منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
الحــواس فـي القـــرآن الكـــريــم أحكـام صـلاة المـريض وطهـارته إلــــــــى كــــــــــل زوجـيــــــــــن مـــن أقـــــوال شيـــــخ الإســــلام لا عـلـيـك مـا فـاتـك مـن الـدنـيــا رؤية الخاطب مخطوبته قبل العقد شــاعر العـاميــة بيــرم التـونسي أحْلامٌ مِنْ أبِي باراك أوباما كُــــتُـبٌ غَــــــيُّـرَتْ الـعَـالَــــــمْ مــصـــــر التي فـي خــاطـــــري الزعيـم الثــائر أحـمـــد عـــرابي مـحـاسـن العقيـــدة الإسـلامـيـــة الرحـالة: أبي الحسن المسعـودي رضـــي الله عـنـهـــم أجـمـعـــين الأسئلة والأجــوبــة في العقيــدة النـهـضــة اليـابـانـيــة الـحـديثــة الحجاج بـن يــوســف الـثـقـفــي قـصــة حـيـاة ألـبرت أيـنـشـتــاين الأمثـــال لأبـي عبيــد ابن ســلام الإسـلام بيـن الـعـلـم والـمــدنـيــة
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51369
العمر : 72

الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية   الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية Emptyالأحد 20 أكتوبر 2013, 10:30 pm

الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية

الباب الأول: النماذج: سماتها وطريقة صياغتها

النموذج:

التعريف من خلال دراسة مجموعة من المصطلحات المتقاربة ذات الحقل الدلالى المشترك أو المتداخل.

كلمة «نموذج» كلمة معرَّبة، كما جاء في معاجم اللغة، من كلمة «نموذه» الفارسية، وجمعها «نموذجات» و«نماذج». ونموذج البناء نسخة مُبسَّطة مجردة من بناء، ومن ثم فهو يحتوي العناصر الأساسية للبناء ولكنه يختلف عن الأصل. وقد استُعيرت هذه الكلمة في اللغة العربية وتُستخدَم للإشارة إلى «النموذج» بوصفه أداة تحليلية ونسقاً كامناً يدرك الناس من خلاله واقعهم ويتعاملون معه ويصوغونه.

والنموذج بنية فكرية تصورية يُجرِّدها العقل الإنساني من كم هائل من العلاقات والتفاصيل فيختار بعضها ثم يُرتبها ترتيباً خاصاً، أو يُنسقها تنسيقاً خاصاً، بحيث تصبح مترابطة بعضها ببعض ترابطاً يتميَّز بالاعتماد المتبادل وتشكل وحدة متماسكة يُقال لها أحياناً «عضوية». وطريقة التنسيق والترتيب هي التي تعطي النموذج هويته المحددة، وفرديته وتفرُّده. ويتصور صاحب النموذج أن العلاقة بين عناصره تُماثل العلاقة الموجودة بين عناصر الواقع. ولذا، فهو يرى أنه يشكل الإطار الكلي الذي يُفسِّر تفاصيل الواقع وعلاقاته. وقد يتصوَّر البعض أن النموذج يُشاكل الواقع ولكنه في حقيقة الأمر لا يتطابق معه، فهناك فرق بين النموذج من ناحية والمعلومات والحقائق من ناحية أخرى (وكلمتا «نموذج» و«نسق» مترادفتان تقريباً في هذه الموسوعة، وإن كانت كلمة «نموذج» تنطوي على قدر أعلى من الوعي(.

وهناك عدة كلمات ومصطلحات في اللغات الغربية واللغة العربية متقاربة في معناها العام، قد تختلف في مدلولاتها الضيقة ولكنها تغطي رقعة مشتركة في حقل دلالي واسع متداخل:
1ـ اللغات الغربية:

باترن pattern ـ ستركتشر structure ـ تايب type ـ موديل model ـ سيستم system ـ كونستراكتيف تايب constructive type ـ أيديال تايب ideal type ـ باراديم paradigm ـ كونفيجوريشن configuration ـ ثيوري theory ـ هايبوثيسيس hypothesis ـ ثيسيس thesis ـ سينثيسيس synthesis ـ جنرال لو general law ـ فريم وورك framework ـ بيرسبكتيف perspective.

2 ـ اللغة العربية:

نموذج ـ نمط ـ نسق ـ هيكل ـ نظرية ـ فرض أو فرضية ـ منطق ـ منظور ـ رؤية ـ جوهر ـ أصول ـ منطلقات ـ مرجعية ـ إطار مرجعي.

ولا شك في أن هناك مصطلحات أخرى في اللغات الغربية وفي اللغة العربية تتعامل مع نفس هذه الرقعة المشتركة.

والسمة الأساسية المشتركة في كل هذه المصطلحات والكلمات ما يلي:
1 ـ أنها ذاتية وموضوعية في آن واحد:

أ ) الذاتية:


* ثمرة عملية تجريدية عقلية، وليس لها وجود مادي.

* غير متوحدة بظاهرة بعينها فهي تصورية.

* ليست شيئاً بعينه وإنما مجموعة علاقات أو عناصر مجردة.

* تشير إلى كلٍّ مجرد متماسك يتجاوز الأجزاء الفردية المحسوسة المتناثرة.

* تفترض قدراً من الانفصال عن الواقع الخام أو التجريبي.

ب) الموضوعية:

* تزعم كل المصطلحات أن لها علاقة بالواقع، وأنها نابعة منه (يُلاحَظ أن كلمة «واقع» هنا لا تعني بالضرورة الواقع المادي الطبيعي وحسب، فهي تشير أيضاً إلى الواقع الإنساني والاجتماعي والأخلاقي، أي «الواقع» الذي يتضمن كلاًّ من عالم المادة وعالم الرؤى).

* تفترض هذه المصطلحات أن الواقع ليس عشوائياً وأنه يتسم بقدر من الاتساق الكامن.

* يمكن القول بأن كل المصطلحات تتعامل مع النقطة التي تلتقي فيها الذات بالموضوع وتتفاعل معه.

2 ـ عنصر الزمان إما مختف من المصطلحات تماماً أو ضعيف بدرجات متفاوتة.

3 ـ لا يمكن أن يقوم الإنسان بإدراك واقعه وتنظيم ما يحيط به من ظواهر وتفاصيل إلا من خلالها، فاستخدامها حتمي.

4 ـ يُفرِّق الإنسان من خلال هذه المصطلحات بين ما هو ثابت وما هو عرضي، وبين ما هو جوهري وما هو هامشي، وبين ما هو أساسي وما هو ثانوي، وبين ما هو كلي وما هو جزئي، كما تُبيِّن العلاقات بينهما.

وسنستخدم كلمة «نموذج» للإشارة إلى هذه الرقعة المشتركة نظراً لشيوع الكلمة في الأوساط العلمية ونظراً لعدم ارتباطها بأي تعريف دقيق، أي أن صلتها بالرقعة المشتركة قوية وتَصلُح أن تكون دالاً عليها، وذلك دون أن ننسى المصطلحات الأخرى حتى نظل واعين بأن نقطتنا المرجعية هي الحقل الدلالي المشترك وليس هذا الدال أو ذاك. وعلينا أن نتبنى الكلمة وأن ننسى قدر طاقتنا المعجم الغربي حتى لا نستورد ما فيه من اضطراب وخلل وإبهام، ويكفينا ما لدينا من اضطراب وخلل وإبهام (ولا بأس من استخدام الكلمات الأخرى للإشارة إلى مدلولات أخرى).

وسنحاول تعريف النموذج كأداة تحليلية من خلال الإشارة إلى بعض سماته الأساسية:
1 ـ النموذج والتجريد:


النموذج ليس هو الحقيقة أو الواقع، وهو لا يوجد جاهزاً في الواقع، وهو ليس وجوداً عيانياً ولكنه ثمرة الملكات الفكرية (المنطقية والتخيلية) للعقل. وهو ثمرة عملية اجتهادية تجريدية مُتعمِّقة، فهو صورة عقلية ونسق فكري ونمط تَصوُّري وبنية عقلية مجردة وتمثيل رمزي للحقيقة حتى يتسنى للعقل الإنساني الوصول إلى جوانب منها (باعتبار أن المسافة لا يمكن تجاوزها تماماً، كما لا يمكن ملء كل الفراغات ولا الوصول إلى الواقع في ذاته). فالنموذج يتسم عادةً بقدر من البساطة والتجريد والوحدة والاتساق الداخلي، وهو ما يعني اختلافه عن الواقع. والهدف من التجريد هو تحرير النموذج بشكل معقول من تفرُّد الظاهرة (تأيقنها) ومن عنصري الزمان والمكان، ولذا فالنموذج له زمانه الخاص وفضاؤه الخاص ويتسم بقدر من الانغلاق والتَحدُّد وبقدر من الثبات. وكون النموذج نتاج عملية تجريدية عقلية لا يُنقص من قدره، فكل الفكر الإنساني يحوي قسطاً من التجريد، وبدون التجريد يصبح النموذج صورة فوتوغرافية غير قادرة على التفسير أو التنبؤ، ويصبح الفكر الإنساني انعكاساً أبله لكل تفاصيل الواقع المتناثرة المتعاقبة.

وبسبب تجريديته، يفتقر النموذج إلى البعد الزماني، وهو ما قد يُنقص من قيمته كأداة تحليلية، ولذا فإننا نحاول تطوير النموذج كأداة تحليلية ونتحدث لا عن «النموذج» وحسب وإنما عن «المتتالية النماذجية» أيضاً.

2 ـ النموذج والمعلومات:

النموذج كما قلنا بنية تصورية، منفصل إلى حدٍّ ما عن الزمان والمكان، واستخدامه حتمي وأساسي في مواجهة الواقع والمعلومات، فلو واجهنا الواقع والمعلومات بدونه لما فهمنا شيئاً. ولكن، هل هذا يعني إهمال المعلومات والواقع تماماً؟ الرد على هذا سيكون بطبيعة الحال بالنفي، فالمطلوب هو ألا يتحوَّل الإنسان إلى صفحة بيضاء تسجل كل شيء ببلاهة موضوعية متلقية، ولكن هذا لا يعني أن يصبح الإنسان مثل بعض الآلهة الآسيوية التي تحلم بالعالم، بحيث يصبح العالم مجرد حلم ووهم. فصياغة النموذج تبدأ في الواقع ومن خلال الاحتكاك به، ومن خلال هذا الاحتكاك والتفاعل الخلاَّق يبدأ الدارس في صياغة نموذجه. وكلما اتسعت رقعة التفاصيل المطروحة ازداد النموذج تركيبية وتفسيرية. ويمكن القول بأن الصياغة الأولية للنموذج ليست هي نهاية المطاف بل هي بداية البحث، إذ يبدأ الباحث من خلال النموذج في تنظيم المعلومات وتحديد أهميتها بحيث تتحول من مجرد معلومات متناثرة إلى أنماط متماسكة ذات معنى. فالمعلومات، إذن، أساسية في المراحل الأولية للدراسة.

بل إنها أساسـية أيضاً خلال كل مراحلها. إذ لا يستطيع الباحث أن يختبر نموذجه دون العودة للمعلومات والواقـع. كما أن المعلومات ستساعد الباحث على اكتشاف علاقة الكل بالأجزاء ومدى ترابطهما وابتعادهما. فنحن يمكننا الحديث عن «الرأسمالية» بشكل عام «نماذجي»، ولكن هذا ليست له فائدة كبيرة فمن خلال الدراسة التفصيلية سندرك الفرق بين الرأسمالية الإنجليزية والرأسمالية في الهند وبين الرأسمالية الإنجليزية في عصر المركنتالية والرأسمالية الإنجليزية في النظام العالمي الجديد. ويمكن القول بأن النموذج المركب لا يستند إلى المعلومات وحسب، بل إنه قد يولِّدها لا بمعنى أنه يخترعها (فهذا أمر مستحيل بطبيعة الحال) وإنما بمعنى أنه يبرز أهمية تفاصيل كان يُظَن أنها لا أهمية لها.

3 ـ النموذج والواقع:

ينفصل النموذج عن الواقع المباشر ويتجاوزه. ولكنه، مع هذا، يتضمن مجموعة من العناصر تُشاكل العلاقة بينها (في تصوُّر صاحب النموذج) العلاقة الموجودة بين عناصر الواقع. وبذا، يصبح النموذج قادراً على تفسير العلاقة بين الظواهر، وعلى شرح علاقاتها الداخلية، وتفسير أثرها المتبادل، وعلى الفصل والربط بين الظواهر على أساس قد يكون جديداً تماماً بحيث يبين أوجه التشابه بين بعضها رغم الاختلاف الظاهري ويبين أن ما هو مشترك بينها أكثر أهمية مما هو مختلف. والعكس صحيح أيضاً، إذ يبين الاختلاف بين بعض الظواهر الأخرى رغم التشابه الظاهري الواضح بينها.

والنموذج، كما هو واضح، لا يسقط في الانفصال الكامل عن الواقع (حيث تصبح المسافة هوّة) أو في التطابق الكامل معه والتأيقن (حيث تُلغَى المسافة تماماً) أو في الحرفية (بمعنى أنه يمكن اجتياز المسافة تماماً). فلو تشابهت جميع الظواهر التي تنضوي تحت النموذج تشابهاً كاملاً لفقد النموذج فائدته وجدواه لأنه يُفتَرض فيه أنه يحاول أن يصنف ظواهر مختلفة تتضح وحدتها من خلال تنوعها. ولو اختلفت كل الظواهر التي تنضوي تحت نموذج ما بشكل كامل لفقد النموذج فائدته وجدواه أيضاً لأنه سيقوم بربط ظواهر لا يصح الربط بينها وباكتشاف الوحدة حيث لا وحدة. فالنموذج يتناول الظواهر التي يوجد حد أدنى مشترك أو معقول بينها، وهو ما يبرر وضعها داخل إطار تصنيفي واحد رغم اختلافها.

والنموذج عادةً لا يتحقق إلا في لحظات نماذجية نادرة، إذ أن الواقع عادةً أكثر تركيباً وتشابكاً وأقل تبلوراً من التركيبة الذهنية التي يتكون منها النموذج، كما أن الإنسان الفرد، مهما بلغ من تسطح عادةً ما يكون ـ والحمد لله ـ أكثر تركيباً وعمقاً من النموذج المعرفي الذي يؤمن به. ولذا، فإن من النادر أن يُردَّ إنسان أو مجتمعٌ إنسانيًّ في كليته إلى النموذج المعرفي والحضاري الذي يدفعه ويحركه. فلا شك في أن الإنسان يتحرك داخل حدود مادية وإدراكية، ولكنه يظل، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، عنصراً حراً مستقلاً مسئولاً أخلاقياً عما يفعله. ونحن في رؤيتنا هذه نختلف عن الباحثين الذين يستخدمون النموذج في إطار الرؤية المادية الحتمية، فهم يردُّون الفاعل الإنساني في كليته إلى النموذج المادي (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) الذي يحركه. كما أننا نختلف عن الباحثين المثاليين الهيجليين الذين يردّون الفاعل الإنساني في كليته إلى النموذج المثالي الذي يحركه. وكلا الفريقين يُنكر على الإنسان حريته ومسئوليته الأخلاقية، ولا يرى سوى حتميات، مادية أو مثالية، اختزالية معادية للإنسان.

ونحن نستخدم النماذج المختلفة (الإنسان العادي ـ الثورة الصناعية) ونحن نعرف أنها مجرد بنَى ذهنية تصورية ولا نتوقع قط أن نقابل هذا الإنسان العادي في الواقع، فنحن ندرك أن فلاناً من الناس إنسان عادي بمعنى أنه تَحقُّق جزئي لنموذج الإنسان العادي ولكنه لا يتطابق معه تمام التطابق (إلا في بعض الحالات النادرة التي عادةً ما تثير الدهشة بسبب ندرتها). ونحن نتحدث عن «الثورة الصناعية» ونعرف تمام المعرفة أنها ليست «ثورة» على الإطلاق، وأنها لم تقع في يوم من الأيام أو في مكان من الأمكنة. إذ أننا بفطرتنا الإنسانية ندرك أن النموذج المجرد ليس هو الواقع المادي أو الإنساني المُركَّب.

ولنأخذ عصابات المافيا على سبيل المثال. جعل عضو المافيا هدفه في الحياة (النموذج الحاكم الذي يحركه) سلب الآخرين حياتهم وممتلكاتهم وأعراضهم، فهو ذئب بشري كامل، ترجمة حقيقية لإنسان هوبز وداروين ونيتشه. ومع هذا، نجد أن عضو المافيا هذا يُبقي على علاقات التراحم مع أعضاء أسرته وعصابته وقد يُضحي بحياته من أجلهم. فالنموذج الأصغر الهامشي التراحمي الذي يتعامل المجرم من خلاله مع حياته الخاصة يتعايش مع النموذج الأكبر الرئيسي الحاكم المادي الإجرامي. وسواء أكان المجرم يدرك هذا التناقض أم لا، فهذا أمر ثانوي لا يهمنا، إذ أن ما يهمنا هو هذا التعايش في حياته اليومية. وأعضاء الجماعات الوظيفية يعيشون في مثل هذه الثنائية الصلبة التي تقترب من الثنوية، فهم متراحمون فيما بينهم، محايدون تعاقديون مع أعضاء مجتمع الأغلبية.

والمجتمعات الاشـتراكية كانت أكثر تنوعاً وحيوية وإنسانية من الرؤية الاشتراكية المادية. فالإنسان السوفيتي الفرد، رغم إخضاعه بشكل شرس لعمليات الترشيد المادية الاشتراكية، لم يكن قط ذلك الإنسان الاشتراكي الأممي الذي كانت تتحدث عنه كتب الدعاية السوفيتية. والإنسان الأمريكي الفرد، رغم خضوعه للعمليات القمعية التدجينية التي تقوم بها الإعلانات التي تهاجم أولاده ومنزله ليل نهار ولعمليات غسيل المخ التي يقوم بها الإعلام الأمريكي بطريقة مصقولة ذكية لا يعرف التاريخ لها مثيلاً، احتفظ بقدر من الإنسانية والتركيب يجعله مختلفاً عن إنسان الحلم الأمريكي والإعلانات المتكررة والأكاذيب السياسية اليومية.

وهذا التناقض يوجد أحياناً داخل الأنساق الفلسفية نفسها. والإنسان الفرد ـ كما أسلفنا ـ أكثر تركيباً من الأنساق ومن النماذج التي يؤمن بها ويروج لها. ولهذا السبب، فكثيراً ما يفزع مفكر ما من وحشية نموذجه فيضيف من الأقـوال ما يخفف من حدتها ويسـتعيد بعـض التركيبية ويضفي عليه غلالة إنسانية لا تغير عادةً من البنية الوحشية للنسق. والفكر الرومانسي، على سبيل المثال، كان محاولة لتهذيب النموذج العلماني الآلي (الميت) لإدخال بعض العناصر العضوية (الحية) التي تستعيد للإنسان استقلاليته عن الطبيعة. ومع هذا، سقط الفكر الرومانسي العضوي في الواحدية المادية. ولكل هذا، نجد أن النماذج الفلسفية لا تُفصح عن نفسها بشكل خالص أو متبلور في الواقع الاجتماعي والتاريخي الإنساني، وتظل هناك مسافة تفصل النموذج (المجرد) عن الواقع (المركب).

وهذا لا يعني أن نقرر أن النماذج (لهذا السبب) لا فائدة تُرجى منها. فهي أدوات تحليلية مفيدة طالما أدركنا بُعدها الاجتهادي، وأنها أداة تفسيرية ليس إلا، وليس لها وجود مادي موضوعي، أي إذا نحن لم نشيئها ولم نتصور أن النموذج هو الواقع. فنحن لو رفضنا النموذج كأداة تحليلية، نكون بذلك قد رفضنا محاولة الوصول إلى قدر معقول من المعرفة عن الحقيقة الكلية وسقطنا في التشظي وفي التعامل مع الجزئيات المنفصلة عن الكليات وتصوَّرنا أننا نفهمها، مع أن كل ما يحدث هو أننا نقوم بعملية وصف يُقال لها «موضوعية»، وهي في واقع الأمر عملية تسجيل عشوائية ليس لها عقل أو حتى قَدَم.

4 ـ محدودية النموذج وتحيزه:

النموذج بنية تصورية عقلية مجردة، ولذا فهو لا يمكن أن يغطي كل أجزاء الواقع مهما بلغت شموليته. وإنْ تطابق النموذج مع الواقع، أصبح هو نفسه واقعاً وفقد نماذجيته ونمطيته، وهذا يعني حتمية المسافة أو وجود مسافة بين الدال والمدلول، والسبب والنتيجة، والمدرك والمدرَك، والذات والموضوع، والفكرة والمادة. هذه المسافة تعني حتمية محدودية النموذج وقصوره، أي أنه سيظل أقل ثراءً وتركيباً من الواقع ولكنه سيظل أيضاً أكثر تركيزاً وبلورة منه. وهذا يعني أن التعامل مع الواقع من خلال نماذج يعني حتمية الانتقاء والاختيار، والإبقاء والإبعاد، أي حتمية تَحيُّز صاحب النموذج أو من يستخدمه. ولذا، فإن الموضوعية المطلقة (الخالية من أي تحيزات أو كليات أو مطلقات) أمر مستحيل من الناحية المعرفية.

ولكن تَحيُّز النموذج لا يعني العبثية والعدمية والذاتية، فالنموذج التفسيري الذي يعلن عن نفسه صراحةً يحمي المتلقي من وهم الموضوعية المطلقة إذ أن المتلقي سيدرك أن النموذج ليس هو الواقع المادي، وأن عقلاً إنسانياً قام بصياغته وبالتالي فهو يحوي حتماً عنصراً ذاتياً، وأن ثمة مسافة تفصل بين النموذج والواقع، ولذا سيأخذ المتلقي حذره وسيعرف أن ما يتلقاه ليس علماً محايداً وإنما هو علم يحمل تحيزات صاحبه، فهو نتاج رؤية بشر.

ولكن، رغم تحيزات النموذج، فإن هذا لا ينفي أن المتلقي قد يتلقى قدراً من العلم ومن المعرفة والخبرة يؤهله للتعامل مع الواقع وفهمه وتفسيره والتنبؤ به دون أن يتحكم فيه بالضرورة. وحتى إن تَحكَّم في بعض جوانبه، فإن هذا لا يعني بالضرورة السيطرة الإمبريالية الكاملة عليه، أي أن المتلقي سيُحقق قدراً من الحرية ولكنه سيقبل أيضاً بقدر من الضرورة. كما أن بوسع المتلقي أن يختبر المقدرة التفسيرية للنموذج ضمن عملية تتم خارج ذاتية صاحب النموذج.

5 ـ حتمية استخدام النماذج:

الإدراك ـ كما أسلفنا ـ ليس مجرد عملية تسجيل لكل المعطيات الحسية التي ترد للعقل ومراكمة لها، والعقل نفسه ليـس أداة كفئاً لتحقيق ذلك، لأنه أداة محدودة مبدعة فعالة ولأن الواقع مركب فإن عملية الإدراك تصبح عملية انتقاء وصياغة، وهو ما يعني استحالة الوصول إلى المعرفة الموضوعية المطلقة أو معرفة الأسباب في علاقتها بالنتائج بشكل صارم. وهذا يعني، في واقع الأمر، حتمية استخدام النماذج إن أراد الإنسان تجاوز الرصد التوثيقي المباشر الأبله المستحيل، وإن أراد تجاوز وجوده المادي المباشر حيث يتماس الجهاز العصبي بالواقع المادي بشكل مباشر (وكأن كل المعرفة هـي مثل معـرفة الطفـل الذي لا يُدرك النار إلا باحتراق أصابعـه، وكأننا كلنا مثل كـلب بافلوف الشـهير).

ونحن نذهب إلى أننا لا نستطيع كتابة أي شيء (إلا قائمة المشتريات من البقال) بدون نموذج. فنحن لا يمكننا إدراك الواقع الخـام مبـاشرةً إذ لابد أن نتعامل معه من خلال خريطة إدراكية تُبقي وتَستبعد. فالنموذج، بهذا المعنى، مرتبط تمام الارتباط بأبسـط العمليـات الإدراكية بل بالحالة الإنسـانية نفسها وبطبيعة الإنسان؛ لا ككائن مادي طبيعي، شيء بين الأشياء، وإنما ككائن بشري أو رباني لا يخضع لمنطق الذرات والأرقام. إنه مرتبط بخروج الإنسان من حالة الطبيعة البسيطة الجنينية (حيث لا تُوجَد مسافة بين المدرك والمدرَك وبين المثير والاستجابة) إلى حالة الحضارة المركبة. إن استخدام النماذج أمر حتمي للإدراك الإنساني ولإجراء أي بحث. فلو جابه الإنسان الواقع، ولو جابه الباحث موضوع بحثه بصفحة عقله المادية البيضاء، لأصابه الشلل، ولوجد نفسه مذعناً إما لنماذج الآخرين دون وعي، أو لبعض جوانب الظاهرة موضوع الإدراك والبحث، بحيث يرصدها بشكل ذري مفتت غير متماسك. وإذا كان الأمر كذلك فمن المستحسن أن ننطلق من إدراك هذه الحتمية وأن نواجه الواقع بتساؤلاتنا وإشكالياتنا ونماذجنا التحليلية، مدركين ذلك تمام الإدراك، الأمر الذي سيُحسِّن أداءنا النظري والتطبيقي.

وهذه الموسوعة هي بمعنى من المعاني دراسة لحالة معيَّنة (اليهود واليهودية والصهيونية) من خلال استخدام مجموعة من النماذج المستقلة المتشابكة.

يتبع إن شاء الله...


الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية 2013_110


عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الإثنين 24 مارس 2014, 12:52 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51369
العمر : 72

الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية   الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية Emptyالأحد 20 أكتوبر 2013, 10:37 pm

المنحنى الخاص للظاهرة

تتأرجح كثير من المناهج بين الموضوعية والذاتية، أي افتراض موضوع خالص يوجد بذاته في العالم الخارجي يمكن إدراكه بطريقة فوتوغرافية دون تشويه، أو افتراض ذات خالصة تقف مستقلة تماماً عن الموضوع، تشوه كل ما يصلها من معطيات مادية لأنها تسقط نفسها عليه.

ونحن نطرح فكرة المنحنى الخاص للظاهرة كمحاولة لتجاوز هذه الثنائية الصلبة. وتفترض هذه الفكرة وجود موضوع، ولكنه له جوانب عدة منسقة بشكل معين تمنحه تفرُّد وتجعله مستقلاً عن الكل (مستقلاً وليس منفصلاً تماماً). والعقل البشري لا يمكنه رصد الموضوع بشكل كامل فوتوغرافي، لا بسبب محدوديته وحسب وإنما بسبب مقدرته التوليدية وبسبب تركيبية الظاهرة نفسها، وأخيراً بسبب وجود كل من الظاهرة والعقل البشري داخل الزمان والمكان.

ولكن العقل البشري مع هذا قادر على إدراك الظواهر والتوصل إلى قدر معقول من المعرفة بالواقع يمكِّنه من التعامل معه، وإن كان لا يكفي للهيمنة عليه. فالعقل البشري مسلحاً بحواسه وعواطفه وذكرياته ينظر للظاهرة فيدرك بعض جوانبها بطريقة تتفق مع طريقة الآخرين في بعض جوانبها وتختلف عنهم في بعض الجوانب الأخرى. فكأن المنحنى الخاص للظاهرة ليس أمراً موضوعياً كامناً في الظاهرة تماماً ولا هو نتيجة إبداع الذات المدركة أو قصورها، وإنما هو نتيجة تفاعل بين الذات المحدودة المبدعة والموضوع المركب.

ضبط المستوى التحليلى للنموذج حسب نوعية الظاهرة موضع الدراسة

يمكن دراسة أية ظاهرة من منظـور تَفرُّدها الكامل أو من منظور عموميتها وخصائصها المشتركة مع ظواهر مماثلة. ولهذا، فإن بعض المدارس الفكرية يذهب إلى أن كل ظاهرة إنسانية ظاهرة فريدة تتحدى التصنيف والتعميم بحيث تقف الظاهرة كياناً عضوياً فريداً يشبه الأيقونة المكتفية بذاتها والتي لا تشير إلى شيء خارجها. ومن ثم، فإن فهم هذه الظاهرة أمر مستحيل إلا لمن يلتحمون بها عضوياً. ولكن حتى هؤلاء، نظراً لالتحامهم بها، هم أيضاً غير قادرين على الإفصاح عنها. ولذا فإن المعرفة في هذه الحالة لا تكون إلا معرفة إشراقية من خلال الحدس والإلهام والتخيل وحسب. كما يرى هؤلاء أن الواقع الذي يعيش فيه الإنسان واقع مستمر مترابط يشبه ألوان الطيف المتداخلة. ولذا، فإن كل ما يمكن أن يفعله الإنسان أمام هذا التكامل العضوي هو أن يتقبله كما هو دون تفسير أو تجزئة.

ولكن هناك من يذهب إلى عكس ذلك فيرى الواقع من خلال مجموعة من القوانين العلمية العامة التي ترى أن الجوانب الفريدة في ظاهرة ما (ما نسميه المنحنى الخاص للظاهرة) أمر لا يستحق التسجيل أو الرصد، وإن سُجِّلت فهي لا تُعدِّل القـانون العلمي الأسـاسي القـادر على تفسير كل الظواهر عن طريق رد الأجزاء إلى الكل، والخاص إلى العام، ورد كل شيء إلى عنصر واحد أو بُعد واحد أو سبب واحد، فيصبح الواقع كله كماً واحداً لا قسمات له ولا ملامح، ولا يتسم بأي تَعيُّن أو تركيب أو خصوصية، فهو يشبه الصور النيجاتيف التي تنتجها أشعة إكس والتي لا تتسم بالجمال أو القبح، وهي صور "صادقة" و"حقيقية" ولكنها تثير الفزع.

والنموذج، كأداة تحليلية، يتسم بمقدرته على ربط الخاص بالعام، والجزء بالكل، والنتيجة بالسبب، والذات بالموضوع، دون أن يفقد أي عنصر منها شخصيته وهويته واستقلاليته، وذلك على عكس الاتجاه نحو التأيقن الذي يُسقط العام والكل، وعلى عكس فكرة القانون العام التي لا تتعامل إلا مع العام والكل، فكلاهما يُسقط المسافة الموجودة بين الكل والجزء والعام والخاص.

يحاول النموذج حل المشكلة بافتراض وجود مسافة تفصل الكل عن الأجزاء (والسبب عن النتيجة والذات عن الموضوع) بحـيث لا يمكن رد الكل إلى الجزء (فـهو كيان مجرد متجـاوز للأجزاء) ولا يمكن ردُّ الجزءفي كليته إلى الكل، إذ أن لكل ظاهرة منحناها الخاص الذي يعطيها هويتها الخاصة. فرغم أنها جزء من كل، إلا أنها ليست جزءاً عضوياً لا يتجزأ، وإنما هي جزء يتجزأ.

ولذا، يحاول النموذج أن يرى ظاهرة ما في علاقتها بالظواهر الأخرى (وهذا ما يكسبها دلالتها العامة) دون إهمال استقلالها النسبي وشخصيتها المستقلة (المنحنى الخاص)، ولذا فهي لا تفقد تَعيُّنها وخصوصيتها. وينجح النموذج في إنجاز هذا عن طريق ما نسميه «تعدُّد المستويات»، وعن طريق ضبط المستوى التحليلي من ناحية التعميم (التجريد) والتخصيص (التعيُّن) بحيث يتناسـب المسـتوى التحليلي مع الظاهرة موضع الدراسة.

والنموذج حينما يتعامل مع الظواهر الإنسانية يشبه كلاًّ من الاسكتش المجرد العام والصورة الزيتية وحينما يتعامل مع الظواهر الطبيعية فهو يشبه كلاًّ من الصورة الفوتوغرافية وأشعة إكس، فالنماذج ليست جميعها على نفس مستوى التعميم أو القدرة على التفسير، فنموذج "الحضارة الغربية الحديثة" على سبيل المثال (مقابل الحضارة الغربية التقليدية أو الحضارة اليابانية الحديثة) يتمتع بمستوى عال من التعميم والتجريد فهو يغطي رقعة كبيرة من الأزمنة والأمكنة.

لكن هذه الرقعة تتقلص حينما نتعامل مع نموذج "الحضارة الإنجليزية الحديثة" وتزداد تقلصاً حينما نتحدث عن "الحضارة الإنجليزية في القرن التاسع عشر" إلى أن نصل إلى "حضارة أو ثقافة سكان مدينة مانشستر في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر" وحينما نتحدث عن نموذج حياة النحل فنحن نسقط الزمان والمكان بشكل شبه كامل تقريباً. وزيادة الرقعة الزمانية أو المكانية لا يُنقص المقدرة التفسيرية للنموذج ولا يزيدها وإنما يُغيِّر مجاله وحسب.

وكلما ازدادت درجة عمومية النموذج والمستوى الحضاري ازدادت مقدرته التفسيرية في المجالات الحضارية التي لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتفاصيل التجريبية أو بحقبة زمانية محدَّدة (مثل مفهوم الشكل عند الإنسان الغربي). ولكن هذه المقدرة نفسها تتناقص في الوقت نفسه في مجال التفاصيل التجريبية المرتبطة بمكان محدَّد وحقبة زمنية محدَّدة (زيادة معدلات الجريمة في مانشستر في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر) إلى أن تنعدم تقريباً حينما نأتي للظواهر الطبيعية. 

والعكس صحيح أيضاً، فكلما ازدادت درجة خصوصية النموذج يضيق نطاقه، وتزداد مقدرته التفسيرية في مجال التفاصيل التجريبية وتَضعُف في مجال الظواهر الحضارية. فمستوى التعميم والتخصيص لنموذج ما يحدِّدان نوعية التفاصيل أو الظواهر التي يمكن التعامل معها من خـلاله. ولا يمـكن مثلاً تفسـير تزايد الجـريمة في مانشستر بالحــديث عن أزمة الحضارة الغربية، كما لا يمكن استخدام تزايد الجريمة في مانشستر (وهو دليل واحد فحسب) برهاناً على أزمة الحضارة الغربية الحديثة!

ويمكن أن يتحرك النموذج في إطار السببية الصلبة التي تسود عالم الأشياء وفي إطار السببية الفضفاضة الاحتمالية التي تقبل بوجود مسافة بين السبب والنتيجة بسبب وجود عناصر كثيرة لا يمكن إدخالها شبكة السببية.

ولهذا السبب فإن السببية الفضفاضة (التي لا يمكن دراسة ظاهرة الإنسان بدونها) تخلق حيزاً للحركة وللفعل الذي يُلغي الحتمية ويجعل التنبؤ العلمي الصارم أمراً مستحيلاً وتوقعاً طفولياً.

فعالم الإنسانيات الذي يستخدم النماذج مثله مثل عالم الطبيعة الذي يجري تجارب على الضوء ولكنه لا يعرف ماهية هذا الضوء: هل هي موجـات أم ذرات؟ وإذا كان الضـوء (وهو في نهاية الأمر ظـاهرة طبيعية) بهذا التركيب وبهـذه الدرجـة من المراوغة، فما بالك بالإنسان، ذلك المجهول الذي يحمل داخله أحلاماً وذكريات وحضارة وتاريخاً وخيراً وشـراً لا يعلم كنهها إلا الله!

ومفهوم السببية مرتبط تمام الارتباط بدرجة اليقين التي يحاول الباحث أن يصل إليها، فإن كان الباحث يتعامل مع حقائق رياضية فهو سيصوغ نماذج رياضية (تستبعد الفاعل الإنساني تماماً وتلغي الحيز الإنساني) لتتعامل مع الكم وحسب ولذا يمكن الوصول إلى درجات عالية من اليقين، والشيء نفسه ينطبق على الحقائق الطبيعية/المادية. ولكن حين يتعامل الباحث مع حقائق إنسانية فهو سيصوغ نماذج مركبة ولذا فالنتائج التي سيتوصل إليها لن تتمتع بقدر عال من اليقينية وستكون أكثر احتمالية وتقريبية.

ويمكن أن يتجاوز النموذج الزمان ولكن يمكنه أيضاً أن يُقدِّم تصوراً للزمان لا باعتباره أحداثاً متتالية متراصة صلبة، وإنما باعتباره أحداثاً واقعة وإمكانات كامنة، وباعتبارها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً تفصلها ثغرات وانقطاعات تشكل مجال الحرية الإنسانية. ولذا، يسمح النموذج لمن يستخدمه برصد الماضي والحاضر والمستقبل ما هو ظاهر وما هو باطن وما هو قائم وما هو ممكن.

ويمكن القول بأن النماذج التفسيرية يمكن أن تكون قانوناً عاماً أو نظرية كلية صارمة تُفسِّر الظواهر الطبيعية، ولكن بوسعها أن تبتعد عن فكرة القانون العام أو النظرية الكلية التي تحاول أن تشرح كل شيء، ومن ثم تصبح أقرب إلى الفرض العلمي، ولكنه فرض لن تتم البرهنة عليه أو تفنيده، بل هو فرض دائم ـ إن صح التعبير ـ يُستخدَم لدراسة بعض جوانب الواقع والأنماط المتكررة فيه. والنماذج التفسيرية التي تُستخدَم لتفسير ظاهر الإنسان تُشبه الصور المجازية من بعض الوجوه في وظيفتها الإدراكية والتفسيرية.

فالصورة المجازية، مثل النموذج التفسيري، جزء من العملية الإدراكية ومن نسيج لغة البشر (وليست مجرد زخرفة تضاف هنا وهناك). ويلجأ الإنسان للتعبير المجازي ليكتشف علاقة غامضة مركبة في الواقع أو عناصر لا محدودة لا يمكنه الإمساك بها، ومع هذا فهو يشعر بوجودها من خلال تجلياتها المادية المُتقطِّعة التي لا تتبع نمطاً واضحاً (علاقات: الجزء الملموس بالكل المُتصوَّر ـ الإنسان بالإله ـ المعلوم بالمجهول ـ المحدود بغير المحدود ـ النسبي بالمطلق ـ الماضي بالمستقبل)، أو يلجأ للتعبير عن أحاسيس عميقة يشعر المرء أن اللغة النثرية المعتادة لا تكفي للإفصاح عنها (تماماً مثل الرصد المتلقي المباشر في حالة الظواهر المركبة) فيصوغ صـورة مجــازية هي في جوهـرها ربط للمعـروف بغير المعروف واكتشاف للعناصر الرئيسية في الواقع وإبرازها، وهذه هي أيضاً طريقة النموذج في الرصد والتفسير.

وباختصار شـديد، يمكن أن نقـول إن النموذج أداة تفسيرية تَصلُح لتفسير كل من الظواهر الطبيعية والإنسانية، تَصدُر عن تَفهُّم لمحدودية الإدراك البشري في رصد الواقع الطبيعي والإنساني. ولكن النموذج مع هذا لا يسقط في العبثية أو العدمية بسبب هذه المحدودية فهو أداة تستند إلى الإيمان بالمقدرة الإبداعية للعقل البشري على صياغة نماذج مركبة فضفاضة يمكنها تفسير الواقع المركب الحركي خارج إطار الحتميات المطلقة والسـببيات الصـلبة والمطلقة والوحدة الصـارمة. وغنيٌّ عن القـول أن فكر ما بعد الحـداثة يرفض فكـرة النماذج تماماً.

ويجب الانتباه إلى أن النموذج، كأداة تحليلية، لا يؤدي حتماً إلى الإدراك المركب وتشغيل الخيال، فهناك دائماً من يصوغ نماذج تحليلية بسيطة واختزالية. وهناك كذلك خطورة تشيؤ النموذج. فبعض الباحثين قد يغفل عن حقيقة أن النموذج أداة إدراكية، تماماً مثل الصور المجازية، ويتصور أن النموذج هو الواقع فينقض على الواقع مسلحاً بنموذجه ويقوم بجمع المعطيات المادية التي تؤيد رؤيته المسبقة. كل ما نؤكده هنا هو أن النموذج يخلق تربة خصبة (ارتباطاً اختيارياً) لمن يريد تجاوز الواحدية السببية والاختزالية، ولمن يريد أن يرصد الظواهر الإنسانية دون اختزال الحيز الإنساني أو الحيز الطبيعي. (وهو ما نحاول إنجازه في هذه الموسوعة).

وظيفة النموذج

من أهم وظائف النموذج وظيفته الإدراكية الإنسانية الفطرية، فهو يحتوي على رؤية الإنسان للكون (مسلماته الكلية) التي يرتب الحقائق وينظم المعلومات على أساسها، وذلك أثناء أبسط عمليات الإدراك. فكأن وظيفة النموذج هنا وظيفة فطرية، ومن ثم يمكن تسمية النموذج من حيث هو أمر فطري «النموذج الإدراكي». فنحن حين نقول إن فلاناً «دمنهوري» أو «بريطاني» فنحن في واقع الأمر نستدعي صورة ذهنية تؤكد بعض الصفات وتستبعد صفات أخرى.

ويمكن القول بأن كل المناهج البحثية تستخدم فكرة النموذج بشكل شبه واع أو غير واعٍ، فكل نص إنساني، مهما بلغت سطحيته أو عمقه، يحتوي على نموذج ما (بمعنى رؤية للكون). فدراسة ماركس للمجتمع الغربي تدور حول نموذج «الرأسمالية الرشيدة» (رغم أنه لم يستخدم المصطلح)، وأي كتاب تاريخ يستخدم نماذج تحليلية مثل «الثورة الصناعية» أو «عصر النهضة»، فهذه ليست وقائـع إمبريقية، وإنما هي مفهـوم أو صورة مجازية تضم ما يتصوره الباحثون السـمات العامة لهذه الثورة أو ذلك العصر.

ولكننا نضع مقابل هذا النموذج الإدراكي (غير الواعي أو شبه الواعي) ما نسميه «النموذج التفسيري التحليلي» وهو النموذج الذي يصوغه باحث ما بشكل واع ليقوم من خلاله بتحليل الظواهر، أي أنه يحوِّل النشاط غير الواعي إلى عملية واعية بذاتها وبالإجراءات اللازم اتباعها. وبهذا المعنى تكون الدراسة من خلال النموذج (أداة) لا تُشكِّل قطيعة معرفية مع المناهج القائمة بقدر ما تُشكِّل محاولة للتنبيه على أهمية شيء قائم بالفعل، ربما على مستوى الكمون (أو شبكة العلاقات التي تشكل ماهية الشيء)، ثم نضع مقابل كل هذا البنية، وهي النموذج كما يتبدَّى في نص أو ظاهرة ما، خارج عملية الإدراك.

إن النماذج (كأداة واعية) تندرج في إطار ما يُسمَّى «المنهج العلمي»، أي النسق المفاهيمي والنظري الذي يُنظم الحقائق والظواهر المتناثرة، ويربط بعضها ببعض. وثمة إجماع على أن العلم عملية فكرية لا تتوقف عند وصف الظواهر، وإنما تحاول أن تصل إلى النمط الكامن وراءها لتكشف العلاقات الضرورية القائمة بين الظواهر وبين الأحداث التي تلازمها أو تسبقها. وبعد عملية الكشف يقوم الباحث بصياغة تعميمات قابلة للتحقيق ترتبط بمجموعة أخرى من التعميمات التي تمت مراكمتها من قبل.

هذه التعميمات تساعدنا على التنبؤ بالطريقة التي ستعمل بها الظاهرة في المستقبل، ويُقال أيضاً إن الهدف النهائي من العلم هو التحكم. ومسلمات العلم ثلاث: الحتمية (أن هناك نظاماً معيَّناً في الكون)، والاطَّراد (أن نظام الكون مطَّرد)، والوصفية أو الحسية في المعرفة (أن معرفتنا لهذا النظام لا تتأتى عن طريق آخر غير الملاحظة والخبرة الحسية). والدراسة من خلال النماذج تدور في هذا الإطار وتقبل بهذه الأهداف والمسلمات، ولكنها تتيح فرصة توسيع نطاق الأهداف وتفسير المسلمات بطريقة تسمح بأن نفرِّق بين النماذج التي تُستخدَم لدراسة الظواهر الإنسانية، وتلك التي تُستخدَم لدراسة الظواهر الطبيعية.

فنحن نؤمن بوحدة العلوم (لا بواحديتها) بمعنى أن ثمة إجراءات عامة تُستخدَم في عملية تحصيل المعرفة، ولكن ثمة اختلافات جوهرية بين معرفتنا بسلوك النحل والبقر ومعرفتنا بسلوك البشر. ومن ثم رغم الوحدة العامة المبدئية، ثمة فروق منهجية أساسية. ولكننا سنؤكد الاختلافات ونتعامل معها بالتفصيل على حساب الوحدة، لأن العلوم الإنسانية تعيش في ظلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية، ومن ثم يسيطر عليها الواحدية. وكل هذا هو جزء من دفاعنا عن الإنسان.

النســـق

كلمة «نسق» مصطلح يكاد يكون مرادفاً لكلمة «نموذج» وإن كانت الكلمة الأخيرة تحمل قدراً أعلى من الوعي والتركيب والانفصال عن الذات.

المنظومــة

كلمة «منظومة» تكاد تكون مترادفة مع كلمة «نسق».

الإشكاليــة

«إشكالية» ترجمة لكلمة «بروبليماتيك problematic» الإنجليزية. وهي من «شَكَل الأمر شكولاً» بمعنى «التبس». و«المشكلة» أو «المُشكل» هي «الأمر الصعب الملتبس». وفي علم الاجتماع «المشكلة» هي "ظاهرة تتكون من عدة أحداث أو وقائع متشابكة وممتزجة بعضها بالبعض لفترة من الوقت ويكتنفها الغموض واللبس، تواجه الفرد أو الجماعة ويصعب حلها قبل معرفة أسبابها والظروف المحيطة بها وتحليلها للوصول إلى اتخاذ قرار بشأنها". و«الإشكال»، في قانون المرافعات، هو «الأمر الذي يوجب التباساً في الفهم». ويبدو أنه تم اختيار كلمة «إشكالية»، مؤنث «إشكال»، قياساً على كلمتي «مشكلة» و«مُشكل».

ومجموعة الكلمات هذه تؤكد عنصري الالتباس والتشابك بين العناصر، أي أنها تؤكد تركيبية الظواهر وتشابك عناصرها. وهي علاوة على هذا تؤكد ذاتية الإدراك، فالالتباس شيء يحدث للإنسان المدرك وليس للشيء المدرَك. كل هذا يبتعد بهذه الكلمات عن عملية الرصد الموضوعي ويقترب بها من عمليات الرصد من خلال نماذج حيث لا يوجد انفصال بين الذات والموضوع.

وكلمة «إشكالية» (بروبليماتيك) كلمة ثرية تعني «سمة حكم أو قضية قد تكون صحيحة لكن الذي يتحدث لا يؤكدها صراحةً» ويضرب مثلٌ على ذلك موقف العقل من القضايا الأولية التي تشكل قضية شرطية أو قطعية: "إما أن يكون العالم نتاج مصادفة، وإما أن يكون نتاج ضرورة داخلية". كما أن كلمة «إشكالية» تؤكد العنصر الذاتي، فإذا كانت المشكلة موجودة في الواقع، فالإشكالية يصوغها عقل الإنسان. وأخيراً تؤكد كلمة «إشكالية» أن القضية موضع الدراسة ذات طابع فكري وأن حلها ليس سهلاً ولا يمكن أن يكون نهائياً أو قاطعاً.

ويمكن القول بأنه حينما يواجه المرء ظاهرة أو موضوع ما يتسم بقدر من التركيب فإنه يجد نفسه مضطراً لصياغة الإشكالية ومجموعة الأسئلة التي يتصور أنه سيمكنه عن طريقها تفكيك الظاهرة وإعادة تركيبها حسب نموذجه التصنيفي والتفسيري. وهو إن لم يضع الإشكاليات ولم يطرح الأسئلة فإنه إما أن يبتلعه الموضوع تماماً أو يظل قابعاً داخل ذاتيته لا يبرحها.

وهذه الموسوعة هي دراسة لظاهرة اليهود واليهودية والصهيونية من خلال نماذج، ولذا تبدأ بصياغة الإشكاليات ثم تأتي بالنماذج التفسيرية الملائمة، وهذا تعبير عن محاولة الفكاك من أسر كل من الواحدية الذاتية والواحدية الموضوعية المادية وصولاً إلى مستوى تحليلي قد يكون أقل يقينية ولكنه يطمح أن يكون أكثر تفسيرية. والمجلد الأول (الإطار النظري) يطرح إشكالية الطبيعي والإنساني، والموضوعي والذاتي، والكلي والجزئي ثم يقدم فكرة النموذج حلاً لها. والمجلد الثاني يتعامل مع الإشكاليات الأساسية الخاصة بالجماعات اليهودية. ولا يختلف الأمر كثيراً بخصوص المجلدات الخاصة باليهودية والصهيونية وإسرائيل، إذ يبدأ كل مجلد بمجموعة من الأبواب تطرح فيها الإشكاليات الأساسية التي تدور حول موضوع المجلد ثم يرد في بقية الأبواب النماذج التفسيرية الملائمة التي نتصور أنها ذات مقدرة تفسيرة عالية.

فـكر وأفكــار

نميز في هذه الموسوعة بين «الفكر» و«الأفكار»، فكلمة «فكر» ـ في تصوُّرنا ـ تشير إلى منظومة من الأفكار مترابطة من خلال نموذج معرفي كامن فيها، أما «الأفكار» فهي مجموعة من الأفكار لا يربطها سوى رباط سطحي براني.

وحينما يتعامل الإنسان مع الأفكار (وليس مع الفكر) يهمل النموذج المعرفي الكامن وراء الأفكار فيقوم بنقلها أو تناولها دون إدراك لأبعادها المعرفية (الكلية والنهائية)، ومن ثم يختفي المنظور النقدي وتتعايش الأفكار المتناقضة جنباً إلى جنب بسهولة ويسر ولا يمكن التمييز بين الجوهري منها والهامشي.

النماذجـــى

«النماذجي» كلمة تم توليدها من كلمة «نموذج». والنماذجي هو ما يُعبِّر عن جوهر النموذج ومنطقه الأساسي ويتحقق فيه النموذج. وقد فضلنا استخدام كلمة «نماذجي» بالنسب إلى صيغة الجمع على استخدام كلمة «نموذجي» بالنسب إلى الصيغة المفردة للكلمة، وذلك لأننا حينما نقول «اللحظة النموذجية» قد نتوهم أن كلمة «نموذجية» تعني «مثالية» (كما في قولنا «المدرسة النموذجية»). وتأكيداً على هذا البُعد التحليلي لمفهوم النموذج، فإننا نُفضِّل في سياقنا استخدام كلمة «نماذجية» على كلمة «نموذجية» الأكثر شيوعاً واستقراراً.

المتتالية النماذجية

يتسم النموذج، كأداة تحليلية، بأنه يكاد يكون خالياً من الزمان، كما يتسم بشيء من السكون. ولكن عنصر الزمان يمكن أن يدخل عليه، ومن ثم فإنه يأخذ شكل متتالية متعددة الحلقات تتحقق تدريجياً عبر الزمان.

والمتتالية، مثل النموذج، رؤية تَصوُّرية نماذجية جردها عقل الإنسان من ملاحظته للظواهر في نموها وتطورها عَبْر حلقات مختلفة أو تَطوُّرها من خلال عملية عقلية تصورية. وقد استخدمنا مفهوم المتتالية النماذجية في دراستنا لتطور الصهيونية (من صهيونية غير يهودية إلى صهيونية توطينية إلى صهيونية استيطانية)، وفي دراستنا للانتقال من التحديث إلى الحداثة وما بعد الحداثة، ومن مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة.


الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الجزء الثاني: النماذج كأداة تحليلية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الثاني
» الجزء الثاني: تاريخ الصهيونية.. الباب الأول
» الجزء الثاني.. المقدمة
» الفصول في السيرة: الجزء الثاني
» الجزء الثاني.. الباب الأول: الاستعمار الاستيطاني الصهيوني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: