وكيف هي؟ ولها أن تسأل عما أشكل عليها في أمر التربية.
الحادي عشر:
الصبر.. غفل عنه البعض وهو من أهم عوامل نجاح التربية. فعليكما به، واصبرا على صراخ الصغير ولا تغضبا، واصبرا على مرضه واحتسبا، واصبرا على توجيهه ولا تملا، وليصبر الأب على مسافات بعيدة ليذهب بابنته لمدرسة ناجحة، وفيها المدرسات الأكفاء، واصبر على أن تنتظر ابنتك لتعود بها من المدرسة، وأبشر؛ فإنك في طريق جهاد: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69] وأنتما مأموران بالتربية، أما الهداية فهي من الله -عز وجل-، فابذلا السبب واصبرا، وستريا من الخير ما يسركما ويؤانس طريقكما.
وفي هذا الجانب يحذر الوالدان خلوة السائق بالبنت في السيارة فإن ذلك يجر على الفتاة ويلات كثيرة من السائق ومن الشباب الطائش في الطرق، ولتحذر الأم من ذلك، وقد رأيت في أحد المحلات التجارية سيارة بها خادمة وطفلة، وإذا بالسائق قد دخل بالبنت إلى المحل التجاري وجعلها بين يديه وعمرها تجاوز السابعة! قلت لها: هذا والدك؟ قالت: لا قلت: كيف تسمحين له بذلك؟ وفي ظني أن الوالدين قد أرسلا السائق ومعه زوجته ولكن انظروا ماذا حصل في المحل التجاري! فكيف بالأماكن الأخرى!
ولتحذر الأم من أن تدفع بابنتها إلى خادمة لا تصلي وتعصي الله -عز وجل-، وقد نشأ أناس على لوثة عقدية ووقوع في المعاصي تشربنها من أيدي الخادمات! وأذكر من باب القدوة أن أحد الأساتذة في الجامعة وقد كبر سنه وأحيل للتقاعد يأتي مع السائق كل صباح وظهر لإيصال ابنته إلى الكلية! ووالله لا زلت أترحم عليه كلما تذكرت صبره ومحافظته على ابنته!
الثاني عشر:
الصلاة، الصلاة، فهي الفريضة العظيمة والركيزة الثانية من فرائض الإسلام بعد الشهادتين، فاحرصا عليها، ولتشعر ابنتكما بأهميتها وعظم قدرها. وهي يسيرة على من يسرها الله عليه، والتزما الأدب النبوي في تربية الأطفال، فقد قال -عليه الصلاة والسلام- كما روى ذلك الإمام أحمد: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر».
ومن طبق هذا الحديث فإنه لا يرى مشقة ولا تعبًا في أمر الصلاة؛ والأب الفطن والأم الفطنة تبحث عن المكافأة والتشجيع في المراحل الأولى فتضع مثلاً حلوى أو ريالاً في سجادة الصلاة وتدعو الابنة للصلاة وأن الله سوف يرزقها، فتسر الصغيرة بذلك، ومن ذلك شراء سجادة لها وحثها على العناية بها، ومن وسائل التعويد أن يوكل إلى الابنة مراعاة أوقات الصلاة فالأم تسأل دائمًا الابنة هل أذن المؤذن؟ كم بقي على الأذان؟ حتى يكون قلب الابنة معلق بالصلاة.
قال ابن تيمية رحمه الله: «ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزر الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا؛ لأنه عصى الله ورسوله»، ؤ وتعجب أننا نستطيع أن نرتب أنفسنا أيام الاختبارات المدرسية بالنوم مبكرًا وعدم السهر! لأجل الاستيقاظ مبكرًا؛ ونتساهل في أمر الاستعداد لصلاة الفجر!
الثالث عشر:
لا بد من مراعاة الملكات الخاصة والفوارق الفردية بين الأطفال، والعدل معهم في المعاملة، وبعض الآباء يهمل ملكات عظيمة لدى صغيره تضيع سدى. فتجد بعض الصغار يحفظ الأناشيد والدعايات وغيرها مما لا فائدة منه، ولا يحفظ كتاب الله -عز وجل- ولا يوجه لذلك. ولو تأملت في حياة علماء الأمة لوجدت الكثير يملكون مثل إمكاناتهم وقوة حفظهم، ولكنهم وجهوا هذه الثروة إلى غير فائدة، فهذا عالم الأمة ومفتي الديار، وذاك يحفظ الشعر والقصص وقد برز من النساء من لهن صوت في تاريخ الأمة وسجل ناصع أبيض، فمن العالمات: فاطمة بنت محمد –صلى الله عليه وسلم-، وعائشة، وحفصة، وأسماء رضي الله عنهن، ومن الأديبات: الخنساء وأروى بنت عبد المطلب، وبعض الفتيات ممن التحقن في دور تحفيظ القرآن الكريم تجاوزن مرحلة الفراغ وأصبحت حياتهن جادة منضبطة لا تسمع إلا دوي القرآن في غرفتها، ومهما كانت ملكة الحفظ لديها ضعيفة إلا أنها لا تعدم أن تحفظ آيات من كتاب الله -عز وجل- كل يوم.
الرابع عشر:
اغرس في نفوس صغارك تعظيم الله -عز وجل- ومحبته وتوحيده، ونبههم إلى الأخطاء العقدية التي تراها، وحذرهم من الوقوع فيها واحرص على غرس العقيدة بين الحين والآخر في نفوسهم وقد ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يعلمون أبناءهم علامات الساعة وهذا من الإيمان بالغيب، عدا أن وقوع المغيبات على النحو الذي حدثت به الأخبار ينبت الإيمان به ويقويه ويوجب الاستعداد لقيام الساعة بالتوبة النصوح والعمل الصالح.
وأبعدهم عن تعليق التمائم والحروز وقراءة الكف مثلاً واغرس عقيدة الولاء والبراء في قلوبهم؛ فإن ذلك تحصين لهم، واحرص على أن تعودهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشجعهم عليه؛ فإن ذلك من دواعي ثباتهم على هذا الدين، ولما في ذلك من الوجوب والأجر العظيم.
ولا يظن الوالدان أن الصغير لا يدرك ولا يعي فهذا النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول للحسن بن علي -رضي الله عنهما- وقد أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه وهو طفل صغير.. يقول له –صلى الله عليه وسلم- مربيًا ومعلمًا: «كخ كخ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعر أنا -يعني آل محمد- لا نأكل الصدقة؟» [رواه مسلم].
الخامس عشر:
احرصا على كتم الغضب والانفعال، وتعوذا من الشيطان إذا داهمكما، ولقد جعل الإسلام للعقوبة حدًا. فجعل ضرب الطفل لا يتجاوز العشر ضربات، وأن يكون عمر الصغير فوق السنوات العشر، وأن يضرب بمسواك أو عصا صغيرة، ويتجنب الوجه والعورة، واحرص على التسمية عليه حال الضرب، ولا تضرب وأنت غضبان هائج، وإن استبدلت بالضرب التشجيع أو الحرمان فهو خير لك ولابنتك.
يتبع إن شاء الله...