كيف تمت السيطرة على اللواء السابع
حسب رواية جمال حماد، ما كاد اللواء محمد نجيب يصل، بعربته الأوبل، إلى مبنى رئاسة الجيش، حتى قابله جميع الضباط الأحرار، الموجودين في القيادة، بحماس شديد.
وجلس على مكتب رئيس هيئة أركان حرب الجيش يمارس دوره في قيادة الحركة.
والتفت حوله مجموعة، من الضباط الأحرار، من مختلف الأسلحة.
وكانت أنباء تجميع اللواء السابع المشاة، بمعسكر العباسية، بقيادة الأميرالاي رشدان، استعداداً للانقضاض على الحركة، لا تزال تثير كثيراً من القلق والاضطراب، بين الضباط الموجودين وقتئذ، والذين كانوا يقدرون خطورة هذه العملية على الحركة، إذ لم تكن توجد قوات كافية من المشاة لصده.
وقع اختيار البكباشي زكريا محيي الدين، الذي كان يتولى، في هذه الليلة، مسؤولية إدارة عمليات الحركة بأكملها، على الصاغ جمال حماد للتوجه، في الحال على رأس وحدة من السيارات المدرعة، إلى معسكر اللواء السابع، وكلفه بمهمة اعتقال قائد اللواء، والسيطرة على وحدات اللواء، وضمه إلى صفوف الحركة.
وعندما وصل جمال حماد إلى الساحة الفسيحة، التي تتوسط معسكر اللواء السابع، وزع السيارات المدرعة الست، على طول الطريق، الموازي لساحة المعسكر، بفواصل منتظمة، وأوقف السيارات، بحيث تكون مقدمتها، ومدافعها الرشاشة مواجهة للساحة، التي تتوسط ثكنات كتائب اللواء الثلاث (19، 20، 21).
واكتشف جمال حماد أن مجموعة من ضباط اللواء متجمعة في الساحة، مما أوضح له أن الأميرالاي رشدان استدعاهم من بيوتهم.
وقد سهل له هذه المهمة أن عدداً كبيراً منهم كانوا يقطنون في مساكن الضباط، في المنطقة المخصصة لهم، داخل معسكر العباسية.
وكف ضباط اللواء عن النقاش، الذي كان محتدماً بينهم، بصوت مرتفع بعد أن شاهدوا السيارات المدرعة، وهي تحاصرهم على الطريق الموازي لمعسكرهم، ورشاشاتها مصوبة في اتجاههم، ويبدو أن هذا المنظر أثار ثائرة أقدمهم رتبة وهو البكباشي نظيم إبراهيم، فاقترب من السيارات المدرعة، وهو يلوح بيده، وقد بدرت منه بعض العبارات التهديدية.
وكانت الخطة التي رسمها جمال حماد في ذهنه، أن يستخدم الكياسة في التعامل مع ضباط اللواء، مع الظهور، في الوقت نفسه، بمظهر القوة، وبإشارة متفق عليها، نزل اليوزباشي صبري القاضي، قائد السيارات المدرعة، مع رقيبين مسلحين من جنوده، حيث تولوا القبض على البكباشي نظيم، وعادوا به أسيراً إلى إحدى السيارات المدرعة، وهو يصيح بصوتٍ عالٍ طالباً إطلاق سراحه متوعداً الضابط، الذي أسره بأشد العقوبات.
وأسرع جمال حماد بدخول الساحة، حيث تجمع حوله الضباط، على الفور واكتشف أن معظم الموجودين من زملاء سلاحه وأصدقائه، الذين تربطه بهم صلات وثيقة، فسألهم عن قائدهم الأميرالاي رشدان، فأجابوه أنه قد ذهب، منذ فترة، إلى إدارة قسم القاهرة، ولم يعد بعد فأدرك أنه لابد قد وقع أسيراً في يد القوة المكلفة باحتلال مبنى قسم القاهرة.
وبادر الضباط بسؤاله عن الموقف، إذ أن الأميرالاي رشدان قد أبلغهم، عقب استدعائهم إلى المعسكر، بأن حالة الطوارئ قد أعلنت، بسبب قيام أفراد من الإخوان المسلمين، بعمل فتنة واضطرابات داخل الجيش، وأمرهم رشدان بتجهيز جنودهم، على وجه السرعة، استعداداً للتحرك، وأنه ذاهب إلى قائد قسم القاهرة لتلقي التعليمات منه.
وكان عدد كبير من ضباط الصف والجنود قد تجمعوا بأسلحتهم، في مجموعات، في الساحة الفسيحة، التي كان الضباط يقفون في ركن منها، بينما وقفت مجموعات أخرى أمام العنابر، بالأدوار العليا، يطلون على الساحة، بدورهم. ووجد جمال حماد الفرصة سانحة أمامه لمخاطبة ضباط وجنود اللواء مباشرة، وإيضاح الموقف لهم، بطريقة تجعلهم على يقين من أن الحركة قد نجحت، وأن الأمور قد استقرت، حتى لا يكون هناك مجال لأحد للتردد في الانضمام للحركة. انتقل جمال حماد إلى وسط الساحة، ورفع يده، إشارة إلى أنه سيوجه كلمة للجميع، فسكتت الأصوات، وألقى في الجمع المحتشد كلمة حماسية، أوضح لهم فيها أن الجيش قد قام بالثورة، ضد الأوضاع الفاسدة، في البلاد بقيادة اللواء محمد نجيب، مدير المشاة، وأن رئاسة الجيش قد سقطت، وجميع قوات الجيش انضمت إلى الثورة، وجميع قادة الجيش قد تم اعتقالهم، وأكد لهم أن الحركة خاصة بالجيش، ولا علاقة لها بأي حزب، أو هيئة وأن غرضها الأساسي، هو تحرير مصر من الظلم والاستعمار.
واشتد الحماس بالضباط والجنود، بعد هذه الكلمة وأسرع البروجية يضربون نوبة جمع، واندفع بعض جنود المشاة يعانقون جنود السيارات المدرعة، الذين نزلوا من سياراتهم لمبادلتهم مشاعرهم، وكان منظراً تاريخياً فذاً.
وأبدى البكباشي نظيم تجاوباً كاملاً، واعتذر عن تصرفه في بادئ الأمر، الذي عزاه لعدم إدراكه وقتئذ، حقيقة الموقف، فأُطلق سراحه، وانضم لزملائه، ضباط اللواء، ولم تمضِ فترة قصيرة حتى كانت كتائب اللواء الثلاث مصطفة، بأسلحتها، في الساحة التي تتوسط ثكنات الكتائب.
وأمر جمال حماد أقدم الضباط بفتح مخزن الذخيرة لتوزيعها على الجنود.
ولما اعتذر لعدم وجود المخزنجي، الذي يحتفظ بالمفاتيح، أمره بكسر باب المخزن والإشراف على توزيع الذخيرة، بواقع مائة طلقة لكل جندي. وكانت مفاجأة سارة غير متوقعة، عندما لمح جمال حماد طابوراً طويلاً، من عربات نقل الجند التابعة لسلاح خدمة الجيش، واقفاً في الانتظار، على يمين الطريق، بالقرب من معسكر العباسية، فوجه الطابور مباشرة إلى معسكر اللواء السابع. وبعد أن عهد جمال حماد إلى أقدم ضابط، في كل كتيبة بتولي قيادتها، بادر بالاتصال تليفونياً باللواء محمد نجيب، في مكتبه برئاسة؛ الجيش فأبدى تهنئته وابتهاجه، عندما علم بانضمام وحدات اللواء السابع إلى الحركة.
وأمسك البكباشي زكريا محيي الدين بسماعة التليفون، وبدا الاهتمام في نبرات صوته، وهو يستعلم عن حقيقة موقف اللواء.
وأوضح له جمال حماد أن كتائب اللواء الثلاث، (19، 20، 21)، مصطفة في ساحة اللواء، وأن الجنود مزودون بأسلحتهم وذخيرتهم، كما أن الحملة اللازمة لتحركهم، قد أمكن تدبيرها، مما يجعل الوحدات جاهزة للتحرك، بمجرد صدور الأمر إليها.
وأصدر زكريا محيي الدين تعليماته بإرسال سرية مشاة، على وجه السرعة، إلى دار الإذاعة، لتعزيز فصيلة الكتيبة (13)، التي قامت باحتلالها.
وأوضح زكريا أن وحدات اللواء السابع قد أصبحت، منذ هذه اللحظة، الاحتياطي العام للحركة.
وأن على وحدات اللواء البقاء بجوار العربات، انتظاراً لأية تعليمات تصلهم للتحرك إلى أية جهة.
كانت هذه رواية جمال حماد في شأن السيطرة على اللواء السابع، ولكن تخالفها تماماً رواية زكريا محيي الدين، الذي قال، في مقابلة له: "أنه قام بمحاصرة اللواء، من كل الاتجاهات بالمدرعات، ووجَّه إنذاراً بالميكروفون للواء بالتسليم، ثم دخل، مع مجموعة من الضباط، لمقابلة قائد اللواء العميد رشدان، وأخطره بأن اللواء محاصر، من جميع الجهات، وأن قيادة الجيش سقطت، وأُسر جميع القادة، وفي حالة عدم استسلام اللواء، فإنه سوف يعطي الأوامر بضرب اللواء بالمدرعات، وبذلك ستكون الخسائر جسيمة.
وبعد تفكير، انصاع الأميرالاي لصوت العقل، ورضخ لما قاله زكريا محيي الدين".
احتلال رئاسة سلاح الحدود
في معسكر الكتيبة (13)، بالعباسية، تحركت، عند أول ضوء، يوم 23 يوليه، آخر سرية مشاة بالكتيبة، وسرية المعاونة، تحت قيادة الرائد صلاح سعدة.
وفي معاونته تروب من الدبابات الشيرمان، وكان الهدف هو احتلال مبنى رئاسة سلاح الحدود، بكوبري القبة.
وكانت العملية مؤجلة حتى أول ضوء، كي يمكن اشتراك الدبابات، التي لم يكن، في قدرتها وقتئذ، العمل في الظلام لعدم تزويدها بأجهزة الرؤية الليلية، وكان الغرض، من اشتراك الدبابات، هو إحباط أية نية للمقاومة، عند جنود الحدود.
ونجح الرائد صلاح سعدة، بفضل لباقته مع جنود الحدود، في الاستيلاء على المبنى، دون مقاومة، ووجد هناك اللواء عازر جرجس، قائد ثاني سلاح الحدود، فاعتقله وأرسله تحت الحراسة، إلى المعتقل بالكلية الحربية.