منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية    الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 10:26 pm

الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية 

الحدودية كتعبير عن وظيفيـة الجماعات اليهوديـة 
Peripherality as Manifestation of the Functionality of the Jewish Communities 

«الحدودية» مصطلح يُعبِّر عن نموذج ذي مقدرة تفسيرية وتصنيفية عالية، إذ يرصد ويُفسِّر إحدى السمات الأساسية للجماعات اليهودية، ويُقصَد به وجود أعداد ملحوظة منها « على الحدود »، إما بالمعنى الجغرافي (المكان) أو بالمعنى التاريخي (الزمان)، وهو ما يُعبِّر عن وضعها كجماعة وظيفية. فمن الناحية الجغرافية، يُلاحَظ وجود أعضاء الجماعات اليهودية على أطراف أو حدود الدول أو في مناطق تقع بينها أو في الموانئ البحرية أو في الموانئ التجارية التي تكون محطات ومراكز برية أو في جيتو خاص. أما من الناحية التاريخية، فيُلاحَظ ازدهار أعضاء الجماعات اليهودية في مرحلة تاريخية مؤقتة تقع بين مرحلتين. ويمكن أن تكون الحدودية وضعية بمعنى ألا يكون المثقف أو الرأسمالي من أعضاء الجماعات اليهودية منتمياً إلى مركز التجمع وإنما يكون على حدوده أو هامشه. والحدودية تُعبِّر عن وضع الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية تضطلع بوظائف خاصة (مشينة أو متميِّزة)، وهو ما يتطلب عزلها عن المجتـمـع، أو بوظائـف ريادية في الأماكـن النائـية والمجهولة. والحدودية الجغرافية يمكن أن توجد بدون الحدودية الوظيفية، والعكس صحيح أيضاً. لكن من الواضح أن الواحدة تقود إلى الأخرى، كما أن انفصالهما هو أمر مؤقت وتعبير عن الفجوة الزمنية التي تسم الظواهر الإنسانية. 

وينبغي التنبه ابتداءً إلى أن هذه الصفة ليست صفة كامنة في بنية الطبيعة البشرية اليهودية أو لصيقة بها كما قد يتخيل البعض،فهي صفة مُكتسَبة يمكن تفسير كثير من جوانبها في إطار تاريخي واجتماعي.ويجب أيضاً أن نشير إلى أن ثمة جماعات يهودية عديدة لم تتصـف بصفـة الحدودية هـذه.فيهود بابل كانوا دائماً جزءاً من مجتمعهم،كما أن الأمريكيين اليهود أصبحوا جزءاً عضوياً من مجتمعهم لا يقفون على حدوده وإنما يتحركون داخله ويوجدون في صميمه. ويمكن القول بأن صفة الحدودية هذه تنطبق بشكل عميق وأساسي على أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الغربي، خصوصاً في شرق أوربا قبل الثورة الصناعية. ولأن وضع هذه الجماعات، كجماعات وظيفية، هو ما أفرز الصهيونية التي هيمنت إلى حدٍّ كبير على كل يهود العالم، وهذه الظاهرة تكتسب أهمية خاصة في الوقت الحاضر. 

ويُلاحَظ أن أول ذكر للعبرانيين جاء فيه أنهم جماعات بدوية تنتقل من بلد إلى آخر، فتبقى إما على حدوده الفعلية، أو تدخل إليه للســقيا أو الاستقرار المؤقت. وهم بوصفهم بدواً رُحَّلاً يشكلون فئة اجتماعية تعيش على هامش المجتمع وفي ثغراته. وتدل الإشارات التي وردت في العهد القديم على أن العبرانيين كانوا يرابطون على حدود المدن، شأنهم شأن كثير من البدو الذين يحضرون للاتجار وتبادل السلع، أو يسيرون على طرق التجارة التي تمتد من مكان إلى آخر. وحينما نزل العبرانيون مصر، استوطنوا في جوش (محافظة الشرقية الآن)، وهي منطقة متاخمة لكل من شبه جزيرة سيناء وحدود مصر. ومن الواضح أنهم ظلوا اجتماعياً على حدود المجتمع، يعملون عبيداً أو بنائين، ولذا كان من الممكن طردهم. وبعد التغلغل العبراني في أرض كنعان، استقروا فيها، وهـي بلدة على الحـدود بين القوتين العظمـيين آنذاك: مصر وبلاد الرافدين. وتاريخ مملكة داود وسليمان هو تاريخ الانكماش المؤقت لهاتين القوتين، تماماً كما أن تاريخ الدويلتين العبرانيتين (المملكة الجنوبية والمملكة الشمالية) هو تعبير عن الصراع بين هاتين القوتين حينما عادت إليهما الحياة والقوة مرة أخرى. ومعنى ذلك أن وجود الدولة العبرانية والدويلتين العبرانيتين كان في مراحل زمنية مفصلية، أي في مرحلة حدودية بين مرحلتين إن صحَّ التعبير. 

ويمـكن القـول بأن موقع فلسطين الجغرافي يجعل منها دولة حدودية. ولكن حدودية فلسطين ليست صفة جغرافية ثابتة وإنما صفة تاريخية عارضة. فحدودية فلسطين لا تظهر إلا مع تجزؤ المنطقة، وفي غياب قوة محلية تقوم بتوحيدها. فهي قريبة من حدود آسيا مع أفريقيا وتطل على حوض البحر الأبيض المتوسط، وتُعَدُّ مدخلاً لبلدان وادي الرافدين ومفتاحاً للشام ومصر، وهي الطريق الذي يصل آسيا بأفريقيا ويربط مصر بإمبراطوريات الشرق. ولذا، نجد أن معظم الفاتحين منذ عهد الإسكندر (أول غاز غربي للشرق) كانوا يسعون للاستيلاء على فلسطين لتكون ركيزة مشروعهم الاستعماري. وقد كانت هدفاً عَبْر تاريخها للهجرات والغزوات ابتداءً من التسلل العبراني إلى كنعان الذي تزامن مع غزوة شعوب البحر (الفلستيين). كما كانت هدفاً للغزو الآشوري فالبابلي فالفارسي فاليوناني والروماني، ثم موضع صراع بين البطالمة والسلوقيين، ثم هدفاً لحروب الفرنجة. وقد قام بسماتيك الثاني (594 ـ 588 ق.م) بتوطين بعض الجنود العبرانيين المرتزقة في جزيرة إلفنتاين باعتبارهم جماعة وظيفية استيطانية قتالية. وكانت إلفنتاين تقع على حدود مصر الجنوبية وكانت ذات أهمية إستراتيجية خاصة، كما كانت مركزاً للمحاجر المصرية. 

وتحوَّلت فلسطين، بعد أن ضمتها الإمبراطورية اليونانية، إلى مسرح للصراع بين السلوقيين والبطالمة. ومع بداية ظهور الرومان، تحالف معهم الحشمونيون، وتمكنوا من تأسيس دولتهم المستقلة في مرحلـة مفصلـية أو حدوديـة ثانيـة. وبعد أن ضمتها الإمبراطورية الرومانية، صارت فلسطين أحد مسارح الصراع بين الرومان والفرثيين الذين هيمنوا على بلاد الرافدين آنذاك. وقد ظهرت في تلك الفترة إمارة حدياب التي كانت إمارة حدودية تقع بين الدولة الفرثية والإمبراطورية الرومانية. لكن الصراع حُسم لصالح الرومان وقُضيَ على الإمارة اليهودية. وبهذا، أصبحت فلسـطين مقاطعة تابعة يحكمها الحاكم الروماني مباشـرةً. وفي القرن الأول قبل الميلاد، بدأ اليهود يغادرون فلسطين في أعداد كبيرة وينتشرون في بقاع الأرض، ولكن هذا الانتشار تركَّز في مدن حوض البحر الأبيض المتوسط. ولم تَعُد فلسطين المركز الديني أو السكاني لأعضاء الجماعات اليهودية في العالم، لأنها أخذت تفقد الخاصية الحدودية. وقد فقدت فلسطين حدوديتها تماماً بعد فترة الصراع بين البيزنطيين والفرس، حيث أصبحت جزءاً عضوياً من التشكيل الحضاري العربي الإسلامي. واستمر هذا الوضع حتى القرن الحادي عشر حيث جاءت حملات الفرنجة وتأسست ممالك الفرنجة في فلسطين. ولكن هذه الحملات فشلت في تحقيق هدفها وهو تحويلها إلى جزء من حدود أوربا في الشرق. 

وبالمثل، تتسم بعض الجماعات اليهودية الأخرى في العالم بهذه «الحدودية». وإذا صدقنا دعاوى بعض المؤرخين القائلة بأن ملوك حمير قد اعتنقوا اليهودية في القرن السادس، أثناء صراعهم مع أباطرة إثيوبيا من الأقباط، فيمكننا اعتبار اليمن آنذاك منطقة حدودية تقع بين التشكيل الحضاري السامي الوثني في الجزيرة العربية وإثيوبيا المسـيحية المتحالفة مـع بيزنطة. وقد استوطن أعضاء الجماعات اليهـودية في الهند: في بومباي وجوا وكوشين، وكلها موانئ ومناطق للتجارة.

ومن أهم الأمثلة على هذه الصفة الحدودية، إمبراطورية الخزر اليهودية الصغيرة التي كانت تقع على الحدود بين الإمبراطوريتين البيزنطية والإسلامية من جهة والسهوب الروسية التي كانت تسكنها قبائل سلافية وثنية من جهة أخرى. وقد اكتسبت هذه الإمبراطورية أهميتها بسبب موقعها الحدودي ودورها بين هذه القوى. ولكن، حينما تنصَّر الروس في القرن العاشر وتحولوا إلى قوة روسية أرثوذكسية متحالفة مع بيزنطة، وازداد ضعف المسلمين العرب، تم القضاء على إمبراطورية الخزر التي لم يعد لها دور تلعبه. وقد استوطن أعضاء الجماعات اليهودية، بعد الفتح العربي، في شبه جزيرة أيبريا، وهي المقاطعة المتاخمة للحدود مع العالم المسيحي. ومع هذا، كان أعضاء الجماعات اليهودية في المجتمع العربي الإسلامي يفتقدون خاصية الحدودية هذه، حيث كانوا من صميم المجتمع العربي في الأندلس. 

وعلى أية حال، فإن صفة الحدودية لم تتبلور إلا بتحول الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية داخل التشكيل الحضاري الغربي. ومما قد يكون له دلالته وطرافته أن أول وجود لأعضاء الجماعات اليهودية داخل القارة الأوربية كان في روما (العاصمة الإمبريالية) ثم في كولونيا (وهي معسـكر روماني أُسِّـس في تلك المنطقة التي تتحـكم في وادي الراين، ويعود اسمها إلى كلمة «كولون Colon» اللاتينية ومعناها «مستعمرة»، وقد أُخذت كلمة «كولونيالية» بمعنى «استعمار» من الأصل نفسه). وقد أصبحت كولونيا، بسبب موقعها المتميِّز، مقراً لأحد أهم الأسواق في أوربا. ويمكن القول بأن خاصية الحدودية كانت خاصية جنينية تظهر وتختفي داخل القارة الأوربية وخارجها، ولم تصبح خاصية عامة وأساسية وثابتة للجماعات اليهودية في أوربا إلا بحلول العصور الوسطى في الغرب. ولعل هذا يعود إلى التركيب الإقطاعي المسيحي للمجتمع والذي لم يحدد وضع الأقليات غير المسيحية، وهو ما جعل اليهود وأمثالهم غرباء. لكن هذا المجتمع كان، مع ذلك، مجتمعاً يضم النبلاء والفرسان من جهة والفلاحين من جهة أخرى، بحيث كانت تفصل بين الجانبين هوة لم يكن بوسع التجار المحليين ملؤها. وقد قام اليهود بملء هذه الشقوق والفراغات وتوسيعها حتى أصبحوا الجماعة الوظيفية الوسيطة الأساسية في أوربا في العصور الوسطى. والجماعات الوظيفية الوسيطة تتكون عادةً من أقلية إثنية تقوم بمهام التجارة والربا وغيرها من المهام التي لا تقوم بها الطبقات الأساسية في المجتمع. وكان اليهود، بوصفهم جماعة وظيفية مالية وسيطة، يقومون بما يُسمَّى التجارة البدائية. لكن هذه التجارة البدائية نشاط اقتصادي ليس من صميم العملية الإنتاجية، ولذا فهي تمثل نشاطاً حدودياً بين الأنشطة المختلفة. إذ كان التاجر البدائي ينقل السلع من مجتمع إلى آخر، فيحضر السلع التَرفيِّة مثلاً من الشرق إلى المجتمع الإقطاعي الغربي ويأخـذ منـه العبـيد والـفراء. لكن هذا التاجر البدائي لم يكن منتمياً لا إلى هـذا العــالم ولا إلى ذاك، لا إلى الشــرق ولا إلى الغــرب. وقـد وضــع ماركـس يده على هذه الخاصية حينما قال إن اليهود يعيشون في مسـام المجتمع الإقطاعي، أي على حدوده. 

ولم يكن النشاط الربوي اليهودي مختلفاً، فقد كان المرابون اليهود يقفون في واقع الأمر على الحدود بين الأمير الإقطاعي الذي كان يُدعَى شيخ المرابين والفلاحين وأشباههم ومن هم في مكانتهم الاجتماعية. وكان المرابون يمتصون ثروات الفلاحين ثم يقوم الأمير بدوره بامتصاصهم، ومن هنا كان يُطلَق عليهم «الإسفنجة». وكانت وظيفة التاجر والمرابي اليهودي تسقط بسد الفجوة الزمنية وظهور طبقة محلية تضطلع بوظيفة الاتجار وأعمال الصيرفة. وكان من أهم وظائف الجماعة الوظيفية اكتشاف مجالات الاستثمار الخفية، والقيام بدور ريادي في الأراضي غير المأهولة وفي المشـاريع الخـطرة إذ تكون الأشكال التقليدية للاستثمار موصدة دونهم. كما أن العناصر الوسيطة عناصر أكثر حركية ولأنها لا تقع تحت طائلة القوانين الإقطاعية الصارمة. وقد اضطلع كثير من الجماعات اليهودية بدور الجماعة الوظيفية، ومن ثم كانوا يقعون خارج المجتمع وخارج هيكله القانوني، يرتادون المناطق غير المأهولة والمجالات الاستثمارية غير المألوفة. 

وقد عمَّق حدودية اليهود بعض الأفكار الدينية اليهودية والمسيحية الغربية: أولها فكرة الشعب الشاهد (الكاثوليكية) التي ترى ضرورة الحفاظ على اليهود في حالة ضعَة ومذلة ليقفوا شاهداً على عظمة الكنيسة، والشعب الشاهد ليس جزءاً من المجتمع إذ يجب عليه أن يقف على الحدود كي يشهد على كل شيء ويشاهده. والفكرة الثانية هي فكرة الماشيَّح اليهودية، أي الملك الذي سيأتي من نسل داود ليخلِّص اليهود من نير الأغيار ويعود بهم إلى وطنهم القومي، ويقف بذلك شاهداً على عظمة اليهود وعلى ضعَة الآخرين. ولقد ساهمت الفكرتان معاً في تعميق غربة اليهود وانعزالهم وتفكيك أواصر الصلة بينهم وبين البلاد والشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها. ثم جاء الفكر البروتستانتي الاسترجاعي فمزج الفكرتين، وأصبح الشعب الشاهد هو نفسه الشعب المقدَّس الذي يجب استرجاعه إلى فلسطين لتنصيره حتى يتم التخلص منه والخلاص للجميع. وتنطوي كل هذه الرؤى الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية، على افتراض مفاده أن اليهود شعب غريب لا جذور له. 

ولقد أصبحت حدودية اليهود في المجتمع الغربي وضعاً طبقياً ووظيفياً محدَّداً يسانده بناء فكري وديني، وهو ما يعني أن هذا الوضع كان قائماً على مستوى الواقع وعلى مستوى الوعي. وبذا تحددت صورتهم وتبلورت، وتحدَّد دورهم كعنصر وظيفي وسيط. وقد تعاملت معهم أوربا في هذا الإطار حتى عام 1950 تقريباً؛ أي بعد الإبادة النازية وقيام الدولة الصهيونية واندماج يهود الولايات المتحدة. وكانت حدودية أعضاء الجماعات اليهودية في الحضارة الغربية هي العنصر الأساسي الذي حدد مواطن استقرارهم. ففي العصور الوسطى، استقر اليهود في إنجلترا (مع الغزو النورماندي) في الموانئ والمراكز التجارية مثل لندن. وظل اليهود مرتبطين بالعنصر الفرنسي الغازي إلى أن طُردوا من إنجلترا في القرن الثالث عشر. وفي بقية القارة الأوربية، اتخذ استقرارهم الشكل نفسه؛ وقد أشرنا من قبل إلى استيطانهم كولونيا. كما أنهم استوطنوا أيضاً مدناً تقع على نهر الراين مثل فرانكفورت وورمز وسبير ومتز، أو على أنهار أخرى مثل مدينة أوجسبرج وماجدبرج وبراغ. والأنهار كما هو معروف من أهم طرق النقل والتجارة، وبخاصة قبل الثورة الصناعية. 

واستمر النمط نفسه وتعمَّق في شبه جزيرة أيبريا، حيث بقي بعض أعضاء الجماعة، بعد الفتح الإسلامي، في الجيوب المسيحية في الشمال. وقد أسس شارلمان جيباً يُسمَّى «ماركا هيسبانيكا» في جبال البرانس ووطَّن فيه الرواد اليهود، ليكون حاجزاً ضد الزحف الإسلامي. وتدل الوثائق على أن أعضاء الجماعة اليهودية في هذا الجيب كان لهم حق امتلاك الأراضي الزراعية والعمل فيها وشرائها وبيعها واستئجارها وتأجيرها. ونظراً لعدم وجود كثافة بشرية مسيحية، كان العنصر اليهودي، أثناء الغزو المسـيحي التـدريجي لشـبه جزيرة أيبريا، من العناصر الأساسية التي اعتمدت عليها الجيوش الغازية. وقد انخرط اليهود في تلك الجيوش التي كانت تستخدمهم كجماعة وظيفية استيطانية في الأراضي المفتوحة، حيث كان يتم منحهم مرة أخرى حق امتلاك الأراضي وزراعتها في وقت كانت الأرض فيه مصدر رزقهم الأساسي. وقد تكرر النمط نفسه في مورسيا وبالنسيا ولامنشا ومقاطعة الأندلس وغيرها. كما مُنح اليهود حق فتح محالٍّ تجارية شريطة أن يستوطنوا مع أسرهم. وبعد استقرار الحكم المسيحي في شبه جزيرة أيبريا، ومع انحسار المد العربي الإسلامي، فقد شبه الجزيرة صفته الحدودية، وطُرد أعضاء الجماعة اليهودية بعد زواج فرديناند وإيزابيلا ونجاحهما في استكمال غزو شبه الجزيرة ببضعة أشهر.

وقد انتشر يهود السفارد ويهود المارانو (المتخفون) الذين طُردوا من إسبانيا والبرتغال في أنحاء المعمورة. وكانوا يتسمون بدرجة عالية وحادة من الحدودية، أي أنهم كانوا على معرفة تامة بالحضارتين السائدتين آنذاك: حضارة المسلمين في الشرق، وحضارة المسيحيين في الغرب. كما كان يهود المارانو يقفون على الحدود بين العالمين اليهودي والمسيحي، فهم يهود في الخفاء مسيحيون كاثوليك في الظاهر، الأمر الذي سهل لهم التحرك بين الجماعتين. هذا إلى جانب أن كثيراً منهم احتفظ برأسماله واتصالاته داخل شبه الجزيرة الأيبيرية، حتى بعد أن طُردوا منها، حيث كانوا يعودون إليها ليصرِّفوا أمورهم، ثم ينتقلون إلى أوطانهم الجديدة. وكانت السلطات الفرنسية والألمانية تعرف أنهم يهود متخفون، ومع ذلك سمحت لهم هذه السلطات بالاستيطان باعتبارهم كاثوليكيين من البرتغال أو إسبانيا حتى تستفيد من اتصالاتهم الدولية ورأسمالهم. وقد أدَّى طردهم من أيبريا إلى اتساع نطاق نشاطهم الدولي وازدياد نطاق حدوديتهم، إذ وُجدت أعداد كبيرة منهم في شتى مناطق التجارة العالمية، وفي المدن والموانئ الأوربية والعثمانية. 

كما استقرت أعداد كبيرة منهم في موانئ مثل بايون وبوردو في فرنسا أو في مدن ذات أهمية تجارية خاصة مثل برودي في جاليشيا أو في مدن مثل فرانكفورت وغيرها من المدن الألمانية التي كانوا قد طُردوا منهـا. ومـن أهم المدن التي استقروا فيها مدينة أمستردام عاصمة هولندا، وهي من أهم الموانئ التي تطل على المحيط الأطلنطي، أي أنها تقع على حدود العالم القديم المواجهة للعالم الجديد. كما استقروا في لندن، وهي أحد أهم مراكز التجارة الأطلنطية التي كانت قد بدأت تحل من حيث الأهمية محل التجارة مع الشرق. وكانت كل من أمستردام ولندن عاصمة لامبراطورية صغيرة ناشئة، وعاصمة الإمبراطورية هي دائماً مفترق الطـرق والنقطـة التي يتم فيهـا عقد الصفقـات وتوزيع الغنائم، وهي أيضاً النقطة التي تستأثر بنسبة عالية من الثروات التي تصب من المستعمرات. وحينما استوطن اليهود في العالم الجديد في الفترة نفسها، استقروا في نيو أمستردام (نيويورك فيما بعد) وجزر الهند الغربية، أي في مناطق تجارية على حدود العالم الجديد المواجه للعالم القديم. وقد لعب يهود المارانو والسفارد دوراً مهماً في نشأة الرأسمالية بسبب خاصيتهم الحدودية. وقد وُجدت أعداد كبيرة أيضاً من اليهود في مقاطعتي الألزاس واللورين، على الحدود بين ألمانيا وفرنسا، وهما المقاطعتان اللتان تنازعتهما الدولتان حيث ضمتهما فرنسا في القرن الثامن عشر ثم ضمتهما ألمانيا في عام 1870، واستعادتهما فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى ثم ضمتهما ألمانيا فترة قصيرة أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى أن استرجعتهما فرنسا بعد ذلك. 

لكن أكبر تَجمُّـع يهودي في أوربـا وفي العـالم الحديث كان في بولندا، وهو ما نسميه «يهود اليديشية». وقد هاجر إليها اليهود للاشتغال بالتجارة، واستقروا في وارسو وكراكوف وغيرهما من المدن. وبولندا، من ناحية ما، بلد حدودي يقع بين روسيا وبحر البلطيق ويربط بين غربي أوربا وشرقيها. وقد ظلت قوة عظمى مادامت الكتلة الروسية منكمشة والقوة الألمانية مقسمة إلى وحدات صغيرة متنازعة.ولكنها فقدت نفوذها ومكانتها بظهور حكومات مركزية قوية في روسيا وألمانيا اللتين أخذتا تتنازعانها فيما بينهما، وهي في هذا تشبه فلسطين التي تتنازعها الإمبراطوريات العظمى. وتظهر حدودية بولندا بشكل حاد في عملية تقسيمها بين روسيا وألمانيا والنمسا إذ قُسِّمت ثلاثة أقسام حتى أنها اختفت ككتلة سياسية مستقلة طوال القرن التاسع عشر بعد أن كانت أكبر دولة أوربية لها حدود مع الإمبراطورية العثمانية.وقد تم تقسيم أعضاء الجماعة اليهودية بتقسيم بولندا، فضُم قطاع منها إلى ألمانيا (بوزن أو بوزنان) وضُم قطاع آخر إلى النمسا (جاليشيا) وضُم الجزء الأكبر إلى روسيا. 

وإذا كانت بولندا دولة حدودية، فإن أكثر أقاليمها حدوديةً هو أوكرانيا التي يعني اسمها « البلد الذي على الحدود ». وقد انتقلت أعداد كبيرة من اليهود إليها بعد ضمها إلى بولندا في القرن السادس عشر، ليقوموا بدور جماعة وظيفية استيطانية مالية تمثل مصالح النبلاء الإقطاعيين هناك. وتزايد استيطانهم خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد قاموا بدور جمع الضرائب والصيرفة، فيما يُعرَف باسم نظام الأرندا. وكان أعضاء الجماعة اليهودية على الحدود جغرافياً في أوكرانيا، وعلى الحدود مجازياً (بين النبلاء الكاثوليك والفلاحين الأرثوذكس). ولذا، حينما قامت ثورة شميلنكي الأوكرانية، اكتسحتهم في طريقها. وضمت روسيا منطقة أوكرانيا فيما ضمت من أراض بولندية. 

وعندما قامت الإمبراطورية الروسية بضم الإمارات التركية الموجودة حول البحر الأسود، وطنت اليهود في المناطق الجديدة المفتوحة التي عُرفت باسـم «روسـيا الجـديدة» وبخاصة في ميناء أوديسـا، وذلك لصبغها بالصبغة الروسية ولنزع الصبغة التركية عنها. وفي عام 1928، طرحت الحكومة السوفيتية مشروعاً لتوطين اليهود في القرم، وهي من أكثر المناطق حدوديةً في العالم حيث حكمها اليونان والرومان والقوط والهن ويهود الخزر والبيزنطيون والمغول وجمهورية جنوة والعثمانيون ثم الروس، كما غزاها الألمان لفترة قصيرة أثناء الحرب العالمية الثانية. ولكن الحكومة السوفيتية تخلت عن المشروع ونفذت مشروع إقليم بيروبيجان. ويبدو أن المشّرع السوفيتي كان واعياً بخاصية الحدودية في الجماعات اليهودية حينما وطنهم في منطقة على الحدود مع الصين غير بعيدة عن اليابان. ولكن السوفييت، برفضهم توطين اليهود في منطقتي أوكرانيا والقرم، لقربهما من ألمانيا والدول الغربية التي قد تجندهم لصالحها، كانوا يتبعون سياسة القياصرة الذين أصدروا قراراً في القرن التاسع عشر بعدم السماح لليهود بالسكنى إلا على مسافة خمسين فرسخاً من الحدود الأوربية، وذلك خشية تعاونهم مع الدول المعادية، خصوصاً أن اليهود كانوا يتحدثون اليديشية وهي رطانة ألمانية. كما أن التوجه الثقافي ليهود روسيا في القرن التاسع عشر كان ألمانياً في الأساس.

ويُلاحَظ أن أكبر تجمُّع يهودي في العالم يوجد اليوم في الولايات المتحدة، كما أن أكبر نقاط تركُّز أعضاء الجماعة هي نيويورك: المنطقة الحدودية بين الولايات المتحدة وأوربا. ولكن يجب التنبه إلى أن الحدودية الوظيفية لليهود في المجتمع الأمريكي قد تضاءلت وربما اختفت تماماً. ولعل هذا يفسر بداية تضاؤل حدوديتهم على الصعيد الجغرافي، إذ بدأوا يبتعدون عن مراكزهم الحدودية التقليدية وينتشرون في أنحاء أمريكا. 

ومع هذا، يمكن اعتبار اشتغال أعضاء الجماعات اليهودية بالبغاء تعبيراً عن الظاهرة نفسها. فمع علمنة الرغبة في المجتمع الغربي، دون علمنة السلوك، ظهرت فجوة بين الرغبة الجنسية وإشباعها كان لابد من ملئها عن طريق جماعة وظيفية. وكان اليهود قد فقدوا وظيفتهم كتجار صغار، فتحولت أعداد كبيرة منهم إلى العمل بهذه التجارة المشينة. وقد قُضي على هذه الظاهرة مع تزايد معدلات علمنة السلوك في المجتمع الغربي، بحيث أصبح من الممكن تحقيق الإشباع الجنسي من خلال الإناث المحليات ممن يردن تعظيم ربحهن وزيادة دخلهن دون حاجة إلى وساطة عنصر وظيفي. 

ويبدو أن اللغات التي تحدَّث بها العبرانيون وأعضاء الجماعات اليهودية تتسم بالحدودية نفسها. فالعبرانيون في مصر كانوا يتحدثون في الغالب لغة المصريين القدامى بعد أن أدخلوا عليها مصطلحات سامية بحيث أصبحت رطانة خاصة بهم، أو لعلهم كانوا يتحدثون بإحدى اللهجات السامية بعد أن أدخلوا عليها كلمات وتعبيرات مصرية ( قديمة). وقد ظل هذا هو النمط اللغوي بين أعضاء الجماعات: أن يتحدثوا لغة الأقوام التي يعيشون بينها بعد أن يُدخلوا عليها ألفاظاً عبرية بحيث تصبح رطانة خاصة بهم، وكانوا عادةً يكتبونها بالحروف العبرية. والرطانة هي طريقة في الحديث مختلفة عن النمط اللغوي السائد، ولكنها لا ترقى إلى مستوى النسق اللغوي المستقل، أي أنها تقف على «حدود» اللغة الأم: لا تنتمي إليها كليةً وفي الوقت نفسه لا تنفصل عنها، تماماً كمـا هو حال الجماعـة الوظيفيـة التي توجـد في المجتمع دون أن تكون منه. وقد كان هذا هو حال اللغة اليديشية التي يصنفها علماء اللغة باعتبارهـا رطانة ألمانية إذ أن بنيتها في الأساس بنية ألمانية العصور الوسـطى. وقد دخلت عليها كلمات من السلافية والعبرية وغيرهما بعد أن نقلها اليهود معهم إلى بولندا، وكانوا يكتبونها بالحروف العبرية. لكن هذه اللغة ظلت مقصورة على الأمور التجارية، وعلى الاستخدامات اللغوية عند العوام، إذ كانت المؤلفات الدينية تُكتَب بالعبرية أو الآرامية. ومع بداية تحديث اليهود، أي مع دمجهم وتحريكهم من أطراف المجتمع ليصبحوا جزءاً عضوياً منه، طالب دعاة التنوير بالتخلي عن اليديشية لأنها أصبحت لغة الغش التجاري والتهريب بسبب حدوديتها كما كان سكان البلد الأصليون لا يعرفونها. وقد جَرَّمت جميع الحكومات التي أعتقت اليهود سياسياً استخدام اليديشية في الأعمال التجارية. 

ولم تزدهر اليديشية كلغة أدبية إلا في مرحلة مفصلية من تاريخ شرق أوربا، وهي مرحلة التحديث المتعثر في أواخر القرن التاسع عشر، إذ توقفت عمليات الدمج وانصرف أعضاء الجماعة اليهودية في روسيا وبولندا وغيرهما عن تحديث أنفسهم لغوياً. كما انصرفوا عن دراسة اللغة الأم واهتموا بدلاً من ذلك بدراسة العبرية واليديشية، فأنتجوا أدباً باليديشـية يرى بعـض النقـاد أنه يرقى إلى مستوى الأعمال الأدبية الجادة. ولكن، لم يُقدَّر لهذه المرحلة أن تستمر طويلاً، فبقيام الثورة البلشفية استؤنف التحديث مرة أخرى وأُتيحت فرص الدمج والحراك الاجتماعي أمام أعضاء الجماعة اليهودية، فانصرفوا عن إرسال أطفالهم إلى المدارس التي تُعلِّم اليديشية. وانخفض عدد المتحدثين بها في الاتحاد السوفيتي من نحو 97% مع نهاية القرن التاسع عشر إلى 19% من أعضاء الجماعات اليهودية في الوقت الحاضر ومعظمهم من المسنين. وقد اختفت اليديشية تقريباً في الولايات المتحدة أيضاً بسبب المعدلات المتزايدة للاندماج بين أعضاء الجماعات اليهودية. 

ويُعدُّ الجيتو التجسيد المعماري المتعين لهذه الحدودية الوظيفية، فهو يقف داخل المدينة ولكنه ليس منها إذ تفصله أسوار عالية عن بقية أجزائها، وكان الجيتو يقع أحياناً على أطراف المدينة حتى يمكن عزل اليهود داخل حدوده. وقد كان لحدودية أعضاء الجماعات اليهودية أعمق الأثر فيهم. فنتيجةً لوضعهم هذا، تزايد التصاقهم بالحاكم إلى أقصى حد، إذ أنهم باعتبارهم أداته في الاستغلال كانوا عناصر مرفوضة مهددة بالثورات الشعبية، وهذا ما جعلهم في حاجة دائمة إلى الدعم العسكري من السلطة. ويتجلى مدى التصاقهم بالحاكم في وضعهم القانوني في العصور الوسطى في الغرب، إذ كانوا يُعدّون ملكية خاصة للملك (أقنان بلاط) يؤدون له الضريبة ويقوم هو بحمايتهم. وكانت دية اليهودي الذي يُقتَل تُدفَع للحاكم وليس لأهل اليهودي، كما كانت عقوبة قتل اليهودي أو أحد أبنائه في بعض بلاد أوربا مثل عقوبة قتل أو إيذاء الفرسان بل أشد في بعض الأحيان. وقد حاول البعض تخفيض العقوبة بحيث تصبح مساوية لعقوبة قتل أو إيذاء فلاح! كان هذا هو وضع يهود ألمانيـا ويهود بولندا بشـكل عام، ويهود أوكرانيا بشكل خاص إذ كان تميزهم أكثر حدة وإثارة. لقد كانوا ممثلين للقوة الحاكمة بين المحكومين، ويعيشون داخل مدن صغيرة مقصورة عليهم (الشتتل، أي الكيان الغريب المشتول)، ويتعبدون داخل معابد يهودية تشبه القلاع، تعسكر بالقرب منهم القوات البولندية لحمايتهم! 
يتبع إن شاء الله...


الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية    الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 10:34 pm

وبسبب حدودية اليهود، ونتيجة لها في آن واحد، كان العالم الغربي يحوسلهم، أي يحولهم إلى وسـيلة، والوسـيلة لا قيمة لها في ذاتها، بل تكون المحافظة عليها بقدر نفعها وبمقدار تأديتها الوظيفة المنوطة بها. ومن هنا، كان الحوار الذي بدأ في أواخر القرن الثامن عشـر حول حقوق اليهود، يدور في إطار مدى نفع اليهود وجدواهم. وقد ساهمت حدودية اليهود داخل الحضارة الغربية في تعميق المسألة اليهودية فيها وفي تحديد شكل الحلول المطروحة لها. فحدوديتهم الوظيفية والمعنوية عزلتهم عن التطورات العميقة التي حدثت داخل المجتمع الغربي ابتداء من القرن السادس عشر. وجاء عصر النهضة ثم عصر الإصلاح الديني وعصر العقل وعصر الرومانسية، وهي كلها تعبير عن الانقلاب الصناعي الرأسمالي، بينما كان اليهود معزولين عن مجتمع الغرب معنوياً رغم وجودهم فيه. كما عمَّقت الحدودية الجغرافية، وبشكل حاد، أبعاد المسألة اليهودية. ولنأخذ، على سبيل المثال، الألزاس واللورين: كان يهود هذه المنطقة من الإشكناز الذين يتحدثون اليديشية ويشتغلون بالتجارة والربا ولا يندمجون بمحيطهم الثقافي. وكانت الألزاس واللورين تنتميان إلى التشكيل السياسي الألماني ثم انتقلتا إلى التشكيل السياسي الفرنسي ثم عادتا إلى التشكيل السياسي الألماني مرة أخرى، وانتهى بهما المطاف بعد الحرب العالمية الأولى إلى أن أصبحتا جزءاً من فرنسا. وليس بإمكان أقلية أن تحدِّد ولاءها وهويتها بما يتفق مع متطلبات الدولة القومية في مثل هذا المناخ الذي تتغير فيه هذه المتطلبات.

وكان الوضع أكثر سوءاً في الجيب البولندي الذي ضم معظم يهود العالم، أي يهود اليديشية. فقد جرى تقسيم بولندا بين ثلاث دول مختلفة: واحدة منها سلافية (روسيا) والاثنتان الأخريان جرمانيتان (ألمانيا والنمسا). وقد ضمت ألمانيا مقاطعة بوزن (بوزنان) وألمنت يهودها، ولكنهم ظلوا مع هذا شرق أوربيين. وحينما هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا، أدَّت هجرتهم إلى تغيير طابع يهود ألمانيا من طابع غرب أوربي إلى طابع شرق أوربي. أما يهود جاليشيا التي ضمتها النمسا، فقد ظهر بينهم من ينادي بالثقافة الألمانية، وظهر فريق آخر ينادي بالثقافة البولندية، وفريق ثالث ينادي بالثقافة العبرية. وكان يهود أوكرانيا متعددي الولاءات ومتعددي الثقافات، فبعضهم أوكراني وبعضهم الآخر روسي والثالث ألماني والرابع بولندي. ولو وُجد اليهود في بقعة جغرافية غير حدودية لكان من السهل تحديثهم ودمجهم كما حدث ليهود ألمانيا قبل الهجرة من شرق أوربا، وكما حدث ليهود إنجلترا والولايات المتحدة بعد هذه الهجرة. 

ويَصدُر الحل الصهيوني بين الصهاينة المسيحيين واليهود عن هذه الخاصية الحدودية ويتقبلها. ولكن، قبل أن نتناول البنية الحدودية للحل الصهيوني، قد يكون مما له دلالته وطرافته أن نذكر أن أول مؤتمر عقده أعضاء أحبّاء صهيون هو مؤتمر كاتوفيتش الذي عُقد على الحدود بين ألمانيا وروسيا. كما عُقد أول مؤتمر للمنظمة الصهيونية العالمية في بال السويسرية، وهي بلد حدودي محايد، ذلك لأن يهود ميونيخ، التي كانت تضم واحدة من أكبر الجماعات اليهودية آنذاك، قد آثروا الاندماج ورفضوا الهامشية التي كانت الصهيونية تطرحها. كما أن هرتزل نفسه، الذي اكتشف الصيغة الصهيونية بين اليهود، كان شخصية حدودية بالدرجة الأولى، فهو من وسط أوربا التي تقع بين شرقها وغربها، وينتمي إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية متعددة الولاءات. وهو مجري المولد نمساوي النشأة يهودي المنزع، كما كانت له ثلاثة أسماء: زئيف (مجري) وتيودور (ألماني) وبنيامين (عبري). وهو، رغم تعدُّد ولاءاته، كان هامشياً بالنسبة إلى هذه المجتمعات جميعاً. وربما كان هذا ما رشحه لأن يكتشف الصيغة الصهيونية الحدودية التي ترى اليهود جماعة حدودية. ورغم ادعاء بعض الصهاينة، على مستوى التصريحات، أنهم سيطبِّعون اليهود ويخلِّصونهم من هامشيتهم، فإن البنية الحقيقية للفكرة الصهيونية بنية حدودية إن صح التعبير. فاليهود، حسب الرؤية الصهيونية المسيحية والرؤية اليهودية، شعب يقف على هامش التاريخ غير اليهودي ولا يساهم فيه كثيراً. وقد تحوَّلت هذه الرؤية إلى فكرة الشعب العضوي المنبوذ، أي اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً جذوره ليست في أوربا وإنما في فلسطين، ومن ثم فليس بالإمكان تحقيق القومية اليهودية إلا خارج أوربا (في فلسطين). أما إن بقي اليهود داخل تشكيلات حضارية وقومية لا ينتمون إليها، فإنهم يتحولون إلى شخصيات هامشية طفيلية يجب التخلص منها. وقد كان يُشار إلى اليهود باعتبارهم مادة بشرية يمكنها أن تضطلع بدور ريادي حدودي مفيد للحضارة الغربية. ويُعتبَر ظهور محمد علي والقضاء عليه عام 1840 النقطة الحاسمة في تاريخ الصهيونية، إذ بدأت القوى الاستعمارية تكتشف خطورة وقوع المنطقة في أيدي قيادة محلية، الأمر الذي سيفقد فلسطين حدوديتها، فسعت إلى توطين اليهود فيها باعتبارهم عنصراً حدودياً وجماعة وظيفية استيطانية حتى تظل فلسطين منطقة نفوذ غربية. وكان شافتسبري ينوِّه بفائدة العنصر اليهودي في هذا المضمار، أما لورنس أوليفانت فقد طرح مشروعاً حدودياً مثيراً لمدّ خط سكة حديدية من استنبول إلى بغداد على أن تُخصَّص منطقة بعرض كيلو مترين على جانبي الطريق يُوطَّن فيها اليهود. 

وقد تقبَّل اليهود الصهاينة هذا الحل الصهيوني غير اليهودي. فهرتزل يتحدث عن الدولة الصهيونية باعتبارها حائطاً غربياً يقف في الشرق ليصد الهمجية ويتمتع بالحماية الغربية بالمقابل (مثلما تمتع يهود أوربا بحماية الملك والحاكم)، كما يتحدث عن اليهود باعتبارهم مادة نافعة يمكن الاستفادة منها في خدمة إنجلترا وغيرها من الدول الغربية. أما ماكس نوردو، فكان يرى أن المشروع الصهيوني يرمي إلى مدّ حدود أوربا إلى الشرق وإلى تخليصها من العنصر اليهودي الحدودي. وقد وصف وايزمان الدولة الصهيونية المزمع إنشاؤها بأنها بلجيكا آسيوية. وهو محق في قوله، فبلجيكا في علاقتها بإنجلترا تشبه علاقة فلسطين بمصر في كثير من الوجوه. وقد أكد جابوتنسكي أن كون اليهود عنصراً حدودياً سيجعلهم يدينون دائماً بالولاء للغرب وسيحول فلسطين إلى دولة حدودية وظيفية. وهذا على عكس فلسطين العربية التي ستدخل الفلك العربي الإسلامي، وبذا تفقد حدوديتها. وقد نجحت الصهيونية بمساعدة الإمبريالية الغربية في تأسيس الدولة الصهيونية الوظيفية التي تقع بين آسيا وأفريقيا، وتطل على قناة السويس وتخلق ثغرة بين شرق العالم العربي وغربه، وهي قاعدة استيطانية قتالية ومالية للإمبريالية الغربية في المنطقة، ووجودها منوط بحدوديتها الجغرافية والوظيفية، أي بوجودها في هذه المنطقة الإستراتيجية وبنجاحها في أداء وظيفتها القتالية والاستيطانية. 

وقد لاقت فلسفـة نيتشـه صدى لدى الشباب اليهودي في شرق أوربا، ثم بين العديد من الصهاينة، لأنها فلسفة حدودية تنصح الإنسان بأن يعيش في خطر دائم وأن يبني بيته بجوار البركان. وقد وصل هذا التيار النيتشوي الصهيوني الحدودي إلى الذروة في عقيدة جوش إيمونيم الاستيطانية حيث يذهب المستوطن الصهيوني إلى وسط المدينة العربية ويؤسس بيته. ويحلو لأتباع هذا التيار أن يقتبسوا كلمات «بلعم»، ذلك العراف الوثني الذي دعاه ملك مؤاب ليلعن العبرانيين القدامى عند اقترابهم من مملكته « هو ذا شعب يسكن وحده وبين الشعوب لا يُحسَب » (عدد 23/9). وهذا الاقتباس هو جوهر الصهيونية، فهو يتضمن التقبل غير المشروط للصفة الحدودية على المستويين الوظيفي و الجغرافي. 

والقانون العام الذي يمكننا استخلاصه هو أن العنصر اليهودي داخل الحضارة الغربية يُنظَر إليه باعتباره عنصراً وظيفياً حدودياً. ولهذا، فلابد أن تتحول فلسطين هي الأخرى، من منظور المصالح الغربية، إلى بلد وظيفي حدودي. وهذا يمكن تحقيقه من خلال خَلْق وضع تجزئة دائم في العالم العربي الإسلامي. وحينما تصبح فلسطين بلد حدودياً تسيطر عليها دولة وظيفية، يمكن توطين العنصر اليهودي الوظيفي الحدودي فيها. ومن هنا كان رفض الدول الغربية جميع المحاولات الرامية إلى توحيد المنطقة، ابتداءً من محاولة صلاح الدين الأيوبي، مروراً بمحمد علي، وانتهاءً بمحاولة جمال عبد الناصر. وربما كان الفارق الأساسي بين هجمة الفرنجة والهجمة الاستعمارية الصهيونية أن الأولى لجأت إلى ديباجات مسيحية لا علاقة لها بالهدف الإستراتيجي النهائي وأنها صدَّرت عناصر بشرية مسيحية. أما الثانية فقد اكتشفت أن العنصر اليهودي عنصر حدودي وظيفي داخل الحضارة الغربية، ولذا لجأت هي الأخرى إلى ديباجات يهودية لا علاقة لها بالهدف الإستراتيجي النهائي. ويعني وعد بلفور، في نهاية الأمر، فرض الصفة الحدودية على فلسطين عن طريق الاستعمار البريطاني، كما يرمي إلى توطين العنصر اليهودي الحدودي فيها لخدمة مصالح الحضارة الغربية. ولم يكن بلفور في هذا إلا تعبيراً عن نمط كامن في الحضارة الغربية يستند إلى رؤية كاملة لفلسطين باعتبارها حيزاً جغرافياً يجب أن يوظَّف لصالح الحضارة الغربية، وإلى اليهود باعتبارهم عنصراً استيطانياً يمكن توظيفه في هذه العملية.

ويُلاحَظ أن الجماعات اليهودية في العالم لم تتخلص من حدوديتها تماماً. وقد أدَّى ظهور الدولة الصهيونية إلى تعميق هذه الخاصِّية، إذ بدأت تتسع الثغرة التي تفصل بين أعضاء الجماعات اليهودية والأوطان التي يعيشون في كنفها، وذلك من حيث هم أفراد يدينون بالولاء لوطنهم الأصـلي. كما تحاول الحركة الصهيـونية تعميق الهويـة الإثنـية لدى اليهود، وهي هوية وهمية (حيث لا توجد هوية واحدة) ولكنها مع هذا تنجح في فصلهم عن محيطهم الحضاري. وتلعب مدارس أعضاء الجماعات اليهودية دوراً أساسياً في هذا المضمار. وقد قامت مدارس الأليانس بتحويل يهود الشرق إلى مادة استيطانية. ورغم اندماج كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في مجتمعاتهم الجديدة، إلا أنهم استقروا في قطاعات اقتصادية يمكن أن نســميها حـدودية (الســينما ـ صناعات خـفيفة قـريبة مـن المستهلك...) وابتعدوا عن الصناعات الثقيلة والزراعة، وهذا يحدث للمهاجر الذي يأتي إلى بلد قد تم تأسيس بنيته التحتية ويمتلكها أبناء البلدة أنفسهم. ويُلاحَظ وجود أعضاء الجماعات اليهودية بشكل ملحوظ في الحركات اليسارية (خصوصاً التروتسكية) والعدمية، ويُقال إن 30% من أعضاء الجماعات السرية من أعضاء الجماعات اليهودية. كما ينجذب أعضاء الجماعات اليهودية إلى العبادات الجديدة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه حدودية دينية وفكرية.

هامشـيــــة اليهـــــود 
Marginality of the Jews 

«هامشية اليهود» مصطلح يُستخدَم في الدراسات التي تدور حول وضع أعضاء الجماعات اليهودية في الحضارة الغربية، خصوصاً شرق أوربا، وهو مصطلح يتواتر في الكتابات الصهيونية والمعادية لليهود، ويصف وجودهم الاقتصادي والاجتماعي والحضاري كجماعة وظيفية وسيطة تضطلع بوظائف وحرف ومهن مختلفة، مثل التجارة البدائية والربا وقد كانتا عمليتين مرتبطتين بالنظام الإقطاعي ولكنهما لم تكونا قط من صميم العملية الإنتاجية ذاتها. بل إن الحرف التي كان يمارسها اليهود أنفسهم، لم تكن مرتبطة بالفلاحين،وإنما كانت مرتبطة بالتجار اليهود أو الأمراء الإقطاعيين.ولذلك،فحينما ظهرت الرأسمالية المحلية في شرق أوربا مع بدايات القرن التاسع عشر،ثم الدولة القومية والنظام المصرفي الحديث،وجد أعضاء الجماعات اليهودية أنفسهم بلا دور اقتصادي أو إنتاجي يلعبونه،وبالتالي كانوا عرضة لاضطهاد المجتمع الذي لم يَعُد في حاجة إلى خدماتهم ولم يعد يرى لهم نفعاً،الأمر الذي أدَّى إلى زيادة حدة تفاقم المسألة اليهودية وزيادة هجرتهم إلى غرب أوربا.وقد بذلت الحكومة الروسية،وكذلك الحكومة النمساوية التي كانت تتبعها جاليشيا،جهوداً شتى لتحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج عن طريق فتح أبواب مهنة الزراعة أمامهم. وساهم في هذه الجهود مليونيرات الغرب من اليهود،مثل هيرش وروتشيلد،لأن هجرة اليهود من شرق أوربا إلى غربها كانت تسبب لهم الحرج الشديد كما كانت تهدد مواقعهم الاقتصادية والحضارية التي اكتسبوها عن طريق الاندماج.وقد تعثرت هذه المحاولات وهو ما اضطر الحكومة الروسية،على سبيل المثال،إلى أن تلجأ للقمع الاقتصادي عن طريق إصدار قوانين مايو.وهامشية اليهود موضوع أساسي كامن في كتابات الصهاينة العماليين ـ خصوصاً دوف بير بوروخوف،وأهارون جوردون ـ وهم يقترحون تحويل اليهود إلى شعب منتج عن طريق الهجرة واقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج. 

والحديث عن هامشية اليهود فيه كثير من التعميم والتجريد. فالهامشية المقصودة هي هامشية يهود شرق أوربا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وحسب، لأن الدور اليهودي (الوظيفي التجاري المالي) في المجتمعات الزراعية التقليدية في الغرب كان دوراً حيوياً، إذ اضطلع أعضاء الجماعات اليهودية بوظيفة أساسية في المجتمع رغم أنها لم تكن جزءاً من العملية الإنتاجية الرئيسية. أما الوجود اليهودي في العالم الإسلامي فلم يكن هامشياً قط، حيث تفاعلوا في محيطهم الحضاري واصطبغوا به فأبدعوا من خلاله وانخرطوا في سائر المهن والوظائف. كما أن الوجود اليهودي في الولايات المتحدة لم يكن أبداً هامشياً وإنما كان في صميم المجتمع ذاته من البداية. كما لا يمكننا استخدام مصطلح «هامشي» لوصف الوجود اليهودي في فرنسا أو إنجلترا أو روسيا السوفيتية (سابقاً)، فالبناء الوظيفي لأعضاء الجماعات اليهودية في كل هذه البلاد لم يَعُد متميِّزاً كما كان الأمر سابقاً. وإذا كان ثمة تميُّز، فإنه يعود لكون الجماعة اليهودية أقلية أو جماعة وظيفية وليس لأنها يهودية. وإذا كان هناك أي وجود هامشي غير منتج حتى الآن، فهو وجود الدولة الصهيونية الوظيفية المموَّلة من الخارج التي أُسِّست على أرض الفلسطينيين وحوَّلتهم إلى عمالة رخيصة وتستمر في قمعهم وإجهاض تطلعاتهم وأحلامهم المشروعة. 

شـــــــذوذ اليهــــــود 
Abnormality of the Jews 

«شذوذ اليهود» مصطلح شائع في الأدبيات الصهيونية والمعادية لليهود ويشير إلى بعض السمات التي تُوصَف بأنها غير طبيعية، والتي يُفترَض أنها تسم أعضاء الجماعات اليهودية الغربية، والتي يمكن إزالتها عن طريق إصلاح اليهود أو تحويلهم إلى قطاع اقتصادي منتج أو عن طريق دمجهم أو تطبيعهم. ويرى الصهاينة أن وجود اليهود في المنفى والشتات (أي خارج فلسطين) حالة شاذة تسبب شذوذاً للشخصية اليهودية. وبالفعل، وجه الصهاينة سهام نقدهم إلى هذه الشخصية المريضة الشاذة غير السوية. 

ولشذوذ الشخصية اليهودية، من وجهة نظرهم، مظهران أساسيان: أحدهما اقتصادي والآخر سـياسـي. أما المظهــر الاقتصادي، فيتبدَّى في اشتغال اليهود بأعمال السمسرة والمضاربات والأعمال الهامشية غير المنتجة، مثل: التهريب والأعمال المالية والاتجار في العقارات وتجارة الرقيق الأبيض والتسول، بينما يتمثل المظهر السياسي فيما يُطلَق عليه إشكالية العجز وعدم المشاركة في السلطة. فالصهاينة يرون أن اليهود، بعد تحطيم الهيكل، أصبحوا جماعات مشتتة ليس لها سيادة مستقلة، ويوجد أعضاؤها خارج نطاق مؤسسات صنع القرار، الأمر الذي كان يعني، من وجهة نظر الصهاينة، توقُّف مسار ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي». وقد انعكست الظاهرة أيضاً في ازدواج الولاء عند اليهودي، فهو نظراً لافتقاره إلى وطن قومي خاص به يضطر إلى أن ينتمي إلى مجتمعات غريبة يحاول أن يندمج فيها. ولكن نزعته القومية الحقيقية تستمر، مع هذا، في التعبير عن نفسها رغم أنفه، فينقسم على نفسه وتتنازعه الولاءات المتناقضة. وقد عبَّر المؤرخ الصهيوني العمالي دوف بير بوروخوف عن القضية نفسها بطريقة أخرى إذ لاحظ أن الهرم الاجتماعي عند اليهود مشوه تماماً. فبدلاً من وجود قاعدة عريضة من العمال والفلاحين والطبقات المنتجة، وقلة من المفكرين والأطباء والمحامين والوسطاء، كما هو الحال في معظم المجتمعات، نجد العكس تماماً عند اليهود. فالهرم الإنتاجي عند اليهود مقلوب رأساً على عقب إذ أن معظم اليهود من الوسطاء. وغني عن القول إن السمات الشاذة التي تسم أعضاء الجماعات اليهودية هي في واقع الأمر السمات الأساسية لأية جماعة وظيفية، ومن ثم فهي تمثل ظاهرة إنسانية اجتماعية عامة لا تتسم بأي شذوذ. ولكن المعادين لليهود والصهاينة يرونها كذلك لأنهم يعزلون أعضاء الجماعات اليهودية عن محيطهم الحضاري والاجتماعي وينظرون إليهم من خلال نماذج اختزالية لا علاقة لها بوضعهم المتعيِّن، ثم يحكمون عليهم بالشذوذ. 

وقد طرح الصهاينة رؤيتهم للمجتمع اليهودي المثالي (المجتمع الصهيوني) كجزء من مشروع حضاري متكامل يهدف إلى تطبيع الشخصية اليهودية، أي تخليصها من شذوذها المزعوم، وذلك بتحويل اليهود إلى أشخاص طبيعيين ينتجون ويستهلكون ويتحكمون في مصيرهم السياسي ويشعرون بالولاء نحو دولتهم، شأنهم في هذا شأن البشر كافة. 

وغني عن القول أن مفهوم شذوذ الشخصية اليهودية مفهوم محوري في أدبيات معاداة اليهود، خصوصاً في الفكر النازي. لكن حل المشكلة بالنسبة إلى النازيين ليس إصلاح الشخصية اليهودية وإنما التخلص منها بأي شكل ممكن؛ عن طريق إرسالهم عبر الحدود إلى بولندا باعتبار أن أغلبيتهم كانت من يهود شرق أوربا، أو عن طريق إبادتهم. وقد كانت استجابة الصهاينة لعملية الإبادة نابعة من هذا الإيمان بشذوذ يهود أوربا. فحينما طلب بعض يهود أوربا عام 1942 من يتسحاق جرونباوم (أحد أعضاء النخبة الصهيونية في فلسطين) بأن يقوم المُستوطَن الصهيوني باتخاذ خطوات لإيقاف الإبادة، أخبرهم بأن « من الضروري التخلص من وضع اليهود غير العادي حتى نصبح أمة مثل الأمم كافة »، ومن ثم يكون من الأفضل ـ من وجهة نظره ـ التخلي عن يهود أوربا حتى لا يتعرض شيء في المُستوطَن الصهيوني للخطر، حتى ولو بضع بقرات (على حد قوله). 

ويشير بعض المحللين السياسيين إلى الدولة الصهيونية بوصفها من أكثر الدول شذوذاً وأقلها طبيعية. فاقتصادها أصبح اقتصاداً تسولياً يعتمد على الغرب، ودرجة إنتاجية العمال فيها آخذة في التدني، وأصبحت صناعة السلاح من الصناعات الأساسية فيها، كما تحوَّلت هي نفسها إلى دولة شـتتل/قلعـة تدخل في حرب تلو حـرب، كما أنها مهددة من الداخل بالانفجار السكاني العربي. وهي توجد في الشرق الأوسط وليست منه، وهي دولة يهودية فشلت في تعريف من هو اليهودي، الأمر الذي يشير إلى أن بنيتها أبعد ما تكون عن الطبيعية والسواء. كما أن الإسرائيليين عادوا مرة أخرى إلى الشذوذ والهامشية إذ تنخرط أعداد كبيرة منهم في أعمال السمسرة والجريمة، وأصبحت الدولة الصهيونية من أكبر مُصدِّري العاهرات إلى الغرب حتى أن لغة القوادين في أمستردام (على سبيل المثال) هي إحدى الرطانات العبرية، كما أن قطاع الخدمات غير الإنتاجي آخذ في التضخم رغم أن المواطن الإسرائيلي من أكثر المواطنين مديونية في العالم. ونحن نذهب إلى أن الدولة الصهيونية هي في واقع الأمر دولة وظيفية. 

وقد طرحت الانتفاضة مرة أخرى، وبحدة، قضية شذوذ اليهود والدولة الصهيونية، إذ اكتشف التجمع الصهيوني مدى اعتماده على العمالة العربية، خصوصاً بعد أن حقق العمال اليهود من أصل شرقي (من يهود العالم الإسلامي) حراكاً اجتماعياً فتركوا قاعدة الهرم الإنتاجي ليمارسوا وظيفة الوسطاء وغير ذلك من الوظائف، الأمر الذي ترك هذه القاعدة للعمالة العربية. وقد أدَّت مقاطعة العمال العرب إلى تعطيل كثير من القطاعات الإنتاجية. 

طفيليــــة اليهــــود 
Parasitism of the Jews 

كلمة «طفيلية» ترجمة للكلمة الإنجليزية «باراسيتزم parasitism من »«باراسيت « parasite ومعناها «طفيل» والمأخوذة أصلاً من الكلمة اليونانية «باراسيتوس parasitos» بمعنى «يأكل إلى جانب»). وتُستخدَم الكلمة للإشارة إلى الحيوان أو النبات الذي يعيش على غيره. ويستخدم المعادون لليهود مصطلح «طفيلية اليهود» لوصف ما يتصورون أنه علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالمجتمعات التي يعيشون في كنفها. والكلمة مرادفة لكلمات أخرى مثل «هامشية» أو «شذوذ» أو تشترك معها في بعض المعاني والإيحاءات. 

ولعل وصف أعضاء الجماعات اليهودية بالطفيلية يعود إلى كونهم جماعة وظيفية وسيطة موقعها عند حافة المجتمعات وفي الشقوق، وهو وضع استمر في شرق أوربا ووسطها حتى بداية القرن العشرين. فالجماعة الوظيفية الوسيطة تتركز في الأعمال غير الإنتاجية وتحقق أرباحاً عالية دون أن تنتج شيئاً متعيِّناً أو ملموساً، على عكس الزارع أو الصانع، حيث كان أعضاؤها يضطلعون بوظائف مثل الربا والتجارة وتجارة الرقيق والبغـاء. ولذا كان يُشار إلى اليهود باعتبارهم «لوفتمنش»، وهي كلمة ألمانية تعني حرفياً «رجال الهواء»، ومعنى ذلك أن اليهود شعب يكسب رزقه لا من الإنتاج وإنما من الهواء أي من لا شيء. وقد وُصفت وظيفة اليهود كمرابين، أو كجماعة وظيفية وسيطة عميلة، بأنها كالإسفنجة يستخدمها الحاكم لامتصاص فائض القيمة من المجتمع ثم يعتصرها لحسابه. ورغم أن الإسفنجة مختلفة عن الكائن الطفيلي، إذ أن الكائن الطفيلي يمتص رزق الآخرين لحسابه على حين أن الإسفنجة تمتصها لحساب الآخر، فإن الجماهير التي جرى امتصاص رزقها لم تر سوى الجزء الأول من عملية الامتصاص. والإسفنجة والكائن الطفيلي يشتركان في أنهما دون أهمية بالنسبة إلى الجسم الذي يعيشان عليه، بل إنهما يشكلان خطورة شديدة عليه ويهددان حياته. ولعل إدراك الجماهير لليهود في العالم الغربي في العصور الوسطى، كجسم طفيلي أو كإسفنجة، هو أصل تهمة الدم، حيث يُتَّهم اليهود بامتصاص دماء ضحاياهم. 

وقد استُخدمت كلمة «طفيلي» في الخطاب الاشتراكي الغربي لوصف اليهود والرأسماليين. فقد وصف المفكر الاشتراكي الفرنسي توسينيل اليهودي بأنه مثل البكتريا التي تنتشر بسرعة. وطفيلية يهود العالم خارج فلسطين موضوع كامن أساسي في الأدبيات الصهيونية ذات الديباجة الاشتراكية. فقد وصف المفكر الصهيوني العمالي أهارون جوردون يهود العالم خارج فلسطين بأنهم طفيليون، كما استخدم المفكر الصهيوني الألماني ماكس نوردو كلمة «البكتريا» لوصف وضع اليهود في المنفى، واستخدمها من بعده الزعيم النازي أدولف هتلر. ومن هنا، فإن صورة اليهودي كطفيلي صورة أساسية في الخطاب السياسي الغربي، الرأسمالي والاشتراكي، الصهيوني والمعادي لليهود. 

وقد اقترح نوردو أن يكون حل مشكلة الطفيلية اليهودية من خلال ظهور اليهودية ذات العضلات. وبالتالي، يمكن حل إشكالية الشعب الطفيلي عن طريق استيطانه في فلسطين بالعنف، والاستيلاء على الأرض، على أن يعمل فيها بنفسه، فيخلِّصها من العرب ويخلِّص نفسه من الطفيلية، وهذا هو الخلاص الصهيوني. ويتواتر موضوع طفيلية اليهود في الأدب العبري الحديث وفي الكتابات الإسرائيلية، إذ يرى كثير من المحللين الإسرائيليين أن المجتمع الإسرائيلي يسقط مرة أخرى في الطفيلية، خصوصاً بعد أن تغلغلت العمالة العربية في قطاعات المجتمع الإسرائيلي كافة، وأن شعب الهواء بدأ يظهر مرة أخرى. كما يرون أن انتشار الجريمة، والفساد، وعدم الاكتراث بالإنتاج، هي من أشكال الطفيلية. 

رجال الهواء )لوفتمنش)
Luftmensch 

«لوفتمنش» كلمة ألمانية تَصعُب ترجمتها، ولكنها تعني حرفياً «رجال الهواء»، وهي تصف أعضاء الجماعات البشرية الذين لا توجد أرض راسخة تحت أقدامهم وليس لديهم خبرة في أي شيء ولا مهنة أو حرفة لهم ولا يمتلكون رأس مال أو عملاً ثابتاً، فهم يعيشون في الهواء وعلى الهواء. وكانت الكلمة تُستخدَم للإشارة إلى قطاع كبير من يهود شرق أوربا الذين يضطلعون بوظائف الجماعة الوظيفية الوسيطة والذين حلت محلهم الطبقات المحلية والدولة القومية المركزية، فأصبحوا بلا وظيفة أو مهنة أو عمل، وتحولوا إلى باعة جائلين ومتسولين وقوادين. كما أن الكلمة تشير أيضاً إلى اشتغال اليهود بالأعمال الفكرية والمالية والتجارية، وتشير إلى بعدهم عن الأعمال الزراعية أو الصناعية (الإنتاجية أو اليدوية) وإلى اشتغالهم كوسطاء في القطاع العقاري. وهي الظاهرة التي يُطلَق عليها أيضاً «هامشية اليهود وشذوذهم وطفيليتهم». 

ويرى الصهاينة أن اليهود كافة مُعرَّضون دائماً لأن يصبحوا لوفتمنش (رجال هواء) باعتبار أنهم شعب بلا أرض، وهم للسبب نفسه شعب مُهدَّد دائماً بالأخطار إذ أن الإنسان لا يمكنه أن يحيا حياة كاملة مطمئنة إلا بين جماعته وفي أرضه. بل إن حالة الهوائية الاقتصادية التي يعيشها الفرد اليهودي ليست إلا انعكاساً للهوائية التي يعيشها الشعب اليهودي ككل، فهي التي حوَّلت اليهود إلى تجار ومثقفين وأبعدتهم عن الطوائف الراسخة وعن الارتباط بالأرض. كما يرى الصهاينة أن اليهودية الإصلاحية شكل من أشكال الهوائية، فهي معلقة بين الأرض والسماء، ويرون كذلك أن اليهود المندمجين هم أيضاً شخصيات ممزقة هوائية غير منتمية. ويصف الشعار الصهيوني (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) هذه الحالة الهوائية لدى الجماعات اليهودية. ويهدف المشروع الصهيوني إلى تخليص اليهود من هذه الحالة الهوائية بتوفير أرض لهم يعيشون فيها، وتوفير هرم إنتاجي متكامل ينتمون إليه ويكون مقصوراً عليهم حتى يكون بينهم العامل والفلاح والمثقف. 

وقد كان مصطلح «لوفتمنش» شائعاً في الأدبيات النازية، ولذا قال أيخمان، في معرض الدفاع عن نفسه أثناء محاكمته، إنه كان يهدف إلى وضع قليل من الأرض الراسخة تحت أقدام اليهود. وقد نجح المشروع الصهيوني في توفير الأرض، ولكنه مع هذا لم ينجح في تخليص اليهود من صفة الهوائية، ومن ثم بدأت الكلمة تظهر مرة أخرى في الصحف الإسرائيلية إذ بدأ المستوطنون الصهاينة يتحولون إلى وسطاء، يتركون قاعدة الهرم الإنتاجي ويطفون على قمته ويعيشون على الهواء دون عمل إنتاجي أو يدوي. ويهدف المشروع الصهيوني إلى تحويل الفلسطينين إلى لوفتمنش، أي إلى رجال يعيشون في المخيمات والعراء والهواء أو إلى جماعات بشرية تعيش على هوامش المجتمعات. ولكن تَحوُّل الفلسطينيين من لاجئين إلى فدائيين مجاهدين أسقط هذا المخطط الصهيوني. 

المتســـــــولون 
(Schnorers) Beggars 

كلمة «المتسولون» هي المقابل العربي لكلمة «شنوررز schnorers»، وهي كلمة يديشية في صيغة الجمع مفردها «شنورر schnorer» أي «شحاذ» أو «متسول». وتتواتر هذه الكلمة في الأدبيات الصهيونية وفي الدراسات عن الجماعات اليهودية، وبخاصة في القرن التاسع عشر. وتعود الظاهرة إلى العصور الوسطى مع تطبيق قانون تحريم الاستيطان (حيريم هايشيفاه) وهو قانون كان يحق بمقتضاه لكل جماعة يهودية أن تمنع أي يهودي ينتمي إلى أية جماعة أخرى من الإقامة في مدينتها إلا بضعة أيام عليه أن يغادرها بعدها. وقد أدَّى هذا الوضع إلى ظهور آلاف اليهود الذين لم يكن لهم حق السكنى في أية مدينة أو قرية رغم أنه كان يتعيَّن عليهم الانتقال دائماً من مكان إلى آخر. ومن المعروف أن التجمعات اليهودية في العصور الوسطى كانت تتكون من أقلية ثرية من كبار المموِّلين والحاخامات وتحتها قاعدة ضخمة من المعدمين أو صغار التجار الذين كان لا يفصل بينهم وبين التسول سوى شعرة. وكانت أعداد كبيرة منهم تتحول إلى متسولين كل الوقت أو بعضه. بل وكانت تتداخل مهنة التسول مع مهن أخرى، فعمل المتسولون أحياناً معلمي موسيقى أو تجاراً متجولين أو مهرجين أو حواة. وقد أخذ عدد هؤلاء في التزايد ابتداءً من القرن الثالث عشر. 

ويُستخدَم مصطلح «شنورر» بالمعنى الضيق للإشارة إلى المتسول الذي تَلقَّى شيئاً من التعليم الحاخامي، وبالتالي فهو ليس متسولاً بالمعنى العادي للكلمة وإنما هو طالب للصدقة ويعتبرها حقه الطبيعي الذي يجب أن يعطيه إياه الأثرياء حتى ينالوا الخلاص. ومثل هذا المتسول المتعلم المتبجح كان يروي في العادة قصة ما تُفسِّر قيامه بالتسول، فهو يجمع الأموال ليعود إلى تجارته بعد أن أفلس أو ليزوج قريبة فقيرة. وكان هذا المتسول يظهر دائماً يوم السبت أمام المعبد وهو يعلم تمام العلم أن أعضاء الجماعة سيضطرون إلى أن يدفعوا له صدقة حتى لا يظهروا بمظهر سيئ في ذلك اليوم أمام بعضهم البعض، وحتى لا تظهر الجماعة اليهودية ككل بمظهر سيئ أمام الأغيار. وكان لكل متسول طرق محددة يسلكها ومناطق معروفة يتسول فيها ويزورها في فترات منتظمة لا ينافسه فيها أحد. وكثيراً ما كان يتم بيع هذه المناطق لمتسول آخر (وهذا أمر مألوف بين جماعات المتسولين في كل المجتمعات والذين يشكلون جماعات قريبة الشبه من الجماعات الوظيفية). ومع بدايات القرن التاسع عشر، زادت نسبة العاطلين عن العمل في أوساط اليهود وهو ما اضطرهم للتسول، وذلك بعد أن فقدت كثير من الجماعات اليهودية في شرق أوربا وظيفتها التقليدية، وبعد تَصاعُد عمليات التحديث التي اجتثت الملايين (ومن بينهم أعضاء الجماعات اليهودية) من جذورها، ولم توفر لهم فرصاً جديدة أو وفرت لهم فرصاً لم يستطيعوا التكيف معها، وبعد الانفجار السكاني بين أعضاء الجماعات. وكان 10% من جميع يهود أوربا (في العقود الأولى من القرن التاسع عشر) متسولين. 

وكان تزايد حدة هذه الظاهرة يسبب كثيراً من الحرج ليهود غرب أوربا المندمجين المستقرين، إذ كان شرق أوربا يقذف على بلادهم ألوفاً من يهود اليديشية الذين كانوا أساساً متسولين. وقد اضطرت بعض الجماعات اليهودية في غرب أوربا إلى أن تمنع دخول أية عناصر يهودية جديدة فيها، واستعانت بالحكومات ضد اليهود الوافدين. حيث كانت تصل أحياناً جماعات كبيرة من الفقراء اليهود يطالبون بالمساعدة وبالقوت كحق من حقوقهم. وقد أدَّى وصول المتسولين إلى ظهور الصهيونية التوطينية، أي صهيونية يهود الغرب الذين لا يهتمون بالاستيطان في فلسطين إلا باعتباره وسيلة للتخلص من جيوش المتسولين أو الفائض الإنساني اليهودي (على حد قول هرتزل). وكان روتشيلد يرى في هرتزل أحد هؤلاء المتسولين الذين يودون الحصول على أمواله. وقد كان محقاً إلى حدٍّ ما، فالمستوطنون في فلسطين كان كل همهم، في مرحلة من المراحل (قبل أن يبدأ التمويل الحكومي الغربي)، الحصول على أكبر قسط من أموال روتشيلد. بل كان هرتزل نفسه يشير إلى المؤتمر الصهيوني الأول (1897) باعتباره جيشاً من الشحاذين يقف هو على رأسه، وكان يخشى أن تشجع الصهيونية الخارجية التوطينية هذا الاتجاه بين اليهود. 

وبالإمكان رؤية الدولة الصهيونية، باعتمادها الكامل على التمويل الغربي، على اعتبار أنها شنورر بعد أن تم تحديث عملية التسول بحيث تتم بشكل منظم يأخذ شكل اتفاقات تضمن تدفُّق المعونات في موعدها. ويرفض المتحدثون الإسرائيليون بطبيعة الحال صورة المتسول هذه ويشيرون إلى الدور الذي تلعبه الدولة الصهيونية في حماية مصالح الغرب في المنطقة وإلى أن ما تتقاضاه من معونات أقل بكثير من العائد الذي تأتي به، أي أنهم يُحلِّون صورة المملوك محل صورة الشحاذ. ولكن، في الآونة الأخيرة، أخذ كثير من المعلقين السياسيين الإسرائيليين في الإشارة إلى الدولة الصهيونية باعتبارها دولة شنورر أو دولة شحاذين، وإلى الاقتصاد الصهيوني باعتباره اقتصاداً تسولياً. ونحن نرى أن هذا المصطلح يُفسِّر كثيراً من جوانب الاقتصاد الإسرائيلي. والفارق بين المتسول والدولة الإسرائيلية هو أن المتسول يأخذ ولا يعطي إلا الدعوات لصاحب الصدقة، أما الدولة الصهيونية فتأخذ ثم تقوم بدور حيوي للاستعمار الغربي في المنطقة وهو دور كلب الحراسة، أي دور الجماعة الوظيفية القتالية حيث تتم مقايضة المال بالقتال. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية    الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 10:40 pm

اللغات السرية لبعض الجماعات اليهودية الوظيفية 
Secret Languages of Some of the Functional Jewish Communities 

»اللغات السرية» هي لهجات ورطانات خاصة، بل أحياناً لغات، يستخدمها أعضاء الجماعات الوظيفية. وهذه اللهجة أو الرطانة أو اللغة عادةً ما تختلف عن لغة المجتمع المضيف أو مجتمع الأغلبية. وقد كان تحدُّث هذه اللغة يُعدُّ شرطاً للانخراط في سلك الجماعة. فكان المماليك يتحدثون فيما بينهم الشركسية (أو إحدى اللغات التركية)، ويتحدث الصينيون من أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة في جنوب آسيا لغتهم، ويتحدث العرب في أفريقيا لغتهم العربية. أما أعضاء الجماعات الوظيفية الوسـيطة من اليهـود في شـرق أوربا، فكانوا يتحـدثون اليديشية. ويُلاحَظ أن بعض أعضاء النخبة الحاكمة المصرية قبل ثورة 1952 كانوا يتحدثون التركية (أو العربية المطعمة بالتركية) كمظهر من مظاهر التميز والعزلة والانتماء للجماعة الوظيفية الحاكمة. وهذا هو مصدر النمط السائد في الكوميديا المصرية بعد الثورة - المصري/التركي منتفخ الأوداج المتعجرف، الذي يتحدث هذه اللهجة كإحدى علامات التميز. ولكن تعجرفه ليس له ما يسانده في الواقع، فهو عضو جماعة وظيفية حاكمة فقدت وظيفتها. ويبدو أن التحدث بإحدى اللغات الأوربية بين أعضاء النخب الحاكمة والثقافية في العالم الثالث (والتي تحوَّلت إلى ما يُشبه الجماعة الوظيفية التي تخدم مصالح الاستعمار والنظام العالمي الجديد) قد أصبح هو الآخر رمز الانتماء للجماعة الوظيفية، فالمتحدث بهذه اللغة يبيِّن كفاءته، وهو في الوقت نفسه يعزل نفسه عن الجماهير التي لا تتحدث سوى لغة الوطن! 

واللغة، من ثم، هي وسيلة من وسائل الفصل بين الجماعة وأعضاء المجتمع المضيف، وأداة للتواصل بين أعضاء الجماعة. ولعل في إصرار الصهاينة على أن تكون لغة الدولة الصهيونية هي العبرية وليس الإنجليزية لغة القوى الإمبريالية العظمى، أو الإسبرانتو اللغة التي طورها اليهودي الروسي زامنهوف على أمل أن تكون لغة عالمية ولغة يتحدث بها المُستوطَن الصهيوني) إدراكاً من جانبهم لطبيعة الدولة الصهيونية باعتبارها دولة وظيفية. ومن الأشكال المتطرفة للغات الجماعات الوظيفية اللغات السرية، فالعوالم والنشالون، على سبيل المثال، لهم لغاتهم السرية، وهي في الغالب رطانة تركيبها هو تركيب اللغة الشائعة في المجتمع مع إضافة مفردات لغوية لا يعرفها إلا عضو الجماعة الوظيفية. وللغة السرية فائدة مباشرة إذ تُسهِّل عملية أداء الوظيفة، وهي وظيفة مشينة في العادة، ومن ثم تصبح اللغة السرية من علامات الهامشية. وقد استخدم أعضاء الجماعات اليهودية هذه الآلية للتواصل. وكانت لغاتهم السرية تتكون في العادة من جُمَل باللغة المحلية تحتوي على كلمات عبرية تُعالج حسب قواعد اللغة المحلية، فكلمة «أخل» مثلاً كلمة عبرية بمعنى «أكل»، فإن كان المتحدث اليهودي يتحدث بالإنجليزية فإنه يُعبِّر عن معنى أنه «قد أكل بالفعل» على النحو التالي: «هي هاز أوريدي أخلد He has already akhaled.»ولا تُعبِّر هذه الكلمات الداخلية إلا عن الأجزاء المهمة من الأسماء أو الأفعال في الجملة. كما كانت تترجم أسماء الأماكن حرفياً إلى العبرية فكلمة «نيويورك» مثلاً في عبارة «ذهبت إلى نيويورك»، تصبح «آي وُنت تو يورك حاداش I went to york hadash» حيث جاءت كلمة «حاداش» بديلاً عن الجزء الأول من كلمة نيويورك «نيو»، ومعناها «جديد». 

وكان أعضاء الجماعة اليهودية يستخدمون اللغة السرية لمناقشة الأمور التي تهمهم دون أن يفهمهم أحد من المحيطين بهم، بخاصة في الأسواق، وهو ما كان يُسهِّل عملية الغش التجاري والاحتيال، وكثيراً ما كان اللصوص يتعلمون هذه اللغة لاستخدامها بين الناس دون أن يفهمهم أحد. فقد قام موظف بروسي بإعداد معجم عن لغة اللصوص السرية في أواخر القرن الثامن عشر، وظهر أن كثيراً من كلمات هذه اللغة السرية ذات جذور عبرية أو أصل عبري. وقد أُخذ هذا دليلاً على اشتراك أعضاء الجماعة اليهودية وتورطهم في عالم الجريمة. وفي الوقت الحاضر، يبدو أن كثيراً من القوادين والقائمين على تجارة الرقيق الأبيض يتحدثون لغة سرية ذات أصول عبرية، وقد يعود هذا لوجود عدد كبير من أعضاء الجماعة اليهودية، يعملون قوادين أو بغايا، في هذه المهنة المشينة حتى ثلاثينيات هذا القرن، وقد أصبحت إسرائيل مصدراً للبغايا في أوربا في الوقت الحاضر. ويُقال إن لغة القوادين في أمستردام قد دخلتها كلمات عبرية كثيرة. وقد كانت اليديشية تحل أحياناً محل اللغة السرية، وهي رطانة ألمانية دخلت عليها مفردات سلافية وعبرية، فكان لا يفهمها سوى أعضاء الجماعة اليهودية، فأصبحت اليديشية لغة الغش التجاري في القرن التاسع عشر، ولذا حرَّمت الحكومات على اليهود استخدامها. 

الجرائم المالية لبعض أعضاء الجماعات اليهودية 
Financial Crimes of Some Members of Jewish Communities 

»الجرائم المالية« هي الجرائم التي يرتكبها بعض كبار المموِّلين، مثل جرائم التزييف والغش التجاري والتهريب. وقد لُوحظ ازدياد نسبة ارتكاب مثل هذه الجرائم بين أعضاء الجماعات اليهودية، عن النسبة العامة السائدة في المجتمع. ومن المعروف أن هذه الجرائم انتشرت بين أعضاء الجماعات اليهودية في القرن التاسع عشر إلى درجة اضطرت معها الحكومات إلى استصدار تشريعات خاصة. ويبدو أن تَركُّز أعضاء الجماعات اليهودية في القطاع التجاري (في المجتمع التقليدي) ساعد على ذلك، فهو قطاع لم يكن يعرف نظام الضرائب، ولم يكن يرتبط بشبكات الرأسمالية الرشيدة من مصارف ووسائل نقل وغيرها. ولذلك، كان التهرب من الضرائب، وتهريب البضائع، جزءاً عضوياً في مثل هذا النشاط التجاري. كما أن تَركُّز كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في المناطق الحدودية والمدن شجع على هذا الاتجاه. ومن المعروف أن اللغة اليديشية التي تُكتَب بالحروف العبرية، والتي لا يعرفها سوى التجار اليهود، أصبحت تشبه اللغة السرية التي يستخدمها اللصوص، وأصبحت بذلك من أهم وسائل الغش التجاري. ولهذا حظرت الحكومات الغربية على التجار اليهود استخدامها في معاملاتهم التجارية. وقد استمر هذا النمط إلى العصر الحديث، فنجد أن نسبة جرائم الغش التجاري والتزييف التي ارتكبها أعضاء الجماعات اليهودية في بولندا وروسيا، وفي ألمانيا وهولندا، تصل إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف نسبتها بين أعضاء الأغلبية. وفي الاتحاد السوفيتي، لُوحظ في الستينيات أن حوالي 50% من الجرائم المالية ارتكبها أعضاء الجماعات اليهودية الذين كانت نسبتهم لا تزيد عن 2% من عدد السكان. ويبدو أن أعضاء الجماعات اليهودية لهم دور ملحوظ في توزيع المخدرات في الولايات المتحدة والدول الغربية. ولا تزال تظهر من آونة إلى أخرى فضيحة مالية ضخمة يتورط فيها أعضاء الجماعات اليهودية بشكل ملحوظ. 

وقد شهدت أواخر القرن التاسع عشر واحدة من أهم فضائح الفساد المالي والسياسي التي هزت المجتمع الفرنسي، وهي الفضيحة الخاصة بانهيار شركة قناة بنما، والتي اعُتبرت آنذاك أكبر سقطة مالية في تاريخ فرنسا، حيث راح ضحيتها أكثر من 800 ألف مواطن فرنسي من المساهمين في الشركة. وقد تورط في هذه الفضيحة التي عُرفت باسم «فضيحة بنما» ثلاث شخصيات يهودية هم: البارون جاك دي رايناخ (الوكيل المالي للشركة)، والفرنسي ليوبولد إميل أرتون، والأمريكي كورنيليوس هرتز. 

وفي القرن العشرين، تعددت الفضائح المالية التي تورطت فيها شخصيات يهودية. ففي السبعينيات، أسس الأمريكي برنارد كورنفلد مؤسسة استثمار أموال مشتركة في سويسرا باسم «انفستورز أوفرسيز سيرفيسيز» ونجح في جذب مستثمرين من أكثر من مائة دولة بلغت قيمة أموالهم المودعة لدى شركته ملياري دولار. ولم تجتذب شركته هذا الحجم من الأموال بفضل خبرتها في إدارة الأموال ولكن بفضل خبرتها في تهريب الأموال والعملات، وبخاصة من دول العالم الثالث. وقد اكتسب كورنفلد عداء كثير من السلطات المالية في دول عديدة، وأثار قلق الدوائر المالية السويسرية الحريصة على صورتها وسمعتها العالمية. وانهارت شركته بعد أن انخفضت قيمة بعض الأصول المهمة المملوكة لها وهبطت سوق الأوراق المالية الأمريكية التي كانت أغلب أموال الشركة مستثمرة فيها. كما نجحت السلطات المالية السويسرية في اتخاذ إجراءات قانونية ضده، فسُجن لمدة عام ثم أُطلق سراحه بكفالة مالية. وقد كانت تربط كورنفلد علاقة بشخص ساهم في دفع كفالته يُدعَى تيبور بنحاس روزنباوم، والذي تورط هو الآخر في فضيحة مالية كبرى. وروزنباوم يهودي سويسري من أصل مجري، كان والده حاخاماً (كما درس هو أيضاً ليصبح حاخاماً). وخلال الحرب العالمية الثانية، عمل روزنباوم في المقاومة المجرية، وشارك في تهريب اليهود. وبعد الحرب، عمل لصالح الوكالة اليهودية، واشترك في عمليات تهجير وتوطين اليهود في فلسطين.كما كان عضواً في المؤتمر اليهودي العالمي وفي حركة مزراحي الدينية الصهيونية. وعقب إقامة دولة إسرائيل، أسس روزنباوم شركة تجارية سويسريةـ إسرائيلية. 

وكان روزنباوم قد أسس مصرفاً في سويسرا باسم «إنترناشيونال كريديت بنك» اعتمد على الإيداعات السرية لأموال غير معلومة المصدر من اليهود الفرنسيين والمافيا الأمريكية. وكان يتم تحويل هذه الأموال عن طريق فرع المصرف في جزر البهاما. وقد استخدم روزنباوم مصرفه لتحويل بعض الأموال لشركة كورنفلد. كما قدَّم المصرف خدمات مالية لإسرائيل حيث يُقال إنه دبر قرضاً لوزارة الدفاع الإسرائيلية قيمته 7 ملايين من الدولارات خلال 24 ساعة وتَلقَّى مقابل ذلك عمولة قدرها نصف مليون دولار. وفي الوقت نفسه اشترك روزنباوم في تمويل بعض الشركات الإسرائيلية ومن بينها شركة «إسرائيل كوربوريشن» الذي كان عضواً في مجلس إدارتها، وهي شركة استثمارية أسسها مجموعة من أثرياء اليهود في مقدمتهم البارون إدموند دي روتشيلد الذي ترأس مجلس إدارتها. وقد ترأس الشركة إسرائيلي يُدعى مايكل تسور. وقام روزنباوم وتسور، معاً، بتحويل عشرين مليون دولار من أموال الشركة إلى مصرف روزنباوم في سويسرا دون تفويض من المساهمين أو الأشخاص المعنيين. وقام روزنباوم بتحويلها بدوره إلى إمارة ليختنشتاين، واستخدم الأموال في بعض مشاريعه الخاصة. أما تسور، فكان يتلقى فائدة قدرها 8% على هذه الأموال، بينما كان يدفع للمستثمرين في الشركة 6.5% فقط ويضع الفارق في جيبه. وقد كشف إدموند دي روتشيلد النقاب عن هذه العمليات وهدَّد بوقف إنفاقاته الخيرية في إسرائيل إذا لم يتم إجراء تحقيق شامل في الأمر. وقد أدين تسور بأربع عشرة تهمة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً. وفي سويسرا، أُغلق مصرف روزنباوم، الذي سُجِن ثم أُفرج عنه بكفالة مالية قيمتها مليونان من الدولارات وهي أعلى كفالة في تاريخ سويسرا. 

وقد ارتبطت بعض الأسماء اليهودية بالفضيحة الخاصة بمصرف أميركان بانك آند تروست كومباني أوف نيويورك الذي اعتُبر سقوطه رابع أكبر إفلاس مصرفي في التاريخ الأمريكي. وقد تأسس هذا المصرف عام 1929 في نيويورك على يد بنك مكسيكي، ثم انتقلت ملكيته عام 1963 إلى بنك إسرائيلي - سويسري، ثم انتقلت في أواخر الستينيات إلى ثري من شيلي يُدعَى خوزيه كلاين، وأخيراً إلى ديفيد جرافيير وهو يهودي أرجنتيني ثري من أصل بولندي. وقد نجح هذا المصرفي في جذب كثير من رجال الأعمال وأثرياء اليهود الأمريكيين، كما ارتبطت به شخصيات أمريكية سياسية مهمة. ونجح البنك أيضاً في جذب أموال أعضاء الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية حيث بلغ حجم أموالهم المودعة لدى البنك حوالي 40 مليون دولار في منتصف السبعينيات. ولكن، في عهد كلاين، بدأ المصرف في ارتكاب عدة مخالفات مثل التجاوز في منح التسهيلات وتجاوز سقوفها ومنح القروض لشركات يمتلك المسئولون في المصرف حصصاً فيها، الأمر الذي اضطرت معه السلطات المالية الأمريكية المختصة إلى وضع المصرف تحت رقابتها. ولكن يبدو أن الاعتبارات السياسية حالت دون اتخاذ أية إجراءات ضده. وعند انتقال ملكية المصرف إلى جرافيير، عمل هو الآخر من خلال سلسلة من العمليات الملتوية على نهب المصرف وإفراغه من ملايين الدولارات وسلب أموال المودعين وودائعهم. وحينما بدأ أمره يفتضح، لقي جرافيير مصرعه فجأة إثر سقوط طائرته فوق المكسيك عام 1976 في حادث يحيط به الكثير من الغموض، حيث أثيرت التكهنات حول احتمالات أن يكون قد اغتيل. وقد أغلقت السلطات المالية الأمريكية المصرف بعد أن نهب جرافيير منه 50 مليون دولار، وبعد أن فقد كثير من مودعيه من أعضاء الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية أموالهم.

أما مارك ريتش، الذي تورط في أكبر فضيحة تهرب ضريبي في تاريخ الولايات المتحدة، فهو يهودي أمريكي وُلد في بلجيكا عام 1934 من أبوين من أصل ألماني، وفرَّت أسرته إلى الولايات المتحدة عقب اندلاع الحرب العالمية الثانية. وقد انضم ريتش في سن مبكرة إلى شركة فيليب براذرز، وهي شركة تعمل في تجارة السلع أسسها يهود ألمان عام 1901 في ألمانيا ثم في الولايات المتحدة عام 1914، وتدرج بها ريتش سريعاً، وكان أول من أدخل الشركة مجال تجارة البترول في أواخر الستينيات وحقق لها أرباحاً ضخمة عقب ارتفاع أسعار البترول عام 1973. ولكنه ترك الشركة، في عام 1974، إثر خلافات مع الإدارة وأسس شركة خاصة به في سويسرا هي مارك ريتش وشركاه التي أصبحت، خلال فترة وجيزة، من أكبر الشركات العاملة في مجال تجارة السلع، خصوصاً البترول والمعادن، وقُدرت ثروتها عام 1981 بنحو 200 مليون دولار. وقد نجح فرع شركته في الولايات المتحدة في تحقيق إيرادات بلغت 105 ملايين دولار من خلال الالتفاف حول بعض القوانين الخاصة بضبط أسعار البترول والتي أدخلتها الحكومة الأمريكية عام 1973 لحماية صناعة التكرير الأمريكية من الارتفاع المفاجئ في الأسعار. ثم قام ريتش بإخفاء وتهريب أرباحه إلى خارج البلاد من خلال سلسلة من الصفقات الملتوية حتى يتهرب من دفع مبلغ 48 مليون دولار هي قيمة الضرائب المستحقة عليه للحكومة الأمريكية. وقد وُجِّهت إليه عام 1982 اتهامات بالتهرب الضريبي وأيضاً بالاتجار مع العدو حيث قام بشراء بترول إيراني أثناء أزمة الرهائن الأمريكية عام 1980 بعد أن كانت الحكومة الأمريكية قد أصدرت قراراً بمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع النظام الإيراني. إلا أن ريتش فرَّ إلى سويسرا بعد أن أغلق فرع شركته في الولايات المتحدة، ولا تزال شركته تزاول نشاطها من سويسرا في السوق العالمى ويُلاحَظ تورط بعض أعضاء الجماعات اليهودية بشكل ملحوظ في الفضائح الخاصة بسوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة. ومن بين الذين تورطوا في مثل هذه الانحرافات الأمريكي اليهودي لويس وولفسون الذي سطع نجمه في عالم المال خلال الخمسينيات والستينيات، حيث حقق أول مليون له في سن الثامنة والعشرين من خلال تجارة الخردة، ثم اتجه إلى شراء الأسهم والحصص في العديد من الشركات وقام ببناء وتطوير شركة «ميريت شابمان آند سكوت كوربوريشن» التي اعتُبرت أولى الشركات الضخمة متعددة النشاطات. ولكن كثيراً من عمليات ولفسون، لا سيما تلك المتعلقة ببيع وشراء الأسهم، كانت مخالفة للقوانين الخاصة بهذه العمليات الأمر الذي أوقعه في مواجهات عديدة مع هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية التي كانت تسعى إلى الحد من تزايد معدلات الجرائم المالية، كما كانت تسعى إلى إدانة أحد رموزها البارزين مثل وولفسون لردع المنحرفين في قطاع المال. وقد نجحت الهيئة بالفعل في إدانة وولفسون وحُكم عليه بالسجن لمدة عام سنة 1969. وصُفِّيت شركته وتفككت إمبراطوريته بعد أن كلفته إجراءات التقاضي مع الحكومة، والدعاوى التي أقامها ضده المساهمون في شركته، الملايين من الدولارات. 

ومن أكبر الفضائح المالية التي هزت أركان وول ستريت (سوق المال في نيويورك) فضيحة إيفان بويسكي، وتتلخص جريمته في الحصول مسبقاً على معلومات حول نية بعض الشركات بخصوص بيع أسهمها من مصادر وثيقة الصلة قبل أن يتم الإعلان عن نية البيع للجمهور واستخدام هذه المعلومات لتحقيق المكسب والربح. وقد حقق بويسكي، الذي كان يمتلك مؤسسة متخصصة في المضاربة في أسهم الشركات التي يوشك أن يستولي عليها، في الفترة بين 1984 و1986 أرباحاً بلغت 50 مليون دولار من خلال الحصول على معلومات مسبقة حول نوايا الاستيلاء على بعض الشركات حيث كان يقوم بشراء أسهمها ثم أعاد بيعها بعد أن تقفز أسعارها عقب الإعلان عن هذه المعلومات. وقد فُرضت على بويسكي غرامة قدرها 100 مليون دولار وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع حرمانه مدى الحـياة من المتــاجرة في سـوق الأوراق الماليــة الأمريكية. 

وقد فتحت فضيحة بويسكي الباب على مصراعيه لأكبر قضايا جرائم ذوي الياقات البيضاء في التاريخ الأمريكي حيث كشفت التحقيقات عن تورط واحدة من أكبر المؤسسات الاستثمارية في وول ستريت (وهي دريكسل بورنام لامبيرت) وأحد نجومها ونجوم وول ستريت (وهو مايكل ميلكن) في انحرافات بويسكي حيث قاما بتقديم معلومات تتصل بنوايا عملائهم إلى بويسكي، واقتسام الأرباح معه. كما تكشف قيامهم بمخالفات وانحرافات مالية خطيرة، منها الاحتيال واستخدام أساليب ملتوية لإخفاء الملكية الحقيقية للأسهم والأوراق المالية بغرض تمرير صفقات غير مشروعة. وكان ميلكن، الذي قُدرت ثروته عام 1988 بنحو مليار دولار، قد أسس سوقاً ضخمة لما عُرف باسم «سندات الخردة» وهي سندات ذات عائد عال ومخاطر عالية في الوقت نفسه، وكانت تطرحها عادةً الشركات التي تعاني من أزمات مالية. وقد نجح ميلكن في خَلْق سوق ضخمة لهذه السندات وصل حجم التعامل فيها خلال الثمانينيات إلى 120 مليار دولار، وذلك من خلال استخدامها كأداة لتدبير التمويل اللازم للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم ولتمويل عمليات الاستيلاء على الشركات. كما خلق ميلكن شبكة واسعة ومتداخلة من المتعاملين في هذه السندات واستطاع من خلالها أن يسيطر ويتلاعب في حجم تداولها وأسعارها. ووُجِّهت إليه اتهامات باللجوء إلى أساليب غير مشروعة مثل الرشوة والابتزاز والتلاعب في الأسعار لتشجيع أو إجبار بعض المؤسسات المالية على شراء سنداته والتعامل فيها. وقد فُرضت على ميلكن غرامة قدرها 600 مليون دولار وتُعَدُّ أعلى غرامة من نوعها تُفـرَض ضـد شـخص في الولايات المتحدة، كما حُكم عليه، في عام 1991، بالسجن لمدة عشر سنوات. 

ويمكن الإشارة أيضاً إلى الفضيحة الخاصة بمؤسسة سالومون براذرز، وهي ثالث أكبر مؤسسات الاستثمار والخدمات المالية في الولايات المتحدة وحققت هذا المركز بفضل إدارة جون جوتفروند رئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي والملقب بـ «ملك وول ستريت». وقد تبيَّن عام 1991 أن مؤسسة سالومون انتهكت القواعد الفيدرالية الخاصة بالتعامل في سندات الخزانة الأمريكية التي تحظر على أية مؤسسة مالية شراء أكثر من 35% من السندات المطروحة في مزاد واحد. ويهدف هذا الإجراء إلى تجنب الاحتكار في سوق السندات الحكومية التي يصل حجم التعامل فيها إلى 2.2 تريليون دولار. كما تكشّف أن مؤسسة سالومون اشترت ما يزيد على نسبة قدرها 05% من السندات المطروحة في عدة مزادات خلال عام 1991 حيث قدمت بعض عروضها بأسماء عملائها دون الحصول على تفويض منهم. واستقال جوتفروند من منصبه عقب تَفجُّر الفضيحة وبدء التحقيقات.

ومن أهم الفضائح المالية وأكثرها إثارة، الفضيحة الخاصة بروبرت ماكسويل اليهودي البريطاني الذي أقام إمبراطورية إعلامية ضخمة والذي تُوفي في ظروف غامضة عام 1991 ودُفن في إسرائيل. فقد أقام ماكسويل نحو 400 شركة أغلبها مسجل في إمارة ليختنشتاين حيث تتوافر قوانين السرية، ونجح من خلال هذه الشبكة المتداخلة في إخفاء حقيقة الأوضاع المالية لإمبراطوريته التي كانت تنوء تحت ثقل الديون وفي إخفاء بعض عملياته غير المشروعة. وقد تكشّف عقب وفاته أنه حوَّل أكثر من 700 مليون جنيه إسترليني أو 1.27 بليون دولار من صناديق التقاعد في مجموعة شركاته العامة «ميرور جروب» لمساندة إمبراطوريته الإعلامية المتهاوية وتغطية خسائر شركاته الخاصة. كما تبيَّن أنه احتال على مؤسسة مالية سويسرية للحصول على قرض قيمته 100 مليون دولار، وأنه استخدم الأصول نفسها لضمان أكثر من قرض. والواقع أن هذه الفضيحة، التي وُصفت بأنها أكبر فضيحة من نوعها في بريطانيا في هذا القرن، قد أكسبته لقب «محتال القرن»، وزادت التكهنات القائلة بأن ماكسويل مات منتحراً، فلو أنه ظل حياً لاستدعى ذلك مثوله أمام القضاء بتهم الاحتيال والسرقة والتزوير. كما أن هناك احتمال أنه لم ينتحر وإنما تم اغتياله على يد الموساد. 

ومن أهم الفضائح التي تورطت فيها شخصيات يهودية، الفضيحة الخاصة بمصحات وبيوت المسنين في الولايات المتحدة، وهي فضيحة لم تقتصر فقط على التورط في أعمال التزوير والاحتيال على السلطات الحكومية، بل تضمنت أيضاً إساءة معاملة نزلاء هذه المصحات والبيوت من المسنين. وكان أهم المتورطين في هذه الفضيحة برنارد بيرجمان الذي أُطلق عليه لقب «ملك بيوت المسنين»، حيث كان يتمتع بسيطرة شبه احتكارية على هذا القطاع وهو قطاع احتل فيه اليهود الأمريكيون النسبة الأكبر من العاملين. وقد وُلد بيرجمان في المجر وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1929. وتخرَّج هناك في جامعة يشيفا ليصبح حاخاماً أرثوذكسياً، إلا أنه ترك العمل الديني واتجه نحو الأعمال التجارية ودخل قطاع ملاجئ ومصحات المسنين وهو قطاع يتمتع بهامش ربح عالي في الولايات المتحدة. ونظراً لأن الدولة كانت تتحمل النسبة الأكبر من نفقات رعاية المسنين في إطار البرامج الحكومية المخصصة، لجأ بيرجمان إلى تعظيم أرباحه من خلال تضخيم كشوف نفقات هذه الملاجئ والمصحات المقدمة إلى الجهات الحكومية المعنية. وقد تبين من التحقيقات اللاحقة مدى حجم الإهمال والأوضاع المتردية والمعاملة اللا إنسانية التي تلقاها النزلاء المسنون وهو ما أكد وصف بيرجمان بأنه « يهودي يتولى إدارة معسكر اعتقال » (وهي إشارة إلى معسكرات الاعتقال النازية التي تعرَّض فيها اليهود للإبادة). 

ومما يُذكَر أن بيرجمان، شأنه شأن بويسكي، كان من كبار المساهمين في الأنشطة الصهيونية والأنشطة « الخيرية » اليهودية. وقد حرص بيرجمان على إقامة علاقات وثيقة بشخصيات سياسية أمريكية واسـتغلال هذه العلاقـات لتمرير بعض مشـاريعه أو التغاضي عن تجاوزاته، كما أنه لم يتردد في اتهام الهيئات أو الجهات المختصة التي عارضت مشاريعه بأنها معادية لليهود، وذلك في الوقت الذي كان يقوم فيه باستنزاف المسنين من اليهود وغير اليهود وإهدار آدميتهم تحت عباءة اليهودية. وقد بدأ التحقيق مع بيرجمان عام 1974 حيث أُدين بتهم الاحتيال والنصب على البرنامج الأمريكي للرعاية الصحية وبتهم الرشوة والتهرب الضريبي. وحُكم عليه بالسجن لمدة عام وأربعة أشهر وبغرامة كبيرة. 

وإذا كان ميراث الجماعات اليهودية (باعتبارها جماعات وظيفية وسيطة داخل التشكيل الرأسمالي تعمل وتتركز في قطاعات التجارة والخدمات المالية والسمسرة) يفسر إلى حدٍّ كبير بروزهم في كثير من الفضائح المالية، فإن هذه الجرائم والانحرافات المهنية ذاتها هي جرائم وانحرافات شائعة في المجتمعات الرأسمالية، بين اليهود وغير اليهود، وانعكاس مباشر لآليات هذه المجتمعات التي تحكمها اعتبارات القوة والمال ويسودها الصراع والتنافس الشديدان وتَكثُر بها الثغرات التي يمكن استغلالها والتحايل من خلالها على القوانين والتشريعات لتحقيق المكسب والربح. ويجب ملاحظة أن جرائم الغش التجاري التي يرتكبها أعضاء الجماعات اليهودية لا يمكن تفسيرها بأنها جزء من المؤامرة اليهودية الأزلية لإفساد أخلاق الأغيار، فكثير من ضحايا جرائم الغش التجاري التي يرتكبها اليهود من اليهود (كما هو الحال في حالة جرافيير وبيرجمان)، فالغش التجاري في عصر الرأسمالية الرشيدة يتسم بالرشد وبعدم التمييز بين البشر على أساس الدين أو اللون أو الجنس، فهو غش مجرد لا شخصي، تماماً مثل رأس المال المجرد.

تهريب البضائع وأعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة 
Smuggling and the Jewish Communities in the U.S.A. 

يوليسيس جرانت (1822 ـ 1885) هو قائد الجيش الأمريكي الشمالي ضد الجنوب خلال الحرب الأهلية الأمريكية، والرئيس الثامن عشر للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين عامي 1869 و1877. أصدر عام 1862، خلال الحرب الأهلية، الأمر رقم 11 بشأن طرد أعضاء الجماعة اليهودية خلال أربع وعشرين ساعة من جميع المناطق الخاضعة لسلطاته العسكرية. ويُعتبَر هذا الأمر هو الوحيد من نوعه في التاريخ الأمريكي الذي شمل أعضاء الجماعة اليهودية على هذا النحو السلبي. وكان السبب الرئيسي وراء هذا الأمر هو تَورُّط بعض أعضاء الجماعة اليهودية في عمليات التهريب التي كانت جارية بشكل مكثف عبر الخطوط العسكرية بين قوات الشمال وقوات الجنوب. وقد كانت حكومتا الشمال والجنوب تتغاضيان إلى حدٍّ ما عن عمليات التهريب حيث كانتا تسدان من خلالها بعض احتياجاتهما، كما كان بعض ضباط الجيشين متورطين في هذه العمليات. إلا أن تزايد حجمها واتساع نطاقها أدَّى إلى إصدار هذا الأمر. ورغم أن كثيراً من الأدبيات اليهودية تفسر أمر جرانت هذا بأنه شكل من أشكال معاداة اليهود، وأنه أصدره استناداً إلى معلومات خاطئة زوَّده بها بعض التجار من غير اليهود الذين كانوا يقومون بعمليات تهريب (وكان متورطاً معهم فيها بعض ضباط الجيش)، إلا أن الدلائل تشير إلى أن أعضاء الجماعـة اليهودية كانوا بالفعل مُمثَّلين بشكل مـتزايد في عمليات التهريب، وربما كانوا يلعبون دوراً رئيسياً فيها. ويمكن فهم هذا الوضع في إطار إدراكنا لميراث الجماعة اليهودية كجماعة وظيفية وسيطة تتميَّز بخبراتها الواسعة في مجال التجارة ولا تتقيد بانتماءات أو ولاءات خارج إطار الجماعة نفسها. ومما يدل على هذا التورط المتزايد لأعضاء الجماعة اليهودية في التهريب ما عبَّر عنه بعض الحاخامات الأمريكيين في تلك الفترة من قلق وتخوف بالغ إزاء اشتراك أعضاء الجماعة في نشاط التهريب والذي اعتبروه (على حد قول الحاخام يعقوب بريز) تدنيساً لاسم الرب. وقد أشار هذا الحاخام في رسالة له لإسحق ليسر إلى أن أكثر من عشرين يهودياً كانوا في سجون مدينة ممفيس بتهمة التهريب. وقال إسحق ليسر نفسه في مقال له رداً على الأمر "إن جموع المغامرين الباحثين عن الربح والخسارة يحومون حول البلاد بطولها وعرضها، كما أن بعضهم من اليهود الذين يتظاهرون بأنهم يهود صالحون في حين أنهم ليسوا كذلك". كما قال ديفيد أينهورن: "إن على اليهود استئصال هذه الجرائم من بينهم لأنها لا تجلب سوى العار على الجماعة اليهودية بأكملها". كما يقول آرثر هرتزبرج في كتابه يهود أمريكا "ليس هناك مجال للشك في أن بعض الثروات اليهودية.. تعود جذورها إلى الأرباح التي تحققت عن طريق عمليات التهريب خلال الحرب الأهلية الأمريكية". 

ومن ثم لا يمكن اتهام جرانت بمعاداة اليهود، وذلك باعتراف بعض اليهود أنفسهم حيث لم يبد جرانت، قبل هذا الحادث أو بعده، أي عداء تجاه أعضاء الجماعة اليهودية، بل عمل على تعيين يهود في مراكز مرموقة خلال فترة رئاسته. كما أن الجدل الذي أُثير داخل الكونجرس الأمريكي حول هذا الأمر، انتهى برفض مشروع قرار بإلغاء الأمر، وكان قوامه الخلافات الحزبية، وهو ما يعني أن الاعتبارات الرئيسية كانت اعتبارات سياسية واعتبارات تتصل بمصالح الشمال في حربه مع الجنوب. وقد ألغى الرئيس لنكولن القرار، في نهاية الأمر، بعد الاحتجاجات الواسعة النطاق التي أثارها أعضاء الجماعة اليهودية ومن بينهم بعض المقرَّبين منه والمؤيدين له. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية    الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  Emptyالإثنين 25 نوفمبر 2013, 10:46 pm

فضيحــة قنــاة بنـــما 
Panama Canal Scandal 

من أكبر الفضائح المالية والسياسية التي هزت المجتمع الفرنسي في أواخر القرن التاسع عشر. وهي فضيحة خاصة بانهيار شركة قناة بنما الفرنسية وما تكشَّف في أعقاب ذلك من تجاوزات وفساد مالي وسياسي. وقد تورط في هذه الفضيحة ثلاث شخصيات من أعضاء الجماعات اليهودية هم: البارون جاك دي رايناخ (مصرفي ومالي من أصل ألماني والوكيل المالي للشركة)، وكورنيليوس هرتز (طبيب أمريكي)، وليوبولد إميل أرتون (مغامر فرنسي). وترجع بدايات الفضيحة إلى عام 1888، حينما واجهت شركة قناة بنما أزمة مالية حادة نتيجة جملة من العوامل الطبيعية والمشاكل الفنية وسوء الإدارة التي صاحبت عملية شق القناة. وكان المخرج الوحيد أمام الشركة هو طرح سندات يانصيب لجمع الأموال اللازمة. ولكن ذلك كان يستلزم الحصول على موافقة البرلمان الفرنسي في حين كانت بعض الدوائر تؤكد أن وضع الشركة والمشروع أصبح ميئوساً منه وأن طرح سندات اليانصيب لن يجدي فتيلاً. ولذلك، لجأت الشركة إلى رشوة بعض أعضاء البرلمان الفرنسي الذين صوتوا بالفعل لصالح مشروع اليانصيب. وكان أداة الشركة في هذه العملية هو وكيلها المالي البارون جاك دي رايناخ. وكان رايناخ، الألماني الأصل، قد أقام مؤسسة مصرفية ومالية في فرنسا باسم «كون ورايناخ وشركاهما». وجمع ليوبولد ثروته من خلال المضاربة في السكك الحديدية الفرنسية وبيع الإمدادات العسكرية للحكومة الفرنسية. ويبدو أن بعض عملياته قد أحاطتها الشبهات وإن لم يتأكد أبداً أنه ارتكب أية انحرافات. وكانت مهمة رايناخ إقامة لوبي (جماعة ضغط) مؤيدة للشركة في الأوساط البرلمانية والسياسية والصحفية وتَلقَّى من الشركة ملايين الفرنكات لدفع الرشاوى وشراء الأصدقاء. 

وقد قام رايناخ باستخدام ليوبولد إميل أرتون (1849 ـ 1905) ليقوم بتوزيع مليون فرنك على أعضاء البرلمان الفرنسي. والمعروف أن أرتون مغامر فرنسي وُلد لعائلة يهودية ألزاسية وعاش طفولة تعسة في فرانكفورت ثم انتقل إلى البرازيل حيث اعتنق الكاثوليكية وغيَّر اسمه من أرون إلى أرتون، وفي عام 1882 عاد إلى فرنسا والتحق بشركة الديناميت التي كانت مشاركة في عمليات شق قناة بنما. وبعد تَفجُّر فضيحة قناة بنما، فرّ أرتون من البلاد بعد أن اختلس مبلغ 4.6مليون فرنك من شركة الديناميت. أما كورنيليوس هرتز (1845 ـ 1898)، فقد أبرم اتفاقاً سرياً مع قناة بنما استلم بموجبه 600 ألف فرنك مقابل استخدام نفوذه وعلاقاته لدى بعض الشخصيات السياسية الفرنسية المهمة لصالح الشركة. كما نص الاتفاق على أن يتسلم هرتز مبلغ عشرة ملايين فرنك فور إقرار مشروع اليانصيب في البرلمان على أن تتم عمليات الدفع كلها عن طريق رايناخ. وقد كانت شخصية هرتز شخصية مثيرة للريبة والتكهنات، فقد وُلد في فرنسا لأبوين ألمانيين ثم هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة. 

وعاد هرتز في شبابه إلى فرنسا لدراسة الطب، وانضم كمساعد جراح في الجيش الفرنسي أثناء الحرب الفرنسية البروسية في نيويورك ولكنه ترك الجيش بعد ثلاثة أشهر بعد أن اكتشف المسئولون في المستشفى العسكري أنه لم يتخرج من أية جامعة في فرنسا ولم يحصل على شهادة إتمام دراسة الطب. وقد انتقل هرتز بعد ذلك إلى سان فرانسيسكو حيث افتتح عيادة طبية، ولكنه سافر عام 1877 بشكل مفاجئ مع أسرته إلى فرنسا وتبين فيما بعد أنه احتال على بعـض مرضـاه وزملائه من الأطباء وأخذ منهم حـوالي 140 ألف دولار. وفي باريس، استثمر أمواله بمساعدة رايناخ في بعض المشاريع، وبدأ في بناء شبكة واسعة من العلاقات مع العديد من الشخصيات الفرنسية المهمة من بينها رئيس الدولة ورئيس الوزراء وجورج كليمنصو الذي ساهم هرتز في تأسيس وتمويل جريدته. وقد اتُهم هرتز بأنه كان عميلاً لبريطانيا، لكن ذلك لم يتأكد قط. وقد رفضت الشركة أن تدفع له العشرة ملايين فرنك عقب تصويت البرلمان الفرنسي لصالح مشروع اليانصيب، بدعوى أن هرتز لم يلعب في ذلك دوراً يُذكَر. إلا أن هرتز نجح في أن يستنزف من الشركة ملايين الفرنكات من خلال ابتزاز رايناخ الذي يبدو أن هرتز كان على علم ببعض الأسرار المشينة في حياته ومنها ما قيل من أنه باع أسرار الدولة الفرنسية إلى إيطاليا أو بريطانيا. وبرغم موافقة البرلمان على مشروع اليانصيب، فشل هذا المشروع عند طرحه في جمع الأموال اللازمة، وهو ما ساعد في نهاية الأمر على سقوط الشركة وتصفيتها عام 1889. وكان انهيار الشركة أكبر سقوط مالي في فرنسا حتى ذلك الحين، حيث أدَّى إلى ضياع أموال أكثر من 800 ألف من المواطنين الفرنسيين من المساهمين في الشركة. 

ولم تتفجر فضيحـة قناة بنمـا إلا بعد سـقوط الشـركة بثلاث سنوات، حينما نشرت صحيفة لا ليبر بارول التي أسسها إدوارد درومون المعادي لليهود سلسلة من المقالات تحت عنوان « أسرار بنما» ادعى فيها كشف النقاب عن « المؤامرة اليهودية » وراء كارثة بنما واتهم رايناخ بالتورط في رشوة أعضاء البرلمان الفرنسي. وقد كان درومون أشد أعداء الرأسمالية المالية حيث اعتبرها « مرض فرنسا الحديثة وسبب مشاكلها ». ونظراً لارتباط أعضاء الجماعات اليهودية بالقطاع المالي والمصرفي بشكل وثيق، أصبح اليهود هدف هجومه اللاذع، حيث حمَّل « النظام الرأسمالي اليهودي » كثيراً من المشاكل التي تواجهها فرنسا الحديثة ومن ذلك كارثة بنما. وكان من مفاجآت التحقيقات اللاحقة اكتشاف أن رايناخ (محور المؤامرة اليهودية) كان هو نفسه مصدر معلومات درومون، حيث تبين أنه في أعقاب تفجير القضية على صفحات الجريدة أبرم رايناخ اتفاقاً مع درومون يقضي بإخراج اسمه من موضوعات الصحيفة مقابل قيام رايناخ بتوفير جميع المعلومات المتصلة بالقضية وبتجاوزات الشركة. ومما يذكر أن الحملة التي أثارتها صحيفة درومون وغيرها من الصحف الفرنسية ضد شركة بنما كانت تتم في إطار الصراع السياسي القائم آنذاك بين القوى اليمينية والملكية من جهة والقوى الاشتراكية والنظام الجمهوري من جهة أخرى، خصوصاً أن كثيراً من رجال السياسة والدولة كانوا متورطين في الفضيحة بشكل أو بآخر. 

وقد تُوفي رايناخ في نوفمبر 1892 بشكل مفاجئ مع بداية التحقيقات في القضية، وأُثيرت تكهنات حول مسألة وفاته حيث قيل إنه انتحر أو قُتل. أما هرتز، فقد فرّ من البلاد إلى لندن حيث ظل فيها حتى وافته المنية وقد حُكم عليه غيابياً بالسجن لمدة خمس سنوات، بينما ظل أرتون هارباً إلى أن تم إلقاء القبض عليه عام 1895. ثم تُوفي منتحراً عام 1905. ومن العسير فهم فضيحة قناة بنما إلا في إطار حركيات الرأسمالية الفرنسية والنخبة الحاكمة الفرنسية والعلاقة بينهما في أواخر القرن التاسع عشر. وتُبيِّن أحداث الفضيحة وطأة الاستغلال الواقع على كلٍّ من جماهير الشعب الفرنسي وأعضاء الطبقة الوسطى. ومع هذا، تحولت الفضيحة إلى قرينة أخرى على المؤامرة اليهودية الأزلية، وأصبحت من أهـم الأحداث التي يشـير إليهـا المعادون لليهود في أدبياتهم. وقد ساعدهم في ذلك أن أبطال الفضيحة كلهم من أعضاء الجماعات اليهودية، اثنان منهم فرنسيان من أصل ألماني والثالث فرنسي هاجر إلى أمريكا، وإن كان من العسير الحديث عن شبكة يهودية عالمية تشمل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ينبع غشهم التجاري من يهوديتهم أم من وجودهم داخل مجتمعات فاسدة مستغلة تساعد الإمكانيات الفساد داخل الإنسان على التحقق؟ 

صمـويل صـنبـال (؟ -1782) 
Samuel Sunbal 

دبلوماسي مغربي يهودي عمل بالتجارة وحقق أرباحاً فيها. ثم دخل في خدمة السلطان المغربي مترجماً ومستشاراً للسلطان، وقام بتمثيل المغرب في جميع المفاوضات مع الدول الأوربية. ونظراً لأهمية مركزه، حرصت الحكومة الإسبانية على منحه علاوة سنوية إدراكاً منها أنه قد يصبح عنصراً نافعاً لها ولمصالحها. وقد أُرسل عام 1751 كسفير للمغرب في الدنمارك للقيام بمهمة خاصة. وكانت لصنبال مكانة متميِّزة داخل الجماعة اليهودية في المغرب، حيث كان يُنظَر إليه باعتباره رئيس اليهود (النجيد). وفي عام 1780، وُجِّهت له اتهامات بتهريب العملة إلى خارج البلاد وسُجن، ولكنه نجح في الفرار إلى جبل طارق حيث اشترك في توفير الإمدادات للقلعة التي كانت واقعة تحت الحصار آنذاك، ثم عاد فيما بعد إلى المغرب حيث تُوفي في طنجة. 

أما ابنه يوسف حاييم صنبال، فقد نجح في تأكيد الحقوق والمطالب المالية لوالده في الدنمارك. وكان يتميَّز بشخصية غير عادية. وفي عام 1787، دعا إلى دين جديد يوفق بين المعتقدات الدينية المتعارضة. وقد استقر يوسف في لندن بعد ذلك حيث عُيِّن عام 1794 سفيراً للمغرب في إنجلترا. وفي عام 1797، تزوج يوسف من ممثلة وصحفية مشهورة اعتنقت اليهودية كما قامت بعد اقترانهما بتسجيل الجوانب المثيرة لحياتها في سيرتها الذاتية. وقد استقر صنبال في نهاية المطاف في هامبورج حيث تُوفي عام 1804. ولا يمكن تفسير سلوك صنبال في إطار يهوديته وإنما يمكن تفسـيرها في إطار وظيفيته التي جعلته غـير متجـذر في أي مكان أو زمان. ويظهر هذا في سيرة ابنه ودعوته إلى الدين الجديد. 

موســـى أننبـــرج (1878-1942)
Moses Annenberg 

مليونير أمريكي يهودي بدأ حياته بائع جرائد، ثم تدرَّج داخل شبكة توزيع الصحف لمؤسسة هيرش الصحفية، ولجأ في كثير من الأحيان إلى استخدام أساليب البلطجة ضد موزعي الصحف المنافسة. وقد نجح أننبرج في دخول مجال النشر الصحفي واشترى عام 1936 جريدة فلادلفيا إنكوايرر وهي أقدم جريدة يومية في الولايات المتحدة. وفي عام 1939، اتُهم أننبرج مع ابنه وولتر (1908ـ ) بالتهرب من الضرائب. ودخل الأب السجن بعد أن اعترف بالتهمة مقابل إسقاط التهم الموجهة ضد ابنه، واعتُبر بذلك أكبر متهرب من الضرائب في التاريخ الأمريكي. وقد تولى ابنه وولتر رئاسة مؤسسة تراينجل للنشر عام 1942. وأضاف إلى المؤسسة جريدة ديلي نيوز و6 محطات إذاعة وتليفزيون ومجلتين إحداهما مجلة دليل التليفزيون (تي. في. جايد) وهي أكثر المجلات توزيعاً في العالم وأكثرها ربحاً في الولايات المتحدة. وفي عام 1969، باع وولتر جريدتي فلادلفيا إنكوايرر وديلي نيوز. وتقدر قيمة مؤسسة تراينجل بحوالي 1.6 بليون دولار، ويمتلكها وولتر وشقيقاته الخمس. 

وقد اهتم وولتر بالإنفاق الضخم على المشاريع والأنشطة الخيرية من خلال مؤسسة موسى أننبرج. ويُقال إن هذا الاهتمام يرجع في الأساس إلى محاولة وولتر إزالة ما لحق بسمعة العائلة من غبار بعد قضية أبيه. كما اهتم وولتر بدعم إسرائيل حيث قدَّم لها بعد حرب 1967 منحة قدرها مليون دولار. وقد عيَّنه الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1969 سـفيراً للولايات المتحدة لدى بريطانيا. وظلت تربطهما علاقة صداقة، كما كان مقرباً من الرئيس الأمريكي السابق ريجان. 

لســتر كـراون (1925 - ؟) 
Lester Crown 

مليونير أمريكي يهودي ينتمي إلى عائلة كراون الأمريكية اليهودية الثرية. وأبوه هو هنري كراون الذي وُلد لأسرة من المهاجرين من يهود اليديشية، وعمل في عدة مؤسسات تجارية وصناعية حتى أصبـح عـام 1921 مـديراً لشــركة ماتيريــل سـيرفس ثم رئيساً لمجلس إدارتها. وبعد الحرب العالمية الثانية، عمل هنري كراون مديراً لعدة مؤسسات كبيرة من أهمها شركة جنرال داينامكس التي تُعَدُّ أكبر شركة مقاولات أمريكية تعمل في مجال الدفاع. ويمتلك هنري كراون مع ابنه لستر حوالي 23% من هذه الشركة، وتُقدر ثروتهما بحوالي 1.1 بليون دولار. وفي السنة نفسها، تورَّط لستر كراون عام 1974 في فضيحة رشوة. وفي عام 1985، اتجهت وزارة الدفاع الأمريكية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب التصريح الأمني الخاص به بسبب إخفائه عنها تورطه في الرشوة. وقد تعرضت شركة جنرال داينامكس لعدد من قضايا وفضائح الفساد. ومما يجدر ذكره، أن شركة جنرال داينامكس ترتبط بإسرائيل من خلال علاقة التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مجال الصناعات العسكرية الإسرائيلية. وفي عام 1986، خلعت إسرائيل على لستر كراون لقب «زميل شرفي للقدس» بعد أن تبرع بمبلغ غير معروف من أجل إقامة مركز ثقافي ضخم بالمدينة. 

إيفان بويسكي (1917 - ؟)
Ivan Boesky 

أحد أهم رجال المال اليهود في الولايات المتحدة. وهو ابن مهاجر يهـودي من روسـيا درس القانون في جامعـة ديترويت. بـدأ بويسـكي يتاجـر في الأسـهم في وول ستريت ابتداءً من عام 1966، ثم تخصـص في عمليات المضاربة على أسهم الشركات التي توشـك على التـوسع أو الاندماج مع شركات أخرى أو توشك أن تستولي عليها إحدى الشركات الأخرى. وعادةً ما ترتفع أسعار أســهم هـذه الشركات عـند إعـلان نوايا التوسع أو الدمج أو الاستيلاء. ويُعَدُّ بويسكي من أهم الشخصيات في المؤسسة الصهيونية واليهودية في الولايات المتحدة، وكان يتبرع بالملايين للحركة الصهيونية والمؤسسات اليهودية؛ فقد ساهم بمليوني دولار للكلية اللاهوتية اليهودية من أجل تأسيس مكتبة بويسكي فيها، كما كان نشيطاً جداً في النداء اليهودي الموحَّد. وكان مارتن بيريتز، صاحب مجلة النيو ربابليك ذات الاتجاه الصهيوني، من كبار المستثمرين لديه. وقد اكتُشف عام 1986 أنه كان يستغل مهنته التي يفترض فيها الحياد والأمانة الشديدان، فكان يعقد الصفقات بشراء وبيع أسهم الشركات بناءً على ما يرده من معلومات قبل أن تُعلَن للجمهور ويحقق أرباحاً طائلة نتيجةً لذلك، وهي فضيحة من أخطر الفضائح، فقُبض عليه وحُكم عليه بالسجن وبدفع غرامة ضخمة.


الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الخامس: مسألة الحدودية والهامشية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: