سورة الشعراء
{طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {3} إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ {4} وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ {5} فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون {6} أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ {7} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9}}
شرح الكلمات:
{ طسم } : الله أعلم بمراده بذلك.
{ الكتاب المبين } : أي القرآن المبين للحق من الباطل.
{ باخع نفسك } : أي قاتلها من الغم.
{ ألا يكونوا مؤمنين } : أي من أجل عدم إيمانهم بك.
{ آية } : أي نخوفهم بها.
{ من ذكر } : أي من قرآن.
{ معرضين } : أي غير ملتفتين إليه.
{ زوج كريم } : أي صنف حسن.
{ العزيز } : الغالب على أمره ومراده.
{ الرحيم } : بالمؤمنين من عباده.
معنى الآيات:
طسم هذه أحد الحروف المقطعة تكتب طسم، وتقرأ طا سين ميم بإدغام النون من سين في الميم الأولى من ميم والله أعلم بمراده منها، وفيها إشارة إلى أن القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف وعجز العرب عن تأليف مثله بل سورة واحدة من مثله دال قطعاً على أنه كلام الله ووحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله { تلك آيات الكتاب } أي الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات الكتاب أي القرآن { المبين } أي المبين للحق من الباطل والهدى من الضلال، والشرائع والأحكام. وقوله تعالى { لعلك باخع نفسك } أي قاتلها ومهلكها { ألا يكونوا مؤمنين } أي إن لم يؤمن بك وبما جئت به قومك، فأشفق على نفسك يا رسولنا ولا تعرضها للغم القاتل فإنه ليس عليك هدايتهم وإنما عليك البلاغ وقد بلغت، إنا لو أردنا هدايتهم بالقسر والقهر لما عجزنا عن ذلك { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } أي إنا لقادرون على أن ننزل عليهم من السماء آية كرفع جبل أو إنزال كوكب أو رؤية ملك فظلت أي فتظل طوال النهار أعناقهم خاضعة، تحتها تتوقع فى كل لحظة نزولها عليهم فتهلكهم فيؤمنوا حينئذ إيمان قسر وإكراه ومثله لا ينفع صاحبه فلا يزكي نفسه ولا يطهر روحه لأنه غير إرادي له ولا اختياري.
وقوله تعالى { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث } أي وما يأتي قومك المكذبين لك من موعظة قرآنية وحجج وبراهين تنزيلية تدل على صدقك وصحة دعوتك ممًّا يحدثه الله إليك ويوحي به إليك لتذكرهم به إلا أعرضوا فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.
وقوله تعالى: { فقد كذبوا به } يخبر تعالى رسوله بأن قومه قد كذبوا بما أتاهم من ربهم من ذكر محدث وعليه { فسيأتيهم أنباء } أي أخبار { ما كانوا به يستهزئون } وهو عذاب الله تعاغلى الذي كذبوا برسوله ووحيه وجحدوا وأنكروا طاعته وفي الآية وعيد شديد وهم عرضة له في أية لحظة إن لم يتوبوا.
وقوله تعالى { أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فهيا من كل زوج كريم } إن كانت علة هذا التكذيب من هؤلاء المشركين هي إنكارهم للبعث والجزاء وهو كذلك فلم لا ينظرون إلى الأرض الميتة بالقحط بنزل الله تعالى عليها ماء من السماء فتحيا به بعد موتها فينبت الله فيها من كل زوج أي صنف من أصناف النباتات كريم أي حسن.
أليس في ذلك آية على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم وحشرهم للحساب والجزاء، فلم لا ينظرون؟ { إن في ذلك لآية } أي علامة واضحة للمشركين على صحة البعث والجزاء.
ففي إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم.
وقوله تعالى { وما كان أكثرهم مؤمنين } يخبر تعالى أنَّ فيما ذكر من إنباته أصناف النباتات الحسنة آية على البعث والحياة الثانية ولكن قضى الله أزلاً أن أكثر هؤلاء المشركين لا يؤمنون وقوله { وإن ربك لهو العزيز الرحيم } يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وإن ربك لهو العزيز } وواصل دعوتك في غير غم ولا هم ولا حزن وإن العاقبة لك وللمؤمنين بك المتبعين لك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان أن القرآن الكريم معجز لأنه مؤلف من مثل طا سين ميم ولم يستطع أحد أن يؤلف مثله.
2- بيان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يناله من الغم والحزن وتكذيب قومه له.
3- بيان أن إيمان المكره لا ينفعه، ولذا لم يكره الله تعالى الكفار على الإيمان بواسطة الآيات.
4- التحذير من عاقبة التكذيب بآيات الله وعدم الاكتراث بها.
5- في إحياء الأرض بالماء وإنبات النباتات المختلفة فيها دليل على البعث الآخر.
{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ {11} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ {12} وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ {13} وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ {14} قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ {15} فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {16} أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ {17}}
شرح الكلمات:
{ وإذ نادى ربك } : أي اذكر لقومك يا رسولنا إذ نادى ربك موسى.
{ إن ايت } : أي بأن ائت القوم الظالمين.
{ ألا يتقون } : ألا يخافون الله ربهم ورب آبائهم الأولين منا لهم ما دهاهم؟
{ ويضيق صدري } : أي من تكذيبهم لي.
{ ولا ينطلق لساني } : أي للعقدة التي به.
{ فأرسل إلى هرون } : أي إلى أخي هرون ليكون معي في أبلاغ رسالتي.
{ ولهم على ذنب } : أي ذنب القبطي الذي قتله موسى قبل خروجه إلى مدين.
{ قال كلا } : أي قال الله تعالى له كلا أي لا يقتلونك.
{ فاذهبا } : أنت وهرون.
{ إنا رسول رب العالمين } : أي إليك.
معنى الآيات:
قوله تعالى { وإذ نادى ربك موسى } هذا بداية سلسة من القصص بدئت بقصة موسى وختمت بقصة شعيب وقصها على المشركين ليشاهدوا أحداثها ويعرفوا نتائجها وهي دمار المكذبين وهلاكهم مهما كانت قوتهم وطالت أعمارهم قال تعالى في خطاب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وإذ نادى ربك موسى } أي اذكر إذ نادى ربك موسى في ليلة باردة شاتية بالواد الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة { أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون } إذ ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك وظلموا بني إسرائيل باضطهادهم وتعذيبهم { ألا يتقون } أي قل لهم ألا تتقون أي يأمرهم بتقوى ربهم بالإيمان به وأدعوهم إليه, { ويضيق صدري } فالاستفهام معناه الأمر.
وقوله تعالى { قال رب إني أخاف أن يكذبون } أي قال موسى بعد تكليفه رب إني أخاف أن يكذبون فيما أخبرهم به وأدعوهم إليه، { ويضيق صدري } لذلك { ولا ينطلق لساني } للعقدة التي به، وعليه { فأرسل إلى هرون } أي جبريل يبلغه أن يكون معي معيناً لي على إبلاغ رسالتي، وقوله { ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون } هذا قول موسى عليه السلام لربه تعالى شكا إليه خوفه من قتلهم له بالنفس التي قتلها أيام كان بمصر قبل خروجه إلى مدين فأجابه الرب تعالى { كلا } أي لن يقتلوك.
وأمرهما بالسير إلى فرعون فقال { فاذهبا بآياتنا } وهي العصا واليد { إنا معكم مستمعون } أي فبلغاه ما أمرتكما ببلاغه وإنا معكم مستمعون لما تقولان ولما يقال لكما منه مفادها أن ترسل معنا بني إسرائيل لنخرج بهم إلى أرض الشام التي وعد الله بها بني إسرائيل هذا ما قاله موسى وهرون رسولاً رب العالمين أما جواب فرعون ففي الآيات التالية.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- إثبات صفة الكلام لله تعالى بندائه موسى عليه السلام.
2- لا بأس بإبداء التخوف عند الإقدام على الأمر الصعب ولا يقدح فى الإيمان ولا في التوكل.
3- مشروعية طلب العون والمساعدة من المسؤلين إذا كلفوا المرء بما يصعب.
{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ {18} وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ {19} قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ {20} فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ {21} وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ {22}}
شرح الكلمات:
{ قال } : أي قال فرعون رداً على كلام موسى في السياق السابق.
{ ألم نريك فينا وليداً } : أي في منازلنا وليداً أي صغيراً قريباً من أيام الولادة.
{ ولبثت فينا من عمرك سنين } : أي أقمت بيننا قرابة ثلاثين سنة وكان موسى يفرعون لجهل الناس به ورؤيتهم له في قصره يلبس ملابسه ويركب مراكبه.
{ وفعلت فعلتك التي فعلت } : أي قتلت الرجل القبطي.
{ وأنت من الكافرين } : أي الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد.
{ وأنا من الضالين } : إذ لم يكن عندي يومئذ لبني إسرائيل يعد نعمة فتمن بها علي؟
معنى الآيات:
ما زال السياق والحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن فرد فرعون على موسى بما أخبر تعالى به عنه في قوله { قال ألم نر بك فينا وليداً } أي أتذكر معترفاً أنا ربيناك وليداً أي صغيراً وأنت في حال الرضاع { ولبثت فينا } أي في قصرنا مع الأسرة المالكة { سنين } ثلاثين سنة قضيتها من عمرك في ديارنا { وفعلت فعلتك } أي الشنعاء { التي فعلت } وهي قتل موسى القبطي { وأنت من الكافرين } أي لنعمنا عليك الحاجد بها، كان هذا رج فرعون فلنستمع إلى رد موسى عليه السلام كما أخبر به الله تعالى عنه في قوله: { قال فعلتها إذاً } أي يومئذ { وأنا من الضالين } أي الجاهلين لأنه لم يكن قد علمنى ربي ما علمنى الآن وما أوحى إلي ولا أرسلني إليكم رسولاً { ففرت منكم لما خفتكم } من أجل قتلي النفس التي قتلت وأنا من الجاهلين { فوهب لي ربي حكماً } أي علماً نافعاً يحكمني دون فعل ما لا ينبغي فعله { وجعلني من المرسلين } أي من أنبيائه ورسله إلى خلقه ثم قال له رداً على ما أمتن به فرعون بقوله { ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين } فقال { وتلك نعمة } أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي { أن عبدت بني إسرائيل } أي استعبدتهم أي اتخذتهم عيبداً لك يخدمونك تستملهم كما تشاء كالعبيد لك ولم تستعبدني أنا لاتخاذك إياي ولداً حسب زعمك فأين النعمة التي تمنها علي يا فرعون، نترك رد فرعون إلى الآيات التالية.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- قبح جريمة القتل عند كافة الناس مؤمنهم وكافرهم وهو أمر فطري.
2- جوار التذكير بالإحسان لمن أنكره ولكن لا على سبيل الامتنان فإنه محبط للعمل.
3- جواز إطلاق لفظ الضلال على الجهل كما قال تعالى: { ووجدك ضالأً }
كم قال موسى { وأنا من الضالين } أي الجاهلين قبل أن يعلمني ربي.
4- مشروعية الفرار من الخوف إذا لم يكن في البلد قضاء عادل، وإلا لما جاز الهرب من وجه العدالة.
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ {24} قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ {25} قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ {26} قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ {27} قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {28} قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {29} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ {30} قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ {31}}
شرح الكلمات:
{ وما رب العالمين } : أي الذي قلت إنك لرسوله من أي جنس هو؟
{ رب السموات والأرض وما بينهما } : أي خالق ومالك السموات والأرض ما بينهما.
{ إن كنتم موقنين } : بأن السموات والأرض وما بينهما من سائر المخلوقات مخلوقة قائمة فخالقها ومالكها هو رب العالمين.
{ لمن حوله } :أي من أشراف قومه ورجال دولته.
{ ألا تستمعون } : أي جوابه الذي لم يطابق السؤال في نظره.
{ أو لو جئتك بشيء مبين } : أي أتسجنني ولو جئتك ببرهان وحجة على رسالتي.
{ فأت به إن كنت من الصادقين } :أي فأت بهذا الشيء إن كنت من الصادقين فيما تقول.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لما قال موسى { إني رسول رب العالمين } في أول الحوار قال فرعون مستفسراً في عناد ومكابرة { وما رب العالمين }؟ أي أيُّ شيء هو أو من أي جنس من أجناس المخلوقات فأجابه موسى بما أخبر تعالى به عنه { قال رب السموات والأرض وما بينهما } أي خالق السموات والأرض وخالق ما بينهما.
ومالك ذلك كله، إن كنتم موقنين بأن كل مخلوق لا بد له من خالق خلقه، وهو أمر لا تنكره العقول. وهنا قال فرعون في استخفاف وكبرياء لمن حوله من رجال دولته وأشراف قومه: { ألا تستمعون } كأن ما قاله موسى أمر عجب أو مستنكر فعرف موسى ذلك فقال { ربكم ورب آبائكم الأولين } أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الكل مربوب له خاضع لحكمه وتصرفه.
وهو اغتاظ فرعون فقال { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } أراد أن ينال من موسى لأنه أغاظه بقوله { ربكم ورب آبائكم الأولين } فرد موسى أيضاً قائلاً { رب المشرق والمغرب وما بينهما } أي رب الكون كله { إن كنتم تعقلون } أي ما تخاطبون به ويقال لكم وفي هذا الجواب ما يتقطع له قلب فرعون فلذا رد بما أخبر به تعالى عنه في قوله { قال لئن اتخذت إلهاً غيري } أي رباً سواي { لأجعلك من المسجونين } أي لأسجننك وأجعلك في قعر تحت الأرض مع المسجونين، فرد موسى عليه السلام قائلا { أولو جئتك بشيء مبين } أي أتسجنني ولو جئت بحجة بينة وبرهان ساطع على صدقي فيما قلت وأدعوكم إليه؟ وهنا قال فرعون ما أخبر به { قال فأت به إن كنت من الصادقين } أي فيما تدعي وتقول.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير الربوبية المقتضية للألوهية من طريق هذا الحوار ليسمع ذلك المشركون، وليعلموا أنهم مسبوقون بالشرك والكفر وأنهم ضالون.
2- سنة أهل الباطل أنهم يفجرون في الخصومة وفي الحديث " وإذا خاصم فجر ".
3- أهل الكبر والعلو في الأرض إذا أعيتهم الحجج لجأوا إلى التهديد والوعيد واستخدام القوة.
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ {32} وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ {33} قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ {34} يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ {35} قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ {37} فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ {38} وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ {39} لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ {40} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {42}}
شرح الكلمات:
{ ثعبان مبين } : أي ثعبان ظاهر أنه ثعبان لا شك.
{ ونزع يده } : أي أخرجها من جيبه بعد أن أدخلها فيه.
{ لساحر عليم } : أي متفوق في علم السحر.
{ أرجه وأخاه } : أي أخرّ أمرهما.
{ حاشرين } : أي جامعين للسحرة.
{ سحار عليم } : أي متفوق في الفن أكثر من موسى.
{ يوم معلوم } : هو ضحى يوم الزينة عندهم.
{ هل أنتم مجتمعون } : أي اجتمعوا كي نتبع السحرة على دينهم إن كانوا هم الغالبين.
{ وإنكم إذاً لمن المقربين } : أي لكم الأجر وهو الجعل الذي جعل لهم وزادهم مزية القرب منه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحوار الدائر بين موسى عليه لاسلام وفرعون عليه لعائن الرحمن لقد تقدم في السياق أن فرعون طالب موسى بالإتيان بالآية أي الحجة على صدق دعواه وها هو ذا موسى عليه السلام يلقي عصاه أمام فرعون وملائه فإذا هي ثعبان ظاهر لا شك فيه، وأخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين لا يشك في بياضها وأنه بياض خارق للعادة هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (32) والثانية (33) { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ,نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } واعترف فرعون بأن ما شاهده من العصا واليد أمر خارق للعادة ولكنه راوغ فقال { إن هذا } أي موسى { لساحر عليم } أي ذو خبرة بالسحر وتفوق فيه قال هذا للملأ حوله قال تعالى عنه { قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم } وقوله تعالى عنه { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } قال فرعون هذا تهيجاً للملأ ليثوروا ضد موسى عليه السلام وهذا من المكر السياسي إذ جعل القضية سياسية بحتة وأن موسى يريد الاستيلاء على الحكم والبلاد ويطرد أهلها منها بواسطة السحر، وقال لهم كالمستشير لهم { فماذا تأمرون؟ } فأشاروا عليه بما أخبر تعالى به عنهم { قالوا أرجه وأخاه } أي أخر أمرهما { وابعث في المدائن } أي مدن المملكة رجالا { حاشرين } أي جامعين { يأتوك } أيها الملك { بكل سحار عليم } أي ذو خبرة في السحر متفوقة، وفعلاً أخذ بمشورة رجاله { فجمع السحرة لميقات يوم معلوم } أي لموعد معلوم وهو ضحى يوم العيد عندهم واستحثوا الناس على الحضور من كافة أنحاء البلاد وهو ما أخبر تعالى به في قوله { قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم } فجمع السحرة لميقات يوم معلوم، وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة } فنبقى على ديننا ولا نتبع موسى وأخاه على دينهما الجديد { إن كانوا } أي السحرة { هم الغالبين } وهذا من باب الاستحثاث والتحريض على الالتفات حول فرعون وملائه. وقوله تعالى { فلما جاء السحرة } أي من كافة أنحاء البلاد قالوا لفرعون ما أخبر تعالى به عنهم { أئن لنا لأجراً } أي جعلاً إن كنا نحن الغالبين؟ } فأجابهم فرعون قائلاً { نعم وإنكم إذاً لمن المقربين } أي زيادة على الأجر مكافأة أخرى وهي أن تكونوا من المقربين لدينا، وفي هذا إغراء كبير لهم على أن يبذلوا أقصى جهدهم في الانتصار على موسى عليه السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إثبات المعجزات للأنبياء كمعجزة العصا واليد لموسى عليه السلام.
2- مشروعية استشارة الأمير رجاله في الأمور ذات البال.
3- ثبوت السحر وأنه فن من فنون المعرفة وإن كان تعلمه وتعليمه محرمين.
4- إعطاء المكافأة للفائزين في المباراة وغيرها ومن ذلك السباق في الإسلام.
{قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ {43} فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ {44} فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {45} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ {47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {48} قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {49}}
شرح الكلمات:
{ ألقوا ام أنتم ملقون } : أمرهم بالإلقاء توسلاً إلى ظهور الحق.
{ ما يأفكون } : أي ما يقلبونه بتمويههم من أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى.
{ رب موسى وهرون } : أي لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يأتي بواسطة السحر.
{ من خلاف } : أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى.
{ ولأصلبنكم أجمعين } : أي أشدنكم بعد قطع أيديكم وأرجلكم من خلاف على الأخشاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وفرعون عليه لعائن الرحمن إنه بعد إرجاء السحرة فرعون وسؤالهم له: هل لهم من أجر على مباراتهم موسى إن هم غلبوا وبعد أن طمأنهم فرعون على الأجر والجائزة قال لهم موسى { ألقوا ما أنتم ملقون } من الحبال والعصي في الميدان { فألقوا حبالهم وعصيهم } وأقسموا بعزة فرعون إنهم هم الغالبون وفعلاً انقلبت الساحة كلها حيات وثعابين حتى أوجس موسى في نفسه خيفة فأوحى إليه ربه تعالى أن ألق عصاك فألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون. هذا معنى قوله تعالى في هذا السياق { فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى مسوى عصاة فإذا هي تلقف ما يأفكون } ومعنى تلقف ما يأفكون أي تبتلع في جوفها من حيات وثعابين، وقوله تعالى { وألقي السحرة ساجدين } أي أنهم لاندهاشهم وما بهرهم من الحق ألقوا بأنفسهم على الأرض ساجدين لله تعالى مؤمنين به، فسئلوا عن حالهم تلك فقالوا { آمنا برب العالمين رب موسى وهرون } وهنا خاف فرعون تفلت الزمام من يده وأن يؤمن الناس بموسى وهرون ويكفرون به فقال للسحرة: { آمنتم به قل أن آذن لكم } بذلك أي كيف تؤمنون بدون إذني؟ على أنه يملك ذلك منهم وهي مجرد مناورة مكشوفة، ثم قال لهم { إنه } أي موسى { لكبيركم الذي علمكم السحر } أي انه لما كان استاذكم تواطأتم معه على الغلب فأظهرتم أنه غلبكم، تمويهاً وتضليلاً للجماهير.. ثم تهددهم قائلاً { فلسوف تعلمون } عقوبتي لكم على هذا التواطؤ وهي { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } أي أقطع من الواحد منكم يده اليمنمى ورجله اليسرى { ولأصلبنكم أجمعين } فلا أبقي منكم أحداً إلا أشده على خشبة حتى يموت مصلوباً، هل فعل فرعون ما توعد به؟ الله أعلم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- لم يبادر موسى بإلقاء عصاه أولاً لأن المسألة مسألة علم لا مسألة حرب ففي الحرب تنفع المبادرة بافتكاك زمام المعركة، وأما في العلم فيحسن تقديم الخصم، فإذا أظهر ما عنده كر عليه بالحجج والبراهين فأبطله وظهر الحق وانتصر على الباطل، هذا الأسلوب الذي اتبع موسى بإلهام من ربه تعالى.
2- مظهر من مظاهر الهداية الإلهية هداية السحرة إذ هم فى أول النهار سحرة كفرة وفي آخره مؤمنون بررة.
3- ما سلكه فرعون مع السحرة كله من باب المناورات السياسية الفاشلة.
{قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {50} إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ {51} وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ {52} فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {53} إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ {54} وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ {55} وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {56} فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {57} وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ {58} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ {59} فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ {60}}
شرح الكلمات:
{ لا ضير } : أي لا ضرر علينا.
{ لمنقلبون } : أي راجعون بعد الموت وذلك يسر ولا يضر.
{ إن كنا أول المؤمنين } : أي رجو أن يكفر الله عنهم سيئاتهم لأنهم سبقوا بالإيمان.
{ أن أسر بعبادي } : السرى المشي ليلاً والمراد من العباد بنو إسرائيل.
{ إنكم متبعون } : أي من قبل فرعون وجيوشه.
{ لشرذمة } : أي طائفة من الناس.
{ لغائظون } : أي فاعلون ما يغيظنا ويغضبنا.
{ حذرون } : أي متيقظون مستعدون.
{ ومقام كريم } : أي مجلس حسن كان للأمراء والوزراء.
{ كذلك } : أي كان إخراجنا كذلك أي على تلك الصورة.
{ مشرقين } : أي وقت شروق الشمس.
معنى الآيات:
قوله تعالى { قالوا لا ضير } هذا قول السحرة لفرعون بعد أن هددهم وتوعدهم { قالوا لا ضير } أي لا ضرر علينا بتقطيعك أيدينا وأرجلنا وتصليبك إيانا { إنا إلى ربنا منقلبون } أي راجعون إن كل الذي تفعله معنا إنك تعجل برجعوعنا إلى ربنا وذاك أحب شيء إلينا. وقالوا { إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } أي ذنوبنا { إن كنا أول المؤمنين } في هذه البلاد برب العالمين رب موسى وهرون.
بعد هذا الانتصار العظيم الذي تم لموسى وهرون أوحى تعالى إلى موسى { أن أسر بعبادي } أي امش بهم ليلاً { إنكم متبعون } أي من قبل فرعون وجنوده. وعلم فرعون بعزم موسى على لاخروج ببني إسرائيل فأرسل في المدائن وكانت له مآت المدن حاشرين من الرجال أي جامعين وكأنها تعبئة عامة. يقولون محرضين { إن هؤلاء } أي موسى وبني إسرائيل { لَشرْذِمةٌ } أي طائفة أفرادها قليلون { وإنهم لنا لغائظون } أي لفاعلون ما يغيظنا ويغضبنا { وإنا } أي حكومة وشعباً { لجميع حذرون } أي متيقظون مستعدون فهلم إلى ملاحقتهم وردهم إلى الطاعة، وعجل تعالى بالمسرة في هذا الخبر فقال تعالى { فأخرجناهم } أي آل فرعون { من جنات وعيون وكنوز } أي كنوز الذهب والفضة التي كانت مدفونة تحت التراب، إذ الطمس كان على العملة فسدت وأما مخزون الذهب والفضة فما زال تحت الأرض، إذ الكنز يطلق على المدفون تحت الأرض وإن كان شرعاً هو الكنز ما لم تؤد زكاته سواء كانت تحت الأرض أو فوقها.
وقوله تعالى { كذلك } أي إخراجنا لهم كان كذلك، { وأورثناها } أي تلك النعم بنى إسرائيل أي بعد هلاك فرعون وجنوده أجميعن. وقوله تعالى { فاتبعوهم مشرقين } أي فاتبع آل فرعون بنى إسرائيل أَنْفُسَهم في وقت شروق الشمس ليردوهم ويحولوا بينهم وبين الخروج من البلاد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- قوة الإيمان مصدر شجاعة خارقة للعادة بحيث يفرح المؤمن بالموت لأنه يوصله إلى ربه.
2- حسن الرجاء في الله والطمع في رحمته، وفضل الأسبقية في الخير.
3- مشروعية التعبئة العامة واستعمال أسلوب خاص في الحرب يهديء من مخاوف الأمة حكومة وشعباً.
4- دمار الظالمين وهلاك المسرفين في الكفر والشر والفساد.